رواية تمرد عاشق الجزء الثالث للكاتبة سيلا وليد هي حكاية تنبض بالمشاعر وتفيض بالصراعات الداخلية والخارجية، حيث تتقاطع الأقدار وتتشابك المصائر في قصة حب مختلفة لا تخضع للمنطق أو الزمن.في رواية تمرد عاشق الجزء الثالث، يعيش القارئ حالة من الانجذاب العاطفي والتوتر النفسي، وسط أحداث متسارعة تكشف أسرارًا مدفونة وقرارات مصيرية تغير كل شيء. الرواية لا تقدم حبًا مثاليًا، بل واقعيًا، مليئًا بالتحديات والتضحيات.
رواية تمرد عاشق الجزء الثالث من الفصل الاول للاخير بقلم سيلا وليد
بإحدى المناطق السكنية الراقية. كانت تغفو على الأريكة تذهب بسبات عميق، دلف للداخل يحمل بعض الأكياس البلاستيكية، وضعها بهدوء عندما وجدها تغفو بتلك المنامة الوردية وخصلاتها المنسدلة على الوسادة
تحرك حتى وصل إليها وجلس على عقبيه يرسمها بعينيه، لقد اشتاق إليها كثيرا بعد شهر ولم يراها به، اتجه بكفيه المرتعش يلامس خصلاتها هامسا باسمها.
- جنى. فتحت جفونها بتثاقل وكأنه يروادها بأحلامها، ولكن هبت فزعا عندما لامس كفيه وجنتيها وابتسامة على وجهه
ابتلعت ريقها بصعوبة تحاوط جسدها بذراعيها
-جاسر! ايه ال جابك هنا
استغرق لحظات يطالعها فقط، فحمحم ناهضا ينظر لتلك الأكياس.
-جبتلك حاجات، عرفت انك مخرجتيش بقالك فترة فقولت اكيد تلاجتك فاضية. جذبت مأزرها تضعه ترتديه، وتلملم خصلاتها، بعدما ولاها بظهره، فتحدثت: -لا عمو جواد كان هنا وجابلي حاجات. استدار إليها جاحظا عيناه متسائلا
-بابا! هو عرف مكانك
جلست تنظر للأسفل وإومات برأسها ايجابا والدموع تغيم بمقلتيها
رفع ذقنها بأنامله يتنهد بحرقة قائلا بنشيج مرير
-شكل بابا وجب معاكي، دا لو عرف
نظرت إليه وتكونت الدموع بعيناها.
-تفتكر واحد زي عمو جواد مش هيعرف ال حصل
كور قبضته وانفاسه تحرقه من يقترب منه
-يبقى عمره ماهيسامحني. اقتربت منه واحتضنت كفيه لأول مرة منذ فترة طويلة وتعلقت عيناها بعينيه إثر سماعها كلماته التي اخترقت جدران قلبها فتحدثت بتقطع.
-قولتلك بلاش تعمل كدا بس انت ال أصريت ياجاسر وشوف النتيحة، عمو جواد زعلان جدا، لو شوفت حالته إزاي بعد ماجه صعب عليا جدا، مش مصدق انك تعمل كدا فيه وصدمته الأكبر في بابا. ليه اتجوزتني يابن عمي.؟
بتر كلماتها مقترنا بابتسامة على شفتيه وهو يحتوي كتفها بين ذراعيه
-مش مهم، متخافيش بابا هيتفهم الموضوع، ومتنسيش انك عند جواد إيه ياجنجون.
انسدلت عبراتها تحرق وجنتيها وأجابته: -كان ياجاسر، كان وقت ماكنا عيلة، مش دلوقتي، شوف العيلة بقت إزاي، معدش فيها إلى ذكريات
احتضن وجهها ولثم جبهتها يحدق بها برماديته قائلا: -مفيش حاجة ضاعت، بكرة لما نرجع حي الألفي، كل حاجة هتتنسي
أنزلت ذراعيها وتراجعت للخلف تجلس على الأريكة
-مستحيل ارجع تاني هناك، مستحيل ياجاسر، انت ارجع لبيتك ومراتك ومالكش دعوة بيا، وخليك قد كلمتك ال اتفقت مع بابا عليها.
احس بقبضة قوية تعتصر صدره، فاقترب منها يجلس أمامها على عقبيه
-وأنا مش فاكر اتفقت مع باباكي على ايه، دنى يهمس بجوار اذانها
-لو فاكرة يابنت عمي فكريني
تراجعت للخلف تحتضن نفسها وتهرب من نظراته التي تخترقها. ارتبكت متمتمة
-انا هقوم أجهز الغدا، تاكل قبل ماتمشي، قالتها ونهضت متجهة للمطبخ سريعا
تحرك خلفها بالشنط البلاستيكية ووضعها على الرخامة. وتحرك يقف خلفها يحاوطها بذراعيه
-أنا مش همشي، أنا هبات هنا الليلة.
سقط الذي بيديه حتى أصدر صوتا، فارتبكت تجمع الزجاج، نزل يجمع الزجاج، مبتعداً بها عن المكان، يحتضن كفها الذي نُزف
-ينفع كدا مش تاخدي بالك، مفكرة نفسك طفلة
ران صمتًا هادئا عليهما وهو يقوم بتنظيف جرحها، لم يخل من النظرات وحبس الأنفاس والتفكير يأبى طي الكتمان فإما البوح والأستكانة، أو الصمت والعذاب الأبدي.
-بتعمل كدا ليه يابن عمي، ياترى تكفير ذنب عن ال حصلي، ولا. رفع ابهامه يضعه على ثغرها ودنى ورماديته تحاور بنياتها
-إياكِ تغلطي، عشان وقت العقاب هيكون شديد أوي يابنت عمي
رجفة أصابتها وهي تعانق عيناه وهمست
-ابعد عني عشان متتأذاش ياجاسر، أنا ميرضنيش الأذى والوجع
جذبها بقوة هامسا لها
-وجاسر يستاهل العذاب ياجنى، لا يتعذب ويكفر عن ذنوبه. ارتفعت شهقاتها وهي تحاوط خصره.
-أنا مؤذية للكل، اذيت الكل، فرقت الكل، ليه بيحصل معايا كدا، هو أنا وحشة لدرجة الكل بقى يكرهني كدا
أخرجها من أحضانه يحتضن وجهها وتكورت عبراته يرسم وجهها الجميل
-إنتِ أجمل بنت في الدنيا دي كلها، إنت البلسم والدوا ياجنى، اوعي حبيبي تقولي كدا
بكت بنشيج وارتجفت شفتيها تهز رأسها رافضة حديثه
-وبدليل أنا هنا، مهاجرة بعيد عن حضن أمي وأبوي، واخويا ال حياته ادمرت بسببي.
بتر حديثها يبتلع كلماتها بجوفه لأول مرة يتذوق تلك الشفاة التي أرهقت منامه حتى لم يشعر بهدوء روحه العاصية، لحظات وهو يحتضن شفتيها، ربما هدوء لملمة نفسه، أو هروبا من القادم، كل مايجب فعله ومايشعر به هو تذوقها فقط
قبل سنة
بفيلا صهيب الألفي
تجلس تلك الجميلة بتصميم ذاك المشروع، دلف إليها أخيها الأكبر بعد السماح له
-مساء الجمال على حبيبة اخوها. نهضت تقابله بإبتسامة بشاشة
-مساء الورد حبيبي. عامل إيه؟
جذب المقعد وجلس عليه ينظر لتلك الأوراق
-الجميل بيعمل إيه؟
جلست بمقابلته وأشارت للرسومات
-دا مشروع تبع مسابقة في إحدى الشركات، لقيت اعلان بالصدفة وقولت ادخل أجرب حظي
مط شفتيه للأمام ينظر لتلك الأوراق مرة وإليها أخرى متسائلا
-عايزة تشتغلي؟
تراجعت للمقعد ترفرف بأهدابها تبتعد بانظارها عنه، فتحدثت بصوت خافت
-عايزة اشتغل يا عز مش حابة قعدتي دي، وانت عارف بحب مجال عملي أوي
اومأ برأسه متفهمًا.
-جنى لو عايزة تشتغلي عشان انتِ حابة الشغل معنديش مشكلة، أما إذا. توقفت باترة حديثة بقلب يأن وجعًا
-ممكن ياعز تنسى اي حاجة ودلوقتي بجد انا حابة اشتغل واعمل كيان لجنى الألفي
نصب عوده واتجه يضمها من اكتافها
-أنا معاكي في أي قرار بدل هيسعدك، المهم ميكونش هروب ياحبيبتي
فاهمة. وضعت رأسها بأحضانه
-أنت أحسن أخ في الدنيا كلها. أخرجها يطبع قبلة مطولة على جبينها قائلا.
-هسيبك تخلصي شغلك. قالها وخرج وتبدلت ملامح وجهه للحزن على أخته. تمنى لو يزيل آلامها. قابلته والدته
-حبيبي انت كنت فين. اجابه ومازال وجهه متالمًا
-كنت بشوف جنى وطالع جناحي عايزة حاجة حبيبتي
ربتت على كتفه وسألته
-متخليش علاقة جنى بجاسر تتأثر بمراتك ياعز عشان متخسرش حبيبي، وخليكي فاكر ان جاسر مظلوم، أنا شايفة علاقتك بيه بقت عدوانية، هو مالوش ذنب ولا يعرف
صعد عز بعدما أومأ لوالدته متجها لشقته بالأعلى.
بفيلا جواد الألفي
استيقظ جواد على صوت منبه، قام بإغلاقه ثم اتجه للتي تغفو تتوسد ذراعيه، دنى يطبع قبلة بجانب شفتيها، فتحت رماديتها وأردفت بصوتًا مبحوح من النوم
- صباح الخير حبيبي، داعب أنفه بوجهها مردفا
-صباح الحب على حبيبة جود، ابتسمت واعتدلت تضع رأسها على صدره
دا إيه الروقان الحلو دا ياحضرة الظابط
قهقه عليها وهو يعتدل
-رجعنا لحضرة الظابط ياتيتا غزل.
اعتدلت تعقد ذراعيها بعدما جمعت خصلاتها.
-وجينا للأسئلة حضرة الظابط ال كلها شك
نزل من فوق مخدعه
-طلبات أوامر ياغزالتي، قولي عايزة ايه
-جود حبيبي رمضان بعد يومين ماتيجي ننزل الفيوم، نقضي الشهر دا كله هناك
صمت هنهية يتذكر تلك الأيام. ثم جلس بجوارها يحتضن وجهها
- ان شاءالله حبيبتي، هشوف الموضوع دا مع صهيب، متنسيش المشروع الوزاري الجديد اللي الولاد داخلين عليه
رفعت يديها تحاوط جسده.
- انا عايزة نقضي حياة هادية شوية، ونلم العيلة كلها وشهر رمضان مفيش أجمل منه
طبع قبلة مطولة على جبينها
-أنا أكتر منك يازوزو، عايز اجمع الولاد، وخصوصا ولاد حازم، جواد بقى يهرب من إجتماعات العيلة، ودا مزعل باباه بس مش قادر اتكلم، وكمان جاسر مش عجبني الأيام دي، مصدقت يسيب شقته ويرجع تاني هنا
استندت بظهرها على مخدعها ثم طالعته وتسائلت.
- انت مش شايف رجوع جاسر هنا هيكون مش صح، اعتدل نازلا متجها لمرحاضه ولكنه توقف وأجابها
-مش هنفضل نهرب ياغزل، لازم الموضوع يكون عادي، عارف الغلط عندنا من الأول، بس جنى أكتر واحدة غلطت فلازم تتحمل غلطها
نهضت تقف بمحاذته واجابته بإذعان
-بلاش إنت اللي تقول كدا ياجواد، البنت صغيرة ومكنتش تعرف شعورها ايه، يمكن واخدة جيناتك ياحبيبي.
زفر بغضب من اسلوبها فمهما مرت السنين فتظل الطفلة. ولكن تسمر بوقوفه عندما تسائلت غزل
-وكمان انا عندي احساس ان جاسر بيكن مشاعر لجنى وهو مش عارف يترجمها، ممكن ياجواد يكون جاسر بيحب جنى وهو مش عارف، وحبه لفيروز يكون حب انبهار بجمالها وشخصيتها
استدار ينظر إليها وكأن سؤالها خرج بقلبه المتألم الذي يحاول أن يصل لذاك السؤال الذي يشغله كثيرا
حاول السيطرة والتفكير بهدوء فتحدث.
-اياكِ تتكلمي في الموضوع دا حتى مع نفسك ياغزل سيبي ابنك بلاش تشتتي حياته، دا مجرد وهم. قالها وتحرك سريعا للمرحاض
بالإسكندرية
وصل ريان بمرافقة نغم إلى فيلا بيجاد الذي هبط إلى الأسفل لمقابلة والده ووالدته وهو يحمل ابنه سفيان، وصل لريان الذي التقطت يديه حفيده
- مساء الورد ياجدو عامل ايه حبيبي، احتضنته نغم
- عامل ايه ياحبيبي وغنى عاملة إيه
جلس بجوار والدته وهو يبتسم
- أحسن يانغوم، معلش هنتعبك معانا الليلة.
تلقفت سفيان من ريان وهي تقبله
- حبيب ناناَ وحشتني قوي، رفعت بصرها لبيجاد وهو تمسد على خصلاته
- لا ياحبيبي مفيش تعب ولا حاجة، بالعكس من وقت مابابا سابلكوا الشغل واحنا بنفرح قوي لما تجيبوا الولاد، استمعت لهمهت سفيان
- ببب بابا، قبلته على خديه بقوة
- الولا دا هيطلع شقي قوي يابيجاد، ضحك بيجاد على شقاوة ابنه عندما جذب حجاب نغم وبدأ يلاغيها بصوته الطفولي.
قاطعهم وصول غنى، التي هبطت بفستانها الأنيق، وطلتها الجذابة مما جعل بيجاد يحتضنها بنظراته حتى وصل إليها يضمها من خصرها، توردت وجنتيها عندما رأت ريان ونغم شعرت بالخجل من وقاحة زوجها وهو يضمها ثم طبع قبلة على وجنتيها
-طيب أعمل إيه في الجمال دا غير إني اخطفها
نصب ريان عوده متجها للأعلى وهو ينظر لأبنه بسخريه
- منحرف يابيجو طول عمرك، طب اعمل حساب لابوك يابغل
قهقه بيجاد على والده فتحدث متهكمًا.
- بلاش إنت ياريو، دا أنت ريحتك سبقاك ياحبيبي
صعد ريان الدرج وهو يقهقه على ابنه ثم توقف بالمنتصف
- نغم نومي الولد وتعالي عايزك، رفع بيجاد حاجبه بسخرية
- بقيت جد ياحج، ارحم نفسك شوية وراعي إنك مش في بيتك
لكزته غنى وهي تفرك بكفيها تنظر لنغم بخجل من بجاحة زوجها
- بيجاد إنت مش خارج ولا إيه؟ قالتها نغم
احتضن كف زوجته وتحرك وهو يرمق والده
- خلي بالك من حفيدك ياريو، عشان احبك.
إغتاظ ريان من وقاحته فتحرك صاعدا دون حديث آخر
توقفت غنى أمام نغم تمسد على خصلات ابنها
- انطي نغم لو تعبك خلي المربية تهتم بيه، هو واخد عليها والصراحة هي كويسة وبتعرف تتعامل
ربتت نغم على كتفها بمحبة
- حبيبتي روحي انبسطي ومتخافيش عليه، بالعكس انا فرحانة بيه قوي
قبلته ثم تحركت للخارج حيث ينتظرها بيجاد.
وصل بعد قليل لليخت دلفا إليه، كان مجهزًا إحتفالا خاصًا بهما. سحب كفيها وصعد لسطح اليخت الذي ينير بأضواء الشموع الخافتة والموسيقى الهادئة
توقفت أمامه تطالعه
- إيه دا، قولت هنتعشى، أنما دا إحتفال
حاوط خصرها يطالع رماديتها
-مين قالك عشا، أنا قولت كدا، أنا قولت هنسهر مع بعض
قام بفك حجاب بهدوء واضعا كفيه بين خصلاتها الحريري.
-وحشتيني قوي ياغنايا، من وقت ماسفيان جه ومخرجناش مع بعض ابدًا، ولا قعدنا لوحدنا، دايمًا سفيان بينا، عايز غنى بتاعة زمان اللي جننت بيجاد وقعته على جدور رقبته
رفعت نفسها تحاوط عنقه وهمست له
- وغنى بتعشق بيجادها، ومش شايفة غيره، طبعت قبلة بجانب شفتيه
- آسفة عارفة أني قصرت معاك الفترة اللي فاتت، بس دا ميمنعش ان غنى بتعشق بيجاد.
انزل برأسه في خصلاتها يستنشقها كالمدمن وهو يتحدث: - مش عارف اوصلك إشتياقي إزاي، رفع رأسه وتقابلت نظراتهما بعشقهما فهمس لها
-وصلتيني لمرحلة مش عارف أعبر عن إشتياقي، احتضنت بين راحتيها
-آسفة حبيبي، رفعها من خصرها حتى أصبحت بمقابلته فتحدث وهو يدور بها
-أسفك غير مقبول ياغنايا، ولازم تعوضيني عن الأيام اللي فاتت، وضعت جبينها فوق خاصته
-متبقاش بكاش يابيجو، دا أسبوع ياحبيبي متحسسنيش أنهم شهور.
أنزلها ومازال محاوط جسدها قائلًا
-اغلطي كمان حبيبي، الليل طويل للعقاب
انتفض جسدها وإزداد إحمرار وجنتيها وهو يطالعها بخبث، ويضغط على خصرها
-بيقولوا النهاردة عيد الحب إيه رأيك في الكلام دا
فاض الحب بعيناها حتى ارتسمت على ملامحها
تحتضن وجهه مقتربة منه هامسة
-بيجاد وغنى مالهمش عيد حب لأن أيامهم كلها حب
قهقه بصوته الرجولي وهو يدور بها، ثم بدأ يتمايل على ألحان الموسيقى.
- غنايا بتعرف تهرب من عقاب جوزها، داعب وجهها
-الحب هو إنتِ حبيب قلبي، رفعت رأسها وهي تحاوط عنقه
- أجمل هدية في الحياة إنت وسفيان، رفع حاجبه بسخرية
-نعم ياختي، هتجمعيني مع ابنك الشبر ونص
أطلقت ضحكة خافته من شفتيها وتحدثت بشقاوة
- دا حبيبي على فكرة، ابتلع كلماتها بجوفه حتى سلب أنفاسها
فصل قبلته عندما شعر بإختناقها، دفعته وصدرها يعلو ويهبط.
-ابعد يامجنون خنقتني داعبت انامله خصلاتها متأسفًا، ثم ضمها بقوة لأحضانها
- عشان تغلطي تاني ياقلبي، بيجاد ميتحطش في خانته حبيب غيره ودلوقتي جه وقت العقاب، قالها وهو يحملها متجهًا للداخل
عند فيروز وجاسر
دلف لغرفته وجدها تجلس بالشرفة وهي تحتسي مشروبها المفضل، وصل مقبلا رأسها، ثم خطف كوبها.
-ينفع تشربي من غيري، ارتشف البعض من قهوتها، ثم اوقفها لتجلس على ساقيه، مد كفيها يزيح خصلاتها على جانب كتفها يمسدها بهدوء
-عملتي إيه النهاردة، خرجتي من الأوضة ولا لا
رفعت بصرها إليه
-جاسر هنفضل هنا لحد إمتى، إنت قولت هنرجع شقتنا، وعدى اسبوعين كاملين انا اتخنقت الصراحة هنا
رفع ذقنها ناظرًا لفيروزتها
- فيروز إحنا هنفضل هنا مينفعش نرجع تاني الشقة، خلينا هنا لو سمحتِ، أنا هنا مرتاح أكتر.
هبت فزعة من على ساقيه
-قصدك أيه؟ هنفضل هنا في الجو دا، انت مش شايف والدك بيعمل أيه
بدأ تعد على اصابعها
- النوم بميعاد والأكل بميعاد، الخروج بميعاد، غير طبعا الدوشة اللي كل أسبوع لازم نفطر ونتغدى ونتعشى مع بعض
زفر بغضب ثم توقف محاولا السيطرة على نفسه حتى لا يغضب عليها، سحب نفسًا ثم طرده
- فيروز ممكن تهدي وخلينا نتكلم بالعقل، اولًا بابا عمره ماادخل في اللي قولته، من إمتى بيعمل اللي بتقوليه دا.
فوقي يافيروز وحافظي على حياتنا، إنت كدا بتضيعينا
عند عز وربى
دلف لجناحه وجدها تجلس بذهن شارد أمام المرآة وتقوم بتمشيط خصلاتها ولم تشعر بوجوده. احتضنها من الخلف يطبع قبلة على خديها
-حبيبي سرحان في إيه. تلاقت بعيناه في المرآة
-ابدًا مفيش، بفتكر النهاردة حصل حاجة غريبة في سكشن التشريح
ضيق عيناه متسائلا
-إيه ال حصل. نهضت تقف بمقابلته تنظر إليه بعمق مردفة.
-مش ملاحظ من زمان قوي مسألتش السؤال دا ياعز حتى بقيت انسى إيه ال بيحصل عشان احكيه. على العموم مفيش حاجة مستاهلة
حاوط خصرها يضمها وسؤالها الذي خرج من ثنايا قلبها متألم ليحرق صدره. سحب نفسا يزفره
-آسف يارُبى، بجد آسف ياعمري، ووعد مني بعد كدا مش هغيب عنك تاني
خرجت من أحضانه متجهة لغرفة ملابسها، تحرك خلفها يجذبها من الخلف
-روبي قلبي ممكن حبيبي تجهزي عشان نخرج نتعشى، فيه كلام مهم لازم نتكلم فيه.
استدارت تناظره بإستفهام
-فيه إيه ممكن تقولي هنا مش محتاجة نخرج. تحرك للخارج لمجرد لحظات ثم رجع يحمل بفستان باللون الأحمر ووضعه أمامها ينظر بساعة يديه
-نص ساعة والاقيكي جاهزة. قالها وتحرك للخارج. ضربت قدميها بالأرض
-مش هخرج ياعز. صاح بها قائلا
-عدى دقيقتين ياروح عز. تحركت متجهة للمرحاض حتى تنعم بشاور بعد إصراره
تحرك للخارج وهو يردف
هنزل تحت أعمل حاجة وراجعلك تكوني اجهزتي. قالها متحركا عندما استمع إليها.
-لو اتأخرت وحياة ربنا ماهخرج معاك سمعت
ابتسم على طفلته، ثم هبط متجها لمكتب والده. طرق الباب ودلف قائلا
-صهيب باشا فاضي خمس دقايق
أشار بيده قائلا
-تعالى حبيبي. أنا خارج عمك سيف عايزني، فيه عريس جاي لهنا ولازم نشوفه
اومأ برأسه متفهما، سحب نفسا عميقا وطرده
-جنى عايزة تشتغل، ياترى شايف ان دا مناسب خاصة انها رافضة مجموعة الألفي والمنشاوي ومصرة على مجموعة رجل الأعمال الجديد دا
نهض صهيب وجلس بمقابلته.
-قصدك على يعقوب المنسي، دا متخافيش منه حبيبي، والشغل دا عمك جواد بنفسه هو ال اتوسطلها في مجموعته
تفهم حديثه فتحدث
-برضو يابابا لازم تاخد بالك منها، عايزين نقرب منها الأيام دي وخصوصا بعد إصرار عمه بوجود جاسر في البيت
ربت صهيب على كتف ابنه
-متخافش على اختك ياعز، جنى قوية مش ضعيفة
رفع بصره متمنيا حديث والده ثم ودعه وتحرك متجها لوجهته.
بعد قليل عاد كطالب مجتهد فاز بتفوقه، قام بإعداد سهرة خاصة بهما فمنذ إخبارها له بخبر حملها ولم يخرجا سويا. قام بحجز مطعم يطل على النيل وحفلة أعدها لهما وحدهما وقام بالإشراف عليها بنفسه. وصل أمام المنزل بعد الانتهاء. صعد لجناحه كانت قد انتهت من حمامها مردتية الثياب الخاص بالحمام، اتجهت لغرفة الثياب ولكنها اصطدمت به وكادت أن تسقط لولا ذراعيه القويتين. حاوطها بذراعيه يضمها لصدره وهو يهمس بجانب أذنها: - حبيبي مش ياخد باله وهو ماشي.
لكزته بظهره وتحدثت: - أنا برضو اللي أخد بالي، وحضرتك إيه بقى
رفعها من خصرها حتى فقدت تلامس الأرض واتجه للأريكة وجلس وأجلسها على ساقيه، ثم أزال المنشفة من فوق رأسها وقام بتجفيفه، يستنشق رائحتها مغمض العينين، فتح عيناه وغمز بعيناه
-بتعاندي مين ياروبي، بقالك ساعة في الحمام، دا أنا رحت ورجعت وحضرتك لسة بتستحمي، ليه بقالك سنه
-لكزته بجنبه
-بطل رغي وقولي ايه المناسبة عشان نخرج وأنا ماليش مزاج.
جذب خصلاتها يضع عنقه يستنشق رائحتها قائلا بتلذذ
-إحنا غيرنا ريحة الشاور يارُبى، وبقينا نستعمل روايح من ورايا، لكمته بصدره
-يوووه معرفش ياعز مالك اتجننت، ريحة الشاور التانية بتأذي معدتي، وقولت لك هغيره، لكن حضرتك مش واخد بالك، مش بقولك بقيت بعيد عني يابن عمي
نهضت من على ساقيه وتحركت خطوة. جذبها ليقربها منه أكثر وأكثر حتى أصبحت بأحضانه.
- رُبى البسي الفستان، لما أدخل آخد شاور تكوني جهزتي، وهنخرج نتعشى برة، وكمان هنبات في الفندق
رفرفرت بأهدابها الكثيفة تحاول أن تستوعب حديثه فتسائلت: - تقصد إيه ياعز؟ حاوطها بذراعيه يدور بها بهدوء كأنه يتراقص معها وتحدث بسعادة: - لازم البابا يصالح الماما ويقولها آسف كتير
رفعت كفيها تحتضن وجهه بين كفيها.
- بجد ياعز هنخرج ونتعشى مع بعض، انكمشت ملامحه بحزن فيبدو ان تلك الفترة عانت زوجته كثيرا ببعده عنها، حاول السيطرة فرسم إبتسامة ثم أومأ برأسه وهو يحملها متجها بها إلى غرفة الملابس و أنزلها بهدوء ومازال محاوطها بذراعيه. رفع بصره لذاك الفستان الذي يعلق أمامها
- اجهزي حبيبي لحد مااخد شاور، قالها وهو يقبلها بجانب شفتيها، ثم تحرك متجها للمرحاض.
بعد قليل وصلا إلى المطعم، ذهلت وتوسعت عيناها توزع نظراتها بالمكان وهي تدور حوله
-دا ايه الروقان دا ياحبيبي. ارتفعت ضحكاته
وهو يحاوط خصرها ويرفعها يدور بها
-آسف، آسف ياحبيبة عز، جلس وجذبها تجلس بجواره ينظر لرماديتها التي اشتاقها حد الجنون. ظل يتسامرون لوقتا طويلا، ثم توقف يبسط كفيه ليتراقصا على الموسيقى الهادئة
حتى شعرت بالأرهاق فجذبها لأحضانه متجها بها للفندق الذي قام بالحجز به.
مرت عدة ساعات بنومها الهادئ بعدما قضت بصحبته وقتا رومانسيا حتى شعرت بأنها كطائر ينشد بأعذب الألحان، بعد فترة
استيقظت على ألمًا يغزو جسدها، انزلت ساقيها بهدوء من مخدعها وتحركت وهي تكاد تخطو من شدة آلامها، وصلت إلى المرحاض، جلست على الأرضية وقامت بفراغ مافي معدتها، تأوهت من آلامها التي بدأت تزداد وإذ بها تبكي عندما وجدت ماسقط من بين ساقيها.
أغمضت جفنيها متألمة وبكت بنشيج عندما شعرت بفقدان جنينها، استيقظ عز يبحث عنها بأرجاء الغرفة، هب فزعًا من نومه عندما إستمع لبكائها، اتجه إليها سريعًا، دلف للمرحاض، وإذ به يتسمر بوقفته حينما وجدها بتلك الهيئة، أسرع إليها يساعدها بالنهوض قائلا بصوت متقطع حينما فقد سيطرته على نفسه من مظهرها الباكي
- حبيبي إيه اللي حصل، رفعت عيناها التي تنسدل منها عبراتها بغزارة.
- أنا بنزف ياعز، شكلي فقدت البيبي، رفع خصلاتها وتحدث بهدوء: - إهدي حبيبة عز، ان شاء الله كل حاجة هتكون تمام، تعالي ياله ننزل نشوف دكتور
هزت رأسها رافضة بدموعها
- وديني لماما ياعز، عايزة أروح لماما، احتضن وجهها بين راحتيه ناظرا بمقلتيها
- روبي حبيبي ممكن تهدي، حتى لو البيبي نزل، مش مشكلة أهم حاجة عندي إنت، حبيبتي بلاش توجعي قلبي، دلوقتي هننزل للدكتور، وكل اللي يحصل هيكون نصيبنا، قدر ومكتوب.
حملها بين ذراعيه متجها للخارج، وقام بتغيير ثيابها بالكامل، ثم ذهبا للطبيب
عند أوس وياسمينا
دلف إليها بكوبًا من اللبن وهو يطلق صفيرًا، ويغمز بعينيه
- جبتلك أكتر حاجة مغذية ياروح الروح، وضعت كفيها على وجهها وصاحت
-بلاش وحياتي يااوس، اطلق ضحكاته وجلس بجوارها يضمها من أكتافها
- طفلة ياناس، أنا متجوز طفلة، ولازم أرجع افكر جديا إزاي اختار شريكة حياتي، لكمته بكتفه وتحدثت.
- هو مين دا اللي يفكر إن شاء الله، والله اكلك كدا ومخليش فيك حتة سليمة
ضحك بصوتًا صاخب عليها وأشار بيديه
- ولا حتى هتسيبي حتة أد إكده، لكمته وهي تضع رأسها بأحضانه
-بس بقى متبقاش غلس، ولا إنت مستضعفني عشان تعبانة يعني
احتضن وجهها واضعا جبينه فوق جبينها
-تعرفي أنا بحبك قد إيه، رفعت بصرها وعيناها الزيتونية اللامعة بعشقه.
-مش أكتر مني ياأوس مهما تقول وتعد، حبي ليك فاق موج البحر، قطع كلامها بقبلة شغوفة حتى انقطعت انفاسهما، ثم اردف بصوتًا مبحوح بمشاعره الجياشة
-ربنا يخليكِ ليا ياروح قلبي، ياسمينة ميزان حياتي
اعتدلت وجلست بمقابلته ممسكة كفيه ثم وضعتها على بطنها
-قولي بقى ناوي تسمي البيبي إيه
جذب رأسها ثم طبع قبلة حنونه فوق رأسها
-يجي بالسلامة حبيبتي، وبعد كدا نسميه مع بعض
عند جواد حازم
جالسًا بحديقة منزله يتحدث بهاتفه.
-لا مش هقدر صدقيني ياشهد، آسف خليها مرة تانية، وصل جاسر إليه جاذبًا مقعد
-مش كلمتك وقولت لك عايزك، مجتش ليه
أشعل سيجاره وبدأ ينفثها بوجه جاسر قائلًا
-عايز إيه ياجاسر؟ لو جاي تكلمني على جنى الموضوع بينا انتهى، هتسالني ليه، هقولك معرفش
رمقه جاسر بنظرة نارية
-من إمتى وانت بتشرب سجاير!
قوس جواد فمه وابتسم بسخرية
- من وقت ماانت شربت كمان، إيه هو أنا عبيط ومش عارف انك بتشرب بس بتخبي لحسن جواد الألفي يقفشك.
دفعه بمظهرية توضع على المنضدة أمامه
-بقيت بارد وثقيل ياجواد، ودلوقتي عايز اعرف ايه اللي حصل بينك وبين جنى خلاها توصل للمرحلة دي
نصب جواد عوده ونهض يعطيه ظهره وظل ينفث سيجاره ولم يتحدث، توقف جاسر بمحاذته وتحدث
-من إمتى وانت كدا ياجواد، من إمتى وانت بقيت بارد ومبتحسش باللي حواليك
زفر جواد بغضب واتجه يحادثه بفظاظة.
- بص ياجاسر حياتي الشخصية بعد كدا محدش يتدخل فيها، لو عايز تسأل على جنى اهي عندك إسألها وبلاش تعملي مصلح إجتماعي للعيلة، وياريت تعرف بنفسك إيه اللي حصل ياصاحبي قالها ثم تحرك يجمع اشيائه متوجها لسيارته، ناداه جاسر ولكن لم يلتفت واستقل سيارته وذهب
عند بيجاد.
أخيرا اشبع روحيهما التي انقطعت لعدة ايام، وأصبحت له روحه كفراشه عندما اكتملت ليلته بعشقها الدفين ليظل عشقها يتربع على عرش قلبه، ورغم إنقضاء ليلته لكن لم ينتهي هيامه وعشقه، استلقى على ظهره بجوارها وجذبها للتتوسد حضنه وشعوره بالأكتفاء بها يعبأ صدره لدرجة جعله يبتسم رافعا رأسها لوجهه هامسا أمام شفتيها.
-قوليلي أنام إزاي دلوقتي بعد اللي حصل دا، مررت أناملها المفعمة بالحب على وجهه ثم تحدثت بصوتًا يهيم به عشقًا
-أنا معنتش عايزة حاجة من الدنيا تاني، يكفيني حضنك دا، بيجاد همست بها من بين شفتيها مما جعله يقترب منها ليسمع همسها الذي يجعل قلبه كمضخة بنبضاته لها، نبضات تدق كالطبول
هز رأسه لتكمل معزوفتها بإسمه، تخللت أناملها بين خصلاته وهمست له.
-دعني اترجم لك قصائد عشقي بكل لغات العالم، ادونها لك بكل أساطير الحكايات، حبيبي من عينك بدأت ثورة حروفي والكلمات، وسطرتُ رواية عشقي بلا أكاذيب او خرافات وعلى دقات قلبي عفا حنيني وبات حبك وانا لا أعرف هزيمة ولا أرفع الرايات فدعني حبيبي أريك عشقي بكل اللغات.
أطبق على جفنيه فماذا تفعل به جنيته الصغيرة، حتما ستؤدي به إلى الهلاك، تنهد بصوتًا عال حتى لاحظت إرتفاع صدره متخذا نفسا طويلا حتى يسيطر على كم مشاعره التي فجرتها تلك الصغيرة بكلماتها التي اذابته عشقا
حاوطها بذراعيه وهو يذيبها بين أحضانه حتى سحقها بالكامل لتحتفي بين أحضانه، وهو يتحدث بخفقات قلبه.
- نامي حبيبي ومش عايز أسمع غير دقات قلبك بس، خليني عاقل ياغنايا، بحاول أكون عاقل ياقلبي، صدقيني دا هيوصلك بكرة لأبوكي وانت ماشية على رجليك
أطلقت ضحكة انثوية فجرت ماكان يحاول السيطرة عليها فحولته من رجل عاشق لرجل مجنون بالعشق
عند ربى وعز
عاد لمنزلهما بعدما ذهبت للطبيب الذي أكد على فقدانهم للطفل، حملها بين يديه وهو يحادثه بأعذب الكلمات حتى سكنت بين أحضانه
بعد عدة شهور.
جلس الجميع بحديقة منزل جواد فاليوم هو التجمع العائلي، كان عز يجلس يحاوطها بذراعيه وينظر لجواد
-إحنا هنسافر فرنسا ياعمو، أنا بخبرك بس مش باخد رأيك على فكرة
قهقه بيجاد عليه ونظر غامزا بجانب عينيه
- وانا هسافر انا وغنى لندن، عندي اجتماع هناك ومش هننزل الا بعد خمسين سنه، اتجه جواد لأوس وجاسر
-وانتوا كمان مش عايزين تسافرو، ابتسم جاسر بسخرية وهو ينظر لهاتفه.
- ياريت ينفع ياحج نعمل ايه في الوظيفة اللي منعاك من السفر كأنك مجرم
أما أوس فنظر لبطن زوجته المنتفخ
- لا ياحج انا اهم حاجة عندي مراتي تقوم بالسلامة، جز جواد على أسنانه من برودهم فنصب عوده وتوقف يوزع نظراته بينهم جميعا
-بص يلاَ إنت وهو سفر مفيش سفر، ودا آخر كلام
اتجه بنظره لصهيب الصامت وأشار بيديه
-انت شايف المستفز عايز يعمل ايه يهاجر ياصهيب
زفر صهيب بحزن ورفع نظره إليه
-هو مصمم ياجواد.
وصل لبيجاد بخطوة وسحبه من تلابيبه
-بص يلا انا بصبر نفسي عليك بالعافية، عايز تسافر سافر في داهية تاخدك إنما بنتي تسافر معاك دا لما تشوف حلمة ودنك، ودلوقتي ابعد عنها ياحمار
جذب غنى التي تنظر لبيجاد وهي مبتسمة
-انا قولتلك هتقوم الدنيا حريقة اشرب بقى، احتضن جواد وجهها
-عايزة تسيبي بابي ياغنى عشان الجحش دا
جلس بيجاد وهو يضع ساقا فوق الأخرى وهو يطلق صفيرا كأنه يخرج وحش جواد فتحدث ليكمل عليه.
-مش هتقدر تمنعني، دي مراتي وأنا حر
قهقه الجميع عليه، اتجه جواد لغزل التي تضحك ثم رمقها بنظرة نارية
-فرحانة أوي وانتِ عارفة الحلوف دا هيسافر ببنتك
توقف بيجاد ووقف بمحاذته وهو يربت على ثياب جواد
- شوف ياحمايا العزيز، أنا كمان بحاول اتحملك، اه حياة النعمة، فبلاش تخرج وحش بيجاد اللي جوايا
دفعه جواد بقوة حتى هوى ساقطًا على المقعد وتحدث بغضب
-انا مش بهزر يابيجاد، غنى مش هتخرج من مصر حتى لو هطلقها منك.
نهضت غزل وسحبت كفيه
-تعالى ياجواد بيجاد بغيظك مش أكتر انا سمعته بيتفق مع عز عشان يعاندوك مش أكتر
وصلت جنى ونهى إليهم ملقية تحية الصباح
-صباح الخير، نهض عز سريعا متجها إليها
-صباح الورد ياحبيبتي، عاملة إيه دلوقتي
هزت رأسها وأجابته
-كويسة ياحبيبي، مالها هذا ماتسائل به جاسر عندما رفع بصره إليها، لم يراها منذ أكثر من شهر بعدما كان لايفرقهما سوى النوم.
نظرت إليه وإلى فيروز التي تجلس بجواره متشابكين الأيدي، جلست بجوار والدها الذي قبل جبينها، أما جواد حازم الذي دقق النظر إليها لقد قل وزنها كثيرا وضاعت ضحكة عينيها، هل هو السبب للوصول حالتها تلك
وضعت رأسها على كتف عز وأردفت
-شوية برد مش مستاهلة، اتجهت غزل تمسد على وجهها
-حبيبتي عملتي التحاليل اللي قولتلك عليها، هزت رأسها نافية وترقرق الدمع بعينيها
-مفيش حاجة ياطنط غزل، قولتلك شوية برد.
نهض حازم يجلس أمامها ممسكا كفيها الباردة
-مالك حبيبتي إيه اللي عمل فيكي كدا، سحب جواد بيجاد وهو يهمس له
-تعالى عايزك، تحركا للداخل، جلس جواد وتحدث موجها كلامه إليه
- عايز منك خدمة ومفيش حد هيعملها غيرك ياحلوف، ابتسم وجلس بمقابلته ورفع حاجبه
-يعني عايز خدمة وبتشتم كمان
استند جواد بذراعيه على المكتب واردف بهدوء رغم شعوره بالحزن على جنى فتحدث.
-اسمعني يابيجاد وافهم كلامي كويس جدا، الموضوع دا بقى بالنسبالي حياة او موت، يااما بعد كدا مش هتشوف اللمة الحلوة اللي برة دي، وأنا واثق في ذكائك وعارف هتنفذ اللي هقوله
ماهو مفيش غيرك إنت وعز اللي أقدر امنلهم على كدا، وطبعا ماينفعش اطلب من عز الموضوع دا
استمع بيجاد إليه بتركيز، أما بالخارج توقف جاسر تاركا يد زوجته وجلس بجوار حازم
-هو فيه حاجة مخبينها عليا ولا إيه.
- وانت مين عشان نخبي عليك لا اخوها ولا جوزها، قالها عز بغضب عندما وجد إقتراب جاسر من أخته
كأنه لم يستمع لحديث عز، فبسط يديه يرفع وجه جنى بانامله ناظرا لمقلتيها
-انا معرفش ايه اللي حصل خلاكي تبعدي عني كدا ياجنى، وبقيت اشوفك زي الغريب، بس انا جنبك حبيبتي وقت ماتحتاجيني هتلاقيني
دفعه عز بغضب عندما فاض صبره وصاح بصوت مرتفع لغزل.
- خليه يقوم من قدامي، وصل أصواتهم لجواد بالداخل، نهض صهيب ينظر لابنه الذي فقد سيطرته على بكاء أخته
- امشي من قدامي ياعز سمعتني، امشي، أما جواد حازم الذي تحرك مغادرا عندما انسدلت دموعه ظنا أنه السبب فيما توصلت إليه جنى
ضمت نهى ابنتها وحاولت تهدئتها عندما اشتعل الصدام بين عز وجاسر، فرق حازم وصهيب بينهما
-إيه قلة تربيتكم دي، وصلت بيكم تعملوا كدا واحنا قاعدين، وصل جواد وبيجاد إليهم.
-إيه اللي بيحصل هنا؟ قالها جواد بغضب
جلست غزل تضع رأسها بين راحتيها
جمع جاسر أشيائه ناظرًا لزوجته
-يلا هنمشي، جاسر صاح بها جواد
-هتروح فين مفيش مشي من البيت تاني
توسعت نظرات فيروز وهي تهز رأسها رافضة حديث جواد واردفت
- معليش ياعمو خلينا على راحتنا
توقف جواد وابتلع غصة مردفًا
-جاسر مينفعش يبعد عن أهله يافيروز، ودا آخر كلام، ولو خرج من البيت دا يبقى ينسى ان له اب. شهقت غزل تضع كفيها على فمها فاتجهت له.
-جواد ايه ال بتقوله دا. أشار بسبابته
-مش عايز أسمع نفس، رفع نظره له
-لو الحمل خرج من القطيع الديابة تاكله، مش كدا ولا إيه ياحضرة الضابط
وبما أن أوس هيسافر فرنسا، وياسين في شغله مبيجيش غير في السنة مرة، يبقى مفيش غيرك هتكون كبير العيلة بعدي، فلو مسمعتش كلامي هتكون دوست على ابوك ياجاسر
أطبق صهيب على جفنيه يقاوم الصدام الذي أحدثه جواد بينه وبين ابنه، فاتجه يجذب جواد.
-جواد ممكن تهدى، استدار إلى صهيب يطالعه بصدمة كادت تفقد صبره قائلا
-عجبك تفكك العيلة، سيف عايز يسافر تاتي، وحازم قرر انه يرجع تركيا، مين لسة موجود ياصهيب، شوية عيال مش عارفين نربيهم
اتجهت فيروز تقف أمامه
-انا عارفة حضرتك عايز تلم شمل العيلة، بس دا ممكن يكون يوم في الأسبوع مش مضطرين نعيش مع بعض
رمقها بنظرات جحيمية واتجه متسائلا
-انا بكلم ابني، متدخليش بينا. نصب جاسر عوده متحركا إلى والده.
-ال حضرتك شايفه يابابا هعمله، ميرضنيش انك تزعل ابدا. قالها وهو يرفع كفيه يقبلهما
-آسف مكنتش أعرف الموضوع دا هيأثر فيك، خصوصا انك ال قولت إننا نعيش لوحدنا، صدقيني كنت تعبان من الموضوع دا
حاوط وجهه يبتسم له
-انت ابني الكبير ياحمار ومستحيل اخليك تبعد عني، أنا عملت كدا لما شوفت مراتك مش هتقدر تتأقلم معانا، بس دلوقتي بقالكم سنة واتعياشت معانا يبقى ليه تبعد عن حضن أبوك.
اومأ متفهما يطالع زوجته التي ظهر على وجهها الحزن، رمقها بهدوء واتجه يوزع نظراته بين الجميع
-بما اننا هنرجع تاني لحي الألفي، ففيه خبر حلو لازم الكل يعرفه. استدار لوالده وسحب نفسا يطرده بهدوء قائلا
-مبروك ياجدو هيجيلك حفيد تالت قريب.
اتجه عز بنظراته سريعا لأخته التي شهقت بخفوت وكأن كلماته خناجر مسمومة وللحظة أحست بالأرض تميد بها وشعورها بضعف الدنيا يحتل كيانها فانبثقت عبرة من جفنيها المحترق وهي تطالعه، تقابلت نظراتهما لثواتي، هو بإبتسامة، وهي بألم يغزو جسدها بالكامل فسقطت كوريقة خريف هشة، تلقاها عز بساعديه وهو يصرخ بأسمها.
↚
بما أن الجميع موجود، فمبروك ياحضرة اللوا هتكون جد للمرة التانية
ألقى جملته التي جعلت البعض سعيدا والبعض الآخر قلبه يتمزق، انسابت عبراتها رغما عنها، وشعرت بسحابة سوداء تداهمها، وماكان عليها إلا أن ترحب بها، استدار عز لأخته وجدها شاحبة كشحوب الموتى
هرول اتجاهها وتلقفها بين ذراعيه عندما هوت ساقطة تتمنى أن لا تصحو أبدا
نظر الجميع الى صوت عز وهو يصرخ بإسمها.
-جنى! بينما صهيب الذي شعر بإن روحه ستفارقه من حالة ابنته التي تدهورت، اتجه بخطوات ضعيفة، حملها عز سريعا متجها إلى منزلهم
جلس جواد واضعا رأسه بين راحتيه، مطبق الجفنين، بعد تحرك الجميع خلف جنى
جلس بيجاد بجواره
-عمو جواد ايه ال مخبيه علينا، ومش عايز عمو صهيب يعرفه
رفع رأسه وطالعه بصمت لعدة لحظات
-فيه مشاكل في العيلة يابيجاد، ولازم اتصرف قبل المشكلة ماتكبر وتأذي الكل.
-المشكلة دي جاسر وجنى مش كدا، تسائل بها بيجاد
نظر حوله فوجد ابنه يقف بجوار أوس يتحدث إليه
-ايه اللي خلاك تقول كدا!
نصب عوده يضع يديه بجيب سرواله وهو ينظر للبعيد
-يبقى حقيقي، انا حسيت الموضوع مش طبيعي برضو، غير كلام غنى اللي مش مفهوم
توقف جواد وسحب بيجاد من أكتافه
-تعالى نتشمى شوية ونتكلم
عند جاسر وأوس
-ايه السر اللي بيحاولوا يخبوه ياأوس، وايه تعب بنت عمك كل شوية دا، وجواد له علاقة بكدا ولا ايه.
رفع أوس كتفه بعدم معرفة، ثم اتجه بنظره الى ياسمينا التي تتحرك متجهة إليهما مع فيروز
-مفيش حاجة، قلة غذا، طنط غزل كشفت عليها، ضغطها ضعيف ونبضات القلب مش مظبوطة
اتجه إلى منزل صهيب قائلا
-هروح اطمن عليها، توقفت فيروز
-جاسر إحنا لازم نتكلم
تلاحقت أنفاسه بغضب عندما علم بما ستقوله
-بنت عمي تعبانة مش محتاج سفاهة يافيروز، تحركت متجه تقف أمامه
-هي راحتي بقت سفاهة دلوقتي يااستاذ جاسر، انا مش هقعد هنا.
تحرك من أمامها عندما ارتفعت وتيرة غضبه، مما شعر أنه سيفعل شيئا سيندم عليه
وصل إلى منزل صهيب، قابلته غزل وغنى على باب المنزل
-رايح فين ياحبيبي. تحرك خطوة من أمامهم
-عايز أطمن على جنى ياماما، أمسكت غنى كفيه
-بقولك ايه ياجسورة عايز تهرب مني عشان الهدية، تعالى ياحبيبي عشان هديتي
قطب جبينه متسائلا: -هدية ايه؟ غنى انا مش في حالة تسمح للهزار
طوقت ذراعه وتحركت تغمز لوالدتها.
-هو الأبوة ببلاش، مش لازم ياحبيبي تهادي عمة الولد بخاتم سوليتير
توقف مذهولا من حديثها
-أكيد بتهزري، وسعي ياغنى عايز اشوف جنى. قالها وتحرك سريعا
-بلاش ياجاسر. توقف فجأة ثم استدار منتظر حديثها، فركت كفيها ببعضهما تهرب بنظراتها بكل اتجاه سوى عيناه.
-أنا حاسس الموضوع وراه حاجة كبيرة، من وقت مارجعت من شهر العسل، وجنى بعدت عني لدرجة مبتردش على تليفوناتي، جواد وهروبه دايما من التجمع العائلي، عز كمان بقى مش متحمل مني كلمة، وكل شوية بيحسسني أنا السبب في حالتها
انعقد لسان غنى أكثر، وتاهت الكلمات عن تعبيرها بما ستقوله. أمسكت كفيه، تسحب نفسا تفكر الخروج من تلك المعضلة
-جاسر حبيبي انت مكبر الموضوع ليه؟
انا قصدي انها تعبانة دلوقتي وعمو صهيب مضايق بسببها، وعز مش واخد موقف ولا حاجة هو مضايق بسبب موضوع ربى ومشكلة حملها، فممكن يكون اتكلم بطريقة مش كويسة معاك من أعصابه التعبانة مش أكتر
مسح على وجهه وهو يهز رأسه قائلا: -هعمل نفسي مصدقك ياغنى، بس لازم اطمن عليها، قالها وتحرك متجها إلى منزل عمه
دلف للداخل قابله عز توقف أمامه يطالعه لبعض اللحظات
-جنى عاملة ايه ياعز؟
أطبق على جفنيه ثم زفر بهدوء.
-كويسة ياجاسر، قلة أكل، عندي اجتماع مهم بعد اذنك
عقد حاجبه وتحدث متهكما
-بعد إذنك!
-هو فيه بالظبط ياعز؟
توقف عز مواليه ظهره، محاولا السيطرة على أعصابه
ابتلع ريقه واستدار إليه مبتسما
-ايه يابني، مش عجبك ادبي ولا ايه. تحرك جاسر وتوقف أمامه يدقق النظر بعينيه.
-عز انت متغير ليه؛ هو أنا عملت حاجة مزعلاك مني، ممكن اكون عملت حاجة ومقصدتش، انت عارف الفترة اللي فاتت كنت بعيد عن حي الألفي، ومقابلتنا كانت قليلة، انت زعلان مني عشان كدا
سقطت كلمات جاسر على رأس عز كسقوط نيزك وشعر بغصة تخنقه فرفع نظره إليه
-ليه بتقول كدا ياجاسر!
من إمتى وانا بزعل منك، احنا طول عمرنا اخوات ياحمار، وعمري ماازعل منك
-جنى! قالها جاسر بتقطع.
تقابلت نظراتهما معا، فدنى منه يحاوطه، بنظرات تقيمية
-ايه ال مخبيه عني ياعز يخص جنى، وليه مش متحمل أقرب منها، وهل علاقة تعبها بجواد
بتر حديثهم وصول صهيب متسائلا: -واقفين كدا ليه؟
استدار جاسر الى عمه
-مفيش ياعمو، كنت بسأل عز عن جنى. ربت صهيب على كتفه قائلا
-جنى كويسة حبيبي هي نامت دلوقتي.
عمو عايز أشوفها. تحرك عز حتى لا يفعل مالا يحمده الأخرون.
اطلع مرات عمك فوق عندها، قالها صهيب عندما وجد نظراته المتلهفة عليهاصعد سريعا للأعلى، دلف بعد السماح له
دخل برأسه بمزاح قائلا
-ال مكشوف يتغطى
-ضحكت نهى وأشارت بكفيها
-تعالى يااهبل، انت غريب. غمز بعينيه وهو ينظر إلى جنى
-ماغريب إلا الشيطان ياطنط نهنهيو، بقولك بنتك جبتلي عقدة نفسية، يعني أحسن يوم تخضني عليها كدا.
كانت نظراتها عليه، هناك شعور قاس يفترس قلبها دون رحمة للحد الذي جعل دمعة غادرة تنبثق من طرف عينيها، ورغم انها أزالتها سريعا، إلا أنه لمحها وهو يتحدث مع والدتها، شعر بقبضة تعتصر فؤاده
اتجه إليها بعدما تحدثت نهى
-هعملك عصير حبيبتي. رفرفت أهدابها وأمأت برأسها عندما فقدت الحديث
جذب مقعد وجلس بمقابلتها، كان يطالعها بإشتياق، فمنذ زواجه وعلاقتهما تدهورت.
-وحشتيني. أردف بها بهدوء ورغم أنه أخرجها ببطء، إلا أنها نزلت كنيران تحترق كلا منهما
ابتسمت مع تلألأ عيناها بالعبرات، فهمست بتقطع
-إنت كمان وحشتني اوي ياابن عمي
مازال يطالعها كأنه يرسمها برماديته، فأردف متسائلا: -وياترى ال بيوحش حد بيتعب كدا، رغم أنه أخرجها على مزاح الا أنها هزت رأسها مع تساقط عبراتها التي انزلقت رغما عنها.
-جدا ياجاسر. لم يستطع التحكم بنفسه، فهب من مكانه، وجلس على طرف فراشها يمسد على حجابها
-انتِ كمان فارقة معايا اوي ياجنى، معرفش ايه ال حصل خلاكي تبعدي عني كدا
ابتعدت قليلا، عندما استنشقت رائحته، التي جعلتها تريد أن تلقي نفسها بأحضانه
فاقت من شرودها عندما احتضن وجهها يزيل عبراتها بإبهامه.
-جاسر بتعمل ايه، انت اتجننت، ناسي انك متجوز دلوقتي، غير كمان مينفعش القرب دا، خلاص كبرنا يابن عمي وحدودنا كبرت، رفعت نظرها وحدقت برماديته قائلة: -الحدود كبرت اوي اوي يابن عمي. تراجع إلى مقعده يرمقها بهدوء
-مش موافقك ياجنى طبعا، ايه ال بتقوليه دا
رسمت ابتسامة على وجهها
-لا ياحضرة الظابط، مش بكيفك، وامشي من هنا، عشان مراتك لو جت وشافتنا كدا هتولع فيا
جذب كفيها يطالعها بغضب مصتنع.
-مين يابت ال يقدر يبعدك عني، كانت لمسته لكفيها كصاعقة برق أصابتها، فتصلب جسدها وحبست أنفاسها بصدرها، وتلألأت عبراتها
-جاسر سيب أيدي لو سمحت قالتها بتقطع، بدخول فيروز التي كانت تقف منذ فترة على باب الغرفة
-حمدالله على السلامة ياجنى. قالتها وهي تطالعها بغموض
ابتسمت جنى بهدوء، رغم ارتجافة جسدها
-اهلا فيروز ادخلي واقفة ليه، قالتها بتقطع، دلفت فيروز، تنظر لجاسر الصامت ثم رفعت نظرها لغرفة جنى.
-حلوة الأوضة اوي ياحبيبي، فعلا ذوق جنى حلو زي ماقولتلي
عقدت جنى حاجبيها مندهشة
-مش فاهمة. نهض جاسر
-حمدالله على السلامة، ويالة فوقي بسرعة عشان نرجع نضايق بعض زي الأول. انحنى بجسده يغمز لها
-رجعت تاني هنا ياجنجون، والمستخبي هيبان، وكل واحد هياخد حقه
رفعت نظرها إلى فيروز التي تراقبهم بصمت فاهتزت عيناها من نظرات فيروز الأختراقية.
-حمدالله على السلامة، ماكان من الأول يابني، ايه ال خلاك اصلا تبعد عن حي الألفي
-كل واحد حر في حياته ياجنى، والمفروض كل واحد يختار الحياة إلى تريحه، رفعت كفيها على خصلات جاسر تمسدها
-مش كدا ياحبيبي. اعتدل جاسر بوقفته
-فين جواد مش باين ليه؟
تسائل بها جاسر متجاهلا حديث زوجته
-معرفش ياجاسر ومش عايزة أعرف. اومأ برأسه
-بينا كلام ياجنى، لازم نخلصه
امسكته فيروز من كتفه
-جاسر احنا اتفقنا هنقعد في شقتنا.
-أنا بريحك بس يافيروز، بس هنقعد هنا خلاص دا أخر كلام
-فيه مشكلة ولا ايه ياجاسر؟
رفعت نفسها تطبع قبلة على وجنتيه تنظر لعيناه
-ممكن نتكلم بعدين مينفعش قدام الغرب
ثم اتجهت إلى جنى
-مفيش مشكلة، حاجات خاصة بينا، ولو على كلام جاسر أنه راجع هنا فهو بيقول كدا عشان عمو جواد مش يزعل، بس أكيد احنا هنرسم حياتنا
انزل كفيها وتحرك للخارج، ثم توقف لدى الباب.
-انتِ يابت عايز اشوفك الصبح في التجمع العائلي، الرقدة دي مش لجنى الألفي، متخلنيش اطلع اجيبك من شعرك الحلو دا
تناست وجود فيروز فغمزت بعيناها
-تصدق ياجاسورة وحشني خناقتنا مع بعض، وحركاتك البيئة. ربعت فيروز ذراعيها أمام صدرها
-حركات بيئة ياجاسورة، ابتسم لفيروز يشير على جنى
-دي هبلة مش تصدقيها. ثم تحرك يجذب كف فيروز
-تعالي حبيبتي عايزك في موضوع.
تنهدت بحزن بعد خروجهم. أطبقت على جفنيها ثم هبطت من فوق مخدعها بهدوء، واتجهت إلى الحي القيوم
اللهم انزع حبه من قلبي
ظلت ترددها بسجودها مع عبراتها التي أصبحت كزخات المطر. جلست وامسكت مصحفها، تحتضنه وكأنها تستمد منه القوة
-يارب بحق قرائنك، فأنت الحق وقولك الحق أن تريني بمستقبلي مايسر قلبي قبل عيني
رفعت كفيها تضرعا للحي القيوم.
يارب جملني بقلب عطوف رحيم، اللهم اجعلني عطف وليس قسوة، يارب عبدك الضعيف يحتاجك، فأخرجه من ظلمات قلبه لنور ايمانه، اللهم جملني بقلب جميل عطوف، وابعد عني القلب القاسي المؤذي، اللهم قلبي في عنايتك فاحفظه ونقيه ولا تجعل به حقدا ولا نفورا
اهتز جسدها من شهقاتها، عند دعائها
-اللهم انزعه من حياتي، صمتت للحظات، تمنع شهقاتها
اللهم أخرجني من ضعفي إلى قوتك، قالتها بشهقة خافتة فوضعت كفيها على فمها.
أطبقت على جفنيها قائلة: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلى العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات السبع و رب العرش العظيم. ربّ إني أسألك أن تريح قلبي وفكري، وأن تصرف عنّي شتات العقل والتفكير، ربّ إنّ في قلبي أموراً لا يعرفها سواك فحققها لي يا رحيم، ربّ كن معي في أصعب الظروف وأرني عجائب قدرتك في أصعب الأيام.
شعرت بأحدهما خلفها، جلس وسحبها لأحضانه، يحاوطها بذراعه.
-عاملة ايه دلوقتي ياحبيبة أخوكي
وضعت رأسها بأحضانه
-الحمد لله، كويسة ياحبيبي
رجعت بسرعة يعني
امسك كفيها وتوقف متجها لمخدعها...
تعالي عايز أخدك في حضني زي زمان. انسابت عبراتها، فدنت منه تحاوط خصره
-انت أحسن أخ في الدنيا ياعز، انا بحبك أوي
طبع قبلة على جبينها وحاوطها بذراعه
-وأنتِ جنتي الصغيرة ال بحب اجيلها وقت ضعفي ياجنجون
دلفت ربى تضع كفيها بخصرها.
-لا والله، بقينا نيجي من برة على الست جنى، وربى حبيبة القلب وحشة
مسحت جنى دموعها وابتسمت من بينهما
-لا طبعا، هو يقدر ينسى روح القلب، كانت نظراته على أخته التي ذبلت وأصبحت كالزهرة التي تركها صاحبها دون رعاية
أما ربى التي توزع نظراتها عليهما
-لا أنا زعلانة ومقموصة، وهخاصمكم انتوا الاتنين
قهقهت جنى وتناست ماكانت يبكيها تضرب كفيها وتدفع عز.
-روح يابني، دا حتى مراتك عينها في حضنك، يالهوي ياعيني عليكي ياجنى يابريئة، ياوحيدة، دفعت ربى عز الصامت بعيدا عنها
-تعالي ياكلب البحر ياشحاتة، دا احنا ننفع نلف بيكي السيدة والحسين. جلس عز على فراش أخته بصمت يطالعهما
احتضنت ربى جنى
-مين ال وحيدة ياكلبتي الصغيرة، دا انتي فطوطة العيلة كلها، فاكرة مصايبنا يابت واحنا صغيرين
لا القعدة دي ناقصة حضرة الظابط، ونرجع الذي مضى.
كأن حديث ربى أوقعها مرة اخرى، فرسمت ابتسامة عندما وجدت نظرات عز مصوبة عليها فأردفت
-أيوة فاكرة ياختي مصايبك إنتِ وعز، جاسر كان بيتعاقب مكانكم. قهقهت ربى تنظر إلى عز
-عزو حبيبي طول عمره ذكي، وبيعرف يتصرف، أما جسور طيب وكان دايما يوقع في ايد بابا
قهقهت الفتاتان حتى عز تذكر تلك الأيام. رفع ذراعيه إليهما، يضمهما قائلا.
-تعرفوا انتوا اغلى حاجة عندي، مستعد أضحي بحياتي كلها ولا أشوف دمعة من قمرات جميلات الألفي
دفعة ربى جنى بهدوء قائلة
-اتجننت يازيزو، عايز تساويني بكلب البحر دي، لا طبعا لازم غلاوتي تكون أعلى، يعني تحبني أكتر، وتخاف عليا أكتر. وانت ياجنجون، روحي شوفي صاحبك المدافع خليه ياختي يدافع بحياته عشانك
هنا فقد عز سيطرته فتحدث سريعا
-غلطانة يابنت عمي جنجنون احميها بحياتي قبل مااحميكي.
دفعته ربى بغضب مصتنع، وتحركت للخارج
-أنا مخصماك وخلي جنجون تنفعك ياحبيبي
بغرفة مكتب جواد
جلس جواد بجوار صهيب، يراجعوا بعض المشاريع
-حلو يعقوب المنسي ياصهيب، خلي عز يتعامل معاه، انا اسمع عنه كويس، ولسة راجع من أمريكا قريب
دلف حازم
-جنى عاملة ايه ياصهيب.
-الحمد لله ياحازم. نقر جواد بقلمه على مكتبه
-صهيب خلي جنى تنزل الشغل، هتقابل ناس، وتغير جو. جلس حازم موافقاا جواد برأيه.
-أنا عايزك تتأكد جواد مالوش علاقة، جنى ال رافضة الموضوع خالص
-لما هي رافضة ليه وافقت من الاول ياعمو، اكيد جواد عمل حاجة وصلها لكدا
هذا ما قاله جاسر عند دلوفه لمكتب والده. تراجع جواد بجسده على مقعده
-انت ازاي تدخل كدا بينا بالكلام، هو عشان اتجوزت وخرجت من حي الألفي نسيت الأدب والاحترام يابن جواد
شعر بغصة بحلقه من حديث والده عندما فهم مغذى حديثه
هز رأسه بالنفي.
-ابدا يابابا، حضرتك واعمامي فوق راسي، بس ال بيحصل دا مش طبيعي، عايز اعرف ايه ال حصل مش اكتر
-مش شغلك ياجاسر، ابوها عايش واخوها، وانا يلا، انت اخر واحد له الحق يدخل بين ولاد عمك
اقترب من مكتب والده وانحنى بجسده ينظر لمقلتيه
-غلطان ياحضرة اللوا، ولو كنت ناسي افكرك، أشار إلى الأريكة وتحدث.
-بص للكنبة دي وافتكر لما قعدتني انا وعز وقولتنا انتوا كبار العيلة دي، والمسؤولية عليكم انتم، لازم تعرفوا كل حاجة توقفوا دايما مع بعض، ال يتعب التاني يشيله، وال يضعف التاني يقويه، واي مشكلة في العيلة انتوا ال تحلوها
اعتدل ناصبا عوده ووزع نظره بين حازم وصهيب واردف.
-وقبل دا كله جنى عندي غير أي حد، جواد صاحبي قبل مايكون ابن عمتي، وعز توأم روحي قبل مايكون ابن عمي، لكن جنى الاتنين يابابا، وزيها زي غنى وربى، ومستحيل اسكت لما اعرف ايه ال وصلها لدا كله
اتجه لحازم وتوقف مستندا على الجدار ثم أردف
-حضرتك بتقول جواد مالوش علاقة، طب اقنعني ياعمو ازاي وهي يوم فرحي كانت بتعيط في حضني وبتقولي بحبه اوي، يبقى اكيد ابنك عمل حاجة كبيرة كسرها بالطريقة دي
-جاسر. صرخ بها جواد.
-ايه قلة الأدب دي، ازاي تكلم عمك كدا. أتأسف منه، ومتنساش نفسك يلا، اوعى تفكر تاني مرة توقف قدام عمامك وتتكلم بقلة ذوق كدا
ذهل جاسر من رد فعل والده العنيف، ولا يختلف الأمر عند كلا من صهيب وحازم. قطع النظرات صهيب
-اهدى ياجواد، مالك عارف جاسر وحمية الشباب وهو خايف على اخته، مش انت خايف على اختك ياحبيبي
-وجواد اخوه ياصهيب، زيه زي جنى مفيش فرق. نهض جواد فلقد خرج السهم من القوس، لاويا فمه.
-مش يمكن لما تعرف مين السبب تكره نفسك. توقف صهيب سريعا يرمق جواد بتحذير
-جواد اتجننت ايه ال بتقوله دا. اسكت ياصهيب، خليني ارد على حضرة الضابط ال نسي الأصول من شهرين اومال لو قعد سنتين هيعمل ايه
-بابا ايه ال بتقوله دا!
بقول تطلع لمراتك ياحضرة الظابط، وتقنعها وتفهمها ال قولته دلوقتي، جاي تعمل علينا جيمس بوند، وانت مش عارف تحكم عليها
-جواد. صرخ بها صهيب يدفعه بقوة عندما فلتت زمام الأمور بينهما.
-جذب صهيب من ذراعيه بهدوء
-صهيب. ايه مش تقول لحضرة الظابط مراته جت وقفت قدام أبوه وقالت له ايه
هز حازم رأسه جاهلا بما يصير فتحدث
-جواد مهما حصل مينفعش تقول له كدا قدمنا. دفع جواد المقعد بغضب وثارت جيوش غضبه
-أيوة دا ال اقنعتوني بيه عشان اوافق على جوازته، ايه ياحازم هفضل اداري لحد امتى، النهاردة دخل وفرد دراعه على أبوه واعمامه، طيب مش يحكم على مراته، يجي يحكم على عيلة الألفي
دفعه بصدره.
-مراتك جاية توقف قدام ابوك وبتقوله، متخنقش ابنك بتحكماتك، شوية شوية وهتقولي مالكش دعوة بجوزي ال هو ابنك
أشار بسبابته وتحدث
-مراتك تقعد هنا حسب قوانين جواد الألفي، ياإما كدا ياتاخدها وتمشي من هنا فورا
تحرك متحاملا على نفسه، كالمتخبط نحو زوجته لا يعلم ماذا حدث له، هل والده على صواب، هل هو أخطأ عندما ترك حضن والده الذي اعتبرته زوجته ماهو سوى ضعف.
صعد إلى غرفته وجدها تستمع إلى الموسيقى وهي تجلس بالشرفة مغمضة العينين
دفع الباب بقوة ودخل يطالعها بغضب
-أنا مش قولتلك حياتنا هتبقى هنا، وانسي اسيب بيت ابويا
ربعت ذراعيها على صدرها وتحدثت وهي تهز ساقيها
-لا مقولتش، قولتلي بحبك وأعيشك في الجنة، بس كله كان أوهام
-اتجننتي ايه ال بتقوليه داانتِ مجنونة
لكمته بصدره بقوة
-اتجوزتني ليه ياجاسر، ليه عيشتني ساعة في الجنة وسنة في النار، ليه، ليه؟
شعر وكأن الأرض تُسحب من تحت قدميه. هز رأسه وخرج سريعا عندما فقد السيطرة على نفسه، هرول متجها إلى سيارته، قابله عز. ولكنه تحرك متجاهلا له
-جاسر. قالها عز عندما وجده يتحرك سريعا كأنه يهرب من مطاردة، استقل سيارته، اتجه عز سريعا إليه عندما وجده بتلك الحالة، فتح باب سيارته
-جاسر انزل، رايح فين
-عز. عايز اكون لوحدي لو سمحت. استند عز متكأ على باب السيارة يهز رأسه
-بتحلم يابن عمي. انزل واحكيلي ايه ال حصل.
-اقفل الباب ياعز لو سمحت. حرك شفتيه
-انسى ياجاسورة، انزل هنتكلم، ولا أقولك
تعالى نروح لبيجاد نعانده شوية من وقت ماجه من اسكندرية وهو نايم، تعالى ننزل تعاند عمو جواد شوية
قام بتشغيل محرك السيارة
-هروح لعمو باسم شوية وراجع، وعد هرجع بدري ونسهر كمان
استقل السيارة بجواره
-يبقى انا كمان عمو باسم الفرفوش وحشني
ابتسم جاسر على حركات عز، فترجل من السيارة وهو يضحك بصوت مرتفع، كأنه ليس ذاك الذي يخرج نيران من جسده.
تسطح على العشب وهما يتمازحان، استمعت ربى وغنى لضحكاتهما، فخرجتا متجهين إليهما
صرخت ربى وهي تقفز حتى سقطت بينهما
-خيانة ياوحشين، ربعت غنى ذراعها ووقفت تنظر إليهما
جذب عز ربى يحاوطها، شيل ايدك يابغل دي مراتي
اعتدل يشير إلى غنى
-تعالي ياغنون، احنا مالناش غير بعض. جلست بجواره، اعتدلوا وهم مازالت ضحكاتهم بالأرتفاع
صاحت ربى باسم جنى.
-ياجنىىىىىىى تعالي شوفي الخيانة. نظرت من نافذة وجدتهما يمزحون ويجذبون ربى بضحكاتهما
كانت تطالعهما ببتسامتها الجميلة، ورغم ابتسامتها إلا أنها شعرت بالحزن عندما تذكرت انها فقدت تلك السعادة لسبعة عشر عاما. وصل بيجاد اليهم، جلس بجوار زوجته
-صوتكم عالي ليه ياولد. رفع عز حاجبه.
-اهو جه بدل ماكنا رايحين، تجمع الشباب جميعا حولهم وبدأو يتمازحون، نهضت البنات يجلسون بمكان بعيدا بعض الشئ، كانت تقف في الشرفة تطالعهم بغضب، فلقد تركها حزينة، وذهب يتمازح مع اخواته، وجدت جنى تستند على تقى و تتحرك متجهتان إليهم وهما يبتسمان
تحركت متجهة للداخل، وقامت بتبديل ثيابها، ووضعت لمسات تجميلية، توقفت تنظر إلى تنظر إلى نفسها.
-هشوف انا ولا إنتِ ياست جنى، لا وعاملة بريئة، متعرفش النظرات الخبيثة دي انا حفظاها كويس
هبطت إلى الأسفل سريعا، قابلها جواد صاعدا إلى جناحه، توقفت أمامه
-أنا أسفة لحضرتك، عشان اتكلمت معاك بصوت عالي
توقف يطالعها بصمت، ثم تنهد وأمسك كفيها
-تعالي يافيروز عايز اتكلم معاكي شوية
جلس وأجلسها بجوارها.
-عارف حياتك مختلفة عن حياتنا، بس نصيحة من أب يابنتي، بلاش تعاندي جوزك، وأتأقلمي على حياته، مش هو ال يتأقلم على حياتك
سحب نفسا ثم زفره وتحدث بهدوء
-النهاردة لأول مرة أحسس ابني بعجزه، مكنش قصدي اوقعكم في بعض، اد ماكان قصدي أنه يفكر قبل مايتخذ قرار يندم عليه طول عمره
أشارت على نفسها
-قصدك إن قرار جوازنا كان غلط ياعمو. ربت على كفيها وتحدث.
-مش دا قصدي يابنتي، قصدي أن جاسر احيانا بيتخذ قرارات متهورة من غير تفكير، نظر للبعيد وتحدث بشرود
-وممكن قرار متهور يضيع حياته كلها، استدار إليها وتحدث
-عايزك تكوني قوته، مش ضعفه، ولما يكون في نقاش حاد بينكم التزمي الصمت، عشان مهما كان هو الراجل
قالها ثم نهض ولكنه توقف
-لو هتخرجي برة بالطريقة دي هتزعلي جوزك منك، قالها وتحرك
مطت شفتيها ووضعت وشاحها على أكتافها وخرجت.
كان الجميع ملتفون يستمعون إلى مغامرات بيجاد الجوية
وصلت تقى وجنى. توقفت ربى تساعدها على الجلوس بجوارها
-عاملة ايه دلوقتي حبيبتي. اومأت مبتسمة
-الحمد لله، بكرة أعمل التحاليل ال طنط غزل طلبتها
ليه ماما طلبت منك تحليل
قاطعتها غنى للأطمئنان
-عادي يابنتي، بقالها فترة بتخس، ماما عايزة تطمن
وضعت رأسها على كتف ربى
-عملت دايت فترة، فدا ال تعبني ووصلني للمرحلة دي، ربتت غنى على ظهرها.
-حبيبتي ليه الدايت، ماجسمك حلو أهو
رفعت ربى كفيها بسخرية
-مش عارفة، يمكن عايزة تشتغل عارضة أزياء. على بعد بعض الأمتار، يجلس الشباب وأصوات ضحكاتهم ومزاحهم مرتفعة
استدارت غنى تطالع زوجها الذي يتصارع مع عز
-بيجاد المكان ال بيدخله بينسي اهله الحزن. ابتسمت جنى وهي تطالعه
-فعلا، كان واحنا صغيرين عامل كبيرعلينا، و اليوم ال كان بيجيه هنا بيكون احلى يوم، وصلت ياسمين بجوار أوس.
-يااااه والله زمان ياآل الألفي، من زمان ماتجمعتوش كدا
سحب كف ياسمين متجها لأخواته
-برنسس ياسمينا هنا، بت ياربى خدي بالك منها، رفعت ربى حاجبها ساخرة
-وادي العاقل ال بقول هيحميني لما عز يضربني، جاي بيقولي بت ياربى
ناغشتها جنى قائلة: -والله بخاف على زيزو منك، تحرك أوس بعدما جلست ياسمينا بجوار غنى
-ايه ياياسو شكلك هتولدي قريب. بدأت في الخامس
-هزت رأسها وأجابتها
-بقالي أسبوع، ومش مرتاحة.
نهضت جنى خلف سفيان الذي يتعلم المشي وهو يصفق بيديه
-غنى هلعب مع سيفو متخافيش عليه، اومأت برأسها وهي تراقبها
أمسكت كفيه وبدأت تتحرك مع خطواته وضحكاته بالأرتفاع، وصلت إليها فيروز
-جنى ماشاءالله بقيتي كويسة، حمدالله على سلامتك
ابتسمت لها ببراءة
-ميرسي يافيروز. اتجهت خلف سفيان الذي بدأ يتجه نحو حمام السباحة، فأوقفتها قائلة.
-او يمكن صحتك جت على وجودنا معاكم هنا، ذهبت بنظرها إلى جاسر سريعا، وهو يتحدث مع بيجاد وعز، كانت فيروز تراقب نظراتها فاقتربت تهمس لها
-قالي انك مرتبطة بيه أوي، اه ماهو لازم تتأثري مش اخوكي طبعا
اومأت برأسها
-جاسر جميل أوي يافيروز، وبتمنلكم السعادة دايما، وزي ماقالك انا اخته، زيه زي ربى وغنى، ياريت متضايقش من علاقتنا.
ربتت فيروز على كتفها وتحدثت: -وايه ال يضيقني حبيبتي، اضايق لو هو مبيحبنيش وكمان حامل في ابنه، انا مش مضايقة ولا حاجة. قالتها وتحركت بعدما ألقت ما شطر قلبها لنصفين. كانت غنى تراقب وجه جنى من حديث فيروز الذي لم تستمع إليه بسبب بعد المسافة. ولكن فجأة نظرت تبحث عن ابنها فصاحت.
-جنى فين سفيان، فاقت جنى من حزنها تنظر اتجاه المسبح، وجدت سفيان متجها إليه ومايفصله سوى خطوة واحدة. أسرعت إليه بخطواتها الهشة بسبب مرضها وهي تشير بيديها عليه، لم يكن واضحا لأحد سوى لأوس الذي يجلس باتجاه المسبح
صرخت جنى ببكاء عندما سقط سفيان بالمسبح، هب أوس يصرخ باسمها عندما قفزت خلفه دون تفكير
هرول إليهما والجميع لا يعلم ما سبب صراخ أوس باسم جنى، قبل لحظات جلست فيروز بجوار جاسر، تحتضن كفيه.
-روحي اقعدي هناك عند البنات. وضعت رأسها على كتفه
- مفيش حد غريب، ايه مش كلكم اخوات، رفعت نظرها لبيجاد الذي لم يعجبه تصرفها وتحدثت
-استاذ بيجاد مش غريب، قطع حديثهما عندما صرخ أوس ناهضا بأسم جنى
هب الجميع فزعا عندما استمعوا لصرخاتها اتجاه المسبح، زفرت فيروز قائلة
-تلاقوها اغمى عليها، معرفش كل تجمع لازم جنى يغمى عليها
لم يعقب بيجاد الذي مازال جالسا على حديثها، واتجه بنظره يبحث عن زوجته وابنه.
قفز أوس بالمسبح بعدما وجدها تحمل سفيان ولكن قدرتها تلاشت وشعرت بالدوران، وصل إليها، يصرخ بعز الذي وصل بعده مباشرة
حاوطها أوس قائلا
-جنى خليكي معايا حبيبتي. حاولت السيطرة على نفسها فهمست له
-خد سفيان ياأوس، الولد هيبرد، قفز عز بالمياه سريعا متجها لأخته. ضمها يومأ برأسه لأوس
-خلاص سبها انا هطلعها خد الولد. وقفت بجسد مرتعش تنظر إلى ابنها الذي كانت ستفقده. تناولت الولد بيد مرتعشة.
-ضمته وجلست تبكي، حبيبي، رفعت نظرها إلى أوس
-هو كويس ياأوس. ربت على كتفها وساعدها بالنهوض
-كويس حبيبتي اهو قدامك، احمدي ربنا، لولا جنى كان ابنك غرق
رفعت نظرها إلى جنى التي يساعدها عز على الخروج. وصل جاسر بجوار جواد الذي وصل للتو
-ايه ال حصل. رفع عز نظره لأوس
-ساعد بنت عمك على الخروج. جحظت أعين جاسر من وجودها بالمسبح، واحتضان غنى لأبنها
-ايه ال حصل؟
نهضت غنى تحتضن ابنها.
-قولتي هتاخدي بالك منه ياجنى، كان ممكن الولد يموت لولا ستر ربنا
اتجهت بنظرها إلى فيروز التي وصلت تنظر إليهم متسائلة
-ايه دا جنى مش مغمي عليها، طب ليه اللمة دي
تحركت جنى بهدوء دون حديث، بعدما رمقت جاسر بنظرة حزينة
تحركت غنى تحتضن ابنها تنادي على بيجاد
-تعالى شوف الولد وقع في حمام السباحة، هب فزعا من مكانه
-ماله وازاي وصل هناك. أزالت دموعها وتحدثت من بين عبراتها
-كان مع جنى، معرفش أنها هتسيبه ويمشي لهناك.
-غلطانة ياغنى، فيه حد يسيب طفل في السن دا مع واحدة مريضة، قالتها فيروز
-جاسر. صرخ به عز
-مراتك مالهاش دعوة باختي، دا أول وأخر تحذير، ثم رمقها بغضب
-المريض ال بيرمي كلام وميعرفش أثره على ال قدامه
قالها وانسحب من المكان
تحرك الجميع ولم يتبقى بالمكان سوى فيروز وجاسر
اتجه للمكان الذي كان يضج بضحاتهم منذ دقائق، والان أصبح باردا كبرود الموتى
جلس على الأريكة. جلست بجواره
-جاسر. أنا اسفة
تراجع بجسده مطبق الجفنين.
-إحنا بقالنا اد ايه متجوزين يافيروز، فركت كفيها وأردفت
-سبع شهورفتح عيناه واتجه بنظراته
-سبع شهور مش سبع سنين، انا حاسيت أنهم سبع سنين يافيروز، ليه كدا، فين البنت ال حبتها
حاوطت خصره وبكت
-انت السبب، قولتلك مش عايزة اقعد هنا، حاسة اني مخنوقة، مش مرتاحة. خرجت من أحضانه ونظرت لعيناه
-جاسر لو بتحبني خلينا نرجع شقتنا، صدقني هكون مرتاحة هناك
انزل كفيها ونهض.
-وأنا لو مشيت من هنا مش هبقى عايش يافيروز، هكون ميت. قالها وتحرك بعض الخطوات أوقفته بسؤالها
-دا عشان جنى ياجاسر. كور قبضته واستدار إليها حتى وصل إليها
-جنى زيها زي ربى وغنى، ياريت تتقبلي الفكرة دي، معرفش بقى مالك، وايه موضوع جنى ال جننك دا
-أنت كذاب ياجاسر، انت اتجوزتني عشان تنسى جنى مش عشان حبتني
تسارعت انفاسه، فأمسكها من ذراعها ضاغطا عليها بقوة.
-انتِ عايزة ايه، قولي عايزة ايه. فيه واحد ست تلعب على راجل ورغم كدا ويرجع يتجوزها إلا إذا كان بيحبها
-انت لسة فاكر ياجاسر. صرخ بها يدفعها بقوة
-فيروز. ابعدي عني دلوقتي
مين البنت ال حبتها وهي كانت بتحب واحد تاني ياجاسر
جنى
قالها جواد الذي استمع إليهما صدفة
بعد اسبوع.
اتجه الجميع إلى منزل جواد فاليوم التجمع العائلي. جلس الجميع ينتظرون إنهاء غزل من تحضير طاولة الطعام، الشباب يتجمعون بالحديقة يلعبون كرة السلة، والبنات يجتمعون في المطبخ يساعدون غزل، سوى جنى التي نزلت عملها منذ يومين
دلفت سيارة جيب حديثة من البوابة الرئيسية، رفع الشباب أنظارهم اتجاه السيارة، اتجه عز إلى السيارة بعد معرفته بهوية صاحبها
-اهلا يابشمهندس. ابتسم يعقوب يشير إلى جنى.
-أعرف أنني اخطأت في الوصول إلى هنا دون ميعاد، ولكنني اعتذر بشدة
صافحه بيجاد الذي وصل هو الأخر
-مستر يعقوب مدير جنى في الشغل ياجاسر. جاسر ابن عم جنى وعز
صافحه يعقوب مرحبا به
-مرحبا بك، اومأ جاسر برأسه، يبحث عن جواد
-جواد قال هيعدي يجيبك من الشغل، مكنش له لأزمة نتعب الغرب
حمحم بيجاد ثم ابتسم إلى يعقوب
-الباشمهندس كلم والدك وعرفه أن جنى هتيجي معاه.
-كنت قريبا من تلك المنطقة، ارجو الأ أكون ازعجتكم، قالها وهو يرمق جاسر
ابتسم له عز بود
-ابدا، واتمنى تتفضل نشرب قهوة وتتعرف على باقي عيلة الألفي
-كنت اتمنى ياباشمهندس، ولكن عندي ميتينح مهم. عذرا، سنلتقي فيما بعد
غادر الجميع بعد مغادرة سيارة يعقوب. سوى عز وجاسر وجنى
رمق عز أخته غاضبا
-ازاي تركبي مع واحد غريب اتجننتي، نظرت لجاسر لينقذها بعدما وجدت نظرات عز النارية وصوته الغاضب.
ربع ذراعيه قائلا: -بتبصي ليه، ردي على اخوكي، ليه تركبي العربية مع واحد غريب، منعرفهوش، واحد لسة بقالك كام يوم شغالة عنده
-أنا ال طلبت منه. قالها صهيب بصوت مرتفع. تحرك إلى أن توصل اليهما، وحاوط أكتاف جنى.
-أنا ال طلبت منه يوصلها، بعد ماجواد اتصل وقالي جالي شغل مهم، وطبعا يعقوب عايش جنبنا بمسافة بسيطة، فقولتله يجبها، ومن بكرة تعلم اختك السواقة عشان تروح بعربيتها، قالها وهو يسحب كفيها متحركا إلى منزل جواد
بعد قليل.
علي مائدة الطعام كان الجميع يتناولون طعامهم بمحبة وألفة، مع مزحات بيجاد وعزمع العائلة، هناك بأحد جوانب المائدة تتحدث مع ربى وضحكاتها تنير وجهها وتلمع عيناها بالسعادة، لقد تغيرت كثيرا عن منذ أيام، ابتسم داخليا فاليوم اخيرا ظهرت السعادة على وجهها، ظل يراقبها من فترة لأخرى، قاطعته فيروز
-ال يشوفها مايقولش هي السبب في طفشان جواد من البيت، دنى يهمس لها.
-بلاش تزعليني منك فيروزتي الحلوة، جنى زيها زي ربى، يارب تقنعي نفسك بكدا، ابتسمت بسخرية
-مش باين ياحبيبي من وقت ماقعدنا وعينك منزلتش من عليها، ابتسم ورفع خصلة متشردة خلف أذنها ودنى يهمس بجوار أذنها
-لأنك هبلة ياحبي، وبتخليني أفكر في حاجات تانية، لكزته بجنبه
-احترم نفسك ياجاسر، انت عارف أنا تعبانة من الحمل، وماليش خلق ولا مزاج ابتسم متهكما ثم أشار لخصلاتها.
-أيوة واخد بالي ياقلبي، ودا ال خلاكي تخلعي حجابك وسهراتك ال مبتخلصش، انا دلوقتي عرفت ليه خرجنا من البيت دا، . استمعوا إلى ضحكات جنى مع عز حينما أردف
-طب والله ياجنى لأسميها جنى، مش كدا ياروبي، أمسكت روبي كفيه وغمزت له
-كدا ياقلب روبي.
قهقه عز وهو يجذبها لأحضانه
-احبه أنا ياناس
-اخرص ياحمار احنا مش قاعدين، غمز عز وهو يضم ربى بذراع وجنى بالأخر
-طب ماتقولي ياابو الجود.
-بين معايا قمرات العيلة واسكت ياحج دا عيب، قاطعته جنى وهي تضحك
-خلاص بقى ياعز ماتعزلش عمو.
رمقتها بمقت ثم أردفت: -مبركتيش يعني ياجنى لحملي، ذهل جواد من حديثها، بينما هي بترت ضحكاتها، وطالعتها بعينين مترقرقة لم تستطع كبحها، أتى عز للرد، قاطعه بيجاد عندما أردف: -سوري فيروز، جنى ممكن ماخدتش عليكي، لكن هي باركت لجاسر مش كدا ياجاسر، مسح جاسر على وجهه بعنف ورمق جنى بنظرة سريعة ثم تحدث: -معرفش ايه المشكلة يافيروز يعني، تنهد وطالع جنى قائلا: -جنى باركتلي ياستي ايه المشكلة أنها نسيت تباركلك.
مطت شفتيها ترمقها بهدوء ثم تحدثت: -أنا بسأل عادي ياجماعة، أصل الكل باركلي انما هي لا
أكملت حديثها وهي تنظر لجاسر بابتسامة
-مكنتش أعرف انكوا هتزعلوا كدا. قاطعهم وقوف صهيب قائلا: -تسلم ايدك ياغزل الاكل كان حلو، إن شاء الله المرة الجاية عندنا بعد مانرجع من السفر، ثم أشار بكفيه لأبنته
-لو خلصتي أكل يابابا ياله، نهضت وهي لم تشعر بما حولها، ولكن أوقفها جواد.
-جنى هتعمل فنجان قهوة لعمها ياصهيب، تحركت غزل إلى صهيب
جواد هروح أشرب القهوة مع صهيب ونهى.
أومأ برأسه دون حديث، توقف بيجاد وبسط كفيه إلى غنى
-ياله حبيبي نطلع نرتاح هلكان وعايز انام. رفع بصره إلى جواد
-حضرة اللوا هيسهر مع سفيان هو جد ببلاش. تهكم جواد وهو يضم الولد لأحضانه.
-روح يلا من وشي مش نقصاك، ثم رفع نظره لجنى التي توقفت تطالع عز بحزن ابتسم بمحبة لها واردف: -اعملي لعمو فنجان قهوة ياجنجونة وتعالي عند حمام السباحة
اومأت برأسها دون حديث. تحركت عدة خطوات إلا أن أوقفها جاسر
-اعمليلي مع بابا ياجنجونة، نهضت فيروز سريعا
-ليه جنى تعملك ياجاسر، مامراتك موجودة
اتجهت جنى للمطبخ بعدما تحركت فيروز إليه
-هعملك قهوتك حبيبي وياريت بدل أنا موجودة ماتطلبهاش من حد.
وصلت إلى المطبخ وجدت جنى تتحدث مع العاملة
-دادة لو فيه لبن ممكن تعملي Mix jouice
أشارت العاملة لعيناها
-من عنيا ياحبيبة قلبي، ربتت على كتف العاملة
تسلميلي يادادة. اتجهت لموقد الغاز، وجدت فيروز تعد القهوة، طالعتها بهدوء
-فيروز أنتِ بتشربي قهوة. صمتت للحظات، ثم توجهت إليها قائلة: -بعمل لجوزي، ايه عندك مانع
ابتسمت جنى بوجع ثم أردفت: -بس جاسر مش بيحب القهوة سكر ذيادة، بيحبها على الريحة أو مظبوطة.
ألقت مابيديها ودنت منها تصيح غاضبة
-هتكوني عارفة جوزي بيحب ايه أكتر مني، دنت إلى أن لم يفصل بينهما شيئا وهمست إليها: -جنى ابعدي عن جاسر، اوعي تفكريني هبلة زي الكل، فاهمة نظراتك كويس، مترسميش حرمانك بجواد بجاسر، شوفيلك حد تاني أرمي نفسك عليه، مش مشكلتي انك سبتي جواد، جاسر حبني انا واتجوزني أنا، ثم وضعت كفيها على بطنها ونظرت متهكمة
-حتى ابنه هنا، فبلاش شغل السهوكة واللزقان فيه، متنسيش هو مش اخوكي.
هنا شعرت بدوران الأرض تحت أقدامها، ولم تسيطر على عبراتها التي أغرقت وجنتيها، نعم لقد خانتها دموعها كما خانها قلبها، حتى شعرت بإنسحاب الأكسجين من حولها، نظرات ضائعة تنظر بها إلى فيروز بعيناها التي أصبحت كالشلال فهمست
-أنا بعامل جاسر زي عز. تراجعت للخلف وهي تهز رأسها
-بس بدل دا مضايقك مش هقرب منه. استدارت متحركة سريعا للخارج، إلا أنها اصطدمت به وكادت أن تسقط لولا ذراعيه التي حاوطتها بإمتلاك.
نظر إليها بذهول، رفع أنامله يمسح دموعها وشعر بغصة تخنقه عندما تراجعت متأسفة، تطالعه بألم يمزق قلبها، تحركت خطوة إلا أنه أوقفها
-جنى ايه ال حصل. قالها وهو يرمق فيروز التي وقفت مرتبكة تفرك كفيها
تحركت جنى ولم تعريه اهتمام وكأنها لم تستمع إليه
-جنى. صاح بها بغضب، إلى أن توقفت موالية ظهرها
-نعم. قالتها بصوت مكتوما بالبكاء، اقترب منها إلى أن توقف أمامها.
-بتعيطي ليه ياحبيبتي كدا، استمع الى تهشيم شيئا بالأرض، ثم اتجهت إليه سريعا
-هي مين دي ال حبيبتك ياحضرة الضابط
-صوتك. بتعلي صوتك ليه كدا، نظرت إليه بصدمة وصاحت بغضب
-لا دا أعلي صوتي واصرخ كمان، لما الاقي واحدة بتلف حوالين جوزي، وعايزة تخطفه، وعاملة فيها بريئة
-اخرصي، صاح بها غاضبا، حتى رفع كفيه وكاد أن يسقطه على وجنتيها لولا دخول جواد وبيجاد على أصواتهم المرتفعة.
-جاسر! اتجننت هتضرب مراتك قدامنا. كور قبضته بعنف، ثم اتجه للتي بكت بإنهيار، رفع جواد ذراعيه إليها يضمها لأحضانه، ثم تحدث مردفا:
-أنا معرفش ايه ال حصل، لكن دموع جنى عندي غالية يافيروز، وحطي تحت جنى مليون خط، دي زيها زي ربى وغنى، مفيش اختلاف. قالها بمغذى، ثم استدار وهو يضم جنى بأحضانه قائلا: -اعملي قهوة ياسيدة، وليموناد لجنى
اتجه جاسر إلى فيروز.
-ليه كدا. ليه بتعملي كدا. اقتربت غنى منها تطالعها للحظات ثم أردفت: -أنا عارفة انك غيرانة، بس ميدكيش الحق انك تقوليلها كلام قاسي كدا. اتجهت إلى جاسر قائلة: -أنا سمعت كلام مراتك لبنت عمك ياحضرة الضابط وكنت هوقفها عند حدها بس سفيان عيط، واضطريت اروحله، قولها مالهاش دعوة بجنى، كلنا عارفين جنى رقيقة قد ايه وبتتأثر بأي كلمة.
عقدت فيروز ذراعها ترمق غنى بإستخفاف قائلة: -على أساس بقالك سنين عايشة معاهم. بترت حديثها عندما صاح ذاك كالثور الهائج متجها إليها
-ال ميقعدش محترم في البيت دا يطلع برة، استدار إلى جاسر يرمقه غاضبا
-مراتك تقعد بأدبها ياإما هقوفها عند حدها. قالها بيجاد غاضبا، ثم اتجه بأنظار نارية إلى جاسر.
-اوعى تفكر البيت دا يخص جواد الألفي بس، البيت دا يخصنا كلنا ياحضرة الضابط متجيش حتة عيلة تكلم مراتي كدا. قالها ثم سحب غنى التي نزلت عبراتها تغرق وجنتيها
بعد أسبوعين
ترجلت من سيارة يعقوب
-شكرا مستر يعقوب.
-جنى. استدارت مبتسمة
-اشكرك كثيرا على كل شيئا
اومأت برأسها
-مفيش شكر بينا، انا عملت شغلي مش أكتر
-سأنتظر الصورة التي وعدتيني بها، ابتسمت له.
-أكيد. تحرك يعقوب بسيارته وهي مازالت متوقفة أمام البوابة الرئيسية.
طب كنتي خليكي معاه، بدل صعبان عليكي أنه مشي كدا
استدارت للذي يقف يستند على سيارته ويدخن سيجاره. تحركت مذهولة
-بتشرب سجاير ياجاسر
-انتِ واحدة كدابة ومخادعة يابنت عمي، ياترى ورا البراءة دي ايه تاني
توسع بؤبؤ عيناها تناظره بذهول
-الكلام دا ليا ياجاسر. ألقى سيجاره ودعس عليها بغضب، ممسكا ذراعها بغضب
-ليه ضحكتي عليا ياكذابة.
حتة عيلة تمثل عليا البراءة والظلم، طول السنين دي كلها اتصدم فيكي.
↚
قبل شهر مساءً
عاد من عمله كان والده جالسًا بالحديقة مع والدته
-مساء الخير ياحضرة اللوا
ابتسم والده
-مساء الفل ياحبيبي، متأخر ليه كدا. جلس بمقابلته واردف
-مفيش راكان كان عندي وقعدنا شوية ومحستش بالوقت
صمت للحظات وتسائل
-ليه عايز تعمل شراكة مع يعقوب المنسي يابابا، احنا مش محتاجين
تراجع جواد بجسده متكأ على المقعد، ثم أجابه.
-عجبتني فكرة المدارس دي، الصراحة عز اقنعني جدا بيها، غير إنه هيكون خاص ب عز وأوس، لو عايز تدخل معاهم. قاطع حديث والده
-لا. مش عايز، أنا عرفت بالصدفة من راكان، فاستغربت
لحظات من الصمت المقتول بينهم، بتر هذا الصمت جاسر
-بابا ممكن أتكلم معاك بصراحة. وصلت غزل بقهوة جواد
-جاسر! ايه ال أخرك كدا حبيبي، انا فكرتك فوق عشان مراتك منزلتش للعشا
-لسة واصل ياماما، تلاقيها نايمة.
-غزل خليهم يجهزو عشا لجاسر وفيروز. طالعته غزل متسائلة
-طيب لما يطلع وياخد شاور.
لا روحي خليهم يجهزوا الأكل، عايز جاسر شوية
اومأت متفهمة فتحركت للداخل دون حديث. ابتلع ريقه بصعوبة من نظرات والده
-من إمتى واحنا مابنتكلمش غير بالصراحة ياجاسر
انحنى مستندا على الطاولة
-حضرتك مخبي عليا إيه يابابا، حاسس انك بعيد عني اوي، ومتقولش مفيش، أشار على قلبه وتحدث بصوتا مكتومٍ وكأن هناك مايعيق تنفسه.
-دا يابابا مش مرتاح، حاسس بينا سد، ومش من النهاردة من زمان اوي
سحب جواد نفسا وزفره بهدوء حتى يعرف بماذا سيجاوبه، ثم رفع نظره وتحدث
-هتزعل مني ياجاسر، وانا يعز عليا زعلك ياحبيبي. نهض من مكانه واتجه يجلس بجوار والده، وأمسك كفيه يقبلهما
-بالعكس يابابا، هتريحني، احسن مااشوف نظراتك الغامضة دي، بابا أنا تعبان، حاسس اني مش عايش، ودا عشان حاسس ان حضرتك زعلان مني وانا مش عارف سبب زعلك.
جذبه جواد لأحضانه يربت على ظهره
-أنا مش زعلان منك ياأهبل، أنا زعلان عليك. خرج من أحضان والده قاطبا جبينه
-مش فاهم حضرتك. دقق جواد النظر بعيناه لعدة لحظات
-اهو دا ال مزعلني منك ياحضرة الظابط، انك بتحاول تستغبى ابوك
ضيق عيناه متسائلا: -مش فاهم قصد حضرتك يابابا
اصدر جواد إيماءة خافتة.
-هعمل مصدقك يابن جواد. انت قولت نتكلم بصراحة، بتر حديثهم رنين هاتف جواد. رفع نظره الى ابنه، وبعد أن قرر أن ينهي الاتصال إلا أنه أجاب ونظراته على ابنه
-حبيبة عمو. ايه قولتي هروح اعمل كنافة لعمو ومرجعتيش، فشلتي ولا إيه
ضحكت جنى بنعومة وأجابته
-لا ياحبيبي، دا بابا بيقول لحضرتك تعالى عندنا وناكل كلنا عمايل جنى، ابتسم جواد وهو يستمع لحديث صهيب.
-تعالى هنا ياجواد عشان لو تعبت بعد حلويات جنى نعرف نسيطر على الوضع
قهقه جواد بصوت مرتفع قائلا
-لا متخافش جنى شاطرة والكنافة بالمانجو بتعتها لذيذة، ابعت بس ومتتلأمش ياصهيب
قهقه صهيب مردفا: -وأنا قادر عليها ياخويا، دا بتقولي عمو جواد يدوق الأول وبعد كدا الكل، شوفت البت باعت ابوها عشان عمها
-أنا مش عمها ياصهيب أنا ابوها، ولا إنت عندك شك في كدا.
-طبعا ابوها ياحبيبي. هبعتلك زهرة بالكنافة، ولا اجبهالك ونكلها مع بعض.
عمو حبيبي حضرتك تطلب وجنجون تنفذ من غير نقاش، دا انت الغالي ياعمو
شاكسها صهيب
-دا لجواد ياجنى، وبابا برة المنافسة، طبعت قبلة على وجنتيه
-لا ياحبيبي انت العشق كله. قهقه جواد قائلا
-صهيب الغيور
لمعت عيونه على حديثها، ونظر للبعيد، وجد جواد حازم دالفا من البوابة الرئيسية
نهض متجها إليه: -اخيرا اتقابلنا. صفع باب سيارته بقوة وأشار بسبباته.
-جاسر، ابعد أنا مش طايقك قدامي. جذبه جاسر من تلابيبه
-تعالى يلا، لازم نتحاسب، من زمان وأنا بضغط على نفسي، بس خلاص جبت أخرك معايا
دفعه جواد بغضب
-زعلان عشان قولت لمراتك، انك بتحب جنى، ماكلنا عارفين حبكم لبعض، وبعدين ماأنا فهمتها
تذكر تلك الليلة
فلاش
-أنا عارفة ياجاسر انت مش عايز تمشي من هنا ليه، عشان جنى
مسح على وجهه بغضب، ثم اقترب يمسكها من رسغها بعنف.
-لاحظي انك مراتي ياهانم، ومش بس كدا، لا بتتهمي جوزك بالخيانة، وكمان دي بنت عمي ال كل شوية تقلي منها
-فيروز جنى وجاسر بيحبوا بعض، قالها جواد المتكأ على سيارته
استدار جاسر ينظر إليه بذهول
-انت بتقول ايه ياحمار. اقترب جواد منهما ونظر إلى فيروز
هقولك على حاجة
من 15 سنة كان فيه أربعة في البيت دا محدش يعرف يفرق بينهم، ولو واحد منهم عمل حاجة غلط وخالو يسأل مين ال عمل كدا، الأربعة يردوا في نفس الوقت انا.
ابتسم على ذكريات طفولتهم. جلس أمامهما وأشار إلى جاسر
-كنت بغير منكم ونفسي. اكون معكم، ثم استدار إلى فيروز
-وسنهم مش واحد، بس لما تقعدي مع حد فيهم تحسي أنهم سن واحد
قطبت مابين حاجبيها متسائلة
-مش فاهمة، أشار على جاسر موضحا
-عز أكبرهم28سنة وجاسر26وربى20 أما جنى 22لمعت عيونه بدموع الحزن وأكمل، ودول فضلوا مع بعض لحد ماانا بكلمك مع اختلاف بسيط
-عز حب ربى واتجوزها، اتجه لجاسر وأكمل حديثه.
بس مش معنى كدا أن جاسر بيحب جنى الحب ال في بالك، دول صعب تفهمي الكيميا ال بينهم، بدليل جاسر ساعدني في موضوعنا، وكمان هو حكى لجنى عنك، فحبهم اخوي، متخليش شيطانك يلعب بيكي
تصبحو على خير، قالها جواد وتحرك. اسرع جاسر خلفه
-استنى يلا، انت مفكر نفسك لما تقول الكلمتين دول مش هحاسبك
أشار على فيروز التي جلست تنظر بشرود. ثم ربت على كتفه
-جاسر، روح شوف مراتك، ومتنساش إنها حامل، نتكلم بعدين.
خرج من شروده على حديث جواد
-لو هتسأل عن موضوع جنى، مفيش حاجة بينا غير القرابة دلوقتي، جنى زيها زي تقى، وياريت مانتكلمش تاني في الموضوع دا
تحرك مغادرا متجها إلى جواد
-مساء الخير ياخالو
رفع جواد وجهه من على هاتفه
-جواد!
اخيرا شوفتك يابني، جلس جواد بمقابلته
-كان عندي شغل كتير الايام ال فاتت. المهم كنت طالب من حضرتك طلب اتمنى توافق عليه
وصل جاسر إليهم وجلس بجواره منتظر حديثه.
-عايز انقل من القاهرة، ومحدش هيساعدني غيرك.
-مستحيل ومتحاولش تقنع خالك بحاجة، مستحيل اوافق على كدا، ولو فتحت الموضوع تاني هنزعل من بعض. أتى إلى أن يتحدث، قاطعهم وصول صهيب ونهى وجنى
-دا الشباب هنا كمان. قالها صهيب بمرح. نظرت نهى حولهم
-غزل فين، أشار جاسر برأسه على المنزل
-فوق. زمانها جاية. تحركت نهى للداخل وهي تحمل بيديها صحنا من الحلويات
أشار إلى جنى بالجلوس. اتجهت بنظرها إلى جواد.
-جواد ممكن نتكلم شوية مع بعض، بعد اذن بابا وعمو جواد طبعا
رفع رأسه اليها، دقق النظر بها فهو لم يراها منذ فترة
-روح شوف بنت خالك عايزة ايه وبعدين نكمل كلامنا
نظرت إلى صهيب الذي هز رأسه. تحركت أمامه متجهة إلى المسبح بمقابلتهم
جلس وأشارت له بالجلوس
جلس بجوارها على الأريكة على بعد مسافة
ابتسمت له وتحدثت
-على اد ماعانيت منك بس بحترمك جدا ياجواد. استدار بجسده إليها
-عارف إني ظلمتك معايا، وبتمنى متزعليش مني.
مازالت الأبتسامة على وجهها
-أنا سامحتك من وقتها، اقتربت منه برأسها ونظرت لمقلتيه قائلة
-عارف ليه يابن عمتي. انسابت دمعة من جفنه رغما عنه، واومأ برأسه
-عشان محبتنيش ياجنى مش كدا. قالها وهو يزفر الهواء المكبوت بصدره على دفع
وعيناه تتجول المكان حتى لا ينهار أمامها
أطبقت على جفنيها وذهبت بنظرها للجالس الذي يحاوطهما بنظراته.
-دا نصيب ياجواد، حاولت وأنا حاولت وفي الاخر لقينا نفسنا بنلعب على بعض، أنا سامحتك، وانت كمان سامحني، وابدأ حياتك مع واحدة تقدرك
صمتا مقتولا تبعه تنهيدات متحسرة منهما فأكملت
-بلاش هروبك من التجمع العائلي بسببي لو سمحت، جواد انا بحبك وبحترمك كأخ، ذيك زي عز
نهض يشعر بلهيبا يشعل بصدره
-بتمنالك السعادة يابنت خالي، بس عايز أكدلك حاجة مهمة.
انا حبيتك بجد ياجنى، يمكن أكتر من حب أي حد تاني. قالها وتحرك سريعا متجها لمنزله. ظلت نظراتها على ذهابه، إلى أن شعرت بأحدهم يجلس بجوارها وعلامات الاستفهام على وجهه إلى أن تحدث: -كنتي عايزاه ليه؟
استدارت بنظرها إليه
-هو أنا وحشة ياجاسر، صدمته بسؤالها الذي اخترق روحه، وتهيج قلبه من حزنها البادي في سؤالها، ف شعر بإنسحاب الأكسجين من رئتيه وهمس بتقطع: أنتِ أجمل بنت شفتها عنيا، تبسمت تهز رأسها رافضة حديثه.
-وأجمل بنت دي وجعت قلب مالوش ذنب غير أنه حبني وبس، حاولت والله ياجاسر ومقدرتش، عارفة أنه ندم، وعارفة كمان مشاعره حقيقية، بس مش عايزة اوجع قلبه أكتر من كدا، لما سألتك أنا وحشة، كان قصدي انا مؤذية بقيت أذي ال جنبي من غير ماأحس
-طيب مش هتقولي ليه قولتيلي يوم الفرح انك بتحبيه، مع أنك لسة قايلة حاولتي
نهضت بعدما أيقنت أنها وقعت في اسئلته المأسوية لكل منهما.
-اقعدي ياجنى متهربيش زي كل مرة، من حقي اعرف ايه حكايتك
تراجعت خطوة للخلف
-لازم أمشي، عندي شغل الصبح. جذبها من كفيها، شعرت برجفة من ملامسته، رغم أنها لم تعد المرة الأولى، إلا أنها اليوم غير كل مرة
نهض واقترب منها، زاغت نظراتها مع رجفة جسدها ومازال كفيه يحتضن كفيها
سكون مشحون بمشاعر مختلطة بدقات قلوبهما، ارتفعت وتيرة أنفاسها حتى كرهت نفسها من ضعفها البائن بحضرته، فهمست وهي تسحب كفيها.
-مفيش حاجة، انا كنت مخنوقة شوية ومش عارفة بقول إيه
حانت منها نظرة لعينيه التي تخترقها بصمت
-فيه مؤشرات بتوصلني بتوجع قلبي يابنت عمي، ويارب المؤشرات دي تكون وهم
بهتت ملامح وجهها بالكامل، حتى شعرت بإنسحاب روحها، فحركت شفتيها المرتجفتين بضعف
-متخليش دماغك تلعب بيك ياحضرة الظابط احنا كبرنا، ووقت مااحتاجك أكيد هقولك
استدرات للتحرك. جذبها بقوة حتى اصطدمت بصدره، رفعت نظرها إليه بذهول.
-جاسر انت اتجننت، ال يشوفنا يقول ايه، بص كدا وشوف عمو نظراته علينا
-مين ال قصديه يوم فرحي ياجنى، هز رأسه منتظر حديثها ودقات قلبه صاخبة، تمنى أن تطمئن روحه، حينها فقط سيهدأ من وخزه الذي بدأ ينغص حياته
رفعت نظرها وتقابلت نظراتهما. صمتا مؤلم عندما تعجز الألسنة عن الوصف الذي تشعر به القلوب. ترقرق الدمع بعيناها
-بتوجعني ياجاسر، سيب ايدي، ومتنساش انك دلوقتي ابن عمي وبس، حتى كلمة اخويا دي معدتش تنفع بينا.
ضغط على رسغها بعنف، يزمجر بغضب
-مش هسيبك الا لما تجاوبي، حاولت التملص من كفيه
-جاسر متتجننش، مراتك لو جت هتسمعني كلام يوجع، يرضيك كدا. تراجع يمسح على وجهه بغضب، ثم اتجه الى شقته دون حديث آخر.
جلست بمكانه بعد ذهابه تتنهد بحزن
-لسة جاي تسأل ياجاسر، وياترى نظراتك دي وراها ايه، بتمنى مايكنش ال حسيته يابن عمي
شعرت بأحدهما خلفها. جلس بجوارها دون حديث
-وبعدين، هتستني لحد مايقولك ياخطافة الرجالة، زي مازفتة فيروز بتلقح عليكي بالكلام
طالعته بنظرات مؤلمة تخرج من بين ثنايا روحها ثم أردفت
-أنا موافقة اعمل جنى جديدة ياعز، ووعد هتلاقي جنى غير ال ربتها وعرفتها.
مرت الأيام سريعا وتغير الكثير في حي الألفي، ربى التي أوشكت انتهاء عامها الجامعي السادس، وجنى التي تميزت بذكائها بمجال عملها بشركة هندسية بمجال عملها
وهدأت فيروز بعض الشئ، ورغم هدوئها إلى أن توطدت علاقتها بوالدتها مرة أخرى بعد ابتعاد حياة عنها
بأحد الأيام دلفت إلى رئيس عملها
-مستر يعقوب، دا الفايل ال حضرتك طلبته. طالعه لبعض الدقائق.
-انه مذهل حقا، سوف نحدد اجتماعا قريبا، ولكن لم أعتقد أنه سيكون بالقاهرة، سنجلس سويا فيما بعد ونرى ماذا سنقرر
دلف عز بابتسامته
-ممكن اخد اختي ياحضرة المدير، ضحك يعقوب بصوته الرجولي وأشار عليها
-أنا اتنبأ لها بمستقبل مبهر حقا
حاوط عز أكتافها ثم طالعها بنظراته: -هو إحنا اي حد برضو، دي بنت الألفي ياسيد يعقوب
نهض يعقوب وهو يشير بيديه
-حقا لقد اعجبتني كثيرا بتلك الفترة القليلة.
-شكرا لحضرتك مستر يعقوب. بعد إذنك لازم نمشي
اومأ براسه، تحرك عز مردفا
-هنستناك النهاردة على العشا، ومفيش اعذار، دا أمر من حضرة اللوا ذات نفسه
-سأحضر بالموعد لا تقلق
بمنزل سحر والدة فيروز
-وبعدين ايه ال حصل
هزت أكتافها للأعلى
-ولا حاجة، دلوقتي مفيش غير أنه لو طلع من حي الألفي مش هيكون عايش
مسدت على خصلاتها ونظرت لعيناها.
-خليكي وراه، واوعي يتحكم فيكي، زي مافهمتك، وبلاش كل شوية يقعد جواد الألفي يحسسك بنت مجرمين
انعقد لسانها وتاهت بحديث والدتها فأردفت: -بس كل لما اعمل حاجة من ال بتقوليها ياماما جاسر يبعد عني اكتر، مشيت وراكي ومخلتوش يقرب مني، غير عدم اهتمامي بيه وكأنه مش موجود، خايفة اخسره بجد
أشعلت والدتها سيجارا وتعمقت بنظراتها
-لسة بتدويشه بالبت بنت عمه دي. زفرت وهزت رأسها.
-لا. ماهو ياماما، معدش بيقعد معايا زي الأول، انا حاسة اني اتسرعت لما سمعت كلامك
نفثت دخان سيجارها مستنكرة حديثها
-كنتي مستنية ايه لحد ما يدخل بيها عليكي ويقول مراتي
نهضت تفرك كفيها ثم تحدثت بتيه قائلة: -ماما من وقت مامليتي دماغي وجاسر بعد، مكنش كدا، معرفش ايه ال خلاني اسمع كلامك بس، والبنت طيبة ومشفتش منها حاجة ابدا، وعمرها مااتجاوزت حدودها.
نهضت وصاحت غاضبة: -بصي يافيروز خلينا نكون صرحة مع بعض، انتي دخلتي عيلة الألفي عشان تنتقمي لأبوكي وعمك، سيبك من شغل الحب دا، لازم تجمدي، وتضغطي عليه، تقولي جنى تقولي عز المهم تعملي مصيبة العيلة دي، انا مش هرتاح غير لما اخد حق ابوكي وعمك واخوكي. ايه نستيهم
انسابت عبراتها تهز رأسها رافضة حديثها.
-ماما أنا بحب جاسربجد، معرفش ليه سمعت كلامك، انا عايزة اعيش مع جوزي واربي ابني، انا اتجوزت جاسر عشان بحبه مش عشان انتقام
رفعت حاجبها ساخرة
-عشان كدا عايزاه يسيب بيت ابوه ياعنيا. اسمعيني ودا اخر كلام عندي، وبكرة يرموكي زي الكلبة وياخدوا ابنك. لازم يكون عندك بيت لوحدك، متخليش حد يقعد يذل فيكي ويقول بنت مجرم، ابوكي مات شريف.
جمعت أشيائها وحملت حقيبتها وتحركت بخطوات متعثرة لا تعلم ماذا عليها فعله، هي تحبه، ولكن حديث والدتها شتت أفكارها
وصلت بعد قليل إلى منزلها، قابلها جواد
-فيروز مالك حبيبتي وشك أصفر ليه، تعبانة، تحبي تروحي للدكتور
نظرت إليه بتوهان وهزت رأسها بالنفي
-أنا كويسة بعد إذنك، تحركت خطوتين ولكن توقفت عندما استمعت إليه
-فيه ضيف جاي على العشا، عرفي جوزك، وياريت تنزلوا، مش كل ليلة هتتعشوا فوق لوحدكم.
استدارت إليه وحديث والدتها بذهنها
-وأنا وقت مايجلي نفس انزل هنزل، غير كدا محدش يؤمرني، انا هنا ليا رأي مابمشيش على كيف حد
قالتها وصعدت سريعا الى غرفتها. صفعت الباب خلفها بقوة، انتفض بنومه، مسح وجهه يفتح عيناه من أثر النوم، ثم نهض
-فيروز مالك حبيبتي، تعبانة
صاحت غاضبة
-عرف حضرة اللوا احنا هنا مش لأوامره، يجيب ضيوف يمشي ضيوف ماليش فيه
-فيروز صوتك، اهدي، صوتك عالي ليه
دفعته بغضب صارخة.
-أيوة انا متربتش، أصل ابويا مجرم مش دا ال عايز تقوله
جحظت عيناه من حديثها
-فيروز ايه ال حصل معاكي، اتجننتي
استدارت وبدأت تحطم كل ما يقابلها
-لما شايفني بنت مجرمين اتجوزتني ليه، متجوزتهاش هي ليه
امسكها بغضب محاولا السيطرة على نفسه حتى لا يصفعها، هزها بعنف
-شكلك اتجننتي ومش عارفة بتقولي ايه، بس انتي كدا جبتي اخرك معايا، اي غلط في حق حد من اهلي مش هسكتلك
دفعته بغضب وصرخت كالمجنونة.
-قول انك خايف عليها، ماهي كانت قدامك ليه متجوزتهاش، متجوزني عشان تنتقم مني مش كدا
طب اسمع بقى ياحضرة الظابط انا مبحبكش، أيوة مثلت عليك الحب زي ماانت عارف، انا بكرهك عارف ليه عشان انتو السبب في موت بابا وحبس عمي
كور قبضته، حتى لا يفعل مايندم عليه، اتجه إلى مرحاضه وهي تصرخ خلفه
-ايه هربان مش دي الحقيقة.
دلف الى مرحاضه، دلف تحت المياه عندما شعر بنيران تسري بأوردته، تذكر عندما عادوا من شهر العسل، وبدأت والدتها تقترب منها
-انتِ بنتي الوحيدة عايزة تحرميني منك، اتجهت بنظرها إلى جاسر
-ماتقولها يابني، قولها ماينفعش تقاطعي والدتك
هز أكتافه وتحدث: -مقدرش ادخل بينكم هي بنتك وحضرتك امها، وانا معها في أي قرار
عدت الأيام بينهما جميلة وخالية من أي مشاكل، حتى بدأت والدتها تقترب، وتغيرت بعدها
دلفت ذات يوم.
-جاسر. انا مش هرجع حي الألفي تاني، وقف مذهولا فأردف
-إحنا مش اتفقنا حبيبتي ليه غيرتي كلامك. جلست وهي تزفر بغضب
-مش حابة الزحمة مش هتأقلم هناك. جلس أمامها واحتوى كفيها يقبلها
-فيروز حبيبتي احنا اتفقنا حتى نقعد هناك اسبوع وهنا اسبوع، لا إنت تزعلي ولا أنا ازعل، أنا مش عارف ابعد عن هناك، عشان خاطري حبيبتي بلاش تكسري خاطري
احتضنت وجهه.
-عندي اقتراح ايه رأيك كل شهر نروح يوم الخميس والجمعة كدا هكون مرتاحة أكتر عشان خاطري حبيبي
اعتدل ناهضا، يهز رأسه
-حاضر يافيروز، بس اعرفي انا مش هكون مرتاح هنا
مرت شهور على هذا الحال إلى أن ذهب بزيارة والده، قابله عز وجنى على باب منزلهم
-جنجون وحشتيني يابت، من يوم الفرح ماشوفتكيش. ابتسمت اليه، ثم نظرت إلى عز الذي يحاوط كتفها
-وانت كمان ياحضرة الظابط، ايه يابني، سمعت انك هترجع، ومرة تانية غيرت رأيك.
سحبت فيروز ذراعه قائلة
-حاجة تخصنا احنا، بلاش تدخلي بينا، خليكي في مشاكلك، ومع دكتورك، إنما سمعت انك بتروحي لدكتور نفسي، ليه عقلك مش موجود
-اخرصي يابت. صاح بها عز
لم مراتك يابن جواد الألفي وعرفها قيمتها، قولها دي بنت الألفي ليس عليها غبار، تروح تشوف عقلها الاول
سحب عز جنى وخرج غاضبا وكأنه يريد احتراق من يقف أمامه
-فيه ايه ياجاسر، ابن عمك بيزعق ليه؟
-هو فيه ايه دا كله عشان بقوله اختك راحت لدكتور نفسي، عقلها
لم يجعلها تكمل حديثها وأشار بسبباته محذرا إياها
-هتتمادي مش هرحمك، بقولك قدام جوزك، هتقعدي بادبك هشيلك فوق راسي، بناتي فوقي أنا شخصيا
لكز جاسر بصدره: -واخوات ابني الكبير ال أخته اتشتمت من مراته وواقف معرفش يرد عليكي. قالها جواد غاضبا وتحرك من أمامه
بعد قليل دلف إلى والده
-بابا أنا اسف لو سمحت متزعلش. نهض جواد.
-كان نفسي اتأسفلك، بس للأسف ياجاسر مراتك غلطت والغلط الأكبر انك ماوقفتهاش عند حدها
تحرك يضع كفيه ببنطاله إلى نظر من النافذة
-ارجع بيت ابوك ياحضرة الظابط، كام شهر ونسيت قيمك واخلاقك، ياترى بعد كام سنة هلاقيك مين
خرج من شروده على حديث والدته مع فيروز بالخارج، ارتدى ثيابه وتحرك سريعا للخارج
-مالك يابنتي، سامعة صوتك من تحت
جلست والتزمت الصمت دون حديث
خرج جاسر ورسم ابتسامة.
-فيه حاجة ياماما. نظرت لفيروز التي تجاهلتها فتحدثت
-حبيبي اجهز انت ومراتك، شريك عز وأوس جاي النهاردة على العشا، وكمان عمك صهيب وولاده موجودين
مينفعش تكون كبيرنا ومش موجود. نهضت غاضبة متجهة للمرحاض، دلفت المرحاض وأغلقت الباب بعنف
أطبق على جفنيه متنهدا بحزن، جلست والدته بجواره
-متزعلش، دي هرمونات الحمل ياحبيبي، تلاقي الحمل ضاغط عليها، ولسة ياما تشوف.
-وياترى ياطنط غزل قصدك ايه. نهضت غزل متجهة إليها.
-حبيبتي لو تعبانة قولي.
اتجهت لغرفة ملابسها
-أنا كويسة، بس بلاش تضغطوا عليا بأوامركم، انا مش عايزة اعيش هنا، وابن حضرتك عجبه العيشة هنا، ودا مكنش اتفاقنا من الاول
-ماما حبيبتي انزلي وانا هجهز وانزل وراكي. ربتت على كتفه، وتحركت بقلبا مفطور على ابنها
وصلت للأسفل وجلست بشرود، أتت نهى
-غزل فين جواد وصهيب، كانت شاردة بحياة ابنها التي انقلبت فجأة ولا تعلم لماذا
هزتها نهى بخفة.
-غزل روحتي فين، بكلمك من فترة. نظرت إليها بشرود تهز رأسها
-معلش يانهى، شردت شوية، كنتي بتقولي حاجة
طالعتها نهى بتدقيق
-وشك ماله مخطوف ايه ياحبيبتي كدا. هزت رأسها
-ضغط مش اكتر حبيبتي
استمعت إلى صوت الخادمة
-الضيوف وصلوا يادكتور
نهضت نهى بجوار غزل التي تتحرك بجوارها، وصورة ابنها الحزين لا تبتعد عن ذهنها
استمعت إلى صوته، الذي يشعرها بالأمان
-دكتورة غزل، مراتي. ودي الباشمهندسة نهى والدة عز ونهى.
-لقد ذادني شرفا سيدتى. اومأت له غزل، ورسمت ابتسامة تطالع جواد المبتسم بضياع. جذبها جواد، شعر بصقيع بكفيها
اتجه بنظره الى نهى، هزت كتفها بعدم معرفة
حمحم جواد هامسا لها
-مالك يازوزو. رفعت نظرها
-هه، ضيق عيناه ورسمها بعينيه
-حبيبتي مال وشك شاحب كدا، انت تعبانة
هزت رأسها بالنفي: -أنا كويسة، شوف ضيفوك حبيبي وأنا هروح أشوف السفرة. نهض جواد
-صهيب عرف باقي العيلة للباشمهندس دقايق وراجع.
تحرك سريعا خلف زوجته، وجدها تجلس بغرفة مكتبه وتبكي بصمت، شعر بسقوط قلبه بين قدميه
اسرع يجثو أمامها
-غزل فيه ايه مالك. شهقت عندما وجدته وألقت نفسها بأحضانه
-جواد ضمني أوي، حاسة اني تعبانة أوي
صمت لثواني يقاوم ألم قلبه وشعر بوخزات بصدره، ثم قال بصوت مختنق
-ايه ال حصل حبيبتي
ابتلعت ريقها بصعوبة ثم أردفت: -تعبانة بس حبيبي مش اكتر
احتضن وجهها غارزا نظراته برماديتها
-مخبية عني ايه يازوزو!
نهضت تفرك كفيها، وهزت رأسها
-مفيش، حسيت اني مخنوقة شوية، ياله اطلع للضيوف، وأنا هغسل وشي واجي، مينفعش اول مرة الراجل يجي ونقابله كدا
طبع قبلة على جبينها ثم ابتسم
-خديني على أد عقلي، اخرج زفرة حارة وتحدث
-تمام همشي، عندي خبر مينفعش هيفرحك ولا يزعلك، انا شخصيا زعلان، ومش معنى زعلي أن مش عايزها تفرح، بس ال شايفه الايام الجاية هتكون مش حلوة، عشان كدا قررت قرار واتمنى الاقيكي زي كل مرة جنبي.
نظرت منتظرة حديثه
-يعقوب طلب ايد جنى من صهيب، وصهيب لسة قايلي من شوية
هبت واقفة
-وطبعا صهيب موافق، يعقوب شخص كويس ومفيش حد يرفضه، وشايفة تأقلمه مع جنى بسرعة، بس طبعا جاسر مش هيسكت
خرج جواد وهو يتحدث
-ولا يقدر يتكلم، خليه بس يفتح بوقه، وانا أربيه
بعد قليل على طاولة الطعام، وصلت جنى بجوار ربى
بوصول جاسر
-مساء الخير. أشار عز إلى جاسر
-دا جاسر، اتقابلتوا قبل كدا بس متعرفتوش على بعض.
-اهلا. قالها جاسر الذي جلس بجوار عز
-مرحبا بك. أشار على أوس
-أوس قص الكثير لي عنك
ضيق عيناه ينظر لأوس
-قايله ايه يلا، ومين دا قالها هامسا
حمحم أوس مردفا: -كل خير ياشقيق، وفيه خبر تاني هتسمعه بعد قليل
انتهوا من طعامهم بعد فترة، واتجهوا لتناول القهوة. جلست غزل بجوار نهى
-يعني هو اتكلم من فترة. فركت نهى كفيها.
-معرفش والله ياغزل، لسة صهيب معرفني النهاردة، اومأت غزل بهدوء ونظراتها على جاسر الذي يحاول الابتسام أمام الجميع. نهضت من مكانها
-حبيبي تعالى عايزك. قطب مابين حاجبه متسائلا
-فيه حاجة ياماما. اومأت برأسها، نهض معتذرا من الجميع. كانت نظرات جواد عليهما. دلف لداخل مكتب والده
-ماما لو موضوع فيروز مضايقك انا هتكلم معاها
جذبت كفيه وأجلسته بجوارها.
-لا مش موضوع فيروز، اقعد واسمعني كويس، بابا كان عايز يتكلم معاك من كام يوم، بس جواد جه وعمك صهيب ومعرفش يتكلم معاك
جلس بهدوء، ولا يعرف لماذا شعر بغصة تمنع تنفسه فأشار برأسه
-عارف ال برة دا جاي ليه؟
ظل صامتا منتظر تكملة حديثها
فركت كفيها احتضن كفيها ونظر إليها
-ماما اتكلمي، بلاش توتريني، مش دا شريك أوس
-وجاي يخطب جنى، قالتها سريعا منتظرة ردة فعله.
ورغم أنها كلمة بسيطة ولكن نزلت فوق قلبه كضربة خنجر قاتلة فتت قلبه اربا
ترك كف والدته، وأشار إليها
-ممكن تسبيني لوحدي. اقتربت وانسابت عبراتها رغما عنها لما لا وهو فلذة كبدها
-عارفة الموضوع مش هيكون سهل، بس متنساش انك دلوقتي متجوز ومراتك حامل ياحبيبي
رفع نظره كالتائه لوالدته
-مش فاهم معنى كلامك ياماما. رسمت ابتسامة مرتعشة.
-جاسر أنا مامتك، افهمك من نظرة عينك، وعارفة ومتأكدة مشاعرك اتجاه جنى، بس ال مقدرتش اعرفه، ليه يابني تتجوز واحدة وتحب واحدة تانية
هب من مكانه واتجه للخارج سريعا دون حديث. رآه عز يخرج مهرولا للخارج كالمطارد. أتى ليلحقه. أشار إليه جواد بعينيه
-عز استنى عايزك في موضوع، بعد قليل فتح يعقوب حديثه.
-اتيت اليوم وطلبت السماح من حضرة اللواء ميعادا، ليزيدني شرفا أن اتجرؤ واتقدم لأبنة حضرتك. سيد صهيب، وأنا أحاول أن اتأقلم على اللهجة المصرية.
ابتسم صهيب ثم رفع نظره إلى جنى التي شحبت ملامحها، تنظر في الوجوه حولها، حيث أن الجميع ينتظر حديثها، قاطع حرب النظرات وصول فيروز
-مساء الخير. اتجه الجميع بنظراته اليها، توقفت جنى وأردفت سريعا
-أنا موافقة، قالتها وتحركت سريعا متجهة الى منزلها.
عند جاسر، قاد سيارته بسرعة جنونية وهو يضرب على المقود بعنف حتى كاد أن يكسر معصمه، توقف فجأة بالسيارة حتى أحدثت السيارة صوت بإطارها
ظل جالسا بالسيارة لفترة. ، لا يعلم كيف سيتخلص من هذا الوخز الذي يمنع تنفسه ويشق صدره متألما، فتح زر قميصه عندما شعر بإختناقه، وكأن لم يعد هواء حوله، عند جنى، دلفت غرفتها، هوت ساقطة خلف الباب تضع كفيها على فمها تمنع شهقاتها.
ولم تشعر بنفسها سوى بهمسها بإسمه، انسابت عبراتها، ظلت لفترة ثم نهضت متجهة تنظر الى نفسها بالمرآة
-جنى فوقي، وشوفي حياتك، هتفضلي لحد امتى ضعيفة، وقلبك يتحكم فيكي، هو عايش حياته، دوسي على قلبك، يعقوب كويس ابني حياة جديدة
اتجهت إلى مرسمها ودلفت إليه تجهز ألوانها، وفتحت موسيقى هادئة وبدأت برسمتها الجديدة. دلف والدها
-جنى، استدارت مبتسمة
-نعم يابابا. جلس بجوارها يمسد على خصلاتها.
-حبيبتي، ليه اتسرعتي بردك على يعقوب
استدارت برأسها وأردفت بهدوء: -ليه حضرتك شايف فيه عيوب، هز رأسه رافضا
-بس لازم تفكري كويس. بابا عنده حق ياجنى، ردك بالسرعة دا قلقني، قالها عز
ابتسمت لهم وتحدثت بهدوء
-هو كويس جدا يابابا، وشايفة هكون مرتاحة معاه، وبعدين هنعمل خطوبة وبعد كدا نقرر إذا ارتحنا هنكمل وإذا لا ننفصل عادي
-هو كلمك ياجنى، تسائل بها عز. هزت رأسها بالنفي.
-ابدا والله، بس هو من كام يوم سألني فيه حد في حياتي قولت لا. أمسكت كف والدها
-متزعلش مني حبيبي عارفة رديت من غير ماارجعلك، بس كان لازم افهم الكل اني مش مضغوطة من حد
اومأ صهيب متفهما، هروح اشوف عمك جواد ماله هو غزل مش عجبني.
وانا هشوف ربى حبيبتي عندها امتحان ومحتاسة فيه
اومأت برأسها، وبدأت برسمتها بيعقوب.
باليوم التالي ترجلت من سيارته.
وتوقفت تنظر لذهابه. ماكونتي تخليكي بدل مضايقة كدا. استدارت تنظر إليه بذهول عندما وجدته ينفث تبغه
-جاسر اتجننت بتشرب سجائر. تحرك إليها بخطى سلحفية، ونظراته تحاوطها ورغم هدوء تحركه إلى أن داخله يحترق كمرجل جف مائه من كثرة الغليان، أمال بجسده يجذبها من اكتافها
-عرفت أنك وافقتي على العريس...
حاولت التملص من قبضته
-جاسر وسع كدا اتجننت، حاوط خصرها وأنفاسه تضرب وجهها.
-لسة الجنان جاي يااختي الحلوة. طلعت اكبر مغفل، انتي واحدة مخادعة وكذابة ياجنى، راسمة براءة على وشك وأنتِ من جوة انسان
دفعته قبل إكمال حديثه
-الزم حدودك معايا، وبعد كدا إياك تقرب مني، ومتنساش انا دلوقتي مخطوبة، وهلبس الدبلة بكرة، غير مراتك ال شيفاني رخيصة برمي نفسي عليك. اقتربت تمسك تلابيته وتعمقت برماديته قائلة.
-الهبلة متعرفش أن جاسر اخو جنى، وجنى اخت لجاسر، فهمها كدا، بدل مش لاقية حاجة تشغلها. قالتها وتحركت سريعا من امامه
باليوم التالي وهو اليوم المقرر لحفل الخطوبة. بمرسمها توقفت بجواره، تشير إلى لوحاتها
وبدأت تعرفه على كل واحدة، وصل إلى لوحته
-حقا أنها مذهلة، ابتسمت بحبور قائلة: -عجبتك. اومأ بتأكيد
-لقد افتتنت بها، وصلت غنى إليها
-مبروك ياجنجون كدا مش تعزميني. أشارت جنى إلى غنى
-غنى توأم جاسر. أومأ برأسه.
-اهلا سيدتي. ابتسمت قائلة
-قلة مصريين يامجنونة. خرج يعقوب عندما وجد الجميع بالخارج
-مبروك ياجنى فرحتلك حبيبتي. صمتت لثواني تقاوم غلالة دموع وخزت جفنيها ثم قالت بصوت مختنق
-بحاول ارسم حياة جديدة وابعد عن اخوكي. احتضنت وجهها
-لازم تكوني قوية، ودوسي على الكل، حتى اخويا نفسه عشان قلبك ميوعجكيش حبيبتي، بس في نفس الوقت لازم تفكري وماتتسرعيش، نظرت إلى فستانها.
-طالعة كتير حلوة حبيبتي ربنا يسعدك، والصراحة عريسك قمرين. قبلت وجنتيها
-شكرا ياغنون. اتجهت بنظرها للخارج وجدت فيروز تقف بجوار ربى وتتحدث
- هروح اسلم على فيروز خانو لتقول عاملين حزب عليها. خرجت متجهة للجميع قاطع طريقها جاسر
مبروك كسرتي كلمتي وعملتي ال في دماغك
تحركت مستديرة ولم تعريه إهتمام، اصطدمت بزوجته فتوقفت أمامها مبتسمة.
-مسمعتش مبروك، ايه خسارة في جنجون، دا حتى جوزك عاملي ابو زيد الهلالي، بدل ماتيجي وتوقفي قدامي وتجرحي شوفي ايه ال مجنن جوزك ياست الحامل من جوزها حبيبها، قالتها وهي توزع النظرات بينهما ثم خرجت حتى تستيطع التنفس.
برافو جنجون اهو كدا احبك يابت، مش كل شوية تعيطي ياخايبة. توقفت أمامها
-ليه خلتيني أعمل كدا، اول مرة اجرح جاسر بالطريقة دي، اول مرة اشوف دموع في عيونه
ربتت على كتفها.
-كدا أحسن للكل حبيبتي بكرة مع الأيام هتنسوا، وتتصالحوا، وبعدين دا جسورة برضو، وأنتِ جنجونة العيلة، بس لو جبتي سيرتي هموتك، قالتها وتحركت سريعا من أمامها
جذبها وحاوط خصرها
-مراتي عروسة البحر شكلها بتعمل خطط من ورايا
حاوطت عنقه تهمس أمام شفتيها
-تدفع كام واقولك مراتك بتفكر في ايه. دنى حتى داعب ثغرها بخاصته، ولكن تراجعت فزعة عندما صاح جواد.
-الناس حواليكم خلوا عندكم شوية دم، ال يشوفكم يقول عرسان في شهر العسل، اتجه بنظره الى ابنته غاضبا
-شوفي ابنك والدتك تعبانة، مش حمل الولد يتعبها
اقترب بيجاد يتابعه بهدوء
-مالك ياحضرة اللوا، مش على بعضك ليه. تجول بنظره يبحث عن جاسر
-فين جاسر مش باين ليه. أشار له على مكانه
-معرفش كان هنا واقف مع جنى. تحرك يبحث عنه، قابله راكان بجوار ليلى، فتراجع معه
اهلا ياراكان. ابتسم له.
-اهلا ياحضرة اللوا. بحث عن جاسر متسائلا
-فين جاسر، اوعى تقولي في الشغل. أشار إلى عز
-شوف لي جاسر فين، وجنى مش باينة
تحرك عز سريعا يبحث عنهما
توقف بنظر بذهول.
↚
كان يعلم أن حزني عميق، ومع ذلك أحزنني.!
كنت انتظر لو عاد معتذراً.!؟
لدفنت رأسي بضلوعه ››
لأخبرته بكل لحظه مرت ولم يكن بها ››
لأغسل قلبه بدموعي.!
لأجعله يدرك خطأ مافعله بي.!
ثم ألملم أشتاتي من بين ذراعيه »›
وأرحل بعيداً عنه...
من قال أني قبلت إعتذاره،؟
يطلب مني اصف حالتي وأنا التي
لم أعرف كيف اصف مكان وجعي
كيف لا يشعر به إنهُ وجع الروح وأنا لا اعرف اصفه.
كيف وهو لا يشعر بأن روحي روحه؟
ليت احدًا يخبره
أنا التي توجعت حتى فاض الألم اوجعي
انا التي اخترق قلبي بالحزن، ولم يشعر به أحدا.
حتى هو كان لي القاضي والجلاد
سعيد أنا من بعدك.
قبل حفل الخطوبة بيوم
استيقظ على. رنين هاتفها
-فيروز شوفي مين بيتصل
-أيوة ياماما. قالتها بصوت متحشرج من النوم
-لا ياحبيبتي النهاردة عندنا خطوبة بكرة هجيلك
تأفف قائلا
-ممكن تسبيني انام. اطلعي كلميها برة، انا لسة راجع من الشغل
-والله لو مش عجبك ممكن تروح تنام في أي مكان ياحضرة الظابط
نهض دون حديث، واتجه إلى الغرفة الثانية
ألقى نفسه على الفراش محاولا السيطرة على غضبه.
ظل يتقلب فترة، إلا أن ذهب بسبات عميق من شدة ارهاقها
بعد فترة دلفت إليه
-جاسر، قوم الساعة تمانية وانت لسة مجهزتش
فتح عيناه بإرهاق ينظر بساعته ثم أردف
-انزلي أنتِ. انا تعبان وعايز انام. جلست على الفراش وصاحت غاضبة
-مينفعش طبعا ازاي احضر الحفلة من غيرك، يلا قوم، وبعدين الست غنى تحت وأنا بضايق من جوزها قليل الادب
اعتدل ثم ألقى غطائه، رفع عيناه التي يغشاها النوم قائلا.
-غنى ال بتتكلمي عنها دي، لو بابا سمع كلامك دا صدقيني هيرميكي برة البيت دا، يعني من الاخر كدا الزمي حدك، تاني حاجة ياست فيروز
اخواتي مش هسمح بالغلط معهم، جنى وقولت من حقك بتغيري منها، إنما اخواتي مالك ومالهم
نهضت تطالعه بغضب
-دا بدل ماتخاف على مراتك وشكلها قدام الناس، اه من حقي اغير من جنى، مالك بتقولها بتريقة كدا
زفر بغضب. فهب من مكانه يمسكها بعنف.
-عارفة لو مش حامل كنت عملت فيكي ايه، أشار إلى باب الغرفة وصاح بغضب
-كنت رميتك برة، انا معرفش انت مين، انا اتجوزت واحدة تانية، غير ال قدامي.
قالها وهو يدفعها بعيدا عنه
أشارت إلى نفسها بحزن وانسابت دموعها
-الكلام دا ليا ياجاسر عايز ترميني برة البيت، اومال فين وعدك ليا
توقف يكور قبضته ثم استدار
انا لحد دلوقتي باقي على حياتنا ال انتي بتحاولي تضيعها يافيروز
اتجهت إليه والقت نفسها بأحضانه.
-أنا بحبك ياجاسر وبعمل كدا من غيرتي عليك، كل ما افتكر حبك لجنى بتجنن
لف ذراعيه وحاوط خصرها
-فيروز جنى اتخطبت، وانا متجوز وانتي حامل، يعني من الاخر حافظي على حياتنا، لو سمحتي حافظي عليها، وطلعي جنى من دماغك
-وانت هطلعها من قلبك ياجاسر
أطلق تنهيدة مرتعشة من عمق ألمه يهز رأسه غاضبا من حديثها
-كلامك دا بيخليني افكر فيها، لو سمحتي بلاش تضغطي عليا بأسلوبك دا، فكري ازاي تحافظي على حياتنا.
-بتضحك عليا ياجاسر مش كدا
عارفة انك كذاب وبتضحك عليا
استدار مشيرا إليها بسبباته
-اسمعيني ودا اخر كلام بينا عشان كدا انتي بضيقيني
-جنى لحد دلوقتي اختي، متخلنيش اعمل حاجة تندمي عليها. قالها ودلف إلى مرحاضه
بعد عدة ساعات
ولج راكان وهو يحاوط ليلى، دنت منه متسائلة: -حبيبي الحفلة شكلها حلو، مش عايزة نمشي بدري من فضلك
قوس فمه بسخرية: -على حسب المزاج يالولة، هزت رأسها مبتسمة.
-مفيش فايدة فيك حبيبي، بتر حديثهم وصولهم إلى جواد
-اهلا حضرة اللوا، الف مبروك
ابتسم جواد
-اذيك ياراكان. نورت وشكرا لقبول الدعوة، ثم اتجه بنظره الى ليلى
-نورتينا يامدام ليلى. هزت رأسها بابتسامة
-ميرسي، أشار بيديه على أحدى الطاولات. حاوط راكان المكان بأنظاره متسائلا:
-جاسر مش موجود ولا إيه؟
قطب جبينه وأكمل
-اوعى تقولي أنه في الشغل
بحث جواد بعينيه ثم أشار إلى عز عندما وجد اختفائه مع جنى.
-اهلا ياحضرة المستشار نورتنا. اومأ راكان برأسه
-نورك يا باشمهندس
همس جواد إلى عز
-شوفلي جاسر فين مش باين.
اتجه عز سريعا يبحث عنه
عند جنى وجاسر
قبل قليل
تحركت جنى برفقة تقى ورُبى إلى داخل الحفلة. ولكنه توقف أمامهم
-روبي عايز اتكلم مع جنى، . واقدملها هديتها
صفقت تقى
-اوووه حضرة الظابط الهمام جايب هدية لجنجون، ومش عايز حد يشوفها
أمسكت ذراعه.
-والنبي ياجاسر اشوف الهدية، كانت نظراته عليها وحدها، طلتها بذاك الفستان جعلها كأميرة اساطير
تحدث ونظراته عليها
-مينفعش ياتقى، أصلها بأسمها هي بس، اخفضت نظرها للأسفل من نظراته التي جعلت قلبها كآلة موسيقية
-حبيبي إنت كويس!
تسائلت بها ربى عندما وجدت تجهم ملامحه ونظرة الحزن بعينيه. سحب كفيها وأجاب أخته
-لأ. مش كويس، قالها وتحرك بها إلى أحدى الأماكن الهادئة.
توقفت جنى بضعف من سيطرته الكاملة عليها، حتى شعرت بأنها ستبكي لضمه فقط
-جاسر فيه ايه، وايه الهدية ال صعب انك تدهالي قدام اخواتنا
دفعها بقوة على الحائط، يجز على أسنانه وتحدث مزمجرا:
-عارفة لو كنتي صريحة معايا من الأول مكناش وصلنا لكدا
خانتها ساقيها ورغما عنها بدأ جسدها يرتعش تحت يديه، حاولت التنفس وسحب بعض الهواء، ولكن كأن الهواء سحب بالمكان ولم يوجد سوى رائحة عطره، ارتفع تنفسها وحاولت الحديث.
-جاسر سيب ايدي، أنا مش فاهمة كلامك، معرفش انت بقيت عدواني ليه كدا
بمقلتين متقدين كجمرتين من قعر جهنم وبعصبية مفرطة صاح غاضبا، يضغط على رسغها
-ليه غبية ومش فاهمة معنى كلامي، مش جواد ال كنتي هتموتي عليه، وبحبه اوي وعايزاك تساعدني عشان بابا يوافق، وهو الحيوان ال رسم الدور عليا ويقولي ساعدني ياجاسر واقنع خالو
دفعها بقوة تارك يديها
-كنتوا بتلعبوا عليا. انحنى ينظر لمقلتيه بنيران الغيرة يريد أن يصفعها بقوة.
-عملتلكم ايه انتو الأتنين، عشان تلعبوا بيا، دا أنتِ كنتي روحي، مكنش ينفع يوم يعدي عليا من غير مااعرف تاريخ يومك بالكامل. ليه تعملي فيا كدا
ارتعشت ملامحها واحست بدموع غادرة تتجمع تحت اهدابها الطويلة، رفعت نظرها إليه
-على الرغم مش فاهمة كلامك، بس عايزة أكدلك حاجة مهمة يابن عمي، انت مش بس روحي، انت حياتي كلها، وعمري مافكرت اضحك عليك، بالعكس. سحبت نفسا واحتضنت كفيه بين راحتيها.
-لو طلبت روحي مش هتأخر، ومقدرش على زعلك ابدا، رغم كسرك ليا، بس مقدرش ازعل منك مهما تعمل، تصنم جسده من حديثها ولم يشعر بنفسه الا وهو يجذبها
جذبها بعنف لأحضانه، بكت بشهقات بأحضانه، وانسابت دموعه رغما عنها
-اسف ياجنى، اسف سامحيني، بس قلبي وجعني ومش متقبل بعدك عني
حاوطت خصره وبكت بشهقات.
-ولا أنا ياجاسر، بس دي سنة الحياة، وانت بنيت حياة حلوة، ساعدني ابعد عن جواد وابني حياتي، انا مكسورة ياجاسر، مش عايزة اقع اكتر من كدا
أخرجها من أحضانه واحتضن وجهها
-ولا عاش ال يكسرك ياجنجون، أنا هفضل في ضهرك بس عندي طلب
رفرفرت بأهدابها المبتلة متسائلة:
-طلب! اومأ برأسه، يزيل عبراتها بإبهامه بهدوء قائلا
-بلاش يعقوب دا، مش لايق عليكي، ليه مستعجلة، ادي قلبك وقت عشان تنسي جواد صح.
انزلت كفيه وهزت رأسها رافضة، ورسمت ابتسامة على وجهها
-جاسر. يعقوب شخص جميل ومتفاهم جدا، واحنا قعدنا مع بعض، وكل واحد مننا قال لتاني هو عايز ايه
حاول السيطرة على أعصابه، فتحدث بهدوء
-مش شايفة فرق السن ياجنى، دا شكله كبير غير انا محبتوش
خرجت ضحكة رقيقة من بين شفتيها
-ايه ياجسورة، إلى يسمعك يقول غيران منه
-اه غيران مش من حقي. ابتلعت غصة وخزت جوفها بأشواك حادة ثم نظرت لرماديته.
-دا عز معملش ال عملته، دا ايه الأخوية المجنونة دي
دنى منها بخطوات متمهلة، وكأنه يخطو فوق النار يحمل غصته داخل روحه
-بس دي مش غيرة أخوية.
أحست بقبضة تعتصر قلبها فابتلعت ريقها الجاف بصعوبة تحاول استنتاج أفعاله الأخيرة معها فتحدثت بنبرة مهزوزة
-اومال غيرة ايه، ياجسورة، ايه نسيت انك وعز اخواتي، ورغم ارتعاش قلبها وتمنيها رفضه كلماتها، إلا أنه أومأ برأسه وتحدث:.
-أيوة صح، شكلي نسيت ياجنجون، انا عندك زي عز، وجيتي واعترفتي لي بحبك لجواد
حاولت تغيير الحديث، فنظراته لها اليوم تحكي الكثير والكثير
-قولت جايب هدية، ايه رجعت في كلامك، ياله هات الهدية، اتأخرت مينفعش كدا. يقولوا العروسة هربت.
زفرة محملة بلوعة عشقه لها ممزوجة بحزن قلبه تحررت من بين أنفاسه، وهو يطالعها بصمت، ثم نطق بما شطر قلبها عندما أردف
-قلبي. قالها ونظراته تغرز ببنيتها يستشف منها أي شيئا
اهتزت نظراتها وارتعشت شفتيها، من كلمته التي خرجت مطعونة لقلبها برمح مشتعل
-قلبك. بتقولي هديتي قلبك ياجاسر
تحركت خطوة تنظر لرماديته التي تكونت بها دموعه
-ليه مُصر توجعني يابن عمي، ايه ال بتقوله دا.
اصيب بشلل كامل وارتجف قلبه من كلماتها التي مزقت نياط قلبه، يعض أنامله ندما، حاول السيطرة سريعا على مشاعره فابتسم وهو يضع كفيه بجيب بنطاله
-ايه ياجنجنون، قلبي ماينفعش هدية يابت، حافظي عليه وخليكي دايما فاكرة وقت ماتحتاجيه هتلاقيه
أحست بوجع يغزو اضلعها وكأن أحدهم ضرب قلبها بخنجر عندما استمعت لكلماته المهتزة فأردفت.
-هتفضل طول عمرك جنبي ياجاسر، واول واحد بعد بابا وعز هألجاله. خليك واثق أن مكانتك مستحيل حد يقرب منها
-حتى يعقوب ياجنى. أردف بها ومازال يحاوطها بنظراته
ابتسمت على غيرته المجنونة، واقتربت تعانق ذراعيه
-ولا ميت يعقوب ياجاسورة، صدقني مفيش حد يقرب من مكانتك عندي متخافش
نظر لذراعها المتشابك بذراعه واحتضنه قائلا
-طب لو قولتلك عشان خاطري، بلاش توافقي على الجوازة دي، هو مينفعكيش.
-انت مستكتر عليا السعادة ياجاسر، ليه مش عايزني ابني حياة جديدة، مش احنا اتفقنا
وصل عز اليهما، توقف جاحظا عيناه وهو يرى أخته بأحضان جاسر كعاشقان، اهتز داخله واسرع إليهما، ثم صاح غاضبا
-ممكن اعرف بتعملوا ايه هنا
استدارت جنى مبتسمة
-عز. عارفة اتأخرت، آسفة حبيبي، كنت بقول حاجة لجاسر، جذبها عز من رسغها وهو يطالع جاسر بصمت ثم تحرك بعض الخطوات، ولكنه توقف عندما استمع لحديث جاسر.
-ازاي جالك قلب تخليها ترتبط بواحد زي يعقوب دا، منعرفش عنه حاجة
استدار عز إليه واردف بهدوء رغم نيران قلبه المتقدة اتجاه جاسر قائلا
-جاسر لو عايزنا نفضل اخوات ابعد عن حياة جنى، وبدل انا وبابا موجودين انت ملكش حكم عليها، صمت للحظات ثم أكمل
-حتى لو مش موجودين انت اخر واحد تتكلم في الموضوع دا. وضع كفيه بجيب بنطاله واقترب منه، وتعلقت نظراتهما ببعض
-ليه ياصاحبي، شايفني مش كويس، ومستهلش أقول رأيي.
جذبها متحركا وهو يتحدث
-بالظبط كدا، يابن عمي، متستهلش تقول رأيك
-ياااااه، دا انت شايل وشايل أوي ياعز
تحرك عز دون حديث، فبعد إهانة فيروز لأخته، وصمت جاسر وهو تلاشى وجوده
توقف عز أمام جنى
-كنتي بتعملي ايه مع جاسر دلوقتي ياجنى، يعني خطيبك برة وجاية توقفي مع جاسر، دي جنى ال مستني قوتها
رفعت نظرها إلى أخيها.
-عشان دا جاسر ياعز، وياريت تحافظ على اهانتك له، هو مالوش ذنب عشان تعاقبه بطريقتك دي، انا حاسة أنه مهموم وموجوع، رغم زعلي منه بس مقدرتش اشوف وجعه
تحرك جاسر بجوارهم دون حديث.
جاسر. قالتها جنى بابتسامة
-ايه هتمشي اومال مين هيدخل بيا للناس، وبقالك ساعتين تقولي شعر في الأخوة
اتجه بنظره لعز وأردف
-بس إنتِ مش اختي. قالها وتحرك. ارتجف جسدها ونظرت لأخيها بعتاب، ثم أسرعت خلفه.
-استنى يلا. توقف مستديرا، ينظر إليها بذهول
-يلا. اتجننتي يابت، بتقولي يلا
اتجهت لأخيها
-ياله بقى متبقوش غلسين، انتو الاتنين هتدخلوا بيا، وزعت نظراتها بينهما
-مفيش أغلى منكم، والولا فارس البارد كمان له نصيب
كان يطالعها بنظراته المتألمة، ود لو يختطفها من الجميع، ولكن ماذا عليه أن يفعل، لقد زهقت روحه وقضي الأمر
تحرك عز وجذب كفيها يرمق جاسر الذي نظراته عليها وحدها.
-معقول جاسر يكون بيحبها، هز رأسه رافضا الفكرة
-لا هو بيحب مراته، حمحم متحدثا:
-جاسر اطلع بجنى انت وأنا هعمل تليفون. قالها بمغذى حتى يشعر بالارتياح
بسط كفيه واحتضن كفيها الذي شعر ببرودته، فابتسم ساخرا
-ال يشوفك كدا يقول البت داخلة على الأعدام. قالها وهو يجذبها ويتحرك دون الألتفات إلى عز
وصل أمام جواد وصهيب الذين صدموا من دخوله بها
-العروسة ياجماعة بعد اذنك طبعا ياعمي، ثم اتجه لوالده.
-ماهي اختي برضو مش كدا ياحضرة اللوا
كان جواد يطالع ابنه بصمت، يشعر بنيران قلبه، فاقترب بعد ما وجده مازال يحتضن كفيها وكأنه عريسها، في حين توقف بيجاد يهمس لغنى
-اخوكي واقع وحياة حماي
طالعت جاسر بحزن واجابته:
-كنت شاكة للأسف، ضيق عيناه مستغربا حديثها
-ليه ياغنى متكلمتيش قبل جوازه من فيروز، انا البنت دي عمري ماارتحتلها ابدا، وانا متاكد انها مش هتسكت على جاسر.
تحركت غنى لا اردايا متجهة إلى أخيها، توقفت بجواره، وأحاطت خصره
-حبيبي الحنين، ترك كف جنى، وحاوط خصرها
-غنون قلبي. جذبته بعدما وجدت نظرات جواد المتألمة عليه
-تعالى معايا، عشان ناوية أرقص معاك الليلة
وصلت فيروز ونيران الغيرة تأكل احشائها
-كنت فين دورت عليك. ابتسم بحزن وهو يطالعها
-كنت مع جنى، ايه فيه حاجة.
جذبت كفيه وتحركت من أمام غنى التي وقفت بجمود لا تعلم ما عليها فعله، أخيها يعشق ابنة عمه التي تعشقه هي الاخرى، ولكن للقدرهنا رأيا آخر
بدأ حفل الخطوبة بالموسيقى الهادئة وجلوس العروسين
أخرج يعقوب خاتم الخطوبة لأرتدائه لجنى
كان الجميع يقف بمجاورتهم
سوى جاسر الذي ابتعد عن المكان، صاعدا لأعلى منزله، كأنه يريد الأختلاء ومعاقبة نفسه الآف المرات على ما فعله بها
بالأسفل بحث باسم عنه.
-فين ابنك ياجواد. اجابه جواد دون أن ينظر إليه
-معرفش، مش انت أبوه شوفه وديته فين ياصاحبي، اتجه بنظره إليه:
-ليه. ليه تقرر حاجة بعيد عني، دي الأمانة ال قولتلك تحافظ عليها
جز باسم على أسنانه يوزع نظراته على الجميع
-عشان دا اسلم حل يابن الألفي، كان لازم اعمل كدا
ضغط جواد على ذراعه
-دا ابني ياباسم، عارف يعني ايه، يعني روحي ال ممكن اهد الكون عشانه.
انت اتصرفت من غير مترجعلي، بس ملحوقة، وحياة صحبيتنا لأندمك على قرارتك الغلط دي
ثم رفع نظره إلى فيروز وابتسم بسخرية
-شوف اختيارتك ياسيادة العقيد، وانا بأكدلك دي هتكون نهايتنا كلنا
تحرك متجها إلى راكان الذي يقف بجوار عز وصهيب، رفع هاتفه وتحدث
-دقيقة والاقيك قدامي هنا، وإياك تتاخر، قالها ثم اغلق الهاتف متجها إلى راكان وصهيب
وصل بعد قليل
-راكان باشا منورنا، يامرحبا، قالها جاسر بهدوء.
لم يعلق راكان سوى بابتسامة
-دا نورك ياحضرة الظابط، كويس انك اخيرا شرفت ونولت شرف وجودك قدامي
تهكم جاسر وهو يطالعه بصمت
-أيوة اعرف انك غالي عشان اتكرمت وخليتك تشوفني
أطلق صهيب ضحكة
-ايه يلا مالك. دا حتى راكان من أول ماجه مابطلش سؤال عنك
رفع حاجبه ساخرا
-عارف، وعشان كدا جيتله اهو، دنى يهمس له
-هتلعب عليا هلعب عليك ياحضرة المستشار، خلي بالك من كلامك
رفع جانب وجهه بشبه ابتسامة فأردف.
-صعبت عليا، فجيت اشوف صاحب السعادة هيعمل ايه
ضغط على الكوب الذي بيديه حتى كاد أن يهشمه فأردف
-اصلك معشتش الوجع والألم ال انا حاسس بيه دلوقتي
ضحكة خرجت من راكان فأردف متهكما
-مش بقول غبي ياحضرة الضابط، بص حواليك كدا، وشوف الصمت على وشوش الجميع، رغم أنه فرح. ياريت تفكر كويس، اتجه إلى جواد الذي وصل إليهم هو وصهيب
-جاسر أنا بقولك قدام حضرة اللوا، الطريق ال ماشي فيه هيخسرك
اتجه جواد إليه بتركيز.
-ايه ال حصل. أشار راكان عليه
-حضرة الظابط مدخل نفسه مع ناس تقيلة هو مش قدهم وممكن يؤذوه
ضيق جواد عيناه متسائلا
-قصدك مين. ابتلع جاسر ريقه
-راكان مزود الموضوع، مفيش دي قضية عادية واتحكم فيها
-يعني ايه، وازاي انا معنديش علم بيها. في ايه
علي رغم من نظرات جاسر إلى راكان ولكن راكان نظر إلى جواد.
-فيه ولد عاكس اخت صاحبه، وطبعا البنت عملت قضية تحرش، اخوها ظابط زي جاسر وضمنت القضية، بس الولد باباه واصل ووقف كل حاجة، وطبعا ابن حضرتك عامل
فيها حامي الحمى
تحرك جواد بعدما وجد أحد اصدقائه متجهين إلى صهيب
-كان لازم حضرتك تتكلم يعني. اومأ راكان رأسه
-ال عملته في الاخر مش هيسكتوا عليه، انك تحبس الولد وتعمل قضية لخطيبته
انتزع سيجاره من كفيه وبدأ يدخنه.
-مالكش دعوة، خليك في مصايبك، ثم اتجه بنظره الى ليلى التي تقف بجوار غنى ورُبى
-حلوة مراتك خلي بالك منها، قالها متحركا للبعيد
-ماشي يابن الألفي، قالها وهو يخرج دخان تبغه بغضب.
عند جنى ويعقوب
بعدما ألبسها خاتم الخطبة، رفع كفيها وطبع قبلة عليه
صفق الجميع، في حين توردت وجنتيها، تسحب كفيها
-يعقوب ايه ال بتعمله دا، عيب، احنا مش مكتوب كتابنا
قهقه عليها ثم جذبها لأحضانه أمام الجميع
-لا. صغيرتي، تبدين طفلة جميلة بكلماتك هذه. فمهلا على قلبي المستوطن بين اضلعي، فانتِ تملكتيه بعفويتك وجمال عيونك وبرائتك
كانت تنظر إليه مشدوهة من كلماته.
-يعقوب مينفعش، قالتها وهي توزع نظراتها بين الجميع خجلا
-حاوط أكتافها ينظر إلى صهيب
-عذرا سيد صهيب، فأميرتك اذهبت عقلي، وأنا أكد لك أن هذه الأميرة منذ آلان أصبحت ملكي ولا أحد عليه الإقتراب
كان يقف بعيد بجوار زوجته يضع كفيه بجيب بنطاله، يضغط على كفيه فهو الآن أصبح كالمارد الذي يريد أشعال الكون بأكمله
تنهد بوجع وتراجع بجسده يستند على الجدار. توقف عز بجواره
-آسف. عارف انك زعلان مني، بس غصب عني.
استمعت فيروز إليه باهتمام ثم تسائلت
-ايه ال حصل.
-محصلش حاجة، روحي بارك لجنى، انا عندي مشوار، قالها وتحرك سريعا دون ان ينظر لعز
كانت نظرات جواد عليه، أطبق على جفنيه، عندما استقل سيارته وتحرك للخارج
بعد انتهاء حفل الخطوبة، رجع إلى منزله، اتجه للمسبح وجلس يتمدد على الشازلونج
مطبق الجفنين، شعر بأحدهم يجلس بجواره
اعتدل، عمو صهيب انت لسة صاحي، الساعة تلاتة
جلس بجواره يربت على كتفه.
-مالك ياحبيبي، حاسك مهموم، من الصبح وانت بتبعد عن الكل، حتى حفلة اختك مش حضرتها
-بس جنى مش اختي ياعمو، اردف بها سريعا دون أن يتحكم بمشاعره
اومأ صهيب برأسه
-عارف أنها مش اختك، زي ماانا عارف، لا إنت جواد ولا هي غزل ياحضرة الظابط
اتجه بنظراته لعمه، والحزن حفر ثقوبا داخل قلبه يتسرب الألم كما تتسرب الموسيقى من قصب الناي
-ياريتك ضربتني وفوقتني، احتضن صهيب وجهه
-مالك يلا، اوعى يكون ال فهمته صح.
احس بألم العالم كله يتجمع بقلبه فانبثقت دمعه رغما عنه بجانب جفنيه
-تعبان اوي ياعمو، نفسي ارتاح، بتمنى ال عايشه يكون كابوس وافوق منه
رفع ذقنه ونظر لعينيه بحزن يفتت القلب
-ليه ياحبيبي، هو انت مش سعيد مع مراتك
تراجع يستند بظهره على الأريكة
-أنا مش عايش اصلا ياعمو، انا عايش كذبة وصدقتها، طلعنا كلنا بنضحك على بعض
توسع بؤبؤ صهيب مشدوها من حديثه
-ايه ال حصل ياجاسر، وليه الوجع والحزن دا كله.
-إنت بتقول ايه يابني.
ابتعد بانظاره بعيدًا عنه، وآهة عالية خرجت من جوف حسرته وجملة تعبر عن حالته الموجعة
-عارف إنك مصدوم، بس دي الحقيقة للأسف، ومش قادر أنكرها اكتر من كدا، استدار بنظره إليه وأشار على قلبه
-هنا نار بتكويني، ألم صعب وصفه، مهما اوصفلك شعوري مش هوصله.
اوووووه أخرجها كالغارقا يبحث عن نجاته
استمر في إخراج مافي جوفه من عصارة الألم
-هي ضحكت عليا، وانا ضحكت عليها، ودخلنا في مرحلة كلننا بنضحك على بعض.
صمت لبرهة والحسرة والخذلان فوق ملامحه
-محدش كان صادق مننا، لحد قبل فرحي بيوم وانا بقنع نفسي أن ال بعمله صح، لحد ماهي جت وقالت لي بحبه اوي
رفع نظره إلى عمه
-من هنا قولت لازم اعيش وابني لنفسي حياة عشان اقدر اعيش، بس طلعت اكبر غبي ومغفل ياعمو، لا قدرت اعيش ولا ابني حتى سور مش حياة
-بتتكلم عن جنى مش كدا
صمت صمتا مريبا مشحون بانفاسهم المستعيرة، قاطعه صهيب
-حاولت افهمك انكم مش اخوات، بس انت قولت ايه.
نهض صهيب يربت على كتفه، ولا يشعر بعبرته التي انسابت على خديه مما استمع إليه
وقف يبكي بقلب مفطور ملئ بالثقوب عليه، ثم جذبه لأحضانه
-مش بإيدي حاجة أعملها، مع اني كنت بتمنى دا من زمان
وانت عارف صح ولا ايه
اومأ متفهما وأخرج زفرة حارة
-ربنا يسعدها ياعمو، في الاول والاخر اتمنالها السعادة، سواء معايا أو مع غيري.
-للاسف ياجاسر، معدش فيه سعادة معاك، وامنية من عمك ياحبيبي ابعد عن جنى عشان تقدر تعيش، متنساش انك متجوز ومراتك حامل، غير بنتي بريئة مرضلهاش بكسر قلبها، يعقوب شخص كويس
بتر حديثهم وصول جواد
-كنت فين؟
نهض وأجابه
-كان عندي مشوار، ورجعت من شوية. فدردشت مع عمو شوية
-ينفع تسيب ضيوفك وتمشي، مش عايز تكبر وتعقل، مفكر نفسك لسة عيل طايش
-بابا لو سمحت
-اسكت ياجاسر، أغلاطك بتكتر، وانا خلاص تعبت من اسلوبك دا.
تذكر شيئا فأردف
-فيه بيت جنبنا هنا، اشرتيته، من بكرة تنقل عليه، ماهو مش مستعد اخسر والدتك
-اهدى ياجواد فيه اي لدا كله
-اهدى، عايزني اهدى ازاي ياصهيب وهو ناوي يموت والدته، مراته بتقول هيرجعوا شقتهم بكرة، واحنا فين من حياته، انا حذرته مليون مرة من الجوازة دي وهو وقف قدامي وقالي هتجوزها
كان ينظر بآسى للأسفل.
-دا احسن حل يابابا، مش هتحمل حد يزعل مني، فيروز مش مرتاحة وانا عايز اريح الكل، هنرجع بيتنا وانا دايما هكون عندكم
-بيتك، ودا ايه، دا أوس ال كنت خايف منه معملش ال انت عملته، مراته رغم أنها متربية بعيد عننا بس بحسها بنتنا وليها كل الاحترام من اخواتك وعمرها ما وقفت بجحت في حد، رغم أنها حياتها كلها برة، إنما الأميرة فيروز معرفش بينها وبينا ايه.
-خلاص ياجواد لو سمحت مش شايف حالته، مراته بس مش متعودة على الزحمة وحياتنا، اسكت ياصهيب
وياسمينا كان عمرها دخلت مطبخ ولا وقفت فيه، دا كان بيروحلها الاكل لحد السرير، ابوها كان معيشها ملكة
اقترب من جاسر ودنى ينظر لعيناه
-بس متربية على الاصول، عارفة الكبير له احترامه، عارفة يعني ايه الصح من الغلط
-المطلوب مني ايه ياترى عشان حضرتك تبقى مرتاح
سحب نفسا وزفره ثم تحدث.
-أنا شايف انك مش سعيد معاها رغم انك بتحاول تدوس علينا علشانها، بس لحد كدا وكفاية، البنت دي مش من توبنا، وضع صهيب رأسه بين راحتيه عندما شك بأخيه وهاهو يلقي قنبلته
-طلقها بعد ماتولد، البنت دي انا مش هتحملها اكتر من كدا، رسمت الدور كويس لحد مااتمكنت واتجوزتك، كان لازم تعرف وقت ماضحكت عليك ومثلت الحب انها ماتنفعش، بس البعيد مش بيحس
صدمة نزلت فوق رأسه حتى شعر بالدوران فهمس
-حضرتك عايزني أطلق مراتي.
امسكه من ذراعه بعنف
-أنا بصلح وضع ياحضرة الظابط، وقبل دا كله لازم تبعد عن قضية ابن المغربي، مش ناقص اخسر حد فيكم، دول عندهم الدم زي المية سمعتني ياحضرة الظابط
أشار بسبباته وزمجر غاضبا فكلما يتذكر دموعه يكتوي قلبه عليه فأردف
-بكرة تنقل البيت ال جنبنا عشان تبقى قريب من مامتك، ارحم امك ياحضرة الظابط
استدار متحركا
-حاضر ياحضرة اللوا هنفذ أوامر معاليك
هوى جواد على المقعد بجوار صهيب.
-ليه كدا ياجواد. ليه تكسره بالطريقة دي
مسح على وجهه بعنف
-صهيب انا مش عايز اسمع حاجة، ضرب على صدره
-هنا نارله لو طلعت هتولع فيه
ربت على ساقيه
-اهدى بس عشان ضغطك. ظل يخرج أنفاسه بهدوء عندما شعر بغصة تمنع تنفسه
-انت عارف الولد ال بيتحداه دا، أبوه واصل ومش بيرحم حد، والقانون معدش بينصف حد
ذهل صهيب من حديثه
-ايه ال بتقوله دا ياجواد، اومال لو مش راجل قانون
هز رأسه وغضبه ووجعه من ابنه فاق الحد.
-راكان البنداري ذات نفسه قالي أبعده عنه، تخيل لما واحد زي راكان يقول كدا يبقى اعرف أن الموضوع خطير، انا من وقت ماخرجت من الشرطة معرفش ايه ال بيحصل ياصهيب، جاسر طايش، لازم يخاف على الل حواليه، لازم أشده عشان يجمد ويعمل حساب لخطواته، حاولت مليون مرة اقوله بلاش فيروز بس شوف آخرة جوازه ايه انا حاسس ابني ضايع ومش مرتاح
ربت صهيب على كتفه
-بالعكس ياجواد، جاسر راجل وراجل اوي كمان، بس هو نصيبه اللي معانده.
-خايف عليه ياصهيب، اكتر واحد قلبي وجعني عليه، تعرف ممكن يضحي بنفسه عشان غيره، خايف من تهوره
تذكر صهيب حديثه منذ دقائق، فاومأ له
-عشان كدا بقولك راجل اوي ومتنساش ياجواد، جاسر واخد طباعك كلها
تراجع يطبق على جفنيه، فكلما يتذكر حديثه عن جني قلبه يأن وجعا
-ابني بيضيع بسبب تفكيره الغلط، لو مدافعش عن نفسه هيضيع ياصهيب
-كنت تعرف بحب جاسر لجنى ياجواد
هزة عنيفة أصابت جسد جواد فنظر إليه مذهولا.
-ايه ال بتقوله دا، حب جاسر لجنى، هو قالك ايه
آهة طويلة كانت ابلغ ردا على حديث جواد، الذي نظر للأسفل بأسى فتحدث
-كنت شاكك مش متأكد، بس النهاردة اتأكدت، معرفش ليه عمل في نفسه كدا، بس ال شاكك فيه دا تخطيط من باسم، عايز يوصل لأيه معرفش، وابني الغبي مشي وراه
هز صهيب رأسه وتحدث
-ابنك قالي أنه بيحبها، وقال كلام كتير ال فهمته منه أنه مش سعيد في حياته، بس اعذرني ياجواد.
-أنا بنتي اغلى من روحي، ومش هخبي عليك واقولك أنها وافقت على يعقوب من غير ضغط، لا أنا ضغطت عليها عشان لازم تنسى جاسر، انت عارف أنها بتحبه ازاي، والنهاردة للاسف عرفنا حبه وسمعته كمان، فلازم ادور على سعادتها بعيد، عارف انك هتزعل، بس انا من قبل جوازه رحت وسألته قالي كلكم عايزين تقنعوني أن جنى غزل وانا جواد، بس دي مش الحقيقة
حاول تهدئة أخيه فأردف.
-ممكن عشان جواد بعد، ومحاولش يدخل بينهم، معرفش، بس هو دلوقتي اتجوز وأسس حياته، وانا مستحيل اخلي بنتي زوجة تانية حتى لو هتفضل من غير جواز، حتى لو جاسر طلق مراته، جنى مستحيل اخليها مراته، ودا بقوله عشان تقنع بيه جاسر
نهض متوقفا ومازالت نظراته على جواد الصامت فأكمل.
-جاسر بيحب جنى وبيحبها اوي ياجواد، وانا بنتي للأسف بتحبه، تخيل لو الاتنين فضلوا جنب بعض هيعملوا ايه، كان الاول مشاعرهم باينة اخوية، بس بعد جوازه وبعد خطوبتها، اشتعلت نيران غيرة الحب، وممكن تعمل حاجات مش نقدر نواجهها عشان كدا بقولك انا هبعد جنى وهخليها تسافر مع عز في شركة يعقوب الى في امريكا ال قال عليها، لحد مايتجوزوا، تنهيدة طويلة خرجت منه فأردف.
-سامحني، دا احسن حل بعد كلام جاسر النهاردة. قالها وتحرك متجها لمنزله
ظل جواد جالسا بمكانه وكان هموم العالم أجمع سقطت فوق رأسه.
مرت ساعات الليل على البعض متألمة مليئة بالوجع، كانت تتقلب على فراشها كلما تذكرت نظراته، وحديثه تشعر بقلبها يعتصر الما، هل هو يحبها، ام كلماته ماهي سوى اخوية
تذكرت كلمته بل هديته، وضعت كفيها على نبضها
-قلبك محفوظ ياجاسر عندي للأسف مش هقدر أبعده عني، استمعت إلى رنين هاتفها
-اهلا يعقوب، لسة صاحي
ابتسم قائلا:
-اهلا جميلتي، ممكن اسأل جميلتي لماذا مستيقظة إلى آلان، هل هذا سهر الحب
ابتسمت بمحبة.
-هل على العاشق حرجا ايها العاشق الجميل. قهقه بمرح عليها ثم أردف قائلا:
-ليس على العاشق حرجا، ولكن على المؤلم حرجا عزيزتي، صمت قليلا ثم أردف
-هل تحدثتوا ثانية، ام لا يوجد وقتا للحديث
تراجعت بجسدها لظهر فراشها
-نعم تحدثنا قبل الخطوبة، ولكني أشعر بألما فتاك بقلبي.
ارتشف قهوته وهز رأسه
-هل يمكنني اتسائل فيما تحدثتوا؟
فيما بعد سأتحدث معك، ولكن على اخبارك بما هو أهم.
-بحثت عن اسم ابنة عمك وعلمت من مصادري الخاصة أنها تعمل بملجأ خاص بالقوات المسلحة
هب فزعا من مكانه
-من اين علمتي، هل جواد الألفي من قال لك ذلك
-نعم عزيزي، فأنا تحدثت مع عمي دون دخول في تفاصيل، انا كنت اسمع عنها قديما، واليوم أخبرني أنه تبناها بعد وفاة عمك والان تعمل بنفس المكان الذي كان به والدها
-شكرا عزيزتي، انني احبك صدقا جنتي
صمتت للحظات وهمست.
-شكرا لك يعقوب على وقوفك بجانبي، حقا نعم الصديق المحب، غدا سنلتقي. قالتها وأغلقت الهاتف متجهة إلى خلودها للنوم بعيدا عن معذب قلبها
بعد يومين من حفل الخطوبة
تجلس مع ياسمينا التي تجمع اشيائها
-هتوحشيني ياياسو، اولدي بسرعة وتعالي
ابتسمت ياسمينا إليها
-حبيبتي ياجنجون أن شاءالله
نهضت متجهة إلى الأسفل.
-هشوف ربى قبل مايعقوب يوصل، معرفش بقالها كام يوم زعلانة ليه. قالتها بعدما وضعت اشياء البيبي بحقيبة ياسمينا، طبعت ياسمينا قبلة على وجنتيها
-احلى جنجون والله وشكرا ياحبي على مساعدتك ليا
ابتسمت بمحبة، تربط على كتفها ثم خرجت متجهة إلى ربى التي تجلس تأكل حلوياتها بصمت
-ربى، صرخت بها جنى. هبت فزعة وقامت بسبها
-يخربيتك وداني. جلست بجوارها تجذب صحن حلوياتها
-ايه يابت الجشع دا عايزة تاكلي دا كله لوحدك.
مسحت فمها بعنف
-اخوكي البارد مضيقني، وانا لما بضايق باكل كتير
ضحك جنى بصخب تغمز بعينيها
-ليه عشان هنسافر، ياعبيطة فيه حد يكره يعيش في امريكا
انسابت عبراتها
-أنا. أيوة انا مش عايزة اسيب اهلي، عندي العيلة دي احسن من أي مكان في العالم
أطلقت تنهيدة وهتفت بحزن
-صدقيني ياربى وانا كمان، مش عايزة اسافر، بس لازم من التغيير
اومأت ربى لها مبتسمة.
-انما خارجة فين ياجوجو مع يعقوبك، وايه يابت كل شوية سفريات من مكان لمكان، اومال لما تكتبوا الكتاب هتعملوا ايه
هيبوسها. اردفت بها فيروز التي تخرج من المطبخ تحمل عصيرها
طالعتها جنى بهدوء
-مش لازم الكلام دا يافيروز، حتى لو هيحصل، مينفعش نتكلم كدا. رفعت حاجبها بسخرية
-دا انا قولت هيبوسك، مقولتش حاجة تانية، وبعدين الصراحة الراجل جنتل اوي ياجنى أنتِ تطولي
زفرت جنى ونهضت.
-ربى انا همشي لازم اجهز قبل مايجي، قالتها وخرجت متجاهلة نظرات فيروز
توقفت ربى ونظرت إليها بغضب
-بصي يافيروز انا بحاول اتحمل اليوم ال بتجيه هنا عشان ماما بس تتجاوزي حدودك مش هسكتلك.
قطبت جبينها ثم تحدثت متهكمة
-ليه ياربى. دا انا مرات اخوكي، وبعدين انا شايفة دا بيت جوزي، إنما انتي بيت جوزك هناك عند جنجون بتاعتكم. قالتها وتحركت وكأنها لم تفعل شيئا
ذهلت ربى من حديثها، فضربت قدمها بالارض تسبها.
-الحقيرة بتقول ايه، معرفش جاسر جابها منين المصيبة دي، لا ودخلت علينا بالسهوكة. قاطعتها غزل
-ربى بتكلمي نفسك حبيبتي، مالك. تحركت من أمامها متجهة للمطبخ
-مفيش ياماما. عايزة اعمل قهوة اعملك معايا
-لا ياحبيبتي، اعملي لبابا وهاتيه على المكتب
هزت رأسها واتجهت للداخل، كان يجلس مطبق الجفنين
-حبيبي قاعد كدا ليه، قولت هتعمل شوية شغل
أشار إليها بالجلوس. اتجهت إليه وجلست بجواره.
-مالك حبيبي من يوم خطوبة جنى وانت متغير
جذبها لأحضانه، وتنهد متألما
-لسة زعلانة عشان بعدت جاسر من البيت
مسحت وجهها بصدره كقطة أليف -بالعكس ياجواد، عملت الصح، انا شايفة ابني بيدبل يوم عن يوم، رفعت نظرها إليه
-جاسر بيحب جنى أوي ياجواد، وقلبي وجعني عليه
تذكر شيئا فنهض من مكانه
-عندي مشوار مهم حبيبي، هروحه وارجعلك نتكلم في كل حاجة
أمسكت كفيه متسائلة:
-رايح فين، أخرج تنهيدة متألمة.
-رايح لباسم. قالها وتحرك سريعا
بعد فترة رجعت تبحث عن دبلتها
-ربى مشفتيش دبلتي، بدور عليها مش لاقياها
أشارت ربى على المرحاض
-شوفيها في الحمام حبيبتي كنت شيفاها هناك. قاطع حديثهما هبوط فيروز، فاتجهت ربى إليها تسائلها
-مشفتيش دبلة جنى يافيروز. نظرت إليها متهكمة
-ايه ياجنى دا لسة مكملتيش شهر مخطوبة، حالا الدبلة ضاعت، صمتت تنظر إليها بغموض
-بيقولوا كدا انك مش بتحبي خطيبك مش كدا ولا ايه.
اقتربت جنى تطالعها بنظرات نارية
-خليكي في حياتك، احب اكره دا مالكيش فيه، انت ضيفة هنا التزمي بحدودك معايا
رفعت فيروز حاجبها بسخرية
-هي مين دي ال ضيفة، انت ناسية دا بيت جوزي. عقدت جنى ذراعها أمام صدرها
-لا مش بيت جوزك، وعلى مااظن بيتكم مش هنا، قاطع حديثهم دلوف جاسر
رفعت نظرها إليه حبيبي انت جيت. رفعها من خصرها وابتسم عندما تعلقت بعنقه
-لا حبيبك لسة في المكتب مالكم في ايه.
استدارت جنى ولم تعريه اهتمام موجهة حديثها إلى ربى
-ربى لو لقيتها عرفيني، لازم أخرج زمان يعقوب جه. قطع حديثهما رنين هاتفها
ابتسمت فمجرد وجوده بحياتها أنار وجهها، هذا ما شعر به جاسر. أمسكت الهاتف
-أيوة حبيبي. تمام انا خارجة
هل شعر أحدكم بانصهار قلب المحب من الغيرة، استدارت إلى ربى ونظرت إليها بحزن
-لو لقيتي الدبلة خليها معاكي، قالتها وتحركت
-فيه ايه. تسائل بها جاسر.
-اصل ياحبيبي بنت عمك ضيعت دبلتها من اول شهر، وخايفة من خطيبها يزعل
ترك فيروز وتحرك خلفها سريعا.
جنى. صاح بها بصوت مرتفع، توقفت وهي تواليه ظهرها، ودقات قلبها الارتفاع كلما اقترب منها
-بدوري على دي. استدارت تنظر إليه بذهول
-هي معاك. طب لما لقيتها مقولتش ليه، تتحمل حد ياخد منك حاجة
ابتسم بوجع وأشار إليها
-اه إنت اخدتي اهم حاجة للاسف. اقتربت منه
-هات الدبلة ياجاسر وبطل ألغازك دي.
-ايه موضوع كل شوية تخرجي مع خطيبك دا، لاحظي انكوا مش مكتوب كتابكم
زفرت بغضب تنظر بساعتها
-يادي النيلة على اسطوانتك ياجاسر، هات الدبلة لو سمحت مينفعش كدا
قوس فمه ونظر بسخرية
-نيلة ياجنى، دا اتفاقنا. رفعت نظرها اليه، والشمس تضرب بعينها البنيه مما جعلها تغمض عينيها ابتعاد عن أشعة الشمس
دنى ينحني برأسه وهمس
-اسمعيني كويس عشان أنتِ جبتي اخرك معايا، يعقوب دا مش بالعه، وياريت تعتذري عن خروجك معاه، والا.
رفعت رأسها لوجهه القريبة وانفاسه التي ضربت وجهها فغاصت برمايدته متسائلة
-والإ ايه يابن عمي. بلحظة من الذهول والهروب بما حولهم وضع جبينه فوق جبينها مغمض العينين
-والإ هخطفك يابنت عمي وصدقيني وقتها محدش هيقدر يمنعني
-جاسر. قالتها برجفة بجسدها
-انت مالك الايام دي بقيت غير مفهوم. ابتلع ريقه بصعوبة وحاول السيطرة على نفسه
-تعبان يابنت عمي ودوايا عندك، تقابلت عيناها بنظراته العاشقة.
-وانت بتموتني يابن عمي، والله عمايلك دي بتموتني. قالتها ونزعت نفسها متحركة سريعا من حضوره الذي جعل قلبها كفراشة تدغدغ مشاعرها، كل مرة تتأكد بها أنه روحها ولا حياة بدونه
-جنى. أطبقت على جفنيها، ثم استدارت وهو يشير بدبلتها ثم القاها بحمام السباحة واستدار متحركا للداخل
انسابت عبراتها رغما عنها هامسة لنفسها
-ياترى هتفضل توجعني لحد امتى ياجاسر.
بعد عدة أسابيع يوم ولادة ياسمينا وقبل سفر عز وجنى وربى إلى الولايات المتحدة بيومين
كان يجلس بمكتبه يتابع عمله، دلف إليه باسم
-عامل ايه، جيت اسلم عليك قبل مااسافر بكرة
مسح على وجهه وتوقف
-هتتاخر هناك. هز رأسه رافضا
-لا شهرين تلاتة ونرجع، المهم انت عامل ايه
-اشار على نفسه وابتسم بسخرية
-ميت والحمد لله. ربت باسم على كتفه
-آسف ياجاسر، والله ماكنت اعرف انكوا بتحبوا بعض كدا
اومأ برأسه متفهما.
-عمو باسم انا هطلق فيروز، حياتنا بقت كارثية واتكلمت معها واتفقنا بعد الولادة كل واحد يروح لحاله
-حتى لو جنى اتجوزت ياجاسر
قوس فمه متهكما
-جنى خلاص رسمت حياتها، وانا مقدرش اقف قدام سعادتها، بس انا مش مرتاح مع فيروز
اومأ متفهما ثم تحدث
-حياة كلمتها كتير، وحاولت تعرف منها سبب تغيرها دا بس كالعادة، هي متغيرتش
سحب نفسا واطلقه بهدوء
-أنا ال غلطت وانا لازم اصلح الغلط دا
نهض من مكانه.
-صالح ابوك أصله مضايق مني، وبيحملني المسؤلية
-ان شاء الله حبيبي المهم متتاخرش عليا
ودعه باسم وخرج. بينما ظل جالسا بمكانه يفكر بشرود بحياته التي دمرها بيديه، تذكر جواد ووصوله اليوم للقاهرة، فجمع اشيائه متجها الى حي الألفي
باليوم التالي
قامت فيروز بالاتصال عليه
-جاسر هتتأخر. نظر للطريق أمامه وأجابها. :
-مش قبل خمس ساعات. عندي مأمورية مهمة فيه حاجة. انتِ كويسة والبيبي كويس
زفرت بغضب واجابته:.
-كويسين بس زهقت من القعدة لوحدي. خطرت على ذهنها فكرة
-بقولك ماتكلم جنى تيجي تقعد معايا. بدل مفيش حد. هي كانت مع خطيبها ولسة راجعة
مسح على وجهه بغضب وتوقف بالسيارة
-حاضر هكلمها لكن اتمنى متزعلهاش بكلامك زي كل مرة يافيروز، جنى لو زعلت مش هسكتلك
تأففت فيروز وتحدثت:
-قولت لك مش قصدي ياجاسر، ، عشان محتاجها يعني كل شوية هتتشرط
نظر من نافذة سيارته وتحدث بهدوء رغم حزنه.
-تمام هتصل بيهاخلي بالك من نفسك. اغلق معها وقام الاتصال بجنى التي دلفت حي الألفي بعدما ودعت يعقوب
-فيروز:
-خلاص ياماما مش جاية، البرنسس جنى جاية لعندي ولازم نتكلم انا وهي على المكشوف، مش هستناها لم تختطف جوزي
نهضت والدتها تغمز للذي يجلس أمامها
-قولتي جنى. اوكيه يافيروز، عايزاكي تغسليها وتعرفيها مقامها، متبقيش هبلة وتخلي حتة عيلة زي دي تخطف جوزك، عرفيها حدودها
تلاعبت بخصلاتها قائلة:.
-دي عندي ياماما وحياتك لأخليها تطلع من هنا تكره الرجالة كلها مش جاسر بس
مطت والدتها شفتيها ثم أردفت:
-اهو انتي كدا بنت سحر، وبتتعلمي بسرعة حبيبتي، ومش عايزاك تضعفي قدام حضرة الظابط يابنت ناجي. خليه هو اللي يجري وراكي، واياكي يافيروز ترخصي نفسك، الكل لازم يعرف نفسه، متخلهمش يبصولك على انك أقل منهم. ونظرت الكبرياء ال عندهم دي ينسوها.
خطت عدة خطوات واستمعت لهاتفها. اخرجته فنظرت لأسمه الذي يضي بصورته على شاشة هاتفها
سحبت نفسا ولملمت شتات نفسها ثم وضعت الهاتف لتسمع لصوته الحنون
-عاملة ايه ياجنجون.
-كويسة. إنت عامل إيه وفيروز عاملة إيه من يومين متقبلناش
شعر بنيران مستعيرة بداخل صدره ولا يعلم لماذا. فأجابها
-شغلي ياجنى هعمل ايه. ربنا يوفقك ياجاسر. هذا ماقالته وهي تتحرك متجه لمنزل حازم. حمحم جاسر وأردف
-كنتِ برة مع خطيبك.
توقفت تنظر حولها فقطبت مابين حاجبيها واردفت متسائلة:
-ايوة عرفت ازاي. مسح على خصلاته يرجعها للخلف واجابها:
-مش مهم. المهم طالب منك حاجة. هو رجاء. انا قدامي خمس ساعات لحد ماارجع وانتِ عارفة فيروز حامل في شهورها الاولى وخايف عليها ليحصلها حاجة ممكن تروحي تقعدي معاها لحد ماارجع. آسف مش قدامي غيرك بعد سفر الكل للأسكندرية وطبعا مش كويسة اطلب من عمتو مليكة. تذكر شيئا ثم تحدث متسائلا.
-هوانت هتباتي عند عمتو مليكة
هزت رأسها بالموافقة واردفت
-ايوة مينفعش أبات لوحدي وخصوصا بعد سفر عز وربى.
جواد عندك تسائل بها جاسر
-معرفش. ثم تراجعت وتحدثت
-أنا خارجة من حي الألفي اهو خلي مراتك تعرف البواب أنا برة.
صمتت للحظات
-جاسر أنا رايحة لفيروز عشانك، بس لو مراتك اتكلمت
انا مش هسكتلها
-بحبك على فكرة ياجنجون. توقفت ودقات قلبها أصبحت كآلة موسيقية، وجسدها يرتجف، لقد اخترقت كلمته نياط قلبها فهمست.
- أنا وصلت. أجابها على الجانب الآخر
-وأنا اوعدك هوصل قريب. أغمضت عيناها تحاول السيطرة على نفسها، قاطع شرودها
شوفي البوابة مفتوحة ولا مقفولة
اردفت بتقطع وهي تنطر للبوابة المفتوحة فتحدثت إليه:
-لا البوابة مفتوحة والبواب شكله بيجب حاجة.
طيب روحي وأنا معاكي على التليفون. قالها جاسر وهو مازال بالسيارة وابتسامة حالمة على وجهه، متخيل حالتها من حديثه. وجنتيها التي تشبه حبة الفراولة، تحركت إلى إن وصلت لباب المنزل ووجدته مفتوحا. ظلت تنادي على فيروز ولكنها غير موجودة
-جاسر فيروز مش هنا. رأت خيال لأحدهما بالخارج فتحدثت
-استنى شايفة حد برة. يمكن فيروز هشوفها كدا. ماان خطت خطوة حتى استمعت لصوت احدهما.
-البنت اهي هاتوها. تسمرت بوقفتها عندما وجدت الكثير من الرجال الذين يظهر عليهم الأجرام. فصرخت تحادثه
-الحقني ياجاسر. فيه ناس غريبة في بيتك.
هزة عنيفة شقت صدره
فتسمر للحظات يحاول إستيعاب ماقالته. فصاح بعد برهبة:
-جنى شوفي فيروز فين وامشي من عندك بسرعة. بكت عندما وجدت احدهما يتقدم منها. فهرولت للاعلى وهو خلفها وهي تحادثه.
-مش هعرف ملين الجنينة. الحقني ياجاسر. صاح بها بجسد مرتعش وهو يقود سيارته بسرعة جنونية
-جنى حبيبتي اطلعي على أوضتي بسرعة واقفلي على نفسك بالمفتاح وأنا هتصرف لو معرفتش اوصلك بسرعة. يلا حبيبي
هوت على الدرج وهي تسرع وتبكي واحدهما خلفها يصيح بها
-هتروحي فين ياروح امك. استمع جاسر لذاك الرجل وكأن احدهما وضع سيخا حديدا بصدره تسارع بأقصى سرعته وهو يكاد بتصادم بكثيرا من الحوادث.
-جنى سمعاني ياقلبي، اقفلي على نفسك كويس، دقايق وهكون عندك ياقلبي.
-جاسر الحقني، دول شكلهم مجرمين قالتها ببكاء
-جايلك ياقلبي متخافيش. شوية وهتلاقيني، اتصرفي ياجنجون
هرولت ودلفت لغرفته وأغلقت بالمفتاح عليها وجسدها يرتعش. استمعت لصياحه.
-جنى حبيبي معايا. أنا في الطريق. اهدي وحاولي تتخبي كويس. ادخلي اوضة الملابس اتصرفي. كانها لم تستمع له. امسكت هاتفها بيد مرتعشة اغلقت معه متجه الاتصال بعز كان عز يجلس بجوار جواد وهم ينظرون لطفلة اوس ويضحكون ولكن قاطع حديثهما اتصال جنى
-ايوة ياجنجون. هنا هب واقفا وكأن روحه خرجت من جسده. طالع جواد حالته.
في ايه ياعز. هرول للخارج وهو يصيح حتى توقف الجميع عن الاحتفال.
-جنى ياعمو فيه حد بيجري وراها عند جاسر
عاد بيجاد مساء من عمله. قابلته العاملة فأردف متسائلا
-أين المدام؟
أشارت بيديها على غرفة المعيشة وتحدثت باللهجة الفلبنية:
-إنها تبدو مستاءة من سفيان سيدي
توجه سريعا إليها، انتفض قلبه وصرخ بعيونه المذهلة وغضب عارم
-ينفع كدا. هتفضلي كدا لحد إمتى؟
رفعت بصرها تنظر إليه بإرهاق وحاولت الحديث ولكن قواتها متلاشية. امال بجسده وتلقى منها طفله يضمه بحنان أبوي وقبله.
ثم صاح على مربيته
-الولد دا لو خرج من أوضته هعاقبك إنتِ سمعتي ولا لا، قالها بصوتا صاخب
نهضت غنى تنظر إليه بذهولاً وقلبا مفطور
-بيجاد إيه اللي بتقوله دا، لم يعرها أهتماما واحتدت نظراته للمربية التي تحركت بالطفل خوفا من بطشه
إلتفت إليها بحنق ينظر لحالتها التي ادمت قلبه، ثم إنحنى يحملها دون حديث
وضعت رأسها بصدره وتعالى بكاؤها، زفر بضيق ثم تحدث بهدوء:
-مينفعش كدا ياغنى. كدا هتموتي نفسك حبيبي.
تحدثت بصوتا متحشرج بالبكاء
-أنا أم فاشلة. مش عارفة أربي الولد يابيجاد، وصل لغرفتهما ثم وضعها بحنان على الأريكة متجها للمرحاض
ورجع خلال لحظات وقام بحملها
-إنتِ أحن ام. إن لبدنك عليك حق
خدي شاور ونامي ووعد مني مش هفارقه ياستي. هحروح اضربلك إبن الكل. ب اللي غلب غنى بيجاد، وبعدين الولد بيطلع ضروس ياحبي، فعادي يكون مقريف كدا
لكمته بضعف بصدره وتحدثت بصوتا مرهق
-ماتشتمش ابني لو سمحت ولا تشتم باباه بقولك أهو.
رفع حاجبه بعدما تخلص من ملابسها كليا ثم تحدث متهكما
-شوف إزاي، وأنا اللي كنت مفكر إنه ابن...
وضعت كفيها على شفتيه
عند جاسر وجنى
صعد سريعا وقلبه ينبض بعنف خوفا عليها
هل شعر أحدكم بنحر عنقه بخنجر بارد
وقف مشدوها ملجم اللسان بل.
تسمر بذهول وشعر كأنه طائر بترت أجنحته، فتسارعت نبضاته، همس اسمها بإرتعاش عندما وجد حالتها المزرية، شحب وجهه كمن سلب روحه لبارئها. تحرك بجسدًا مرتجف، وروحه تأن بأنين وتر مقطوع، هوى بجسده أمامها يهز رأسه بعنف وعيناه أصبحت كزخات المطر، يود لو يدمر الكون ومابه
جذبها يضمها بين ذراعيه، يود لو يخفيها بين ضلوعه، ضمها بقوة يسحقها.
-حبيبتي ايه ال حصل، مين عمل فيكي كدا. ولكن لا يوجد رد، فكأنها جسدا بلا روح. أخرجها يحتضن وجهها بكفين مرتعشين ينظر إليها ملجم اللسان، اخيرا همست باسمه
-جاسر خبيني منهم حبيبي، خبيني قالتها وهوت بين ذراعيه تتمنى أن لا تفيق ابدا
صرخ باسمها صرخة بكل ما لديه قوة، ولكن ماذا سيفيد صراخه، بعدما شعر ببرودة تجتاح جسدها.
↚
كنت أظن أني أتمكن من العودة إلى حياتي مرة أخرى ولكني نسيت كيفية الحياة بطريقة طبيعية دون الحزن، وكنت أعتقد أنه يمكنني كتابة كلمات عن الفرح والسعادة ولكن عندما فعلتها أدرك أن شيءٍ داخل قلبي انكسر.
بعد حفل الخطوبة باسبوعين
-تجلس تضع ساقًا فوق الأخرى
-بقولك ياأمجد عندي واحدة قارفة بنتي، ومهددة حياتها، والصراحة عايزة فيروز تفضل في بيت الألفي
اعتدل يستمع إليها بإهتمام
-إنتِ قصدك فيروز متجوزة في بيت الألفي، ال هو جواد الألفي ابو جاسر الألفي
نفثت تبغها، ثم رفعت حاجبها بسخرية قائلة:
-ايه ياأمجد مالك متفاجئ كدا. دنى بجسده يستند على الطاولة
-هي ازاي فيروز اتجوزت من ابن الألفي.
ارتفعت ضحات سحر وهي تتلاعب بخصلاتها
-مش هخبي عليك كنت رافضة الجوازة دي، بس لما قعدت مع نفسي وخططت كويس انا وناجي، قلونا لازم نضرب عصفورين بحجر واحد
نفثت تبغها مرة أخرى وحاوطته بنظراتها قائلة؛
-طبعا تعبتنا جدا، لحد ما وصلت معاها لحل واحدة بنت حلال قالتلي عليه
قطب جبينه متسائلا: -مش فاهم. ابتسمت بتهكم قائلة مش ضروري تفهم. بتر حديثهم الجالس بصمت.
-أنا الظابط دا مضايق منه وعايز انتقم، وبقالي فترة بجيب قراره، كنت هخطف مراته، بس عرفت انها بنتك عشان كدا جيتلك
التفت أمجد إليه متسائلا:
-انت قصدك على جاسر هو ال عمل قضية لخطيبتك. جز على أسنانه ونيران شيطانية تخرج من مقلتيه قائلا
-لازم اضربه ضربة اخليه بعد كدا يفكر مليون مرة قبل ما يعمل حاجة يضايق اسياده
قوس أمجد فمه ناظرا بخبثت لصديقه الذي يدعى هاني المغربي
-جاتلي على طبق من دهب ياهنوش، نفكر ونخطط.
-هقولكم على يكسروا، بس انا مش عايزة دم، ابتسمت وأردفت: -بس ممكن نتمتع شوية، قالتها بغمزة لأمجد. ضرب أمجد كفيه ببعضهما
-حلوووو ياسحور، نتمتع منتمتعش ليه، بس يارب الحلوة تكون حلوة
تراجعت بجسدها توزع نظراتها بينهما ثم اردفت
-بنت عمه، اسمها جنى صهيب، البنت مهندسة في شركة يعقوب المنسي، لسة مخطوبة من أسبوعين
قطع حديثها هاني
-بتقولي مخطوبة وبنت عمه، ودي هتفيدنا بأيه، انا عايز اخته، حد يكون قريب منه.
ضحكت ضحكة رقيعة واجابه
-لا دي ال هتكسره، أخته متجوزة ياغبي، وجوزها ابن عمها، أما دي بنت فاهمني يعني توجع
حك ذقنه بتفكير، ثم تسائل
-البت حلوة. تهكمت مردفة
-هي من جهة الحلاوة فهي حلوة، وكمان البت بريئة زي مابتقولوا كدا بيضة مقشرة، دي ال توجعهم كلهم، وفيه بنت عمته، بس البنت دي لازم أبعدها عن فيروز، شوف البنت صورتها اهي، انا كنت هشوف حد يخلص الليلة، بس بدال عندكم طار مع الظابط يبقى خلوها بيتا.
مط هاني شفتيه وتحدث
-ايه رأيك ياأمجد نتسلى بالحلاوة دي. البنت صاروخ ارض جو الصراحة
رفع نظره يهز رأسه غامزا
-هو الظابط ايه حكايته معاها الاول، يعني فيه بينهم كيميا عشان نعرف نوجب صح
نفثت سيجارها وتحدثت بغل
-الحقير طلع بيحبها، بعد مااتجوز بنتي ال مكنش يطول ضفرها اصلا
-لا اهدي كدا وفهمينا الحوار كله عشان نعرف هنعمل ايه
عند جاسر وفيروز
توقفت خلفه وهو يرتدي ثيابه
-هتفضل مقموص كدا، معرفش اتغيرت ليه كدا ياجاسر.
استدار يرمقها بغضب
-أنا ال اتغيرت، أنتِ مش شايفة نفسك ياهانم بقيتي ازاي. اقترب منها وامسكها من ذراعها بقوة
-انا معرفش أنتِ مين اصلا، فين البنت البريئة ال اتجوزتها. أشار عليها باحتقار
-مين دي، روحي شوفي نفسك وتعالي اتكلمي، صمت لبرهة متذكر شيئا
-اشتريتي فستان مقرف لحفل الخطوبة وحذرتك من لبسه، وبرضو نزلتي بيه، كنت مش عارف ابص في وش اخواتي واهلي من قرفك
نظر لمقلتيها متسائلا.
-انا ليه معنتش بشوفك بتصلي، ايه عندك عذر. نظر إلى بطنها وتحدث متهكما
-ولا يمكن الحمل كاذب. انسابت دموعها على وجنتيها تهز رأسها رافضة حديثه
-انت بتهني ياجاسر. أطاح بيديه كل مايوجد أمامه وصرخ
-اهينك. انت بتهيني دينك ياهانم، ازاي تبيني جسمك قدام الكل بطريقتك القذرة دي، والله اتكسفت منك، كنت خايف يقولوا عليكي رقاصة
-انا مسمحلكش، قالتها بغضب.
كور قبضته واستدار يكمل ارتداء ثيابه محاولا السيطرة على نفسها حتى لا يصفعها. احمدي ربنا أننا عند بابا، لولا كدا صدقيني مكنتش رحمتك
قالها وتحرك للخارج. أسرعت خلفه
-جاسر أنا بكلمك ياريت توقف وترد عليا. تحرك ولم يعريها اهتمام وصل حيث الجميع.
-صباح الخير
ابتسمت غزل تربت على ظهره
-صباح النور ياحبيبي، رجعت امتى محستش بيك
جلس ونظراته على والده الذي يقرأ الجريدة ولم يرد عليه تحية الصباح، ثم رفع نظره إلى والدته.
-جيت من كام ساعة ياحبيتي، انت عاملة ايه، وفين الباقي
جلست بجواره تضع له الطعام
-أوس سافر مع مراته اسكندرية بعد خطوبة جنى بيوم، وياسين في الكلية، ومفيش غيرنا انا وبابا
ارتشف من قهوته وتسائل
-غنى وبيجاد سافروا؟
اومأت برأسها
-أيوة بيجاد قال هيجبها اخر الاسبوع عنده سفرية، وكمان. صمتت تنظر إلى جواد
-هتيجي تسلم على ربى جنى وعز قبل السفر
ضيق عيناه متسائلا:
-سفر فيه، ليه هما رايحين فين
ألقى جواد الجريدة.
-غزل فين القهوة. أشارت بعيناها عندما وجدت تعصبه من سؤال جاسر
-قدامك ياجواد وبعدين انت وابنك قهوة. من غير فطار
-ماما مقولتيش جنى مسافرة فين. اقترب جواد برأسه ينظر لمقلتيه قائلا بنبرة حادة
-امك بتقول عز وربى وجنى، ماقلتش جنى بس ياحضرة الظابط، خلي بالك من كلامك
نهض ثم ألقى محرمته وتحرك للخارج. أوقفته فيروز.
-جاسر، قولت هنمشي النهاردة، ايه ناوي تقعد هنا تاني، انا اتخنقت. استدار إليها فهو لا يتحمل الان أي ضغط
-مش ماشين وريني اخرك. صرخت بوجهه، يبقى انت مجنون
صفعة قوية على وجهها، توقف جواد يصرخ به موبخا إياه
-ولد اتجننت بتضرب مراتك قدامنا. لم ينظر لوالده وأشار بسبابته محذرا
-انا حاولت اكون عاقل معاكي، بس انتي متستهليش، هوريكي المجنون دا هيعمل فيكي ايه. استدار ليتحرك أوقفه جواد غاضبا.
-هتنقل انت ومراتك النهاردة، وإياك اسمع صوتك، وزي ماهي قالت حياتها ولازم تبنيها ومش هتكلم على تهورك تاني ياجاسر
-وأنا فين حياتي ياحضرة اللوا، انا فين من دا كله، ليه كل واحد بيشد فيا من ناحية، اموت عشان ترتاحوا
ليس على الإنسان أن يقتل عواطفه بداخله، فهناك قدرة. لكل شخص سينفجر بها إذا زادت عن حدها. اقترب من والده
لو بتحبني ادعيلي اموت عشان اريحك من ابنك المتهور
شهقت غزل تضع كفيها على فمها، واسرعت إليه.
-بعد الشر عليك ياحبيبي. دلف صهيب بجوار عز على حديث جاسر، ينظر إليه بذهول
-مالك يابني على الصبح. ارتدى نظارته ونظر لزوجته بقلة حيلة واجاب عمه
-مفيش ياعمو، بعد اذنك. تحرك للخارج، وهو لا يكاد يرى أمامه. تحرك كالمخمور، يتخبط بسيره، بخطوات مبعثرة مثل خفقاته يشعر بأنه انسلخ عن الجميع ليحيا الألم ويشق صدره حتى يصل لقلبه ويدميه دون صوت.
-صباح الخير ياجاسر، ايه معدي مش هاين عليك تصبح على عمتك. قالتها مليكة بتصنع الحزن
اتجه إليها انحنى يطبع قبلة على جبينها
-صباح الفل ياعمتو، آسف مشفتكيش. ربتت على كتفه مبتسمة
-عارفة ياحبيبي، مال الجميل ماشي في وشه مش شايف حد قدامه
رسم ابتسامة وتحدث
-لسة صاحي من النوم، وقايم معكنن والله ياعمتو، كان مالي ومال الشرطة، ضيق عيناه متسائلا:
-جواد فين مش باين. أخرجت زفرة محملة بالوجع ثم إجابته.
-سافر العريش، فرح واحد صاحبه. اومأ برأسه متفهما
-قصدك هرب من الخطوبة. ابتعدت بأنظارها بعيدا متنهدة ثم أردفت
-يمكن يابني، احنا هنسافر تركيا اخر الأسبوع لعمك، كنت مستنية تقى تخلص الجامعة
ربت على كتفها
-حبيبتي ياعمتو والله معرفش فيه ايه الكل بقى عايز يسافر، انا شايف السفر مالوش داعي، زعلت من جواد لما قدم استقالته من الشرطة، انا عارف ومتأكد أن الشرطة حياته.
ابتسمت بهدوء
-كدا أحسن ياحبيبي، وبعدين حازم الشغل كتر عليه، لازم جواد يساند باباه شوية، انت شايف سفره بين القاهرة وتركيا بقى مرهق، وخصوصا بعد عز ماشارك يعقوب خطيب جنى
سامعة حد بيجيب سيرتي. استدار لتلك الملاك المتجه إليهم
-حبيبة عمتو النشيطة، اقتربت تطبع قبلة على وجنتيها
-صباح الفل ياحبيبة قلبي، رفعت نظرها لذاك الذي يطالعها بهدوء
-صباح الخير ياحضرة الظابط
صباح النور. قالها بهدوء. ضيقت عيناها.
-لابس نضارة ليه مش عايز حد يشوف عيونك ولا ايه قالتها بإبتسامة
ضمتها مليكة وهي تشير إليه
-بقول كدا برضو ياجنجون، تلاقي فيروز محرجة عليه محدش يشوف عيونه
هزت جنى رأسها:
-لا ياعمتو، ممكن خايف يتحسد، ماهو الرمادي حلو برضو
رفع حاجبه بسخرية:
-لا والله دا ايه الاستناجات الحلوة دي. اتغر أنا بقى
استمعت الى رنين هاتفها
-خطيبي برة ياجماعة بعد اذنكم. تحركت متجهة للخارج، استئذن من عمته وتحرك خلفها.
-جنى. صاح بها، استدارت تنظر لتحركه من بعيدا بقلب مفطور، تراه اجمل من نجوم هليود، تكورت دمعة غادرة بعينيها كلما تذكرت أن هذا الشخص ماهو سوى روحها، كيف لها أن تتعامل معه وكأنه لا يوجد، كيف ستصمد أمام نزيف قلبها المجروح. اقترب منها
-مكملناش كلامنا امبارح عز جه ومكملناش
ضيقت عيناها متسائلة
-كلام ايه مش فاكرة؟
دنى منها يغرز رماديته ببنيتها.
-ليه وافقتي على يعقوب بالسرعة دي، مع أنه مش زينا، مجرد اربع شهور خلاص يتحب
ابتسمت بسخرية القدر قائلة
-جسورة هو انت متقلب ياحبيبي، انت من أسبوعين باركتلي، صمتت تضيق عيناها قائلة
-لا انت مش باركتلي صح، نسيت ياجسورة
رمقها بغيطٍ، ثم أردف
-زي ماانتِ مش باركتلي على حمل فيروز
ابتعدت بأنظارها تنظر إلى يعقوب الذي خرج مستندا على سيارته بإنتظارها
-ممكن يكون نسيت، وبعدين انا وقتها تعبت ومحستش ونسيت بعدها.
اومأ برأسه ومازالت نظراته عليها
-يارب المرة دي تكوني صادقة ياجنى، ومالقيش بعد خطوبتك حاجة تصدمني فيكي، دنى وانحنى ينظر لعيناها مباشرة
-بربط حاجات ببعضها بتوجعلي قلبي يابنت عمي. تراجعت خطوة للخلف بعدما ضربت أنفاسه وجهها، ناهيك عن رائحته التي تخدرها فتحدثت بتقطع
-جاسر معرفش بتتكلم عن ايه، المهم عايزة أقولك حاجة مهمة
اعتدل بوقوفه ينظر إلى يعقوب
-شوفي خطيبك وبعدين نتكلم، اصلي مش ضامن نفسي قدامه الصراحة.
سألته مقلبة عينيها بعدم فهم
-معرفش حصلك ايه، بقيت لغز. فتح باب سيارته وأشار عليه
-روحي ياجنى، فضلي تكة وهطلع اضربه
ضحكت بصوت ناعم، تضع كفيها على فمها
-مجنون وحياة ربنا، مقدرش يعدي يوم غير لما اسمع افشاتك دي. حرمتني منها يابن عمي. أغلق باب السيارة بقوة واتجه إليها يمسكها من ذراعها بغضب.
-بت متجننيش، شايفة دي افشات، دي غيرة ياهبلة، امشي من قدامي، مش بقولك باقيلي تكة وهنفجر. قالها وهو يرمق يعقوب الذي نظراته عليهما
-براحة ياجسورة، ممكن ضغطك يعلى حبيبي كفاية مراتك لوحدها مصيبة. انحنى بجسده حتى أصبح بمقابلة وجهها
-شامم ريحة تريقة ياجنونة، وضعت كفيها على فمها وابتسمت
-ياريت تريقة، ثم رفعت كفيها على قميصه كأنها تزيل اتربته
-مراتك الهبلة بتغير عليك مني، بتقولي ابعدي عن جوزي، ومتلفيش عليه.
رغم قالتها بإبتسامة إلا أن دموعها تكورت بعينيها، فرفعت بصرها وتقابلت بعينيه
-ياريت تفهمها أننا اخوات، وانا زي ربى وغنى، مكنتش عايزة اشكيلك، بس بعد خطوبتي وكلامها ليا امبارح بالليل ضيقني جدا، انا واحدة مخطوبة ومش عايزة كلام يسئ لسمعتي، مش كدا ولا إيه يابن عمي.
جذب رأسها وطبع قبلة على رأسها
-حقك عليا، أنا اسف، ومتضيقيش منها هي الحمل مأثر عليها شوية، حاضر هتكلم معها، ومتزعليش احنا هننقل اصلا وهنمشي
جحظت عيناها وارتجفت شفتيها متسائلة
-هتسيبوا حي الألفي. كانت نظراته عليها من تحت نظارته
-ما أنا عرفت انكم مسافرين برضو، مش هتكلم في الموضوع دا دلوقتي ياجنى، انتي قولتي سبني ادور على السعادة، فأنا هسيبك يابنت عمي. صمت للحظات ثم أكمل.
-بس يارب تلاقي السعادة ياجنى، أصل في غيرك اهبل حاول وضاع، لا لقي سعادة ولا حتى سمع عنها، كله مسكنات يابنت عمي، وأنتِ عارفة المسكن بيكون مجرد مهدئ لساعات ويرجع الألم يزيد.
ياله روحي لخطيبك شكله زهق وهيسيبك ويمشي، وانا الصراحة اتمنى. قالها وهو يغمز لها عندما فتح باب سيارته متحركا بسرعة جنونية للخارج
توقفت تنظر لأثره، بقلبًا مفطور، ثم اتجهت إلى يعقوب
-صباح الخير
ابتسم بتلقائية.
-هل يعقل إنكِ تتركي زوجك المستقبلي وتتحدثين مع ملهمك جميلتي
ابتسمت إليه وتراجعت بجسدها للمقعد
-عرفت أنه هينقل النهاردة من بابا، كان لازم اتكلم معاه، اتجهت بنظرها إليه
-جاسر كويس جدا، كان نفسي تتعرف عليه، بس معرفش كل اجتماعتنا هو مبيكنش موجود
-لانه عاشق سيدتي، والعاشق مجنون بالغيرة
ابتسمت بسخرية وأجابته
-عذرا سيدي، أنه عاشق لزوجته وليس لي، ألم أقل لك أنه سيتركنا من أجلها.
اومأ برأسه وتحرك ثم تحدث
-لكنني مازلت غير مقتنع جميلتي، فهناك شك لدي، ألم ترينه بالأمس، فهو كالطائر الذبيح
-يعقوب اصمت فالحديث الان لن يجدي. ايه سوف نذهب لتلك المشفى لتقابل تلك الجميلة
ابتسامة شقت ثغره فأومأ برأسه قائلا
-لم أصدق جنى، حتى اراها أمامي وأتاكد من وجودها
-هي يعقوب لا تقلق، فأنا متأكدة. نعم لم اراها منذ زمن ولكني على يقين من أنها هي.
اتذكر بحديث عمي عندما توفي والدها، كانت جميلة حقا، جلست معنا لبعض الوقت، ولكن القانون لن يتثنى بوجودها عندنا
اومأ متفهما، ثم استدار
-بماذا كنتم تتحدثون
ابتسمت عندما تذكرت حديثها، لمعت عيناها بالسعادة
-انه مجنون صديقي، صمتت ثم اتجهت بنظرها إليها
-انني خائفة من ردة فعل والدي، هل تظن أنه سيحزن عندما يعلم أنني فعلت ذاك حتى أظل بجواره
تنهد بحزن ونظر أمامه.
-لا أعلم كيف يفكر عمك، ولكنني على يقين أن هناك أمر عند جاسر، ولابد انكِ تعلميه.
وضعت رأسها على زجاج السيارة وذهبت بشرودها لذاك اليوم بعد عملها بشركة يعقوب لمدة ثلاث شهور، رجعت من عملها مرهقة، اتجهت إلى منزلها وانعمت بحماما دافئا، حتى تزيل ارهاق اليوم، دلفت ربى إليها
-ايه يابنتي مش هتنزلي النهاردة عيد ميلاد فيروز، ودا أول عيد ميلاد ليها هنا في البيت
جذبت الغطاء وتحدثت بإرهاق.
-مش قادرة راجعة مرهقة جدا، جذبت الغطاء
-لا لازم تقومي، دا غنى قالت لازم تحضري مخصوص، حتى جابتلك فستان إنما ايه يابت ياجنجون، رووعة رووعة ياروحي، انا وانتي وغنى هنلبس زي بعض، قومي متبقيش غلسة
مسحت على وجهها
-والله ماقادرة ياروبي، استمعت إلى صوت عز بالخارج ينادي إلى ربى.
خرجت روبي
-انا هنا ياحبيبي. وصل إليهما، دلف يوزع نظراته عليهما
-مالكم في ايه. جذبته ربى تحاوط عنقه
-قول لجنى تيجي عيد ميلاد فيروز، هتبقى وحشة لو مرحتش. صمت عز يطالع أخته بهدوء
-سبيها على راحتها ياروبي، بلاش تروح، وبعدين انت شايفة انها تعبانة
تركته متحركة إلى جنى
-والله ابدا لازم تقوم، قومي يابت يلا. صاح عز بغضب
-هو إنتِ مبتفهميش ياربى، قولتلك سببها براحتها. تصنمت ربى بوقفتها تنظر إليه بذهول.
-بتقولي أنا الكلام دا ياعز، على العموم انا آسفة، قالتها وتحركت. ولكن توقفت عندما استمعت لحديث جنى
-فين الفستان يابت، بتضحكي عليا، قالتها وهي تنظر إلى أخيها بمعاتبة. تحركت تعانق ذراع ربى
-هتلبسيني وتمكيجيني، وتوصلني هناك، عجبك ولا لا
ابتسمت ربى من بين حزنها من زوجها تضمها
-ولو عايزة أشيلك كمان ياجنجون هشيلك. قالتها وهي ترمق عز بنظرات حزينة
كور قبضته، وأنب نفسه على ماقاله، ولكن ماذا يفعل الندم.
بعد قليل دلفت بجوار ربى وهي ترفع فستانها
-دا فيروز عاملة حفلة كبيرة، أنا مفكرة على قدنا بس
ابتسمت بسخرية وأردفت
-لا ياختي عاملة حافلة كبيرة، وعازمة صحابتها، معرفش عرفتهم فين، كويس أنها مش عند بابا كان زمانه ولع في البيت
دلفوا إلى شقة جاسر، قابلتهم فيروز
-ميرسي يابنات انكم جيتوا، الكل جوا، اتفضلوا، تحركت جنى إليها ثم أخرجت هديتها
-كل سنة وانتي طيبة العمر كله يافيروز. أمسكت الهدية وقامت بفتحها.
-ميرسي ياجنى، بس عندي من الحاجات دي كتيرة، جاسر دايما يجبلي الحاجات دي
لم تعلق على حديثها، قدمت ربى هديتها
-اتفضلي يافيروزة، يارب تعجبك مش تتريقي عليها زي بتاعة جنى. وصل جاسر إليهما بابتسامته
-انا بقول المكان منور ليه، اتاري روبي وجنجون هنا
استدارت جنى
-عامل ايه يابني فينك محدش بيشوفك. سحبها من كفيها
-مشاغل والله يابنت عمي، بس ايه الحلاوة دي، دا شكل الحفلة على شرفك ثم اتجه بنظره الى ربى.
-لا قلبي كدا، قمرات الألفي، جذب أخته لأحضانه
-ايه الجمال دا ياروبي، لا عز ازاي خرجكم انتم الأتنين كدا
امسكته ربى من وجنتيه
-حبيبي ياجسورة، لا ولسة غنون جاية مع بيجاد هنشوف القمر بحق وحقيقي
حاوطها وتحرك للداخل خلف جنى التي دلفت بجوار تقى
جلس الجميع وبدأت الحفل كالمعتاد بالأغاني والمشاركات. خرجت غنى وجنى الشرفة ينظرن لجمال النيل
-المنظر هنا حلو أوي. وافقتها جنى الرأي.
تعرفي نفسي في بيت في غابة، يحاوطه أشجار وبعيد بشوية يكون فيه بحر
ضيقت غنى عيناها:
-غابة ياجنى، ايه يابت عيشة الحيوانات المفترسة دي
أطلقت ضحكة ناعمة وضعت كفيها على فمها عندما ارتفعت ضحكاتها
-ايه التشبيه دا يابنتي، طب تعرفي بجد نفسي في كدا. قاطعهم دخول فيروز
-واقفين هنا ليه، ماتدخلوا جوا
أشارت جنى للنيل وأردفت
-المنظر هنا حلو، غير الهدوء معبر جدا عن شخصيتنا
رفعت حاجبها بسخرية مردفة.
-لا والله، يعني احنا مش كويسين بنحب الدوشة، وبعدين لو تعبانة مكنتيش تيجي، قاطعهم وصول جاسر
-جنجون عصيرك ياقلبي، عارفك بتحبي الميكس، وغنونة قلبي مش ناسيكي
كانت غنى تنظر إلى فيروز بنظرات مستاءة
-ميرسي ياجاسر، انا ماشية، رفعت نظرها إلى فيروز
-كل سنة وانتي طيبة. أمسكت غنى كفيها
-استني انا كمان ماشية. ضيق جاسر عيناه:
-فيه ايه مالكم
أتت غنى للحديث، قاطعهم صوت فيروز.
-اصل جنى مش مرتاحة ياحبيبي، شايف الكل هنا ثنائي وهي لوحدها
توسعت أعين غنى تنظر إليها بذهول
-تصدقي بالله لولا زعل اخويا مكنتش دخلت بيتك، انا جيت عشانه مش عشانك، بجد انتي إنسانة مستفزة، قالتها وهي تنادي على بيجاد الذي يجلس بجوار ياسين
-في ايه ياغنى. أشارت بغضب.
-فيه أن بنت عمك اتهانت من مراتك في بيتك ياحضرة الضابط، وعلى فكرة يامدام فيروز، هي مكنتش جاية احنا لتحيلنا عليها، عشان منسبكيش لوحدك، بس طلعتي متستهليش
رفع نظره على جنى التي ابتعدت بنظرها عنه، ثم تركت كف غنى
-غنى انا ماشية بعد اذنكوا. تحركت سريعا للخارج وانسابت عبراتها على وجنتيها، وجدت المصعد مشغول اتجهت للأسفل عبر الدرج، ودموعها تفرش طريقها حتى اختفت الرؤية من أمامها.
لحظة صمت لشخص يجذبها لأحضانه
-آسف معرفش أقول ولا أعمل ايه عشان متزعليش. رجعت للخلف وهزت رأسها
-لا مفيش أسف، انا ال آسفة ممكن يكون قولت حاجة تزعلها
ازال دموعها بإبهامه
-جنى آسف، متزعليش من فيروز هرمونات الحمل، متزعليش منها حبيبتي
ابتسمت بسخرية وهزت رأسها
-مش زعلانة يابن عمي.
-أيوة عيطي يااستاذة جنى وفهميه أني وحشة، ماهو جاسر صدرك الحنين
جز على أسنانه وأشار إليها.
-امشي من قدامي بدل ماورقة طلاقك توصلك حالا
نزلت درجة تعقد ذراعها وتنظر إلى جنى
-تقدر تقولي ليه الأستاذة رفضت العريس ال كان متقدملها من كام يوم، مع أنه كويس دا حتى ابن ظابط في الجيش، ولا ايه يااستاذة جنى، ولا أنتِ بتحبي العرسان الكتير حواليكي
ضغط على ذراعها بغضب
-امشي من قدامي متخلنيش افقد اعصابي. أزالت جنى عبراتها ورسمت ابتسامة
-مش يمكن بحب واحد ومستنية يجي يخطبني يااستاذة فيروز مع أن ميخصكيش.
انحنت بجسدها تنظر لجاسر
-أيوة بقى هو مين دا ال بتحبيه، قولي للي بتقولي عليه اخوكي، ولا يمكن شيفاه حاجة تانية
صفعة قوية حتى ترنح جسدها، نظرت إليه بذهول
-بتضربني عشان كاشفة الأستاذة ال عاملة بريئة. بتر حديثهم هاتف جنى، نظرت للمتصل وكأنه طوق نجاة، ثم رفعت نظرها إلى فيروز.
-مش هرد عليكي يافيروز، كفاية ال جوزك عمله، وعشان اريحك الشخص ال بقولك عليه جاي عشان يوصلني. فيه اتهامات تانية يامدام، ثم أجابت على هاتفها
ايوة يايعقوب اتأخرت، انا تحت هستناك، قالتها وهرولت للأسفل تهرب من قلبها اللعين
بينما الاخر الذي تصنم بوقفته ينظر بذهول لتحركها وكلماتها التي أطلقتها كرمح مشتعل أصاب صدره
اتجه ينظر لزوجته وتحدث مزمجرا.
-من اللحظة دي انسي انك مراتي، كدا وصلنا لآخر حياتنا انت من طريق وأنا من طريق، أشار إلى بطنها، ودا إكراما لحملك مش أكتر، قالها وتركها متجها إلى الأعلى.
عند جنى
وصلت للأسفل وعبراتها تغرق وجنتيها
-ليه يابن عمي توجع قلبي كدا، استقلت سيارتها وهي تهز رأسها بغضب، فكلما تذكرت حديثها ينشق صدرها وتشعر بنيران تكوي قلبها، استمعت إلى رنين هاتفها
-الو. قالتها بصوت متحشرج بالبكاء
-باشمهندسة، كيف حالك. توقفت بجانب الطريق
-الحمد لله. آسفة غلطت فكرتك عز ارجوك تسامحني
-لم انزعج سيدتي، صمت ثم تحدث
-هل تبكين. أزالت عبراتها.
-ابدا، انا بسوق العربية، فيه حاجة. قالتها جنى حتى تنهي المكالمة
-كنت احتاج فايل المشروع، قاطعته سريعا
-بكرة هيكون على مكتب حضرتك، بعد اذنك انا سايقة ومش عارفة اتكلم مع حضرتك
باليوم التالي. ولجت اليه المكتب بوجه شاحب
-المشروع هنا عز راجعه وكله تمام، بس لازم حضرتك تشوفه بما انك شريك
-هل لي الحق اتسائل لماذا هذه العيون حزينة. رسمت ابتسامة
-وهل هذا من قوانين العمل سيد يعقوب!
أطلق ضحكة مرتفعة ثم نهض من مكانه وهو يتجه إليها
-ياآلهي ماهذة الطفلة الشرسة. ابتسمت له تهز رأسها فلقد رسم ضحكتها
جلس بمقابلتها
-يعقوب أيوب المنسي ابلغ من العمر سبعة وثلاثون عاما، لم يسبق لي الزواج تربيت بالولايات المتحدة، توفي والدي بعمر الشباب، امتلك امبراطوريه للمعمار في الشرق الاوسط، وحيدا منفرد وابحث عن زوجة وقورة، اريد زوجة لتربية اطفالي منهج دينهم
اغمض عين وفتح الأخرى قائلا بمزاح:.
-زوجة عينيها باللون البني الذهبي، الذي يميل للون القمح، خصلاتها لا أعلم مالونها، مستديرة الوجه، مرفوعة الانف، ثغرها كحبة كريز بلونها، ضحكتها كقطرة ندى لورقة شجر
طولها لم تكن طويلة ولم تكن قصيرة، مرحة تحب الحياة، تعشق الرسم والتصوير، صمت للحظة وأكمل ماجعلها مذهولة
تعشق أحدهما ولكنه يبدو بالغباء، ترسم احلام بسيطة على تلال من الرمال الواهية
-هل لي اكمل حديثي ام هذا يكفي
-اتتحدث عني؟
وضع ساقا فوق الاخرى، وأخرج تبغه الغالي ينفثه بهدوء:
-اعلم عنكِ كل شيئا، لم أجزم معرفتي كل شيئا، ولكن علمت ماهو اهم
-هل أخبرتك بشئ غير موجود بكِ؟
ام انكِ تهربين من الحقيقة
-سعدت بمعرفتك وعرض الزواج المغري، ولكنك أجابت على سؤالك
-انني ابني اوهاما شاطئية سيد يعقوب
-اتعشقينه كثيرا!
صمتت للحظات ثم رفعت نظرها إليه
-هل أسمح لك الخوض بحياتي الشخصية سيد يعقوب
هز رأسه رافضا وهو يدخن تبغه.
-سيدتي لقد تفهمتي الموضوع خطئا، انا أفهم بنظرة العيون جيدا، فقمت بتحليل شخصيتك الجميلة
صمت للحظات ثم تحدث بأريحية:
-احتاج ديل بيننا، انا ابحث عن شيئا فكنت احتاج مساعدتك، هذا مااقصده
ضيقت عيناها متسائلة
-لم افهم ماتعنيه.
-علمت أن لي ابنة عم بالقاهرة، ولا احد يعلم عنها شيئا، هناك من قال الشخص الذي يعلم مكانها جواد الألفي، حاولت معه كثيرا ولكن لم اخرج بمعلومة تصلني اليها، نحن مفترقان منذ عشرون عاما ولا أعلم عنها شيئا
-كيف لي مساعدتك، وكيف ستساعدني
احتاج معرفة مكانها، وجواد الألفي هو الشخص الوحيد الذي يعلم بمكانها.
هزت كتفها
-وهل ستظن أن عمي سيخبرني بمكانها.
-اعلم أنه لن يخبركِ سوى في حالة واحدة وهي أن أكون فردا من العائلة، لانه خائفا عليها، وهذا احترمته كثيرا
جلست غير مستوعبة مايقوله. برضو معرفتش انا ايه دخلني في الموضوع
-نحن نعمل مع بعضنا منذ أكثر من شهرين، واظن أن هذا وقتا كافيا لخطبتنا
هبت واقفة
-انت اكيد مجنون
ابتسم بهدوء وهو يحاوط المكان ثم اتجه اليها ونظر إليها بعينين ثاقبة.
-اظن انكِ سترتاحين من الضغط، اليوم تحدثت مع والدك وعلمت الكثير والكثير، سوف اعمل معك ديل، ادخل عائلة الألفي لأصل لأبنة عمي في مقابل اعطيكي الحرية كاملة حتى تنعمين بحبيبكِ، وقبل اي شيئا أنه يحبك وبحبك كثيرا وهذا علمته من خبرة سابقة جميلتي
تحركت بقلبا ينتفض الما
-سأفكر وارد عليك فيما بعد
خرجت من شرودها على صوت يعقوب
-لقد وصلنا جميلتي
استدارت إليه
-بلاش جميلتي دي، بتخليني اصدق انك خطيبي حق وحقيقي.
قهقه بصوته الرجولي، ثم غمز بطرف عينه
-ايغار من جميلتي!
نظرت للخارج بحزن
- معرفش ليه معلق على الموضوع انا وافقت اساعدك بس انت بتفكر حاجات مش موجودة
ترجل من السيارة متجها إليها
-هيا انزلي جنى، انا لست بهذا الغباء، أننا رجال ونعلم النظرات
توقفت أمامه
-يعقوب انا وافقت على الخطوبة في مقابل اسافر ودا الحل الوحيد ال بابا وعمو يوافقو.
↚
من بين إنفاسٍ ملتهبة وقلب محترق، جذب مقعدٍ وجلس بجوارها، ممسكا كفيها يملس عليه، ونظراته تعانقها كالأم التي تعانق رضيعها
رفع أنامله على شفتيها المجروحة، هنا شعر وكأن أحدهم اعتصر قلبه، فشعر بإنسحاب انفاسه، لأول مرة يشعر بذاك الألم الذي يفتك بأعضائه
ظل يمسد بأنامله كأنه يزيل أثارها، دنى يضع رأسه بجوار أنفاسها ومازالت أنامله تبحر فوق وجهها.
-جنى أول مرة احس بالوجع دا، حاسس بحد بيدبحني بسكينة باردة، لا هو بيخلص مني ولا سايبني، طلعتي غالية أوي يابنت عمي
انهمرت عبراته ممزوجة بنزيف روحه حينها اشتهى الموت بكل جوارحه بتلك اللحظة فاستأنف حديثه الباكي
-القدر المرادي منصفنيش ياحبيبة عمري، ينفع كدا تعملي فيا كدا ياجنى هونت عليكي، جاسر هان عليكي توجعيه كدا
ياله افتحي عيونك حبيتي وطمني قلبي، رفع رأسه وهمس بجوار أذنها.
-لو بتحبيني فعلا افتحي عيونك وريحي قلبي ياجنى لو سمحتي. ظل يحادثها لبعض الوقت إلى أن دلفت الممرضة
-كفاية حضرتك، لو سمحت لازم تخرج عشان نشوف شغلنا، اتجه ببصره إليها متسائلا: -أعرف بس هي مالها، ليه مابتفقوش
تابعت المحاليل التي تغرز بورديها وقامت بمتابعة حالتها.
-هتفوق يافندم إن شاء الله، خلال كام ساعة هتلاقيها فاقت، الصدمة كانت عنيفة عشان كدا العقل رافض الواقع، بس مش معنى كدا أنها هتفضل كدا، مازالت تفحص مؤشراتها الحيوية فأستأنفت حديثها
-العلاج دا هيفوقها، المهم تقدر تتعايش مع الواقع بعد ال حصلها. قالتها الممرضة ثم اتجهت إليه
-دلوقتي ممكن تسبها ترتاح، بلاش نزعجها لو سمحت
اومأ برأسه، نهض ثم انحنى يطبع قبلة على جبينها.
-أنا برة ياجنجون مستنيكي حبيبي، همس بجوار أذنها
-وعد من جاسر الألفي لأحرق قلب اللي عمل فيكي كدا، المهم ترجعيلي، وبعدها مش هتنازل عنك حتى لو غصب عنك، مستعد أحرق الكون كله، بس ترجعي وتقولي جسورة، ناظرها للحظات. وآهة خفيضة ورغم أنه أخرجها ببطئ إلا أنها أحرقت جوفه تراجع بخطواته للوراء. وعيناه تراقب جسدها المسجى، ثم استدار متحركا للخارج.
بعد أكثر من ساعتين وصل جواد وعز بنفس التوقيت، ولج الأثنان سريعا إلى المشفى
بأنفاسٍ متقطعة تسائل عز جواد حازم الذي يتوقف أمام إحدى الغرف وبالجانب الآخر تجلس مليكة على إحدى المقاعد
-جواد. قالها عز بتقطع، ونظرات ضائعة وقلب ينتفض خوفا على إخته. استدار جواد الذي يربع ذراعه أمام صدره ونظراته على جاسر، ولكن فاق على نداء عز، استدار بجسده
-خالو، تحرك جواد بجوار عز وهو يوزع نظراته على ثلاثتهم.
-ايه ال حصل وفين جنى؟ ثم وجه نظره لأبنه الجاثي على الأرضية يضع ذقنه على ركبتيه وينظر بنقطة وهمية لا يشعر بهم، توقفت مليكة بعدما ربتت على كتف جاسر بحنان قائلة: -جاسر باباك جه؛ ولكنه لم ينظر ولا يتحرك ظل كما هو على نفس الحال
حمحم جواد وعيناه تحاوط عز
-جنى اتعرضت لهجوم واعتداء وهي دلوقتي نايمة مش حاسة بحاجة، والدكاترة بيحاولوا يفوقوها.
ارتجف جسد عز، فلقد وقع حديث جواد على قلبه كضربة خنجر قاتلة، هز رأسه كالمجنون، واستفهم باستهجان
-ايه ال بتقوله دا يابني، هي كانت رايحة، فجأة صمت وذهب بصره لذاك الجاثي. شهق وهو ينظر لعمه بعدما وجد حالة جاسر. هنا فاق من صدمته ينظر لحالة جاسر الذي تؤكد حدسه
شعر بنيران تحرق داخله كمرجل جف مائه من كثرة الغليان. تراجع للخلف وعيناه تائهة يبحث عن مكان اخته هامسًا كالمعتوه.
-لا. أكيد دا كذب، لا جنى مستحيل، لا جنى، استدار يبحث في الغرف كالمجنون، حتى وقعت عيناه عليها بأحد الغرف
ولج إلى الغرفة بجسد يرتجف، وعينان كزخات المطر، همس باسمها بشفتين مرتجفتين
- جنى. قالها بشهقة، ونظراته على جسدها الشاحب. تحرك بخطوات هزيلة كالذي يتحرك على جمرات من النيران؛ حتى وصل إلى فراشها، ودموع عيناه تفرش طريقه
هز رأسه وصرخة من جوف حسرته وهو يضمها إلى صدره
- جنى. قالها بصوت هزت له جدران المشفى.
ولج جواد خلفه، تسمر بمكانه وهو يرى تلك التي يحتضنها اخيها، هل حقا هذه تلك الفتاة الحيوية، ملاكهم، ماذا فعلت بكِ الذئاب البشرية حبيبتي لتصبحبين بتلك الحالة. خطى إلى أن وصل إلى عز الذي يضم أخته وشهقاته تنتفض له القلوب. ربت على كتفه ودموعه انسابت على وجنتيه
-حبيبي قوم كدا، خليني اشوفها
أشار بكفيه على أخته
-شوفت ياعمو، ليه يعملوا فيها كدا، هي مأذتش حد، مين ال ممكن يعمل فيها كدا.
جذب جواد عز.
-قوم ياحبيبي سيب اختك خليها ترتاح، هنعرف دلوقتي ايه ال حصل. تعالى ياعز انت سامع الممرضة بتقول ايه، جذبه للخارج. واتجه إلى جنى يدثرها بالغطاء. انحنى يطبع قبلة على جبينها
-اختاروكي أنتِ لتدفعي التمن ياحبيبتي، آهة خفيضة خرجت بنيران الذنب وهو يكور قبضته حتى نفرت عروق عنقه. فتحرك للخارج.
خرج والغضب يتعاظم بداخله، وغلا دماءه في عروقه، تحرك متألمّا وقبضة قوية تعتصر فؤاده، اه ياربي كم هو مؤلم شعور العجز والألم في آن واحد بخطوات ضعيفة متهالكة خطى للخارج ونيران تعصف بقلبه وسائر جسده وجد عز يقف أمام جواد
-مين ال عمل كدا، وانتوا كنتوا فين. قالها بصوت جهوري. قاطعت مليكة حديثهم
-حبيبي انا كنت في البيت على اساس جنى تعدي عليا وقولت هنخرج، اتصلت وقالت عمتو هعدي على فيروز.
-الحادثة حصلت في بيت جاسر ياعز مش عندنا
تسمر بمكانه وكأن كلمات مليكة كالسهام أصابت جسده فترنح للخلف. يستند على الجدار، نظر عز إليه متسائلا
-هو قصده ايه ياعمو. تحرك جواد الذي اصيب بشلل كامل بجسده، حتى شعر بعدم مقدرته على الوقوف، اتجه إلى ابنه: -جاسر. رفع بصره لوالده وارتسم الألم داخل مقلتيه، يشعر بنيران تلهب جسده بالكامل، فرفع كتفه للأعلى.
-ملحقتهاش يابابا، حاولت بس ملحقتش، قالها وعيناه تذرف الدمع بالدمع وتسطر الحزن بملامح وجهه
تحرك عز متجها إليه بجبين متغضن يكرر حديثه
-ملحقتش مين، صمت وهو يشير بسبابته إلى جواد مردد
-قصدك إن اختي فيه حد اعتدى عليها عندك في البيت، ومراتك موجودة، وبدعوة منك ياحضرة الظابط، زمجر بها بصوت جهوري، أفزع جميع من يقف بجواره.
تحركت مليكة إليه بعدما نزلت كلماته كنيزك على رؤوسهم صاحت غاضبة: -عز ممكن تهدى احنا في مستشفى، وكفاية حالة جنى وجاسر، ايه ال بتعمله دا
دفع المقعد بقدمه وبأعين زائغة غير مستوعبة مانزل على مسامعه، يهز رأسه متجها يبحث عن الطبيب
-فين الدكتور، والله ماهرحم حد، قالها وتحرك كالمجنون
أما جواد الذي حاول إيقاف ابنه.
-قوم. قاعد كدا ليه. نظرات ضائعة لوالده فكأن الأرض تبدلت غير الأرض والزمان غير الزمان، والقدر يصفعه بقوة قائلا:
-بهدلوها يابابا، رفع كفيه أمامه
-بدي مقدرتش الحقها يابابا، انا السبب، أنا ال طلبت منها تروح هناك
احتضن جواد وجهه ابنه، يمسح دموعه بعنف
-قوم ومتبقاش زي البنت المجروحة، قوم واصلب نفسك ياحضرة الظابط.
شهقة خرجت من جوف حسرته يهز رأسه بعنف وهو يرجع خصلاته المتمردة على جبينه بعنف كاد أن يقتلعها من جذورها، ويطحن ضروسه ضاغطا عليها بقسوة كلما تذكر حالتها ثم أشار على نفسه
-اصلب نفسي، هي فين نفسي دي، بقولك بهدلوها، جنى عاشت الألم كله بسببي
ابتلع غصة بطعم العلقم وحاوط رأس ابنه
-حبيبي كله قدر ومكتوب، قوم بلاش حالتك دي، وزع نظراته يبحث عن فيروز فتسائل
-فين مراتك؟
هز كتفه بعدم معرفة ولم يجبه، اتجه إلى مليكة.
-فين فيروز يامليكة، عملوا فيها حاجة
هزت رأسها بالنفي واجابته
-محدش كان موجود غير جنى ياجواد. أمسكت ذراعه وبعيون متألمة
-يعني ايه مكنتش موجودة!
اتجه لجاسر ونظر إليه بغضب
-فين مراتك، قوم شوف مراتك فين، ليكون حصلها حاجة
كور قبضته يجز بأسنانه ندما على ماوصل إليه من تفكير، فرفع بصره لوالده ونظرة مقتولة بخنجر الغدر
-انت كنت صح، ياريتك موتني ولا كنت اتجوزت منها يابابا.
هزة عنيفة أصابت جواد فيما توسعت عيناه بذهول يهز رأسه رافضا حديثه
-انت بتقول ايه يلا، قصدك اللي حصل لبنت عمك بسبب مراتك
استمع عز لحوارهم. بدأت نبضاته الهادرة تتخبط بعنف بين ضلوعه، واتسعت حدقتيه شاهقا مما استمع إليه
وصل إلى جاسر بخطوة ثم أوقفه يهزه بعنف: -انت بتقول ايه؟
اختي هنا بسببك انت ومراتك، انسابت عبرات جاسر، وشعر كأن عموده الفقري انكسر وشعر بتهاوي جسده، غامت عيناه وهو يهمس.
-آسف، أنا السبب. صفعة قوية، تليها صفعه على وجهه، وتجمد جسد جواد وانعقد لسانه مذهولا، صمتا مخنوق بالصدمات مما يراه من أفعال عز ولم يتوقف على ذاك ولكنه صاح بأبنه غاضبا
-حقيييير، امشي ياحيوان دفعه بقوة حتى كاد أن يسقط على الأرض
توقف جواد حازم بينهم
-عز اتلم جاسر مش حاسس بنفسه، ثم اتجه إلى جاسر
-ايه ال بتقوله دا ياجاسر، ممكن تسكت اعصابنا بايظة
تراجع يستند على الجدار.
-انا بقول الحقيقة، اللي حصل لجنى بسببي، انا السبب فيه، انا اللي اتصلت بيها عشان فيروز طلبت مني أنها تقعد معاها، وبعدها بدقايق حصل الهجوم وفي بيتي ومراتي مش موجودة ياجواد، تقدر تقولي تفسير غير دا
ترنح جواد وهو يشعر بأن النفس انحبس بصدره ونبضاته تتسارع وشعر بتعطل أعضائه وكأنه أصيب بجلطة.
اتجه إلى جاسر بخطوات مهزوزة، ثم لكمه بصدره بترنح: -اسكت يلا مش عايز اسمع صوتك، عشان لو مراتك ليها دخل وحياتك عندي لأدفنها بايدي حتى ابنك مش هيشفعلها، قالها مع انبثاق عبراته
اتجه جواد حازم إلى جاسر ينظر لعمه بذهول: -انتوا ازاي بتقولوا كدا وليه فيروز تعمل كدا في جنى، لا اكيد جاسر بيهبل من ال شافه
بوجه ضربه الألم وقلب ينتفض بنبضاته ويتسارع حتى شعر بتوقفه، وعيونٍ تنفجر من نيران الغضب صاح غاضبا.
-عشان بحب جنى، عشان قولت لفيروز هطلقك.
صدمة ذهول أصابت الجميع حتى جحظت اعينهم، ارتعش جسد عز وهو يهز رأسه بعنف وعيناه كنيران جحيمية
-لا أكيد انت مجنون، اكيد الواد دا مجنون، استدار إلى جواد الذي هوى على مقعده ووضع رأسه بين راحتيه
-ابنك بيقول ايه، الواد دا بيقول ايه. جذبه من ثيابه وبدأ يهزه بعنف
-انت بتقول ايه يلا، هي مين دي ال بتحبها، اختي ال ماتت بسببك سنة كاملة، جذبه وظل يدور به.
-ماهي كانت قدامك وانت عملي عبيط، جاي بعد مااتجوزت ومراتك بقت حامل، جاي تقولي هتتجوزها، دا أنا ادفنك مكانك وميهمنيش حد
قالها ثم دفعه بقوة سقط من خلال على الأرضية وهو لم يبد أي فعل
أما جواد حازم الذي وقف مذهولا وكأن على رأسه الطير، يردد حديثه
-عشان كدا جنى رفضت حبي، يعني انت كنت بتلعب عليا ياجاسر، وهي. صمت ينظر إلى جواد
-ساكت ليه ياخالو ياكبير العيلة، ماترد على ابنك، قوله ايه الهبل ال بيقوله دا.
بدأ عز كالمجنون يحطم كل ماتطاله يده
-هموتك ياجاسر، هموتك، اقسم بالله لو اتأكدت ال حصل لأختي دا بسببك هموتك
-بااااس. مش عايزة اسمع ولا كلمة، فكروا في صهيب لما يوصل ويشوف بنته كدا، ثم رفعت نظرها إلى جواد الذي تغير وجهه وأصبح شاحب وأكملت
-شوف هتقول ايه لاخوك اللي تاني مرة يتكسر ياحضرة اللوا
هنا اغمض عيناه وانزلقت عباراته، وشعر بقبضة تعتصر فؤاده عندما تذكر صهيب.
دقائق وصل صهيب بجوار ريان. بساقين مرتعشة وريان يحاوط أكتافه حتى لا يسقط بخطوايه
-بنتي. بنتي فين ياجواد؟
برودة اجتاحت أوصاله وارتجفت أعصابه عندما فقد قدرة النظر إلى أخيه وهو يسمع تألمه بصوته
استدار يبحث عن عز الذي جلس غارقا بنيران صدره محاولا السيطرة على نفسه؛ حتى لا يهجم على جاسر ويلقيه لغيبات الجب
لاحت نظرته لجاسر الجاثي على الأرضية الباردة، انزل كف ريان واتجه إليه بخفقاته التي اشعرته بألم حاد بصدره.
-جاسر، همس بها صهيب بتقطع. رفع جاسر عيناه المتورمة إليه وعبراته مازالت تغسل وجنتيه
-قاعد كدا ليه ياحبيبي وفين بنت عمك، قالولي عندك وحد حاول يموتها، اوعى تقولي عملوا حاجة لأختك ياحبيبي
آآآه. صرخ بها عز عندما فقد توازنه بالكامل واتجه إليه يسحبه حتى أوقفه وظل يلكمه
-ماترد على عمك ياحيوان ساكت ليه، قوله عملت ايه في بنته. وصل إلى أذنه وهمس بفحيح.
-قوله عملت ايه في اختك يلا. قالها بضحكات مرتفعة من بين بكائه. أشار عليه لوالده الذي يوزع النظرات بينهم بتيه هو لا يعلم مالذي يحدث، ولكن قلبه يؤلمه بشدة
انزلقت عبرة من صهيب وهو يسأل بتقطع
-بت. كل. م ابن عمك كدا ليه ياعز. تحرك بالارتعاش، فالذي وصل اليه جعله غير متزن، شعر بإنسحاب أنفاسه ونظراته على جواد الصامت الذي يستند بظهره على الجدار مطبق الجفنين كأنه يتهرب منه
فصل عز عن جاسر وحضنه.
-متزعلش من عز هو بس زعلان على اخته، قولي فين اختك ياحبيبي، هي كلمتنا وقالت فيه حد بيجري وراها
دفن رأسه في حضن عمه، وبكى بصوت مرتفع، صوت اهتزت له قلوب الجالسين سوى من عز الذي يكور قبضته محاولا عدم الوصول إليه لقتله. اتجه ريان لجواد حازم
-البنت ماتت ياجواد ولا ايه. رفع مقلتيه لريان وهز رأسه نافيا
-جنى اتعرضت للأغتصاب ياعمو ريان.
هنا تلاشت قدرة صهيب وتراجع بجسده خطوة للخلف، مبتعدا عن جاسر، ودموعه افترشت وجهه، حاول الحديث ولكن كأن الحروف هربت ولم يعلم كيف يكون الكلام
برودة اجتاحت جسده وهو يهذي بتقطع وعيناه على جواد المتصنم بجلوسه.
-اغت. ص. ا. ب. قصد. ك بن. تي، ولا قصدك. هنا شعر بسحابة سوداء تحاوطه، فترنح جسده فهوى مغشيا عليه تلاقه جاسر القريب منه بذراعيه، هب جواد فزعا من مكانه، وكل دمعة انحدرت من أخيه كأنها نيران تكوي صدره
صرخ عز بالمسعفين حتى توصلوا اليه، حملوه متجهين إلى غرفة للكشف عليه
وصلت نهى وغزل وبيجاد وأوس بعد فترة، كانت الوجوه على الجميع مرسومة بالألم والحزن.
خطت نهى تبحث بعينيها على صهيب وعز، ولكنهما غير موجودين، اتجهت سريعا بخطوات متعثرة الى جواد ومليكة
-فين بنتي ياجواد، بحثت بعينيها
-عز وصهيب فين، وجواد كمان مش موجود ياغزل، فين بنتي
توقفت مليكة تحتضنها
-نهى اهدي حبيبتي، صهيب تعب شوية واخد مهدئ، وجواد وعز معاه.
حاوطتها بنظراتها منتظرة باقي حديثها
-أيوة فين جنى. تحركت غزل بعدما شعرت بالكارثة من وجوههم، وضمت نهى إليها.
-تعالي يانهى ارتاحي، وانا هشوف ايه ال حصل
ابتعدت عنها صارخة
-اهدى أنتِ مش شايفة وششهم، بنتي فين يامليكة وليه صهيب واخد مهدئ
-ماما. أردف بها عز. استدارت بلهفة إليه، أسرعت بخطوات متعثرة حتى كادت أن تسقط على وجهها
-فين اختك ياحبيبي. حاوطها بذراعيه وهو يرمق غزل سريعا متجها إلى غرفة جنى
اتجهت غزل إلى مليكة وجاسر.
-ايه ال حصل البنت حصلها ايه. قلبها ينتفض بقوة غير مسيطرة على أعصابها مما سيقال، هي استنتجت أن هناك شيئا سيئا حدث
-قصت مليكة لها ماصار، مع صرخة نهى بالداخل. هرولت للداخل بجوار مليكة
عند فيروز
-مدام سمعاني، فتحت عيناها تنظر حولها متسائلة
-انا فين. تذكرت ماصار لها، وضعت كفيها على أحشائها
-ابني حصله حاجة. كانت الممرضة توصل إليها أكياسا من الدم.
-لو سمحتي يامدام لو سمعاني حركي ايديك. حركت كفيها تمسح دموعها وهي تهذي
-ابني، فين ابني
-مدام عايزين جوزك ضروري، لو سمحتي لو رقم نتواصل معه
-ليه، ابني مات؟
اهدي دلوقتي وقولي رقم جوزك، احنا ملقناش أي إثبات معاكي، غير الست قالت إنها لقيتك ومشيت
همسات برقم والدتها
-دا رقم ماما، اتصلي بيها
عند سحر ظلت تجوب المكان.
-فيروز مبتردش، دا مكنش اتفاقنا ياامجد، ليه خليت هاني يروح لوحده، وبعدين كان يقصد بايه يخلي حد يهجم عليها
ارتشف أمجد من كأسه الذي حرمه الله واردف
-بنتك عجبته ياسحورة، البت خسارة في الظابط. ضيق عيناه متسائلا: -مقولتيش ياسحورة، ازاي قدرتي تقنعي فيروز بكره جاسر، مع انها هربت من البيت عشان ابن عمها، غمز وأكمل
-دا حتى عرفت أنه كان بيحبها، هو ايه ال حصل خلى جاسر يكره البت
جلست وجذبت منه كوبه.
-سحرتلهم. جحظت عيناه ينظر إليها بذهول، ثم أطلق ضحكة صاخبة يهز رأسه
-مش معقول ياسحر، ايه ال بتقوليه
نفثت تبغها وقوست فمها
-كنت مستني اشوفها زي حياة ولا إيه، فيروز دي فرخة بتبيض دهب
صمتت تتذكر ذاك الشخص ثم رفعت نظرها
-تعرف واحد طلبها ليلة واحدة وكان مستعد يدفع فيها 10مليون، لولا هربت بمساعدة الست حياة
مط شفتيه للأمام وتحدث مستهزئا
-اهي راحت لظابط ببلاش. توقفت وبدأت تقهقه ثم اتجهت وجلست بجواره.
-وحياتك هو شهر واحد وقلبت عليه حياته، وخليتها زي الخاتم في اصباعي
غمز بعينيه متسائلا: -ليه عملتي ايه، تراجعت تضع ساق فوق الأخرى وتكلمت بعنجهية
-ماقولتلك ياأمجد سحرتلها، واحدة عرفتني على عرافة مشهورة اوي، وبصراحة انتهزتها فرصة، والسحر عمل الشغل ال عايزاه وأكتر كمان
قهقه أمجد وهو يهز رأسه رافضا كلماتها
-انتِ مصدقة كلام الهبل دا. رفعت حاجبها ساخرة ثم مدت كفيها على ركبتيه وغمزت له.
-تحب تجرب ولا إيه ياأمجد عشان أكدلك أن الست دي عملت اللي مقدرتش عليه
تراجع بظهره ونظراته تحاوطها، يستمع إليها بإهتمام
-يعني بنتك كرهت الظابط من السحر، طب هو ازاي صدق وهو كان بيحبها بدليل اتجوز بنت مجرم، ضحك وهو يلوح بكفيه
-آسف ياسحور ماهي دي الحقيقة. جزت على أسنانها
-اتمقلط عليا ياامجد، بس هشبع فضولك، لما رجعوا من شهر العسل البنت كانت رافضة قربي خالص، بس هددتها دنت تنظر بمقلتيه.
-عارف هددتها بإيه، فاكر نادر طبعا واللي عمله فيها، ولولا العملية إياها كان زمانها بتنفذ كلامي، بس ابوها الله يسامحه فضل يقول البنت هتفضل معيوبة ومش هتتجوز وراح عملها العملية
اومأ منتظر باقي حديثها.
بدأت تيجي مجبرة لحد مالسحر اللي الست عملتهولها وضربت ضربتي، شوية صور ليها وهي في احضان دا ودا، وصور وهي بتشرب، غير كام تسجيل ملعوب فيه لظابط أنه اتجوزها انتقام، مع عمايل جواد الألفي وكل شوية ونصايحه، وانا ازود الجرعة هنا دا مش بيحبوكي معتبرينك بنت مجرم
نفث تبغها وأزالت رمادها بإبهامها ثم رفعت نظرها إلى أمجد مستأنفة حديثها.
-عملت حفلة هنا، واتصلت بجاسر على أساس أنه يجي ياخدها لقيها بترقص قدام حامد البنا وانت عارف حامد وبلاويه. طبعا شخصية زي جاسر مش هيقبل على مراته اللي شافه
قهقهت وهي تتذكر تلك الليلة
انحنت بجسدها تنظر إلى أمجد
-تعرف عمل ايه. ضربها وقالها هطلقك، وكان هيطلقها فعلا بس اغمى عليها وعرف وقتها أنها حامل.
ظلت تقهقه بصوتها البغيض، ونهضت متجهة للبار، مع اني اقنعته قبلها أنها بتاخد حبوب منع الحمل، وبعتله فيديو أنها اتجوزته عشان تنتقم لعمها وابنه، واكدتله بكلامي اللي عملته فيه قبل الجواز، وكمان سقوط الجنين اللي بسببي بعد مااقنعتها تاخد حاجة وتنزله، وفهمته كمان أنها كانت ناوية متجبش منك عيال بس الحمل التاني جه غلطة، وفعلا اقنعتها أنها تاخد حبوب منع الحمل، مع العلم مكنش بيعبرها ولا بيقرب منها غير لما هي تستعمل أساليبها اللي خليتها تمشي عليها بحذافيرها.
اتجهت إلى أمجد تحمل كاسيان من الخمر ثم جلست وناولته أحدهما واستأنفت حديثها
-تعرف قالي ايه لما قولتله كدا
قالي وانا اتجوزتها تمن للورق اللي وصلنا واللي بسببه كل المجرمين اللي زي عمها وغيره في السجن، انا هعيش مع بنتك يومين وارميها، ماهي مكنتش تطول اصلا تكلم واحد من عيلة الألفي، ومش اي حد دا جاسر الألفي.
قهقهت وهي تهز رأسها وتلوح بيديها: -العبيط بنتي كانت جوا وسمعت كلامه، ولما واجهته قالها اه، انا اتجوزتك عشان انسى بنت عمي أما حوارات الحب دي تمثيل ويوم مااسلم قلبي هسلمه لواحدة نضيفة
قهقه أمجد بعد حوارها
-يخربيتك ياسحور دا انتِ الشيطان يضربلك تعظيم سلام
جزت على أسنانها وتحدثت غاضبة
-كنت مستني مني ايه والهبلة ماشية وراه، استنى لما تكون زي حياة اللي مبهدلة ابوها، كان لازم اشفي غليلي من ابن الألفي.
تحولت عيناها للهيب عندما تذكرت حديث جواد
-ابوه جالي هنا ياأمجد وهددني قال ايه ابعدي عن حياة ابني
أشارت على نفسها
-عايز يبعدني أنا عن بنتي، طيب استنى بس لما تولد والله لأحصرهم على حفيدهم ومش بس كدا لأعملهم جرسة واخليها تفضحهم، وافضح بنت صهيب كمان اللي بتتلزق في الولد، لا والاهبل جاي بكل بساطة يقولها زي ما دخلنا بالمعروف نخرج بالمعروف
ألقت الكأس حتى تهشم وصرخت.
-معروف ايه دا، عايز يطلقها ببلاش والله لأخد اللي وراه واللي قدامه بس اصبر عليا.
أرجعت خصلاتها بعنف وهي تشير لأمجد
-شوف هاني وصل لفين، خليه يعرفني البنت وصلت لفين. بتر حديثهم هاتفها
-أيوة. ضيقت عيناها متسائلة
-مستشفى ايه. طيب
الغضب ارتسم على وجهها كاد يندلع من حدقيتها لتهتف باستنكار
-شوفت عمايل زفت هاني، البنت في المستشفى وكمان نزلت البيبي
في المشفى بعد وصول الجميع وحالة التوتر التي انتابتهم وخاصة بعد حديث جاسر. نهض متجها إلى غرفة جنى
هب عز ناهضا يجذبه من ثيابه.
-انت رايح فين، انت مش مرحب بيك امشي غور من هنا
دفعه جاسر عندما فاض به، وفقد السيطرة على انفعالاته
-امشي من قدامي عشان منخسرش بعض.
تجهمت ملامحه واتجه إليه كالبركان الثائر
-لا يلا تعالى وريني هتعمل ايه، تخسرني، انت مفكر انك غالي عندي، تعالى كدا
نهض بيجاد عندما تأزم الوضع، نظر لجواد الذي لم يرف له ساكن فكأنه لم يشعر بما يحاوطه
-توقف بيجاد بينهم.
-ممكن تهدوا، احنا في المستشفى، لاحظوا انكم بين عيانين. لم يصمت عز وأصابه نوبة جنونية عندما فتح جاسر باب الغرفة وولج للداخل عند جنى
دفع بيجاد بغضب
-الواد دا بيحرق دمي، اقسم بالله بيحرق دمي. نهضت ربى واتجهت إليه ووجهها عبارة عن لوحة من الألم والحزن
أمسكت كفيه
-عز حبيبي ممكن تهدى، شكلك نسيت جنى بالنسبة لجاسر إيه
استدار يرمقها غاضبا، ثم نفض كفيها.
-بالنسباله ايه يادكتورة قوليلي، مش دا اللي رماها وراح اتجوز، وهو عارف انها بتحبه، مكفوش وجعها لا كانت هتغتصب في بيته، ردي عليا يادكتورة وقوليلي
-جنى بالنسبة لجاسر إيه غير أنه بيتسلى ويقضي وقت حلو، هو خسران حاجة، بنت جميلة بريئة كل شوية تترمي في حضنه، وياترى هو
اخرررص ياحيوان، قالها جواد بعد صمت دام لساعات منذ رجوعه، نهض ووقف أمامه عندما وجد حديثه القاسي لأبنته.
امسكه من كتفه بعنف يضغط عليه وصرخ بوجهه عاليا مماجعل الدموع تتجمع بعينيه
-نسيت نفسك يلا بتشك في اخلاق اخوك، اخسي عليك، نسيت أن دا تربية جواد الألفي يلا
لكزه بصدره وابتلع ريقه بصعوبة، وشعر بتثاقل بتنفسه وكأن حجرا يطبق على صدره ثم قال بوجع مرير بعدما ترقرقت عيناه بالدموع.
-دا جاسر ياعز، افتكر أن جاسر هو عز وعز هو جاسر، واللي يوقف قدام التاني هفعصه بجذمتي سواء انت ولا هو، واللي متعرفوش هو وقف من كام شهر وقالي انا عايز ارتبط بجنى، صفعه بخفة على وجهه
-انا ماوافقتش ياباشمهندس، على الرغم متأكد أن الاتنين بيحبوا بعض، بس رفضت عشان مظلمش اختك. متجيش تعمل راجل وتسيئ لأخوك قدامي، وابوك عارف كل حاجة، يعني انت مالكش كلمة عندي
دنى عز ينظر لمقلتيه وأردف.
-طيب اسمعني ياحضرة اللوا، ابنك لو اخر راجل مستحيل اخليه يقرب من اختي، ومش بس كدا، علاقتي بيه اندفنت ومبقاش يهمني، يعني من الاخر كدا ينسى حد اسمه عز الألفي، ومعنى ينسى عز ينسى جنى، خليه يروح يشوف مراته هي أولى بيه
أشار بسبباته محذرا إياه
-ولو انت عمي جواد فعلا ويهمك جنى اللي بتقول عليها بنتك خليه يبعد عنها، وهاتلي حق اختي اللي ابنك اهدره
قالها ثم دفع ربى من أمامه وتحرك متجها إلى والده.
وقفت ربى تنظر إلى أثره بذهول، ثم رفعت نظرها إلى أبيها
-بابا ايه اللي حصلنا؟
أطبق على جفنيه يجذبها لأحضانه، ثم طبع قبلة على رأسها
-اعذريه حبيبتي، عز مجروح ومش أي جرح، دا مطعون في أخته ياروبي، وأكيد فاهمة معنى كلامي
أزالت عبراتها ثم رفعت نظرها إلى أبيها
-هو جاسر بيحب جنى فعلا ولا قال كدا إحساسه بالذنب، اتجه بنظره الى غزل المتصنمة فأشار بعينيه على أبنته
سحبتها غزل.
-تعالي ياروبي سيبي بابا دلوقتي، بعدين نتكلم ياقلبي
بالداخل عند جنى
جذب المقعد وجلس بجوارها
-حبيبتي عدى ست ساعات هتفضلي كدا، ايه جاسر مش وحشك ياجنى، انتِ وحشتيني، ووحشتيني أوي كمان
زفرة حارة خرجت من جوفيه
-عارف إني غلطت، بس وحياة ربنا اتنازلت عنك عشان سعادتك، فكرتك بتحبيه، شوفتي عملتي فيا ايه، دنى يهمس لها.
-اتنازلت على قلبي عشان اشوف السعادة في عيونك، اصلك غالية عاليا أوي، توهت ياجنى، توهت وقلبي تاه معايا، حاولت انسى وأتناسى بس مقدرتش، رضيت بقدري بس قدري مرضيش بيا، عرفت مفيش سعادة وأنا بعيد عنك، عارف اتأخرت، وعارف كلهم كانوا عندهم حق
احتضن كفيها وآه خفيضة خرجت من جوفه بطعم العلقم مستأنف حديثه.
-كنت مستعد أتنازل عن نفسي بس مشفش الحزن في عيونك، عارفة لو عمو صهيب عرف وقتها أن فيه مشاعر ليكي، كان هيغصبك عارف، ولو اتغصبتي عليا كنت هموت ياجنى، كنت مستعد أفضل دافن مشاعري بس أهم حاجة عندي اشوف نظرة الحب من عينكي، مستعد أكون اخوكي طول حياتي بس أشوفك سعيدة مع اللي قلبك اختاره.
تنهيدة عميقة بأنفاس محترقة عندما توقف عن الحديث فلم يجد من كلمات تعبر عما يجيش في صدره، اكتفى إليها بالنظرات وهو يرسمها برماديته، ثم انحنى يطبع قبلة عميقة على وجنتيها، رمشت بأهدابها عدة مرات هامسة باسمه
لاحت ابتسامة شقت ثغره وهو يحادثها
-جنى حبيبتي. سمعاني. فتحت عيناها تنظر لوجهه القريب، صرخت مبتعدة تضم جسدها
-ابعد عني. صرخت بها وهي تضع كفيها على أذنيها
-ابعد. صرخت حتى استمع عز الذي وصل بمصاحبة صهيب.
جذبها بقوة لأحضانه
-جنى اهدي حبيبتي. دفعته وصرخت
-ابعد ياحيوان. قالتها منتفضة عندما شعرت بكفيه على جسدها
انهمرت عبراته ممزوجة بنزيف روحه حينها اشتهى الموت بكل جوارحه وهي يرها تنفر منه، وتصرخ مبتعدة خائفة
جذبها بعنف، يحاوطها بين ذراعيه كقلعة حامية لها يهمس بجوار أذنها في الوقت الذي دفع عز وصهيب الباب والجميع خلفهم
-اهدي حبيبتي. أنا جاسر، اهدي انتِ هنا في أمان، شهقت ببكاء تهذي بكلمات لم يفهمها.
طبع قبلة على خصلاتها عندما انزلق حجابها من انفاعلاتها
-جنى انتِ في حضني محدش هيقدر يقربلك حبيبتي. اهدي
بكت وبكت تشدد من احتضانه وهي تحاوط خصره، قائلة بصوت متحشرج بالبكاء
-خبيني ياجاسر، خبيني منهم، مسد على خصلاتها
-متخافيش ياقلبي، انا هنا. اقترب صهيب وهو يستند على عز في دلوف جواد، والجميع ينظر إلى تشبسها بأحضانه وبكائها وكلماتها التي انهمرت الدموع لأجلها.
خبيني حبيبي، عايزين يغتصبوني جنى همس بها صهيب. هنا صرخت وابتعدت تجذب خصلاتها تمزقها وتبكي بشهقات، اغتصبوني يابابا. الحيوانات نهشوا لحم بنتك. هوى صهيب على فراشها، وجذبها لأحضانها مع ارتفاع صوت بكائه
-محدش قرب منك ياحبيبة ابوكي، ظلت تدفع والدها وتصرخ، ابتعدت عن الجميع تضم جسدها وهي تهز رأسها
-مش عايزة اشوف حد، كله يبعد، عايزة ماما. ياماما.
قالتها ببكاء، أسرعت الطبيبة تحاول حقنها بمساعدة جاسر وعز وجواد للسيطرة عليها
صرخت بصوت شق المكان.
-حيووووووان. حيوانات
ظل تهذي بها حتى غفت بمكانها. حملها عز ووضعها على الفراش ثم دثرها، ذهبت عيناه لبعض الأثار التي تركها ذاك الجبناء الذين لا يعرفون قيم ولا أخلاق. فنهض معتدل وعلى حين غرة صفع جاسر بقوة
شهقة خرجت من غزل وهي تصرخ باسم ابنها. اسرع بيجاد إليهما عندما وجد ترنح جواد واستناده على ريان.
-عز ابعد كدا بدل ماضربك على وشك اغير ملامحه، ثم استدار إلى جاسر
-جاسر روح شوف مراتك اللي محدش عرف يوصلها، لو سمحت الوضع مش متحمل
سحبته غزل وربى من كفيه
-حبيبي تعالى برة، هي نامت دلوقتي، لازم نطمن على فيروز. قطع حديثهم رنين هاتفه. خرج للخارج واجاب
-نعم، انت فين ياحضرة الظابط. مراتك مرمية في المستشفى لازم تيجي فورا عايزينك ضروري
-مستشفى ايه؟
تسائل بها وتحرك كالألي
وصل بعد قليل. أسرعت إليه تصرخ فيه.
-كنت فين وبنتي بين الحيا والموت، كنت فين لما هجموا عليها وضربوها وسقطوها
رفع نظره مذهولا
-حد اعتدى عليها، تسائل بها بعينين متسعتين، بترت حديثهم الممرضة
-المدام لازمها عملية حالا ولازم موافقة جوزها لو سمحتوا
-عملية! قالها متعجبا
-آسفين يافندم المدام فقدت الجنين وعندها نزيف شديد، حاولنا معاها ولكن للأسف لازم من إستئصال الرحم
صدمة عنيفة حتى شعر ببرودة تجتاح جسده، فهتف
-استئصال رحم ليه؟
ربعت سحر ذراعيها.
-ليه متعرفش أن فيه ناس هجموا عليها، بنت عمك بعتتهم عشان يسقطوها
اتجه إليها وتقدم منها وعينيه ترسل سهاما مشتعلة ثم أشار بسبباته
-كلمة كمان وهنسى انك ام مراتي، اللي يعتبر كدا ملهاش حاجة عندي، كدا كل واحد مننا في طريق، بس انا هعمل بأصلي وهفضل معاها لحد ماتفوق وترجع لحالتها ودا كرم مني مش اكتر يامدام
دنى وانحنى بجسده يرمقها بنظرات نارية.
-متفكريش التمثيلية دي خالت عليا، اكيد ترتيبكم جه عليكم بس ربنا عادل واهو الحمد لله مفيش حاجة تربطني بأقذرأيام عشتها مع بنتك
دفعها بيديه وتحرك وهو يهتف بغضب
-وسعي كدا من قدامي وشوفيلك ركن استخبي فيه عشان مطلعش جنان حياتي كله عليكي يااقذر عباد الله
مرت عدة أيام والحال كما هو، حتى ذهب ذات يوم للمشفى عند فيروز، فمنذ عمليتها وافاقتها لم يتقابلا، ولج الى غرفتها وجدها تغفو.
جلس بجوارها لبعض الوقت وهو يطالعها، فبعدما وجد سجلات الكاميرا، واستماع مكلامتها مع والدتها ونيران غضبه تحرقه، يود لو يزهق روحها لماذا فعلت به ذلك، ألم تكن انثى وتشعر بكم الألم الذي تعرضت له جنى
فاق من شروده على صوتها
-جاسر. نصب عوده واتجه إليها
-حمدالله على السلامة يافيروز، عاملة ايه
وضعت كفيها على أحشائها وبكت
-شوفت ابني ضاع مني ياجاسر، نزل بجسده وحاوطها بذراعه.
-دا عقاب عشان اللي عملتيه في الاول، كان ذنبه ايه ابني الأول تنزليه، اهو التاني لحقه، كدا عدل ربنا ياحبيبتي ومش بس كدا، لسة فيه مايصدمك
رمشت بأهدابها وهي تبكي
-فرحان فيا وشمتان هو دا مش ابنك كمان، ليه مش زعلان، دا كله عشان يفضالك الجو مع الست جنى
انحنى مرة أخرى وانفاسه الحارقة على وجهها كادت تحرقها
-فيروز أنتِ طالق.
↚
انحنى بجسده وعيناه تغرز بفيروزتها:
-فيروز إنتِ طالق، عارف اني اتأخرت، بس معلش ملحوقة، متعرفيش إن رب الخير لا يأتي إلا بالخير
قالها ناصبا عودا معتدلا بوقوفه يطالع صدمتها ودموعها التي انهمرت بغزارة
-أكيد بتهزر مش كدا، مستحيل تعمل فيا كدا إنت بتحبني ياجاسر مش كدا، اعتدلت متأوه وتوقفت متجهة إليه
-حبيبي أنا آسفة متعملش فيا كدا لو سمحت، حاوطت خصره ووضعت رأسها على صدره تبكي بشهقات.
-جاسر متمعلش فيا كدا، انت عارف بحبي
تراجع للخلف وأبعدها بهدوء
-فيروز أنا طلقتك، مفيش حاجة هتربطنا تاني، طلع بابا عنده حق، أنتِ متنفعنيش، حياتك غير حياتي
صرخت فيه بقهر:
-قولي بقى أخدت الامر من سيادة اللوا، ماهو أنا بنت المجرم، اللي ابوك اقنعك بكدا، عيلتي كلها مجرمين، إنما انتم طاهرين مش كدا ياحضرة الظابط
ظل واقفا بجموده وكأن كلماتها كالهوا لا تعنيه، فهتف وهو يضع كفيه بجيب بنطاله.
-كل حقوقك هبعتهالك، شقة النيل هكتبها باسمك زي ماكنتي عايزة مؤخرك هيوصلك، كل ماتحتجيه هيكون عندك
دفعته كالمجنون وتناست آلامها تصرخ فيه
-مستحيل، مستحيل تبعد عني ياجاسر، ياتعيش معايا يااما مفيش حياة ليك مع غيري
ولجت والدتها بعد صرخات ابنتها
-مالك ياروزة بتصرخي كدا ليه، ثم اتجهت إلى جاسر
-يعني بقالك اسبوع مختفي ومحاولتش تيجي تشوفها ويوم ماتيجي تخليها تعيط
استدار متجها إلى باب الغرفة.
-انتهينا يافيروز، وياريت تنسي في يوم انك قابلتي واحد اسمه جاسر. وزع نظراته عليها وأردف متهكما
-متخافيش الست ماما هتعرف تنسيكي بسرعة
ذُهلت سحر مما استمعت إليه، فأسرعت تمسكه من ذراعه
-يعني ايه كلامك دا!
رفع نظره لكفيها على ذراعه، ثم إليها وجز على أسنانه ضاغطا عليها
-ايدك، متطاوليش على أسيادك، مش معنى كنت جوز بنت كنت بحترمك، قرفك كله عندي، نفض كفيها كأنها شيئا مؤذي
وأشار بسبابته إليها:.
-لسة محسبتكيش على اللي عملتيه، أفوقلك بس يامدام
قالها وتحرك متجها للخارج
جثت فيروز على الأرض تصرخ باسمه
-جااااسر متسبنيش. اتجهت والدتها إليها
-الواد دا عمل فيكي ايه، فوقي كدا واحكيلي ايه اللي حصل
علي بُعد بعض الكيلو مترات بمشفى اخرى، كانت الجميلة تغفو بالمهدئات وأصبحت كزهرة خريف تبعثرت وريقتها. وبجانبها يجلس ابيها يحتضن كفيها ويطبع قبلة عليه
ولجت نهى إليه:.
-صهيب حبيبي قوم ارتاح، الدكتور منعك من الحركة، لازم ترتاح لو سمحت
نظراته مصوبة على ابنته التي ذُبلت وأصبح وجهها شاحبا، استمع الى همسها باسم جاسر نهضت تصرخ وتضع كفيها على أذنها تنادي باسم مالك قلبها
احتضنها والدها يحاوطها كالطفل الرضيع
-اهدي حبيبتي أنا جنبك، بابا جنبك ياجنى. بكت بصوت تنفطر له القلوب
-بابا احميني يابابا، احميني. دلفت غزل إليهما
جلست بجوارها، تتلاقها من صهيب الذي انهارت قواه.
-جنى حبيبتي. عاملة ايه. تراجعت بجسدها تحتضن نفسها، توزع نظراتها عليهما، ثم وضعت رأسها على حافة الفراش وهمست بدموعها
-قالي استني حبيبتي أنا جايلك، احمي نفسك وانا جايلك، خوفت واستخبيت، قالتها وهي تنظر لأركان الغرفة كأنها تبحث عن أحدهما، فاستأنفت ببكاء كزخات المطر، هو اتأخر وهي سابتني لوحدي، صرخت كتير كتير، بكت بشهقات وهي تنظر لوالدتها
-دورت عليكو، محدش جه وانقذني منهم، نظرت لنفسها وصاحت ببكاء مرتفع.
-قطعوا هدومي، وانا فضلت اترجاه، قالي هتمتع بيكي على سرير ابن عمك عشان احصره عليكي. صرخت ودافعت عن نفسي وضربته يابابا، وناديت على جاسر كتير. قالي كلام وحش. وضعت كفيها على أذنيها وصرخت باسم جاسر كأنها تتعرض مرة أخرى للاعتداء.
-جااااسر. صرخت بها تبتعد عنهم وهي تنظر إليهم بخوف كأنها لا تعرف احد منهم، اقترب صهيب محاولا السيطرة عليها عندما بدأت تمزق وجهها باظافرها، نفسه هنا، امسحوا نفسوا من على وشي، بدأت تمزق وجهها كالمجنون. بكت نهى بشهقات عندما وجدت حالة ابنتها
تحركت غزل سريعا مسيطرة عليها بمساعدة صهيب وقامت بحقنها، رغم ارتجاف كفيها من حالتها التي تدهورت يومٍ بعض يومٍ.
ولج جواد بعدما استمع الى صرخات جنى عندما وصل إلى غرفتها
تحرك سريعا عندما فشل صهيب بحملها بسبب تعبه. حملها عنه ودثرها بالفراش وهي تهذي بكلمات لم تفهم
رفع بصره إلى غزل
-هي هتفضل كدا ياغزل، عايشة على المهدئات
جلست غزل بجوار نهى التي انهارت بالبكاء
ربتت على ظهرها وأجابت زوجها:
-للأسف ياجواد الحادثة كانت صعبة اوي عليها، ومننساش أن جنى أصلا حساسة، وكانت بتتأثر من كل حاجة
نظرت إلى صهيب بأعين تفيض المٍ.
-صهيب لازم تتعرض على دكتور نفسي، مفهاش حاجة عضوية. أطبق على جفنيه
ساعده جواد على الوقوف
-صهيب قومت ليه من سريرك، تعالى معايا. استدار بنظره الى ابنته
-وأسيبها لوحدها ياجواد، طيب لما تفوق ومش تلاقيني هتقعد تعيط وتخاف، دا أنا جنبها وصرخت. انحنى يلمس وجنتيها التي قامت بجرحها
-شوفت عملت في نفسها ايه
صمت للحظات مستندا على جواد
-فين جاسر، اوعى تكون طردته زي ماسمعت ياجواد
تحرك جواد معه للخارج متجها لغرفته.
-صهيب ارتاح، نتكلم بعدين. امسك كف جواد وبعيون ارهقها الحزن والألم
-انا عايز جاسر ياجواد ابعتله هاته. ساعده جواد في التسطح
-نام دلوقتي حبيبي وبعدين نتكلم، جاسر في شغله
وضع له ماسك التنفس عندما وجد تنفسه ضعيف، ممسدا على خصلاته
-ارتاح ياحبيبي حاول تتنفس كويس، سيف جاي هو ميرنا في الطريق بعد ماعرفوا اللي حصل
رفع الماسك وأردف:.
-جواد مش عايزة زحمة، مش عايز بنتي تحس باختلاف في حياتها، كل واحد يرجع يمارس حياته زي الأول والحمد لله انها جت على أد كدا
ولجت مليكة بجوار جواد ابنها
-عامل ايه يا صهيب
هز رأسه ورسم ابتسامة
-كويس ياحبيبتي، مكنش المفروض تسافروا النهاردة، ليه ماسفرتوش
تحركت وجلست بجوار جواد أخيها تربت على كفيه
-حبيبي نطمن عليك وعلى جنى الأول
رفع بصره إلى جواد. احتضنها جواد من أكتافها.
-ملوكة جنى كويسة، وصهيب كويس اهو، سافري حبيبتي ومتشغليش بالك بينا
نهضت غاضبة ونظرت إليهم بحزن
-يعني بتطردوني من حياتكم ياجواد، يعني مش كفاية طردتوا ولادي من ارتباط بناتكم وولادكم، جاين كمان مش عايزني اشاركم وجعكم وحزنكم
ذُهل جواد من حديثها، فنهض متوقفا بإتجاهها وسحب كفيها للخارج عندما ذهب صهيب بنومه
-ليه يامليكة بتقولي كدا، من امتى واحنا بنبعدك، انت شايفة حالة اخوكي ازاي، مش عايزين نتعبه.
انسابت عبراتها وتحدثت بصوت متحشرج من البكاء
-ماهو انت مستخسر فيا اكون جنبكم ياجواد، معتبرني غريبة، دا حتى الغرب موجودين ومتكلمتش
قطب جبينه متسائلا:
-غرب! مين دول
اقتربت تغرز عيناها بمقلتيه
-ريان ياجواد، ريان اللي من يوم الحادثة وهو ملازمكم، إنما لما قولت هبعت لحازم رفضت، وكأن حازم دا مش من العيلة
تنهيدة عميقة بأنفاس حارقة خرجت من جوفه.
-مليكة أنا مش متحمل الضغط دا كله، كفاية تعب اخوكي، ومشاكل عز وجاسر، وجنى اللي يوم عن يوم حالتها بتدهور وانت جاية بتكلميني في ريان وحازم
زفرة محملة بالوجع وأشار على صدره
-هنا نار بتحرق اعصابي، انا ربنا اعلم بحالتي ازاي قادر اقف على رجلي، ابني اللي من اسبوع معرفش عنه حاجة، بعد ماطردته، حتى معرفش لقي مراته ولا لا. وحالة عز اللي مش عارف اسيطر عليه.
امسكها بعنف صارخ.
-انا ببعد عز عن جاسر ياباشمهندسة عشان ميتهوروش ويؤذوا بعض، وصل بيا الحال افرق ولادي عن بعض
أشار إلى غرفة صهيب واستأنف غاضبا
-اللي جوا دا عنده شريان اتقفل خالص ومحتاج عملية في أقرب وقت، ردي عليا وقولي اساند مين ولا مين وانا بسند نفسي بالعافية عشان محدش ينهار، عشان منخسرش اكتر من كدا
ارجع خصلاته بغضب كاد أن يقتلعها وصاح معنفا إياها.
-العيلة بتوقع، وانت مش حاسة بحاجة، مشفتيش عز بيعامل روبي ازاي، مشفتيش اتهاماته لجاسر. اهدي يامليكة مش وقت جواد ولا ريان ولاحتى حازم
قالها وتحرك سريعا.
بعد فترة وصل جاسر متجها إلى غرفة جنى، قابلته غزل على باب الغرفة
-حبيبي انت فين؟ ومراتك فين
كانت عيناه على غرفتها. فتحرك متجها إليها
-هشوف جنى الأول. أمسكت كفيه تهز رأسها رافضة
-نهى جوا، وبلاش ياجاسر، باباك قال ايه، ممكن تبعد حبيبي لما الدنيا تهدى
سحب والدته وأشار بسبباته
-ماما هدخل أشوف جنى، ياريت الكل يتقبل وجودي جنبها. وصل عز وبأعين يتطاير منها الشرر توقف أمامه يدفعه.
-الواد دا بيعمل إيه هنا. أتى للكمه امسك ذراعيه جاسر، ونظر لمقلتيه بتحدي
-أنا عذرك بس هتسوق فيها هدوس عليك ومش هرحمك، اللي جوا دي مش اختك بس، ليا فيها أكتر منك
ثارت جيوش غضبه، فلكمه بقوة
-بتقول ايه ياحيوان. شهقت غزل وهي تضع كفيها على فمها، تحاول أن تفصل بينهما ولكن كان بداخل كل واحد نيران تلتهم الآخر
استمع اليهم ريان الذي خرج من غرفة صهيب
زفر مختنقا، فالوضع أصبح مؤلمًا.
-فيه ايه منك له، مفيش احترام خالص، طيب راعو أننا في مستشفى. اتجه بأنظاره إلى جاسر وتحدث بفظاظة
-جاسر الحكاية مش ناقصة يابني، ووجودك دلوقتي مش مستحب، بلاش نشوف قلبة جواد عليك، فلو سمحت امشي من هنا فورا قبل ماباباك يجي
ثم اتجه إلى عز
-عارف انك مجروح على اختك، بس دا ابن عمها يعني دمها ولحمها، متنسقش ورا غضبك يابني، الغضب نار بتاكل كل اللي يقابلها، وفكر في تعب أبوك
مسد على كتفه وأشار إلى جاسر.
-انتوا قبل ما تكونوا ولاد عم فأنتم اخوات، بلاش شيطانكم يخسركم بعض
-يلا ياجاسر، امشي لو سمحت
-عمو ريان مش همشي غير لما أشوف جنى، هشوفها يعني هشوفها. كور عز قبضته يجز أسنانه
-الواد دا عايز اموته، شوفت ياعمو ريان بتقولي اخوك
فتح الباب ودلف مغلقا الباب خلفه. وكأنه لم يستمع إليهما، أتى ليدلف خلفه امسكه ريان.
-عز خلاص بقى سيبه يشوف بنت عمه، هو معذور انت مش شايف حالته، مرتاح كدا وانت شايف جاسر كدا، دا متأثر اكتر منك، اتلم كدا عشان اليوم يعدي على خير.
بالداخل كانت نهى تمسد على خصلاتها وتقرأ قرآن بجوارها، شعرت بدلوف أحدهما رفعت عيناها. وجدته متوقف على بعد بعض الخطوات.
أشارت بكفيها، تحرك بخطوات سلحفية وعيناه تغشاها الدموع تظلل غيمته وقلب متهمشا من الحزن والوجع، ظل يخطو كطفل يتعلم المشي وهو يبحر بعيناه عليها، جلس بجوارها ثم دنى يطبع قبلة على جبينها، وروحه تأن كوتر مقطوع، دقق النظر بملامحها التي بهتت بالكامل، كور قبضته وشعر بالألم ينخر عظامه نخر عميقا. آهة بألف وجع من قلب متألم
-دي جنى، استدار يطالعها برماديته المغشية بالدموع.
لسة بتنام بالمهدئات
هزت رأسها.
-لسة عايشة على المهدئات. سكنت هنيهة وهي تطالعه بصمت ثم تسائلت:
-معرفتش حاجة على مراتك
طالعها بتردد هو اتخذ قرارا أن لا يعلم أحدًا في ذاك الوقت
نظر للبعيد وكأن هذا الشخص تحول لشخص آخر، وأصبح زاهدا في كل شيئا ورغم صمته وهدوئه، إلا أن عيناه متألمة مجروحة
اتجه بأنظاره إلى جنى
-سقطت البيبي وطلقتها ياطنط، بس محدش يعرف
شهقة خرجت من فمها، تهز رأسها رافضة حديثه.
-ليه يابني كدا، أنا مش مصدقة يكون ليها يد في اللي حصل لجنى متظلمهاش ياحبيبي
انسابت دموع الضعف والألم بآن واحد ولم يستطع تمالك نفسه أكثر من ذلك فانهارت حصونهم وهتف مؤكدا
-مش عشان كدا بس مع إني متأكد، انا تعبان ومش مرتاح، ودلوقتي برجع الوضع لمسيره الطبيعي ياطنط
اتسرعت ياحبيبي كنت ادلها فرصة، مش كل اللي نظنه بيطلع صح. اتجه يجلس بجوار جنى وحاول تغيير الحديث.
-ليه سايبة شعرها كدا، افرض الدكتور دخل، لبسيها حجابها لو سمحتي
ابتسمت وربتت على ظهره
-غيران عليها ياحضرة الظابط ولا إيه
كانت نظراته تبحر عليها
-إنتِ مش شايفة إنها تستاهل الغيرة. اتجهت لأبنتها ثم تحدثت بمغذى
-ايوة طبعا لازم تغير هي دي مش اختك ولا إيه.
جملتها أشعلت حقول النيران بصدره حتى احتل الغضب ملامح وجهه فهتف مزمجرا
-لا مش اختي، ومش عايز اسمع نغمة اختي دي تاني لو سمحتي ياطنط نهى، عشان معملش جريمة، كفاية ابنك المتخلف
لمعت عيناها مع ابتسامة زينت ثغرها. ثم تنهدت متجهة بأنظارها إليه
-وكان ليه من الأول ياجاسر، عمك حاول يفهمك بس. رفع كفيه
-مع احترامي لحضرتك ياطنط ممكن منتكلمش في الموضوع دا
هزت راسها رافضة حديثه.
-دا أهم حاجة لازم نتكلم فيها ياجاسر، ومتنساش أن جنى مخطوبة دلوقتي
زفرة حارة خرجت من جوفه ثم تحدث
-كانت مخطوبة ياطنط، دلوقتي هي مش مرتبطة، وزي ما بيقولوا كدا أنا أولى من الغريب
انفرجت شفتيها مذهولة لا تصدق ما تسمعه، هدأت ثم تحدثت بهدوء
-لا والله. قالتها مع رسم إبتسامة، ثم استأنفت حديثها قائلة
-يعقوب لسة معرفش اللي حصل لجنى عشان هو مش موجود في القاهرة، تفتكر لو يعرف هيسبها
-هيسبها مش بمزاجه اصلا.
شهقة خفيضة خرجت من فمها، تهز رأسها
-لا دا انت فعلا اتجننت زي ماعز بيقول
-طيب ليه تجيبي سيرة المتخلف دلوقتي بس
-بص ياحبيبي أنا عارفة إنك بتحب جنى كأخت ليك، وعمايلك وكلامك دا عشان مشيل نفسك الذنب، خليك زي ماانت ياجاسر، اخوها الحنين بلاش تقنع نفسك بحاجة مش موجودة.
لم يجد مايعبر به عن مايختلج صدره، لقد تعثرت الكلمات عند شفتيه وكأنه لا يعرف التعبير عن مشاعر دفنت بداخله حتى أصبحت كتلة نارية ستنفجر. سكت هنيهة يسحب نفسا ثم زفره ببطئ قائلا
-مش هكدب عليكي وأقولك انا مبحملش نفسي المسؤلية، بس قبل دا كله جنى حد مهم جدا في حياتي، وقبل ما حضرتك تتكلمي كل اللي حصل بسبب جنى.
قطبت جبينها عابسة
-جنى. ليه عملت ايه؟
ارتسم الألم داخل مقلتيه محدقا بها وقبضة حادة تسحق قلبه عندما لاحت ذاكرته لذاك اليوم.
فلاش
-جاسر. توقف مستديرا إليه
-عارف الوقت مش مناسب
بس فيه موضوع عايز اكلمك فيه، عايز اخد قرار وخايف من ردة فعل عز
طالعه منتظر حديثه
-أنا بحب جنى وخايف الموضوع يتفهم غلط
قشعريرة اختلجت كيانه، وتعلقت عيناه بجواد منتظر بقية حديثه والذي أشعر آنذاك بالوجع، وكأن أحدهم صفعه بآلة حديدية حتى فقد توازنه، فاستند على سيارته، وتسائل مهزوز الجسد مندفع النبض
-جنى بنت عمو صهيب، قالها مبتلع ريقه بصعوبة.
أومأ جواد مبتسما
أيوة يابني متعرفش ولا أيه، أنا وجنى على علاقة مع بعضهنا شعر بغصة منعت تنفسه حتى شعر بالأختناق فقام بفتح زر قميصه
فكنت عايزك تكلم خالو صهيب وتفهمه
استدار بجسد مترنح وخطوات متعثرة، يهز رأسه عندما فقد الكلام واستقل سيارته متحركا بسرعة جنونية، ونار العشق تلتهب صدره بل اعضائه بالكامل
توقف بالسيارة على جانب الطريق وهو يكور قبضته بعنف حتى شعر بتلك القبضة تعتصر فؤاده بالكامل، امسك هاتفه.
-جنى إنتِ فين
تسائل بها والغضب المحموم يكاد يندلع من حدقتيه وونفور عروق رقبته. أجابته
-خارجة من الجامعة وعندي ميعاد مع جواد، ليه فيه حاجة
باتت عيناه زائغة ونبضاته تهدر بعنف، فكور قبضته بعنف يجز عليها بأسنانه. أخرجته من حالته عندما تسائلت
-هتروح لغنى المستشفى، لو هتروح نتقابل هناك
-إن شاء الله. هقفل عندي شغل. قاطعته صارخة
-كنت عايز حاجة!
-لا. قالها وتحرك بالسيارة متجها إلى المشفى، وصل بعد قليل قابله ياسين
-جاسر كنت فين بتصل بيك مبتردش
-فيه حاجة ولا ايه؟
همس له
-البنت اللي في الشقة الدادة بتقول رافضة الأكل وبتسأل عليك. فاق من ذكرياته على صوت نهى:
-جاسر عمك صهيب كان بيسأل عليك، يبقى عدي عليه، وبلاش تطول عند جنى عشان عز وباباك
اومأ برأسه، نهضت متحركة للخارج. تراجع بجسده على المقعد وهو يرسمها بعينيه
انحنى قائلا.
-عارفة لو حاسة برجفة قلبي اللي حاسس بيها دلوقتي كنتي قومتي وضحكتي قولتي
-قاعد كدا ليه ياجاسورة، عندي وجع يكفي العالم كله ياجنى
-ليه عملتي فينا كدا، طب بدل ماحبتيش جواد، ليه قولتي انك بتحبيه وفجأة رجعتي في كلامك، طب لو فعلا عشان استقل بيك قدام الناس، دا سبب يخليكي تكرهيه. هتجنن يابنت عمي والأسئلة دي بتضرب عقلي، وكل ماأسألك تقولي نصيب
انحنى مقتربا منها أكتر.
-موضوع يعقوب بتلعبي بيه ليه جنى، قصدك ايه من الحركة دي، ماهو متقنعنيش انك بتحبيه، تبقي هبلة ومتعرفيش أنا حافظك اكتر ماانت حافظة نفسك
احتضن كفيها يلثمه، ثم ربت عليه وتحدث إليها كأنها تستمع إليه
-هروبك بخطوبة يعقوب مالهاش غير تفسير واحد يابنت عمي، ولو فعلا الموضوع كدا، هنزعل من بعض جامد، وهعاقبك جامد أوي ياجنى، صدقيني على أد حبي ليكي على أد ماهيكون عقابي انك بتهربي مني بخطوبتك.
تنهيدة عميقة غادرت ضلوعه حتى شعر بتكسرها فتحدث بأسى:
-هنتعاقب كتير اوي ياجنى، وشكلنا هنتعب مع بعض، بس متخافيش عقابك هيكون جوا حضني، انحنى وهمس بجوار أذنها
-اتأكد بس من شكوكي وصدقيني وقتها محدش هيرحمك مني، حتى قلبي دا مش هيشفعلك.
ولج عز يدفع الباب بغضب
-ايه القعدة عجبتك ولا إيه ياحضرة الظابط. لم يعريه إهتمام وانحنى يطبع قبلة على وجنتيها أمام عز، الذي ثارت جيوش غضبه فجذبه بعنف للخارج
-انت عايز ايه يلا، عايز توصل لأيه
انزل يد عزبهدوء مستفز وهو يرمقه بتحذير فهتف بهدوء رغم حزنه منه
-انا لحد دلوقتي بتعامل معاك على أساس الأخوة ياعز، بلاش تخليني أفقد اعصابي عليك
لكمه عز بوجهه، رد عليه جاسرلكمته.
-مالك ياحيوان منك له، ايه شغل الأطفال بتاعكم دا، مفيش احترام خالص
دفع جواد عز بكفه بعيدا، ثم اتجه لأبنه
-ايه اللي جابك، أنا مقولتلكش متجيش. نكس رأسه أسفا وقال بألمًا يعتصر ماتبقى من روحه المعذبة
-هفضل منفي لحد امتى، مقدرتش ابعد اكتر من كدا يابابا، رفع بصره لوالده وهتف
-جاي اصحح اخطائي. أشار بكفيه إلى ممر الخروج
-امشي ياجاسر من قدامي دلوقتي، انا لسة محسبتكش، لكزه بصدره وأشار بسبباته.
-خليك فاكر أنك متحسبتش لسة، امشي دلوقتي من قدامي مش عايز أشوف وشك
ابتلع ريقه بصعوبة واختلج صدره بالذنب فتحدث
-بابا أنا جاي وطالب السماح، ومستعد لأي عقاب
شعر ببعض تأنيب الضمير بعدما لمح الألم بعين أبنه، هو يعلم أنه يضغط عليه، ولكنه اضطره لذاك عندما لم يستمع إليه منذ البداية
رسم قناع بارد على ملامحه يعكس غليانه القابع بصدره فتحدث دون نقاش:
-بعدين نتكلم اطمنت على بنت عمك خلاص امشي
وصلت نهى إليهم.
-جاسر عمك صهيب عايزك. اومأ ثم نظر لوالده حتى يشفع له ولكنه استدار يواليه بظهره. تحرك متجها إلى غرفة عمه، بينما اتجه جواد إلى عز وامسكه بعنف من ذراعه
-من امتى وانت عدواني وحلوف كدا يلا، هتتلم ولا ألمك انا
تسارعت انفاس عز محاولا السيطرة على أعصابه فرفع رأسه لعمه
-قولي حضرتك ياعمو، لو واحدة من بناتك أنا عملت فيها كدا، هيكون رد فعلك ايه.
دفعه جواد بعيدا عنه بحركة قاسية مليئة بالنفور، وأشار بسبباته متوعدا
-اغلط ياعز، اغلط كمان، جنى دلوقتي مش بنتي وانت مش ابني. لكزه بقوة ارتد من خلالها عز للخلف والغضب تلون بملامح جواد وامتزج بنبرة صوته الفظة
-انا كنت عاذرك وقولت مصدوم بس هتستهبل هخليك تكره نفسك
انكمشت ملامح عزباعتراض تجلى في نبرته:
-دا كله عشان قولت لابنك ابعد عن اختي
-ابن مين يلا. هو دا مش اخوك، حاولت غزل التدخل.
-جواد أهدى، متنساش ضغطك لو سمحت
لم ينظر إليها ولم يهتم ب حديثها، وصل إليه يمسكه من تلابيبه
-انت عملت اكتر من كدا ياحيوان، فمتفكرش نفسك برئ، كانت عين جواد تلقي اليه سهاما مشتعلة فستأنف بقسوة
-متعمليش ملاك، عشان مدوسش عليك، دفعه بقوة واستدار ليتحرك. كانت تقف والدموع تنساب على وجنتيها في اشتداد الحوار بين والدها وزوجها
اتجهت إليه بعد مغادرة والدها. توقفت أمامه.
-عز. متزعلش من بابا وجاسر، انت لسه مُصر إن جاسر أذى جنى
تلاقت عيناه بعينها وتعالت أنفاسه الحارقة بنيران الغضب المنبعثة منه بعد حديث جواد
-عشان اخوكي حقير يادكتورة، اخوكي ساب اختي وراح اتجوز واحدة معندهاش ضمير كانت هتضيعها، ايه الغل والحقد دا كله، مسح على وجهه بعنف ثم رفع بصره إليها وألقى عليها حديثه الذي جعل جسدها ينتفض
-والله لأندمه واحرق قلبكم عليه، على أد وجع وانكسار اختي لازم اكسرك ياجاسر.
قالها وتحرك مغادرا وخطوايه تأكل الأرض كالنيران التي تلتهم القمح.
بالداخل عند صهيب
دلف جاسر وهو منكس الرأس، وجسده يرتجف ألمًا وحزنا على عمه
خطى بخطى سلحفية يقدم قدما ويتراجع بالأخرى، وعيناه على عمه الذي رفع نظره يطالعه بصمت
وصل إليه وظل واقفا وكأنه صم بكم لا يعلم كيف الحديث
لوى صهيب شفتيه ساخرا ثم تحدث:
-دا ايه الادب اللي نزل عليك فجأة يابن جواد. رفع نظره لعمه وتعلقت عيناه المتألمة بعين صهيب المتسامحة.
-آسف. قالها بكل ندم من قلبه، ثم انحنى بأحضانه عندما رفع صهيب ذراعيه إليه
-تعالى ياأهبل يابن العبيطة
ألقى نفسه بحضن عمه وظل يبكي بشهقات مرتفعة وهو يهمس بصوت متحشرج بالبكاء
-مكنش قصدي نوصل لكدا، مكنتش اعرف والله ياعمو، صدقيني لو اعرف نصيبي هيكون كدا مكنتش حاولتاحتضنه صهيب يربت على ظهره قائلا:
-متحملش نفسك فوق طاقتها ياحبيبي. دا كله قدر ومكتوب.
آه حارقة خرجت من جوف جاسر وهو يبكي بحرقة ونبض قلبه ينتفض بأنين
-قولي آدوي الجرح ازاي ياعمو، والجرح عميق مالوش دوا ياعمو
أخرجه صهيب من أحضانه محتضنا وجهه يزيل دموعه بأنامله
تواصل بصريا بينهما مع بكاء جاسر وضعفه أمام صهيب، أطبق صهيب جفنيه بقوة يعتصره، ثم فتح عيناه قائلا:
-جاسر. انسى كل اللي حصل، نهى حكتلي على اللي حصل معاك، عايزك متزعلش من عز وأبوك
أشار للمقعد بعينيه
-اقعد عشان كلامنا هيطول.
جذب المقعد وجلس بجوار عمه. ران صمتا بالمكان لبعض الوقت حتى قطع الصمت صهيب
-بتحب جنى ياجاسر؟
انحبس النفس بصدره، حتى شعر بإنسحاب الأكسجين من المكان ونبضاته تتسارع، طال النظر لعمه بالصمت وعقله يأبى البوح بما يشعر به، وقلبه يشير بالبوح بكل مايشعر به، فالقلب يعشق بكل جوارحه حتى أصبحت حياته مرتبطة بعشقه لها، وهذا ما علمه بعد حادثتها الذي تمنى موته حينها لا محالة
حمحم صهيب حتى يقطع صمته ثم تسائل:.
-لدرجة دي السؤال صعب يابن اخويا
اشاح بوجهه بعيدا عن عمه عندما انسابت دموعه فهتف بهدوء رغم نيران عشقه
-حياتي بجنى زي القلب للجسم ياعمو، عايز تموتني أبعدها عني. مش هقولك غير كدا. قالها بنبرة شجية حزينة خرجت متمزقة بلهيب العشق
تنهيدة مؤلمة اخرجها صهيب على ماوصل الحال إليه.
-اسمعني ياجاسر كويس، وافهم معنى كلامي ياحبيبي، انا بقالي يومين بفكر لحد ما وصلت للحل اللي هقولك عليه، بس اوعدني الأول الكلام دا يفضل بينا سر، وحاجة كمان لازم تفهمها
وعدك هتتحاسب عليه لو منفذوتش
أومأ برأسه منتظر حديثه
سحب نفسا ببطء عندما شعر بإختناق تنفسه ثم تحدث بصوت ضعيف
-انا هدخل عمليات بعد يومين، ومش عارف هطلع منها ولا لا
-الف سلامة عليك ياعمو، وسامحني انا السبب في وجع قلبك.
ابتسم صهيب بخفوت واستأنف حديثه:
-سبني اكمل، عارف إنك السبب في دا كله، عشان لو سمعت كلامي من الأول مكناش وصلنا لكدا، بس برجع وأقول كله قدر ومكتوب ياحبيبي. انا اتكلمت مع باباك امبارح وهو رافض اللي هقولك عليه، ومسبليش خيار تاني، لازم اطمن على جنى
لأحظ جاسر ارتجافة طفيفة بجسد عمه، فجذب كفيه يربت عليه.
-هعملك كل اللي تؤمر بيه ووعد، لو عايزاني ابعد عن جنى، اوعدك مش هقرب منها، المهم متزعلش مني، ومتفكرش كلامي لعز تهديد، انا كنت مضايق وبسكته وخلاص
رفع صهيب كفيه المرتجف، وصفعه بخفة على وجنتيه
-اسكت ياحمار، بطل هبل، انت بتفكرني بأبوك زمان، اللي عايز افهموهولك ياحبيبي متدفنش اي مشاعر جواك، سواء حب او غضب.
صمت لأخذ أنفاسه، شعر بتقطع نفسه، فأمسك الماسك التنفسي ووضعه على وجهه لبعض الدقائق، وجاسر يتابعه بأنظاره الحزينة.
بالإسكندرية وخاصة بمنزل بيجاد وغنى
ولج إلى منزله بعد يوما شاقا من العمل. هرولت إليه على الدرج
-بيجاد اتأخرت ليه
رفعها من خصرها ثم طبع قبلة على وجنتيها
-معلش حبيبي كان عندي كام اجتماع كدا
سحبته من كفيه بعدما نادت العاملة
-خدي شنطة البيه دخليها اوضة المكتب، وجهزي الغدا.
-تحت أمرك يامدام. قالتها العاملة وغادرت
جلس على الأريكة يتمدد بجسده يضع رأسه على ساقيها. مسدت على خصلاته
-قوم خد شاور عشان تتغدى، وبعد كدا ارتاح
اغمض عيناه ثم تحدث
-غنى اعمليلي مساج، حاسس دماغي هتتفجر. انحنت بجسدها تطبع قبلة على خاصته ثم غمزت بعينيها
-يعيني على الحلو لما تبهدله الأيام. اعتدل يقهقه عليه، ثم جذبها حتى جلست بأحضانه
-لا حبيبي شمتان فيا
رفعت حاجبها بسخرية.
-أيوة شمتانة، وفرحان كمان، ثم انكمشت ملامحها بألم وتبدل حالها
-مش قولت هنسافر القاهرة النهاردة، قلبي وجعني على جاسر اوي
حملها متجها للأعلى
-اديني يومين بس حبيبي اخلص الاجتماعات المركونة عندي، وهننزل، أنا أقدر ارفض لغنايا طلب
حاوطت عنقه ثم وضعت رأسها على صدره
-بيجو حبيب قلبي بعشقه اوي أوي
-أيوة يابنت جواد طول ماانا بنفذ أوامرك بيجو وحبيب قلبك ووقت لما أقولك لا
يامفتري يامنحرف يادكتاتور.
ارتفعت ضحكاتها الناعمة وهي تهز ساقيها
-ابدا ابدا انت ظالمني، انزلها بهدوء يغمز بعينيه
-هشوف دلوقتي ياغنون الدكتاتوري هتعملي معاه ايه
نظرت حولها ثم جحظت عيناها متراجعة للخلف
-جايبني هنا ليه يابن المنشاوي. ارتفعت صوت ضحكاته وهو يضرب كفيه بالأخرى
-مش بقول بتقلب بسرعة
جذبها بقوة ثم حاوطها بذراعيه
-الست اللي بتدخل الحمام مع جوزها بتعمل ايه، قالها غامزا بعينيه
رفعت ذراعها تحاوط عنقه ثم هتفت مازحة.
-بيغسلوا سيراميك الحمام ياحبيبي
انحنى يضع رأسه بتجويفها
-وأنا عايز اغسل السيراميك ياغنايا. تسمرت بوقفتها محاولة الفكاك من قبضته
-بيجاد وسع كدا. حملها مرة أخرى وولج لداخل كابينة الحمام
-والله مايحصل ابدا
عند ربى وعز
بعد عدة ساعات ولج الى غرفته كانت تجلس بالشرفة تنظر للخارج بشرود، ويظهر على ملامح وجهها الحزن
شعرت بوجوده، استدارت تنظر إليه بصمت. سحب نفسا وزفره بهدوء ثم اتجه إليها.
-قاعدة كدا ليه. نهضت متوقفة أمامه
-هجهزلك الغدا. قالتها وتحركت ولكنه عرقل مشيها بالوقوف أمامها، سحب كفيها واتجه بها إلى الفراش
-اقعدي لازم نتكلم. شعرت بقبضة تعتصر قلبها ولا تعلم لماذا، ناهيك عن شعورها السيئ الذي يقتنص روحها
رفعت عيناها الرمادية التي يغطيها طبقة كرستالية من الدموع
-لو هتقول كلام يزعلني ياعز، بلاش تتكلم لو سمحت، استنى لحد ماتهدى، بلاش تنساق ورا غضبك وبعدين نخسر حاجات منعرفش نرجعها تاني.
ابتعد ببصره عن عيناها الحزينة وهتف
-روحي اقعدي اليومين دول عند باباكي، انا الأيام دي مجروح وممكن اجرحك معايا. قالها ونهض متحركا
نظرت بذهول لظهره الذي ولاها إياه فهمست بتقطع
-بس أنا مش عايزة ابعد عنك ياعز. كور قبضته واستدار إليها بلهيب غضبه
-هتقدري تقاطعي اخوكي، هتسمعي الكلام لو قولتلك انسي أن ليكي اخ اسمه جاسر
بعينين متسعتين هتفت بذهول
-أكيد انت مجنون مش كدا، ايه اللي بتقوله دا، عايز تحرمني من اخويا.
أشار عليها ساخرا
-شوفتي يادكتورة، اهو قولتي عليا مجنون، ياكدا ياتروحي بيت ابوكي قالها وتحرك مغادرا
هوت جالسة على الأريكة عندما شعرت بدوران الأرض تحت أقدامها، انسابت عبراتها تهمس
-لدرجة دي ياعز. تبعني انا
مرت عدة أيام
ذات مساءٍ وصل للمشفى، صعد لغرفتها وجد يعقوب يجلس بالخارج بجوار عز
ولج للداخل دون حديث، نهض عز خلفه، وجده يحمل جنى متحركا بها للخارج
-انت بتعمل إيه يلا. ركله بقوة حتى تراجع للخلف قائلا:.
-ابعد عني عشان مزعلكش، وهوديها لدكتور تاني، ثم تحرك متجها بها للأسفل، قابله جواد الذي يخرج من غرفة العناية
-واخد بنت عمك على فين. احتضنها يوزع نظراته بينهم، ثم تحدث إلى والده بهدوء، رغم نيران قلبه
-بابا لو سمحت خليني امشي جنى لازم دكتور نفسي يشوفها غير دا، من فضلك متمنعنيش عشان معملش حاجة تزعلكم، صفعة قوية على وجهه، ثم تلقى جنى بين ذراعيه، هاتفا بغضب.
-وريني كدا هتعمل ايه يزعلني. توقف متسمرا بمكانه ينظر لوالده الذي دلف بها للغرفة، استمع الى عز
-احمد ربنا أن ابوك انقذك مني. اتجهت نهى إليه
-جاسر امشي دلوقتي وخليك اد وعدك ياحبيبي. ياريت تشغل دماغك شوية ياحضرة الظابط
.
فتحت الجميلة عيناها تنظر حولها بذهول تكتشف أين هي، اعتدلت تنظر لثيابها التي بدلت حاولت التذكر ولكن لم تستطع كأنها أخذت حبوب فقدان الذاكرة. استدارت تنظر لذاك الكومودو، وجدت به تلك البطاقة، وبجانبها هاتف
فتحت البطاقة وقرأت مابداخلها
عشقي لكِ
يشبه الادمان اعلم أنه مؤذي ولكن راحتي فيه••
متل المطر يصيبني بالبرد ولكني مغرمة به
#جنى الألفي
قطبت جبينها ثم اتجهت للهاتف و.
جذبته ثم فتحته، لم يوجد به سوى رقمٍ واحد
قطبت جبينها متسائلة
-رقم مين دا؟ وأنا فين. المذهل أن صورتها على الهاتف
امسكته بيد مرتعشة وهاتفت الرقم الذي يسجل
كان هناك في تلك الغرفة يستند بساقية الموضوعة على المقعد وهو يشاهد ذاك المكبل من ذراعيه وأقدامه ويوضع بأسفله تلك النيران التي تشتعل أسفله وهو يصرخ، ووجهه الذي تشوه بالكامل بتلك المادة الحارقة.
جلس ينفث تبغه بإستمتاع من صرخاته وهو يراقبه بصمت لبعض الوقت. ألقى سيجاره واتجه إليه يجذبه من خصلاته بقوة قائلا
-لسة لسانك عايز اقطعه عشان كلماتك القذرة تحرم تطلعها على أي بنت. قالها وهو يلكمه بقوة بوجهه حتى شعر بكسر أنفه
استمع الى صوت هاتفه، أخرجه ينظر لتلك الصورة التي أنارت هاتفه فهتف
-صباح الورد. قطبت جبينها متسائلة
-انت مين. قهقه عليها واردف مازحا.
-انا اللي متصل ولا إنتِ، أكيد واحدة حلوة بتعاكس واحد حلو زيي
-جاسر. همست بها وهي تنظر حولها بذهول. توقف وهو يستمع الى لحن اسمه بنبرتها الشجية التي أرسلت إلى روحه ملاذا ككأس خمر ليتخدر ويجعله بحالة سكر بعشقها فقط
أجابها بنبرته الهادئة التي تخصها وحدها
-عيون جاسر. وكأنها لم تستمع إلى حديثه فتسائلت
-انا فين ياجاسر، وايه المكان دا.
ارجع خصلاته المتمردة على وجهه وآهة ابلغ من أي رد وروحه تعانق قلبه وهو يجاوبها
-انتِ في قلبي ياجنجون، نص ساعة وأكون عندك حبيبي متخافيش، مفيش غير قلبي اللي عندك ودا عمره مايأذيكي.
↚
أبتسمتُ بغرور، حينما سألني
ألم تعرفين ماذا فعلتِ بي؟
منْ أنتِ، وماذا أقول عنكِ؟
وقفت بشموخ واجابته: إذا سألوك عني، قل لهم هي الفتاة الوحيدة التي أدمنتني وأنا كسرتها، فعدت لها راكعا مذلولا
رفعت يدي إليها
-هل تقبلين اعتذاري مهلكتي
قبل شهرا
جلس بجوار عمه حتى انتظم تنفسه، احتضن كفيه ثم قبله
-حبيبي ياعمو آسف، والله ماكنتش أقصد أبدا
ربت صهيب على كفه.
-اسمعني ياجاسر، انا كنت متأكد من حبك لجنى بس محبتش افرضها عليك يابني، وقولت خليه يعيش حياته. ابتلع غصته عندما تذكر وجع ابنته فاسترسل
-جنى عندي أغلى من نور عيوني، مش هخبي عليك لما حسيت بعد جوازك انك بقيت تقرب منها أنا كنت بضايق وبحاول أبعدها عنك، وخاصة لما عرفت أن حياتك مع مراتك مش طبيعية
سحب نفسا وزفره بهدوء ثم استأنف.
-جواد لما لعب ببنتي انا اضايقت لدرجة فضلت مقاطعه شهور، ولما طلبت منك تخطبها كنت اتمنى، بس انت وقتها عملت ايه، زعقت وثورت وقولت انا بحب واحدة وجنى اختي، برغم نظراتك ليها كانت نظرات عاشق، وحاولت اقربكم وافهمك أن دي اللي بتحبها، لكن حضرتك طلعتني غبي، والباقي انت اكيد فاكره
احتل الألم ملامح جاسر، وتكونت العبرات بجفنيها، فسحب بصره بعيدا عن عمه هامسا.
-وأنا محبتش افرض نفسي عليها، محبتش اعرفك اني بحبها عشان متجبرهاش عليا. اتجه ببصره لعمه وهتف
-هي جت وقالت لي بحب جواد، كنت هترضالي اتجوز واحدة وقلبها مع واحد تاني، لا ومش أي واحد دا يعتبر اخويا
ارتسم الألم والحزن بآن واحد واستأنف
-اول حاجة كانت هتتقال من عمتي، جواد وصهيب بيموتوا ولادي، حتى بعد معرفتهم بحب جنى لجواد. شعر بقبضة تعتصر فؤاده وهو يتذكر ثم نظر لعمه.
-قولي كنت اعمل ايه وانا شايفها فرحانة بحب جواد، كان لازم ابعد عشان مكسرش حد ياعمو، في الوقت دا طلعتلي فيروز، منكرش مجذبتنيش، لا بالعكس انجذبتلها جدا، لدرجة حسيت أنها دوايا اللي كنت بدور عليه
نهض واتجه إلى النافذة حتى يسحب بعض الهواء إلى رئتيه
-تعرف ياعمو اصعب احساس على الراجل ايه، لما تكون بتحب واحدة وتحس انها حياتك كلها، وتكون هي ملك لغيرك ومتقدرش تمانع
استدار واتكأ بجسده على الجدار وعقد ذراعه.
-فيروز قربت منها والصراحة البنت كانت جميلة وماصدقت اني أنقذها من الوحل اللي هي فيه، يعني انا كنت منقذ ليها وهي انقذتني من وجع قلبي
تحرك متجها إليه وجلس وانحنى بجسده يضع يديه على صدره
-اه دا بدأ يتأقلم على حب فيروز، انبهار ياعمو، شوفت المسكن، اهو فيروز كانت مسكن لدرجة مكنتش بحس بالوجع، عدت شهور واتأقلمت على حياتي، ورضيت بالأمر الواقع لحد ماجه كابوس حياتي وان جنى محبتش جواد ومجرد علاقتهم كانت عابرة.
لوح بكفيه وأشار على قلبه
-طب ليه، ليه تعمل كدا!
أشار صهيب بعينيه
-دا تسألوهلها لما تفوق، انا مش هتكلم كتير ياجاسر، وأقول مين منكم غلطان، دلوقتي انا مش موافق لراجل غريب لبنتي بعد اللي حصلها، معرفش ممكن بعد كدا يقولها ايه، مفيش قدامي غير قرايبها، دول اللي اقدر احميها بيهم
ترقرقت عبراته وهو يبتعد بنظره عن جاسر واستأنف بقلب اب مكلوم.
-يوم ماكلمتني انا قولت لأبوك مستحيل اخلي بنتي زوجة تانية، وبعد اللي حصل لجنى مش قدامي غيرك انت وأخواتك وابن حازم، ماهو ياحبيبي مهما تقسو عمركم ماهتقسو زي الغرب
اكمل متحاملا على نفسه
-ياسين اصغر من جنى ودا استبعده، أوس حبه لمراته مستحيل اوجع بنت ريان، البنت بريئة وملهاش ذنب
مفيش غيرك انت وجواد، وطبعا جواد جنى مستحيل توافق عليه، وانا مستحيل أجبرها على حياة توجعها اكتر ماهي موجوعة.
باغته بنظرة مطولة حتى انسابت عبراته واستأنف
-هتقدر تحمي بنت عمك ياحضرة الظابط وتحميها بقلبك، هتقدر توقف قدام مراتك لو جت على بنت عمك
أنهى كلماته وظلت نظراته تبحر فوقه، منتظر رده
جلس جاسر بجوار عمه وتنهيدة مرتعشة من عمق آلامه
-انا مش هتكلم عن كلام حضرتك اللي قولته دلوقتي، لسبب واحد بس مكنتش هوافق على جواد ولا غيره، دي حاجة، الحاجة التانية اني طلقت فيروز، يعني لا فيروز ولا غيرها هتقدر توجع جنى.
اومأ صهيب برأسه ثم تحدث
-مراتك مالهاش ذنب ياجاسر، اللي حصل لجنى هي مالهاش ذنب فيه ياحبيبي بلاش تاخد ذنب بسببها. منكرش البنت اتغيرت، بس لو قعدت مع نفسك هتلاقي انت السبب، أي ست لما تحس ان جوزها بيهتم بواحدة غيرها بتتجنن، تخيل بقى حضرتك روحت قولتلها انك بتحب جنى، مستني منها ايه ياحبيبي تطبطب عليك، بلاش تظلم يابني عشان متلاقيش اللي يظلمك، مسألتش نفسك ليه البنت اتغيرت.
فتح فمه للحديث، أشار له صهيب بعدم مقاطعته
-هترجع مراتك وتخيرها لو هتقبل الوضع ولا لا، وكمان جنى لما تخف هتسألها هتقبل الوضع ولا لا، وقتها هي الوحيدة اللي هتاخد قرار تكمل معاك ولا لا ياجاسر
صمت ران بينهما لبعض الوقت قطعه صهيب
-الليلة هتجيب المأذون بس اخر الليل بعد مالكل يروح، مش عايز حد يعرف بالأتفاق اللي بينا، لحد ماجنى ترجع جنى. وقتها الاختيار ليها ياجاسر
زفرة بهدوء من جوفه المتألم وأشار بسبباته.
-هتكتب على جنى اه، بس هتفضل بنت عمك لحد ماهي اللي تختار حياتها، فهمت قصدي ياحضرة الظابط
ابتسامة شقت ثغره اخيرا، شعر حينها أنه وصل لأرض خصبة بعد سنين عجاف. كان يراقبه بأنظاره الصقرية، فقطع ابتسامته
-هو انت مبتفهمش يلا، بقولك هتفضل بنت عمك، يعني من الاخر الورقة دي منعا للحرام مش اكتر، وإياك يابن جواد تلعب بديلك
قهقه اخيرا وصوت ضحكات قلبه قبل فمه، فهز رأسه لعمه
-ماوعدكش ياصهيوبة، بس ابعد عز المتخلف عني.
ربت على كتفه وتنهد بهدوء
-اعذره ياحبيبي، جنى بنته قبل ماتكون اخته، المهم سيبك من عز وروح راضي مراتك الظلم وحش يابني
ابتسم بتهكم واجابه: -وحياتك ياعمو انت مخدوع فيها، اصلك متعرفش اللي اعرفه
تنهيدة عميقة أخرجها صهيب فأجابه
-البنت مظلومة ياجاسر، بلاش تشيل ذنبها، قرب منها واعرف ايه اللي غيرها، انت قلبك عميك عنها عشان مرتبط بغيرها، شايفها شيطان علشان مبتحبهاش.
انحنى جاسر ينظر لمقلية عمه واردف: -عايز توصل لأيه ياصهيب، هات من الاخر، مبحبش اللعب، فيروز مرحلة وانتهت، ومستحيل ارجعها تاني، انا ممكن اساعدها تبعد عن الوحل اللي حضرتك بتقوله بس بعيد عني، تراجع بجسده ومازال هناك حرب النظرات فاستأنف.
-عارف أنها مظلومة في بعض الحاجات، بس دي اهانت اخواتي قدامي ورغم عملتلها حساب الا أنها اتماديت واتكلمت مع بابا بأسلوب مش كويس، تقدر تقولي دا ليه، رغم كلهم كانوا بيعاملوها باحترام
أشار بسبباته وأكمل
-قبل كل حاجة، انا مظلمتهاش ياعمو، بالعكس انا جيت على اخواتي وابويا عشانها، حتى جنى نفسها عديت اهنتها ليها علشان قولت مراتي، تقدر تقول ايه اللي يوصل الست أنها تسقط جنينها من غير ماتعرف جوزها أنها حامل.
كان يتحدث بأنفاس مرتفعة مع مشاعر غاضبة التي أشعلت نيران صدره كلما تذكر بما فعلته، ثم استأنف قائلا: -انا هفضل معاها ومش هسبها ياعمو، مش علشان حضرتك قولت كدا، لا، علشان هي خسرت كل حاجة، وعلشان امها العقرب دي عارف أنها السبب في كل اللي حصل، بس من غير مايربطني بيها حاجة.
سحب نفسا ودفعه مرة واحدة وأحس بضربة غليظة كلما تذكر ما فعلته وصمته على أفعالها أكمل حديثه: -عمري مافكرت أظلمها والله ياعمو، دا انا ظلمت نفسي ومظلمتهاش، المهم سيبك من فيروز، أنا عارف هعمل ايه، قولي ازاي هكتب كتابي على جنى وهي مش حاسة بحاجة، ازاي هتعمل كدا
ربت على كتفه وتحدث.
-هات المأذون وتعالى زي ماقولتلك، وبلاش تحتك بعز نهائي، وإياك يعرف حاجة، عز ابوها قبل مايكون اخوها، وانت دلوقتي المسؤل الاول قدامه على اللي حصل لجنى
انحنى يطبع قبلة على جبين عمه ثم تحرك متجها للخارج، ولكنه توقف عندما استمع إلى حديث صهيب
-جاسر، زي ماهتاخد جنى هترجعها، اظن كلامي واضح
ابتسم لعمه واومأ برأسه
-أنا تربية جواد الألفي ياعمو، قبل ماأكون عاشق لبنتك
ضحك صهيب بصوت.
-عاشق مرة واحدة يابن جواد، مش هنتعاتب تاني، المهم راحة بنتي ياجاسر، وانا عايز أبعدها عن الكل لحد ما ترجع جنى، هتاخدها لدكتور هقولك عليه بعد ما تكتب عليها، لو ليا عمر وقابلتك بعد العملية عايز اشوف ضحكة جنى زي الأول، أما لو ربنا اخد امانته، يبقى هسألك عليها يابن اخويا يوم الدين، تراجع بخطواته لعمه، ثم ضمه
-بعد الشر عليك ياحبيبي، إن شاء هتخف وهتشيل ولادنا كمان.
رفع صهيب حاجبه بسخرية مردفا: -انت اتجوزتها وخلفتوا كمان، طب اضحك عليا واتكسف مني ياخويا
قهقه جاسر حتى ظهرت مياه عيناه متحدثا
-ماانا وعدتك اهو لحد ماتخف، بعدها ماتسألنيش عن حاجة.
لكمه بخفة هاتفا: -امشي يلا قبل مااغير رأيي، هو مفيش حد فيكم محترم خالص. تحرك وهو يقهقه على عمه حتى أغلق الباب خلفه. توقف مستندا على باب الغرفة وقبضة قوية مؤلمة شقت فؤاده، الهذا الحد أذى عمه وابنته، كيف سيواجه والده وعز بعد ذلك، هل سيظل على وعده مع عمه أم أنه سيخون الوعد ويحادث والده.
خرج من المشفى وهو خائر القوى، لا يعلم ماذا عليه فعله، هو يعشقها ولكن لا يريد ذاك الحل، لا يريد خلل العائلة، ماذا سيفعل والده بعد فعلته
تنهيده حارقة خرجت من جوفه تلتهمه كالنيران التي تلتهم كل شيئا، ذهب ببصره لجلوس ربى بشرود، كانت جالسة بذهنا شاردا، تحرك متجها إليها. جلس بجوارها ثم تحدث
-روبي قاعدة كدا ليه ياحبيبتي. استدارت بنظرها إليه.
-كنت بتحب جنى ورحت اتجوزت فيروز، طب ليه تعمل كدا. تكورت الدموع بعيناها، حتى فقدت الرؤية
-ليه توجع قلبك وقلوبنا كلنا، فهمني لو سمحت، ازاي قدرت تعمل كدا
صمتت لبرهة تتأمل الامه فوق ملامحه، وجدته يتنهد متألمتا
آهة حارقة خرجت من جوف حسرته، اعتدل يجذب أخته لأحضانه ثم طبع قبلة على جبينها.
-فيه حاجات مبنعرفش قيمتها غيرلما بنخسرها، انا وجنى حكاية غريبة أو بمعنى أدق، حبي ليها حب مدفون مكنتش هعترف بيه لولا اللي حصل. رفع نظره لأخته وأكمل مستأنفا
-حبي ليها حب لاذع ياروبي، يعني لا عارف اقرب ولا ابعد، ولا اتكلم ولا اسكت. في الاول والاخر نصيبنا نبعد عن بعض ونصيبنا نقرب من بعض تاني.
نظرت إليه غير مستوعبة حديثه متسائلة: -جاسر انت كدا بتوجع الكل، ذنبها ايه جنى تخرب حياتها، وفيروز رغم اختلافي ليها بس مرضاش انك تخونها
ضيق مابين حاجبه مستنكرا حديثها: -اخونها! ايه الكلام الكبير دا ياروبي. استدارت بكامل جسدها ونظرت لمقلتيه.
-قولي ياجاسر لما الراجل يفكر في واحدة وهو متجوز دا تسميه ايه ياحضرة الظابط. له معنى غير الخيانة، ازاي احترم جوزي وهوقلبه مع واحدة تانية، انا دلوقتي عذرت فيروز في كرهها لجنى، بس السؤال هنا جنى كانت عارفة بحبك دا ورغم كدا كانت بتتعامل معاك عادي
نهضت من مكانها وهي غاضبة. امسك كفيها
-ربى استني، انت فاهمة غلط، عمري مابينت لفيروز حاجة، ولا اتكلمت عن جنى
استدارت ترمقه بنظرات حزينة.
-يبقى عمايلك دلوقتي ماهو الا شعور بالذنب
توقف بمحاذاتها وأجابها
-مش ملاحظة انك بتظلمي اخوكي، عقدت ذراعيها واجابته.
-ومش ملاحظ انك ظلمت واحدة مالهاش ذنب ياحضرة الظابط، انا كنت مش بطيق فيروز، بس حطيت نفسي مكانها، مستني ايه من ست وهي حاسة ان جوزها بيخونها، وقبل ما تتكلم النظرة خيانة ياجاسر مش قصدي حاجة تانية، والست مننا بتحس بجوزها، وانا بعد حادثة جنى ربطت بعض الأحداث واتاكدت انك وجنى اللي جنيتوا على فيروز، للاسف حاسة جنى مشتركة معاك يابن امي وأبوي. قالتها وتحركت من أمامه، قابلها عز على باب المشفى.
كنتي فين. توقفت تنظر إليه بهدوء ثم أجابته: -ياترى دا سؤال ولا ايه بالظبط. ذهب ببصره لجاسر الذي اتجه لسيارته
-كنتي مع جاسر. دنت من عز وغرزت عيناها بمقلتيه
-بص ياعز وافهم كلامي كويس علشان مش هتكلم تاني في الموضوع دا.
أشارت على أخيها ثم استدارت له: -دا حبيب روحي قبل مايكون اخويا، زي ماجنى اختك حبيبتك كدا، هتيجي عليه هقفولك ومش هستنى منك كلمة تجرحه، دا ابوي الروحي مش مجرد اخ، ووقت مااتعب بجري عليه قبلك، عايز تحرمني منه، هقولك اعذرني اللي مالوش عزيز في أهله مايبقاش له عزيز في حد تاني يابن عمي. قالتها ودفعته من طريقها متحركة للداخل
بالأعلى عند جواد وغزل وخاصة بغرفة الطبيب.
-جواد ضربات قلبك مرتفعة جدا ودا مينفعش، انا حذرتك قبل كدا. ساعدته غزل في غلق قميصه وأجابت الطبيب
-قوله يادكتور مابيسمعش مني خالص، وعلى طول أعصابه وانفعالاته غير محسوبة
احتضن جواد كفيها
-حبيبتي انا كويس. ترقرق الدمع بعيناها
-يعني استنى لحد ما قلبك يوقف ياجواد وبعدين تقولي انا مش كويس. استدارت للطبيب وتحدثت: -عايزة شيك كامل يامحسن لو سمحت، طمني على كله
رسم جواد ابتسامة على شفتيه ناظرا لصديقه الطبيب.
-غزل مزودها شوية، انا جيت علشان اريحها مش اكتر، صدقني أنا مش حاسس بحاجة
كان الطبيب يدون بعض ملاحظته فأردف: -جواد ضغطك عالي جدا، متنساش العمر كمان، نبضات قلبك مش مريحاني من فضلك الزم الهدوء شوية
مسح على وجهه بهدوء وابتسم قائلا: -سيبك مني وطمني على صهيب، العملية دي مضمونة يامحسن، يعني مش هتأثر عليه
تنهد الطبيب موزعا النظرات بينهما، قاطعه جواد وهو يومئ برأسه.
-كنت عارف انها مش سهلة، طيب مفيش حل غير العملية
-للأسف ياجواد مفيش حل غيرها، وعايز أقولك دي اقدار، وسبها على الله
نهض وكأنه شعر بقبضة تعتصر قلبه هامسا
-ونعم بالله، كل مايصبينا إلا ما كتبه الله لنا. تحرك مترنحا وكأن هناك اشواكا حادة تخربش صدره، خرج من الغرفة تاركا غزل مع الطبيب، توقف بالخارج يطبق على جفنيه كلما تذكر حالة أخيه.
تحرك بروح تأن وقلب ينتفض متجها إلى غرفة جنى اولا. قابله سيف الذي يخرج من غرفتها
-جواد! مال وشك أصفر كدا. ابتسم وتحرك متجها للداخل
-صايم وجعان ايه عايزني اطنطط. قالها وتحرك للداخل، تابعه سيف بعيناه، ثم تحرك ممسكاهاتفه لمهاتفة زوجته، ولج جواد للداخل وجد نهى ومليكة
ألقى السلام ثم تسائل
-الدكتور الجديد قالكم حاجة
هزت نهى رأسها
-مفيش غيرتمشي على الدوا وخلاص. انحنى يطبع قبلة على جبينها.
-حبيبة عمو هتفضلي وجعانا كدا، فوقي ياله حبيبي. قطعت مليكة حديثه
-خلي جاسر قريب منها ياجواد، البنت كل ماتفوق تسأل عنه
تنهيدة موجعة، فلقد حفر الحزن ثقوبا داخل قلبه ليتسرب منه اليأس وهو يرى تفكك العائلة.
حاول قدر المستطاع التفكير بشكل متزن فجلس وأجاب مليكة: -انا كدا هحط النار جنب البنزين يامليكة، وأول واحد هيخسر ابني، متنسيش بيته، مراته حامل، واللي مرضهوش لبناتي مرضهوش لبنات الناس، رغم اني طلبت منه يطلقها بس البنت صعبانة عليا، حاسس البنت دي فيها حاجة غلط، فلازم اقرب ابني من مراته علشان مايهدش بيته.
سحب نفسا وزفره بهدوء.
-وجنى مرضاش ليها تكون زوجة تانية حتى لو بيحبها أو بتحبه، فيه حاجات مينفعش نمشي وراا قلوبنا فيها، دلوقتي هو اتجوز وهي مخطوبة، جاين بعد ايه عايزين اقربهم من بعض، انا كدا هقضي على حياتهم، لا جنى هتتحمل تكون زوجة تانية، ولا جاسر هيقدر يوافق بين الاتنين، ابني هيكون ظالم وأول حد هيظلمه ابنه لما يجي على وش الدنيا، جلس أمامهم ونظراته على جنى.
-مش يمكن مشاعرهم اخوية زي ماقالوا، بس شوية العواصف اللي حصلت خلتهم يبعدوا. توقفت نهى مردفة
-هروح أشوف صهيب. قالتها وتحركت سريعا. ربتت مليكة على كتفه
-زعلت نهى ياجواد. أطبق على جفنيه متنهدا
-علشان قولت الحق، مش دي جنى اللي قالت بتحب جواد، ومش دا جاسر اللي حاربني علشان يتجوز مراته، جاين يحاسبوني ليه دلوقتي. كل واحد يمشي على حياته اللي رسمت له يامليكة، تعمقت نظراته بها.
-تفتكري لو جاسر اتجوز جنى جواد ابنك هيكون رده ايه، أشار عليها وأكمل
-افتكري قولتيلي ايه لما رفضت جواد بناء على كلام جنى نفسه
نزلت برأسها أسفا وتحدثت بصوت متقطع
-ولحد دلوقتي بقولك لو جاسر اتجوز جنى جواد مش هيسكت. ضرب كفيه ببعضهما يشير إليها بذهول
-إنتِ عايزة تجننيني، اومال ليه قولتي كلامك دا
رفعت نظرها إليه: -علشان اعرف هل فعلا مكنتش تعرف بعلاقة جاسر وجنى، نهض من مكانه.
-لا. كنت عارف أن جنى بتحب جاسر، وقبل أي حاجة معرفتش غير يوم كتب الكتاب، اتفاجأت أن نظراتها ووجعها كله علشان فيروز
ضيقت عيناها متسائلة: -يعني جنى كانت بتحب جاسر وهي على علاقة بجواد. انحنى جواد لجلوسها
-مليكة بلاش تحللي بطريقتك، جنى ماحبتش جواد، جنى هربت من جاسر لما حست علاقتها بيه اتطورت لعاطفة، ولو حبت جواد مكنتش انهارت في فرح جاسر، مكنتش دبلت وتعبت وبقت كدا، ورغم جوازه الا إنها فضلت تحبه.
رفعت نظرها وبشفتين مرتعشتين تسألت
-جاسر كان يعرف، ولا كان بيحبها، لا ازاي يحبها ويتجوزغيرها
مسح على وجهه عندما تذكر حديثه مع باسم
فلاش باك
دلف جواد إلى مكتب باسم، جلس بمقابلته دون حديث. ران صمتا بينهما لم يخل من النظرات، قاطعه جواد قائلا: -سامعك ياباسم، قولي ليه جاسر اتجوز فيروز.
أشعل باسم سيجاره ونفث تبغه يتابع غضب جواد ثم تحدث بهدوء: -من سنتين ونص بعد رجوع غنى بالظبط يوم فرحها، ابنك جالي وقالي ياعمو فيه واحدة شغالة بالي ومش عارف اصارحها ازاي. هنا تذكر باسم ذاك اليوم
دلف جاسر إلى مزرعته وجد حياة تروي الزرع
-صباح الخير يامدام حياة. استدارت تطالعه بصمت ثم رسمت ابتسامة تهكمية.
-الخير دا هيجي لما عمك الحلو يطلقني ويسبني في حالي. ضيق جاسر عيناه متسائلا: -بسيطة اهربي وارفعي عليه قضية طلاق. قفز بوقوفه عندما صاح الآخر غاضبا
-تعالى هنا ياحلوف بتقول ايه. قهقه عليه متجها له
-بسوم حبيب قلبي، كنت بقول لطنط حياة ازاي تهتم بيك يابسوم. صفعه باسم على عنقه من الخلف
-اضحك عليا يابن جواد
قبل كتفه وهو يقهقه
-طب اسأل طنط حياة. مش كدا ياطنط. وصلت إليه غاضبة.
-هي مين دي اللي طنط ياامور، لو أنا طنط يبقى انت لسة بتعمل حمام على نفسك، قالتها وتحركت سريعا تدب أقدامها الأرض غيظا منهما
ظلا الأثنين يقهقها عليها، سحبه باسم
-مش هتتلم يلا. والله ابوك لو سمعك كدا ليعلقك
تراقص بحاجبه قائلا: -هقوله تربية بسوم، سيبك انت من دا كله وقولي عامل في مزتك ايه، البنت مش طيقاك ياخي
-ايه مزتك دي ياحيوان دي مرات عمك. رفع حاجبه ساخرا.
-ايه ياباسم هو انت ومراتك شخصيتين مضطربتين ولا ايه، ماانا قولت طنط مش عاجبكم
جذبه متجها إلى حديقته الشاسعة
-اقعد وبطل كلام وجعتلي دماغي، ايه اللي جابك
مط شفتيه للأمام ثم اتجه بنظره لباسم
-بكرة هكمل 25سنة. ضيق باسم عيناه
-انت جايلي علشان تقولي هتكمل 25 سنة. طيب يا سيدي كل سنة وانت طيب
زفر جاسر من أسلوبه المستفز فتحدث: -بسوم ركز، انا قصدي اني كبرت وعايز اتجوز، عز طلع بيحب ربى.
وضع باسم خديه على كفيه مستندا على الطاولة
-يافرحتي ياخويا ومطلوب مني اعملهم اوضة النوم
نظر إليه بغضب: -بقولك بيجاد هيتجوز غنى وعز هيتجوز ربى
جذبه باسم من تلابيبه: -ولا انت جاي عايز تجنني انا مالي مبروك يا سيدي اروح اتحزم وارقص في فرحم يعني ولا ايه
-بسوم انا معجب ببنت ومش عارف اصرحلها ازاي
نظر إلى مقلتيه وأكمل: -مش معجب انا بحبها فعلا، بس خايف من ردها
استمع إليه بتركيز ثم تسائل.
-ليه خايف من ردها ياجاسر، صارحها لو وافقت خد خطوة ولو رفضت
نهض جاسر يهز رأسه رافضا باقي حديثه مستأنفا
-لو رفضت يبقى دبحتني، لاني وقتها مش هعرف اعيش عادي في حي الألفي
نهض باسم مضيقا عيناه
-ليه يابني لا إنت أول واحد ولا اخر واحد يحب واحدة ومتحبوش
استدار إليه وصاح متألما
-مش هقدر اواجه، قلبي هيوجعني وهيتسبب في شرخ كبير، مقدرش ياعمو وخصوصا لو هشوفها قدامي طول الوقت.
-بتتكلم عن مين ياجاسر، اوعى تقولي عن جنى بنت صهيب
اغمض عيناه يعصرهما متألما ثم أشار على قلبه
-غصب عني، دا بدأ يدقلها معرفتش امسك نفسي، تعرف النهاردة بعد ماروحت من المستشفى لقيتها في حضن عز، اضيقت أوي اتمنيت اخدها في حضني والوقت يوقف بينا
مسح باسم على وجهه، راجعا خصلاته للخلف بعنف
-جنى. جنى ياجاسر اللي بتقول عليها اختك. نكس رأسه أسفا وهمس بألما.
-غصب عني ياعمو، صدقني غصب عني، لما انضربت بالرصاص وجاتلي المستشفى وقتها خوفت على حياتي لتفرقني عنها
هوى باسم على مقعده، وزفره حارقة من جوفه أشعلت المكان
-طيب كلمها وعرفها، علشان دا مش اعجاب يابن جواد. لا دا انت واقع
جلس بجواره كالغريق واحتضن كفيه
-ازاي اعرف منها أنها بتكنلي مشاعر، خايف اتصدم ياعمو، صدقني وقتها هكره نفسي
ربت على كتفه مردفا.
-انا هتصرف، بس اوعدني لو البنت مش بتحبك كحبيب متغيرش معاملتك معاها، واعرف ان دا نصيب مالناش يد فيه
تفتكر تكون بتحب حد تاني
ابتعد ببصره قائلًا
-اوعدني ياجاسر الأول، علشان لو حاولت تعمل حاجة غلط هتقلب موازين العيلة اللي جواد بيحافظ عليها بقاله سنين
اومأ برأسه
-اوعدك ياعمو. رسم ابتسامة قائلا: -بكرة هروح واشوف الدنيا فيها ايه، وانت كمان حاول تلمحلها وأكيد هتفهم.
تنهيدة عميقة غادرت ضلوعه فاستأنف بأسى.
-جالي بعد يومين منهار، وكأن دا مش جاسر، واحد فاقد طعم الحياة، لو تفتكر الاسبوع اللي فاضل بعيد عن البيت بحجة أنه بيساعدني في تجديد البيت.
كانت عيناه تبحر فوق ملامح جواد الموجوعة فتنهد وأكمل
-وقتها عرف بعلاقة جواد وجنى، وطبعا انت اكيد عارف اد ايه بيكون صعب على واحد حب واحدة ودفنها جواه ويوم مايروح يقولها يتصدم.
سحب نفسا وزفره بنيران وجع تلك الأيام.
-كنت مستني مني ايه، أقوله روح اعترفلها وخليها ترضى بيك، ولا اروح اقول لصهيب اللي هو اصلا كان بيتمنى جاسر، ويغصب بنته ويحصل تفتت في العيلة
نهض واتجه يجلس بجواره ثم ربت على ظهره ونظر لعيناه
-مكنش قدامي غير حل أنه يتجوز وينساها، على أد رفضي على فيروز بس هو اللي اتحداني وقالي هتجوزها انا بحبها، تعرف ابنك قالي ايه لما قولتله انت كداب.
-قالي خد اللي يحبك ومتخدش اللي انت بتحبه عشان متتوجعش، عشان لما تبعد عنه فراقه مش يبقى مؤلم
-جواد انا كنت رافض فيروز ووقفت ضده واكيد انت عارف، بس ابنك اللي أصر واقنعني أنه بيحبها وقت مارحلها شرم الشيخ، كنت مستني مني ايه وهو واقف قدامك وقالك هتجوزها، عمري مافكرت أنه بيضغط على نفسه علشان يهرب من جنى. لانه جه وقالي انا اكتشفت أن جنى حب اخوي والدليل على كلامي اني حبيت فيروز بجد ومش مصدق اتجوزها.
تراجع بجسده للخلف وبعيون متألمة أكمل ما قسم ظهر جواد.
-ابنك اللي طلب أنه يعيش برة حي الألفي مش فيروز، بعد مارجع من شهر العسل وحس بندمه وتسرعه خاف من القرب، خاف ليغلط، علشان كدا ساندته ووقفت معاه ضدك، وكنت مستعد اعمل اي حاجة علشان مشوفش الوجع في عيونه، على أد ماكان مبهر في التمثيل بس جواه كان مكسور ياجواد، ابنك كان مكسور وانت كل شوية تضغط عليه بأخطاء فيروز اللي كلنا اندهشنا من أفعالها وليه بتعمل كدا، أشار بكفيه.
-الموضوع مش موضوع جنى خالص، لأن جاسر مكنش بيبن حبه لجنى قدام حد اقنع الكل أنها اخته، ذهب ببصره للبعيد وشعر بآلم حاد يخترق صدره عندما تذكر انهياره
-ابنك جالي هنا يوم خطوبة جنى وقالي هيخطفها ويتجوزها ويحطكوا قدام الأمر الواقع، بعد مااتأكد أن جواد وجنى مفيش بينهم علاقة. كان مفكر أنهم زعلانين فترة وهيرجعوا، بس خطوبتها لواحد تاني جننته، وانت عارف ليس على العاشق حرج ياصاحبي.
شعور قاسي اخترق روح جواد عندما شعر بآلام ابنه فتسائل بتألم
-ازاي قال بيحب فيروز واقنعنا كلنا بكدا وهو بيحب جنى، ابني مش خاين ياباسم
ذهل باسم من حديثه فأردف
-ماهو علشان كدا بقولك هو اللي خلاني اضغط عليك علشان اقنعك أنه يمشي من حي الالفي، ابنك عمره ماكان خاين ياحضرة اللوا، وصدقني لو شكيت أنه محبش فيروز عمري ماكنت اوافق على جوازه، دا كان بيقول اشعار
ثبت نظراته على جواد وأكمل.
-هو فعلا كان مشدود ليها في الاول علشان كدا مشي ورا إحساسه دا، بس بعد كدا الانبهار اللي كان بيقنع نفسه بيه انتهى ومفضلش في قلبه غير حبه الحقيقي لبنت عمه.
خرج جواد من شروده على صوت مليكة
-جواد احنا هنسافر بعد عملية صهيب، وعايزاك متزعلش مني حبيبي غصب عني
دنى ثم طبع قبلة على جبينها
-حبيبتي ياملوكة عمري ماازعل منك، قطع حديثهم همهمات جنى بمنامها
-جاسر خبيني منهم، قالتها وهي تحتضن نفسها كالجنين
أطبق على جفنيه متألما، وغصة منعت تنفسه عندما استمع إلى همساتها باسم ابنه. دلف الطبيب للأشراف على حالتها. نهضت مليكة
-هروح ياجواد علشان تقى، اومأ برأسه دون حديث.
مرت الساعات سريعا حتى حانت الثانية عشر منتصف الليل، دلف جاسر بجوار أحد الأشخاص غرفة صهيب، وجد نهى تقرأ بمصحفها
-طنط نهى. رفعت بصرها إليه مبتسمة
-تعالى ياحبيبي. أشار للرجل بالدخول، ثم اتجه ببصره لنهى
-هشوف جنى وراجع
-ربى اختك هناك، توقف مضيقا عيناه
-ربى لوحدها ولا عز معاها
-لا هي وشوية وهتمشي. تحرك متجها إلى صهيب الذي اعتدل بجلوسه
-تعالى ياجاسر، ثم أشار لنهى.
-هاتي حاجات جنى اللي طلبتها منك، وشوفيلي الدكتور مجدي خليه يجي علشان يشهد على عقد الجواز ويشوف حد معاه
اومأت وتحركت دون حديث
-بعد فترة انتهى عقد القران
-عايزين إمضاء العروسة ياباشمهندس
-الدكتور مجدي هو اللي هيخليها تمضي. تحرك مجدي متجها إلى جنى حسب اتفاقه مع صهيب
دلف لغرفتها وجدها تجلس مبتعدة بركنا من فراشها، وعيناها شاردة بنقطة ما
-جنى. قالها الدكتور بهدوء، دلفت بعده نهى وجاسر. توقفت ربى عندما وجدته.
-جنى. رفعت جنى نظرها إليه. تحرك إلى أن وصل إليها جلس بجوارها على الفراش
-جنى بابا عايزك تمضي هنا حبيبتي علشان نسافر للدكتور
تراجعت تنظر للطبيب بخوف. هزت رأسها
-انا عايزة بابا، مش عايزة أسافر. دنت نهى منها وأمسكت كفيها الباردتين
-حبيبتي هنروح لبابا بس امضي يلا ياحبيبتي
وضعت أمامها بعض الأوراق، وعيناها زائغة على الطبيب وجاسر، فأردفت
-فين عز، انا عايزة عز
مسدت والدتها على رأسها.
-عز شوية ويجي، ياله امضي الدكتور وراه شغل حبيبتي. أمسكت القلم بيد مرتعشة وانزلقت عبراتها وكأن الرؤية شوشت لديها رفعت نظرها إليه بعدما لمحت اسمه على الورقة، ظنت أنها مشوشة الرؤية. قدمت إليها علبة حتى تبصم بها
هنا علمت ربى أن هذا ماهو الا زواج أخيها من جنى
شعرت جنى ببرودة بجسدها فوضعت رأسها على حافة الفراش، أمسكت والدتها اصبعها وأكملت معاملة الزواج.
خرجت والدتها والطبيب وظل جاسر بجوار ربى، يطالعها بصمت، شحوب وجهها وتبدل ملامحها، عيناها الزائغة، ودموعها التي اعتصرت فؤاده. كانت تنظر بنقطة وهمية، جلس بجوارها ثم جذبها حتى أصبحت بأحضانه.
-وآه حارقة خرجت من نياط قلبه وهو يعتصرها بأحضانه، تشبست به وبكت بنشيج تحاوط خصره قائلة
-خدني من هنا ياجاسر، انا تعبت من المستشفى انا كويسة مش مجنونة
أخرجها يحتضن وجهها ويرسمها بقلبه قبل عينيه.
-هاخدك حبيبتي ونروح مكان بعيد محدش يقدر يقرب منك
انسابت عبراتها هامسة من بين دموعها
-مش عايزة اشوف حد، عايزة ابعد عن الكل لو سمحت، كلم عز وبابا خليهم يجوا يخدوني بعيد، عايزة ابعد حتى لو هيدفنوني تحت الارض بس عايزة ارتاح
ممكن تكلمهم يريحوني، ياريتني اموت واريحكم
ازال عبراتها وانسابت عبراته ببكاء واه حررها بأنفاسه المحروقة، يضمها بقوة.
-بعد الشر عليك ياقلب جاسر. أحس بضلوعه تنكسر تشبست بقميصه ودموعها تسبق كلماتها بقهر كطفلة يتيمة فقدت والديها
كانت تتابعهم بمقلتين دامعتين وهي تخرج من الغرفة واهة بقلبا ينتفض من الألم على اختها واخيها الذي ابعدهم القدر، أغلقت الباب ثم أمسكت هاتفها
-انت فين!
اجابها وهو يخرج من منزله
-جايلك في الطريق. اتجهت بنظرها للغرفة ثم تحدثت سريعا
-لا خليك انا ركبت العربية واتحركت
توقف ثم هتف.
-اومال ليه قولتي تعالى خدني، هنلعب ياربى
داعبت الأرض بأقدامها تجز على أسنانها من طريقته المستفزة، واتجهت إلى سيارتها
عند صهيب ونهى بعد تحرك الموجودين
-صهيب تفتكر عملنا الصح. تمدد على الفراش
-دا اللي كان لازم يحصل يانهى، جلست بجواره
-انا مش شاكة في جاسر بس خايفة من فيروز اوي، دي لو عرفت هتولع في جنى، ليه طلبت منه يرجعها بس
اغمض عيناه محاولا التنفس بشكل طبيعي ثم تحدث.
-ميرضنيش ابني سعادة بنتي على تعاسة واحدة تانية، وجاسر مقرر أنه ميرجعهاش بس حبيت ابرئ زمتي انا وبنتي فهمتي
ربتت على كتفه
-ازاي جاسر كان مخبي الحب دا كله ومش حسيناه ياصهيب، انا خايفة يكون واخدها تأنيب ضمير
امسك كفيها يحتضنها
-كله هيبان يانهى، لو بحبها هيبان ولو وخدها تأنيب هيبان، كل حاجة بتكدب الا القلب والعيون يانهى، وانا شوفت في عيونه عاشق، لسة قلبه هيبان الأيام الجاية
سحب نفسا وزفره ببطئ.
-أنا خايف من ردة عز، أنتِ متعرفيش قالي ايه، دا هددني أنه يبلغ على ابن عمه ويحمله الجريمة كلها، لولا هددته قولتله هتبرئ منك
-معرفش عز ماله. نظرت لزوجها وتحدثت بحزن
-حاسة أنه بيعاقب ربى وخايفة من اللي جاي.
اغمض عيناه ذاهبا بنومه بسبب العقاقير قائلا: -روحه في ربى متخافيش عليها، يبقى شوفي جنى قبل ماجاسر ياخدها أنا كلمته على الدكتور اللي قولتلك عليه، يبقى تابعي معاه متنسيش البت يانهى انا بكرة هدخل العملية ومعرفش ايه اللي هيحصل. رفعت كفيه وقبلته
-ربنا يخليك ليا ياصهيب، وان شاء الله تعمل العملية وترجعلنا أحسن من الأول
-ويخليكي ليا ياحبيبة عمري
قالها وذهب بنومه
بغرفة جنى.
جمع اشيائها ووضعها بحقيبتها الخاصة، دلفت نهى بعد طرقها للباب، رفع رأسه ينظر للداخل
-حضرتك بتستأذني ولا ايه
نظرت لبنتها الغافية ثم اتجهت له
-خلاص دلوقتي بقت مراتك. اقتربت منه وعيناها تغشاها الدموع. أمسكت كفيه واحتضنته
-جاسر وصيتك جنى، لولا عملية صهيب مستحيل كنت افارقها، وعمك اقنعني انك هتكون ظلها، انسابت عبراتها ونظراتها على ابنتها
-على عيني اسبها معاك وهي بحالتها دي، وكمان عز لما يعرف هيتجنن.
رفع كفيها وطبع قبلة عليهما
-طنط نهى متخافيش اعتبري جنى في حضن باباها، صدقيني عمري ماأفكر أذيها. تفوق بس وهكلمك ويبقى تيجي تشوفيها
احتضنت وجهه بين راحتيها
-انا مطمنة ياحبيبي، بس قلب الام، هكلمك على طول، وبعد مااطمن على صهيب هجيلها، اوعى ياجاسر تأذيها اوعى لو هي رفضت تقعد معاك
تراجع للخلف مذهولا من حديثها
-ياه لدرجة دي مش واثقة فيا. هزت رأسها بالنفي
-مش موضوع ثقة اد ماهو موضوع خوف من اللي مرت بيه.
اومأ متفهما، ثم أشار لحقيبتها
-ممكن تنزلي دي، وأنا هشيلها وانزل بيها
فركت كفيها وعيناه تبحر فوقها
-طيب هتاخدها فين، لازم تطمني، لو قريب اوصلها معاك ولو برة القاهرة يبقى نصيبي قلبي يفضل يوجعني عليها
جذبها يطبع قبلة مرة أخرى على جبينها قائلا: -حبيبتي متخافيش عليها، دي بقت مراتي وروحي فيها، وعلى العموم هروح الفيوم، بس يبقى سر بينا هناك الهوا حلو وهتخرج من حالتها بسرعة.
اتجهت تطبع قبلة على وجنتيها وانسابت عبراتها
-سامحيني ياقلبي، بابا يخف ونرجعك تاني
-يعقوب عرف. تسائل بها جاسر
أزالت دموعها وأجابته
-عمك قاله كل شي قسمة ونصيب، هو قال مسافر اسبوع أمريكا ولما يرجع هيتكلم تاني، وباباك مش موافق على فسخ الخطبة، علشان كدا عمك جوزهالك يريح الكل
اتجه وحملها متجها إلى الأسفل وخلفه نهى بحقيبة ثيابها.
بعد عدة ساعات بمنزل الألفي بالفيوم
وضعها برفق على الفراش، ثم قام بإخراج بعض الثياب الخاصة بها وقام بتبديلها بسبب رائحة المشفى، واتجه إلى المرحاض وانعش جسده بحمام بارد ثم اتجه يقف أمام فراشها يراقب نومها بسبب المهدئات، ظل لدقائق ثم فرد جسده بجوارهاوضمها لأحضانه يمسد على خصلاتها بعدما حررها.
يود لو يدفنها داخل أعماقه، ولا أحد غيره يراها. مرر أنامله على وجهها وابتسامة عاشقة أنارت وجهه. انحنى يطبع قبلة مطولة على جبينها
-يااااه ياجنى اخيرا بقيتي ملكي وجوا حضني، عايزك تخفي بسرعة وترجعيلي. همس بجوار أذنها
-عايز قطتي الشرسة البريئة شوفتي ميكس كدا علشان اعرفها اد ايه بحبها.
مرر أنامله على شفتيه ودّ لو تذوقها ليعلم كيف يكون طعمها. هناك شعور مختلف بداخله. كيف سيصمد أمامها بعدما أصبحت ملكه، كيف لا يبادلها القبلات ويظل ثابتا معاقبا قلبه
وضع رأسه لأول مرة بحناياها يستنشق رائحتها ويملأ رئتيه من رحيق عنقها، هامسا بقلبه
-بحبك ياعمري. قالها مطبق الجفنين يعتصرها بين ذراعيه وكأنها جزء لا يتجزأ من كيانه. ظل لفترة محاولا النوم رغم ارهاقه ولكن كيف للقلب يعفو ومالكه بين يديه.
تملمت بنومها تغضن وجهها رفعت يديها على وجهه. رجفة أصابت قلبه وهي تضع كفيها على ذراعيه العاري، ظلت نظراته ترسمها ود لو استيقظت وشعرت بتلك الرجفة التي اعترت فؤاده لظلت بأحضانه أعواما دون فراقه
همست بين نومها همهمات لم يستوعب معناها. جذب رأسها لصدره بعدما فقد اتزانه حتى لا يلتهمها
استمع الى همسها باسمه كأن رائحته وصلت لرئتيها لتهمس باسمه.
كان كفيل لهمسها باسمه بتحطيم عظامها بأحضانه. لحظات مرت عليها وهو يطالعها فقط وفراشة الحب تعانقهما. وضع رأسه بالقرب من أنفاسها وأغمض عيناه داعيا المولى أن يجبر بقلبه الضعيف ويتحمل قربها دون أذيتها. اخيرا غفت عيناه وارتاح قلبه بعدما استكانت بأحضانه، مرت عدة ساعات على نومه بجوارها، حتى أذن الفجر فاستيقظ لمقابلة الحي القيوم. اتجه مؤديا فرضه، ممسكا هاتفه.
-هاتوهولي على المخزن القديم. اتجه لأدويتها يقرأ مادون عليها، فلقد استغرقت الساعات الطويلة بالنوم
تأفف بعدما وجد مدة نومها من ثمانية إلى أكثر. ظل واقفا لبعض الدقائق وعقله منشغلا بها ماذا ستفعل إذا استفاقت ولم تجده أو تجد احد. امسك هاتفا ووضعه على الكومودو وبجواره بطاقة. ثم انحنى وطبع قبلة بجانب شفتيها
-مش هتأخر عليكي، هاخد حقك من الكلب دا وراجعلك
بعد عدة ساعات.
فتحت الجميلة عيناها تنظر حولها بذهول تكتشف أين هي، اعتدلت تنظر لثيابها التي بدلت حاولت التذكر ولكن لم تستطع كأنها أخذت حبوب فقدان الذاكرة. استدارت تنظر لذاك الكومودو، وجدت به تلك البطاقة، وبجانبها هاتف
فتحت البطاقة وقرأت مابداخلها
عشقي لكِ
يشبه الادمان اعلم أنه مؤذي ولكن راحتي فيه••
متل المطر يصيبني بالبرد ولكني مغرمة به
قطبت جبينها ثم اتجهت للهاتف و
جذبته ثم فتحته، لم يوجد به سوى رقمٍ واحد.
قطبت جبينها متسائلة
-رقم مين دا؟ وأنا فين. المذهل أن صورتها على الهاتف
امسكته بيد مرتعشة وهاتفت الرقم الذي يسجل
كان هناك في تلك الغرفة يستند بساقية الموضوعة على المقعد وهو يشاهد ذاك المكبل من ذراعيه وأقدامه ويوضع بأسفله تلك النيران التي تشتعل أسفله وهو يصرخ، ووجهه الذي تشوه بالكامل بتلك المادة الحارقة
-صرخ ياحقير علشان تعرف تهجم على بنات الناس حلو، دا أنا هقطعك حتة حتة.
جلس ينفث تبغه بإستمتاع من صرخاته وهو يراقبه بصمت لبعض الوقت. ألقى سيجاره واتجه إليه يجذبه من خصلاته بقوة قائلا
-لسة لسانك عايز اقطعه عشان كلماتك القذرة تحرم تطلعها على أي بنت. قالها وهو يلكمه بقوة بوجهه حتى شعر بكسر أنفه
-كلب حقير زيك تطاول على أسيادك ياكلب، امسك تلك المادة الحارقة التي تعرف مياه نارية وبدأ يضعها على بعض أعضاء جسده وذاك يصرخ قائلا.
-بدي لمستها ياحقير، ثم أمسك مقصا بجانب شفتيه، بدي قربت منها قالها وهو يمسك جزء منها ويضع تلك المادة الحارقة عليها. صرخ هاني
-حرمت صدقني
استمع الى صوت هاتفه، أخرجه ينظر لتلك الصورة التي أنارت هاتفه فهتف
-صباح الورد. قطبت جبينها متسائلة
-انت مين. قهقه عليها واردف مازحا
-انا اللي متصل ولا إنتِ، أكيد واحدة حلوة بتعاكس واحد حلو زيي.
-جاسر. همست بها وهي تنظر حولها بذهول. توقف وهو يستمع الى لحن اسمه بنبرتها الشجية التي أرسلت إلى روحه ملاذا ككأس خمر ليتخدر ويجعله بحالة سكر بعشقها فقط
أجابها بنبرته الهادئة التي تخصها وحدها
-عيون جاسر. وكأنها لم تستمع إلى حديثه فتسائلت
-انا فين ياجاسر، وايه المكان دا
ارجع خصلاته المتمردة على وجهه وآهة ابلغ من أي رد وروحه تعانق قلبه وهو يجاوبها.
-انتِ في قلبي ياجنجون، نص ساعة وأكون عندك حبيبي متخافيش، مفيش غير قلبي اللي عندك ودا عمره مايأذيكي. أغلق الهاتف متنهدا وقلبه يرفرف بالسعادة.
بالمشفى
توقف جواد ينظر لنهى
-يعني ايه جنى مش موجودة، أنتِ مكنتيش مباتة معاها، ارتبكت بحديثها وتهرب بنظراته منه. اتجهت لغزل لتنقذها
-انا معرفش ياجواد كنت مبيتة مع صهيب، أصله كان تعبان وفكرت عز هيجي يبات معاها
تحرك جواد إلى كاميرات المشفى
-دلوقتي هعرف ازاي خرجت يانهى. هوت على المقعد تضع كفيها على صدرها، تتنفس بهدوء
دققت غزل بملامحها
-نهى. رفعت نظرها إليها.
-بقولك ايه ياغزل من الاخر كدا جاسر جه واخدها، انا خيبة ومبعرفش اكدب
شهقت غزل تضع كفيها على فمها
-يانهار مش فايت عليك ياجاسر، جلست بجوارها وكأن الأرض سحبت من تحت أقدامها
-يالهوي على اللي جواد هيعمله. اتجهت إلى نهى وانسابت عبراتها
-جواد مش هيسكت ازاي تخليه يخدها يانهى، الحريقة هتقوم في البيت
أطبقت نهى على جفنيها.
-كنت عايزاني اعمل ايه ياغزل، وانا شايفة بنتي مش على لسانها غيره، والدكتور اللي طلب من صهيب كدا، قاله قربها منه علشان تحس بالأمان
-صهيب. همست بها غزل، ثم وضعت كفيها على رأسها
-ليه كدا ياصهيب. الدنيا هتولع بين عز وجاسر، اعمل ايه ياربي وأروح فين
قالتها بقلبا ينتفض. نهضت وظلت تدور حول نفسها
-جواد حازم، عز، جاسر، ياربي دا كدا العيلة مش هيقوملها قومة.
-غزل اسكتي بقى، جاسر كتب على البنت، يعني هي مع جوزها، ليه عز وجواد يضايقو، أن كان على عز مش هيهون عليه جاسر وجنى
اهة طويلة خرجت من غزل
-شكلك مش عارفة ابنك يانهى، دا هيولع الدنيا، ولا جواد اللي جه لخاله امبارح وقاله دلوقتي أنا أولى بجنى من الغريب. ضربت كفيها ببعضهما
-ياربي. جواد يوقف مع مين ضد مين، انا عارفة ابني الوحيد اللي هيضيع بينهم
وصل عز وخطوايه تأكل الأرض. وزع نظراته بينهما.
-ايه اللي سمعته دا ياماما، ازاي جنى تخرج من المستشفى وهي عايشة على المهدئات. ازاي قالها صارخا. اتجه لغزل متسائلا
-فين جاسر ياطنط غزل، بقاله يومين مختفي، والنهاردة اختي تختفي
امسكته من كتفه
-ممكن تهدى ياحبيبي علشان نعرف نفكر، ماما لسة بتقول أن جاسر. قاطعتها نهى قائلة
-عز. أهدى واسمعني، اختك تعبانة وكان لازم من حد تثق فيه.
-نعم. حد تثق فيه، اوعي تقولي الحد دا جاسر، ركل المقعد بقدمه وعيناه يتطاير منها الشرر وظل يلكم الجدار خلفه
-ازاي جالك قلب تخليه ياخدها ياماما، هانت عليكي جنى، هانت عليكي تكون بعيدة ومتطمنيش عليها. اقترب من والدته وصدره كاللهيب
-ازاي قدرتي تبعتي راجل غريب مع بنتك ياحضرة المهندس، فين قيمك واخلاقك
صفعة قوية على وجهه
-شكلك عايز تتربى، جنى خرجت من هنا مع جوزها، وبأمرمن والدك.
صدمة ذهول وكأن أحدهم طعنه بخنجر بصدره، وضع كفيه على وجنتيه
-بعتي بنتك لحضرة الظابط ويبيع ويشتري فيها، ومراته تذل فيها
-كفاية بقى اخرص، مش عايزة اسمع صوتك، ابوك لسة عايش ياباشمهندس
وامشي من هنا. استدار متحركا للخارج وكأن هناك من يطارده
عند فيروز
جلست بالشرفة حزينة تمسك هاتفها تنظر لصورهما، وعيناها كزخات المطر، أطبقت على جفنيها وهي تعاود الاتصال مرارا وتكرارا ولكن هذا الهاتف مغلق، اتجهت إلى ربى وهاتفتها.
-ألو. قالتها بقلبا يأن ألما
-اهلا يافيروز. عاملة ايه
روبي عايزة اكلم جاسر لو سمحتي مش عارفة أوصله
تنهدت بحزن واتجهت إلى شرفتها تنظر لتلك الحديقة فأجابتها
-جاسر مش في مصر يافيروز، لما يرجع هخليه يكلمك.
شهقة خرجت من فمها
-وحياة جاسر عندك متنسيش. اومأت ربى قائلة
-حاضر يافيروز.
عند جاسر
هرول إلى سيارته بعد ما انتهى من عمله، يشير لذاك الرجل. خده ارميه في أي مذبلة.
-انت فعلا قطعت لسانه ياباشا. ارتدى نظارته الشمسية وأردف
-ولو اطول اقطع جسمه كله هقطعه. بس ياباشا متنساش أنه ابن راجل معروف في البلد
رمقه شزرا وأشار بسبباته
-ومتنساش أنه قرب من حاجة تخص جاسر الألفي، واهو أخد جزاته
قالها واستقل سيارته، يود لو أنه طائر وله أجنحة حتى يصل إليها.
عند جنى. جلست على الفراش تنظر حولها بخوف. اتجهت تكتشف المكان، تذكرت حديثه، قطبت حاجبيها فهي في حالة لعقلها يترجم كلماته. استمعت صوت بالخارج. أسرعت إلى المطبخ بعدما تأكدت أن ذاك المكان ماهو إلا منزل عمها بالفيوم. أمسكت السكين، وتوقفت بجسد مرتعش، دلفت أحد العاملات
صرخت بعدما وجدتها تقف بالسكين
-انسة جنى، انا منى، ممرضة جاية علشان علاجك. جاية عن طريق حضرة الظابط جاسر الألفي.
-امشي اطلعي برة. قالتها جنى بصراخ. فلوحت بكفيها
-حاضر هخرج، حضرة الظابط جاي في الطريق
-بررررة. صرخت بها وجسدها يرتجف. احتضنت نفسها تنظر حولها كالمجنون كأن جدران المكان عدوا لها. استمعت إلى مفاتيح باب المنزل، تراجعت للخلف وهي تشير بالسكين. ظهر عاشق القلب أمامها
-وضعت السكين على عنقها عندما توششت الرؤية أمامها.
-لو قربت مني هدبح نفسي. بعينين متسعتين وجسده ينتفض، شعر بإنسحاب أنفاسه وحاول التحدث، ولكن كيف وهو يشعر وكأن الحروف هربت من مخارجه، على ذاك المنظر الذي يشاهده، ابتلع ريقه بصعوبة، وهو يحاول الحديث مبتلعا غصته المؤلمة
-جنى حبيبتي أنا جاسر، سيبي السكين ياقلبي، ياله ياجنجون، تحركت للخلف وكأن صوته تستمع إليه في الأفق البعيد لم يكن واضحا اليها، وعيناها الزائغة بكافة الاتجاهات من يراها سيزعم جنونها.
-جنجون حبيبي انا هنا محدش هيقربلك. ياله حبيبتي ابعدي السكينة عن رقبتك. تراجعت تشير إليه
-ابعد هدبح نفسي، ابعد قالتها صارخة حتى ردد صوتها بأذنه كعويل إعصار جامح. ظلت تتراجع، وقلبه ينتفض بقوة، حتى شعر بتحطم عظامه من شدة خفقانه
ترنح جسدها فسقطت مرتدة بالمقعد. وصل إليها بخطوة واحدة، وجذبها بأحضانه الان لا يحتاج سوى لعناق يطمئن روحه أنها بخير بين ذراعيه
حاولت الفكاك من قبضته ولكنه كان الأكثر تحكمت.
-اشش، اهدي ياقلبي انتِ جوا حضني ياقلبي مستحيل حد يقرب منك. ارتجف جسدها وبكت بشهقات تحاوط خصره، تضع رأسها بأحضانه، صمتا أحاط المكان سوى من أنفاس جاسر المرتفعة، وشهقات بكائها. انحنى وحملها متجها بها للأعلى
-تعالي ارتاحي فوق ياقلبي. ضمها وصعد بها للأعلى، شعر بإرتعاش جسدها بين ذراعيه
صاح على الممرضة
-انا مش قولتلك عينك متغبش عنها
-والله يافندم روحت اجبلها لبن زي ما حضرتك قولت رجعت لقيتها كدا.
احتدت نظراته وأشار
-تعالي شوفي هتاخد ايه دلوقتي. تحركت متجهة إليه
كانت جنى تجلس ونظراتها شاردة فلقد تبدل حالها. مسد على خصلاتها يحاوطها بذراعه فالألم يضاهي آلام العالم حينما وجدها تحاول ذبح نفسها
حقنتها الممرضة ببعض الأبر. وأردفت
-زي ماالدكتور قال لحضرتك امبارح، العلاج الجديد بس هتمشي عليه
اومأ برأسه وأشار على الباب لخروجها
تحركت مغلقة الباب خلفها.
تمددت تضع رأسها على ساقيه. استغرب فعلتها، ورغم ذلك شعر بالسعادة
ظل يمسد على خصلاتها بحنو دون حديث
احتضنت كفيه وتخلل أنامله بأناملها كالطفلة التي تحتمي بوالدها وهمست له
-أنا بقيت مجنونة صح. علشان كدا جبتني هنا
صفعة قوية بقلبه من حديثها وشعور قاسي افترس قلبه دون رحمة مما جعل دموعه تنساب بصمت
نزل بجسده ورفعها على ذراعه حتى أصبحت بمقابلة وجهه.
-مين قالك كدا ياحبيبتي، عايزة توجعي قلبي ياجنى، متعرفيش قلبي دلوقتي بينبض لما تكوني كويسة
قالها وهو يوزع نظراته على وجهها كفنان
-انت ازاي جبتني هنا، وفين بابا وماما وعز. وازي نايم جنبي كدا، أنا مش قادرة ابعد ياجاسر فلو سمحت ابعد انت
دنى أكثر حتى تلاحم بجسدها ولف ذراعيه حولها بتمكن
-بعدت مافيه الكفاية ياحبيبة جاسر، بعدت لحد ماغرقت ومعرفتش اقاوم الموج. فوقي بس علشان نتعاتب يابنت عمي
-همست باسمه.
-جاسر، انت بتقول ايه مش فاهمة، حاسة جسمي متخدر ومش قادرة احركه
دنى من أنفاسها وداعب أنفها يحتضن وجهها
-وأنا مش عايزك تبعدي ياجنى، عايزك زي كدا مفيش حاجة تفرقنا
أغمضت عيناها عندما شعرت بتخدر بسبب الأبر بجسدها بالكامل. فهمست له
-بقيت غريب أوي يابن عمي. لمعت عيناه عندما رفعت كفيها بهدوء تضعها على وجنتيه كالمغيبة وتمتمت.
-بس بحبك يابن عمي. قالتها مغلقة جفنيها بين النوم واليقظة. لمس كرزيتها بخاصته، ففتحت عيناها بتشوش
-بتعمل ايه يامجنون. همس أمام كرزيتها
-جنجون حبيبي أنتِ دلوقتي مراتي، ضغط على خصرها يقربها أكتر قائلا من بين نبضاته المتسارعة
-يعني جنى جاسر الألفي حبيبي. أطبقت جفنيها وابتسامة شقت ثغرها
-ابن عمي المجنون قالتها ثم ذهبت بسبات عميق
رفع رأسها يطالعها مبتسما
-مجنون بحبك يامهلكة قلبي. بعشقك بجنون مهلكتي.
وضع رأسه بحناياها ويسحب عبيرها وكأن هذه جرعته قبل النوم
استيقظت بعد فترة، وجدت نفسها مكبلة بذراعيه هبت فزعة تصرخ
نهض وحاول ضمها
-اهدي حبيبتي أنا جاسر. ابتعدت لأخر الفراش
-بتعمل ايه هنا، وازاي تنام في حضني كدا، انت اتجننت
أشار بكفيه بهدوء
-جنى اهدي. انت دولوقتي مراتي، حبيبتي انا كتبت كتابي عليكي
نهضت تصرخ به
-كذاب. انت كذاب ياجاسر، ازاي اتجوزتني، من غير ماأعرف، لا وكمان انت متجوز، خاين، انت خاين.
-ماشي ياجنى انا خاين، انا اللي خونت ولعبت عليك وروحت قولتلك بحب واحد تاني. نهض متجها إليها
امسكها من كتفيها يهزها بعنف
-ازاي قدرتي تضحكي عليا، ازاي قولتي بتحبي جواد وفجأة تنسيه وفجأة تتخطبي
ايه موضوعك بالظبط
-ابعد عني بقولك. ابعد أنا بكرهك. هزت رأسها وانسابت عبراتها
-بكرهك عشان انت اكتر واحد اذتني، بكرهك ياجاسر
جذبها لأحضانه يحاوط خصرها
-آسف حبيبتي متزعليش مني، أخرجها من أحضانه يحتضن وجهها.
-بتكرهيني ياجنى. قالها وهو يزيل دموعها، ثم أخرج زفرة حارة ضربت وجهها كصفعة قوية. رفعت عيناها الباكية وارتجفت شفتيها
-ابعد عني ياجاسر، روح لمراتك وحياتك، بعد كام شهر هتكون أب
وضع جبينه فوق جبينها وآه ابلغ من أي رد
-انتِ دلوقتي حياتي كلها ياجنى، مش عايز غيرك، وكلمة بكرهك دي حرقت قلبي يابنت عمي
رفعت كفيها على صدره وتمتمت.
-بعد الشر على وجع قلبك. مقصدش، بس اللي بتعمله غلط، ازاي اتجوزتني وانت متجوز، انا مش موافقة، ولا عمري هوافق عن حياتي دي
اغمض عيناه مستمتعا بهمسها رغم حديثها المؤلم إلا أن قربها واستنشاق أنفاسها يكفي له
تراجع للخلف وسحب كفيها
-ارتاحي دلوقتي وبعد كدا نتكلم، بس اتأكدي انك دلوقتي مراتي ومستحيل أتنازل عنك.
-مراتي. وقعت الكلمة على مسامعها كمعذوفة موسيقية، تحركت وهي تطالع قربه فقط، كيف له أن يقترب بتلك الطريقة، نعم هما كانوا قريبان، ولكن ليس كهذا
دثرها بالغطاء، ثم انحنى يطبع قبلة بجانب شفتيها هامسا لها
-نوما مريحا مهلكتي الجميلة
كانت سعيدة من قرب انفاسه، تمنت لو يتوقف الكون على ذاك القرب. ابتعد وعيناه تحاصرها قائلا.
-هعملك مكرونة عارف انك بتحببها، قالها واستدار متحركا سريعا حتى لا ينقض على تلك الشفاه التي ترتجف بغرور
مرت الأيام سريعا. صهيب الذي دخل في غيبوبة، وتدهور علاقة ربى بعز إلى أن جاء ذاك اليوم. كانت تجلس بغرفتها عند والدها بعد تجمد عز معها. استمعت إلى صوته
-اختي فين ياحضرة اللوا، دي الأمانة اللي المفروض تصونها. توقف بيجاد أمامه
-عز ممكن تهدى، انت مش شايف حالة عمك.
هوى جواد على المقعد بعدما خارت قواه، وهو يرى حزن ابنته الظاهر بعينيها ورغم ذاك إلا أنه لم يتدخل بينهما
-قولي هترجع اختي امتى ياعمو. ابنك خطف اختي شهر كامل ومعرفش عنها حاجة. اقترب من جواد الذي اتخذ الصمت جوابا له
ولكنه رفع رأسه مذهولا عندما أردف عز
-دلوقتي بنتك قصاد اختي ياحضرة اللوا، وانا معنديش أغلى من جنى.
وصلت إليهم بخطواتها الضعيفة المتهالكة محاولة التماسك، مقتربة من والدها تنظر إلى الجميع بتشتت آفاقها عز إلى أرض الواقع الأليم
-ربى قصاد جنى ياحضرة اللوا. هنا انعقد لسانها وتاهت مفردات اللغة وسط ذهول الجميع، فماذا سيكون حالها بعد إطلاق كلماته النارية التي اخترقت صدرها وادمته
توقفت بينه وبين والدها توزع النظرات بينهما. فهتفت بتقطع.
-فيه ايه يابابا. مالك ياحبيبي زعلان ليه. تحركت إلى أن وصلت أمامه ورفعت كفيه تقبله وأخذت تمرر كفيها المرتجف على وجنتيه وعيناها مختلطة مياهها بنيران ألمها الضاري، فاستدارت تنظر لذاك المتحجر، أزالت عبرة غادرة انسابت على خديها المحترق بعنف وهتفت بقوة
-اختك قصادي ياباشمهندس. تمام وأنا بقولك انت متلزمنيش. لم ينظر إليها واعاد حديثه.
-مردتش ياحضرة اللوا، ابنك يجيب اختي خلال 24 ساعة ياإما بنتك عندك. قالها ثم استدار ولكنه توقف عندما هتفت ربى بإقتضاب وحزم ومشاعر الغضب والحزن أشعلت نيران قلبها
-طلقني ياعز، حتى لو جاسر رجع جنى انت متلزمنيش ولو راجل وابن صهيب الألفي فعلا ارمي عليا اليمين قبل ماتخرج من بيت جواد الألفي
شهقت غزل فهبت ناهضة متجهة الى ابنتها. بينما اتجه بيجاد بخطوات مهرولة إلى عز عندما وجد شحوب جواد وعيناه الزائغة.
-امشي من هنا يلا. ولكن نظراته عليها وحدها، لقد تهشم قلبه وأصبح فتات متناثرة. فهمس
-ربى متدخليش بينا
ابتسامة ساخرة تعيد حديثه
-سمعني كدا قولت ايه
ربى. قالتها غزل
اطلعي اوضتك حبيبتي. استدارت إلى والدتها تطالعها بذهول
-نعم ياماما. اطلع، وياترى اطلع ليه مش الموضوع دا خاص بيا ولا ايه
أشارت صارخة في عز فلقد تحاملت كثيرا لفترة
-الباشمندس يرمي عليا يمين الطلاق دلوقتي ياماما. انا مستحيل افضل على ذمته لحظة واحدة.
دنى بخطوات متعثرة يطالعها بذهول
-ربى ايه اللي بتقوليه دا. أسرعت إليه تلكمه بصدره بقوة: -بقولك طلقني. سمعتني طلقتني مش عايزة اعيش مع واحد ذيك. استدارت إلى والدها
-مش دا اللي وعدك أنه مش هيتخلى عني. دا طلع خاين يابابا. قالتها صارخة وتحولت حالتها إلى الجنون
صرخت غزل باسم جواد عندما وجدت شحوب وجهه، بدأ يفتح زر قميصه ولكن لم يقو على رفع كفيه، رفع عيناه لغزل فلقد فقد الكلام كأن جسده شل بالكامل.
صرخت غزل وهي تحتضتنه، هرول بيجاد وعز إليه بوصول غنى من الأعلى بعد سماعها لصراخ والدتها. توقفت تنظر بذهول لحالة والدها
بعد شهر. بعد تحسن حالة جنى وتواصلها يوميا مع والدتها. رجع جاسر بصحبتها القاهرة ولكن بمكان خاص بهما بعيدا عن حي الألفي
كانت تجلس شارة تشاهد النيل مع غروب الشمس من شرفتها. استمعت إلى طرقات خفيفة، ولج بعد طرقه للحظات
-جنى هنزل أروح مشوار، يعني ساعتين كدا وراجع، محتاجة حاجة.
نهضت متجهة إليه
-مبتروحش بيتك ليه ياجاسر، ياريت ترجع لحياتك أنا بقيت كويسة
زفر مختنقا من أسلوبها الذي اعتمدته معه منذ فترة وكأنه غريبا عنها
استدار دون حديث
-جنى متخلنيش ازعلك، خليكي في حياتك وبس. استمع الى رنين هاتفه، فتحه وجدها فيروز
رفع نظره إليها ثم إلى الهاتف.
-أيوة يافيروز، تمام نص ساعة وهتلاقيني هناك.
استدارت تنظر إلى النيل وتحدثت: -مفيش داعي تخبي يابن عمي، احنا مش متجوزين، علشان متأنبش نفسك، روح شوف مراتك وابنك
دنى يحاوطها من الخلف ثم وضع ذقنه على كتفها
-أنا مراتي في حضني دلوقتي. لكزته بقوة وهتفت بغضب
-جاسر الزم حدودك معايا، قولتلك انت ابن عمي وبس، ومتفكرش قعدتي معاك لحاجة تانية، علشان وعدت ماما بس، بابا يفوق وعز كمان هرجع بيت ابويا
جذبها من خصرها بقوة.
-احلمي ياجنى. تعمقت برماديته ونيران الغضب والغيرة تحرق داخلها
-أنا مش بحلم يابن عمي، أنا بقولك الحقيقة مش اكتر، انا عمري ماهكون ليك ياجاسر، بلاش تأنب ضميرك اللي حصل قدر ومكتوب، وانا هرجع ليعقوب اكيد هيتفهم بس اللي مصبرني سفره
ضغط على خصرها بقوة آلامتها ثم دفن رأسه بعنقها وبأنفاس محترقة.
-خلي حد يقرب منك وشوفي هعمل ايه، هاتي سيرة راجل تاني على لسانك الحلو دا، علشان أقصه بطريقتي، وأنا بتمنى والله. قالها وعيناه على كرزيتها
شعرت بتذبذب بأنحاء جسدها، ودت لو تعانقه وتأخذ جرعتها من رائحته التي اشتاقتها حد الجنون، ولكن كيف تغفر له بعد ماحدث بينهما.
أنفاسه الحارة بصدرها جعلت ساقيها كالهلام حاولت الحديث ولكنها لم تقو، رفعها من خصرها عندما شعر بإرتجاف جسدها بين يديه، واتجه إلى الأريكة وهي تحاول الفكاك من قبضته
ازال خصلاتها المتمردة، حتى ظهر عنقها المرمري أمامه، ايتسامة أنارت وجهه
-مهلكة قلبة ياجنى، ناوية تعملي في قلبي الضعيف ايه، بس متخافيش هغفرلك ياقلبي
-مش لما نتحاسب الأول يابن عمي
-مستعجلة على الحساب ليه يابنت عمي، هنتحاسب ونتحاسب جامد اوي.
دنى من شفتيها وداعبها بخاصته، ابتعدت بعدما شعرت بقشعريرها بعمودها الفقري، وكأن روحها هربت من تسارع نبضاته ولم ترد سوى احتضانه، قلبها الخائن اضعفها حتى تكورت الدموع بعينيها من حالة قلبها
وكأن الحبيب يشعر بحبيبه فحاوط جسدها الضعيف بين ذراعيه وضمها بقوة إلى صدره، لحظات متناسية كل ماحولها، وضعت رأسها على صدره واغمضت عيناها تمنت توقف دوران الأرض هنا، تمنت لو تحاوط خصره ولكن كبريائها يمنعها من فعل ذاك.
رفع ذراعيها حول خصره هامسا لها
-مالكيش مكان غير هنا يامهلكة قلبي.
هنا فاقت من سطوة مشاعرها وعادت لأرض الواقع فهبت فزعة من فوق ساقيه
بالمشفى عند جواد
كان يجلس بجواره يحتضن كفيه ثم طبع قبلة عليها
-الف سلامة عليك ياعمو أنا اسف حبيبي. ياله فوق وارجعلنا
دلفت ربى غرفة والدها
-بتعمل ايه هنا. من فضلك اطلع برة مش مرحب بيك.
شوفت الدنيا صغيرة أد ايه ياحضرة المهندس.
-حرمت اخويا من دخوله يطمن على عمه، وانا دلوقتي بحرمك من دخولك لبابا. تحرك عز دون حديث
دلف أوس ينظر إليهما بصمت فأشار إلى ربى
-اطلعوا برة انتوا الأتنين، مش عايز اشوف حد فيكم قدامي
أطبقت على جفنيها ثم أردفت
-مقدرش أبعد عن بابا ياأوس
نظرات غاضبة لعز فأشار إلى الباب
-تدخل هنا بأذن مني، سمعتني، مش عايز اشوف وشك قدامي
تحركت ربى إلى أن وصلت إلى فراش والدها وجلست بجواره وعبراتها تحرق وجنتيها.
-بابا حبيبي وحشتني مش عايز تفتح عيونك بقى
ولج جاسر بخطوات مهزوزة وعيناه على والده المسجى على الفراش، خطى إليه وكأنه يخطو فوق بلور ليشحذ أقدامه ونيران تحرق صدره
هوى بجوار فراشه وصوت بكائه شقت له الصدور
دفن وجهه بأحضان والده يبكي بنشيج مرتفع
-حبيبي فوق. انا هنا، ربت أوس على كتفه
-قوم ياجاسر بلاش ضعفك دا، بابا هيفوق وهينور حياتنا من تاني.
بكاء مرتفع بالغرفة حتى تعانق الثلاث إخوة. إلى أن ولجت غزل تنظر لأبنائها متسائلة
-فين ياسين وغنى مش باينين ليه. أزالت ربى عبراتها واجابتها
-عند عمو صهيب، كان عايز يجي يشوف بابا بس هما رفضو وراحوا مع عمو سيف لعمو صهيب
اومأت متفهمة وتحركت تنظر إليهم
-بتعيطوا ليه مش عايزة ضعف ابوكم كويس ولاد جواد الألفي أقوياء مش ضعاف العياط. اتجهت لجاسر وهتفت
-روح هات جنى خليها تشوف ابوها وعمها.
هز رأسه رافضا.
-عمو صهيب رافض ياماما حاليا
-جاسر اللي بقول عليه تسمعه ولا كبرت على امك
بعد مرور عدة شهور
بإحدى المناطق السكنية الراقية. كانت تغفو على الأريكة تذهب بسبات عميق، دلف للداخل يحمل بعض الأكياس البلاستيكية، وضعها بهدوء عندما وجدها تغفو بتلك المنامة الوردية وخصلاتها المنسدلة على الوسادة.
تحرك حتى وصل إليها وجلس على عقبيه يرسمها بعينيه، لقد اشتاق إليها كثيرا بعد شهر ولم يراها به، اتجه بكفيه المرتعش يلامس خصلاتها هامسا باسمها
- جنى. فتحت جفونها بتثاقل وكأنه يروادها بأحلامها، ولكن هبت فزعا عندما لامس كفيه وجنتيها وابتسامة على وجهه
ابتلعت ريقها بصعوبة تحاوط جسدها بذراعيها
-جاسر! ايه ال جابك هنا
تستغرق لحظات يطالعها فقط، فحمحم ناهضا ينظر لتلك الأكياس.
-جبتلك حاجات، عرفت انك مخرجتيش بقالك فترة فقولت اكيد تلاجتك فاضية. جذبت مأزرها تضعه على جسدها، وتلملم خصلاتها، بعدما ولاها بظهره، فتحدثت
-لا عمو جواد كان هنا وجابلي حاجات. استدار إليها جاحظا عيناه متسائلا
-بابا! هو عرف مكانك
جلست تنظر للأسفل وإومات برأسها ايجابا والدموع تغيم بمقلتيها
رفع ذقنها بأنامله يتنهد بحرقة قائلا بنشيج مرير
-شكل بابا وجب معاكي، دا لو عرف
نظرت إليه وتكونت الدموع بعيناها.
-تفتكر واحد زي عمو جواد مش هيعرف ال حصل
كور قبضته وانفاسه تحرقه من يقترب منه
-يبقى عمره ماهيسامحني. اقتربت منه واحتضنت كفيه لأول مرة منذ فترة طويلة وتعلقت عيناها بعينيه إثر سماعها كلماته التي اخترقت جدران قلبها فتحدثت بتقطع
-قولتلك بلاش تعمل كدا بس انت ال أصريت ياجاسر وشوف النتيحة، عمو جواد زعلان جدا، لو شوفت حالته إزاي بعد ماجه صعب عليا جدا، مش مصدق انك تعمل كدا فيه وصدمته الأكبر في بابا.
بتر كلماتها مقترنا بابتسامة على شفتيه وهو يحتوي كتفها بين ذراعيه
-مش مهم، متخافيش بابا هيتفهم الموضوع، ومتنسيش انك عند جواد إيه ياجنجون
انسدلت عبراتها تحرق وجنتيها وأجابته
-كان ياجاسر، كان وقت ماكنا عيلة، مش دلوقتي، شوف العيلة بقت إزاي، معدش فيها إلى ذكريات
احتضن وجهها طابعا قبلة عميقة على جبهتها يحدق بها برماديته قائلا
-مفيش حاجة ضاعت، بكرة لما نرجع حي الألفي، كل حاجة هتتنسي.
أنزلت ذراعيها وتراجعت للخلف تجلس على الأريكة
-مستحيل ارجع تاني هناك، مستحيل ياجاسر، انت ارجع لبيتك ومراتك ومالكش دعوة بيا، وخليك قد كلمتك ال اتفقت مع بابا عليها
احس بقبضة قوية تعتصر صدره، فاقترب منها يجلس أمامها على عقبيه
-وأنا مش فاكر اتفقت مع باباكي على ايه، دنى يهمس بجوار اذانها
-لو فاكرة يابنت عمي فكريني.
ارتعش جسدها من انفاسه التي لافحت عنقها، فتراجعت للخلف تحتضن نفسها وتهرب من نظراته التي تخترقها. ارتبكت متمتمة
-انا هقوم أجهز الغدا، تاكل قبل ماتمشي، قالتها ونهضت متجهة للمطبخ سريعا
تحرك خلفها بالشنط البلاستيكية ووضعها على الرخامة. وتحرك يقف خلفها يحاوطها بذراعيه
-أنا مش همشي، أنا هبات هنا الليلة.
سقط الذي بيديه حتى أصدر صوتا، فارتبكت تجمع الزجاج، نزل يجمع الزجاج، مبتعداً بها عن المكان، يحتضن كفها الذي نُزف
-ينفع كدا مش تاخدي بالك، مفكرة نفسك طفلة
ران صمتل هادئا عليهما وهو يقوم بتنظيف جرحها، لم يخل من النظرات وحبس الأنفاس والتفكير يأبى طي الكتمان فإما البوح والأستكانة، أو الصمت والعذاب الأبدي.
-بتعمل كدا ليه يابن عمي، ياترى تكفير ذنب عن ال حصلي، ولا. رفع ابهامه يضعه على شفتيها ودنى ورماديته تحاور بنياتها
-إياكِ تغلطي، عشان وقت العقاب هيكون شديد أوي يابنت عمي
رجفة بسائر جسدها وهي تعانق عيناه فارتجفت شفتيها وهمست
-ابعد عني عشان متتأذاش ياجاسر، أنا ميرضنيش الأذى والوجع
جذبها لأحضانه يعتصرها بقوة هامسا لها
-وجاسر يستاهل العذاب ياجنى، لا يتعذب ويكفر عن ذنوبه. ارتفعت شهقاتها وهي تحاوط خصره.
-أنا مؤذية للكل، اذيت الكل، فرقت الكل، ليه بيحصل معايا كدا، هو أنا وحشة لدرجة الكل بقى يكرهني كدا
أخرجها من أحضانه يحتضن وجهها وتكورت عبراته يرسم وجهها الجميل
-إنتِ أجمل بنت في الدنيا دي كلها، إنت البلسم والدوا ياجنى، اوعي حبيبي تقولي كدا
بكت بنشيج وارتجفت شفتيها تهز رأسها رافضة حديثه
-وبدليل أنا هنا، مهاجرة بعيد عن حضن أمي وأبوي، واخويا ال حياته ادمرت بسببي.
بتر حديثها يبتلع كلماتها بجوفه لأول مرة يتذوق تلك الشفاة التي أرهقت منامه حتى لم يشعر بهدوء روحه العاصية، لحظات وهو يحتضن شفتيها، ربما هدوء لملمة نفسه، أو هروبا من القادم، كل مايجب فعله ومايشعر به هو تذوقها فقط.
↚
كيف أُخبرك بأنك الشيء الوحيد الذي أحمله بداخلي ولا أُريده أن ينتهي!
كلمات جاسر الألفي ش
قبل شهرين وخاصة بعد عملية صهيب بأسبوع
ولج غرفتها التي اتخذها لها بمكان أكثر هدوء وراحة حيث الأشجار الخضراء تحاوطه، كانت تجلس تنظر للخارج بشرود. خطى إلى أن وصل إليها، يمسد على خصلاتها
-عاملة إيه النهاردة حبيبتي
رفعت نظرها إليه وابتسمت
-الحمد لله احسن بكتير، هنزجع القاهرة إمتى بقالنا شهر هنا.
جلس بجوارها يحاوطها بذراعيه
-لسة شوية اطمن عليكي الأول وكمان باباكي يفوق مش ضامن عز
اغروقت مقلتيها بدموع الخزي فهتفت من بين بكائها
-جاسر ليه عز عمل كدا، من إمتى وهو بقى كدا
طبع قبلة على رأسها يربت على ظهرها
-غصب عنه حبيبي، أخته وكل حياته يحصلها كدا وبسببي، كانت الضربة قوية عليه
طافت عيناها بجميع أرجاء المكان وتسائلت: -وليه بسببك، إنت ذنبك ايه، دا نصيبي يابن عمي.
صمت للحظات عندما فقد النطق وكأن الحروف هربت من بين شفتيه. سحب نفسا طويلا وزفره قائلًا والخذلان يخترق صدره كالرصاص
-لاني السبب فعلا ياجنى، انا اللي بعتك هناك، اتجه ببصره إليها وتنهد حزينا
-فيروز ومامتها السبب
شهقة خرجت من فمها تهز رأسها رافضة حديثه
-مش معقول، لا مستحيل، وليه تعمل كدا
بكت بمرار والدموع يتساقط من محاجرها متلألئة وتحدثت من بين دموعها
-أنا مأذتهاش ياجاسر، ليه تدبحني بالطريقة دي.
احتضن وجهها وتعمق بالنظر لمقلتيها
-لأنها اكتشفت الحقيقة، فحبت تتخلص منك
حقيقة! تسائلت بها مذهولة
حقيقة ايه دي اللي يخليها تدبحني كدا، حقيقة ايه اللي تخليها تخليني اخاف من أقرب الناس ليا
أطبق على جفنيه وانزل نظره للأسفل عندما شعر بثقل همومه
رفعت ذقنه تنظرإليه بدموع عيناها
-ساكت ليه يابن عمي، ليه مراتك دبحت بنت عمك بالطريقة البشعة دي.
استند على الحائط برأسه، فلقد حاول نسيان تلك الأيام التي عاشها بآلامها حد الاختناق دون أن يصدر صوتا، أو يعذب أحد غيره، تحمل انفطار قلبه وإلغاء شخصيته حتى وصل لهذا الحال
أطبق جفنيه وارجع رأسه للخلف منهزما، ثم سحب نفسا محاولا التنفس، ولكن كيف له التنفس وهو يشعر بأشواك تخربش رئتيه. استدار برأسه واجابها وعيونه تحاوطها بتركيز
-عرفت أني بحبك ياجنى
قشعريرة اختلجت كيانها، حتى شعرت بإرتجاف جسدها فهتفت بتقطع.
-ودي جديدة، ماهي عارفة علاقتنا ببعض من قبل الجواز، قالتها متهربة
أرجع خصلاتها التي حاوطت وجهها بعشوائية بسبب الهواء ووضعها خلف أذنها ودنى يهمس بالقرب من شفتيها
-لا يامهلكة قلبي، مقصدش الحب دا، أقصد حبك اللي اهلكني ومبقتش قادر اخبي اكتر من كدا
تراجعت للخلف تنظر إليه بذهول وارتجافة بقلبها من حديثه، حتى فقدت توازنها أمامه وضعفت وهي تتمتم
-ايه الهبل اللي بتقوله دا، وازاي تكذب عليها.
تنهيدة عميقة وزفرة خفيضة بنيران الحب ثم همس اسمها بنبرة خفيضة ولكنها وصلت لأذنيها بصوته الدافئ؛ مما جعلها تشعر بإرتجافة أوصالها فبعدت عنه
رفع ذقنها ومازالت نظراته تفترس ملامحها الجميلة رغم شحوب وجهها
تلاقت عيناها بعينيه
-عايز توصل لأيه يابن عمي. جذبها بقوة لأحضانه ولف ذراعه يدفنها داخل أحضانه
-إنتِ في حضني كدا هوصل لأيه ياحبيبي
حاولت الفكاك من أحضانه.
-جاسر لو سمحت مينفعش كدا، ابعد لو سمحت مش عايزاك تقرب مني
رفع خصلاتها ووضعها على جنب ووضع ذقنه فوق كتفها، وانفاسه تلفح عنقها هاتفا دون جدال ومازال متحكما بها: -لا ياحبيبي هقرب وهقرب اوي كمان، ولو كنت سكت الشهر دا فعلشان كنتي تعبانة مش أكتر
استدارت تطالعه بغضب: -جاسر انت اتجننت ابعد بقولك متخوفنيش منك. شدد من احتضانها.
-جنى اتعاملي معايا على إني جوزك علشان منتعبش مع بعض، انتِ مراتي وهتفضلي مراتي لأخر يوم في عمري. قالها ثم نهض متجها للداخل
مرت عدة ايام اخر وهو يتجنب الحديث معها سوى في أمورها الصحية، إلى أن أتى ذاك اليوم
-اجهزي هننزل القاهرة، قدامك نص ساعة بالكتير والاقيكي تحت
أمسكت كفيه.
-هتفضل تعاملني بالطريقة دي، سحب كفيه بعيدا وأردف: -احنا مش هنروح حي الألفي ودا أمر من والدك، وزي ما والدتك فهمتك هتنزلي على البيت اللي اشتريته، ومامتك هتروحلك كل فترة هناك، ممنوع عز يعرف مكانا، دا لو خايفة عليا من اخوكي
توقفت أمامه ورفعت ذراعيها تحاوط كتفه، اللي بتقوله دا غلط، بلاش تعمل عدواة مع العيلة لو سمحت
أبعدها بهدوء
-عدواة! قالها متعجبا، ثم تحدث مستنكرا كلماتها.
-جنى هتعيشي معايا على إنك مراتي، دا آخر ماعنديش
-عايزة اقعد لوحدي، لازم ارتب حياتي قبل اي قرار، وانت كمان لازم ترتب حياتك مع مراتك وتنسى الهبل اللي قولته
جز على أسنانه وضغط على رسغها بقوة وهتف بهسيس
-احمدي ربنا إنك خارجة من تعب، دنى حتى اختلطت أنفاسهما وهتف بهسيس
-متخلنيش اضطر اخليكي مراتي غصب عنك، واقنعي نفسك من دلوقتي انت مرات جاسر الألفي.
لف ذراعه وجذبها من خصرها ينظر لذهولها وعيناها المتحجرة، ثم دنى يهمس بجوار أذنها
-احفظي الكلمتين دول وحطيهم في قلبك قبل عقلك
جنى جاسر الألفي، هتفضلي كدا لحد ما اموت. فتحت فمها للتحدث وضع إبهامه على شفتيها
-مش مسمحولك بكلمة، سمعتك زمان النهاردة انا مبسمعش، يعني تقدري تقولي أصم عن أي كلام مش عجبني.
سقطت كلماته فوق مسامعها كصاعقة صفعتها بقوة، ابتلعت ريقها بصعوبة تنظر إليه بأعين زائغة غير مستوعبة حديثه ولسان حالها يتسائل من هذا الذي أمامها
امال بجسده قائلاً: -أنا جاسر هو بشحمه ولحمه، بس الفرق انك مراتي وأنا جوزك. فاهمة، قالها وهو يداعب أنفها بأنامله
توسعت حدقيتها لا تصدق تبدل حاله، وقفت بجسد مرتجف تريد حضنه ليحميها من ارتجافة جسدها الذي تسبب بها حتى شعرت بخواء ساقيها ولم تقو على حملها.
استدار متحركا وهو يهتف
-يالة اجهزي، عايزين نوصل بدري
بعد عدة ساعات ولجت بجواره إلى منزلهما الجديد، وجدت به خادمة ومرافقة لها
-مين دول.؟ تسائلت بها جنى. ربت على كتفها
-غادة خدي شنطة المدام دخليها جوا وحضريلها الحمام
قشعريرة أصابت جسدها من كلمته التي خصها بها المدام
كانت تطالعه بأعين تفيض عشقا، أحست بالحرارة تزحف لوجنتيها خجلا عندما طبع قبلة بجانب شفتيها
-ادخلي ارتاحي، مامتك في الطريق وانا ساعتين وراجع.
استدار متحركا ولكنه توقف عندما أشارت لحقيبته
-خد هدومك معاك، انا عايزة افضل لوحدي، مراتك المجنونة اولى بيك
سكت هنيهة يحاول ضبط انفاعلاته فتراجع إليها
-حاضر ياجنى هسيبك لوحدك وهروح لمراتي ادخلي ارتاحي، بس عايز افهمك حاجة أحنا مش هنرجع حي الألفي تاني، وكلمت المحامي يفصل كل ماله علاقة هناك
-ليه كدا عمو مش هيسكت.
تراجع إليها: -أنا تعبت من كل اللي حواليا عايز ارتاح، مش عايز كل واحد يتهمني السبب في كل حاجة، عمتك وعز وكله حتى اخواتي، تعبت ومن حقي ارتاح، ولازم الكل يتعود
اقتربت منه وامسكت كفيه: -جاسر احنا مينفعش نكمل مع بعض، نفض كفيها
-مش انتِ اللي تقرري كدا، وياريت تنسي كلام باباكي معايا انا مش هبعد عنك واعقلي، انا هسيبك تقرري مع نفسك ماتنسيش وأنتِ بتقرري مع نفسك تقنعي نفسك انك هتفضلي مراتي.
. قالها وتحرك سريعا من أمامها
بعد فترة وصل الى المشفى وجد والده بغرفة صهيب
-بابا وحشتني؟
ابتعد جواد بنظره بعيدًا عنه وتحدث إلى صهيب
-خد بالك من نفسك متخليش حد يزعلك، قالها وهو يرمق جاسر وتحرك خارجا
أشار صهيب بعينيه إليه. فتحرك خلف والده
-بابا. توقف جواد وهو يواليه ظهره. تحرك إلى أن توقف أمامه
-حضرتك هتفضل مقاطعني كتير!
ضغط على كفه حتى لا يرفعه ويصفعه.
-قولي ايه اللي يثبت اني ابوك، قولي وعرفني ياحضرة الظابط، اول مرة لجأت لباسم وشوف وصلت لأيه وتاني مرة لجأت لعمك وشوف النتيجة ايه دلوقتي
لكزه بكتفه يجز على أسنانه
-لجأت للغريب قبل ابوك، ابوك فين من حياتك ياحضرة الضابط. وديت بنت عمك فين، وقبل ما تتكلم وتقولي متعرفش هقولك انا عرفت انك اتجوزتها ومش من صهيب ياحيوان.
هترجعها ياجاسر، وتخلي الكل يقرر، انت مش عايش لوحدك وقبل ماتعترض، عرضناها عليك في الأول وحضرتك رفضت، ومتفكرش الحادثة هتضعفها، بالعكس انا هقفلك
-بابا جنى مع جوزها. أشار بسبباته
-يبقى هتخرب بيوت كتير ودلوقتي
امشي من قدامي خليك بعيد عني ووقت ماتحتاج حد ياتروح لعمك صهيب أو عمك باسم
احتضنه وانسابت عبراته
-بابا لو سمحت بلاش تقسى عليا كدا. لو سمحت.
-اقسى عليك، وانت عملت فيا إيه ياكبير، قولي عملت ايه غير انك صغرت ابوك قدام الكل، وآخرهم يعقوب اللي جه بيطالب بخطيبته، مكنش قدامي غير أقوله عند الدكتور، أفضلها تفضل بعيد عن الكل
-صغرتني ياكبير، صغرت امك خالص
-بابا متقولش كدا لو سمحت، انت اغلى من روحي، محبتش اوجع قلبك عليا، احتضن وجهه بعنف يهزه
-إنت اهبل يلا انت ابني وابني الكبير، اللي روحي فيه ازاي تقول كدا
رفع بصره وتحدث مهموما.
-أنا تعبت ويأست من كل حاجة، وصلت لطريق اللاعودة يابابا
لكزه بقوة وصاح غاضبا
-ابن جواد الألفي مايقولش كدا يلا، انا هسيبك يومين لحد ما ترجع بنت عمك وهي اللي تقول ومن الافضل انك تبعد ومش علشانك
-علشان عمك مش مستعد أفقد حد فيكم، انت هتتحمل أما هو لا
ربت على كتفه
-مش بقولك طلقها بس بقولك رجعها علشان تريح الكل ونرجع نلم شمل العيلة
هز رأسه رافضا حديث والده
-مش هقدر، خلينا كدا بعيد
-تمام ياجاسر.
ابتسم له ثم دنى يقبل كتفه
-ربنا ما يحرمني منك ياحبيبي. تحرك وهو يشير بسبباته
-غلطان ياابن جواد انا مسمحتكش لسة
ولج إلى صهيب
-عامل ايه ياحبيبي دلوقتي، الحمد لله كدا تخضنا عليك وتدخل غيبوبة
شاكسه صهيب بصوت متألمًا
-لا متخافش لازم اربيك الأول وبعد كدا اموت
-بعد الشر عليك ياعمو، أنا جتلك هنا يوم العملية، بس عز قوم القيامة
اومأ برأسه حزينا
-عارف، معلش ياحبيبي اعذره. رفع نظره بمغذى.
-جنى عاملة إيه. نهى بتقولي بقت كويسة، وكمان اخر مرة كلمتها حسيت إنها كويسة
ابتسم عندما تذكر ذاك الشهر المنصرم بينهما وعقاب كلا منهما للآخر
-بتضحك على ايه يلا. اوعى يكون قربت للبت ادبحك
قهقه جاسر عليه، ثم غمز بعينيه: -لحد دلوقتي لسه ياصهيوب، لكن اوعدك في أقرب وقت هتكون جد
جحظت عيناه يشير بسبباته محذرا
-اياك يابن جواد. دنى من عمه وانحنى بجسده يحاوطه بذراعه.
-أنا مش جواد الألفي ياصهيوب قولتهالك قبل كدا، متحلمش ارجعلك بنتك دي حاجة الحاجة التانية االلي لازم تقتنع بيها
-إن بنتك اللي هي جنى جاسر الألفي دلوقتي بقت ملكي ومحدش يقدر يقربلها غيري. ماشي ياصهيوبة
ولج عز بتلك الأثناء. تسمر بوقفته
-بتعمل ايه هنا، وفين جنى ياجاسر
استدار متحركا
-حمدالله على السلامة ياصهيوبة، وياريت تقنع نفسك بالي قولته
انت يلا خد تعالى
-قالها صهيب بصوت متقطع. استدار يرفع حاجبه بسخرية.
-متحاولش ياعمو خلاص خرج السهم من القوس
وصل إليه عز يجذبه من تلابيبه
-متخلنيش استعمل حاجة توجعنا كلنا يابن عمي
-عز. قالها صهيب، لم ينظر إلى والده وظل يطالع جاسر بنظرات جحيمية
-صدقني هتخليني الجأ لحل هيوجعنا كلنا
دفعه جاسر وأشار إلى رأسه وتحدث غاضبا
-حط في دماغك الكلمتين دول يابن صهيب واحفظهم كويس
-جنى مراتي، عايز تاخدها يبقى موتني، اختك بقت ملكي ومحدش يقدر يقربلها
لكمه عز بعنف.
-ملك مين ياحيوان مش دي اللي سبتها ورحت اتجوزت
-عز. صاح بها متألما. أمسك جاسر كفيه بعنف ورمقه بنظرات ناريه
-بص يلا علشان اتحملتك كتير، انا اتجوزت اختك من ابوها، مالكش حاجة عندي. دفعه بقوة وصاح هاتفا
-واختك موافقة على كدا انت مالك. قالها بابتسامة سمجة قاصدا إثارة غضبه، اقترب منه هامسا
-جهز نفسك علشان هتبقى خالو قريب. اشعلت كلماته نيران صدره فهجم عليه كالحيوان المفترس.
-اه ياحيوان ياكلب، وحياة ربي ماهسيبك. اعتدل صهيب وآلامه قلبه وهو يراهما بذاك الشكل
-عز، جاسر. ابعدو عن بعض. توقف بجسد هزيل، حتى خانه جسده وهوى ساقطا متأواه. أسرع إليه عز
-بابا. وضع كفيه أمامه
-ابعد عني. أنا معرفش. ثم رفع نظره لجاسر ينظر إليه بخذلان
-دا وعدك ليا. قولتلي هتتحمله، بقيتوا تأكلوا في بعض
اتجه لابنه.
-دا جوز اختك، ودا آخر كلام عندي، قالها صهيب وتنفسه بدأ يقل تدريجيا. طلب الطبيب سريعا الذي وصل وفحصه
-قولتلك ياصهيب ممنوع الحركة، عايز تموت نفسك يعني. قالها الطبيب متذمرا.
وقف جاسر ونظراته للأرض حزينا على ماوصل إليه
أشار صهيب إليه
-روح متسبش مراتك لوحدها.
مرت الأيام سريعا يوما يلو الآخر، ومازال الفراق بينهما صامدا، هي بمنزلها منعزلة عن حياتها سوى من اتصال والدتها، وزيارة واحدة لوالدها بعد مااستعاد بعض من صحته.
جالست وامسكت فرشاتها وألوانها التي بعدت عنهما منذ قرابة الخمس شهور. تنظر لتلك اللوحات التي أرسلها إليها، بعدما ابتعد عنها مثلما طلبت منه. بدأت تخطط أمامها دون وعي حتى أنهت رسمتها تنظر إليها بذهول فلقد أنهت رسمتها التي ماهي الا لسارق قلبها. لا تعلم اتبكي أم تحزن. شهر كاملا وهو لم يزرها، اشتاقت إلى أحضانه وهمساته لها، لولا زيارات والدتها ووالدها لها من الحين للأخر لكانت جنت من ابتعاده، تذكرت حديث والدها متسائلا: -طيب بدل جاسر مبتش هنا بيبات فين. ألقت الفرشاه متنهدة بوجع واشتياق.
استمعت إلى طرقات منزلها، ارتفعت دقاتها اعتقادا أنه هو، خرجت العاملة
-مدام جنى فيه واحد برة بيقول اسمه جواد الألفي. هبت فزعة متجهة إلى الباب.
عمو. همست بها ثم ألقت نفسها بأحضانه تبكي بشهقات مرتفعة
-عمو حبيبي. حاوطها بذراعه
-حبيبة عمو وحشتيني. ولجت تجذبه للداخل
-اخيرا حضرتك رضيت عليا وجيت تزرني
خلع جاكيته وجلس يشير إليها
-تعالي في حضن عمو يابنت صهيب، وحشتي عمو.
جلست بأحضانه كطفلة فاقدة لوالديها. تضع رأسها على كتفه
-بابا قالي اكيد هتيجي بس اتأخرت اوي، رفعت رأسها تنظر إليه بحزن
-اكتر من شهرين وجنجونة مش وحشتك
ابتسم على ملاكه، ازال خصلاتها من فوق عيناها
-جوزك فين. هبت واقفة، تفرك كفيها
-قصدك مين. توقف بجوارها يمسك كفيها
-هو إنتِ متجوزة حد غير الحلوف ابني
ابتسمت ونظرت للأرض بخجل تهز أكتافها
-معرفش، اكيد في الشغل وزمانه جاي
رفع ذقنها ينظر إلى مقلتيها.
-مش عيب تكدبي على عمو، أنا عارف أن الحلوف بقاله شهر مجاش هنا، وعارف كمان أنه باع شقته القديمة واشترى شقة لفيروز، بس اللي معرفوش هو فين وفيروز كمان مش موجودة في مصر، الولد دا بيعمل ايه من ورايا، جنى أنا جاي اخدك معايا
-جلست مهزوزة، أرجع ارجع فين حضرتك، رفعت نظرها إليه
-عمو أنا بقيت متجوزة ومينفعش ارخرج من غير إذن جاسر حتى لو جوازنا شكليا.
-يعني سايبك لوحدك عادي عندك تبقي لوحدك وهو مع مراته التانية. تألم قلبها بعد ذكر فيروز واجابته بعيونها الحزينة
-انا اللي طلبت منه يبعد علشان اعرف اقرر
-جنى هسألك سؤال وياريت تجاوبي عليه علشان من اجابتك دي هتحرك على أساسها
نظرت له منتظرة حديثه
-انتِ عايزة تكملي مع جاسر، انا عارف أنه كتب عليكي بعد ماباباكي طلب منه، متزعليش مني حبيبتي أنا مرضاش تكوني زوجة تانية غصب عنك، جاسر كتب كتابه.
هزت رأسها قبل مايكمل حديثه
-عمو ممكن منتكلمش دلوقتي لو سمحت، انا لسة تعبانة، ووقت مااخد قرار هقول لحضرتك، وقولت لجاسر كدا، وعلشان كدا هو مش موجود
نهض من مكانه قائلًا: -خلاص حبيبتي، اي وقت تحتاجيني فيه هتلاقيني
عند ربى وغنى
توقفت غنى تنظر إلى اختها بعيونا متألمة، أرسلت رسالة لزوجها ثم خطت إليها
-روبي حبيبتي بتعملي ايه، مش ناوية تروحي تشوفي جوزك
تنهدت بحزن وأجابتها.
-غنى أنا تعبانة وعايزة ابعد عن عز الأيام دي علشان منخسرش بعد
قطع حديثهما دلوف بيجاد
-غنى حبيبي، تعالي أنتِ وروبي نخرج شوية وناكل درة مشوي حبيبي. توقفت ربى
-هروح أشوف ياسمينا بتعمل ايه، اخرجوا انتوا. توقف بيجاد ينظر إلى أثرها بحزن
-أنا مدخلتش زي ماقولتي، بس وحياة ربنا عز دا عايز يتربى
جلست متنهدة بحزن
-لسة ماوصلتش لجاسر يابيجاد. جلس بجوارها ثم جذبها إلى أحضانه.
-هو كلمني ياغنى كان بيطمن عليكم، حسيته تعبان، بس اللي مش قادر أفهمه ليه مش عايزكم تتواصلوا مع فيروز، أنا خايف ليقتلها
لكزته ونهضت غاضبة
-خليت اخويا مجرم يابيجاد
جذبها بقوة لأحضانه
-وحياتك جوزك هيتحول لمجرم من جاسر وعز، روحي شوفي سفيان، وانا هنزل لباباكي دلوقتي عايزه في موضوع
بالأسفل وصل عز الذي توقف أمام جواد يخيره بين ابنته واخته، مما وصل إلى انهيار جواد ودخوله المشفى، وحجزه بها.
عند جاسر عاد إلى منزله بعد غياب شهر عنها بعدما طلبت منه المغادرة، تركها لتقرر، ولج للداخل
تحرك حتى وصل إليها وجلس على عقبيه يرسمها بعينيه، لقد اشتاق إليها كثيرا بعد شهر ولم يراها به، اتجه بكفيه المرتعش يلامس خصلاتها هامسا باسمها
- جنى. فتحت جفونها بتثاقل وكأنه يروادها بأحلامها، ولكن هبت فزعًا عندما لامس كفيه وجنتيها وابتسامة على وجهه
ابتلعت ريقها بصعوبة تحاوط جسدها بذراعيها
-جاسر! ايه ال جابك هنا.
إستغرق لحظات يطالعها فقط، فحمحم ناهضا ينظر لتلك الأكياس
-جبتلك حاجات، عرفت انك مخرجتيش بقالك فترة فقولت اكيد تلاجتك فاضية. جذبت مأزرها تضعه على جسدها، تلملم خصلاتها، بعدما ولاها بظهره، فتحدثت
-لا عمو جواد كان هنا وجابلي حاجات. استدار إليها جاحظا عيناه متسائلا
-بابا! هو عرف مكانك
جلست تنظر للأسفل وإومات برأسها ايجابا والدموع تغيم بمقلتيها
رفع ذقنها بأنامله يتنهد بحرقة قائلا بنشيج مرير.
-شكل بابا وجب معاكي، دا لو عرف
نظرت إليه وتكونت الدموع بعيناها
-تفتكر واحد زي عمو جواد مش هيعرف ال حصل
كور قبضته وانفاسه تحرقه من يقترب منه
-يبقى عمره ماهيسامحني. اقتربت منه واحتضنت كفيه لأول مرة منذ فترة طويلة وتعلقت عيناها بعينيه إثر سماعها كلماته التي اخترقت جدران قلبها فتحدثت بتقطع
-جاسر لازم ترجع لحياتك وتعمل زي ما وعدت بابا
-نهض غاضبا منها ثم تحدث:.
-وأنا مش فاكر اتفقت مع باباكي على ايه، دنى يهمس بجوار اذانها
-لو فاكرة يابنت عمي فكريني
ارتعش جسدها من انفاسه التي لافحت عنقها، فتراجعت للخلف تحتضن نفسها وتهرب من نظراته التي تخترقها. ارتبكت متمتمة
-انا هقوم أجهز الغدا، تاكل قبل ماتمشي، قالتها ونهضت متجهة للمطبخ سريعا
تحرك خلفها بالأكياس البلاستيكية ووضعها على الرخامة. وتحرك يقف خلفها يحاوطها بذراعيه.
-أنا مش همشي، أنا هبات هنا الليلة، ومش بس الليلة، ادتلك وقت بزيادة ودلوقتي أنا جاي زي مااتفقت معاكي.
سقط الذي بيديه حتى أصدر صوتا، فارتبكت تجمع الزجاج، نزل يجمع الزجاج، مبتعداً بها عن المكان، يحتضن كفها الذي نُزف
-ينفع كدا مش تاخدي بالك، مفكرة نفسك طفلة
ران صمتا هادئا عليهما وهو يقوم بتنظيف جرحها، لم يخل من النظرات وحبس الأنفاس والتفكير يأبى طي الكتمان فإما البوح والأستكانة، أو الصمت والعذاب الأبدي.
-بتعمل كدا ليه يابن عمي، ياترى تكفير ذنب عن ال حصلي، ولا. رفع ابهامه يضعه على شفتيها ودنى ورماديته تحاور بنياتها
-إياكِ تغلطي، عشان وقت العقاب هيكون شديد أوي يابنت عمي، بقالي فترة مستحمل ضغط عليا، قلبي مبقاش متحمل يامهلكة روحي
رجفة بسائر جسدها وهي تعانق عيناه فارتجفت شفتيها وهمست:
-ابعد عني عشان متتأذاش ياجاسر، أنا ميرضنيش الأذى والوجع، مش عايزة اوجعك، مش قصدي حاجة تانية.
جذبها لأحضانه يعتصرها بقوة هامسا لها:
-وجاسر يستاهل العذاب ياجنى، لا يستاهل يتعذب ويكفر عن ذنوبه. ارتفعت شهقاتها وهي تحاوط خصره
-أنا مؤذية للكل، اذيت الكل، فرقت الكل، ليه بيحصل معايا كدا، هو أنا وحشة لدرجة الكل بقى يكرهني كدا
حتى انت ماصدقت تبعد عني
أخرجها من أحضانه يحتضن وجهها وتكورت عبراته يرسم وجهها الجميل
-إنتِ أجمل بنت في الدنيا دي كلها، إنت البلسم والدوا ياجنى، اوعي حبيبي تقولي كدا.
بكت بنشيج وارتجفت شفتيها تهز رأسها رافضة حديثه
-وبدليل أنا هنا، مهاجرة بعيد عن حضن أمي وأبوي، واخويا ال حياته ادمرت بسببي
بتر حديثها يبتلع كلماتها بجوفه لأول مرة يتذوق تلك الشفاة التي أرهقت منامه حتى لم يشعر بهدوء روحه العاصية، لحظات وهو يحتضن شفتيها، ربما هدوء لملمة نفسه، أو هروبا من القادم، كل مايجب فعله ومايشعر به هو تذوقها فقط
فصل قبلته عندما شعر بإختناقها، وضع جبينه فوق جبينها.
-اياكي اسمعك بتقولي كدا تاني
-ليه بتعمل معايا كدا، لو مفكر انك بتعمل تكفير ذنوب عن اللي حصل مش هسامحك
نظرات معذبة إليها وقلب ينتفض بعشقها
-يعني بعد اللي حصل من شوية دا لسة بتقولي كدا، بعد اللي قولته كله ولسة برضو مصرة على وجع قلبي
تحدث بها بأنفاسا حارقة تصفع وجهها، رفعت نظرها إليه فهمس لها من بين دقاته العنيفة بعد تذوقه لكرزيتها
-اعذريني فأنا متعب حد الجحيم من بعدك عني.
رجفة أصابتها في خضم احاسيس أرهقتها وأثقلت نبض قلبها
-هترضى أكون زوجة تانية وتسبني اموت هنا وترحلها
تعلقت عينيه بعينها اثر سماعه كلماتها التي اخترقت قلبه ودّ لو يخبأها بين ضلوعه
اقترب ينظر لعيناها بعمق
-أنا طلقت فيروز، ومحدش يعرف غير باباكي ومامتك
وقبل أي حاجة علشان تعبت من كل حاجة وياريت متسأليش عن حاجة دلوقتي
نهض وجذب كفيها متجها إلى المدفأ وقام بإشعالها وجلس بجوارها واضعا غطاءا ثقيلا على أكتافهما.
-النهاردة لازم نتكلم ياجنى، ليه قولتي انك بتحبي جواد، وليه ابن عميد الجامعة جه يخطبك وأنتِ مقررة رفضه، مارفضتيش من الاول
رفع نظره إليها واستأنف
-وليه اتخطبتي ليعقوب، ازاي قدرتي تموتيني بالطريقة دي. سحب هواء متنهدا بعمق يملأ صدره
-ليه كل لما تشوفيني تبعدي عني على الرغم حياتنا كلها مع بعض
-اعتدلت ودنت منه
-إنت ليه اتجوزتني ياجاسر، حتى لو طلقت فيروز فعلا، ليه فجأة كدا اتجوزتني.
-علشانك بحبك. ابتسمت بسخرية فرجعت تنظر للنيران أمامها. رفع ذقنها
-بلاش الضحكة المستفزة دي
جذبها بين أحضانه وجذب الغطاء على أكتافهما. وضعت رأسها بصدره تستمد الدفئ
مسد على خصلاتها البينة
-سامعك حبيبي. قالها بهمس جانب أذنها
استدارت تتعمق برماديته
-جاسر هو فجأة كدا حسيت إنك بتحبني، ماهو مش معقول تنسى فيروزتك فجأة كدا
ضم كفيها بين راحتيه، ثم رفعهما إلى فمه يلثمهما.
-هتصدقيني ولا هتقولي كذاب. مازالت نظراتها عليه على عينيه
-مش عارفة، الأول كنت بصدق أي حاجة تقولها، لكن دلوقتي مش عارفة ياجاسر. صدقني مبقتش فهماك
أخذها بين أحضانه، مالت برأسها ساندة إياها فوق كتفه -هحاول اقتنع بكلامك
سحب نفسا عميقا ثم تحدث قائلا: من تلات سنين بالظبط، يوم تعيني في الشرطة، بنت جميلة دخلت مكتبي وابتسامة ملت قلبي وهي بتقولي.
-مبروك ياحضرة الظابط الجميل. البنت دخولها عليا اليوم دا معرفش هزني لأول مرة رغم أنها طول الوقت في وشي، ويعتبر مابنفترقش غير وقت النوم
وضع ذقنه على خصلاتها وأكمل بعيون مشتاقة لتلك الأيام.
-وقتها قولت يمكن كانت وحشاني علشان غايبة عني شهرين ودا أول مرة تبعد عني. كانت تستمع إليه متذكرة ذاك اليوم. تراجعت بجسدها تستند عليه بالكامل، شعور الأمان والراحة غمرها حتى جذبت كفيه ليحاوط جسدها بالكامل لتختفي بين ذراعيه. فأستأنف قائلا: -واحد من صحابي دخل وهي قاعدة معايا وعمال تقنعني بعروسة من صحابتها انا كنت واخد الموضوع هزار، رغم قلبي وجعني وقتها منها، ومكنتش عارف السبب، لحد ماجه صاحبي دا وجه يسلم عليها ويهزر معها، وقتها غيرت وحسيت بألم في قلبي لما اتكلمتي معه.
رفع ذقنها يعانق بنيتها برماديته
-فاكرة قولتيلي ايه لما عاتبتك. كانت تنظر للمعة عيناه. ارتجفت شفتيها من نظراته فابتعدت ببصرها بعيدا عنه
أدار وجهها إليه
-قولتيلي بفكر ابعد عن العيلة واتجوز واحد حلو وأمور كدا. زفرة حارة خرجت من بين آلام قلبه فاستأنف
-قولتك ماتيجي يابت اجوزك انا واهو زيدنا في دقيقنا، رديتي عليا بإيه.
-لا طبعا أنا يوم ماأفكر اتجوز واحد بعيد عن العيلة، سكتي شويةو قولتي، ممكن اتجوز قريب بس اكيد مش انت
كانت نظراته تحاوط عيونها التي تحولت للحزن. فاكرة كلامك دا
-بس أنا كنت بهزر، متوقعتش انك بتتكلم جد
دنى منها بأنفاس تمر فوق كرزيتها هامسا
-حتى لو كنت بهزر، ردك كان قاسي اوي ياحبيبة عمري
رفعت كفيها على وجنتيه
-عمري ماحسيت انك ممكن تحبني
احتضن وجهها.
-ليه. ليه محستيش بيا وأنا حاولت افهمك كذا مرة انك أهم شخص عندي، افتكري مع نفسك كدا ذكرياتنا
وضع جبينه فوق جبينها وهمس من بين أنفاسه
-اليوم اللي قررت افتحلك قلبي لقيت جواد جاي يقولي انا بحب جنى، مصدقتش وروحت أكلمك لقيتك بتقولي انك خارجة معاه
التمعت عيناه بعشقها الخاص.
-الوقت دا كنت اتأكدت اني بحبك بجنون، ولو فضلت جنبك بحالتي دي كنت هعمل جريمة، كان لازم اقنع نفسي واقنع الكل اني بحب فيروز، كان لازم الكل يتأكد من كدا، علشان كدا وقفت قدام بابا لأول مرة
أطبق على جفنيه وارتفعت أنفاسه
-بابا لو كان فضل مُصر ياجنى كان ممكن أضعف قدام قلبي واوجع جواد، غير جواد أنتِ كنتي عندي أهم حاجة مكنتش اقدر اخدك غصب، مكنتش عايز اوجع قلبك على حبيبك
هزت رأسها وانسابت عبراتها.
-غلطان يابن عمي، مش يمكن وقتها اكون بحبك
احتضن وجهها بقوة وهزها
-مكنتش هرضاها على نفسي اوجع اخويا اللي هو جواد، واوجع حبيتي اللي هي انتِ، مكنتش هتحمل تكوني جوا حضني وقلبك متعلق بواحد تاني
انسابت عبراتها وأصبحت كزخات المطر
-انت كنت بتموتني بقرارتك دي، لو فكرت مع نفسك كنت عرفت بعدك عمل فيا ايه
بدأت دقات قلبه تدق بصدره بشكل كادت أن تتوقف من تسارع نبضه. همس بصوت متحشرج من قوة مشاعره التي وصل لمعناها.
-افهم من كلامك ايه
استدارت تواليه ظهرها ووضعت رأسها بأحضانه
-كمل سمعاك. ازاي قدرت تتجوز فيروز وقلبك معايا
وازاي. صمتت ولم تقو على إستناف حديثها عندما شعرت بنزيف روحها كلما تذكرت أنه أصبح لغيرها، غيرها امتلكته
أدارها إليه يزيل عبراتها التي آلامت قلبه ومزقت نياط روحه
-جنى أنا مكنتش عايش، وحياتك مكنتش عايش، صعب اوي انك تقنع نفسك انك تعيش بدون حب، أنا حاولت اقرب وأكون طبيعي بس إنتِ دايما كنتي بينا.
رفرفرت أهدابها ورفعت كفيها على قلبه
-مهما تقول ياجاسر، دا بقى ملك لغيري، كنت بتاخدها في حضنك
شهقة خرجت من روحها النازفة قبل فمها وهي تتحدث من بين بكائها
-أنا كنت بموت وانت واخدها في حضنك. رفعت كفيها الذي ارتجف من سوء ذكريات آلامت روحها وأستأنفت.
-وصل بيا الحال انام في اوضتك علشان ريحتك متفارقنيش، انت في شهر العسل وانا نايمة على سريرك بعيط، انت بتلف بمراتك وبتفكر ازاي تسعدها وانا قلبي بينزف على اشتياقك. كنت عايزة اضمك بس، مش عايزة حاجة تانية غير تاخدني في حضنك
احتضنت وجهه تنظر لعيناه المذهولة
-انا روحت لدكتور اتعالج من حبك ياجاسر، تخيل وصلت لفين، اتمنيت أفقد الذاكرة علشان ماتوجعش وانت قدامي واخد مراتك في حضنك.
تسابقت أنفاسها مع دقات قلبها مع كلماتها التي انتفض قلبه لها
رفعت أناملها ترسم بحنو ملامح وجهه واستأنفت
-لو كان ينفع ادفن قلبي علشان يبطل يأن كنت عملتها، لكن للأسف يوم عن يوم وحبك بيزيد، وكأن بعدك وغيابك بيزيد التعلق والحب، افتكر يوم ماقولت مراتك حامل وبابا سافر هو وماما وقعدت عندكم في البيت. فاكر الليلة دي.
لما رجعتلي بعد ماوصلت مراتك وفضلت طول الليل سهران جنبي، تعرف وقتها كنت هقولك متبعدش تاني لولا عمو جواد جه واستغرب وجودك، وقولتله انك كنت بتطمن عليا
جذبها يعصرها بأحضانه وانسابت عبراته رغما عنه
-لما بابا خاف عليا وقالي متتهورش في قضية راكان البنداري وانتِ جريتي عليا تحضنني جامد قولتي اخد بالي من نفسي
رفعت عيناها وغرزتها داخل مقلتيه.
-كنت هموت عليك، ولما انضربت بالنار قلبي وقف واتمنيت أموت ولا أتوجع وجع فراقك، وقتها اتمنيت انك تتجوز فيروز فعلا ولايحصلك حاجة
بتر كلماتها بجوفه فيكفي لقلبهما عذابهما. اختطف كرزيتها يعزف سيمفونية بنهم باشواقه فلم يعد للبعد مقترح في قاموسه. رفعت ذراعيها تحاوط عنقه لتروي نزيف روحها وتنعم بقربه حتى لو قررت سرقتها من غدر الزمن بها
ظلا لوقت يعزف لها وتعزف له ليعلم كلا منهما كيف يكون العشق.
همس من بين أنفاسه المتسارعة
-مفيش حبيبة لقلبي غيرك، بحبك بجنون يابنت عمي، اعرفي انك من يوم مااتولدي اتكتبتي على أسمي، ومن وقت ماعرفت أن مفيش حد شاغل قلبك اقسمت لربي مستحيل حد يقرب منك حتى لو هتحول لمجرم.
لمعت عيناها بالسعادة فنطق قلبها قبل لسانها: -جاسر. تعمق بنظراته وأنفاسه الحارة ينتظر على أحر من الجمر ما ستقوله فلو اقترب أحد منه لأستمع لدقات قلبه التي تتخبط بصدره بقوة آلامته من شدة ضرباتها وهو ينتظرها
دنت منه وصنعت تواصل بصريا متزامنا مع دقات قلبيهما لم يفصلهما سوى انفاسهما فهمست من بين شفتيها التي تلذذ بطعمها المسكر منذ لحظات.
-بحبك يابن عمي وبحبك بجنون عاشقة متهورة وشمت قلبها بعذاب حبك حتى أصبحت لحياتي دواء لعشقي اللاذع
دقات عنيفة بصدره، من لحن كلماتها التي روت روحه المشتاق. رسمتها عيناه ببيريق عشق خاص بها، دنى وانفاسه الحارة تلفح بشرتها بحمرة لذيذة، رفع أنامله يمررها على وجهها بالكامل. صامتا عيناه تحكي الكثير والكثير بصمت وأنامله تتحرك بحرية على وجهها. أغمضت عيناها عندما شعرت برجفة بعمودها الفقري من لمسته.
دنى يداعبها بأنفه هامسا من بين أنفاسه المتسارعة من قوة مشاعره
-عارفة أنتِ عملتي فيا ايه بكلماتك دي. وضعت رأسها بصدره هروبا من نظراته ومن همسه الذي أهلكها فجعلها هشة ضعيفة لم تقو على الحديث أو النظر إليه
أخرجها من أحضانه بإصرار يحتضن وجهها ومازالت نظراته عليها.
-بتهربي مني ليه، انا لسة معبقبتش. نظرت إليه بذهول.
-عاقبتني! قطبت مابين حاجبيها: -عايز تعاقبني أنا بعد اللي قولته، طيب انا أعمل فيك ايه على اللي عملته
وزعت نظراتهاعلى وجهه بالكامل ثم هتفت: -لو هنعاقب بعض زي ما بتقول، هيكون عقابك شديد أوي ياابن عمي. عقاب ممكن يموتنا احنا الأتنين.
نظرات فقط من كلاهما، فكان الصمت في هذا الوقت بلاغة مطلوبة. جذبها إليه حتى اختفت بين ذراعيه، نزل برأسه بعنقها يحبس نفسه داخل صدره ضاغطا على كل عصب في جسده مانعا رغبته في اقتحام أسوارها. هو وعد عمه، فيبدو أنه لم يفي وعده لعمه، كيف يتحكم في سيل مشاعره الجامحة بعشقها
ارتعشت من أنفاسه التي ضربت عنقها. فهمست بشفتين مرتجفتين
-جاسر!
-اشش. سبيني كدا شوية. تراجعت بجسدها حتى يرفع رأسه، رفع عيناه وتعانقت نظراتهما
-هتفضل تبصلي كدا!
- بحبك. بحبك. انسابت عبراتها بقوة ثم رفعت كفيها تخلل أناملها الرقيقة وسط خصلاته مع دقات قلبها التي أصبحت كالمعذوفة هاتفة بهدوء رغم ضجيج قلبها
-معرفش افرح ولا أحزن. قالتها وهي تعبث بخصلاته ثم اتجهت بنظرها إليه.
-قولي انت المفروض أعمل ايه وحبيبي اللي متمنتش غيره جاي يعترفلي بحبه، بعد مارمني اكتر من سنة واتجوز. قدر يتجوز لا ومراته حملت كمان. قالتها بشهقات مع ارتفاع أنفاسها
اختلج صدره مصعوقا بألما نزف روحه. فاحتضن وجهها
-جنى سامحيني، كنت بدور على سعادتك، وضع كفيه موضع قلبها
-لو بتحبيني اسألي قلبك، قوليله جاسر باعني ولا باع نفسه علشاني
دنى وحاوط خصرها بقوة يبحر بمقلتيها.
-لما طلبت السماح علشان محستش بقلبك مش علشان روحت اتجوزت، فلو اتجوزت فإنتِ السبب
انهارت أمامه وبكت بشهقات: -قولي ياجاسر لو أنا اللي اتجوزت قبلك كنت. وضع كفيه على شفتيها
-كنت موت ياجنى، علشان كدا اتجوزت قبلك علشان مموتش واقدر اسيطر على نفسي
كفاية النار اللي ولعتيها بقلبي من اقتراب جواد منك. لمس ثغرها يمرر أنامله عليه بقوة كأنه يزيل أثار مابه.
-ازاي قدرتي تخليه يلمس حاجة مش ملكه.
دنى وهو يبعثر قبلاته على وجهها مبتعدا عن ثغرها حتى ارتجفت شفتيها وحاولت الحديث
ولكنه منعها عندا حجزها بين خاصتيه لفترة ليست بالقليل، حتى أنها دعت ربها ألا يفصلها أبدا، ظل يعزف لها عشقه حتى فاق الصمود أمام فتنتها الطاغية، فنهض وهو يحملها ومازال يعقد علاقة منفردة بخاصتها، متجها بها لغرفتهما ليشاركها لأول مرة عزف القلوب.
وضعها برفق على تختهما يعانق عيناها وشفتيها المرتجفة، ثم انحنى ليغرز أنفاسه ويصك ملكيته بكامل جسدها، حتى أصبحت زوجته قولا وفعلا.
حان شعاع الشمس بين البزوغ فقد هلت بشائرها وايقظ الفجر نورا فأحيا العباد لربهم داعيا المولى عز وجل العافية والرزق متجهين للحي القيوم لقضاء صلاة الفجر، استمع الى اذان الفجر فتح عيناه بتثاقل، أزاح خصلاتها بهدوء من فوق وجهه، اتجه بنظره لملاكه الغافية بأحضانه، ظل يتأملها بحب يتحسس بأنامله تقاسيم وجهها الذي يعشقه حد الجنون
دنى من أنفاسها ولمس كرزيتها مطبق الجفنين.
ماهذا الشعور الكامن بصدره، هل هذا الأكتمال الروحي. يود لو يخفيها بداخل صدره
ظل يمسد على خصلاتها وابتسامة ملئت روحه قبل وجهه، اليوم فقط عرف معنى السعادة، اليوم فقط اكتمل كيانه، ياالله ماهذا الشعور الذي أحياه في القلوب
نزل بوجهه بعنقها
-لو أعرف إن الحب حلو كدا صدقيني مكنتش بعدك يوم واحد. لثم عنقها
-بحبك يا من اهلكتي قلبي ونزفتي روحي. بحبك بل عشقتك بكل ذرة بكياني.
دعيني احطم كبرياء العشق، فوالله ليس لعاشقا له كبرياء
رفرفرت أهدابها تختبئ بصدره خجلا مما صار
بسعادة هائلة لمس وجنتيها
-جنجونة قلبي بتهرب مني ليه، دي صباح الخير بتاعتك. تمسحت بصدره كقطة أليفة
-بس بقى، رفعها يجذب الغطاء على جسدها
-مكسوفة مني ياجنى
أغمضت عيناها ولم تقو على فتحهما
مال على أذنها
-افتحي عينك بدل ماافتحها بطريقتي، وأظن إنتِ فاكرة ايه اللي حصل امبارح
فتحت عيناها سريعا.
-اهو خلاص. قهقه عليها وهو يلمس ثغرها بأنامله
-لازم اهدد يعني. رفع بصره إليها
-لدرجة دي شايفة كدا تهديد. وضعت رأسها بكتفه
-جاسر بس بقى والله هعيط. طبع قبلة مطولة على رأسها
-كنت عايز أشاركك معايا أول فرحة لقلبي، علشان كدا قولتلك الكلام دا
رفعت نظرها إليه متسائلة
-فرحة إيه. تمدد باسطا جسده بالكامل على الفراش وهو يجذبها لأحضانه. وضع رأسها على صدره وتخلل أناملها
-سعادة قلبي ياروحي، أن جنجونة قلبي بقت مراتي.
لكمته بصدره
-اتلم يابن عمي علشان، لحظة فقط وأصبح الوضع بالنسبة لها كارثيا عندما حاوطها بجسده
-ابن عم مين يابت هتستهبلي. ارتفعت وتيرة أنفاسها؛حتى ارتفعت نبضاتها وبدأ صدرها يعلو ويهبط بطريقة ألفتت نظره حاولت الحديث بتقطع فهتفت: -جاسر ابعد شوية. كانت عيناه ثاقبة افتراسية على ملامحها فهتف
-ولو مبعدتش هتعملي إيه.
ارتجف قلبها من قربه ونظراته المغرمة بها. انحنى يهمس بجوار أذنها وانفاسه الحارة تضرب عنقه بالكامل حتى شعرت بإنسحاب أنفاسها وخيانة قلبها الضعيف بقربه
-انتِ مراتي وحبيبة قلبي، مقولتش بنت عمي، هسمعك تقولي ابن عمي دي هعاقبك وعقابي هيكون شديد لدرجة كل شوية هتكرري مع نفسك أن جاسر جوزك وحبيبك.
رفعت بنيتها فتلاقت برماديته التي تعمقت بالنظر إليها لا تعرف لما تلك النظرة الجديدة لها. ران صمتا من الحديث ولكن لم يخلو من نبضات قلوبهما وأنفاسهما
-انا إيه ياجنجون قلبي، قالها وهو يلمس وجنتيها
-جاسر. ابعد لو سمحت مينفعش كدا. مال برأسه بحنايا عنقها
-مجنونة إنتِ أنا ماصدقت أقرب عايزة أبعد. رفع رأسه ونظر لعيناها القريبة.
-عايزاني أبعد ياجنى. هزة عنيفة أصابت جسدها بالكامل ولم تعلم بما تجيبه، شعرت بتحجر عبراتها فهمست
-لا. قصدي معرفش
ابتسم بحزن يهز رأسه
-السؤال صعب الأجابة ياحبيبة عمري
جاسر لو سمحت افهمني
اعتدل متجها المرحاض
-قومي خدي شاور علشان نصلي الفجر مع بعض. قالها متحركا إلى الخارج.
أغمضت عيناه بحزن، كلما تذكرت ضعفها واستسلامها له ينشطر قلبها، كيف تستسلم له بهذه الطريقة وهو الذي تركها وتزوج رغم حبه لها. تراجعت بجسدها على الفراش
-مش هقدر أعيش بعيد عنه، لا أنا مش هقدر، قالتها وجذبت مأزرها ترتديه متجهة للمرحاض.
بعد قليل انتهى من صلاتهما، خرج متجها إلى المطبخ، بينما هي جلست تنظر لأثره بحزن، أمسكت مصحفها تقرأ وردها، ثم نهضت متجهة إليه وجدته يقوم بإعداد القهوة ويشاهد الأخبار عن طريق التلفاز، وهو يشعل سيجاره
توقفت أمامه وجذبت السيجارة من فمه، وألقتها بالسلة، ثم أمسكت فنجان قهوته وقامت بسكبها بحوض المطبخ
قطب جبينه متسائلا: -مالك ياجنى على الصبح
اتجهت تنظر إليه بحزن وغضب منه.
-مش ملاحظ أن مفيش عريس يقوم الصبح يشرب سجاير وقهوة يابن عمي وسايب عروسته زعلانة دا لو كنت عروسته أو أهمه اصلا
انفرجت شفتيه مصعوقا بحديثها، وانعقد لسانه بذهول.
فتجمد وكأنها ارشقته بسهام مسمومة هزت كيانه وجعلت أنفاسه تتثاقل، فكيف فعل بها ذاك بها اليوم الذي تعتبره الفتيات يوم عمرها
خطى حتى وصل إليها وجذبها لأحضانه يشد على عظامها يعتصرها ويضمها إلى ضلوعه.
-آسف ياحبيبي، مقصدتش ازعلك، حاوطت خصره، انا زعلانة منك اوي اوي ياجاسر وفي نفس الوقت مش عايزاك تبعد عني
رفع رأسها واحتضنها
-قولي عايزة ايه يرضيكي وأنا اعمهولك، اطلبي حتى روحي دي انتِ مالكها من زمان
رفعت نفسها وطبعت قبلة على وجنتيه
-خلاص مش عايزة حاجة
رفع حاجبه ساخرا
-أسميه ايه دا إن شاء الله
ابتسمت وأجابته
-كدا بفهمك خلاص مش زعلانة منك ياابن عمي
ضغط على خصرها بقوة.
-مسمعش ابن عمي دي تاني ياجنى علشان مزعلش منك بجد
-هو إنت مش ابن عمي. امال ينظر لثغرها
-لا ياحبيبي. دا كان زمان لما كنا اخوات، إنما دلوقتي لا، دلوقتي انتِ روحي وحياتي انا كمان لازم أكون كدا مستهلش ياجنى
كانت تتابعه بعيناها السعيدة. فهمست له بعيونها اللامعة بعشقه
-ماهو إنت كدا، ومن زمان أوي
شدد من احتضانها ونبض قلبه ارتفع بوتيرة أنفاسه
-انا إيه ياجنى، عايز اسمع. قالها من بين أنفاسه المتسارعة.
تضجرت وجنتيها بإحمرار لذيذ وتنحت متحاشية التقاء النظر بعينيه الهالكة فهمست
-إنت حبيبي وروحي ياجاسر، رفع ذقنها بأنامله عندما انحبست أنفاسه داخل صدره، ونظر لعيناها
-بصيلي وانتِ بتتكلمي، بلاش تهربي بعيونك عني، احنا مابنكذبش بمشاعرنا علشان نهرب.
-انت حبيبي وروحي يا، ابتلع باقي الحروف وأخذ ينهل من كرزيتها عسلها المصفى لتغذية روحه، ومازاده الا جنون عشقه بها فأخذ يعمق أكثر وأكثر بخاصته، وبدأ يعبث بيديه كيانها حتى استسلمت بكافة إرادتها لطوفان عشقه
ليكمل ملحمة عشقه ويسطرها بنبض قلبه وثغره فهو لم يجد من كلمات تعبر عن مدى عشقه لها سوى حصاره لهابعد عدة ساعات.
أشرقت عيناه كشمس باتت في الأفق البعيد. ينظر لتلك الملاك التي تتوسد صدره. رفع كفيه يمسد خصلاتها، تنهد بعمق يملأ صدره بالهواء المختلط بعبيرها، ابتعد قليلا محاولا ضبط انفاعله الذي بعثرته وخطفت قلبه حتى أصبح قديسا لها. حاول استياقظها عندما غلبه الشوق، فقلب العاشق لا يهدأ سوى بادله عاشقه الهوى. كأنه ولد بالأمس ليحيا عاشقا بتلك الطريقة التي لأول مرة يشعر بها بحضرتها. أزاح خصلاتها المتمردة حتى ظهر وجهها الندي أمامه. انحنى ليعزف بترانيم عشقه على كرزيتها عندما فقد السيطرة على نفسه. تململت الجميلة بنومها، عندما داعبها عاشقها الولهان. فتحت عيناها الجميلة التي أصبحت له نور يوميه. ابتسمت خجلا.
-صباح الخير. قالتها بقلبا ينتفض بالعشق
انحنى يضع رأسه بحناياها
-صباح الحب على عيون حبيبي
غرد بها ككروان بحديقة منزله. رفعت كفيها على وجنتيه وتحرر من صدرها نفسا ناعما مبتسمة
-صباح الحب على حبيب قلبي
هنا صمتت الألسنة وتعانقت القلوب بالنبض فلم يتبقى من عشقهما سوى نيران الشوق
بعد فترة يجلس بجوارها بحديقة منزله يتناولان فطورهما
-اجهزي علشان هنسافر يومين. رفعت بصرها متسائلة
-هنسافرفين وليه؟
وضع قطعة من الخبز بالفراولة بفمها واستأنف حديثه
-ايه بلاش نقضي شهر العسل ولا إيه!
اعتصر قلبها بقبضة فهزت رأسها رافضة
-لا ياجاسر مش عايزة سفر، انت معايا كفاية عليا كدا
ضغط على كفيها الذي يحتضنها
-حبيبي كفاية معملتش فرح، كمان مش عايزة شهر عسل
وضعت رأسها على كتفه.
-لا. مش عايزة، شهر العسل دا كدبة ياحبيبي، الشهر العسل عندي اني احس بسعادة روحي وإنت جنبي، غير كدا مش عايزة ممكن تاخدي لأجمل مكان في العالم بس مش سعيدة، وممكن نكون هنا في الحديقة البسيطة دي وأكون أسعد واحدة على وجهه الأرض
اعتدلت تشير إلى حضنه وأجابته
-دا سعادتي والعسل اللي بتقول عليه دا مش مرتبط بشهر مرتبط العمر كله
رفع ذقنها يملس على وجنتيها.
-علشان كلمة حبيبي دي أبيع روحي ياروحي واعملك اللي إنتِ عايزاه
ابتسمت بخجل وأجابته
-عندك شك ولا إيه ياحضرة الظابط!
حرك شفتيه بصوت اعتراضيا
-لا ياحبي معنديش شك، وحياة عيونك الجميلة دي واثق فيكي ثقة عمياء
لمست وجنتيه وتحدثت
-مش مصدقة انك جاسر ابن عمي
أطلق ضحكات مرتفعة يضرب كفيه ببعضهما
-مش أنا قولتلك علشان تريحي نفسك انسي إني ابن عمك، أنا حبيبك
ابتسامة شقت ثغرها تهز رأسها ثم هتفت.
-مجنون. جذبها بقوة حتى ارتطدمت بصدره
-مجنون بس ايه. رفعت أناملها تخلل خصلاته
-مجنون بس بحبك يا. وضع إبهامه على شفتيها
-لو قولتي ابن عمي صدقيني متلوميش غير نفسك. قهقهت بصوتها الناعم تضع كفيها على فمها
-لا مش هقول، صمت ومازالت ابتسامتها تزين ثغرها فهتفت وهي تضع كفيها على وجنتيه
-ومتنساش أن حبيتك وانت ابن عمي. دنى منها يداعب أنفها
-بس عشقتك وانت مراتي وحبيبة قلبي وروحي
هزت رأسها ضاحكة.
-مجنون والله وحالتك غريبة
نهض يعانق أناملها واتجه إلى خزانة ملابسها
-اجهزي علشان هنخرج جولة هتعجبك كمان. استدار متحركا ولكنه تذكر شيئا. فأخرجه من جيبه امسك كفيها ووضع خاتم بأصبعها ثم رفعه يلثمه
-الخاتم دا متخلعهوش ابدا حبيبي، نظرت للحجر الذي يزينه
-دا خاتم طنط غزل مش كدا
نزل بجبينه يستند على جبينها
-طنطك غزل قالت لبسه لمراتك وقولها مبروك يا مرات ابني
رفعت عيناها المترقرقة بالدموع.
-جاسر عايزة اروح ازورهم علشان خاطري حبيبي. طبع قبلة على شفتيها وهمس لها
-اجهزي النهاردة هنزور راكان البنداري، عازمينا في مزرعته ووعد اجهز نفسي لمقابلة العيلة وبعد كدا اخدك لهناك
حاوطت خصره تتمسح بصدره كقطة أليفة
-مش هتبعد عني مش كدا، رفعت نظرها تنظرله
-اوعى تبعد عني ياجاسر، حتى لو عمو جواد طلب منك كدا
رفعها من خصرها حتى أصبحت بمقابلته
-تفتكري لو القلب فصله عن الجسم، الجسم بيعيش حبيبي.
حاوطت عنقه ونزلت بجبينها تهمس له
-دلوقتي هقولك بحبك يابن عمي وإياك تعترض
أطلق ضحكات مرتفعة وهو يدور بها وابتسامتها تنير وجهها ومازالت تحاوط عنقه
بعد عدة ساعات بشقة فيروز
استمعت إلى طرقات على باب منزلها، دلفت والدتها تنظر للخادمة بغضب
-فين ستك يابت. أشارت الخادمة اتجاه الشرفة
-قاعدة برة ياهانم. تحركت ونيران خطواتها تأكل الأرض.
-قاعدة في الساقعة كدا ليه، خليكي موتي نفسك عياط عليه لحد ماتموتي والباشا عايش حياته في أحضان مراته
رفعت نظرها إلى والدتها
-عرفتي مكانهم، ألقت صور لجاسر وجنى وهو يحملها ويدور بها
-شوفي وأملي عينك علشان تعيطي على واحد خاين زي دا
انسابت عبراتها تحرق وجنتيها
-لدرجة دي نستني ياجاسر، نظرت لعيناه السعيدة، وقرب ثغره لثغر جنى، كورت يديها بغضب جحيمي على الصورة حتى اذابتها بين قبضته وهمست من بين أسنانها.
-وحياة وجع قلبي لأبكيك عليها ياجاسر واخليك ترجعلي تبكي. آه صرخت بها كلما تذكرت قربهما
جلست والدتها تنظر إليها بتشفي قائلة وهي تنفث تبغها
-اسمعيني كدا وافهمي هقولك ايه علشان لو عملتي كدا هتخليه يرجعك غصب عن أبوه
بمنزل جواد
بعد استقرار حياته تم نقله إلى منزله بمتابعة غزل له
جلست بجواره وانحبست الدموع بعينيها تنظر لنومه
رفعت كفيه تقبلها، ثم وضعت رأسها على صدره وشهقة خرجت من فمها.
-مش هقدر أعيش دقيقة واحدة بعدك ياحبيب عمري، لو خايف على غزالتك لازم تقوى وترجعلي بسرعة
رفع كفيه يحاوطها
-غزل بلاش تعيطي. رفعت نظرها وأزالت عبراتها
-حاسس بإيه دلوقتي. رسم ابتسامة يزيل عبراتها بإبهامه
-حاسس اني محظوظ باجمل ست في الدنيا. اقتربت منه وقبلته بعشقها الدفين
-ربنا يخليك ليا. استمعوا لطرقات على باب الغرفة، اعتدلت. دلف صهيب يستند على نهى
حاول جواد الأعتدال ولكنه أشار إليه.
-خليك ياحبيبي مرتاح. نظر إليه بتعب
-اتجننت ياصهيب، ازاي تيجي بحالتك دي. وزع نظراته على نهى وغزل قائلا
-سبونا لوحدنا شوية. اتجهت نهى ببصرها لجواد تهز رأسها رافضة تركة. هز رأسه لها أي لا تخافي
جلس بجواره على الفراش قائلا بمزاح
-اتاخر كدا مالك واكل السرير كدا. ابتسم له جواد
-فاكر زمان. وضع رأسه على كتف جواد
-هو فيه أحلى من زمان. ربنا يخلينا لبعض
صمت ران بينهما للحظات بتره جواد قائلا.
-عايزين نعمل فرج لجاسر وجنى، مينفعش البت تتجوز كدا
ربت على يديه قائلا
-البنت سعيدة مع جاسر ياجواد، عارف اني انصرفت من غير ماارجعلك وفهمتك أن جاسر اخدها بدون علمي، انا قولت كدا علشان اهدي عز وأعرفه اد ايه جاسر بيحب البنت
اومأ برأسه متفهما
-عرفت ياصهيب، عرفت كل حاجة بس اللي وجعني ازاي تكسرني بالطريقة دي وتوافق أن جاسر يفض شراكته بعز، مهما كانت اختلافاتهم بس اكيد هيجي يوم ويتصافوا
تنهد صهيب قائلا.
-أنا قولت كدا وقتها علشان اهدي النار اللي بينهم، مكنتش اعرف الموضوع هيتطور كدا
رفع جواد نظره لصهيب قائلا
-عرفت أن عز جه يساومني بربى مكان جنى. طأطأ رأسه بخزي من أفعال ابنه
-عرفت ياجواد. قالها متألما حزين. رجع جواد بظهره على الفراش.
-الولاد بيضيعوا ياصهيب، حازم اللي سافر ومنع ولاده بنزولهم مصر بعد مارفضت جواز جواد بجنى، وجنانه عليا اخر مرة، وادي عز وتهوره اللي وصله أن بنتي معدتش عايزاه، وابني اللي مطرود برة العيلة والكل نافره، حتى أوس قطع علاقته بيه، قولي ارتاح ازاي وولادي كلهم وقعوا
ربت صهيب على كتفه
-عدينا بأكتر من كدا نسيت ولا ايه. سحب نفسا طويلا، وزفره على مراحل. وآه خرجت متألمة.
-لا ياصهيب المرادي الضربة شديدة في اكبر واحد من ولادي. استمعوا الى صرخات نهى بالخارج
نظروا لبعضهما البعض، حاول جواد الخروج. دلفت غنى إلى والدها
-بابا ألحق فيروز برة وعز هجم عليها وبيضربها.
بمكتب يعقوب ولج أحدهما، يعقوب باشا فيه حد جاب الظرف دا لحضرتك، أشار له على مكتبه ووقف ينظر للمارة الذين يسرعون من شدة الأمطار، ابتسم على بساطة الناس واستخدامهم لأشياىهم البسيطة لتقيهم من البرد، اتجه إلى المكتب وهو يرتشف قهوته ثم فتح ذاك المظروف وإذ به ينصدم من بعض الصور التي يكتب عليها. عايزها تعمل اللي مكتوب عندك، والا مش هتشوفها حتى لو جواد الألفي بنفسه ادخل.
↚
رجع جواد بظهره على الفراش
-الولاد بيضيعوا ياصهيب، حازم اللي سافر ومنع ولاده بنزولهم مصر بعد مارفضت جواز جواد بجنى، وجنانه عليا اخر مرة، وادي عز وتهوره اللي وصله أن بنتي معدتش عايزاه، وابني اللي مطرود برة العيلة والكل نافره، حتى أوس قطع علاقته بيه، قولي ارتاح ازاي وولادي كلهم وقعوا
ربت صهيب على كتفه
-عدينا بأكتر من كدا نسيت ولا ايه. سحب نفسا طويلا، وزفره على مراحل. وآه خرجت متألمة.
-لا ياصهيب المرادي الضربة شديدة في اكبر واحد من ولادي. استمعوا الى صرخات نهى بالخارج
نظروا لبعضهما البعض، حاول جواد الخروج. دلفت غنى إلى والدها
-بابا ألحق فيروز برة وعز هجم عليها وبيضربها
اعتدل جواد بهدوء وخرج بجوار ابنته، بينما صهيب جلس زافرا الهواء المكبوت بداخله بقوة ثم رفع هاتفه
قبل قليل.
كانت تقف أمام المرآة تنهي زينتها، بينما هو يجلس على فراشهما وعيناه تبحر فوق ملامحها الجميلة، ابتسمت له من خلال المرآة
-هتفضل تبص عليا كدا مش هعرف أخلص، نهض متجها إليها، وقف خلفها ولف ذراعيه حولها يدفن رأسه بعنقها
-مش مصدق إنك بين ايدي، لثم عنقها، شعرت بصاعقة كهربائية تسري بكامل جسدها، أطبقت على جفنيها عندما لافحت أنفاسه الحارة عنقها، فهمست بتقطع: -جا. س. ر. رفع رأسه ينظر لأنعكاس صورتهما بالمرآة.
جذبها حتى ارتطدمت بصدره
-قلب جاسر، ارتجف جسدها وخانتها ساقيها ابتلعت ريقها بصعوبة، فلقد استحوذ على كيانها بالكامل؛ مما جعلها تتمنى قربه بتلك اللحظة
أطبقت على جفنيها تحاول استيعاب تلك السعادة التي انتابتها بقربه وعشقه
ظلا كلاهما بتلك الحالة هي التي أغمضت عيناها مستمتعة بأنفاسه وقربه، وهو احتوائه لها بحوذة أحضانه. رفعها بين ذراعيه وتراجع إلى تختهما
فتحت عيناها مذهولة
-جاسر هنتأخر، وصاحبك.
اشش. قالها وهو يضع إبهامه على شفتيها، استند على الفراش بظهره وأجلسها بأحضانه وهو مغمض العينين، يمسد على خصلاتها فقط، ران صمتا بينهما، كلاهما ذاهبا بملكوته، وضعت رأسها على صدره ورفعت كفيه حولها. فتح عيناه وابتسامه مغرمة بأفعالها، انحنى يطبع قبلة فوق رأسها، ثم تحدث: -جهزي نفسك لما نرجع من عند راكان هنسافر، لازم نسافر يومين، انا مش موافق. اعتدلت على ظهرها تطالعه ومازالت على وضعها.
-أنا مش عايزة أسافر صدقني، واظن انت عارف من صغري مبحبش السفر والحاجات دي
خلل أنامله بخصلاتها مردفا
-ماهو علشان كدا هنسافر، قطبت جبينها متسائلة: -دا اسميه إيه بقى، مش معقول ياجاسر تعاند وخلاص
انحنى يداعب أنفها وهتف دون جدال
-من وقت ماكتبتك على اسمي وبقيتي ملكي، مع إنك ملكي من زمان؛ كل حاجة لازم تتغير، مش عايز تشابه في حياتنا إحنا الأتنين.
كانت تطالعه بعيناها الهائمة، رفعت كفيها على وجنتيه وكأن لرؤيته مذاق خاص يشعرها بكم السعادة التي تنتابها
-جاسر هنفضل نحب بعض كدا، ولا دي هتكون مجرد لحظات حلوة هتتنسي مع الوقت
انتابه خوف من كلماتها ولا يعلم لماذا شعر بتلك الحالة التي انتابته وكأنها ستختفي من حياته، فاعدل من وضعيتها، احتضن وجنتيها ونظر بعمق لعيناها.
-جنى هقولك سر، واتمنى متزعليش مني، بس لازم تفهمي أنا عملت كدا علشان تكوني زي دلوقتي كدا، تكوني في حضني ومحدش يقدر يقرب منك وياخدك غيري
ارتجف جسدها ونظراتها عليه تنتظر حديثه بشق الأنفس.
دنى من كرزيتها يتذوق شهد عسلها، ظل لفترة كأنها قبلته الأخيرة، حتى انتابها الخوف، ورغم قبلاته وعشقه لها إلا أن هذه المرة امتلاك بمعنى أخر، حاولت التخلص من حوزته لثغرها إلا أنه المتحكم الأقوى، مرت دقائق تاركة له نفسها، فلقد خانها جسدها بقربه ولم تقو على أبعاده. دقائق مرت عليهما كالحظات مسروقة من الزمن.
اخيرا بعد فترة استلقى على ظهره جاذبا إياها لصدره دون حديث سوى من أنفاسهما، صمت للحظة يستعيد هيئته ثم امسك هاتفه وحاول السيطرة على نفسه
-راكان أنا آسف هتأخر ساعة أو ساعتين، هقابلك في المزرعة، واعتذر لي من الموجودين
قطب راكان حاجبه متسائلا: -إنت كويس يابني. ارجع جاسر خصلاته للخلف ينظر لتلك القابعة بأحضانه وانسابت دموعها بصمت فأجابه.
-ممكن نأجل الموضوع لبكرة، وهبعتلك حاجة يبقى شوفها وعايزك تعملها زي ماهطلب. قالها واغلق هاتفه
أطبق على جفنيه متألما عندما شعر بدموعها على صدره، لم يتفوه بكلمة، ظل يمسد على خصلاتها لفترة ثم سحب نفسا وطرده على فترات
-الأول عايزك تتأكدي عملت كدا من عشقي، انا كنت مقرر أطلق فيروز بعد ماتولد، بس القدر كان في صالحي والطفل نزل، وافترقنا بهدوء، انا عوضتها قولتلها ولو عوزتي حاجة هتلاقيني جنبك.
مسد على خصلاتها بحنان ثم أستأنف: -لأني قررت من يوم خطوبتك اتجوزك؛حتى لو اضطريت اخطفك ونبعد ونعيش لوحدنا
التوت زاوية فمه بابتسامة عابثة
-بس طبعا جواد الألفي خنقها عليا جدا، وزي مايكون حس انا ناوي على إيه، ففضل يقولي لو قربت من بنت عمك مش هسكتلك وهعمل واعمل، رفع ذقنها وسبح ببنيتها حتى لمعت عيناه بطبقة من الدموع.
-اتفق مع بابكي يحرموني منك فعملوا ايه وافقوا على يعقوب، وكنت متأكد ورا الخطوبة دي حاجة بعدها حضرتك جيتي ووقفتي قدامي وقولتي هتسافري، فهمت لعبتهم اهو يبعدونا عن بعض، أنتِ تنسي وأنا ارجع لحياتي مع أنه قالي طلق فيروز بعد ماتولد.
تنفس بتثاقل وكأن حجرا ثقيلا أطبق على صدره ثم قال بوجع مرير: -حاولت ارسم قدامهم اللامبالاة مع اني روحت لعز وهددته أنه مايسفرش، بس طبعا عز كان عارف بحبك ليا، وازاي اسيبك واتجوز، وزي ماحكيتي أنه كان مجروح مني، فحب يعاقبني ويبعدك وكان مرحب بالفكرة
نظر حوله وأشار على ذاك المنزل واستأنف.
-جيت اشتريت البيت دا، وجهزته زي ماانت شايفة، عارف انك بتحبي الطبيعة، من جهة ابعد عن القاهرة وعن حي الألفي ومن جهة تانية محدش يعرف مكانا حتى بابا نفسه، وقررت يوم الحادثة بالليل اجيبك هنا، مسح على وجهه بعنف كلما تذكر رؤيتها ذاك اليوم
رفعت نظرها إليه بحزن شديد شعرت بقلبها يقتلع من بين ضلوعها وانحباس عبراتها داخل جفنيها، رفعت كفيها واحتضنت كفيه
انحنى يعانق عيناها.
-مقدرتش ياجنى، من وقت مايعقوب قرب منك وانا اتجننت، كنت الاول بضغط على نفسي وبصبرها بقربك، بس الدنيا اسودت في وشي لدرجة بقيت انادي على فيروز بجنى، طبعا أي ست مكانها هتتجنن، انا مش بقولك كدا علشان ابرر اللي هي عملته، بس بعرفك انا ظلمتك وظلمتها معايا، اخر خمس شهور في حياتنا كانت جحيمية بمعنى الكلمة، لدرجة. توقف يكور قبضته ولم يقو على تكملة حديثه، وضعت رأسها بصدره وشهقت ببكاء مرتفع.
حاوطها بذراعه يربت على ظهرها
-آسف، آسف ياجنى بس بقولك كدا علشان تعرفي كنت مضغوط اد ايه فاعذريني من اللي هقولهولك دلوقتي
احتضنته تشدد من احتضانه وتخفي نفسها بداخله
-شكلك عامل حاجة كبيرة أوي يابن عمي، وبتبرر
-زورت تقرير المستشفى ياجنى، هبت فزعة تنظر إليه ودقات قلبها تصم أذنيها تنتظر باقي حديثه الذي ازعنت أنه كارثي.
تقابلت نظراتهما وأكمل: -خليت الدكتورة تقنعهم انك اغتصبتي فعلا، وخليتها تغير التقرير، ودا ميعرفوش غير باباكي وبابا بس، الباقي ميعرفش أو ممكن عرفوا معرفش. قالها ونظر للأسفل بأسى
كانت تطالعه بصدمة، شعرت وكأنه غرس خنجرا بمنتصف صدرها، فأشارت على نفسها
-طلعتني مغتصبة ياجاسر، زورت، وصل بيك الحال تزور وتطعن فيا
احتضن وجهها وهز رأسه نافيا.
-عملت كدا علشان بحبك، لو معملتش كدا كان مستحيل نكون مع بعض، ربنا جابلي فرصة لحد عندي، رغم اني كنت ناوي اموتهم على اللي عملوه فيكي لكن حمدت ربنا لولا. صمت ولم يستطع تكملة حديثه
انزرفت عبراتها بقوة تهز رأسها رافضة حديثه
-إنت متعرفش انا حسيت بإيه، افتكر كدا كل ماكنت بتقرب مني كنت بعمل ايه.
احتضنها يخفيها داخل أحضانه، اغمض عيناه ورغما عنه صدرت منه آهة حارقة وهو يحاول السيطرة على نفسه حتى لا ينهض يحطم الغرفة بأكملها
-صدقيني غصب عني، وعارف ومتأكد مكنوش هيوافقوا، باباكي قالها صريحة، مستحيل اجوزك بنتي حتى لو طلقت فيروز
ابتسم من بين دموعه
-اصلي قولتله يوم خطوبتك اني بحبك، بس هو عنفني ومن حقه لانه جه قبل جوازي يقنعني بحبي ليكي، بس انا رفضت لما عرفت انك بتحبي جواد
بكت بنحيب وهي تلكمه بصدره.
-موتنا يابن عمي لا انت عرفت تعيش ولا أنا عرفت اكرهك
بكت وبكت بشهقات مرتفعة مزقت روحه حتى تمنى أن تزهق روحه
كم آلمته دموعها التي نزلت فوق صدره تحرقه، اعتدل يحملها بهدوء متجها إلى المرحاض، ثم فتح المياه الدافئة ووضعها بداخل حوض الأستحمام
-خدي شاور دافي هتروقي. أزالت عبراتها وهتفت وهي تبتعد عنه بنظرها
-اطلع برة، مش عايزة اشوف وشك. انحنى يطبع قبلة على رأسها واستدارخارجا دون حديث.
استندت برأسها على حافة الحوض وتذكرت حديثها مع والدها
-عاملة إيه مع جاسر حبيبتي. ابتسمت له
-كويسة يابابا، جاسر حنين، استحمل تعبي ووقف معايا تعرف في مرة كنت هقتله، دخل عليا علشان يشوفني وكنت نايمة قومت لقيته جنبي ضربته بالسكينة، نزلت عبراتها واكملت
-اصلي كنت حاطة السكينة تحت المخدة، شهقت ببكاء
-وصل الحال ببنتك تحط السكينة تحت المخدة حتى كانت هتموت ابن عمها.
احتضنها والدها بحزن واردف: -جاسر بيحبك ومش هيزعل منك، وعارفه صبور علشان كدا خليته يتجوزك، مسد على خصلاتها واستأنف بقلب أب مكلوم على فلذة كبده
-هو بيحبك ومستحيل يأذيكي حتى لو بنظرة، رمق نهى بنظرة فهمتها، فجذبتها لأحضانها
-ابعد عن البنت ياصهيب عايزة اطمن عليها. سحبتها من كفيها ووقفت تغمز لصهيب، وجلست بعيدا ببعض الخطوات
-قوليلي حبيبتي، عاملة ايه
قالتها وهي تتهرب بنظراتها.
-أنا كويسة ياماما، ماانا قولت لبابا من شوية
رفعت خصلاتها ووضعتها خلف أذنها مقتربة منها تنظر لعيناها
-جاسر كمل جوازه منك ياجنى، شعرت بقشعريرة بجسدها، فهو منذ أكثر من أسبعين لم يأت إلى المنزل، أحست بإشتياقها الكامل له، حتى اقسم قلبها لها عند عودته ستلقي نفسها بأحضانه. فركت كفيها وتوردت وجنتيها تهز رأسها بالنفي
اومأت نهى برأسها، نظرت إلى صهيب الذي يتحدث بهاتفه ثم دنت من ابنتها وهمست لها.
-جنى أنا عارفة أن اللي اتعرضتيله صعب، بس دا جوزك ياقلبي، وقبل مايكون جوزك دا حبيبك اللي حلمتي بيه وانا متأكدة من حبه ليكي، اصلك مشفتيش حالته، أنا اكتر واحدة حسيت بألمه، ابتلعت ريقها تنظر لأبنتها بعدما ابتعد صهيب بهاتفه واستأنفت حديثها بمغذى.
-حبيبتي اسمعيني كويس لأن مفيش حد هيحس بوجعك غيري، ولا حد هيتمنى لك السعادة غيري، جاسر بيعشقك وعمره ماهيأذيكي، امسكي فيه بقلبك قبل عقلك، صدقيني الواد عاشق وبيفكرني بجواد ويمكن اكتر منه، اوعي ياجنى يجي يقرب منك تحسسيه أنه بياخد حاجة غصب حبيبتي فهماني
انزلت برأسها للأسفل تهزها بخجل، ابتسمت والدتها ونظراتها على صهيب فهمست لها.
-اوعي تطلعي أي كلام بينك وبين جوزك لحد حتى لو بابا نفسه، فهماني ياجنى دا جوزك، وشيلي موضوع فيروز دا خالص جاسر طلقها بس قالي معرفش حد دلوقتي ليه معرفش، بس تأكيد أنه بيحبك بجد
قاطعهم صوت صهيب
-نهى ياله قبل ماعز يرجع من الشغل، توقفت جنى تنظر إليه بحزن
-عز وحشني أوي يابابا، ممكن اروح أشوفه، يمكن لما اقعد معاه يهدى شوية
قبل رأسها قائلا.
-لا. بلاش دلوقتي مش ضامن ممكن يعمل ايه، الايام هتنسيه ولازم يقتنع انك اتجوزتي جاسر خلاص
رفع بصره لنهى
-حبيبتي ياله، تعبت وعايز ارتاح. احتضنت كفه وقبلته
-لسة تعبان ياحبيبي. مسد على خصلاتها
-لا ياحبيبة قلبي، بس الدكتور منعني من الحركة، بس وحشتيني وقولت اجي اشوفك واطمن عليكي
خرجت من شرودها على صوت جاسر بالخارج
- جنى اتأخرتي حبيبتي
-خارجة. نهضت وقامت بتجفيف جسدها، جاذبة مأزرها وتحركت للخارج.
كان يجلس يضع رأسه بين راحتيه، رفع رأسه عندما وجدها.
كم آلامها حالته وصمته الموضوع. ابتسمت قائلة
-ممكن تساعدني اغير هدومي. تحرك إليها سريعا، يسحبها متجها لغرفة الملابس
توقفت تمسك كفيه
-هلبس وشعري مبلول
قطب جبينه ونظر إليها مستفهمًا
امسكت المجفف الكهربي
-ممكن حبيبي يساعدني وينشفلي شعري. قالتها وعيناها تتعمق بمقلتيه
رسم إبتسامة حزينة ثم أجلسها، ينظر لذاك الجهاز قائلا.
-مستعملتوش قبل كدا، وعلى فكرة أنا مش طفل علشان تحاولي تخففي عني، عارف انا غلطت، واستاهل عقاب منك بس
توقفت تضع كفيها على شفتيه
-ممكن منتكلمش دلوقتي، عايزة اغير وتاخدني في حضنك بس، مش طالبة غير كدا
انحنى يحاوطها بذراعه ثم طبع قبلة على رأسها ينظر لهيئتها بالمرآة
-حبيبتي تؤمر وعلى حبيبها التنفيذ
أومأت رأسها دون حديث، انتهى أخيرا من تجفيف خصلاتها القصيرة، قربه إلى أنفه يستنشق رائحته مغمضًا عينيه هامسًا لها.
-ربنا ما يحرمني منك ولا من ريحتك ياأجمل هدية
لفت ذراعيها حول خصره وتمسحت بصدره
-وأنا بعشق ريحتك أوي، رفعت نظرها إليه قائلة: -أقولك سر. رفعت أناملها تتلاعب بزر كنزته البيتية
-كل انواع برفانتك عندي، كل ما اتغير نوع اروح اخده من دولابك واخبيه عندي، لما بقى عندي دولاب كامل مقفول من جميع برفانتك، في مرة ربى فتحته وكانت هتعرف وقتها جه عز وانقذني.
ظل صامتا وابتسامة مغرمة لمعت بريق عيناه، ظل يطالعها وينظر إلى أناملها التي تتحرك على كنزته بنعومة أهلكته
انحنى بعد لحظات صامتة، يضع جبينه فوق جبينها ولامس كرزيتها هامسا من بين أنفاسه العاشقة
-بعشقك مهلكتي، خلي عندك ثقة اللي قدامك دا مستعد يبع العالم علشان ياخدك في حضنه زي كدا. قالها وهو يحاوطها بذراعه ثم رفعها من خصرها حتى أصبحت بمقابلته
قائلا ببحته الرجولية.
-خلي حد يقرب منك ياجنى وشوفي وقتها هعمل ايه، إذا انا اتخليت عن اعز صديق تخيلي ممكن أعمل ايه تاني
احتضنت وجهه
-جاسر، لازم تصلح علاقتك بعز، علشان خاطري، لو ليا معزة عندك اع. وضع إبهامه على شفتيها
-اشش. ايه اللي بتقوليه دا، بقولك أبيع الدنيا، تقولي لو ليا خاطر عندك
جذبها متجها إلى غرفة الملابس. أخرجت ثيابها
-ممكن اغير. رفع حاجبه ساخرا
-بت هتشتغليني ولا ايه قولتي تعالى اساعدك، بتر حديثه اتصال صهيب.
-أيوة. اجابه صهيب
-فيروز هنا وعاملة حريقة، ياريت تيجي قبل ماأبوك يعرف حكاية طلاقك، هيولع فيك
-تمام جاي. قالها ثم أغلق الهاتف ينظر بشرود، فيبدو العاصفة القادمة لا تبشر بالخير
-جاسر فيه حاجة. اتجه إليها ورسم إبتسامة يجذبها
-لا حبيبي، كنت بفكر هلبسك إيه. جذب تلك المنامة الوردية، وأشار إليها
-عندي مشوار ساعة بالكتير، ارجع الاقي مهلكتي عاملة حفلة لحبيبها اللي بتوحشه وهي في حضنه.
طيب ياله شوف شغلك ياحضرة الظابط. توقف يشير إلى كرزيتها
-طيب مفيش حاجة لحبيبك تصبره لحد ما يرجع
دفعته للخارج وهي تضحك، ياله روح شوف شغلك ياحضرة الظابط، قالتها ثم أغلقت الباب خلفه.
تحدث من خلف الباب
-مش هتأخر حبيبي، ارجع الاقي حفلة من لجوزك حبيبك.
استندت على الباب، تستمع إلى حديثه بقلبًا يئن ألمًا، تحرك للخارج وهو يحمل مفاتيحه، تبدل حالها، فانسابت عبراتها، وضعت كفيها على شفتيها تمنع شهقة حتى لا يستمع إليها، هوت خلف الباب فهي لا تعلم ماذا عليه فعله، آلامها قلبها على حالته، رغم أنه كذب عليها وعلى الجميع
هزت رأسها مستنكرة ماقاله
-لدرجة دي ياجاسر، زورت وسيئت سمعتي، ظلت لأكثر من ساعة وهي جالسة تتذكر أيامها معه، تنهدت بعدما فشلت ب ماذا تفعل؟
بفيلا الألفي خرج جواد وجد حرب دائرة بين أوسوعز بحضرة فيروز
اتجه عز إلى فيروز صارخا بها
-هموتها الحقيرة دي، ليها عين تيجي هنا، دنى ينظر إليها بعيون جحيمية
-ياترى المدام جاية وفرحانة بحوزها اللي رماها وراح اتجوز عليها
وصل إليها بعدما دفع أوس بغضب فمن يراه يظن إنه وحشا كاسر
امسكها بغضب
-بقى حشرة ذيك يابت تبعتي ناس لأختي يغتصبوها، وحياة ربي لأحصرك على عمرك.
تراجعت بخوف من حالته تهز رأسها رافضة حديثه ثم هتفت ببكاء
-أنا معملتش حاجة، ابن عمك اللي دبحني هو واختك الحقيرة، صفعة قوية على وجهها ثم جذبها من خصلاتها، يجرها بأرض
-مين دي يا زبالة اللي حقيرة، دا هي مترضاش تشغلك عندها خدامة، يامجرمة يابنت المجرمين
دفعه أوس بقوة وصاح مزمجرا
-قلة ادب مش عايز، اه انت أكبر مني وليك الاحترام بس.
دي مرات اخويا، غلطت مش غلطت جوزها اللي يحاسبها، إنما أنت تمد ايدك عليها هكسرهالك يامحترم، وصل بيك البجاحة تضرب ست لا وكمان مرات اخوك
جن جنون عز وبدأ يحطم كل ما يقابله وزأر كأسدا مفترس
-ست في عينك انت واخوك، قال ست دي شيطانة، شوف الحقارة اللي اخوك الزبالة ابتلانا بيها، حاول الوصول إليها مرة اخري، فنيران قلبه تحرق الأخضر واليابس
صفعه أوس بقوة وصرخ به.
-ماتتلم يلا، بقولك دي مرات اخوك، تضربها.
قابله عز بالصفعة، وقفت نهى وغزل بينهما تحاول الفكاك. أزاح عز والدته واتجه إليه غاضبا
-أنا ماليش اخوات غير فارس وبس، احنا ولاد صهيب إنما انتوا ولاد جواد يعني لا أم ولا اب
استمع الى تصفيق خلفه. استدار الجميع وجدوه جواد
تحرك بخطوات ضعيفة هزيلة يكاد يتحرك من آلامه، أسرعت غزل إليه
-جواد ايه اللي نزلك. أشار بكفيه بالتوقف
-مش عايز أسمع ولا كلمة، رفع نظره الى عز الذي نظر للأسفل بأسى وخزي.
-سمعني يابن صهيب كنت بتقول ايه
استدار ولم يجوابه. فأشار إلى ربى التي كانت تطالعه بوجعًا
-خدي جوزك وروحي، كفاية قعدتك هنا، ليكي بيت أولى بيكي
-بابا. استدار ببصره
-قولت إيه! روحي مع جوزك، خد مراتك وامشي من هنا يابن صهيب
-عمو. أنا آسف كنت متعصب
أشار يكفيه بالصمت
-خد مراتك وامشي من هنا ولما عمك يموت ومايعرفش ياخد حق بنته اللي هي اختك اللي هو انكم ولاد صهيب يبقى تعالى واعمل راجل واضرب مرات اخوك ياقليل الادب.
تحرك عز إليه
-عمو. هتف بصوت حاد مرتفع على ابنته
-مش قولت خدي الولد دا وامشوا من قدامي
-بابا أنا مبقتش مراته. توسعت عيناه بغضب، ورمقها محذرا
-كلمة كمان وهنسى أنك بنتي اللي ربتها، امشي على بيت جوزك، عايزة تربيها هناك في بيتكم مش هنا
ثم اتجه إلى عز مردفا
-متفكرش بعتها علشانك لا. تبقى متخلف، أنا بعتها علشان هي بنت جواد الألفي واخت جاسر اللي اتبريت منه من شوية
اقترب ببطئ يرمقها بنظرات نارية ثم لكزه وهتف.
-بعتها علشان أخويا اللي كان من شهر بيموت وانا عاجز ومش عارف اعمل إيه، إنما لو عليك متستهلش تبص في وشها لأنها حاجة كبيرة وانت حاجة صغيرة اوي في نظري يابن صهيب
أشار بيديه اتجاه منزله
-دلوقتي بيتك هناك، محرم عليك تدخل المكان دا، بنت جواد بس اللي ليها الحق
جواد قالتها غزل بذهول
رمقها بنظرة اخرصتها
-بررررة. صرخ بها جواد حتى أصاب الجميع بالصدمة من حالته. جذب كف ربى وتحرك تأكل خطوايه النارية الأرض.
اتجه بأنظاره إلى فيروز
-جاية ليه هنا، جوزك مش هنا ومنعرفش مكانه
توقفت مذهولة مما يحدث، لا تصدق أن هذه العائلة التي كانت مترابطة كاليد الواحدة
هبت فزعة بعدما صاح جواد بها
-مبترديش ليه، ايه اللي جابك، انا مش قولت مش عايز أشوف وشك ولا الست الوالدة ماوصلتش الرسالة
اقتربت منه تنظر بقوة لداخل عيناه
-جاية اخد حقي من ابنك، مش انت راجل العدل والحق، هاتلي حقي وحياتي اللي ابنك ضيعهم
قطب جبينه واقترب منها.
-لو جاية تحاسبيني على جوازه تبقي هبلة وعبيطة، لأنه اتجوزها من غيرماأعرف، يعني مااعرفش مكانه فين
رمقها بنظره مستاءة وحقيرة ثم أشار لها
-إظاهر الجمال مش كل حاجة، بدليل أنك مكفتهوش وراح اتجوز عليكي
صرخت بوجهه
-إنت ظلمتني زمان ياحضرة اللوا وفضلت تقوله دي بنت مجرم وهتكون زي ابوها لحد ماابنك باعني ورماني
دنت تطالعه وتجمعت عبراتها بعينيها تضع كفيها على أحشائها.
-اخد ابسط حق ليا، وحرمني من الأمومة طول حياتي، انسابت عبراتها بقوة واقتربت تمسك كفيه وانهارت باكية
-ترضى بنتك يحصل فيها كدا، ترضى أنهم يحرموها من حق الأمومة
نظر إلى غزل غير مستوعب حديثها. هزت كتفها لا تعلم بينما نهى التي نزلت ببصرها الأرض لأنها تعلم بطلاقها وفقدانها للطفل
هوت أمام ساقيه وبكت بحرقة
-ابني مات يوم حادثة جنى اللي حضراتكم اتهمتوني بيها، بكت بصوت مرتفع واستأنفت من بين بكائها.
-كنت ضحية زيها، وبدل ماابنك يوقف جنبي رماني بعد ماعرف مش هينفع اجيب ولاد تاني
ضربت الأرض وصاحت بقهر
-ابنك طلقني ورماني لما فقدت الأمومة وعملولي استئصال للرحم، رفعت نظرها باكية
-ابنك رماني ياراجل العدل وحرمني من حقوقي علشان يتجوز البنت اللي بيقول عليها حبيبته، طيب لما بيحبها ليه يظلمني معاه.
توقفت توزع نظراتها بينهم وضربت على صدرها صارخة بجنون.
-كلكم عيبتوا في تربيتي وبقيتوا تشوفوني بنت مجرم، بس مقدرتوش تعذروني وأنا بحاول ابعد جوزي عن البنت اللي ليل نهار مفيش على لسانه غيرها
هزت كتفها تدور حولها
-اعمل ايه وانا جوزي بيفكر في بنت تانية، دنت من غنى تطالعها بألم
-قوليلي أنتِ عايزة اعرف تحسي بأيه وأنتِ بين ايد جوزك ويناديك باسم حبيبته، تحركت إلى أن توصلت لغزل.
-عارفة انك كنتي دائما بتحاولي تصلحي من اسلوبي بس أنا كنت معذورة، شهر وحياتي كلها اتقلبت ليه. هزت كتفها تنظر إلى صهيب الذي وصل في تلك الأثناء فأشارت عليه
-علشان بنت الراجل دا خطفت جوزي، هزت رأسها تدور كالمجنونة
-كل عزومة جنى، كل حفلة جنى، كل كلمة جنى، حتى في المنام جنى
ظلت تهز رأسها كالمجنونة
وأصحى على كابوس حياتي.
وان جنى السبب في خسارتي أغلى حاجة في حياتي، وياريت توقف على كدا. اتجهت إلى جواد ونظرت بمقلتيه المذهولة من حديثها
-ابنك الجاحد جالي وأنا بين الحياة والموت ورمى يمين الطلاق عليا. قهقهت تضرب كفيها ببعضهما
-وجاي يحاسبني على اللي حصل لجنى
ضحكات. ضحكات حتى انسابت عبراتها
-شوفت ذل أكتر من كدا ياحضرة اللوا. بكل فخر ابن حضرة اللوا المحترم المتربي رمى مراته بعد سنة ذل في جوازهم. أشارت بكفيها إليه.
-اه أصلي نسيت أقول لحضرتك أنه اعترفلي اتجوزني تحت ضغط. نظرت لصمته وهتفت
-ايه ياحضرة اللوا مالك مش دا تربية الناس المحترمة، إنما أنا تربية المجرمين
ضيقت عيناها وأشارت يكفيها
-اه. إنما حضرتك عاملي كبير عيلة ومتعرفش مصايب ابنك دي كلها ازاي، ولا حضرتك اللي طلبت منه يعمل كدا
دارت حوله تنظر للأرض وتهز رأسها
-لا مش معقول تكون عارف، ماهو متربي ازاي يكون قليل الأصل كدا وتسكت
تحركت إلى أن وصلت لصهيب وهتفت.
-عرف بنتك مش هسيبها تتهنى، وان شاءالله هاخد حقي منهم هما الأتنين
-فيرووووووز، صرخ بها جاسر، وصل إليها يجذبها بعنف صارخا
-ايه اللي جابك هنا. جذبها متحركا، ولكنه توقف عندما استمع إلى حديث والده
-رايح بيها فين؟
استدار ينظر لوالده
-بابا أنا طلقتها. مط شفتيه للأمام واستدار متحركا
-غزل قولي لابنك لو ليك أب يبقى تعالى له بكرة، دلوقتي أنا تعبان ومش عايز أشوف حد.
قالها وتحرك. توقف أمام صهيب الذي يهرب بنظراته منه. ابتسم ساخرا
-كنت عارف بكل البلاوي دي كلها. ابتعد صهيب ببصره الى جاسر. نظر جواد للذي ينظر إليه فهز رأسه
-أيوة صح ماهو أنا أكون لابني ايه. قالها وتحرك
اسرع جاسر خلفه
-بابا. اوقفه أوس عندما توقف أمامه
-امشي دلوقتي علشان مقلش بأصلي ونخسر بعض للأبد، بينما تحرك جواد الذي تمتم متألما وحجز عبراته بمقلتيه.
-ابوك مات. اعتبره مات، ظل يردد بها متحركا. أسرعت غنى خلفه وهي تهز رأسها رافضة أفعال جاسر
كور قبضته متألمًا عندما وجد حالة والده
عند عز وربى
ولجت إلى جناحهما، وجمعت أشيائها متجهة إلى غرفة آخرى. توقف أمامها
-بتعملي ايه. قطبت جبينها
-دا سؤال ولا إيه
امسكها بعنف يضغط على ذراعها
-ربى الموضوع مش مستاهل اللي بتعمليه دا
نزعت نفسها وأشارت محذرة.
-اياك تلمسني تاني، انا هنا في بيت عمي، باباي تعبان شوية ومحبتش ازعله، جيت اقعد عند عمي كام يوم
إنما أنت هنا ابن عمي وبس ياباشمهندس تحفظ لقبي شوية اللي كنت بتقوله في المستشفى
-دكتورة. ايه حالا نسيت. دنى منها وهتف بإستنكار
-ربى ممكن تهدي علشان نعرف نتكلم
دنى بعض الخطوات تراجعت للخلف
-إياك تقرب، احنا دلوقتي في حكم المطلقين، مالكش حاجة عندي، وياريت تقنع نفسك إننا أطلقنا
ضغط بقوة مزمجرًا بغضب.
-هموتك ياروبي شوفتي هموتك، تجيبي السيرة دي تاني هموتك
لكمته بقوة وصرخت كالمجنونة
-لا موتني. عايزاك تموتني ياعز، على الأقل ارتاح منك ومن وجع قلبي
حاوطها بذراعيه يجذبها بقوة حتى ارتطدم ظهرها بصدره هامسا لها كفحيح أفعى
-اسمعك تتكلمي عن الطلاق تاني هموتك واموت نفسي، نزل برأسه بعدما جذب حجابها ملقيه على الأرض.
-عايز أعرف هتمنعيني ازاي ياحبيبتي عنك، قوليلى كدا هتقدري تبعدي عن عز حبيبك، قالها وهو يدفن رأسه بعنقها يستنشق رائحتها التي اشتاقها حد الجنون
دفعته بقوة تزيل آثار أنفاسه من فوق عنقها وصرخت به
-ابعد عني وإياك تقرب، مبقتش متحملة قربك، اقتربت تنظر لمقلتيه بقيت بكره قربك ياعز، وياريت الزمن يرجع بيا ولا أحب واحد خسيس زيك
كلماتها كانت كالطلقات النارية التي أصابت صدره
نظر إليها بذهول وتحدث بتقطع.
-أنا ياروبي، بتقولي عليا كدا، تحرك إلى أن وصل إليها يهزها بعنف
-بقيتي بتكرهيني، بتكرهي عز، عز حبيبك
دفعته صارخة وظلت تلكمه وتبكي
-أيوة انت واحد حقير، بكرهك، بكرهك ومش عايزة أعيش معاك. امسك كفيها وانسابت عبراته يضمها لأحضانه
-روبي انا تعبان، بلاش تدوسي عليا.
-طالعته بذهول
-ادوس عليك! قالتها ثم أطلقت ضحكات، تشير على نفسها
-أنا، ادوس عليك، طيب انت ايه. توقفت متجهة إليه وتوقفت أمامه.
-إنت موتني ياعز بدل المرة تلاتة. تابعت حديثها بقلبا يأن ألمًا
-تحب نبدأ منين، تراجعت وهوت على المقعد وذكرياتها المتألمة تصفعها بقوة
-أول مرة خذلتني وبعدت عني وحطمت قلبي بحجة العيلة، وتاني مرة لما حاولت تغتصبني لولا رحمة ربنا بيا، ابتسامة سخرية مستأنفة حديثها
-والتالتة لما جنى اتعرضت للأغتصاب وكالعادة حبيبتك أول تنزيلاتك ترميها وتدوس عليها، رفعت عيناها الباكية واستأنفت نزيف روحها.
-كل مرة تموت فيا واقول معلش معذور، المهم بيحبني لحد ما خلاص رصيد حبك في قلبي انتهى، دمرتني ودمرت نفسك ودمرت كل اللي حواليك، كل حاجة عندك غضب وتحط اعذار لنفسك وتدوس على الكل إنما إنت الملاك المظلوم، نهضت متجهة إلى وقوفه وهتفت بقوة
-اسمع يابن صهيب الألفي اللي عمل في جنى كدا إنت مفيش حد غيرك، دنت حتى اختلطت أنفاسها تنظر لمقلتيه بنظرات نارية.
-لما هجمت عليا زمان جه اللي هجم على أختك مع اختلاف كبير ومؤذي يابن عمي. لكزته بصدره بقوة وأردفت
-إن اللي هجم على جنى واحد مجرم، إنما اللي هجمت عليها بنت عمك من لحمك ودمك
احتضن وجهها وانسابت عبراته
-روبي بلاش تدبحيني لو سمحتي
نظرت إليه بذهول
-ادبحك!
-ليه علشان عريتك قدام نفسك، ابتلعت غصة بطعم العلقم.
-دوق تندبح مرة يابن عمي، بدل ماانت ماشي تدبح في الكل. ، ودلوقتي، ياتطلع برة الأوضة دي ياأطلع أنا، واتمنى اطلع أنا لأن ريحتك في الأوضة وانا قرفانة منها
ألجمته الصدمة ولم يستطع النطق أمام كلماتها، ران صمتا مميتا بينهما لبعض اللحظات، هي تجمع اشيائها بجسد ينزف متألما، وهو بنظراته التي تحاوطها، اقترب منها وحاوطها من الخلف.
-هموت لو بعدتي عن حضني، ارتجف جسدها من كلماته التي شعرت بالأختناق من أثرها، لملمت شتات نفسها وانزلت كفيه بهدوء، ثم رسمت قناعًا باردا على ملامحها فاستدارت له
-مفيش حد بيموت قبل نصيبه ياباشمهندس، متخافش كل واحد بيعيش حياته المكتوباله
-روبي لو سمحتي
مسحت دموعها التي خانتها بعنف، وطالعتها بتحذير
-دكتورة ربى الألفي متنساش الألقاب يابن عمي، علشان تفضل الباشمهندس العظيم اللي فرق العيلة كلها.
ضغط على خصرها غاضبا
-أنا ولا أخوكي. تعمقت بنظراته وأجابته
-انتوا الأتنين للاسف، اقرب اتنين لحياتي بقيتوا اكتر اتنين أتمنيت انسى كل مايخصهم
نادت على العاملة. وصلت العاملة سريعا. أشارت لها
-خدي الحاجات دي انقليها الأوضة التانية. تحركت العاملة بالأشياء دون حديث
دفعها بقوة غاضبا على الفراش حتى هوت عليه وحاصرها بجسده
-عايزة توصلي لأيه، لكزها برأسها بإبهامه.
-انسي اللي بتفكري فيه على جثتي ياروبي. انحنى عندما شعر بإرتجافها، دفن رأسه بعنقها ولثمها بعنف حتى ترك أثارها عليها ثم نظر إلى شفتيها وهي تصرخ وتدفعه بقوة. ابتلع صرخاتها وهو يحاول تقبيلها بعنف، دفعته بكل قوة ورغم ذلك لم يتركها إلا حينما ابتلع دموعها ابتعد عنها، اعتدلت سريعا وصفعة قوية على وجهه.
-حقييييير، بتعيب على جاسر، شوف نفسك يامغتصب، دفعته بقوة مجنونة برررة ياذبالة، بكرهك، بكرهك ياعز، بدأت تحطم كل ما يقابلها بالغرفة.
شعر بدوار أصابه مما تفعله، وحالتها المزرية التي شقت صدره وحولته لكتلة نارية، اقترب بخطوات متعثرة إليها، بسط كفيه
-ربى. بدأ تزيل اثاره بقوة تنظر إليه نظرات نارية.
-اهو شوف بقيت بكره جسمي اهو، يارب ترتاح، برة مش عايزة اشوف وشك قدامي، برة، برة. صرخت بها عدة مرات في دخول نهى إلى المنزل، أسرعت لغرفتهما، ذهلت من حالة الفوضى التي بالغرفة، هرولت إلى ربى الجاثية على الأرض، ووقوف عز بعيدا عنها
-ربى حبيبتي ايه اللي حصل
أشارت عليه بجنون
-خليه يمشي، حقير مش عايزة اشوف وشه.
خرج سريعا يتخبط بسيره وكأنه يدوس على سيوف مدببة، تحرك مهرولا إلى سيارته وقادها بسرعة جنونية، بينما ربى
انهارت قواها ونظرت حولها بنظرات تائهة ضائعة
حتى هوت بين ايدي نهى مغشيا عليها
عند جاسر وجنى.
دلف إلى منزله، جلس على الأريكة بالخارج واضعا رأسه بين راحتيه وكأنه فقد والديه، انسابت عبرة عبرة وجنتيه، أطبق على جفنيه متألما كلما تذكر نظرات والده الحزينة، يود لو يصرخ ويخرج مابداخله، تراجع وأغمض عيناه، بالداخل أغلقت جنى الهاتف مع والدتها وخرجت بعدما علمت بوجوده، اتجهت للخادمة
-حنان روحي، النهاردة إجازة. تحركت العاملة بعدما شكرتها، ثم اتجهت إليه، جلست بجواره واحتضت كفيه.
-جاسر. فتح عيناه الحزينة يطالعها بصمت
دنت تضع رأسها على صدره وحاوطت خصره
-وحشتني أوي، قولت هتتأخر ساعة مش ساعتين
رسم ابتسامة، ورفع ذراعيه يجذبها حتى اختفت بأحضانه
-آسف ياقلبي، كان مشوار مهم مقدرتش أجله
رفعت رأسها واحتضنت وجهه ثم تجرأت لأول مرة مقتربة تطبع قبلة على شفتيه
-حبيبي لازم يتعاقب علشان اتأخر على قلبه
ارتجف قلبه من كلماتها، وشعر بسعادة تغمر روحه
فوضع رأسه بحنايا عنقها
-بموت فيكي مهلكتي.
أغمضت عيناها مستمتعة بأنفاسه. وتخللت انأملها بأنامله هامسة بجوار أذنه
-مهلكتك وحشتك ولا لا
نهض وهو يحملها متجها إلى غرفتهما
-مهلكتي وحشاني وهي في حضني بس ملهمها عايز شوية تغيير ايه رأيك
وصل إلى غرفة الملابس وانزلها
-تغير دا وتلبس حاجة لجوزها حبيبها. قالها وتحرك سريعا.
اتجهت إلى خزانتها ارتدت منامة باللون الأحمر تصل إلى كاحلها مفتوحة من الجانبين ذو قصة واسعة من الصدر، ثم وضعت عطرها بسخاء ورفعت خصلاتها فأصبحت ذو طلة تخطف القلب والعقل معا، دلف جاسر بعدما تأخرت بالداخل. تسمر بوقفته عندما وجد نجمته متلألئة بتلك الهيئة، لأول مرة يراها بتلك الطلة. خطى بخطوات سلحفية يطلق صفيرًا. حتى وصل إليها لف ذراعيه حول خصرها ينظر لأنعكاس صورتهما
-مهلكتي ناوية على إيه؟
قالها وهو يلفها عليه، نزلت برأسها خجلا من نظراته الأختراقية. انحنى يهمس لها
-بتحبيني اوي أوي
وضعت رأسها بصدره، فجذب بيديه إحدى المنامات التي اختارها قبل ذهابه.
-عايزك تلبسي دي علشان خاطري
أشارت على ثيابها
-ماأنا لابسة أهو، هو دا وحش
رفع ذقنها بأنامله
-حلو. بس عايز دا، مش من حقي تلبسي الليلة على ذوقي، متنسيش إنتِ طلبتي.
تنهدت وامأت برأسها. تحرك للخارج وهو يطلق صفيرًا يضع كفيه بجيب بنطاله، توقف على باب الغرفة
-متتأخريش. قالها وتحرك للخارج
خرجت بعد دقائق معدودة، كان يقف ينظر من النافذة على سقوط الأمطار ينفث سيجاره وذكريات حياته كشريط سينمائي أمامه
ابتسامة زينت وجهه عندما لاحت ذاكرته بلمسها لأول مرة، شعور الراحة والأكتمال سيطر عليه، تذكر.
حديث والده الذي غرز بصدره وانزف روحه، ليه يابابا تقسى عليا كدا. أطبق على جفنيه متألما، فتح عيناه وحديث صهيب لجواد، هنا كور قبضته حتى تفتت تبغه بكفيه وهو لا يشعر، شعر بإحتراق صدره رغم برودة الجو، هز رأسه وهمس لنفسه
-هشوف هتعمل ايه ياعمو لما تعرف
شعر بوجودها استدار بهدوء يطالعها، تحرك إليها وعيناه تبحر فوق جسدها الأنثوي، دنى منها وهمس بأنفاسا تمر فوق شفتيها.
-هو فيه قمر بينزل بالنهار، لا ونازل عندي الأوضة كمان، دا ربنا بيحبني
نزلت بنظرها للأسفل ولم تقو على النظر لعيناه. رفع أنامله يتحسس وجنتيها
ثم دنى واحتضن كرزيتها بخاصته التي اغدقها بقبلة مسكرة يبث بها كل عشقه لها. فصلها بعدما شعر بإختناقها
جذبها لأحضانه يملأ رئتيه من رائحتها وبدأ يتحرك على نغمات الموسيقى الهادئة. لحظات ثم أمسك كفيها وأدارها.
بدأت تتحرك كرقاصة باليه، رداء ناعم ذو فتحة صدر واسعة، يصل مافوق الركبة، يبرز منحنايتها المغرية. دنى منها وبحركة فجائية ظل يدور بها، جعلها تلتف حول نفسها فتطاير فستانها القصير كاشفا ساقيها، وحركات خصلاتها التي تدور وتنساب حلو وجهها
ضحكاتهما ارتفعت بالمكان، فحملها يدور بها، لحظات ثم انزلها بهدوء يحاوطها وعيناه ترسمها بقربها الشهي للعين والقلب بشكل يحبس الأنفاس.
اكتفى بتنهيدة مرتجفة بدقات قلبه من تفاقم عشقه الذي تغلغل بروحه، وغزى شريانه
نزل بجبهته هامسا بأنفاسه الحارة عجز لساني عن كلمات تعبر عن عشقي لكِ مهلكتي رفعت كفيها على وجنتيه
وعشقك استوطن ثنايا روحي ملهمي. دنى ثم دنى حتى اختلطت انفاسهما وتلامس ثغرها بخاصته حتى عقد معذوفة سيمفونية، فهاهي روحهما تصدر ألحان العشق
سحب كفيها واتجه إلى المدفأة وحاوطها بوشاحا ثقيل، نظر لعيناها المهلكة لقلبه.
-سقعانة حبيبي. وضعت رأسها على كتفه
-لا. إنت مدفي الأوضة كويس جدا. رفع رأسها يهز رأسه رافضا كلماتها
-لا ياحبي مش دا اللي مدفي الأوضة
قطبت مابين جبينها
-اومال! دنى يضع جبينه فوق جبينها
-حبي ليكي هو اللي مدفي المكان زي ماحبك مدفي صدري. ذهب بصرها لقميصه، ثم رفعت نظرها لعيناه.
-جاسر كنت عايش إزاي مع فيروز. قالتها بشكل موجع اجتاح كل خلية بجسدها، رفعت أناملها لزر قميصه وأصابها قبضة اعتصرت قلبها من نيران الغيرة، ظلت تتلاعب بزر قميصه، تضغط على شفتيها حتى لا تنساب عبراتها
-كنت عندها مش كدا، عرفت انك روحتلها
رفع ذقنها بأنامله
-جنى ممكن تنسي موضوع فيروز دا، علشان حبنا يكبر مش يقل، مال على أذنها وهمس لها.
-فكري في عيالنا، عايز منك عيال كتير علشان احكيلهم أد ايه حبيت امهم وازاي اتحولت لمزور علشان اخطفها لنفسي
تلألئت الدموع بعيناها تهز رأسها
-عايزة أعرف ازاي كنت عايش معاها وزي ماقلت محبتهاش هو ممكن حد يعيش مع حد وقلبه مع حد تاني، وهي ليه راحت لعمو النهاردة وانت قولتلها ايه
سحب نفسا عميقا وزفره بنيران غضبه، وهو يعلم بأن موضوع فيروز سيكون كابوس حياته
أدارت وجهه إليها.
-حبتها في وقت من الأوقات، قولتلها بحبك، اخدتها في حضنك زي ماأخدتني، وضعت كفيها على صدره وانسابت عبراتها
-كانت بتلمس صدرك مش كدا. نيران اكتوت صدرها واحرقته تنظر إليه بغشاوة دموعها
-حرقتني كام مرة وانت معاها، ازاي قدرت تكون بالجبروت دا ياجاسر، ازاي دوست علينا إحنا الأتنين
ابتلع ريقه بصعوبة، حرك شفتيه التي جفت بنبرة يبدو عليها الندم قائلا
-بلاش تقلبي في القديم يابنت عمي، قولتلك هنتعب.
هزت رأسها رافضة حديثه
-الماضي هو أساس للحاضر والمستقبل يابن عمي، عايزة أعرف ازاي الراجل اللي بيحلف بعشقي قدر يخوني
انزعج من حديثها فنهض وهو يشير إليها
-لو فضلتي كدا هنخسر بعض، انا حكتلك كل حاجة بلاش تمشي ورا شيطانك لو سمحتي، انا بحبك إنتِ، وعلاقتي فيروز ماضي وحياتي معها ماضي
نهضت وتوقفت غير قادرة على الجدال بسبب فرط ألمها
-عملتوا ايه الساعتين دول ياجاسر
كور قبضته يهز رأسه بغضب.
-جنى ممكن تنسي موضوع فيروز مش عايز اسمع حاجة عنها لو سمحتي
عايزة أنام، اتجهت إلى فراشها، وقف يتابع تحركها بألمًا مفرط، تحرك خلفها وجدها تمددت على الفراش تواليه ظهرها
جلس بجوارها يمسد على خصلاتها، ثم انحنى بذقنه يستتند على كتفها العاري.
-قولتلك قبل كدا مكنتش عايش ياجنى، ولو فكرتي أن حياتي مع فيروز زيك تبقي غلطانة وغلطانة اوي حبيبي؛ لأني معرفتش طعم الحب إلا في حضنك، كل كلمة حب قولتها مستمعتش بيها الا معاكي ياجنى.
سحب نفسا طويلا وزفره يلفح وجهها
-عارف إنك مضايقة وغيرانة ودا حقك، بس إنتِ اللي وصلتني لكدا
تنهد بوجع فاحتضن وجهها
انتي مراتي وحبيبتي
خللت أناملها بأنامله وهمست بعدما طبعت قبلة بجانب شفتيه.
-وانت عشق الروح، لو بعدت أموت، وضعت كفيه على صدرها
-دا بيغلي من الغيرة ممكن تطفيه، تعرف تبرد ناره ياجاسر، تعرف تطمني وتقولي أن دا كله كان كابوس وانتهى
انحنى ولمس ثغرها بخاصته قائلًا
-أعرف اعيشك في جنة عشق الجاسر ياروح جاسر.
↚
أغمضت عيناها بقهر وانسابت عبراتها، كفف دموعها بأنامله، وجذبها حتى جلست بأحضانه
- عارف إنك مضايقة وغيرانة ودا حقك، بس إنتِ اللي وصلتني لكدا
تنهد بوجع فاحتضن وجهها
انتي مراتي وحبيبتي
خللت أناملها بأنامله وهمست بعدما طبعت قبلة بجانب شفتيه
-وانت عشق الروح، لو بعدت أموت، وضعت كفيه على صدرها
-دا بيغلي من الغيرة ممكن تطفيه، تعرف تبرد ناره ياجاسر، تعرف تطمني وتقولي أن دا كله كان كابوس وانتهى.
انحنى ولمس ثغرها بخاصته قائلًا:
-أعرف اعيشك في جنة عشق الجاسر ياروح جاسر
دفنت رأسها بصدره وحاوطت خصره
-غصب عني يابن عمي، قلبي مولع نار، ومش قادرة اتحمل فكرة قربها منك
ملأ صدره بأكسجين عطرها يمسد على خصلاتها مبتسمًا
-كدا أفرح أنا أوي علشان جنجونة قلبي بتغير عليا
رفعت رأسها وبدأت ترسمه بعينها حتى رست على رماديته اللامعة.
-يعني فرحان بوجع قلبي. أطلق ضحكة رجولية جذابة حتى جعلت قلبها يدق بعنف بصدرها بقوة، ثم انحنى واضعا جبينه فوق جبينها
-غريتك نار ياجنجون وأنا بعشق الخدود الحمرة دي لما بتتعصب، ثم مرر إبهامه على شفتيها وهمس بجوارها.
-وبعد كدا اعرف ارضى حبيبي بمعرفتي، قالها وهو يحتضن ثغرها بخاصته، لحظات ثم تمدد يجذبها لأحضانه قائلا: -فيروز راحت حي الألفي، تشتكيني لبابا، وطبعا طلعتني حقير وندل، تجمعت العبرات بعينيه واختنق صوته فتحدث بصوت متحشرج: -عمك زعلان مني أوي ياجنى، واخد على خاطره، ودا وجعلي قلبي، عارف صدمته فيا كبيرة، بس هو ماسبليش حل
اعتدلت تستند على صدره متسائلة: -ليه معرفتهمش إنك طلقتها، رفعت ذقنه ونظرت لمقلتيه.
-جاسر إنت فعلا كنت بتنادي فيروز باسمي
أطبق على جفنيه يعصرها متألمًا. لمست وجنتيه بأناملها الناعمة
-أنا مبحبش الظلم يابن عمي، بس انت هنا كنت قاسي اوي، حتى لو مراتك فيها عيوب الدنيا كلها، دي لوحدها قهرة، وليها حق تموتني مش تبعتلي ناس بس
رفع بصره وظل يطالعها بصمت للحظات ثم تحدث بصوتًا حزين: -أنا مش حقير ياجنى، اه فعلا غلطت مرة بس غصب عني، هي كل مشكلة بينا كانت بتحطك، ودايما بتحسسني إني ظلمتها.
-وانت شايف نفسك مظلمتهاش ياحضرة الظابط، لما رحت اتجوزتها وانت بتحبني زي ما حضرتك بتقول دا مش ظلم
سحب نفسا عندما شعر بإنسحاب الأكسجين من رئتيه هو يعلم أنه اخطأ ولكن ليس للقدر حكما.
-عارف إني ظلمتها، لكن اقسم بالله ياجنى انا اتجوزتها وقولت هبني حياة جديدة وهتعايش مع قدري، وفعلا عيشنا كام شهر والأمور طبيعية لحد مافي يوم حياتنا اتقلبت واتحولت لجحيم، ليه معرفش، خروجات وفصح غير طريقة لبسها، صدمتني وفوقت على كابوس حياتي في حقيقة معرفتهاش إلا بعد جوازنا، يعني كذبت عليا.
مسح على وجهه بعنف.
-اه غلطت اني اتجوزتها مع اختلاف حياتنا، بس هي وعدتني هتتغير وقالت باباك هعتبره باباي، معرفش ايه اللي حصلها بعد كدا وبدأت تبجح وتقنعني أن ابويا شيطان وبيظلم الناس
اعتدل وأمسك كفيها يهز رأسه وانسابت عبرة عبر وجنتيه
-أنا جيت في مرة رفعت صوتي على ابويا وقولتله انت ظالم
كور قبضته بعنف، وتحولت عيناه لنيران جحيمية كلما تذكر تلك الليلة
رفع نظره إليها واستأنف
-كنا الليلة دي مبيتين عندنا في البيت، ذهب بذاكرته.
فلاش
ولج غرفته وابدل ثيابه
-فيروز قومي حبيبتي العشا جهز والعيلة كلها تحت
ألقت الغطاء متأففة
-هو لازم الأكل اللي بمواعيد دا، هو احنا في جيش افرض انا مش جعانة
تنهد بوجع فتحدث: -حبيبتي استحملي اليومين اللي بنجيهم هنا، علشان بابا ميزعلش هو وماما، يالة حبيبتي غيري هدومك وبلاش الفساتين الضيقة دي، عز موجود وبيجاد غيراوس مش هيسكت
نهضت وهتفت غاضبة.
-حياتي وانا حرة فيها محدش ليه يدخل، دا لبسي واللي مش عجبه يشرب من البحر
جذبها من رسغها وأشار إليها بتحذير
-غلط مش هسكت، من قبل جوازنا وغيرتي نظام لبسك، ليه رجعتي تاني للبس دا معرفش، بس انا راجل ومبحبش مراتي تمشي تتمخطر بجسمها
دفعته موبخه اياه وهتفت مزمجرة: -دا جسمي انا ومحدش له حكم عليا
استدار للباب وتحدث: -لو نزلتي بغلطة يبقى تروحي عندك والدتك وورقة طلاقك هتلحقك، قالها وتحرك للخارج.
ضربت أقدامها بالأرض واطاحت كل ماعلى المرآة صارخة. هبط جاسر للأسفل قابله عز وأوس وهما يحملون بعض الأشياء للحديقة
-صح النوم ياحضرة الظابط، ايه يابني بتيجي هنا علشان تنام
تحرك بعدما حمل مقعدين بيديه، واتجه للخارج
-شغل الشرطة دا مقرف أوي ياحبيبي
وصلوا بعدما رتبوا المكان. وصلت ربى وطبعت قبلة على خديه.
-جاسورة حبيبي وحشتني، حاوطها وطبع قبلة على رأسها، وأنتِ كمان ياحبيبة قلبي. نظرت حولها متسائلة
-فين فيروز منزلتش ليه!
أجابها جواد الذي يقف خلفها
-روحي شوفيها وأكدي عليها تنزل حبيبتي، عمو ريان ومراته جايين في الطريق مينفعش متنزلش
تحركت ربى بعض الخطوات ولكنها توقفت على صوت جاسر
-سبيها براحتها ياروبي، هي تعبانة شوية، ولو لقيت نفسها مرتاحة هتنزل
اقترب جواد عندما أشار لأبنته.
-ادخلي ساعدي مامي حبيبتي. اومأت برأسها وتحركت للداخل دون حديث. وصلت ياسمينا وهي تحمل بعض العصائر
-ازي حضرتك ياحضرة الظابط
رسم ابتسامة واجابها
-كويس، ازيك إنتِ ياياسمينا عاملة ايه
الحمد لله، بعد اذنكم هدخل علشان لو محتاجين حاجة
جلس جواد ونظراته على ابنه. هز رأسه وتحدث: -بتبصلي كدا ليه ياحضرة اللوا، مط شفتيه ورسم شبه ابتسامة
-هتفضل لحد امتى كدا، عديم المسؤلية، ومراتك هي اللي ممشياك.
هب من مكانه وتحدث بغضب: -بابا لو سمحت بلاش كلامك اللي بيضايق دا، ايه يعني لو منزلتش، قولتلك تعبانة
أومأ برأسه وأخرج صوت من فمه
-اممم. تعبانة، وياترى التعب دا مابيجيش غير هنا، ماسهراتها وصلتني. اقترب من ابنه
-إنت ظابط حافظ على مركزك، علشان تكون قدوة وتكون في عيون صحابك بقيمة، مش مراته اللي كل شوية من حفلة لحفلة
مسح على وجهه بعنف وهتف: -هو ليه حضرتك ظالم يابابا، ليه دايما بتحسسني إني مش ابنك وتربيتك.
-قوم من قدامي ياجاسر، علشان منساش انك ابني
وصلت جنى
-مساءالخير ياعمو، مساء الخير ياحضرة الظابط
-اهلا قالها وتحرك دون حديث. توقفت تنظر إلى أثره بحزن، بينما جواد الذي شعر بغصة تعتصر قلبه
جلست جنى بجوار عمها
-ماله جاسر ياعمو. ابتلع غصته وحافظ على هدوئه
-مشغول حبيبتي، عاملة ايه دلوقتي. ابتسمت وتحدثت
-احسن بكتير الحمد لله، هقوم اشوف انطي غزل.
اومأ برأسه، تحركت جنى متجهة للداخل، وجدته يقف. امام المسبح يضع كفيه بجيب بنطاله وشاردا في ملكوته. اتجهت إليه، توقفت خلفه وتحدثت بخفوت
-اتغيرت أوي يابن عمي، حتى مش هاين عليك تبص في وشي. استدار ينظر إليها للحظات ثم اتجه ينظر للأمام مرة أخرى وكأنها لم تكن موجودة. تحركت حتى وصلت إليه وتوقفت أمامه
-مالك ياجاسر، وليه الحزن اللي مالي عيونك دا، فين جاسر بتاع زمان
ظل صامتا لبعض اللحظات، فاستدارت متحركة.
-آسفة لو كنت متطفلة. توقفت بعدما استمعت إليه
-جواد فين مش باين!
-معرفش ومش عايزة اعرف. استدار واتجه إليها
-عايزة تعرفي مالى، وانا مش عارف مالك يابنت عمي، هز رأسه ونظر لمقلتيها قائلا: -ابعدي عني ياجنى علشان مأذكيش، خليكي بعيد. قالها وتحرك، وقفت مصدومة من كلماته، أطبقت على جفنيها قائلة: -وانت لسة مأذتنيش يابن عمي.
عودة للحاضر
خرج من شروده عندما شعر بأناملها تتحرك على وجهه.
-وبعدين ماكملتش، ايه السر اللي فيروز خبته عنك قبل جوازكوا
طبع قبلة على جبينها
-حبيبي ياله ننام، بكرة لازم نروح حي الألفي، لازم نحط النقط على الحروف
اعتدلت جالسة
-نروح هناك ليه، بابا قالي بلاش دلوقتي، لازم. وضع إبهامه على شفتيها
-جنى لو سمحتي لازم نروح، مش هتحمل بابا يفضل كدا، لازم اتكلم مع بابا، وعارف ومتأكد أنه هيطلب يقعد معاكي، ويخيرك بيني وبين حريتك، وخصوصا بعد ما عملوا اللي هما عايزينه.
نظرت إليه غير مستوعبة حديثه
-جاسر هو اللي بيحصل
احتضن كفيها ثم طبع قبلة عليهما ونظر لعيناها
-جنى باباكي طلب مني اكتب عليكي بس لمدة معينة، هو مقاليش كدا، بس سمعته بيتفق مع بابا، ماهو عندهم التقرير، فلازم يثبت انك اتجوزتي، حب يلعب عليا، كان ناوي يخليني اطلقك، وياخدها من ناحية بنت عمك ولازم توقف قدامها ولازم تثبت انك راجل. والكلام دا
هزت رأسها غير مستوعبة حديثه.
-ازاي، لا مستحيل بابا يعمل كدا، لا. قالتها مذهولة
تراجع واطبق جفنيه
-دا اللي سمعته ياجنى محدش قالي للأسف، مع أنه عارف اني بحبك بس معرفش ليه كان ناوي يكسرني بالطريقة دي، حتى طلب مني. صمت للحظات ونظر لعيناها هامسا
-مقربش منك، كان شاكك في كل حاجة، مستني يفوق من تعبه ويكشف عليكي في مكان تاني، قال لباباي كدا
ماهو معدش بيثق في أي حاجة وخصوصا بعد ماسحر راحت المستشفى.
-يعني بابا كان عايزك تطلقني، نهضت من مكانها
تدور حول نفسها
-هو اللي بيحصلي دا، كله بيضرب فيا شوية ليه، انت تزور وتطلعني مغتصبة، وبابا يجوزني حتى من غير ما ياخد رأيي، لا وعايز يطلقني، وعز يتصل بيا ويقولي لو مرجعتيش انسي يكون ليكي اخ
أشارت على نفسها
- طب أنا حياتي فين، هو ماليش رأي اخد خطوة في حياتي، وازاي عمو جواد ساكت على كل دا
نهض متحركا إليها
-جنى ممكن تهدي علشان نعرف نقرر هنعمل ايه.
ضربت كفيها في بعضهما واطلقت ضحكات من بين دموعها، ثم رفعت كتفها
-نقرر، ابتسمت بسخرية
ماهو انتوا قررتوا وخلاص، العروسة الماريوت بتتحرك بمنتهى الحرفية اللي انتو رسمتوها. دنت تطالعه
-قولي ياحضرة الظابط
ناوي على إيه لو بابا أصر انك تطلقني، أشارت بكفيها وتحدثت: -ومتنساش أن صهيب الألفي لما بيحط حاجة في دماغه والله لو عملت ايه مستحيل يتنازل، واكيد جربته في موضوع جواد.
سحب كفيها وأجلسها، وجلس على عقبيه أمامها محتضنًا كفيها بين راحتيه
-حبيبتي طول ماانتِ عايزاني صدقيني محدش في الدنيا ياخدك مني، إنما لو انت. وضعت كفيها على فمه وانسابت عبراتها رغما عنها
-للأسف يابن عمي أنا بقيت مسيرة مش مخيرة، انت في الاول خططت لكل حاجة، وكأني ماليش لأزمة
جذب رأسها يضمها لأحضانه.
-علشان اخد حقي من الدنيا اللي ضيعتوا بإيدي، كان لازم اعمل أي حاجة علشان تبقي ملكي، بابا وعمي بيعاقبوني على جوازي من فيروز
اعتصرها بأحضانه مغمض العينين وأستأنف حديثه
-جنى قلبي وجعني من فكرة اني اخسرك، كفاية خسرتك أول مرة بغبائنا احنا الأتنين، لو سمحتي بلاش نضيع حبنا تحت أي ظروف
رفع وجهها واحتضنه
-شوفتي عملت ايه ومستعد أعمل اكتر من كدا كمان، المهم تفضلي في حضني
لمست وجهه وهتفت من بين بكائها.
-بحبك أوي ياجاسر، ومش هقدر أعيش بعيد عنك، مش هقدر. قالتها بشهقة مرتفعة
حملها وهو يضمها كطفل رضيع يقربه إلى صدره
-جاسر بيموت فيكي ياروح جاسر. وضعها على الفراش بهدوء كأنها قطعة أثرية غالية الثمن وتمدد بجوارها يجذبها لأحضانه
-كفاية عليا دي بس ياجنى، اخدك في حضني واشم ريحتك، تمسحت بصدره واغمضت عيناها تملأ رئتيها من رائحته
مسد على خصلاتها وأغمض عيناه مستسلما لنوم مريح بعدما أخبرها بكل شيئا.
بمكان اخر يطل على النيل. جلس بهيبته ينفث تبغه الغالي وهو يطالعها بصمت ثم تحدث قائلا: -تودين إخباري بشيئًا مهما، أنني استمع اليكِ، ماذا تريدين، ولمن هذه الصور
وضعت ساقا فوق الأخرى وتحدثت بعنجهية
-الصورة الاولى طبعا عارف صاحبتها، اللي هي كانت خطيبتك بعد ماضحكوا عليك وجوزها لابن عمها، دنت تضع كفيها على الطاولة ونظرت لزرقة عيناه مردفة بنبرة شيطانية.
-ابن عمها المحترم غلط معاها، فيعملوا ايه جوزوهم لبعض في السر، وطبعا ضحكوا عليك وقالوا سافرت زي ماوصلني
نفث تبغه ومازالت نظراته تحاوطها كثعلب ماكر، ثم تحدث: - جُننتي ياأمراة، كيف لكِ أن تطعنين بشرف حبيبتي
ألم تعلمين الشخص الذي أمامُكِ؟
ابتسمت ساخرة وتحدثت
-لا عارفك كويس، علشان عارفة هتعمل ايه بعد ماتعرف، ومستنية منك ضربتك طبعا
هز رأسه ينظر بكافة الأتجاهات وأشار بيديه
-هل لديكِ شيئا آخر تودين قوله.
ابتسمت ووضعت الصورة الأخرى أمامه
-دي صورة عرفتها صدفة من حد معرفة، وعرفت انك بدور عليها، مش دي بنت عمك بردو
لم بيد على وجهه أي ملامح رفع نظره إليها وتحدث بجدية: -انك تضيعين وقتي، ادخلي في الموضوع.
-أعرف مكان بنت عمك، بس عندي شرط، وقبل ماترد، ريح نفسك من جواد الألفي علشان البنت اختفت من 5 سنين وجواد معرفش يوصل لها، واحد من رجال. الأعمال حبها وحاول معها لكن جواد الألفي خنق عليها الدنيا، الراجل دا ولع في الدار اللي هي كانت شغالة فيه، ماهي سابت المستشفى واشتغلت دكتورة في دار للأيتام، وخطفها ومحدش عرف يوصلها
أشارت لنفسها وهتفت بعنجهية
-أنا اعرف مكانها، متنساش كنت متجوزة واحد مهم وكل الأخبار عندي.
نفث تبغه وعيناه تحدق بها بريبة فتحدث بهدوء، رغم نيرانه المتأججة بداخله
-لم اعلم بماذا تحاولين الوصول، ولكني اعلم تلك الشخصية جيدا. أشار بسبباته محذرا
-اعرفي قيمة الشخص الذي تودين اللعب معه، انا اريد اعلم بماذا تريدين
-خبر. أشارت بسبباتها عايزة خبر فيه جاسر الألفي اعتدى على خطيبتك وخطفها علشان يداري فضيحته.
رغم قوة ماقالته الا إنه تسلح بالبرود وهتف بمغذى
-في مقابل انكِ تخبريني مكان كارمن. هذا ماتودين قوله
ابتسمت وهو تغمز بعينيها
-حلوة أوي كارمن، شبهك اوي كمان
مسح على ذقنه بتفكير
-اعتقد أنك تهددين أليس كذلك!
تجهمت ملامحها فيبدو أنه رجلُ حريص، سحبت نفسا وطردته قائلة: -ليه متقولش مساعدة قصاد مساعدة أو ديل يعني.
نصب عوده وهو يطالعها قائلا: -اخذتي وقتا ثمنيا دون داعي. قالها وتحرك وهو ينفث نيران غضبه، امسك هاتفه وتحدث: -مرحبا سيد جواد. اجابه جواد
-اهلا يايعقوب.
-اريد مقابلتك لأمر ضروري الآن
-تمام. بإنتظارك
بغرفة ربى
جلست بعد ما وضعت أشيائها بمكانها المخصص، سقطت منها صورة، تناولتها بين أناملها تنظر إليها بحزن.
صورة تجمعهم، حركت أناملها على صورة أخيها وانسابت عبراتها رغما عنها، اتجهت للأريكة ثم جلست عليها ومازالت تنظر لصورتها التي تجمع عز وجاسر وجنى دقائق وهي مازالت على وضعها
أمسكت هاتفها وهاتفت اختها
-غنى. لو فاضية تعاليلي ضروري
وضعت غنى ابنها ب فراشه، ثم أجابتها
-كنت هاخد شاور وانام فيه حاجة حبيبتي
سحبت نفسا طويلا، وحاولت التنفس ولكنها لم تقو، فهي تشعر بغصة تمنع تنفسها، همست من بين بكائها.
-جاسر وحشني اوي، عايز اروح أشوفه، ماليش دعوة انا بالمشاكل دي، 3 شهور وهو بعيد مش كفاية كدا
هنا لم تستطع التماسك وانهمرت دموعها تجري فوق وجنتيها
-غنى لو سمحتي اعرفيلي مكانه من بابا، هو أكيد عارف لازم اروح اشوفه
تحدثت غنى بمرارة
-جاسر كان هنا النهاردة وبابا طرده، بعد ماعرف اللي عمله
نهضت وصرخت بقهر
-بقولك ماليش دعوة ياغنى، عايزة اروحله، اخويا ووحشني، لازم اعرف ايه نهاية اللي بيحصل دا.
هدأت غنى وأجابتها: -تمام حبيبتي اهدي، شوية وهجيلك، هحاول اقنع بابا
قالتها وتحركت متجهة للأسفل. طرقت على باب الغرفة، وجدته مستعدا للنزول
-عامل ايه يابابي. طبع قبلة على رأسها
-كويس يابابي، هنزل المكتب شوية، يعقوب جاي
فركت كفيها وهربت بأنظارها بعيدا عنه، هاتفة بتقطع
-بابي هو ينفع. يعني ينفع. وقف لدى الباب متسائلا: -عايزة تقولي ايه ياغنى، عايز انزل الراجل هيجي.
-عايزة اروح لجاسر انا وروبي، وبتمنى متزعلش يابابا. اقتربت منه وامسكت كفيه
-بابي مهما عمل منقدرش نبعده عننا، بابا لو سمحت متزعلش مننا
ربت على كتفها وأومأ برأسه: -تعرفوا مكانه، يعني هو قالكم هو ساكن فين
هزت رأسها بالنفي
-عنوانه عندك في النوتس اللي هناك، متتأخريش علشان سفيان، وبلاش عز يعرف، عز مجروح ولازم نعزره، وعقلي اختك خليها تتجنبه الأيام دي
طبعت قبلة على وجنتيه.
-إنت احسن أب في الدنيا. رسم ابتسامة وتحدث
-أنا سعيد بيكم ربنا مايحرمكم من بعض، استدار وتحرك بعض الخطوات ثم توقف
-بلاش تعرفوه اني عارف انكم رايحين. صمت للحظات ثم رفع نظره إليها
-خليه يهتم بنفسه شوية، شكله مش عجبني وزنه نازل خالص، ووالدتك من وقت ما شفته كدا وهي عيانة
اقتربت منه ونظرت إليه تسجديه بعطف
-ممكن ناخد مامي معانا، تحدثت سريعا.
-صدقيني هتفرح أوي، ومتخافش مش هنعرفها حضرتك عارف، هنقولها خارجين نشتري شوية حاجات لسفيان
ابتسم وتحرك قائلا: -الكذب حرام يابنت جواد
صفقت بيديها تحتضنه
-كذبة بيضة ياحضرة اللوا، ربنا ما يحرمني منك يارب يابابي
بعد قليل نزلوا أمام منزل بإحدى الأماكن الراقية بالقاهرة. ترجلت غزل تنظر حولها متسائلة
-احنا جاين لمين هنا، دي منطقة سكنية، مش مولات
سحبت غنى كفيها تنظر الى رقم المنزل. وصلت لحارس المبنى.
-لو سمحت دا منزل جاسر الألفي
-أيوة ياست هانم مين حضراتكم
أشارت غنى لوالدتها
-دي مامته واحنا اخواته، هو فوق علشان فونه مقفول
اومأ العامل برأسه
-أيوة ياهانم رجع من قيمة 5ساعات كدا
توقفت غزل وقلبها ينتفض بداخلها تنظر إلى المنزل بزهول، همست بعيون مترقرقة.
-جاسر. ثم أشارت على منزله عندما وجدت لافتة يكتب عليها منزل جاسر جواد الألفي. تحركت أمامهم وعيناها تنزرف منها الدموع، وقفت تلمس اللافتة التي يكتب اسمه عليها، أسرعت غنى وربى إليها عندما وجدوا انهيارها. أشارت إليهما
-دا بيت اخوكو، يعني هو ساكن هنا، في آخر الدنيا
احتضنت غنى وجهها.
-مامي حبيبتي المهم أنه معانا في المكان، ومتنسيش هو عايز يبعد علشان المشاكل، وبعدين مش شايفة الفيلل اللي حواليه، يعني ابنك مش في صحرا
سحبت كفيها وتحركت تقوم بطرق الباب
بالداخل قبل قليل
تململت جنى بنومها، فتحت عيناها بهدوء، وجدت نفسها مازالت بأحضانه، رفعت عيناها تنظر لوجهه. لمست وجهه تحرك أناملها تتذكر حديثه.
دنت تضع رأسها بأحضانه تغمض عيناها تريد الأ تبتعد ابدا عن ملكيتها حاوطت جسده بذراعها تختفي بأحضانه
-انا كدا مش عايزة حاجة ياجاسورة غير حضنك دا. وضعت كفيها على أحشائها داعية المولى عز وجل
-اللهم هب لي منه قرة عين
أطبقت جفنيها وابتسامة خلابة على وجهها وهي تتخيل ابنهما
رفعت رأسها وجدته مازال غافيا، استمعت إلى طرقات على باب منزلهما، نهضت بهدوء تجذب مأزرها، تنظر لساعتها.
-مين هيجي لنا دلوقتي، حنان مشيت، كان لازم امشيها يعني. تحركت إلى الخارج، تنظر في شاشة المراقبة
وضعت كفيها على فمها من الصدمة
-طنط غزل، هرولت للخارج تفتح الباب
-انطي غزل. قالتها وهي تلقي نفسها بأحضانها
حاوطها غزل بحنان
-جنجونة حبيبة قلبي. ظلت جنى بأحضانها لبعض الوقت حتى انسابت عبراتها
-وحشتيني اوي ياطنط. مسدت على خصلاتها التي انسابت على وجهها بعشوائية، وارجعتها خلف أذنيها
-وانت كمان ياروح قلبي.
جذبتها غنى.
-ايه ياست ماما، عايزة اسلم على مرات اخويا
كانت تطالعها بهدوء وهي توزع نظراتها بينها وبين والدتها واختها، ولجت للداخل على أمل تجده بالداخل ولكن خاب ظنها عندما وجدت المكان فارغ سوى من رائحته التي استنشقتها من جنى
توقفت وعيناها على جنى التي يبدو على ملامحها الهدوء والسعادة، أنار وجهها بإبتسامة بعدما وجدت عيناها اللامعة بالسعادة.
استدارت جنى تبحث عنها، تقابلت نظراتهما ببعضهما البعض، تحركت بهدوء حتى وصلت إليها
-مش هتسلمي عليا ياروبي، ايه جنجون مش وحشتك، انسابت عبراتها تجذبها بقوة لأحضاتها وتضربها على ظهرها
-وحشتيني اوي ياحيوانة، كدا روبي تهون عليكي ومتسأليش عليا
احتضتنها جنى وبكت بشهقات
-غصب عني وحياة ربنا، لو عليا ماكنتش خرجت من حي الألفي ابدا
ابتعدت تحتضن وجهها
-مش مهم ياقلبي، المهم تكوني سعيدة ومرتاحة، بحثت بعيناها عن أخيها.
-فين حضرة الظابط، عايزة اضربه واعاقبه، واحضنه واعمل فيه كل حاجة
ضمتها جنى مرة أخرى وبدأت تضحكان مرة وتبكيان اخرى، ثم تحدثت جنى
-حضرة الظابط نايم. جلست غزل عندما خانتها ساقيها، ودقات قلبها بالأرتفاع منتظرة قرة عيناها، فهمست لجنى
-روحي صحيه ياجنى، قوليله ماما برة. تحركت ربى
-تعالي نعمل فيه مقلب ياجنى زي زمان
-روبي. قالتها غزل، استدارت ربى متسائلة
-ليه يامامي دي جنجون مش فيروز.
-اقعدي حبيبتي، مراته هتصحيه، قالتها وهي تنظر لثياب جنى، التي أخبرتها بأن ابنها تتم زواجه بها
اومأت ربى بعدما فهمت والدتها وتحركت جنى للداخل، كانت غزل تراقب تحركها حتى ولجت لغرفتهما وأغلقت الباب
تنهدت غزل متألمة
-ياترى اللي فهمته صح ولا لا ياجاسر، يارب متكنش اتهورت يابن جواد.
بالداخل ولجت إليه وجدته مازال غارقا بنومه، نظرت إليه بحزن من إرهاقه، جلست بجواره تمسد على خصلاته، ثم انحنت تطبع قبلة مطولة على وجنتيه
-حبيبي قوم، ابتسم من بين نومه هامسًا
-حبيبي قام من حضن جوزه ليه. وضعت رأسها بجوار رأسه
-جاسورة قوم ياحبيبي، الساعة تسعة. جذبها بذراعه حتى أصبحت بأحضانه
-مشبعتش نوم، لما أشبع نوم هصحى علشان نسهر
داعبت أنفه بأبهامها
-فوق ياجاسر، فيه خبر حلو اوي، خبر هيخليك تطنطط من الفرح.
-ايه حبيبي حامل ولا إيه
لكمته بصدره
-ايه الهبل دا، هحمل من اسبوعين، ليه قوة خارقة
لحظة واحدة حتى وجدت نفسها أسفله ينظر إليها بعينان يكاد يفتحهما من شدة نومه
-ايه عندك شك في قدرات جوزك. تسارعت أنفاسها من وضعهما فهمست بتقطع
-جاسر اعقل، ابعد كدا، مش معقول اللي بتعمله دا. نزل يرأسه هامسا لها
-قولي كلمة حلوة وانا اسيبك
ابتسمت وهتفت
-كلمة حلوة
رفع حاجبه بسخرية
-هتستهبلي! رفعت كفيها على وجنتيه.
-مش انت قولتلي اقول كدا
هز رأسه بالنفي
-جنى متزعلنيش منك
تعمقت برماديته وهمست له
-جنى متقدرش تبعد عن حبيبها، مقدرش ابعد عن حضنك يابن عمي
نزل بجبينه ولافحت أنفاسه وجهها بالكامل
-ابن عمك!
هزت رأسها واستأنفت
-ابن عمي وحبيبي ونصيبي الحلو، ابتعد عنها وجذبها من كفيها حتى اعتدلت، ثم تسطح مرة أخرى مغلق عيناه بعد جرعته التي روت روحه
لمست وجنتيه بأناملها
فيه ناس عايزينك برة
داعبت الأضاءة رماديته.
-اطفي النور ياجنجون وتعالي في حضن جوزك حبيبك وبطلي كلام كتير
طبعت قبلة مرة أخرى على وجنتيه هامسة بجوار أذنه
-جاسر. فيه ناس عايزينك برة. فتح عيناه وتسائل بصوت متحشرج بالنوم
-ناس مين، وكأنه أفاق فاعتدل سريعا ينظر إلى ثيابها. وأشار عليها
-انتِ ازاي تفتحي الباب كدا ومين دول، قالها وهو يتجه للخارج، توقفت أمامه تعطيه كنزته
-حبيبي ألبس تي شيرتك، هتخرج كدا. جذبه وعيناه ترمقها بغضب.
-حتى لو ابوكي وحياة ربي ماهسكت اصبري عليا
حاوطت خصره تنظر لعيناه
-مستعد للمفاجأة. قطب جبينه وانزل ذراعها ثم تحرك خارجا. وصل لمكان تواجدهم. وقف متصنما عندما توقفت غزل تنظر اليه وعيناها تغشاها الدموع قائلة
-جاسر.! فتحت ذراعيها وانسابت عبراتها
احتضن والدته
-حبيبة قلبي. مسدت على على ظهره وشهقت ببكاء
كدا امك هانت عليك ياجاسر، كدا تمشي من غير ماامك تاخدك في حضنها.
ظل لدقائق محاولا الصمود أمامها حتى لا يبكي، خرج من أحضانها يزيل عبراتها، ثم انحنى يلثم رأسها
-حبيبة قلبي ياست الكل. جذبته
-تعالى جنبي. توقفت غنى بمشاكسة
-لاحظي ياست ماما أننا موجودين، ايه مالناش حق في حضرة الظابط ولا إيه
جذبها لأحضانه: -غنونة قلبي إنتِ، ذهب ببصره على التي تقف تضغط على شفتيها حتى لا تبكي، فتح ذراعيه
-روبي مخصمة جاسورة، هرولت تلقي نفسها بأحضانه حاوطها يرفعها ويدور بها.
-الطفلة اللي بتعيط ياناس. انزلها بهدوء يحتضن وجهها
-وحشتيني ياقلبي، ازال عبراتها ثم انحنى يطبع قبلة مطولة على جبينها
-عاملة إيه ياروح اخوكي
تحركت جنى إلى المطبخ تمنع عبراتها
-هجهز عشا نتعشى كلنا مع بعض. ذهب ببصره لمتيمة قلبه ولمح نظرة الألم بعينيها
كانت غزال تراقبهما، فهتفت إلى ربى وغنى
-روحوا مع مرات اخوكم ساعدوها، هنتعشى معاهم، طبعت روبي قبلة على وجنتيه قائلة: -هساعد جنى وارجعلك علشان نتعاتب.
اومأ برأسه ونظراته على تحرك جنى للداخل، جذبته والدته
-تعالى حبيبي، اقعد جنبي عايزة اتكلم معاك شوية
جلس يحتوي كفيها
-وحشتيني ياماما، اقتربت منه توزع نظراتها عليه وترقرت عيناها بالدموع
-ليه يابني دايما تاعب قلبي معاك، يعني فيروز وجنى
نظرت إليه بقلب مفتت من الوجع
-ناوي على إيه، بعد كدا يابن جواد. تمدد على الأريكة ووضع رأسه على ساقيها
-مش عايز اتكلم في حاجة ياماما لو سمحتي، عايز افضل نايم على رجلك كدا وبس.
مسدت على خصلاته
-لسة زي ماانت ياجاسر، بتهرب بالنوم
سحب كف والدته يضعها تحت رأسه
-أنا تعبان اوي ياماما، ابنك تعبان ومش لاقي راحته
مسدت على خصلاته وتحجرت عيناها بالدموع
-ليه ياحبيبي بتقول كدا، مش انت اتجوزت جنى، وهي بقت في حضنك دلوقتي، الباقي يهون
اعتدل ينظر إليها بنظرات معذبة وقلب يتفتت من الألم
-بس خسرت كل حاجة، بابا اتبرى مني، مسمعتيش قالي ايه
احتضنت وجهه.
-ابوك مهما يقسى، بس عمره مايغضب عليك ياحبيبي، هو واخد على خاطره، متنساش انك صغرته قدام نفسه، ودي كبيرة أوي عند جواد الألفي
دنت منه تنظر بعينيه
-جاسر لازم تقنع العيلة باللي عملته، وبعدين تعالى هنا عمك صهيب قالي انت كاتب كتاب بس، بس شايفة الموضوع اتطور ياحضرة الظابط
ابتسم جاسر، ثم رفع كفيها يقبلهما
-متركزيش معايا يازوز، علشان منتعبش مع بعض، دي مراتي ايه، مش عايز كلام كتير في الموضوع دا.
توسعت عيناها مذهولة من من كلماته
-يخربيتك ياجاسر، انت يابني مش صابر لما نعمل للغلبانة دي فرح. طيب عمك صهيب مش هيسكت
هز كتفه للأعلى قائلا: -ولا يقدر يعمل حاجة، وبعدين مالكم واخدين بالكم مني ليه يازوزو واحد ومراته
جزت على أسنانها ترمقه غاضبة
-طيب ياحبيبي يابتاع مراتك، قابل عمك وشوف هيعمل فيك ايه
نهض من مكانه قائلا: -زوزو متفكريش كتير، فكري في الحج جواد وخليه يرضى عني وحياتك
ابتسمت على كلماته.
-طب ياخويا، هشوف آخرة عمايلك السودة دي
بالمطبخ أنهت البنات وجبة العشاء، تحركت غنى
-هجهز السفرة، بينما ربى التي تحركت تقف بجوار جنى الشاردة. أمسكت خصلاتها المتمردة تضعها خلف أذنها
-عاملة إيه مع جاسر ياجنجون
ابتسمت بخجل وأجابتها
-الحمد لله ياروبي، أكيد مش هقولك اخوكي حنين اد ايه
لكزتها ربى قائلة: -أنما تعبك دا كله بسبب حبك لأخويا يابت، طب ماكان من الأول
لمعت عيناها بالسعادة ونطق قلبها قبل لسانها.
-حاولت اعيش بعيدة عنه ومقدرتش ياروبي، اخوكي كان واخد روحي وقلبي
شعرت بأحد يحضنها من الخلف، غمز إلى روبي قائلا: -شامم حد جايب سيرتي هنا
تحركت ربى ببعض الأطباق قائلة
-مراتك بتتغزلي فيك. وضع ذقنه على كتفها
-حبيبي بيتغزل فيا، حاولت التملص من بين قبضته
-جاسر عيب كدا، اخواتك يقولوا ايه دلوقتي
وضع وجهه بعنقه يملأ رئتيه برائحة عطرها
-ولا يهمني حد، المهم أنتِ في حضني وبس.
لكزته وحاولت الخروج من بين ذراعيه وهي تنظر لباب المطبخ
-جاسر اتلم هتفضحنا. لثم عنقها ثم تحرك للخارج وهو يدندن، هوت جالسة على المقعد، بعدما خارت قواها، ولم تعد ساقيها على التحمل، محاولة التنفس بعدما سحبه بوجوده، دقات عنيفة، تلوح بيديها على وجهها بعدما شعرت بحرارة وجنتيها
دلفت غنى تبحث عنها
-جنى يالة حبيبتي، قاعدة كدا ليه. هزت رأسها واتجهت متحركة إلى الثلاجة.
-هحيب حاجة وجاية. خرجت بعد قليل، وجدت الجميع على مائدة الطعام. أشارت لها غزل
-تعالي حبيبتي جنبي
سحبها من كفيها
-ايه ياماما هتيجي تقعدي ساعة معانا هتفرقينا
ابتسمت غنى بمشاكسة
-طيب ياسيدي خف على البنت، شايفها قلبت فرولاية ازاي
بس ياغنى، قالتها غزل. أشارت لها
-سيبك منهم حبيبتي
اتجهت وجلست بجوار غزل
طالعها بنظراته العاشقة
-كدا تبعيني من الأول، نظرت إلى طعامها وتوردت وجنتيها تبعد بصرها عنه
لكزته غزل قائلة.
-بس يلا، جنجونة دي حبيبة قلبي، بدأو بتناول طعامهم، نهضت متحركة للمطبخ قائلة: -نسيت اجبلك الجبن بتعتك، رجعت بعد قليل تضع أمامه بعض الجبن التي يحبها، ثم تحدثت إلى غزل
-آسفة ياطنط، مكنتش نعرف انكم جايين، وكمان جاسر عودنا على الخفيف بالليل
ابتسمت غزل بمحبة
-لا حبيبتي، احنا متغدين وعارفة إن جاسر مبيتغداش بعد خمسة، وعارفة كمان عشقه للحاجات اللي عملاه دي
ربتت على ظهرها وهتفت داعية.
-ربنا يسعدكم حبيبتي. جلست تبعد عن ذاك الذي يخترقها بنظراته
حمحم جاسر بعدما وجد نظرات ربى تحاصره، فتسائل: -روبي عز عامل ايه، سمعت بالمشاكل اللي بينكم بسببي
ابتلعت غصة آلامها وابتعدت بنظرها عنه قائلة
-المشاكل مش بسببك خالص يا حبيبي، أنا وعز الأيام دي بنضغط على بعض، يومين كدا ونروق عادي مشاكل عادية
ربتت غنى على ظهرها.
-روبي الجميلة هو فيه حد يزعل الجمال دا، وبعدين عز مايقدرش يبعد عنها ساعة يابني، انت تايه عنه
اومأ ونظراته تبحر فوق ملامح وجهها، نهض بعدما أنهى طعامه
-هعملكم أنا القهوة، هبت جنى واقفة
-لا خليك، ماأكلتش حاجة هروح انا اعملها، خليك مع اخواتك شوية. قالتها متحركة ولكنه جذبها من خصرها رافعا ذقنها
-انتِ هبلة، دول اخواتك قبلي، وبعدين مش هنقول أسرار ياحبيبي مفيش حاجة هتتخبى عنك
جزت على أسنانها تحاول الفكاك.
-جاسر عيب مامتك بتبص علينا، بترت حديثهما غنى
-ايه ياجاسر هتقعد تعاكس مراتك واحنا هنا نستنى القهوة. تحركت سريعا وهي تسبه
اتجه لوالدته وجلس بجوارها
-مقولتوش ازاي حضرة اللوا تعاطف عليا وخلاكم تزروني، رغم أنه طردني الصبح، ارتبكت قليلا ثم
تنهدت قائلة: -باباك ميعرفش أننا جايين هنا. تورمت غصته ولكنه تحامل وابتسم
-حقه أنه يزعل مقدرش اعاتبه بابا
ملست على شعره.
-معلش شوية كدا وهترجعوا تاني، المهم شايفة ربنا عوضك بجنى، عجبتني اوي اهتمامها بيك
تراجع بجسده على الأريكة
-الحمد لله ياماما، صلحت الغلط. قولي عملت ايه مع فيروز، وايه الكلام اللي هي قالته دا
- ماما موضوع فيروز مش عايز افتحه تاني، ممكن تتسي، وكمان مش عايز جنى تزعل
بالداخل جلست جنى بجوار روبي
-أنا مصدقتش الكلام اللي قولتيه برة دا
انسابت عبراتها على وجنتيها تنظر إلى غنى التي تسكب القهوة وهمست لها.
-مش عايزة جاسر يعرف حاجة ياجنى. أمسكت كفيها وتحدثت بحزن شديد
-أنا طلبت الطلاق من عز. شهقة خرجت من فم جنى ثم هتفت بغضب
-اتجننتي ياروبي، ايه اللي بتقوليه دا
وضعت ربى كفيها على فم جنى
-بقولك اسكتي، محدش يعرف، اخوكي خلاص جاب اخري، تخيلي وقف قدام بابا وقاله جنى مكان ربى، يعني بنتك عندك لحد ما تجيب اختي، أشارت على نفسها وبكت بشهقات.
-أنا عز يبعني بعد الحب دا كله، عز يبيع روبى اللي متمنتش غيره، نسيتي هو عمل ايه واتحملته، ليه بيحاسبني على أفعال غيري، وقبل ماتتكلمي وتقولي حاجة، الموضوع مايخصكيش، الموضوع أن عز اول حد بيدوس عليه أنا
اخوكي بعني ياجنى داس على قلبي، شوفتي قلبي غرزه بخنجر بارد
انتهت من كلماتها المتألمة مع أنفاسها المتقطعة وبكت بشهقات، وصلت غنى إليهما
-روبي حبيبتي، فيه ايه ياقلبي. ألقت نفسها بحضن اختها.
-غنى أنا حامل وعايزة أطلق من عز
شهقت غنى وتصلب جسدها تنظر إلى اختها بذهول
-حامل! كررتها ثم هتفت بتقطع
-عايزة ايه. تطلقي! اتجننتي
ضربت على صدرها وانهارت ببكاء اخترق روحها
-هنا نار، جوايا نار مش عارفة اطفيها، صعب اوي الخذلان، شخص تحط حياتك كلها بين أيده وهو في لحظة يدوس عليك بجذمته
بكت جنى على بكائها
-أنا السبب، انا قولتله، قولت لاخوكي هندمر العيلة، وادي النتيجة، نهضت تهز رأسها كالمجنونة.
-لا. لازم يطلقني وارجع بيتنا، لا مش مستعدة ادمر العيلة لا
هبت فزعة تعترض طريقها
-متبقيش مجنونة، جاسر باع الكل علشانك، إنما أنا جوزي باعني في أول مطب، ودا مش أول مرة ياجنى، عز لازم يعرف قيمتي، مش هفضل اسامحه، لو سمحتي
احتضنت جنى وجهها وزالت دموعها
-بس عمل كدا بسببي ياروبي
تراجعت ربى للخلف تهز رأسها
-لا. مش بسببك، لا علشان انا رخيصة عنده.
اقعدي ياجنى، قالتها غنى بغضب، زفرت بغضب تمسح وجهها وهي تتحرك دون هدى، ثم هتفت
-عز بيحبك بس مابيعرفش يسيطر على غضبه، لازم تربيه وتعلميه الادب
نظرت إلى جنى وتحدثت: -جنى اقنعي جاسر ربى تقعد معاكم كام يوم
حبست أنفاسها تهز رأسها رافضة حديث غنى
-نسيتي بابا ميعىرفش اننا هنا. أشارت غنى لنفسها
-أنا هقنع بابا، المهم محدش يعرف انك حامل، أما عز دا وديني لأربيه
اتجهت إلى جنى وضحكت.
-متزعليش ياجنجون بس اخوكي مش متربي وعايز غنى تربيه.
توقفت متجهة بالقهوة للخارج
-براحة عليه وحياتي ياغنى، عز مفيش أحن منه
ابتسمت متحركة بالقهوة إلى زوجها وغزل
انتهت الزيارة وخرجوا للخارج بصحبة جاسر، توقف حتى استقلت ربى وغزل السيارة، بينما توقفت غنى بجواره
-جاسورة حبيبي طالبة منك خدمة، بكرة هقولك عليها
رفع حاجبه ساخرا
-هو جوزك فين ياغنون، وسايبك طايحة فينا كدا
قهقهت عليه ثم طبعت قبلة على وجنتيه
-حبيبي، اكيد مش هيكسف أخته مش كدا ولا ايه.
فتح باب السيارة وأجابها
-على حسب ياغنى، بكرة اعرف الخدمة ايه، وبعدها اقرر
ركبت وأشارت بكفها
-طول عمرك حبيبي ياجاسورة.
-جاسر زي ما قولتلك ياحبيبي بكرة تجيب جنى وتيجي ضروري، اوعى تنسى
أن شاءالله حبيبتي. تحركت السيارة وظل متوقفا يتابع تحرك السيارة
بالداخل جلست شاردة تتذكر حديث ربى عن عز، أمسكت هاتف جاسر وقامت بمهاتفته. كان مستغرق بنومه، نظر إلى الهاتف، والقاه بغضب سابا إياه.
-عايز ايه الحيوان دا. استمع الى رنين الهاتف مرة أخرى
امسك الهاتف وصاح بغضب
-عايز ايه ياحيوان، انا قولتلك انساني
استمع إلى صوت بكائها، اعتدل جالسا بنومه
-جنى، هو انتِ حبيبتي، عاملة ايه ياقلب اخوكي، إنتِ فين ياجنى
زمت شفتيها تحاول السيطرة على نفسها من البكاء
-عز اختك بتعيش أسعد أيام حياتها، مستخسر فيا السعادة.
ارتفع صوت بكائها، وضعت كفيها على فمها، واكتسى الألم بصوتها وهي تتحدث: -حاولت أعيش بعيد عنه ومقدرتش، كنت ميتة ياعز، وماصدقت الدنيا ضحكتلي تاني ورجعت روحي، ليه مصر تسرقها مني، ليه بتعذب نفسك وتعاقب ربى على سعادة اختك
انتحبت بحرقة واختنق صوتها من البكاء قائلة
-لو عايز اختك تفضل ميتة هسيب جاسر واجيلك، بس اتأكد هكون ميتة
نهض من مكانه وكأنها طعنته بشدة بخنجر بارد.
-ياهبلة ايه اللي بتقوليه دا، دا انا اوهب حياتي علشان اسعدك، بس دا باعك واتجوز غيرك، ولما ماارتحش رجع لك، ليه بترخصي نفسك
صرخت بقهر وانتحبت بشهقات
-علشان بحبه، علشان روحي فيه، جربت اعيش بعيدة عنه ومقدرتش، ليه مش عايز تقنع نفسك أن جاسر روحي اللي مقدرش تفارقني، ليه ياعز بتخرب حياتك وحياتي
-جنى، اللي يبيع مرة يبيع مليون مرة
-زي ماانت بعت ربى ياعز
صدمة صفعته بقوة فهتف غاضبا.
-أنا مسبتهاش ورحت اتجوزت غيرها، مقهرتهاش ياجنى، إنما جاسر قهرك
سحب نفسا وطرده يمسح وجهه بكفيه غاضبا
-جنى هتعملي ايه لو رجع مراته، انتي متأكدة إنه بيحبك، متأكدة منه، ارجعي حبيبتي بلاش تكوني ضعيفة قدامه بسبب الحادثة
شعرت بأحدهما خلفها يضمها إلى صدره، تراجعت بجسدها عليه وتحدثت
- خلاص ياعز معدش ينفع الكلام، قالتها وأغلقت الهاتف.
- صرخ بالهاتف
جنى استني، صرخ بها، قام بالرنين على الهاتف.
نظر إلى رنين الهاتف رفع ذقنها
-مش هتردي. وضعت رأسها بصدره وبكت بشهقات مرتفعة
-مش عايزة اكلم حد، رفع رأسها يمسح دموعها
-طيب ليه العيون الحلوة دي بتعيط، وتنزل على قلبي تحرقه، عايزة تحرقي قلبي ياجنجون
تمددت بجواره قائلة
-جاسر خدني في حضنك مش عايزة اتكلم مع حد
جذبها محاوطها بذراعيه، حتى غفت بأحضانه، فحملها متجها الى غرفتهما
بمنزل جواد الألفي.
جلس بمكتبه بعد خروج يعقوب، ينظر لتلك الصورة بصمت للحظات، تفاقم الغضب بوجهه، حتى شعر بنيران تحرق جوفه، امسك هاتفه وتحدث: -أيوة يابني عايزك تنشر الخبر دا في كل مكان
-زواج جاسر الألفي من ابنة عمه صهيب الألفي، غدا بمنزل العائلة
أنهى المكالمة ثم ألقى الهاتف والغضب يتسرب بجسده بالكامل، دلفت غزل إليه.
-حبيبي لسة قاعد، ابتسم وأشار إليها متسائلا: -اشتريتوا الحاجات اللي كنتوا عايزنها، فركت كفيها تبتعد بأنظارها بعيدا عنه، وصلت إلى النافذة تنظر للخارج، نصب عوده وتوجه إليها، حاوط كتفها
-ايه حبيبتي نسيتوا اشتريتوا ايه
حاوطت خصره تضع رأسها بأحضانه
-كان وحشني أوي ياجواد مقدرتش أ كون قدام بيته ومدخلش، رفعت رأسها وتعمقت بالنظر بعينه
-جاسر ياجواد، هان عليك تبعده المدة دي كلها، انا مقدرتش صدقني.
لثم جبينها وتحرك للخارج دون حديث، هو كان يعلم بذهابها، لكنه أراد ألا تخفي عليه شيئا
توقف لدى الباب وتحدث وهو يواليها ظهره
-اتصلي بيه، خليه يجيب جنى الصبح بدري، لازم نعملهم حفلة بسيطة الناس تعرف أنهم اتجوزوا
أمسكت كفيه
-جواد إنت زعلان علشان رحت لجاسر
هز رأسه نافيا
-لا ياحبيبي، المهم انك كويسة، دا أهم حاجة عندي
عند فيروز وسحر.
جلست ترتشف مما حرمه الله وتحدثت: -متخافيش لو مفضحتوش في كل الدنيا يبقى متعرفيش انا مين
نهضت غاضبة وبدأت تحطم المكان، ثم انهارت قواها فهوت جالسة تبكي
-ماما أنا مش عايزة حاجة غير جوزي، جوزي اللي بسببك طلقني، ليه عملتي فيا كدا، هو انا مش بنتك، ليه حرمتيني منه
وضعت ساقا فوق الأخرى وهتفت ساخرة
-معرفش هتفضلي هبلة لحد إمتى، انت كنز يابنتي معرفش ليه ماسكة في ابن الالفي، مش عارفة قيمة نفسك ياهبلة.
وضعت رأسها على ركبتيها تنظر أمامها بشرود
-أنا حبيته اوي، وكنا عايشين كويس لحد ما دخلتي حياتي ودمرتيها، استحملني كتير، قالي حافظ على حياتنا، وانا عاندت، قالي عايز حياة هادية، وانا كل شوية حفلات
قالي عايزة أسرة بسيطة، وانا رحت اجهضت ابنه، رفعت نظرها إلى والدتها.
-قالي انا بحاول اعمل كل حاجة ترضيكي وانا قولتله انا مش عايزة حياتك دي، عايزة أخرج واتفصح واطنط مش عايزة اكون مسؤولة عن أسرة وبيت، عايزة اعيش حياتي
نهضت تدور حول والدتها وصاحت كالمجنونة
-قالي لبسك وحش ومرضاش لمراتي جسمها يبقى رخيص، وانا كنت بروح اجيب اكتر حاجة بيكرهها واعملها
رفعت أكتافها وبكت.
-تفتكري اللي زي دا ممكن يعيش مع واحدة باعت كل الغالي. دا حتى شوية الاموراللي اتعلمتهم حضرتك كنتي بتتريقي عليا وتقولي متخلفة
دنت من والدتها ونظرت إليها بكره
-زي ماخليتيه يكرهني خليه يرجعلي، علشان مدمرش حياتك ياسحر هانم، قالتها ودلفت للداخل
عند ربى، ولجت إلى غرفة مكتبه وجدته منكبا على عمله، رفع نظره عندما شعر بها
-روبي فيه حاجة. توقفت أمامه ترمقه بنظرات نارية ثم هتفت غاضبة.
-مين اللي نقل حاجتي من الأوضة. تراجع بجسده يطالعها باشتياق، فلقد انفجر بركان الشوق إليها
نصب عوده وتوقف قائلا: -مفيش نوم برة اوضتنا تاني، ومفيش بعد عن حضني
التوت زاوية فمها بإبتسامة ساخرة وهتفت
-هو انت اهبل ولا عبيط، احنا هنطلق، متفكريش انا عايشة معاك، اقترب منها فتراجعت حتى اصطدمت بالجدار خلفها فانحنى يهمس بجوار أذنيها.
-مفيش حاجة هتبعدك عني غير الموت، حتى لو جواد الألفي نفسه جه هنا وقالي طلقها ياإما نتبرة منك، وقتها هخليه يتبرى مني
دغدغ مشاعرها بكلماته، لملمت شتات نفسها وتراجعت برأسها بعيدا عن أنفاسه
-بس إنت اتبريت فعلا، ومعدش تفرق معايا، من الاخر كدا أنا مبقتش عايزاك ومن بكرة هخلي المحامي يمشي في إجراءات الطلاق
جذبها بقوة من خصرها يضغط عليه.
-خليني عاقل، بدل مااتجنن عليكي. انحنى يدفن رأسه بعنقها، جعلها تتوتر وتحاول التملص من قبضة ذراعه تدفعه بقوة ولكنه غرس أنامله بقوة الامتها
-مفيش خروج لك من مملكتي ياروبي، فاتلمي احسن، كفاية اللي قولتيه امبارح. قالها ثم احتضن ثغرها ساحبا انفاسهاللحظات، ثم تركها وتحرك للخارج وهو يطلق صفيرًا. هوت على المقعد وانسابت عبراتها، أزالت عبراتها بعنف، ثم تحركت سريعا إليه، دلفت وجدته متجها إلى المرحاض.
أمسكت ثيابه بالكامل، والقتها بخارج الغرفة تشيراليه
-اطلع برة الأوضة دي لوانت راجل فعلا يابن صهيب، مع اني اشك في كدا
برق عيناه وتوقف الدم بعروقه ينظر إلى جمودها وهي تدوس على ثيابه بحذائها ثم استأنفت جبروتها
-أنا بكرهك، ومستحيل افضل على ذمة واحد زيك، اتجهت تقف أمامه ونظرت إليه بكبرياء انثى وهتفت بقوة.
-لو ترضى على رجولتلك واحدة مش طايقة حتى ريحتك يبقى براحتك، لكن وقتها هتكون عديم النخوة والرجولة في نظري للاسف
رفعت نفسها ونظرت بقوة إلى مقلتيه
-أنا دلوقتي مش شيفاك غير واحد واطي ياابن عمي، يعني مش راجل اقدر اأمن حياتي معه
تجمد بوقوفه، وتسربت البرودة لجسده، حتى شعر بإختناق تنفسه، فهمس وهو يطالعها بغموض
-أنا مش راجل. رفع أنامله يمررها على شفتيها
-أنا مش راجل ياروبي.
دفعته بقوة كأنه مرض معدي وصرخت كالمجنونة
-أيوة انت عمرك ماكنت راجل معايا، انت واحد ندل وواطي، دنت تهمس له وهي تنظر لمقلتيه
-إنت واحد مغتصب، وانا مايشرفنيش وجودك في حياتي
-إنتِ طالق يابنت عمي
مساء اليوم التالي
اعد جواد حفلة وقام بدعوة المقربين، دلف جاسر الحفل وهو يطوق ذراع جنى، وسط تصفيق حار، جلس الجميع يهنؤن العروسين مع اتخاذ بعض الصور
انتهت الحفلة بعد فترة ليست بالقليلة.
صعدت بجواره إلى غرفته.
أشار على بعض الأشياء
-حبيبي جمعي الحاجات دي علشان محتاجها، اللي هناك دا خلي منى ترميهم برة
رفع ذقنها وحاوط وجنتيها يعانق ثغرها يعزف لها معذوفة عليه، فصل قبلته وهويتنفس بصعوبة، قائلا من بين أنفاسه السريعة
-آسف، ضيعت عليكي فرحة عمرك، لكن بعد شوية هتعرفي ليه عملت كدا، اتمنى مش تخذليني ياجنى
عصرها بأحضانه وهو يهمس بجوار أذنها
-عايزك تتأكدي وجودك في حضني دا حياتي قبل ماتكون سعادتي.
أخرجها من أحضانه ورسمها بعينيه مؤكدا
-جنى يوم ماتبعدي عني هتكوني حكمتي عليا بالموت
لم تتحدث. كانت تنظر إلى عيناه فقط، حتى اقتربت تطبع قبلة على خاصته قائلة
بحبك ملهمي، ويوم ماابعظ اعرف اني نهيت حياتنا
بتر حديثهما العاملة
-الباشمندس صهيب طالب حضرتك ياباشا. اومأ لها فتحركت دون حديث، أما هو فوقف ينظر إليها بصمت، ثم انحنى طابعا قبلة بجانب شفتيها وتحرك إلى الباب
بغرفة أوس.
ظل يدور بالغرفة كالأسد الجائع، وصلت إليه ياسمينا تحمل ابنتهما
-أوس مالك في ايه!
هز رأسه ونظرات ضائعة
-مش معقول اللي بيحصل دا، مستحيل اللي عمو صهيب عايز يعمله
ضيقت عيناها متسائلة
-تقصد ايه. تحرك للخارج
-مهما كان جاسر غلط، بس مش هسمح أنهم يسرقوا حياته، لازم بابا يوقف عمو صهيب، مستحيل يعمل كدا في اخويا واسكت
توقفت تنظر إلى أثره بذهول مردفة
-هو ايه اللي بيحصل، شكل الليلة مش هتعدي على خير.
بمكتب جواد دلف أوس دون استئذان
-عمرك ماظلمت حد فينا، جاسر غلط اه، كلنا بنغلط بس اللي عمو ناوي عليه دا كدا يبقى بتدبحوه يابابا، ارجوك بلاش تسرق حياة ابنك، صدقني وقتها مش هتلاقيه
ضيق عيناه مستفهما
-تقصد ايه بكلامك دا ياأوس
بمنزل صهيب
دلف جاسر إلى مكتب صهيب بعد إستدعائه
-حضرتك طلبتني ياعمو
اقعد ياعمو، لازم ننهي المسرحية بتاعتنا
انسحبت أنفاسه فهو كان يعلم بما يخطط، سحب نفسا بهدوء وتسائل
-تقصد ايه؟
-جاسر. لو ليا خاطر عندك عايزك تطلق جنى، عملت اللي عليك كدا كل واحد يروح لحاله، الناس كلها عرفت انك اتجوزتها، وزي ماخليتك تتجوزها بطلب منك تطلقها، هي هتسافر مع اخوها بكرة ومع الوقت هتنسى
دنى من صهيب وانحنى بجسده، ينظر بمقلتيه
-مراتي مش هطلقها، واستعد ياعموخلال ايام هتباركلي وان شاءالله تكون جد. جحظت أعين صهيب ينظر إليه متسائلا
-تقصد ايه، انت قربت من البنت.
ضيق عيناه مستاءا من حديثه: -البنت دي مراتي، اوعى تفكرني غبي ومفهمتش لعبتك ياعمو، لا اللي قدامك دا مش غبي
انا تممت جوازي من بنتك اللي هي مراتي. صفعة قوية على وجه جاسر، فأشار بسبباته: -إنت واحد كذاب، مستحيل تبيع عمك، بتر حديثهم صوت ضوضاء بالخارج تحرك الاثنين وقف صهيب مذهولا عندما وجد عز واقفا بجوار احداهن وهو يشير بكفيه: -وادي ياستي صهيب الألفي باباي. ثم أشار لوالده قائلًا
-بابا فريدة مراتي.
↚
إنت مين ياحيوان، انت مين غير انك واحد حقير عايز تدبح في الكل، صرخت وصرخت إلى ان انهارت قواها تشير إلى نفسها ببكاء
-بابا زعلان مني علشان النكرة دا رمى يمين الطلاق عليا، اتجهت إلى صهيب
-مين الشخص دا، دا مين، مش معقول يكون ابنك اللي هو تربيتك وتربية الراجل اللي هناك دا، قالتها وهي تشير بيد مرتجفة على والدها
استدارت مرة أخرى تنظر إلى عينيه، لم يقو النظر إليها، اتجهت إليه ولكمته بقوة بصدره.
-ارفع راسك لو انت راجل وواجهني، واجه بنت عمك ياحيوان، بنت عمك اللي رميت عليها يمين الطلاق بالليل وتاني يوم جايبلي واحدة زبالة شبهك وجاي بكل وقاحة توقف وتقول مراتي
اقتربت منه وصفعة قوية على وجهه. انا اللي رخصت نفسي، بس ملحوقة
مبروك يابن عمي بالرفاء والبنين
ثم استدارت إلى والدها تشير إليه.
-دا. دا اللي كنت بتقولي انك معرفتش تربيني علشانه، انا دلوقتي بقولك ياريتك ماربتني يابابا، اتجهت بنظرها إلى صهيب قائلة: تقتل النفس بالنفس، وتفقأ العين بالعين، ويقطع الأنف بالأنف، وتنزع السن بالسن، وتقتص الجراح بالجراح، والبادي اظلم ياعمو
ودلوقتي محدش له حاجة عندي. قالتها وتحركت دون حديث
ولكنها توقفت عندما صاح عز.
-روبي! ظلت واقفة تواليه ظهرها، حتى لا يرى عبراتها التي غسلت وجنتيها فهتف: -أنا رديتك لعصمتي، ياحبيبة قلبي، واياكي تستقلي بحبي ياربى، انا برد القلم لأخوكي، وزي ماقولتي البادي اظلم
أشار على جاسر
-ماهو مش يبقى حلال له وحرام عليا، مش كدا ياحضرة الظابط
بحث عن أخته لم يراها، ثم تحدث متهكما
-ايه عروستك فين، مش المفروض الليلة فرحك
استدارت ربى بعد مازالت عبراتها.
-وأنا مايشرفنيش ابقى على ذمتك دقيقة واحدة، وهرجع اكرر كلامي
لو إنت راجل طلقني وبالتلاتة يابن صهيب
-ربى. هتف بها جواد الصامت، اتجه إليها وضمها إلى أحضانه
-خدي اختك حبيبتي وروحي لمي حاجتك من بيت عمك، بيت ابوكي مفتوح، ثم رفع نظره إلى صهيب
-آسف ياصهيب، دي بنتي واغلى من روحي، وأنا اللي غلطت في الأول وبصحح الوضع، ابنك باع الغالي بالرخيص
أشار على غزل
-لمي ولادك ياغزل، مسرحية الباشمندس خلصت، ثم أشار إلى بيجاد.
وصل جاسر وجنى المطار يابيجاد
أوس خد مراتك وادخل جوا، محدش له دعوة بحاجة، هو قال حقه أنه يتجوز، وانا حقي احافظ على كرامة بنتي، مش صعبة، قالها وتحرك بخطوات متعثرة، أسرعت غزل خلفه وهي تهز رأسها
-منك لله ياعز، منك لله على وجع قلوبنا كلنا
وقف عز ونظراته على تحركات عمه الذي يتخبط بسيره.
تحرك أوس بهدوء ماقبل العاصفة، اسرع جاسر وتوقف أمامه: -أووووس. قالها من بين أسنانه وهو ينظر لوالده الذي وقف كأن على رأسه الطير، وهو يصيح على أوس
-قولت إيه يلا، ادخل بمراتك، ولكن أوس كان كالمفترس
دفع جاسر بغضب، واتجه إليه
-إنت مين يلا، جذبه من رابطة عنقه، يدور به، انت طالع قذر لمين ياحيوان، مفكر إن اختي مالهاش حد، والله لأربيك ياحيوان.
دفعه عز بقوة وصارت معركة بينهما حتى صرخت غزل عندما هوى جواد يمسك قلبه وشحب وجهه
بالأعلى
انهت حمامها، ولجت لغرفة الملابس تبحث عن شيئا ترتديه، ولكن لم تجد سوى قمصانه، وفستان زفافها، وتلك المنامة البيضاء التي وضعتها والدتها على فراشها
-نظرت إليها بإبتسامة تتذكر تلك الليلة التي حولت حياتها إلى جنة بعشقه
لمست شفتيها تتذكر قبلاته وهمساته بعشقها، وضعت كفيها على قلبها عندما اشتدت نبضاته، كلما تذكرته.
قبل قليل صعد بها إلى شقتهما، توقف للحظات أمام الباب
-في ايه واقف كدا ليه، بقولك انا تعبانة جدا ومش مصدقة أوصل السرير، لم تكمل حديثها عندما وجدها مرفوعة بين ذراعيه ثم صعد بها درجات السلم
-لازم حبيبي يدخل شقته وهو بأحضان جوزه
وضعت رأسها بعنقه: -خليك دلع فيا كدا. ضمها إلى صدره، ثم فتح باب شقته وولج للداخل، حاوطها بذراعيه بتملك، ينظر لأرجاء المكان.
-حلوة أوي الشقة، مكنتش مفكر إن جواد الألفي هيهتم الأهتمام دا كله
نظرت حولها وأجابته: -بالعكس، انا كنت عارفة عمو هيعمل اجمل حاجة، هو أنا اي حد برضو جذبها ينظر لعيناها ثم هز رأسه بنظراته الهائمة
-أكيد لأ ياروحي، إنت هنا في ثنايا الروح والقلب
حاوطت عنقه ثم وضعت رأسها على صدره
-رغم مكنتش مرتبة لليلة دي، بس فرحت أوي، رفعت نظرها إليه
-شكرا علشان عيشتيني ليلة زي دي. حاوط وجهها ثم وضع جبينه فوق جبينها.
-لو اطول اجبلك نجمة من السما مش هتأخر، زمان ضيعتك بغباء، مش مستعد أضيعك تاني، تعمق بالنظر لبنيتها هاتفا: -جنى أنا الأيام اللي فاتت دي أول مرة أحس بطعم السعادة، عايز دايما أيامنا كلها سعادة، لو جيت في يوم زعلتك، تعالي هنا وحطي راسك عليه واشتكيلي، وقتها هعرف اعالج وجعك ياقلبي
قالها وهو يشير على صدره
وضعت رأسها على صدره وانسابت دموعها.
-هنا علشان أسمع دقات قلبك ياجاسر، علشان أعرف اد إيه بتحبني، مش علشان اشكيلك
رفع ذقنها بأنامله يتحسس وجنتيها
- بحبك مهلكتي. ارتسمت السعادة بعيناها ورفعت نفسها تطبع قبلة بجانب شفتيه هامسة له
-و مهلكتك بتعشقك ملهمي
رفعها من خصرها وبدأ يدور بها مع ضحكتتهما وسعادة قلوبهما
انزلها بهدوء، يشير بعينيه إلى فستانها
-طيب مش هنخلع. لكمته وهي تضع رأسها بكتفه
-بس ياقليل الأدب، رفعت رأسها تنظر إليه.
-الصراحة مش مصدقة إن جاسورة العاقل يكون بالوقاحة وقلة الأدب دي
سحب كفيها وهو يضحك على كلماتها
-عايزاني أكون مؤدب ياجنجون، كدا عايزة تعيب في جوزك حبيبك
توقفت أمامه تحاوط خصره
-لما بسمع جوزك دي قلبي بيدق بسرعة أوي، لحد دلوقتي بحاول أتأكد إننا اتجوزنا ياحبيبي
انحنى يحتضن كرزيتها يعزف لحنه الأثير، ليؤكد لها أن القبلة هي أجمل وأفصح من حروف الأبجدية لتخبرها عن عشقه الذي تغلغل بخبايا الروح.
عانقته فاليوم كل شيئًا مختلف، حبه الذي يجري بعروقها مجرى الدم
فصل قبلته احتياجا للهواء، ثم حاوطها بذراعيه، هامسا لها
-غيري فستانك علشان نصلي، كانت ترسم ملامحه التي تعشقها حد الجنون، رفعت أناملها تتحسس وجنتيه وذقنه، لديها إحساس عميق وشعورا يتنفض بقلبها بهزته العنيفة الذي اجتاح كيانها بالكامل.
ابتسمت ابتسامة جذابة خرجت من شفتيها حتى ظهرت بعيناها وتحدثت: -يعني ينفع نعمل الفرح وكمان نصلي بعد اللي حضرتك عملته
قهقه عليها حتى أدمعت عيناه، فانحنى يهمس لها
-جنجونتي معايا والشيطان تالتنا عايزة مني إيه، قالها غامزا، لكزته بكتفه
-بس ياجاسر، كنت اسمع عمو يقول لبيجاد وعز المنحرفين، يجي يشوف ابنه
رفعها من خصرها حتى أصبحت بمقابلته.
-لو الحب انحراف ياحبي فأنا أكبر منحرف. انزلها وأدار جسدها، ثم قام بفك اربطة فستان زفافها، حتى ظهر بعض من ظهرها، لمست أنامله ظهرها مما جعلها تشعر بصاعقة كهربائية، أطبقت على جفنيها تحمل فستانها تهمس بتقطع: -هروح أغير فستاني، وانت غيربتر حديثهما طرقات على باب شقتهما
-جاسر، انزل لعمو صهيب عايزك ضروري
حمحم محاولا السيطرة على نفسه، فتحدث: -هروح أشوف عمي وراجعلك حبيبي
خرجت من شرودها عندما.
وصلت للفراش ووضعت رأسها عليه تستنشق رائحته الغائبة عنها منذ عدة ساعات
نظرت بساعة يديها
-اتأخرت أوي ياجاسر، معقول تلات ساعات تحت، ياربي لازم يجبلي حاجة ألبسها من بيتنا
أمسكت هاتفها وظلت تنظر إلى صور زفافهما، ابتسمت عندما رأت صورتهما وهو يحملها ويدور بها أمام الجميع، وقبلته الجريئة أمامهم حتى شعرت بالخجل
نهضت وارتدت ذاك القميص الذي وضعته لها والدتها، ابتسمت بسخرية.
-اللي يشوف القميص ياماما يقول لسة عروسة، ضحكت بصوت كلما تذكرت أفعال حبيب الروح
تمددت على فراشهما واحتضنت وسادته وذهبت بنوم عميق بسبب إرهاقها طيلة اليوم
بالأسفل
هرول أوس وجاسر إلى والدهما، بينما انسابت عبرات صهيب مرددًا: -ليه يابني تكسرني قدام عمك. وقف عز مذهولا وهم يقومون بمساعدة عمه متجهين للداخل. تحرك خلفهم.
استنى عندك، توقف ولم يقو النظر بعين والده، اقترب صهيب ورفع كفيه وبقوة صفعه على وجهه حتى تراجع للخلف
-كان لازم تاخد القلم دا يوم مااطولت على عمك وابن عمك
وضع كفيه على خديه، ينظر الى فارس ووالدته
-بتضربني يابابا، علشان عايز اخد حق اختي
رفع نظره إلى تلك البنت التي تقف تنظر إليهما بصمت، ثم أشار عليها
-إنت فعلا متجوز البنت ياعز، فعلا اتجوزت على بنت عمك، ولا دا شو، قالها وهو يمسكه من تلابيبه.
اتجوزت على بنت عمك صح. سحب بصره بعيد عن والده، وهو يشير إلى فريدة
-فريدة مراتي بجد يابابا
كور قبضته، وهو يلكمه بصدره عدة مرات قائلًا بغضب جحيمي
-امشي من قدامي ياحيوان. رفع بصره لوالده
-همشي يابابا، ولو عايز اسيب حي الألفي هسيبه، لكن خليك متأكد انك بعت بنتك لجاسر يشتري ويبيع فيها
دنى خطوة من والده وتعمق بالنظر لعيناه.
-اسأل نفسك ياباشمهندس ليه جاسر اتجوز جنى دلوقتي، بعد مامراته مابقتش تنفع تجيب ولاد، اكيد جنى اللي هتعوضه، ماهي مغتصبة مين هيرضى بيها
صفعة أخرى اقوى من سابقتيها يدفعه بقوة
-امشي بقولك. وقفت نهى وعيناها تنسدل عبراتها بصمت، لقد خُربت حياة اولادها
أطبق صهيب على جفنيه ينظر حوله بتيه، نظرات ضائعة حزينة وهو يتابع ابنه الذي سحب بكفيه تلك الغريبة متجها بها للداخل
همس بتقطع لزوجته.
-الواد دا ايه اللي حصله، إلحقيه يانهى، ليدخل بالبنت على فرش بنت عمه، أصله بقى حلوف اوي
ربتت على كتفه ونظرت إلى فارس الصامت ثم تحدثت
-روح ياحبيبي شوف عمك عامل إيه، ثم سحبت كف زوجها
-تعالى ارتاح ياصهيب، متنساش انك تعبان
ترك كفيها واتجه خلف ابنه.
-اروح اطمن على جواد الأول. تحرك بخطوات مهتزة وقلبا حزينا على ماوصلت إليه الأمور، وصل إلى منزل جواد، وجده متسطح على الأريكة وجاسر جالس بجواره متهدل الكتفين وعيناه مليئة بالدموع، تحرك إلى أن وصل إليهم
-جواد. رفع جواد بصره إليه صامتًا، ثم أشار إلى أوس
-أوس كل واحد على بيته، مش عايز حد حواليا، رفع جاسر كفيه وتحدث بخفوت
-بابا حاسس بإيه، استدار للجانب الأخر قائلًا
-اطلع شوف عروستك، وجوز اختك هيوصلك للمطار.
-بابا. أردف بها جاسر
اغمض جواد عيناه ينظر إلى غزل
-شوفي روبي ياغزل، واطمني على مرات جاسرقبل مايسافروا
نهض جاسر وعيناه تحاور والده بالأسى والحزن
امسك جواد كفيه، وبنظرات تحمل بين طياتها الكثير والكثير من العتاب ثم تحدث.
-بنت عمك أمانة عندك، بتمنالك السعادة، انا مش زعلان منك، أنا حزين عليك، بتمنى تكون أد قرارك المرادي، وعايزك تتأكد كل حاجة في الدنيا نصيب، ولو زي ما بتقول انك كنت بتحب بنت عمك حافظ عليها، متعملش زي عز. سحب نفسًا وطرده على مراحل ثم رفع نظره الى صهيب الواقف وعيناه الحزينة تتابعه
-عز بيخبط، مش عايز حد يقرب منه، بكرة يفوق، ومتنسوش أخته اغتصبت واتهمت في ابن عمها، فكان لازم يرد الضربة.
أشار للجميع بالتحرك، جلس صهيب بجواره يربت على كفيه
-ألف سلامة عليك ياحبيبي، كانت نظراته على غزل التي تنساب عبراتها بصمت
-غزل. تحركت إلى أن وصلت وجلست بجواره، ثم وضعت رأسها بصدره تبكي بشهقات مرتفعة
-هو ايه اللي بيحصل دا ياجواد، هتفضل تتحمل لحد إمتى. ربت على ظهرها
أنا كويس يازيزو، قومي شوفي ابنك العريس، وشوفي بنتك المطلقة، قالها متهكمًا
-هعملك ليمونادا مع صهيب الأول، ازال عبراتها.
-حبيبتي بلاش الدموع دي، أنا كويس، مرينا بأكتر من كدا. هزت رأسها رافضة حديثه ثم اتجهت إلى صهيب
-عز فعلا اتجوز على ربى ياصهيب
مسح صهيب وجهه بعنف: -بيقول اتجوز ياغزل، عمال يخبط بالكلام
وصل بيجاد وهو يحمل العصير
-تخيل ياحمايا عملك عصير بنفسي، اه والله
ابتسم جواد وهو يشير بعينيه على المائدة، وضع اكواب العصير
-أقولك حاجة ومتزعلش مني ياعمو صهيب، طالعه صهيب بصمت فقلبه يئن ألمًا وروحه تنزف بصمت.
رسم ابتسامة وهز رأسه
-عز كسرني يابيجاد، ربت بيجاد على كتفه
-ماعاش اللي يكسرك ياعمو صهيوب، وأنا اروح فين والله لأخليه يلف في ساقية ابن صهيب دا
رفع كفيه متأسفًا
-آسف طبعا، لكن ابنك عياره فلت وعايز ينضرب علقة ونحميه يمكن ينضف
كان جواد شاردا، فبتر حديثهم
-ليه عز عمل كدا ياصهيب، ابتعد صهيب بعينيه بعيدا عنه وأردف: -معرفش ياجواد، نهض بيجاد.
-أنا هروحله بما أن النار شغالة عند أوس، والتلج عند جاسر، فأنا هاخد الوظيفة دي لازم اشوف الواد دا عمل كدا
-بلاش يابيجاد. أردف بها جواد. تعمق بنظراته لصهيب وأردف قائلا: بلاش. ابعد يابيجاد عن عز دلوقتي، أنا هعرف أربيه كويس، قوم شوف أوس هديه، ممكن يروح يولع فيه
نهض بيجاد وهو غاضبا والألم ظهر بملامحه، ورغم ذلك ابتسم إلى جواد
-متخافش على اوس، هو عاقل، مش لدرجة أنه يروحله، وانا هطلعله.
-صهيب! اتجه إليه ببصره فأردف متسائلا: -مش هقولك إنت مخبي عليا إيه، بس هقولك ليه كنت عايز جاسر يطلق حبيبته
-حبيبته، قالها صهيب بذهول
-ايه ياصهيب هنلعب على بعض، مش عيب تلعب من ورايا، انا عارف انك مجوزتش البت للولد الا لما اتأكدت أنه بيحبها
-جنى محدش قرب منها ياجواد غير ابنك
ضيق عيناه متسائلا: -يعني ايه! حمحم صهيب قائلًا: زي مااتوقعت ياجواد، تقرير المستشفى مزور، بس مش ام فيروز اللي زورته.
ظل يطالعه بصمت منتظر تكملة حديثه
-جاسر هو اللي زور التقرير. صدمة أصابته حتى أطلق ضحكات صاخبة مما جعل صهيب ينظر إليه بذهول
-بتضحك، بقولك ابنك طلع البنت مغتصبة وانت بتضحك، دا عز عامل زي الحيوان وعمال يدوس على الكل علشان أخته اغتصبت بسببه، والحمار مش فاهم أنه عمل مصيبة، تعالى بقى شوف لما ابني المتخلف يعرف أن أخته كانت سليمة وهو سوء سمعتها دا ممكن يقتله
صمت جواد وعيناه مازالت مبتسمة.
-بقى جاسر يعمل كدا، ارجع خصلاته للخلف قائلًا: -وبعد دا كله عايز تطلقها منه، يبقى قابلني، دا مش محتاج حد يساعده، يجي أوس يسمع دا كان رايح علشان يتخانق معاك علشان
ابتسم صهيب متهكما، ثم أردف: -لا يااخويا، قوله اخوك سيطر على الكل
عند ربى وغنى
وقفت غنى خلفها تراقبها، وصلت غزل إليها
-اختك فين حبيبتي. أشارت إليها
-بتعمل تشكوليت كيك
-بتقولي بتعمل إيهء؟ تحركت غزل إليها
-روبي. استدارت مبتسمة.
-مامي، تعالي شوفي المكونات كدا تمام
وقفت مذهولة تطالعها بصمت، حاولت غنى الحديث ولكن نظرات غزل أوقفتها
-هروح أشوف اخوكم هيسافرإمتى، ثم اتجهت إلى غنى وتحدثت بمغذى: -انتوا الأتنين خليكم هنا محدش يطلع فوق الا لما ارجع
تحركت وهي تنظر لابنتها تشاطرها ذاك الألم الذي تحاول إخفائه بأفعالها
وقفت غنى بجوارها ربتت على كتفها
-حبيبتي إنتِ كويسة، وضعت اصبعها بفمها المليئ بالشكولاته وهي تغمض عيناها.
-اممم لذيذة اوي، تفتكري هتعجب جاسورة، عارفة بيحبها أوي هو وجنى
مسدت على خصلاتها وتكورت عبراتها
-روبي حبي، عيطي كسري اعملي اي حاجة، المهم ماتخبيش
قطبت جبينها متسائلة: - ليه، انا كويسة، لو قصدك على اللي عمله عز، لا ياقلبي احنا أطلقنا وخلاص
-روبي ايه اللي بتقوليه دا.
استدارت مبتلعة غصتها ورسمت ابتسامة قائلة: -أنا وعز من زمان أوي انفصلنا، ومش اول اتنين ياغنى، للاسف غلطت في الاختيار. قالتها واستدارت تكمل ماكانت تفعله
-بتضحكي على نفسك، أشارت إلى التورتة التي تقوم بتزينها
-بصي أنا بعمل دي علشان جاسورة، علشان وقت مايرجع من شهر العسل هروح أقعد معاه، انا قررت ابعد عن كل مايوجع قلبي، واللي يدوس عليا مرة ادوس عليه مليون مرة.
-برافو دكتورة، قالها بيجاد وهو يتحرك متجها إليهما
-برافو عليكي، مش عايزك تضعفي، والضربة مش بتضعف بالعكس بتقوينا علشان ناخد بالنا
وضع كفيه بيجيب بنطاله
-كدا أنتِ ربى بنت جواد الألفي، اللي يكسرنا ندوس عليه، أنا مبقولش كدا علشان أشيلك منه، ابدا أنا عايزك تاخدي حقك منه، لأن المرة دي عز اتمادى أوي.
-بيجاد ايه اللي بتقوله دا. أشار مبتسما للكعكة التي تعدها ربى وأردف: -بسأل الدكتورة بتعمل إيه، ليكون بتعمل حلو لضرتها
وقفت مبتسمة ثم حملت الكعكة واستدارت بها إلى بيجاد
-لازم أبو سفيان يدوق منها الأول. قهقه بيجاد وهو يحتضن كتف غنى
-شوفتي الدكتورة عندها قوة خارقة يابنتي
طيب بدل روبي عايزة تاخد حقها يبقى هنلعب انا وهي كتير.
بسطت كفيها إلى بيجاد: -ديل ياابو سفيان. ارتفعت ضحكاته قائلًا: -الله يرحمك ياعز كنت طيب، بس براحة عليه، انا بس هنورلك الضوء الأخضر ياروبي
تجمعت الدموع بعيناها
-أنا عايز أبرد نار قلبي بس مش أكتر، مش عايزاه يابيجاد بس عايزة يحس بالنار اللي ولعها في قلبي
قالتها مع انسياب دمعة عبر وجنتيها. جذبها من رسغها
وازال دموعها وهو ينظر لرماديتها.
-الأول خلينا متفقين انك الغلط الأكبر ياروبي، مفيش راجل يتحمل اللي إنت قولتيه، نظرت للأسفل بأسى مردفة
-كسرني، عز من يوم حادثة جنى وهو بيدوس عليا بالقوي، وكل حاجة أنا الأول كأني مش مراته
احتضنت غنى وجهها وازالت عبراتها
-روبي عز بيحبك، لكن هو مجروح حبيبتي زي مابابا قال، وماشي يجرح في الكل
وضعت كفيها على أحشائها
-متنسيش إن ابنه هنا، تحركت للأعلى تضع كفيها على فمها حتى تمنع شهقاتها.
توقف بيجاد ينظر إلى أثرها بذهول
-رُبى حامل، دقق النظر بأعين غنى
-عز ميعرفش مش كدا. تنهدت متألمة ثم أجابته: -امتى هتقوله، واحنا لسة عارفين من كام يوم، وطبعا زي ماانت شوفت
اومأ متفهما ثم طبع قبلة على جبينها
-روحيلها، ومتسبهاش، هشوف أوس كدا
حاوطت خصره، ثم اختبأت بأحضانه: -بيجاد روبي صعبانة عليا اوي، واللي وجعني أنها مبتعيطش، دا جاية تعمل كيك. مسد على خصلاتها وصدره يشتعل بنيران الخزي من عز.
رفع ذقنها ونظر لعيناها
-غنى بلاش كل شوية تضغطي عليها، وموضوع الحمل دا بلاش حد يعرفه حاليا، أنتِ شايفة باباكي عامل ازاي، إنما عز وحياة ربي لاربيه على اللي عمله
بالأعلى بغرفة أوس
ظل يدور كالمجنون، يجذب خصلاته بعنف
-اااااه، لو سابوني عليه، وحياة ربنا ماهرحمه الكلب
اتجهت ياسمينا إليه، ثم سحبت كفيه
-ممكن تهدى يااوس، وتعمل زي ماعمو جواد طلب منك، بلاش عصبيتك دي من فضلك.
ركل المقعد بقوة، فبداخله نيران جحيمية تريد أن تلتهم المكان بالكامل
-اهدى ازاي، ازاي أهدى والحيوان دا اتجوز على اختي وقهرها.
ظل يجول ذهابا وايايا، يجز بأسنانه على كفيه
-ماشي ياعز، والله ماهرحمك، تحرك متجها للباب، هرولت ياسمينا خلفه
-أوس من فضلك، لازم تهدى كفاية تعب عمو جواد، علشان خاطري يااوس، علشان خاطري ياحبيبي بلاش تروحله دلوقتي
بشقة جاسر قبل قليل.
-ولج إلى الغرفة مهمومًا حزينا، فكأن الجميع يُعاقبه على حبه، بحث بعينيه على مؤنسته وعاشقة روحه التي اعتبرها نسمة باردة لنيران تؤجج بداخله
وجدها تغفو فوق الفراش كحورية بحر، خصلاتها التي تفترش الوسادة، وعيناها الأثرة لقلبه رغم إغلاقها إلا أنها تسلب روحه.
نزل بركبته أمام الفراش، رفع خصلاتها من فوق وجهها ليظهر وجهها المستديرالذي يزينه ثغرها المرسوم كنعقود عنب، لمست انامله وجنتيها التي تشبه التفاح وقت جنيه، ظل يحرك أنامله إلى أن وصل إلى جيدها، دفن رأسه بحنايا عنقها، يسحب كم من رائحتها وكأنه يملأ رئتيه من رائحة عطرها العبقة، ذهبت ابصاره إلى منامتها التي لم يلاحظها منذ دلوفه.
لاحت ابتسامة عاشقة على ثغره، وهو يراها عروسه ليلة زفافه، لا يعلم كأنه لأول مرة يرى انثى بتلك الطلة التي أشعلت نيران فتنتها صدره
اقترب من أنفاسها يداعب أنفها مغلقًا جفنيه متلذذا بقربها
تخللت أنامله خصلاتها يرجعها للخلف، فتحت عيناها والنوم يراودها فهمست بصوت متحشرج من النوم.
-حبيبي اتأخرت فنمت اسفة، وضع إبهامه على شفتيها، ثم انحنى ليحتضن تلك الشفاة التي فقدته اتزانه، ظل ينعم بشهدها محاولا إعادة روحه الذي فقدها منذ فترة. ظل لفترة كلا منهما يعزف للأخر ليصل لترانيم عشقهما
بعد فترة كانت تتوسد صدره وهو يتخلل خصلاتها ويتذكر ماصار اليوم، حدث نفسه
-ياترى ياعز ليه عملت كدا، وانت روحك في ربى، مش معقول ياعز، مستحيل تكون بتعمل كدا علشان تأذيني
ابتسم عندما استمع لهمساتها.
-جاسر نام بقى، هتفضل صاحي. مسد على خصلاتها
-شوية حبيبي هنام، نامي إنتِ. ظل يحرك أنامله على وجهها بإبتسامته الخلابة
دقائق مرت عليه، ثم وضع رأسها بهدوء على الوسادة، ونهض متجها لمرحاضه، خرج بعد قليل متجها إلى غرفة ربى
ولج للداخل وجدها تغفو بأحضان غنى.
-غنى، فتحت غنى عيناها تنظر حولها
-حبيبي عايز حاجة. سحب كفيها بهدوء، وأشار على ربى
-هي عاملة إيه. أرجعت خصلاتها التي انسابت على وجهها بعشوائية.
-كويسة، متخافش عليها، المهم انا سألت بيجاد، قالي انك هتسافر الصبح
جلس بجوار أخته على فراشها
-اه انا عرفت ماما كمان، هنسافر الصبح، لازم اطمن على روبي، واستنى ياسين قالي احتمال يوصل على أربعة الفجر
ربتت على كتفه: -روبي كويسة، قوم روح لمراتك، مينفعش تسبها في ليلة زي دي
هز رأسه رافضا كلماتها
-لا روحي لسفيان وأنا هبات معاها، جنى نايمة. توقف عن الحديث ثم رفع بصره إليها.
-جنى بنت عمنا قبل ماتكون مراتي ياغنى، تذكر شيئا
-اه على فكرة هي ماتعرفش حاجة، فياريت محدش يقولها حاجة
جلست بجواره، ثم وضعت رأسها على كتفه
-هتبقى وحشة لما تسيب مراتك وتبات هنا ياحبيبي متنساش دي ليلة العمر حتى اعتبرها لجنى، قوم علشان خاطري بلاش تكسر بخاطرها، ممكن تفوق في أي وقت، الحاجات دي بتأثر جدا فينا ياجاسر
طبع قبلة على جبينها ثم استدار إلى غنى.
-متسبهاش، وموضوع عز انا هتصرف فيه، محدش يقرب منه، بلاش بيجاد يتصرف من دماغه علشان خاطري، ارجع من السفر واعرف ليه عمل كدا، حاليا الدنيا مولعة بينا
ابتسمت له، ثم اقتربت تضع قبلة على وجنتيه
-احن اخ في الدنيا، ياله بقى قوم، قاطعهم طرقات على باب الغرفة، ولج أوس وهو يبحث بعينيه عن ربى
دلف بعدما وجد جاسر جالسًا بجوار غنى، ضيق عيناه متسائلا
-بتعمل ايه هنا دلوقتي، انت ناسي إنك عريس. نهض من مكانه مردفًا.
-خلي بالك من روبي، ومالكش دعوة بعز يااوس، بابا هيتصرف كفاية وجع قلب لحد دلوقتي
ابتسم أوس بسخرية
-شوف مين اللي بيتكلم، تحرك حتى جلس بجوار ربى قائلًا: -أنا هلوم على عز إزاي وانت السبب في دا كله، مش كان الأولى انك تكون مع مراتك دلوقتي، ولا هربت ياحضرة الظابط لما لقيتها تقيلة
قبض جاسر على ثيابه ونظر إليه بنظرات جحيمية
-حاسب ياأوس على كلامك، بلاش ازعل منك، دي جنى يعني انت اكتر واحد عارف هي بالنسبالي ايه.
نفضه أوس غاضبا وهز رأسه قائلًا
-ياما قولتلكم قربكم دا غلط، شوف اخرتها ايه، لا هي مرتاحة ولا انت مرتاح، والدليل انك سبتها لوحدها في ليلة زي دي
سحب نفسا وزفره قائلًا: -اتمنى انك متغلطش ياجاسر، وكله يكون مسكنات وقتها انا اللي هقفلك
تحرك جاسر دون حديث فيكفي ماسمعه اليوم
قابلته والدته وهي تحمل بعض الأطعمة
-حبيبي بتعمل إيه هنا
تحرك من أمامها مردفا
كنت بشوف روبي.
-جاسر. قالتها غزل، فاستدار يطالعها بصمت، اقتربت منه
-خد الأكل دا علشان مراتك حبيبي، ربتت على كتفه مبتسمة
-روبي كويسة متخافش، وعز بوق على الفاضي، وهتلاقيها لعبة في الاخر
-عارف ومتأكد أنها لعبة، بس مجرد الفكرة مؤذية اوي ياماما
باليوم التالي وصل جاسر برفقة جنى لأحد الجزر بأستراليا، بينما الحال بحي الألفي ظل كما هو عليه
صباحا، دلفت إلى المطبخ
-دادة منى، ممكن تعمليلي فنجان قهوة.
-حاضر يادكتورة. لحظة يادادة منى
قالها بيجاد. جذب مقعد وجلس بمقابلتها
-اعمليلي معاها، وكمان هاتيلي من الكيك بتاع الدكتورة
ابتسمت ربى هاتفة: -شكل حضرة الكابتن رايق على الصبح
دنى يضع ذراعيه على الطاولة واردف بإبتسامة لاعوب
-الكيك تحفة ياروبي، طول الليل وانا وأوس سهرانين عليه، والصبح اكلت جاسورتك منه
قهقهت عليه بصوتها الناعم
-إنت مشكلة وحياة ربنا، ودماغك دي سم.
أطلق ضحكات مرتفعة: -يعجبني فيكي تفهميها وهي طايرة ياروبي
دنى وغمز بعينيه: -جاهزة للمواجهة، سبتك وقت طويل أهو
أطبقت على جفنيها تهز رأسها رافضة حديثه: -مش هقدر، صدقني مش هقدر، أوس قالي لازم اروح واولع فيه وفي البيت، آسفة
قالتها وتحركت: -اهربي، ياروبي، اتجه بنظره للكعكة التي توضع على طاولة الطعام
-من رأيي تروحي تباركي للعريس، نعرفه أنه ولا على بالنا
ظلت لعدة لحظات جامدة بوقوفها، ثم استدارت.
-تمام هجهز وانزل، ماهو لازم اجهز بردو. وصلت إلى غرفتها ودلفت للداخل، وانسابت عبراتها
-هتقدري ياروبي، هتقدري توقفي قدام حبيبك وتباركي كمان، شهقة خرجت منها وهي تحبس أنفاسها داخل صدرها، وضعت كفيها على صدرها
-إنتِ مش ضعيفة ياروبي، لازم يندم، لازم يعرف ازاي فرط فيكي، انزلت كفيها تضعها على أحشائها
-لازم نسترد كرامتنا من بابا حبيبي، وانت أول مسمار ادوقه في قلبه.
اتجهت إلى خزانتها وأخرجت اجمل ثيابها، ثم وضعت لمساتها التجميلية وتحركت للخارج
وقف بالحديقة ينظر إلى لهو طفله و ضحكاته المرتفعة مع والدته. اتجه إليهما وهو يرتشف من قهوته، توقف خلف زوجته وهي تتراجع وتصفق بيديها لكي يركل الكرة. ارتطدمت بصدره
حاوط جسدها ثم انحنى يهمس بجوار أذنها
-عايز ألعب معاكم ياغنايا، ايه رأيك انا اقف جون وانت تشوطي الكرة
استدارت بعيناها المبتسمة.
-أكيد بتهزر يازوجي الحلو، كرة ايه اللي اشوطها دي
رفعها من خصرها يضحك بصوته عليها
-هعلمك ياغنايا. استمع إلى خطوات ربى خلفهم
أطلق صفيرا
-ااااوه روبي جواد الألفي عروس البحر
تحرك غامزا لغنى
-تيجي معانا ياغنون، توقفت أمامه: -رايح فين يابيجاد إنت وربى. بسط كفيه إلى ربى
واستدار إلى زوجته: -رايح افرس العريس، وانقطه، هرولت خلفه.
-بيجاد متبقاش مجنون. سحب كف ربى وتحرك قائلًا: -خدي بالك من سفيان ياغنايا. تابعت الطريق بجوار بيجاد بخطوات واهنة وساقين هلامتين
-تفتكر هقدر، أنا مش عايزة أضعف قدامه، توقف أمامها
-تبقي هبلة وعبيطة، لازم راسك تبقى مرفوعة، هو مش واخد عليكي ذلة، قابلهم أوس
-روبي رايحين فين
همس بيجاد لنفسه
-اهو الحلوف دا هيبوظ الدنيا، أشار على ربى قائلًا: -بطني وجعاني وربى جاية معايا علشان اكشف.
نعم يااخويا، بطنك وجعاك. جذب ربى من كفيها وتحرك متجها إلى سيارته
توقفت فجأة غير قادرة على السير من شدة آلامها. هزت رأسها وتحدثت: -بيجاد أنا هرجع، مش هقدر
كانت نظراته على أوس الذي دلف للداخل، ثم تراجع متجهًا إلى منزل صهيب
-ياله يابت ياهبلة، والله اناديلك الحلوف اللي دخل يضربه علقة كلب
ابتسمت رغما عنها وتحركت بجواره، لمح عز يقف بالشرفة، فحاوط خصرها هامسا لها.
-عايزك ملكة ياروبي وتعملي زي ماتفقتا، واياكي أوس يعرف حاجة، لولا عمو جواد صدقيني كنا زمانا دفنا عز
عايزك ملكة ياروبي وتعملي زي ماتفقتا، واياكي أوس يعرف حاجة، لولا عمو جواد صدقيني كنا زمانا دفنا عز
قبل قليل
بغرفة عز وقف بشرفته وهو يحرق تبغه الذي اشعل صدره، اقتربت منه فريدة
-عز. استدارمضيقا عيناه
-نعم، تحركت إلى أن توقفت بجواره، رفعت كفيها تحتضن كفيه
-مش ملاحظ من امبارح وانت مبتعملش حاجة غير إنك تدخن بس.
نفض ذراعيها وهتف مزمجرا: -اياكي تلمسيني تاني، اتجننتي، متنسيش نفسك يابت
ظلت تطالعه بصمت للحظات ثم اردفت: -انت ناسي إنك جوزي. ضغط على ذراعها بقوة وأردف من بين أسنانه: -شكلك اتجننتي، جوز مين يابت، احنا متفقين قدامهم بس، ولو بتتكلمي على العقد دا مجرد ورقة علشان قعدتي معاكي تبقى شرعا
رفعت نظرها إليه
-بس أنا موافقة على أي حاجة المهم أكون مراتك حق وحقيقي.
أطلق ضحكات مرتفعة لا تتناسب مع آلامه فتحدث من بين ضحكاته: -لا دا أنتِ اتجننتي صح، دنى يطالعها بنظرات اختراقية، ثم أشار بسبباته
-اوعي تفكري وتجنني اني ممكن اتجوز على مراتي، تبقي هبلة وعايزة موتك
عقدت ذراعيها أمام صدرها وأردفت: -على أساس انك متجوزتنيش عليها
دفعها بقوة وصاح بغضب.
-بت متصدقيش نفسك، انت هنا لأيام مش اكتر، متفكريش علشان كتبت عليكي يبقى اتجوزت، لا دا انا بقرص واحد بس اما لو على مراتي مستحيل اشوف دمعة من عيناها، وزي ما قولتلك انت هنا علشان احرق قلب واحد بس. قالها وتحرك يقف بالشرفة، ذهبت ابصاره إلى بيجاد الذي يحاوط خصر رُبى مستندًا على سيارته لبعض الوقت، ثم تحرك متجهين إلى منزله
استدار متحركًا، توقفت فريدة أمامه.
-ممكن اعرف رايح فين، وانا هفضل هنا في الاوضة دي طول الوقت
دفعها وهو يشير بسبباته
-فريدة احنا متفقين، فيد واستفيد، بلاش تخرجي جناني، أنتِ هنا كومبارس وبس، حدود متخرجش من باب الأوضة دي، وإياكي ثم إياكي تتخطي حدودك
قالها وتحرك هابطًا للأسفل. ولجت ربى بجوار بيجاد، قابلتهما نهى.
-ربى، ثم رفعت نظرها إلى بيجاد
-خير فيه حاجة، وصلت العاملة
-الكيك يادكتورة. أشارت ربى إلى نهى.
-جبت حاجة حلوة ياطنط نهى، عارفة عندكم مناسبة، محبتش ادخل بإيدي فاضية
ضيقت نهى عيناها
-جايبة كيك ياروبي، تناولت الكيك من العاملة وابتسمت ابتسامة مرتعشة تنظر إلى نهى بعينيها اللامعة بطبقة كرستالية من الدموع
-ايه مش ابن عمي اتجوز امبارح، انا عملت لجاسر وقولت لازم اجيب حاجة حلوة علشان الباشمندس يحلي
دنت نهى منها ونظراتها تحاوطها، تناولت منها الكيك ثم وضعته على المنضدة، واقتربت تحتضن وجهها.
-لدرجة دي مش فارق معاكي يابنت جواد، بدل ماتحاولي تحافظي على بيتك جاية تدوسي اكتر واكتر
تراجعت للخلف وضغطت على شفتيها حتى لا تنساب عبراتها
-بيتي عند ابويا ياطنط، وانا جاية ابارك للباشمهندس علشان يعرف أننا خلاص مبقاش بينا حاجة
جلست بجوار بيجاد الذي رفع ذراعيه على المقعد وهو يرى نزول عز كالمطاردة. أكملت ربى حديثها
-يبقى دوقي الباشمندس منها وعروسته كمان.
-لا والله، وياترى مين اللي قرر الهبل دا.
قالها عز الذي وصل
أطبقت على جفنيه مانعة عبرة تجمعت بعينيها، مجرد صوته يجعل نبضها يرتفع، ضغطت على ردائها وسحبت نفسًا، ثم رفعت نظرها إلى بيجاد الذي أومئ برأسه، استدارت بهدوء
-صباح الخير ياعريس، جيت أصبح عليك. انحنت تحمل الصحن الذي يوضع به قطع الكيك ثم دنت منه وتوقفت أمامه مباشرة، قربت منه الكيك.
-جبتلك دا علشان ابارك لك واقولك دي حلاوة طلاقنا وجوازك، ودلوقتي ترمي عليا يمين الطلاق، وياريت بالتلاتة ياحبيبي، علشان مترجعش تاني تعملي ابو جلمبو وتقولي إنك جوزي
أطاح بقوة الصحن الذي تحمله، ثم جذبها بقوة يضغط على خصرها، ونظر إلى عيناها مزمجرا
-كلمة كمان وهتشوفي وش عمرك ماشوفتيه، وكويس إنك جيت برجليكي لعندي، امسك فكيها ودنى يهمس بجوار شفتيها.
-هموتك ياروبي بحبي لو استفزتيني، المرة اللي فاتت سبتك علشان متقوليش مغتصب، لكن هتتمادي هعرفك المغتصب دا ممكن يعمل ايه، قربها اليه بقوة حتى اختلطت أنفاسهما يضغط بقوة أكثر من الاول
-لو مفكرة علشان رميت الطلاق عليكي يبقى خلاص اللي بينا انتهى، دا حتى لو طلقتك مليون مرة هتفضلي قدري وانا قدرك، فاتلمي يامراتي الجميلة علشان متشفيش المغتصب اللي بتقولي عليه مش راجل.
دنى بيجاد يجذبها منها، ثم حاوطها بذراعه.
-ربى حبيبتي ياله نمشي، صبحتي على عريس الغفلة كفاية كدا، اقترب من عز
-المفروض تتطلع صدقة علشان هي اتناولت وجت تباركلك، مش هتتكرر انك تشوف الجمال دا كله
لكمه عز بعدما ذهب ببصره بفستانها وهيئتها، لقد تأكل صدره بنيران الغيرة
-اياك تلمسها وتقرب منه ياحيوان دي مراتي واللي يقرب منها هدفنه
اختبأت ربى خلف بيجاد عندما وجدت تحول عز كالشيطان، جن جنونه وهو يراها تتحامى بظهر بيجاد.
دفع بيجاد وتحولت نظراته لنيران تحرق الأخضر واليابس
وجذبها يحتضنها بقوة ثم
احتضن شفتيها بغضب نيران الغيرة، أمام بيجاد ووالدته المذهولة، دفعته بقوة، ولكنه كان المسيطر الأقوى، تركها وهو مازال يحاوطها هامسا لها بجوار أذنيها
-طعم الشيكولاته حلو اوي ياحبيبتي بس ياترى حبيبتي عارفة إني مبحبش الشكولاتة علشان كدا عملتها وهي عارفة ومتأكدة مش هقرب منها
دفعته بقوة وصرخت به.
-إنت واحد حقير ياعز وانا بكرهك، ويوم ماتقرب مني تاني بطريقتك الحقيرة دي هموتك، أنا مستحيل ارجع لندل ذيك
اقتربت تنظر لمقلتيه ولكمته بصدره
-إنت ماضي وانتهى، أنا جيت النهاردة علشان اقولك مبقتش تفرق معايا، وزي ماانت خونت الوعد يابن عمي، اوعدك أن ربى جواد الألفي لتحرق قلبك زي ماحرقت قلبي
رفعت نفسها وحاوطت عنقه هامسة بجوار أذنه حتى تلامست شفتيها بإذنه.
-هخلعك يابن عمي، ومش بس كدا هتجوز أي راجل يتقدملي، ومش بس كدا ياحبيبي هحرق كل ماله علاقة بيك، وهعيش حياتي مع راجل حق وحقيقي، راجل يعرف معنى الرجولة، مش من أول مشكلة يدوس عليا
أشعلت كلماتها جحيم غضبه والذي تجلى بعينيه، فتحولت عيناه لنيران جحيمية واقترب منها بملامح مرتعبة
-بتقولي ايه يابت، جذبها بقوة متحركا لغرفتهما
صفعة قوية من بيجاد، ثم دفعه بقوة بعيدا عنها.
-أنا واقف محترم والدتك من الأول، بس هتقل بتربيتك هفعصك يابغل.
استدار إلى بيجاد وبداخله نيران تحرق أوردته فكلماتها أشعلت نيران بصدره يريد أن يحرقها بالكامل فصاح بغضب
-إنت مين اصلا، وبصفتك ايه توقف بيني وبين مراتي، وبتعمل ايه، دفعه عز بنيران مشتعلة تخرج من مقلتيه
-اطلع برة مش مرحب بيك هنا.
عززز. صرخ بها صهيب الذي وصل على أصواتهم المرتفعة، توقف بينهما ينظر بريبة إلى ربى التي تقف تعقد ذراعها وبيجاد الذي ملامحه تنم عن مدى غضبه. فيه ايه مالكم؟
تسائل بها صهيب.
أخرج بيجاد بعض الوريقات من فئة المائتا جنيها ووضعهما بجيب عز يربت على كتفه بعنف قائلا: مبروك ياعريس الغفلة، ثم استدار إلى صهيب قائلا: -ايه بلاش ابارك لعديلي ياعمو صهيب ولا إيه، لازم أوجب معاه، مش دي الأصول، ثم جذب عز من كتفه يضغط عليه
-ماتقول لأبوك ياباشمهندس أننا جاين نبارك لك وكمان نفرحكم بخبر حلو، قالها وهو ينظر إلى ربى بمغذى
-ايه ياأم عتريس مش ناوي تفرحي العريس
هرولت إلى بيجاد وهزت رأسها.
-بيجاد لو سمحت، تلألأت العبرات بعيناها وهتفت غاضبة
-متزعلنيش منك بجد، اتجهت إلى عز وانسابت عبراتها رغما عنها وهتفت بصوت متقطع
-مبروك يابن عمي بجد، والحمد لله نصيبنا انتهى كدا، ياريت ياعز تبعت ورقة طلاقي للابد، ثم استدارت إلى عمها
-من حقي أعيش ياعمو، ابنك موتني بالحيا، هو اختار وانا من حقي اختار حياتي
دفع كل ما يقابله ووصل إليها يجذبها بغضب.
-تختاري ايه ياحيوانة دا انا ادفنك مكانك. حاول بيجاد الفصل بينهما ولكنه تحول لوحش وهو يجرها خلفه
صرخ صهيب عليه ولكنه لم يستمع لأحد، قام بحملها
-والله لادبك ياروبي، وهعرفك ازاي تبجحي في جوزك، تحرك للخارج. وقف بيجاد أمامه
-بتعمل ايه ياحيوان، سيب مراتك، صاح عز مزمجرا
-ابعد عني علشان منخسرش بعض، دي مراتي محدش له دخل بينا
أطبق صهيب على جفنيه متألمًا، يشير إلى نهى
-وقفي ابنك المتخلف دا، هزت رأسها متنهدة.
-أنا شايفة أن ربى ذودتها اوي ياصهيب، ماتخليك عادل بقى، انت مش شايف عمايلها وكلامها، هو فيه ايه البت فلتت اوي، وبعدين بيجاد مالوش يدخل بينهم. قالتها وتحركت
فتح عز باب السيارة، لكزته ربى تصرخ به، وصل أوس
-عزززز، صرخ بها بصوت كالرعد، وصل إليهما، ثم لكمه بوجه حتى تراجع بعدما جذب أخته.
أشار بسبباته وصاح مزمجرا: -احمد ربنا اني وعدت ابويا مش اقرب منك، ابعد عن اختي ياحلوف ولو انت ابن صهيب الألفي خليك راجل وابعتلها ورقة طلاقها
جحظت عيناه ينظر الى أوس متألمًا
-إنت عايزني أطلق مراتي ياأوس. قهقه أوس وهو يجذبه من ياقته
-ليه هو مش الحلوف مش قالها قبل كدا
دفعه بغضب يكفي كلمات الإهانة التي احرقت صدره، مما جعله غير قادر على التنفس وصاح مزمجرا
-كلكم شايفين عز حقير. دنى ينظر إلى مقلتيه.
-مسألتش اختك عملت ايه، جذبها من ذراعيها ودفعها على أخيها
-ماتقولي لأخوكي اللي عاملي راجل حامي اوي، قوليله قولتي ايه. دنى وعيناه تغرز بمقلتيه قائلًا.
-اختك بتقولي لو راجل طلقني، طلقني يامغتصب علشان عايز حقي منها قالتلي انت مغتصب، أشار عليها وتكورت عبراته بعينيه: -البنت اللي بموت كل ماتبعد عني يوم وقفت قدامي وقالت لي أنا مش شيفاك راجل اصلا، وبكرة الاقي اللي يعرف يقدرني ويبقى راجل، البنت اللي بعشقها واقفة تقولي هعيش حياتي مع راجل صح إنما أنت أشباه الرجال. لكم أوس الذي وقف مذهولا من حديثه وهتف.
-دا كله ليه علشان عايز اختي متبقاش مذلولة تحت ايد حد. صرخ وهو يدور حولهم
-محدش يجي يقنعني أن جاسر بيحب جنى، مش دي جنى اللي كانت قدامه وكلكم حاولتوا تقنعوه بيها هو قال ايه، دي اختي
ضرب على صدره وصرخ وانسابت عبراته
-بس دي بنتي، نظر إلى والده بعتاب
-كان فين جاسر واختي بتموت ببعده وهي شيفاه في حضن واحدة تانية، كان فين وانا بلف بيها من دكتور نفسي لدكتور، كان فين الحب دا وهو واقف يضحك ويقول مراتي حامل.
لكم أوس مرة أخرى وانسابت عبراته بقوة أكبر
-قولي إنت ياحكيم العيلة، اخوك كان فين واختي منهارة بسببه، اقولك انا كان بيفسح مراته اللي بيقول عليها دلوقتي عيشت معاها ايام جحيمية
اقترب اكثر يهمس لأوس
-أقولك بقى اخوك اتجوز جنى ليه علشان مراته الجميلة معدتش تنفع تجيب ولاد، واه اتجوز واحدة مغتصبة وبتموت فيا متقدرش تقولي كلمة، وبنت عمي هترضى بكل حاجة كفاية عليها اني اتجوزتها، هو فيه حد كان هيرضى بيها.
صاعقة نزلت على الجميع حتى شهقت نهى تهز رأسها رافضة حديث ابنها
-باااس ياعز، ليه يابني ليه تقول كدا
ابتسم متهكما، ثم أردف
-ايه مصدومة، دي الحقيقة اللي حضراتكم بتحاولوا تخبوها
وقفت ربى تهز رأسها بعنف
-إنت واحد كداب وحقير، اخويا مستحيل يعمل كدا، هو بيحبها، لا هو مش حقير، رفعت نظرها إلى أوس الذي نزل بنظره للأسفل.
-متصدقوش ياأوس، مستحيل جاسر يكون بالحقارة دي، لا هو تربية جواد الالفي، اتجهت إلى عز وظلت تلكمه وتصرخ بهستريا
-إنت كذاب، جاسر مستحيل يعمل كدا، ظلت تدور كالمجنونة ذهب بصرها إلى بيجاد
-إنت ممكن تصدق جاسر يعمل كدا يابيجاد، أنه يتجوز جنى علشان كدا، لا هو بيحبها انا شوفت دا
-اهدي ياربى لو سمحتي متنسيش انك حام. لم يكمل كلمته عندما استمع إلى حديث فيروز بهاتف عز.
-طلعتني شيطانة وانا عايزة اذي اختك، طب اسمعني بقى ومستعدة اكدلك كلامي
-جاسر اتجوز جنى علشان الولاد، بعد ماعرف أننا مش هيبقى عندنا ولاد، قالي هتجوز جنى وارجعك بعد ماجنى تحمل، ماهو مش معقول من يوم وليلة جاسر ينسى حبنا، وارجع بذكرياتك ياباشمهندس شوف جاسر عمل ايه علشان نتجوز.
نهضت وابتسمت بنصر قائلة: -أنا مش عدوتكم انا ست وغيرت على جوزي في الاول، بس بعد ماكنت عندكم هو جابني واتفق معايا هيرجعني لعصمته مش مصدق اتفضل مش دا جوازنا. بص كويس على ما اعتقد انك عارف خط ابن عمك
انحنت تنظر لمقلتيه
-جاسر قبل الفرح بساعات رجعني لعصمته، يعني انا دلوقتي مراته، وقالي سر بينا بس حضرتك مش سايبني في حالي وكل شوية تنطلي هنا وعايز تاخد حق اختك.
ليه مفكرتش أن جاسر هو اللي عمل في جنى كدا علشان تكون سهلة في الوصول، ايه معرفتش أن اللي هجم عليها عدو جاسر في شغله اصلا، ايه اللي خلاه يتصل بيها في الوقت دا تحديدا
هزت ربى رأسها رافضة حديثه، وزعت نظراتها للجميع، صهيب الذي هوى جالسًا غير مستوعب مااستمع إليه، نهى التي تهز رأسها كالمجنونة، أوس الذي توقف كأن على رأسه الطير أما بيجاد الذي تحدث.
-كذب، جاسر ميعملش كدا، ولو الجواز حقيقي يبقى اكيد وراه مبرر، المفروض نستنى لما يرجع. اومأ أوس برأسه
-أيوة مستحيل جاسر يعمل كدا، هو بيحب جنى، هو قالي كدا، وهو عمره ماكان كذاب ولا مخادع
قهقه عز على غير الموقف واردف وعيناه مازالت تنزرف عبراتها
-ليه مش هو قال بيحبها يعني خدعنا بجوازه بفيروز، طيب لو محبش جنى يبقى خدعنا بجوازه
امسكه أوس من تلابيبه مزمجرا
-إنت مصدق كلامك دا يلا، دا انت اقرب واحد له.
ازال دموعه بعنف وهو يهز رأسه قائلًا: -مصدقتش والله ياأوس، بس خليك مكاني، شوف انت عملت ايه علشان بس قولت اتجوزت على اختك طيب لو لعبت بمشاعرها هتعمل ايه
وصلت فريدة
-زيزو حبيبي، اتأخرت قولت هتنزل تجيب فطار واتأخرت، استدار الجميع ينظر لتلك التي تقف برداء شفاف للنوم، ذهب أوس بنظراته الى أخته التي أمسكت احشائها تصرخ
-آآآه، صرخت بها ربى وهي تجثو على الأرضية وبكت بنشيج.
-ابني. هرول بيجاد الذي يعلم بالطفل وهتف بأوس
-أوس شلها بسرعة اختك حامل، صاعقة نزلت على رؤوس الجميع عندما هتفت نهى وهي تنظر إلى أثر الدماء التي تساقطت من بين أقدامها
-حامل! البنت بتنزف.
عند جاسر وجنى
فتحت عيناها بتمهل مع ابتسامتها التي أرسلت لقلبه عزفا من نوعًا خاص، بعد ليلة عاشقة بينهما
-صباح الخير حبيبي. وضع رأسه بجوار رأسها يمسد على خصلاتها
-صباح الحب على أجمل بنوتة شفتها عينيا
لمعت عيناها بإبتسامة، وعيناها تراقب رماديته
-بنوتة، بعد دا كله بنوتة. اعتدل ثم رفعها لأحضانه
-أيوة بنوتي أنا، هو إنتِ مفكرة نفسك مراتي بس، ابدا حبيبي
أرجع خصلاتها خلف أذنها ودنى يطبع قبلة على وجنتيها.
-كدا اختي، ثم طبع قبلة على جبينها
-ودي امي، نظر لعيناها للحظات ثم دنى على كرزيتها يتذوق شهدها
-ودي حبيبتي وروحي وحياتي ومراتي
دفنت نفسها بأحضانه: -وانت كل حاجة حلوة ياجاسر، ربنا يباركلي فيك ياحبيبي. رفع ذقنها وتعمق بالنظر لعيناها
-أنا النهاردة بس حسيت اني ملكت الدنيا ومافيها، شكرا ياجنى، شكرا على ثقتك فيا، وشكرا على حبك
وضع جبينه فوق جبينها
-شكرا حبيبي على كل لحظة عيشتها معاكي في سعادة.
كانت تنظر إليه فقط، صمت دام بينهما لم يخلو من نظراتهما العاشقة
تلألأت عيناها بالعبرات
-جاسر أنا بحبك أوي، وعلشان السعادة اللي شيفاها بعيونك دي مستعدة اعمل اي حاجة
رفع كفيها ولثمه ثم هتف
-جنجون مش عايز غير إنك تفضلي في حضني وبس
جلس وحاوطها بأحضانه
-ياله عايز ألففك استراليا كلها، تراجعت بجسدها عليه
-تلفنني دولة كلها ياجاسورة احتضن كفيها ثم رفعهما ولثمهما.
-اه هو إنتِ اي حد، انت روحي ياجنجون. استدارت تنظر لرماديته
-طب لو قولتلك مش عايزة غير حضنك بس هتصدقني
بتر كلماتها بجوفه، ثم وضع جبينه فوق خاصتها
-مش حضني بس حبيبي، أنا كلي ملكك لوحدك، لامس وجنتيها بانامله يحتضن بنياتها هامسا بحب
-من النهاردة مفيش حاجة تقدر تبعد جنجونة روحي عني، دلوقتي أقدر اقولها بثقة وقوة أن جنى عشقي أنا تقدري تقولي عشق الجاسر، غمز بعينيه قائلا ولا جنة الجاسر، حلوة جنة الجاسر دي.
دنت منه وطبعت قبلة على خاصته قائلة:
-لا ملهمي عايزة تبقى مهلكة الجاسر؛ علشان اعرف أن قلبك اهلكته بعشقي لوحدي
داعب أنفها بإنفه: -كتيرعلى قلب مهلكك حبيبي، لاحظي انك بتضعفيني، ابتسمت وهي تحاوط وجنتيه
-أنا أسعد واحدة في الدنيا دي كلها حبيبي مش عايزة حاجة تانية. حملها متجها بها للمرحاض
-لا حبيبي السعادة دي عايزة التوثيق الجد، ودا مش هيحصل غير مع أول شاور لينا مع بعض. دفنت رأسها بصدره.
-لا ياجاسر علشان خاطري مش هقدر. انزلها بهدوء يحاوطها بذراعه
-مش معقول بعد دا كله لسة بتتكسفي مني ياجنى، خلاص أنا قررت ومستحيل أتراجع، انسي حبي
بعد فترة كانا يتجولان ببعض الأماكن المشهورة، وهم يرتديان ثيابهما الثقيلة بسبب الجو، ذهب بها لجولة بالتزلج على الثلوج، عدت الأيام بينهما بالعشق الذي يتزايد يوما عن الآخر.
ذات مساءا
فتحت عيناها بعدما شعرت ببرودة الفراش، نظرت تبحث عنه، همست بإسمه.
-جاسر. ولكن لم يوجد رد، بحثت عن ثيابها، وجدت قميصه يوضع على طرف الفراش، جذبته وعلى شفتيها ابتسامة جذابة
-ابن عمي خلاص جنني وعلمني الانحراف، ماشي ياجاسر، هشوف مين هيعلم التاني، بتقولي جاهلة في الحب. صمتت للحظة وذهبت بذاكرتها لزاوجه، تجمعت العبرات بعينيها
-ياترى كنت معاها كدا ياجاسر، وضعت كفيها على صدرها ونيران الغيرة تشعل صدرها.
-اعمل ايه علشان مفكرش في الموضوع دا، أطبقت على جفنيها عندما شعرت بنزيف روحها
-بحبه أوي لكن فكرة أنه كان ملك لواحدة تانية بتموتني، يارب ساعدني علشان سعادتنا. نزلت بساقيها وخطت للخارج تبحث عنه، استمعت إلى صوت بالمطبخ، تحركت اليه، وجدته يقف يعد الطعام ويستمع إلى موسيقى هادئة، اقتربت بهدوء تحاوطه من الخلف
-حبيبي بيعمل ايه؟
استدار إليها يضمها لأحضانه
-حبيبي الكسلان، ايه النوم دا كله، لامس وجنتيها وابتسم.
-حبيبي نايم اكتر من ست ساعات ووحشني اوي ولازم يتعاقب، رفعت ذراعيها وحاوطت عنقه ثم طبعت قبلة بجانب شفتيه
-كدا كويس، قهقه عليها، ثم حملها ووضعها على رخامة المطبخ
-طفل انا ياعشقي، علشان تضحكي على جوزك مش كدا. ابتسمت تنظر إلى ما يفعله بتعمل ايه
-امسك السكين بيديه وأشار على الخضروات
-بعمل عشا، خلصت بس باقي السلطة
ضربت كفيها ببعضهما.
-حضرة الظبوطة بتاعي واقف بالمريول يجهز أكل، فينك ياعمو جواد. رفع نظره إليها وهو يضحك
-لا الظبوطة باع كله لجنجونة قلبه، توقف عن الحديث عندما ذهب ببصره لقميصه وساقينها العارية، دنى منها وحاوطها بذراعيه
-انتِ اد الحركة دي، ضيقت عيناها متسائلة: مش فاهمة، امسك زر القميص وقام بفتحه قائلًا بهدوء
-عايز قميصي وحالا، قالها وهو يفتح زره بالكامل، صرخت به تحاول لملمته عليه.
-جاسر والله هعيط، حاضر هدهولك بس اصبر، هز رأسه رافضا
-لا عجبني دلوقتي وعايزه هنا على الرخامة دي
وضعت رأسها بعنقه وانسابت عبراتها
-هزعل منك بجد والله هعيط وهزعل اوي
أطلق ضحكات مرتفعة وهو يضمها
-بس ياهبلة، هو أنا واخدك غصب غبية
ظلت كما هي، فأردف
-والله مااسكتي لأخلعهولك
قفزت من فوق الرخامة وهرولت للداخل وهي تسبه
-ماشي ياجاسر يامنحرف
تحرك خلفها
-ماشي ياجنجون هعرفك المنحرف دا هيعمل ايه.
بعد قليل كانوا يتناولون العشاء، رفع ذقنها وهو يضحك
-لسة زعلانة ياجنونة
دفعت ذراعيه
-والله زعلانة، وابعد بقى، ومعنتش هلبس قمصانك يارب ترتاح، قالتها وهي تنهض متجهة للداخل
فجأة وجدت نفسها بين ذراعيه متجها بها للبحر، هزت ساقيها صارخة
-جاسر ابعد بقولك اهو، دلف البحر وهو يحملها
-لازم نعوم شوية، المية دافية دلوقتي
-لا ياجاسر هبرد بلاش وحياتي. ألقاها بالمياه وهو يجذبها لتتحرك معه لداخل البحر
بعد فترة.
خرج من البحر وهو يحملها، ثم جذب المأزر وساعدها بإرتدائه، لكمته بصدره
-والله إنت مجنون، حد يعوم الساعة 5الفجر يامجنون
جذب رأسها لأحضانه
-لازم أكون مجنون ياجنجون، طيب مهلكتي مسيطرة على عقلي قبل قلبي، فهكون ازاي من غير عقل
ضيقت عيناها
-معرفش شامة ريحة مش كويسة يابن عمي. فجأة وجدت نفسها بالهواء
-اهو علشان ابن عمي دي غيرت رأيي، ولازم ارجعك لسمك القرش
هزت ساقيها تصرخ.
-خلاص، خلاص والله ماهقولها تاني، اتجه للبحر وهو يقهقه عليها
-ابدا. لازم أعلمك الأدب ونلعب مع الأخطبوط وسمك القرش ياروحي
هزت رأسها بإعياء تمسك احشائها
-جاسر انا تعبت ودايخة، وعايزة ارجع
شحب وجهه عندما وجدها تسرع وتقوم بإفراغ مافي معدتها
وقف خلفها يحاوطها بذراعه
-حبيبتي مالك، ارجع خصلاتها للخلف يرفع ذقنها
-جنى حاسة بإيه. وضعت رأسها ب صدره
-عايزة انام بس، بطني وجعتني ممكن أكون اخدت برد.
حملها متجها إلى الداخل، ساعدها على التخلص من ثيابها، وارتداء الأخرى بعد استحمامها
ضمها إلى صدره واتجه إلى الفراش دثرها بالغطاء يمسد على خصلاتها
-حبيبتي حاسة بإيه، رفرفت أهدابها مبتسمة
-كويسة قوم البس حاجة بدل ماتاخد برد. انحنى يهمس لها
-خايفة عليا حبيبي ولا خايفة تضعفي قدامي
أغمضت عيناها مبتسمة
-جاسر ابعد بقى، اعمل فيك ايه بس
لمس وجنتيها قائلًا: -خديني في حضنك حبيبي هتخفي
تراجعت وأشارت له.
-تعالى، بجد مش محتاجة غير حضنك بس. نهض من مكانه قائلا
-دقيقة هاخد شاور من مية البحر
بعد اسبوعين عاد جاسر وجنى من شهر عسلهما
استيقظت ذات صباحًا على ألمًا يفتك بجسدها، تحركت متجهة للمرحاض وقامت بإخراج مافي معدتها
جلست بإرهاق على الأرضية
-لا الموضوع ذاد اوي، توقفت تنظر لملامح وجهها بذهول عندما رأت نفسها بالمرآة
رفعت كفيها لوجهها تلمس شحوبه، ثم انسابت عبراتها بفرحة عندما تذكرت شيئًا
وضعت كفيها على أحشائها.
-معقول، معقول أكون حامل، نهضت بهدوء ورفعت هاتفها وهاتفت إحدى الصيدليات وجلبت اختبار حمل
أقل من دقيقة وهي تقف تنظر لذاك الذي يوضع أمامها ونبضات قلبها تنبض بعنف
انسابت عبراتها بغزارة على وجنتيها عندما وجدت شرطتين باللون الأحمر
وضعت كفيها على فمها وابتسامة أنارت وجهها، اتجهت إلى هاتفها لتهاتف والدتها، ولكنها توقفت
-لا مفيش حد يعرف قبله، وقفت أمام المرآة تضع كفيها على احشائها.
-ماأجمل كرمك ياربي، اتجوزت من حبيبي ودلوقتي جوايا حتة منه، جلست تمسد على بطنها وابتسامة من بين عبراتها
-مش مصدقة أنه يرجع دلوقتي، آآه ياجاسر عايزة اشوفك هتعمل ايه لما تعرف
صمتت للحظات ثم هزت رأسها
-لا مش هقوله هنا، يعرف عند عمو جواد، في البيت اللي جمعنا كلنا
دلف جاسر ينظر إليها بابتسامته
-ايه حبيبتي قاعدة كدا ليه
نهضت متجهة إلى المرآة
-لا هجهز أهو، مش قولت هنروح حي الألفي ونعملهم مفاجأة برجعونا.
جذبها لأحضانه: -ماهو علشان كدا رجعت بدري اهو، ياله اجهزي لازم نروح حي الألفي كلهم وحشوني، غنى اتصلت كتير بس ماردتش اكلمها عايز اعمل مفاجأة للكل، وكمان بابا وحشني أوي، عايزه يشوف ويعرف أد ايه احنا مبسوطين مع بعض
طبعت قبلة على وجنتيه
-بحبك أوي اوي، وحبك كل يوم بيكبر ياجاسر، لدرجة بقيت اتنفس حبك
ضمها لصدره متنهدًا بعشقها
-وأنا ياجنى، مش متخيل حياتي بعيد عنك، رفع ذقنها ونظر لبنيتها
-بعشق حبك يابنت عمي.
ابتسمت بخفوت وهزت رأسها
-بنت عمك، رجعت تقول بنت عمك
حملها ودار بها واضعا جبينه فوق جبينها
-علشان بنت عمي أغلى من روحي، لو طلبت روحي مش هتأخر. احتضنت وجنتيه قائلة: -تعمل إيه لو كنت حامل. انزلها بهدوء وعيناه تحتضن عيناها، ثم وضع كفيه على أحشائها
-هتكون أجمل هدية بعدك ياجنجون، لو ربنا أراد هتكون أجمل فرحة لينا حبيبي
لو حملت في ولد هتسميه ايه
طبع قبلة خاطفة على شفتيها قائلا: -عايزة توصلي لأيه.
انتظرت حديثه بقلبا منتفض
قول ياجاسر لو حملت في ولد هتسميه ايه
مسح على خصلاته قائلًا: -يجي بس ياجنى وقتها يبقى نتكلم. أمسكت كفيه واحتضنته وتلألأت عبراتها بطبقة كرستالية
-مستنية حبيبي، قول. وضع كفيه على وجنتيها وانحنى يهمس لها
-هسميه كنان. رجفة أصابت جسدها وانسابت عبراتها فهمست بشفتين مرتجفتين
-يااااه، لسة فاكر، مع انك قولت لفيروز هتسمي الولد ذياد
اغمض عيناه وهو يضع جبينه فوق خاصتها.
-جنى كل حاجة خاصة بيكي في قلبي، ماليش دعوة فيروز كانت عايزة ايه، مش كنتي دايما بتقولي لو جبتي ولد هتسميه كنان
لمست وجنتيه وابتسمت
-طيب فاكر البنت. قهقه عليها وهو يحملها
-لا هتجيبي ولد متأكد لو حملتي هتجيبي ولد أو ممكن يبقى ولد وبنت
-جااااسر، ابتسم قائلا: عيون جاسر ياروحي. رفع كفيها بعدما انزلها
-خلاص خلاص هنسميها لين. كدا حلو، يالة بقى احملي وهاتي كنان ولين علشان تفرحي.
ظلت واقفة متنهدة وعيناها تحاصره بنظرات هائمة، ثم تحركت للمرآة
-هكمل لبس. وقفت تنهي زينتها وهو يحاوطها بنظراته، نظرت إليه من خلال المرآة
-هتفضل تبصلي كدا، تحرك متجها إليها يحاوطها من الخلف واضعا ذقنه على كتفها
-عايز اخبيكي جوا صدري ومش عايز حد يشوفك غيري
شعرت بقشعريرة بعمودها الفقري، كأنه لأول مرة يقترب منها استدارت تنظر إليه
-شكلنا مش هنخرج زي كل مرة، كفاية شكلنا بقى وحش عند راكان، ايه ناوي على ايه.
تراجع بعدما استمع الى رنين هاتفه
-أيوة. ايه، خلاص ياراكان مسافة السكة هكون عندك متعملش حاجة
طبع قبلة على وجنتيها واتجه لسلاحه
-حبيبي اجهزي ساعة وراجع. توقفت أمامه
-جاسر رايح فين
تحرك قائلا
-شغل حبيبتي، ثم اقترب
-عايز كريزة لحد ماارجع
ابتسمت قائلة
-كريزة برضو، ياله ياحبيبي شوف عايز تعمل ايه
تناول كرزيته سريعا قائلًا
-محدش يقدر يمنع عني الكريز ياكريزة قلبي قالها وتحرك سريعا.
هرجعلك بسرعة سلام
خرج سريعا وهي جلست تسحب نفسًا عندما شعرت بعدم قدرتها على التنفس
استمعت إلى رنين جرس الباب اتجهت مبتسمة
-شكله نسي حاجة المجنون
فتحت الباب وعلى وجهها ابتسامة، إلا أنها اختفت و شعرت بدوران الأرض تحت أقدامها عندما رأت فيروز أمامها
-اذيك ياخرابة البيوت. قالتها وولجت للداخل بعدما دفعتها تنظر للمنزل بتهكم
-دا بقى عش الزوجية اللي حضرة الظابط باعده عني علشان ماوصلكيش.
ظلت لفترة تتحدث إليها ثم تحركت وهي تنظر إليها بتشفي
-ساعتين وهكلمك تاني على حسب ميعادنا لو مش مصدقة، علشان اثبتلك بس مش اكتر
مر الوقت عليها كعقد من القرون، قلبها ينتفض بعنف ناهيك عن جسدها المرتعش، تدعي الله بسريرتها أن تلك الخبيثة ماهي الا خبيثة
أمسكت الهاتف بيد مرتعشة وأجابتها.
-تمام، لحظات ووصلها ذاك الفيديو الذي ماإن رأته حتى شعرت بتفتت قلبها إلى أشلاء متمزقة، وكأن هناك سيف غرس بصدرها، لحظات ووصلت رسالة أخرى، هنا فاق الألم وكأن أحدهم هوى بمطرقة قوية فوق قلبها، فوقعت صريعة تتمنى أن تسحب أنفاسها إلى بارئها
نهضت متحركة بعينين تهتز من ثقل العبرات، وقلبًا يتمزق اربا، وروحا تنزف ببطئ
وصلت لذاك العنوان بأنامل مرتعشة ضغطت على جرس الباب، فتحت الخادمة الباب تشير إليها.
توقفت تنظر إليهما بعيون غاشية لم ترى من كثرة دموعها، أرادت أن تصرخ من أعماق قلبها صرخة تؤدي بها لتحت سبعين أرضًا. تراجعت وهي تهز رأسها وتحركت سريعا للخارج تتخبط بحركاتها متجهة سريعا لسيارته.
↚
قبل شهرًا
من أمام المشفى وخاصة أمام غرفة ربى، تجلس نهى بجوار صهيب. أما ذاك الناري الذي يقطع الردهة ذهابا وإيابا محاولا السيطرة على نفسه حتى لا يدلف للداخل
وصل جواد يوزع نظراته بينهما، ثم ذهب ببصره لأوس الذي جلس متكأ على الجدار مغمض العينين
ذهب إليه متخطيا صهيب ونهى
-اختك فين!
نهض يشير لوالده على غرفتها قائلًا: -جواد مع الدكتورة، بقالها فترة، محدش خرج يطمنا
استدار يرمق عز بنظرات نارية.
-ايه اللي حصل، وبتعمل ايه جوا. تحرك أوس حتى توقف أمامه
-بابا. ربى كانت حامل
ضيق عيناه متسائلًا: -كانت حامل! صوب نظراته لصهيب الجالس بصمت
-كنت تعرف إنها حامل؟ ثم نظر لعز الصامت والحزن يتجلى بوجهه
-كنت عارف مراتك حامل ورحت اتجوزت عليها يلا
اقترب بخطوات سلحفية، ورغم بطئها ولكن كأنه يتحرك على لهيب من جهنم
البنت كانت حامل وابنك راح بكل فُجر جايب واحدة ويقول اتجوزت، أشار بسبباته وتحدث مهددا.
-أنا عارف ان جوازك رد اعتبار، لكن هتيجي على بنتي هنسى انك ابن اخويا، ودلوقتي انا اللي بأمرك تمشي من وشي، ولما تبقى راجل تيجي وتوقف قدامي وتقولي ياعمو عايز مراتي
اقترب منه ولكمه بصدره بقوة آلامته: -سمعتني يلا. من اللحظة دي مالكش علاقة ببنتي، وابنها كمان
توقف صهيب عندما احتد الحوار
-جواد بتقول ايه عايز تبعده عن مراته وابنه. استدار يرمق صهيب.
-مش عايز كلمة واحدة في الموضوع دا، بنتي هتروح على بيت ابوها، ولو طلبت الطلاق ابنك الحلوف دا هيطلقها ودا اخر كلام عندي
قالها وتحرك للداخل دون حديث آخر. ركل عز المقعد وصاح مزمجرا
-محدش يقدر ياخد مراتي مني، سامعني يابابا، ولا حتى عمو نفسه
كان صامتا ونظراته هادئة رغم نيران قلبه التي تأججت بعدما حدث لأخته
تقابل ب لوالدته التي وصلت بوجه شاحب
-اختك فين ومالها. احتضنها يربت على ظهرها.
-كويسة ياماما ماتقلقيش، اتجهت بجوار ابنها للداخل دون أن تنظر لأحدًا
تنهد صهيب متألمًا ثم اتجه إلى عز الذي توقف كالتائه
-عجبك كدا، ادعي ربنا أن مراتك تبقى كويسة والبيبي ماينزلش. اتجه ببصره إلى نهى
-الولد دا مين، انا معرفوش
تحرك عز من أمام والده عندما فقد السيطرة على أعصابه، للغرفة ولج للداخل
خطى بخطوات متمهلة، كانت تغفو فوق الفراش، يعلق بكفيها بعض المحاليل
جلس والدها بجوارها، يحتضن كفيها، ثم رفعه يلثمه.
-حبيبة بابي الف سلامة عليكى. بينما غزل التي توقفت تطلع على كشفها، ثم اتجهت ببصرها للطبيبة
-الجنين كويس. أومأت الطبيبة وأجابتها بعملية
-الحمد لله كويس، بس دا ميمنعش أنه في مرحلة خطيرة وخاصة بعد النزيف دا، المفروض تمشي على العلاج، والراحة ثم الراحة يادكتورة لو سمحتي
اومأت بتفهم ثم اتجهت إلى ابنتها بجوار والدها، وصلت ثم انحنت تطبع قبلة على جبينها متجهة لجواد الذي يسكن بجوارها دون حديث.
-جواد البنت كويسة، والحمد لله الولد كمان كويس
نهض متجها للخارج
-وقت ماتفوق خلي اخوها يجبها على البيت، عندي مشوار مهم لازم اروحه علشان بميعاد
احتضنت ذراعه
-جواد إنت كويس. طبع قبلة على جبينها قائلا: -كويس حبيبتي، حقيقي عندي مشوار مهم ليعقوب المنسي. أومأت متفهمة ثم تحرك للخارج، تقابل بعز فأشار بيديه للخارج
خرج وجد نهى تسائل: -فين صهيب. نهضت من مكانها واجابته: -خرج، معرفش راح فين.
بعد فترة دثرتها غزل بفراشها، ثم طبعت قبلة على جبينها
-ارتاحي حبيبتي، متفكريش في حاجة المهم البيبي ياروبي. كل هيعدي
احتضنت كف غزل وأردفت: -ماما اتصليلي بجاسر، عايزة اكلمه. ولج ياسين الذي وصل للتو، دلف يتابعها بعينه، اقترب منها بقلب يقطر المًا، توأمه نصفه الآخر
-روبي. رأته فنسابت عبراتها بغزارة، جلس بجوارها يحتضنها ثم لثم جبينها
-عاملة ايه ياقلب أخوكي. ربتت غزل على كتفه.
-حمدالله على سلامتك حبيبي، ليه اتأخرت كدا مش المفروض كنت تحضر فرح اخوك امبارح
نهض يقبل كف والدته وتحدث متأسفًا: -غصب عني والله ياست الكل، الحربية مش زي الشرطة، كله بالدقيقة
لمست وجنتيه وابتسمت
-المهم تبقى كويس ومرتاح يانور عيني. قبل جبينها ثم رفع كفيها يلثهما
-ربنا يخليك لينا ياست الكل، جاسر سافر إمتى
جلست على المقعد بجوار ابنتها تمسد على خصلاتها
-من خمس ساعات كدا، زمانه وصل دلوقتي.
-ربنا يسعده يارب، جاسر يستاهل يرتاح شوية ياماما، شايف الكل بيشد فيه من كل حتة
ابتسمت غزل وتحدثت: -كبرت ياياسين، وبقيت تاخد حق جاسر. تمدد بجوار روبي وتحدث بمزاح
-أنا كبير اوي ياماما، لكن حضرتك مفيش غير جاسر وأوس
قهقهت غزل عليه
-لأ اقنعتني ياخليفة ابوك، المهم تعالى غير هدومك وهخلي منى تجهزلك الغدا
تمدد بجوار ربى وهو يغمز لوالدته
-لأ مش جعان هنام مع روبي شوية، من زمان مقعدناش مع بعض. ملس على وجه أخته.
-مبروك ياروحي، عرفت هكون خالو، أن شاءالله تشوفيه اجمل بيبي
وضعت رأسها على كتفه
-إن شاءالله حبيبي. خدني في حضنك ياياسين زي زمان واحكيلي الأمير اللي خطف بنت الحسن والجمال
أشار بعينيه لوالدته، تنهدت بحزن ثم تحركت للخارج
تنهيدة طويلة خرجت من بين شفتيه مع شبح ابتسامة رسمها على محياه قائلا بمزاح: -انما اللي بتعب بيحلو كدا
مسد على خصلاتها بحنان وتسائل بهدوء: -ايه اللي حصل حبيبتي، زعلانة من عز ليه.
خللت أناملها بأنامله وتحدثت: -عز وجع قلبي اوي ياياسين، ضغطت على نفسي كتير وقولت من حقه، ومبرر ورا مبرر لحد ما قلبي مبقتش اتحمل اكتر من كدا
-كله هيعدي حبيبتي، عز بيحبك منقدرش نختلف على دا، لكن ساعات الضغط العصبي بيحول الحليم لقاسي وجبروت، انا معرفش ايه اللي حصل، لكن أنه يوصلك للحالة دي فيبقى قسى عليكي بالقوي، وروبي جميلة وهتعرف تتعامل بالعقل والحكمة، ونعرف نرد كرامتنا من غير ما حد يمسك علينا غلط.
رفع ذقنها وهز رأسه
-فيه قرارات بتهد دول وفيه قرارات بتخلي العالم يضرب تعظيم للدولة دي، المهم نعرف ابعاد القرار اللي هناخد
سحب نفسًا وزفره ثم استأنف: -عارف أن السبب جاسر، زي ماانا متأكد أن عصبية عز حولته وبقى يخبط في الكل، لكن مننساش اللي جنى مرت بيه.
تعمق بالنظر بعيناها.
-ارجعي بذاكرتك كدا لما كان بيقعد يعيط على حالة أخته اللي احنا مكناش عرفين سببها ايه، يعني هو اكتر واحد اتألم وقبل ماتعترضي عز ابوها ياروبي مش اخوها
ارجع خصلاتها للخلف وابتسامة على ملامحه قائلا: -عرفت أنه ساوم على جنى بيكي، بس إنت هبلة ياروحي لو فكرتي بس وقولتي تمام، جنى مع جاسر يبقى كدا انا عند بابا وانتهينا، كنتي هتشوفيه هيعمل ايه.
ترقرقت عيناها بالعبرات، وهناك شعور قاسي افترس روحها ثم تحدثت بنبرة متألمة: -عز اتجوز عليا ياسين.
شحب وجهه كأنه استمع لخبر فراق عزيز، فردد حديثها متسائلا: عز اتجوز عليكي. يعني إيه. وضعت رأسها على كتف أخيها كأنها تستمد منه الحماية لقلبها المتمزق حتى لا يضعف بسيرته فاستأنفت متألمة: -يعني راح جاب بنت وقال دي مراتي، هزت رأسها ساخرة من أفعاله الجنونية واكملت.
-ابن عمك داس اوي المرادي مع إني عارفة ومتأكدة أنه بيلعب بينا، بس الفكرة نفسها سحبت روحي من جسمي
مسد على خصلاتها وشرد بكلماتها التي أصابت عقله بالجنون، قاطعهم دلوف أوس بعد السماح له بجوار ياسمينا
خطى متجهًا إليها، ثم انحنى يطبع قبلة على رأسها
-عاملة إيه دلوقتي حبيبتي.! احتضنت كفيه وتعانقت ب عيناه مترجية
-عايزة أكلم جاسر ياأوس علشان خاطري لازم قلبي يرتاح، انت مش مصدق كلام عز صح ياأوس.
كان يستمع إليها وشعوره بالضياع يتخبط به، ضغطت على كفيه وترجته مرة أخرى
-أوس كلم جاسر. تحركت ياسمينا وجلست بجوارها
-روبي حبيبتي اخوكي عريس في شهر العسل، مينفعش نكلمه ونتكلم في حاجات مجرد شك، غير أنه عريس يعني ممكن يكون كله مرسوم
اومأت برأسها وعبراتها تنسدل على وجنتيها تشير إلى ياسمينا
-أنا متأكدة ياياسمينا، انا شوفت حبه في عينه مش معقول يكون دا تمثيل.
ربت أوس على ذراعها وهو يطالع ياسين الذي ضيق عيناه غير مستوعب مايدور حوله
نهض وأشار إلى أخيه
-ياله علشان نسبها ترتاح انا عايز ابقى خالو بقولكم اهو
احتضن وجهها
-خدي بالك من نفسك أولا ثم من حبيب خالو. كلماته البسيطة جعلت عيناها تنير بفرحة عندما تذكرت جنينها
خرج اخوانها وهي تراجعت تضع كفيها على احشائها
-يارب كملي حملي على خير. اللهم قر عيني بوليدي
ظلت ترددها حتى غفت
عند جواد
وصل جواد إلى شقة فيروز.
فتحت بعدما استمعت لصوت جرس منزلها.
-حضرة اللوا.! قالتها بذهول. دلف للداخل وأشار لها
-ايه يامرات ابني، مش هتخليني ادخل، تعمق النظر لعمق مقلتيها متسائلا باستخفاف: -مش إنتِ مرات ابني برضو. أشارت بيديها وجسدها ينتفض خوفا من مغذى كلماته. جلس جواد بأريحية ثم تحدث: -ايه معندكيش قهوة لحماكي. نادت بقطع على العاملة.
-اعملي قهوة لحضرة اللوا، رفع نظره للعاملة وتحدث: -مظبوطة يابنتي. تحركت العاملة، ثم اتجه بنظراته لفيروز
-سامعك يامرات ابني. فركت كفيها وابتلعت لعابها بصعوبة
-مش فاهمة حضرتك. تراجع بجسده للخلف ونظراته الصفرية تخترقها
-حد قالك عليا عبيط يابنت هاشم، انا مبحبش اعيد كلامي، جيتي وعملتي شو، الصراحة مش هخبي عليكي الشو وجع قلبي، ماانا ليا بنات برضو، اللي مرضهوش على بناتي مرضهوش على بنات الناس.
وصلت الخادمة بالقهوة، رفعها يرتشف منها ثم ذهب ببصره لفيروز
-علشان تعرفي نيتي خير، جيت وشربت قهوة رغم انك عارفة قهوتي من ايد مراتي
ازدادت ضربات قلبها بعنف وشحبت روحها من نظراته فتسائلت: -مش فاهمة كلام حضرتك. أخرج ورقة ووضعها أمامها
-مش عايز لف ودوران، ليه قولتي انك استئصلتي الرحم، وايه اللعبة القذرة اللي ناوين تعملوها.
نهض متحركا وجلس بجوارها، سحب نفسًا وزفره بهدوء ثم تحدث مردفًا: -فيروز أنا في يوم خليتك في مقام بنتي، ياريت يابنتي تبعدي عن جاسر، هو دلوقتي استقر في حياته
انسابت عبراتها بصمت، زفر مختنقًا من دموعها وهو لايرد ظُلمها فتسائل بقلب أب: -عايزة توصلي لأيه يابنتي، جاسر خلاص مش ناوي يرجعلك، بلاش تحاولي تخرجي أسوأ مافيا، انا بكلمك بقلب أب، أما لو قلبت عليكي صدقيني مش هيكون كويس ابدا
رفعت عيناها الباكية.
-حضرتك اللي خليته يطلقني مش كدا. هز رأسه بالنفي ثم هتف معترضًا
-فيروز أنا عمري ماادخلت في حياة ولادي، رغم كنت عارف انكوا هتوصلوا لكدا بس وافقت على جوازكم
صنع تواصل بصريا بينهما وتحدث معبرا عما بداخله
-عايز تفسير واحد ليه رحتي قولتي لعز كدا، يعني دا جزاة جاسر أنه وقف جنبك وحاول يبنيلك حياة كويسة.
رفرفت بأهدابها متسائلة: -حضرتك عرفت. ابتسامة ساخر ظهرت على ملامحه ثم سحب نفسا وتحدث: -أنا زمان وثقت في جاسر علشان كدا تركته يقرر حياته لكن بعد تدمير حياتكم كدا مش هفضل اتفرج، ودلوقتي انا بكلمك بعقل ابو جاسر بلاش اقولك بعقل جواد الألفي
-ايه ورا رجعوك لجاسر، ليه خليته يردك، بتلعبي على ايه يا فيروز.
ألجمتها الصدمة من حديثه ولم تستطع النطق للحظات، حاولت بلع ريقها عندما شعرت بجفاف لعابها، فهتفت بتقطع: -مش فاهمة قصدك. زفر مختنقا بتلاعبها فأشار بسبباته محذرا.
-هعمل نفسي مصدقك وهصدق المسرحية اللي عملاها على جاسر. نصب عوده متوقفا ثم تحدث: -اللي متعرفهوش خطواتك كلها عندي، هتغلطي مع ابني مش هرحمك يافيروز، وربي ماهرحمك، وخليكي واثقة انا هكون طوق خنقك بايدي لو قربتي من جنى وجاسر، خلصي مهمتك اللي بتحاولي تقنعي جاسربيها واختفي
قالتها واستدار متحركًا للخارج.
عند جاسر وجنى
قبل عدة ساعات
أنهت زينتها وجلست تنتظره، أمسكت هاتفها تتصفحه، وجدت صورتها مع عز، تحسستها بحزن، وذهبت ذاكرتها إلى ذاك اليوم بعد حفلة زفافهما بيومين
كانت تعد الطعام، دلف جاسر إليها
-حبيبي هخرج نص ساعة بالكتير وهرجع، جهزي نفسك علشان عايز افرجك على البلد كلها. اقتربت منه ثم تسائلت
-رايح فين ياجاسر، احنا في بلد غريبة يعني مفيش صحاب هنا
طبع قبلة على جبينها، ثم رفع ذقنها وتحدث بنبرة حنونة.
-عندي مشوار مهم نص ساعة بالكتير وراجعلك حبيبي مقدرش ابعد اكتر من جذب رأسها لأحضانه وأردف:
-أنا سعيد أوي ياجنجون، لدرجة حاسس مش قادر اقف على الأرض من السعادة. انحنى يحتضن عيناها قائلًا:
-حبك له طعم تاني يابنت عمي، من وقت مادقته وعرفت الخوف
لفت ذراعيه تحتضن خصره
-وانا مش عايزة غير أفضل في حضنك يابن عمي
حمحم بعدما فقد إتزانه وبدأ عشقها يتخلل لداخله
تراجع خطوة للخلف.
-لازم امشي دلوقتي حالا اصلي مش ضامن قلبي الصراحة. استدار متحركا سريعا وهي تقهقه عليه.
-هجهز الأكل متتأخرش
لوح بكفيه وتحرك للخارج، اتجهت إلى المطبخ لتقوم بإعداد وجبة الغداء
قاطعها رنين هاتفها
-عز! كنتي تعرفي أن روبي حامل
صمتت للحظات لم تعلم بماذا تجيبه، ثم همست
-هي قالتلي يوم ماكانت عندي. تحرك في الردهة بغضب
-وكمان كانت عندك، ليه ياجنى معرفتنيش، دلوقتي عز بقى اخر حاجة تفكري فيه، خلاص جاسر سيطر عليكي.
نهضت من مكانها وتلألأت عيناها بالعبرات قائلة بتقطع
-لأ ابدا حبيبي، هو الموضوع. صرخ بها قائلا:
اخرصي ياجنى، مش عايز اسمع صوتك، روبي ممكن تفقد الجنين علشان تبقي مبسوطة. تصنم جسدها فهمست بتقطع
-ايه. ليه، ايه اللي حصل
رجع خصلاته للخلف بعنف وأجابها:
-إحنا في المستشفى لازم اقفل. ياخسارة ياجنى، قالها وأغلق الهاتف
جلست على مقعدها دون حركة وشعرت بتمزق قلبها من حديثه. آلمها حالة أخيها
همست باسم ربى بحزن قائلة:.
-حبيبتي ياروبي دي تاني مرة تخسري فيها الحمل، ياترى حالتك ايه دلوقتي
أمسكت هاتفها لتحاول مهاتفتها مع والدتها، ولكن هاتفها مغلق، وقفت تنظر بشرود، بتر شرودها وصوله وهو يحاوط جسدها بين أحضانه، رفع خصلاتها على جنبًا دافنا أنفه بعنقها
-وحشتيني ياجنجونة. رفعت رأسها تنظر إليه بحب
-ملحقتش يعني. اغمض عيناه مستمتعًا برائحتها
-وحشتيني فمقدرتش اتأخر عنك ياروحي
أطلقت ضحكة ناعمة ثم تحدثت بنبرة عاشقة.
-حبيبي البكاش هعمل اني مصدقاك. أدارها لوجهه واضعا خصلة متمردة خلف أذنيها
-وحياة جنى عندي بتوحشيني وأنتِ في حضني
خرجت من أحضانه، متجهة الثلاجة
-طيب ياله يابكاش علشان ناكل. سحب كفيها وقام بإطفاء الموقد، متجهًا للداخل
-لأ حبيبي انا عازمك على العشا. وصل لغرفة النوم، ثم أشار على الفراش
-تلبسي دا وتجهزي هستناكي تحت. تحرك ثم تراجع قاىلاً
- فيه شال متنسهوش علشان الفستان مكشوف لحد ما نوصل لمكنا.
اومأت مبتسمة، ثم اتجهت لمرحاضها بعدما خرج
انتهت بعد قليل وتحركت للأسفل. وجدته يقف يواليها ظهره
شعر بخطواتها. اغمض عيناه وهو يتخيلها بذاك الرداء الذي ابتاعه لها خصيصا، كيف سيكون على جسدها الأنثوي الممشوق.
همست بإسمه بثغرها الندي المطلي باللون الأحمر القاني. استدار بنصف جسده وهو يضع كفيه بجيب بنطاله. بدأ يتجول بأنظاره على منحانيتها التي ظهرت بإستفاضة على ذاك الرداء الأحمر الناري. ارتبكت من نظراته حتى أوردت وجنتيها فأشاحت ببصرها عن نظراته الأختراقية بها، تحرك بخطى سُلحفية ومازالت عيناه الثاقبة تخترق جسدها. وصل أمامها واقترب منها حتى جعل أنفاسها ترتفع من رائحته التي تسللت لرئتيها، التمعت عيناه ببريق عشقها الخاص، حاوط أكتافها ورفع ذقنها يتلمس كرزتيها التي اذهبت عقله فدنى يعزف عزفا منفرد لا ينصت إليه سواها.
جذبها لأحضانه يهمس لها
غرامك شق صدري مهلكتي
حاوطت عنقه ورفعت عيناها: -شكل حبيبي عامل مفاجأة
عانقها بنظراته وانفاسه تلفح بشرتها البيضاء بحمرة لذيذة. رفع إصبعه يتحسس وجنتيها
-كنت بفكر في كدا، بس التفاح بيغريني. ضيقت عيناها متسائلة: -يعني إيه؟
يعني كدا. قالها عندما انحنى يبعثر قبلاته على ثغرها
دفعته محاولة التنفس، بدأت تلهث من انفاسها المتقطعة، لكمته
-عايز تموتني، قهقه عليها بصوته المرتفع فغمز لها.
-نفسك قصير ياروحي، ممكن نشوف حد نفسه طويل. توقفت فجأة، ولا تعلم لماذا شعرت بوخز بقفصها الصدري رغم أنه تحدث بها بمزاح
بسط كفيه متحركًا: -ياله ياقلبي. تابعت الطريق بخطوات واهنة وساقين هلامتين لا تعلم لماذا تحول جسدها بتلك الطريقة بعدما كانت تضج بالسعادة
-مالك حبيبتي وشك اتخطف كدا ليه؟
رسمت إبتسامة ونظرت أمامها: -مفيش حبيبي. ايه هنروح فين. سحبها لحديقة المنزل بالخلف، تطل على الشاطئ.
وصلت لذاك المكان المزين بلأنوار الخافتة بالشموع الحمراء ذات الرائحة الخلابة
توقفت تنظر إليه بسعادة، بعدما وجدت اسمها بالورود الحمراء، يوضع بقلبًا احمرًا
عانق ذراعيها وشبك أناملها
وتحرك بين القلوب الحمراء
والتي انطلقت منها أشعة نارية، فجأة استمعت إلى أصوات نارية تطلق بالسماء بألعاب نارية واسمها ينير بسماء المكان بجواره اعشقك يامن اختلتي ميىزان نبضي
دمعة انسابت على وجنتيها.
فاستدارت تحتضنه ثم رفعت نفسها وهمست فوق ثغره
- بحبك. هنا حبس نفسه داخل صدره ضاغطا على اعصابه متحكمًا في سيل مشاعره الجامحة بها
-شكرا حبيبي، شكرا على كل حاجة حلوة. قطع أنفاسها بحركة اجفلتها وهو يحتضن ثغرها لحظات ثم فصلها
و تحرك بها إلى منضدة مستديرة، بها بعض الأطعمة التي يحبونها، وبجوارهم موسيقى الطرب العربي لكوكب الشرق ام كلثوم.
جذب مقعدا واجلسها ثم اتجه لمكانه المخصص، وجلس بمقابلتها يتناولون وجبة غذائهما على إيقاع الموسيقى العربية النابض بعشق قلوبهما
نصب عوده مغلقًا بدلته الرمادية التي أظهرت لون عيناه باستفاضة حتى جعلتها تتغزل به قائلة: -ياترى العيون الحلوة دي ناوية على ايه تاني. قالتها وهي تتمايل معه على نغم الموسيقى الهادئ
شدد من إحتضانها وبأنفاسًا تمر على شفتيها همس قائلا: -بتعاكسي عيوني، ولا بتعاكسيني شخصيا.
ابتسامة مع عيونا لامعة تحدثت: -تفرق. اومأ برأسه وهو يتمايل بها قائلا: -أكيد طبعا. ضيقت عيناها متسائلة
-والفرق ياحضرة الظابط
انحنى يهمس لها
-الفرق إن عيوني مش شايفة غيرك، إنما لو بتعاكسيني هقولك برضو مش شايف غيرك
أطلقت ضحكات ناعمة جعلت قلبه يتقاذف بين ضلوعه حتى كادت تصيبه بالتوقف
رفعها من خصرها حتى أصبحت بمقابلته
-جنجون عشق الجاسر. خللت أناملها وسط خصلاته تبعثرها بفوضية وهي تقهقه بصوت مرتفع.
وجنجون بتعشق جاسرها
ابتسم برضا من كلماتها ثم سحبها متجها للمكان الذي خصصه لجلوسهما
قام بنزع جاكتيه ووضعه على المقعد، ثم جلس وفرد ذراعه لها
جلست بأحضانه، ازال وشاحها فتطايرات خصلاتها البنية حول عنقها، أصبحت أمامه كحورية خرجت من البحر. لما لا وهي حورية بحر عشقه
رفع خصلاتها بكفيه يداعبها حتى تطايرت على وجهه. ابتسامة عاشقة وهو يطالعها بنظراته يود أن يخترق صدره ويخفيها بداخله.
اقترب يجمع بعضها خلف اذنيها وتحدث وعيناه تحاوطها: -فاكرة زمان في الإجازة الصيفية لما كنا بنروح الغردقة. وضعت رأسها على كتفه وابتسامة على ماضي قد سحقته الذكريات. أومأت برأسها
-كانت ايام جميلة اوي، رغم اني من أعداء السفر، لكن كنت بحب الأجازة علشان مقالبنا في بعض. داعب أنفها
-على أساس أن المقالب مكنتيش انتِ وروبي بتعملوها. تمسحت بصدره وابتسمت على مزحاتهم
رفع ذقنها وبحر بعيناه.
-بس كنت ببقى فرحان اوي، كنت بتمنى نفضل صغيرين علشان محدش يبعدنا عن بعض. ورغم محاولات بابا وعمو بالحدود إلا أننا تخطينا الحدود ياروحي
لكزته وارتسم الخجل داخل مقلتيها
-اتلم ياجاسر، احنا بنتكلم على الطفولة ياشيبوب
قهقه حتى لمعت عيناه يضمها بقوة يكاد أن يدخلها لصدره قائلا: -اهي شيبوب دي بعشقها، من زمان اوي بطلتيها
صمتت تطالعه لبعض الوقت ثم تحدثت:.
-معرفش اتخنقت من الاسم وكنت بضايق لما عز كان بيناديك بيه، رغم أننا بنلعب بس كنت حاسة بوجع
احتضن وجهها ثم طبع قبلة فوق رأسها
-مجرد ذكريات ياحبي، تمدد وجذبها لصدره
-بصي في السما، شوفي روقانها وصفائها والنجوم محاوطها ماأجمل صنع الله. اعتدلت تنظر له
-بتوه على الموضوع
ارجعها لأحضانه مغمض العينين ثم تحدث: -جنى مش عايز افتكر حاجة غير إنك جوا حضني وبس، حتى طفولتنا مش عايز افتكرها
اندست داخل أحضانه.
-بحب كل وقت وانت معايا فيه، رفعت عيناها تنظر إليه
-انا الأول مكنتش بهتم، لكن بعد ماقلبي دقلك بقيت اجمع كل ذكريتنا مع بعض. وضعت رأسها في عنقه
-مكنتش اتوقع هنام النومة دي في حضنك، حركت أناملها على وجهه واستأنفت: -ولا ألمسك كدا، حقيقي كانت أعظم امانيا اقعد جنبك وريحتك تداعبني بس
تنهيدة عميقة غادرت ضلوعه ليقول بأسى
-آسف، آسف ياجنى، اعتدل متكأ على مرفقيه.
-وعد عمري ماهبعدك عن حضني حتى لو جيتي في يوم وانت رفضتي
-ومين قالك انا ممكن ارفض حضنك ياجاسور، تلاعبت أناملها بزر قميصه ثم رفعت نظرها
-تفتكر بعد العذاب دا كله ممكن ارفض حضن جاسور
كانت عيناه ترسم جمالها البهي للقلب والعين، تحسست وجهه وأكملت
-أنا بحبك اوي، واعرف قدري مرتبط بيك ولو بعدت عنك هموت، ممكن ممتوش الموت اللي في دماغك، بس قلبي هيموت ويبقى جيفة ياجاسر.
اتسعت عيناه بحبور، فصمتت الألسنة وتعانقت نبضات القلب فانحنى يعزف سيمفونية لعاشقة الروح، ظل لبعض الوقت واحاديثهم التي تواصلت لربط الماضي بالحاضر
حتى شعرت بالنعاس
نصب عوده وتوقف يسحب كفيها ويضع وشاحها على أكتافها العارية، ثم خلل أناملها وتحرك للداخل. ليعقد لها حفلة خاصة من نوع آخر
بعد شهر
جلست بإنتظاره بعدما أنهت زينتها، استمعت إلى رنين المنزل، توقفت متجهة لفتح الباب.
توقفت مذهولة وهي ترى فيروز متوقفة وضحكة سخرية على شفتيها
-مبروك ياخرابة البيوت. تحركت بخطواتها العنجهية وهي تحاوط المنزل بنظراتها ثم تحدثت مستخفة
-دي بقى مملكتك اللي بيقول عليها جاسر. تحركت ترمقها بسخرية
-ايه ياعروسة هتفضلي واقفة كدا، ايه مش ترحبي بضرتك. انعقد لسانها وتاهت مفرادتها تردد داخل عقلها كلماتها، شعرت
بهزة عنيفة أصابت جسدها فهمست بتقطع
-بس إنتِ مش ضرتي، جاسر طلقك.
تراجعت فيروز تدور حولها وارتفعت ضحكاتها
-ماهو دا اللي فهمهولك، معقول ياباشمهندسة، دا إنت ذكية، معقول الحب اللي حارب الكل علشانه يتنسي بسرعة كدا
دنت تهمس لها
-أنا لسة مراته، وحياتك عندي، ولو مش مصدقة. اه لحظة، قامت بإخراج وثيقة الزواج وأشارت لها
-مش دا حبيبك اللي كنت هتموتي علشان اتجوزني، وضعت ابهامها على ذقنها وتحدثت.
-اه. تؤ تؤ. جنى كانت بتحبه وهو اختارني انا وحبني انا، وطبعا بما هو اللي الكبير فكان لازم يتجوز البنت اللي حاولوا ينهشوا في لحمها
جلست تضع ساقًا فوق الأخرى ولوحت بكفيها
-علشان حاجتين الاولى يكون مثالي قدام العيلة، ويكون جميلة لعمه، اهو اتجوز بنت اللي حاولوا يغتصبوها
والثاني توقفت تطالعها بصمت وهتفت
-انك تخلفيله بيبي، ضربت على رأسها وتحدثت
-اصلي نسي يقولك مينفعش اجيب ولاد.
تسمرت كالجماد وكأن حديثها من السهام المسمومة هزت كيانها وزلزلته حتى جعلت أنفاسها تتثاقل شيئا فشيئا
لم تتحمل المزيد من قسوة كلماتها التي تحولت لألم ينهش بجسدها كحيوان مفترس فهتفت بقوة
-كذابة. واحدة كذابة وخسيسة، هستنى منها ايه
نهضت فيروز وابتسامة سخرية ترمقها بها ثم استأنفت
-هأكدلك كلامي علشان تعرفي الكدبة اللي عايشاها. اقتربت منها تتعمق النظر بمقلتيها
-طبعا عايزة تعرفي ليه جيت دلوقتي.
أشارت على قلبها وتحدثت بنبرة صادقة
-علشان هنا نار من بُعده، من وقت مااتجوزك نسيني، وبقى يقرب منك اكتر مني، مبقتش متحملة لدرجة كرهت العيال وقررت اخليه يطلقك وراضية بقضاء ربنا. لكن طبعا ابن عمك رفض، وقال عايزة تصغريني قدام عمي وبابا
مينفعش ابعد عن جنى
انسابت عبراتها بصدق واقتربت تحتضن كفيها التي أصبحت ببرودة الموتى.
-جنى أنا ماليش غير جاسر، انما انتي عندك فرص لو سمحتي ابعدي عن حياتنا، بلاش تصغريه قدام العيلة
-امشي اطلعي برة. قالتها جنى بقلبًا يئن الما
ظلت متوقفة لبعض الوقت ثم تحدثت: -أنا عارفة انك مصدومة، بس دي حياتي وجوزي وحبيبي ومستحيل اتخلى عنهم حتى لو وصل بيا الحال اموتك، دا جوزي وحبيبي قبل ماحضرتك تخطفيه
-برة. قالتها بقوة رغم هشاشة قلبها الذي تفتت اربا
هاكدلك كلامي. قالتها ثم تحركت للخارج.
أحست بأن قوتها خارت وسيقانها لم تحملنها، حاوطت احشائها عندما شعرت بألم بأسفل بطنها
تعكزت على أحد المقاعد بوهن وألم يصعب تحمله. حتى خارت قواها وانسابت عبراتها مرددة
-لأ. مستحيل دي كدابة، جاسر بيحبني، لا مستحيل يدبحني بالطريقة دي
لفت ذراعيها تحاوط احشائها مرددة كالمجنونة
-لأبيحبني، هو مش مخادع كدا. أمسكت هاتفها بيد مرتعشة وهاتفته. كان متجها لسيارته.
-حبيبي انا عشر دقايق وأكون عندك، صمت متذكر شيئا ثم تحدث: -آسف ياجنجون عندي شغل مهم هنأجل مشوارنا ساعة كمان. سلام حبيبي
ذهلت من مهاتفته، وهو لم يستمع حتى لها، أغلق الهاتف قبل حديثها
جلست كالتائهة والمغيبة عن عالمها، صوره قديما مع فيروز تصفعها بقوة
نهضت كالمجنونة: -أيوة كان بيعمل معاها زي مابيعمل معايا، ازاي كنت غبية لدرجة دي
أطاحت كل ما قابلها بصرخة خرجت من جوف آلامها.
-لييييييه! ليه يابن عمي تدبحني بالطريقة دي. استحوز عليها شيطانها بالكامل. فهوت تلتقط أنفاسها بصعوبة: -لأ. مستحيل، انا لازم اسمعه، ماهو دا ابن عمي، مستحيل يكسرني كدا، مر بعض الوقت ووصل اشعار لهاتفها برسالة فتحته وإذا بها تنصدم مما رأت تسمرت بجلستها حتى شعرت بتوقف اعضائها وهي تراه بأحضانها. ذهب بصرها لثيابه الملقاه على الأرض، ونومها على صدرها.
أغمضت جفونها ورجفة أصابت جسدها حتى شعرت بالأختناق، حاولت الوقوف ولكن كيف وكأن جسدها يعوق حركاتها وكأنه أصيب بشلل كامل
دقائق حاولت وسيطرة على كيانها نهضت متوقفة وتحركت بتخبط، إلى أن وصلت سيارتها
وصلت بعد فترة، بأصابع مرتعشة ضغطت على زر جرس المنزل. فتحت الخادمة وأشارت لها بالدخول
وقفت متصنمة وهي تراه يغلق زر قميصه، همست بإسمه. استدار ينظر إلى وجودها بصدمة، بخروج فيروز بثياب الحمام.
-حبيبي جهزتلك الحمام. ارتسم الألم داخل مقلتيها وهي تطالعه بصمت، وقفت كعصفور مبتل يرقص على اوتار صاعقة كهربائية. دنت منه بشحوب وهمست بتقطع: -ليه. زوى مابين حاجبيه
وهتف
-جنى إنتِ فاهمة غلط. رفعت كفيها ورفعته فهوى متساقط على وجنتيه، ثم استدارت متحركة بخطوات متعثرة وروح متمزقة تنزف بصمت، وصلت إلى سيارتها هنا انسابت عبراتها وارتجف جسدها كالذي اصابه حمى
بالأعلى
امسك فيروز يضغط على رسغها بعنف.
-اصبري عليا بس، صدقيني هحولك حياتك لجحيم. عقدت ذراعها وهتفت غاضبة
-ليه انا عملت ايه، ماانا كنت معاك، مالي انا بيها، يمكن كانت مراقبك ياحبيبي
دفعها بقوة حتى سقطت على الأرضية ثم انحنى يجذبها من خصلاتها
-للمرة المليون اتغابى في التعامل معاكي، حاولت اخليكي بنأدمة لكن دمك قذر وعمرك ماهتنضفي، انتِ طالق بالتلاتة، طالق. طالق، ضغط على كفيها. وتحدث بفحيح.
-اقسم بالله لأخليكي تكرهي نفسك، ويبقى قابليني لو اتوظفتي يامدام
قالها ثم دفعها بقوة حتى اصطدم رأسها بالمقعد ينفض كفيها كأنها عدوة
-حقييييرة صرخ بها مسرعًا خلف جنى. اعتدلت سريعا تهاتف والدتها
-ماما لازم أسافر حالا، اتصرفي واحجزيلي اول طيارة على امريكا، جواد الألفي اكيد هيجي بسرعة ياماما. ضيقت والدتها عيناها
-ليه عملتي ايه. ابتسمت بنصر واجابتها
-بعدين، المهم لو سمحتي لازم أسافر بسرعة.
بمنزل جاسر
ترجلت من السيارة متجهة للداخل تتخبط بسيرها حتى كادت أن تسقط، لا تريد سوى الأختلاء بنفسها، هي الآن طفلة ضائعة عاشت كابوسا مؤلمًا للغاية حتى كرهت النوم من أثره.
دلفت للداخل هنا انهارت حصونها بالكامل واستسلمت لانهيارها فجثت على الأرضية ووانسابت عبراتها بخناجر الطعن والغدر. صرخة من أعماق روحهها تلكم الأرضية وشهقات مرتفعة تقطع نياط قلبها. ولج للداخل مطأطأ الرأس وضميره يصفعه بقوة، تحرك إليها وكأنه يتحرك على نيران تحرق أقدامه بقوة
جنى. همس بها. أزالت عبراتها ونهضت تنظر إليه بدموع الخذلان
اقترب وتحدث بنبرة متألمة: -جنى الموضوع مش زي ماانت متخيلة، هو.
وضعت كفيها أمام وجهه وتسائلت من بين عبراتها
-سؤال واحد وبس
-إنت رجعت فيروز تاني، يعني بقت على ذمتك، اتجوزتها بعد جوازنا
-جنى اسمعيني. صاحت صارخة وكأنها تحولت للجنون
-جاوبني وبس
-رجعت فيروز لعصمتك بعد مااتجوزتني. أومأ برأسه وفتح فاهه للحديث
دفعته بقوة تحطم كل ماتطوله يداه
-كذاب، مخادع، واحد كذاب وخاين. اقترب منها محاولا السيطرة على ثورتها الغاضبة
صرخت مبتعدة عنه تدفعه بكل قوة.
-اتجوزتني علشان تجيب عيال، اخدت بنت عمك لنقص في مراتك، دوست على بنت عمك علشان تعيش سعيد مع حبيتك. اقتربت منه كالذي مسها مسًا جنونيا
-دبحتني. دبحتني ياجاسر. انت مين، رد عليا وقولي انت مين. مش معقول تبقى تربية جواد الألفي بالحقارة والندالة دي
اقترب يجز على أسنانه
-جنى. بتغلطي. دفعت المقعد بوجهه وصرخت به
-مش عايزة اسمع صوتك، اخرص
اقترب وحاوط جسدها بذراعه
-اهدي وبطلي جنان، مفيش حاجة حصلت لدا كله.
ركلته بقوة متأوه
-إياك تلمسني تاني، ابعد عني متخلنيش اكره نفسي اكتر من كدا. دنت تغرز مقلتيها بعينيه
-هستنى من واحد زور لبنت عمه وخلاها مغتصبه، . انت ايه ورا وشك البرئ قذارة. ودلوقتي لو ينفع اتبرأ من شخص ذيك هعملها
احس بضلوعه تتهشم وكأن أحدهم صعقه بصدره حتى تفتت عظامه
نظرت لمقلتيه وانسابت عبراتها
-اتجوزتني علشان تخلف ياجاسر، أشارت على نفسها متألمة.
-تحرق قلبي علشان انت تعيش، لدرجة دي مهونتش عليك، دا العدو مكسرنيش كدا
لكمته بقوة وهي تشعر بانسحاب أنفاسها
-قولي صح ولا لأ
احس هنا بأنه طائر ذبح عنقه ولم يعد لديه القدرة على شيئا فأجابها قائلا بنبرة حزينة
-مش انت مقتنعة بكدا يبقى اه
رفعت بنيتها التي تحولت بنيران كقعر جهنم وهمست.
-اه. ارتعش جسدها وإرادت إحراقه ولكن كيف ومازال قلبها ينبض له، استدارت دون حديث فيكفي لها ماصار، تحركت بقلبًا ينتفض من الألم. وصلت إلى غرفتها وألمًا يغزو جسدها ويحرق قلبها. نظرت حولها بضياع وذكرياتهما هنا بذاك المكان الذي كتب عليه بنبض قلوبهما جنة عشق الجاسر
أمسكت المقعد وباقصى قوة لها دفعته بالمرآة صارخة
-كذب. كله كذب، كذاب وخاين ومخادع
ااااااهة حارقة صرخت بها تريد من الله أن يزهق روحها.
ذهبت ببصرها لتلك القداحة التي توضع على الكومودو
ولم تفكر إلا بشيئا واحد وهو هروبها من تلك الحياة المأسوية لعل الله يكون رحيما بها
عند ربى
تغفو على الشازلونج امام المسبح، تغمض عيناها وكفيها على احشائها تستمع للموسيقى. وصل إليها وعلى حين غرة حملها متجها إلى سيارته وهي تحاول الفكاك من قبضته
وضعها بالسيارة واقترب يضع محركة على أنفها حتى خارت قواها وذهبت بنومها ابتسم عليها.
ثم اقترب وهي بين حالة الوعي واللا وعي
همس من بين أنفاسه
-ابوكي عامل عليكي كرديون من الحرس، ميعرفش اني ممكن احرق كل اللي. يقرب منك. قالها وقام بتشغيل المحرك متجها لخارج حي الألفي.
↚
خرجت غزل تنتظر زوجها أمام المسجد النبوي بعد قضاء صلاة العصر، وصل إليها، تحرك باسطًا كفيها
-خلصتي حبيبتي. أومات برأسها وتحركت بجواره
توقف يطالعها متسائلا: -مالك ياغزل؟
وضعت كفيها على صدرها وتحدثت بنبرة متألمة: -معرفش حاسة بوجع بقلبي ياجواد، ربنا يستر، حاسة فيه حاجة هتحصل وحشة
ضمها من أكتافها وتحرك بجوارها
-إن شاءالله خير حبيبتي، تعالي ناكل حاجة ونرتاح شوية وبعد كدا نكلم الولاد
هزت رأسها رافضة حديثه.
-اتصل بربى ياجواد قلبي وجعني، مكنش المفروض نسبها في حالتها دي
باغتها بنظرة مطولة ثم هز رأسه بالنفي: -مش دلوقتي ياغزل، لازم نبعد عن الولاد، لازم يتعودوا على نفسهم، رغم اني عارف مصايب ابنك بس سايبه يتعامل مع الموقف بنفسه، لسة في بداية حياته، لازم يقوى بكرة يكون اب ولازم يتصرف بحكمة
وضعت رأسها بكتفه وانسابت عبراتها.
-قلبي وجعني عليه اوي ياجواد، رغم عارفة بحب جنى له بس خايفة لو عرفت أنه رجع فيروز ممكن تعمل ايه
سحب كفيها وعقله يتضارب بقوة، ورغم ذلك أجابها:
-أنا معاها للأخر ياغزل، عايز اشوف آخرها ايه، وجاسر مغلطش في اللي عمله، غلطه الوحيد أنه مأخدش رأي مراته، بس أنا عارف عمل كدا ليه
وصلوا لغرفتهم بإحدى الفنادق. ولجت ثم سحبت حجابها وألقته تحاول أن تأخذ أنفاسها.
-أنا بقولك كلم الولاد ياجواد لو سمحت. اومأ لها يحتضنها عندما وجد شحوب وجهها. جلست على الفراش تدلك صدرها بهدوء قائلة: -شغل التكييف الجو خنقني اوي. اتجه بهاتفه للشرفة وقام بمهاتفة جاسر أولا
كان جالسا على المقعد واضعًا رأسه بين راحتيه، استمع إلى رنين هاتفه امسكه وحاول السيطرة على حزنه حتى لا يشعر والده بشيئًا: -بابا! تنفس جواد بهدوء فهو يشعر بثقل بصدره ولكنه اعاده بسبب آلام قلبه.
-عاملين إيه يابابا. حمحم جاسر وأجابه: -الحمد لله كويسين، ماما عاملة إيه
-كويسة. اتجهت غزل إليه وأخذت الهاتف
-حبيب ماما اخبارك ايه ومراتك عاملة إيه
كور قبضته فقلبه يئن على ماصار بينهما، نهض متجها لحديقة منزله عله يستطع التنفس، كأن احدهم حاوط عنقه بقيدا من نار ليشعر بنيران تغزو رئتيه. توقف ينظر للشجر حوله ثم سحب نفسا وزفره على عدة مرات: -كويسين ياست الكل، المهم صحتك عاملة ايه، وبابا عامل إيه.
نظرت إلى جواد وابتسامة زينت روحها قبل وجهها وأجابته: -احنا كويسين ياحبيبي، خلي بالك من نفسك ومن مراتك
أغلقت معه بإبتسامة ثم وضعت رأسها بصدر زوجها قائلة: -كان لازم اطمن ياجواد.
مسد على خصلاتها ثم طبع قبلة على رأسها
-ولا يهمك ياروح جواد، قام الاتصال على أوس
-أيوة حبيبي.
-عاملين إيه يابابا، ومراتك وروبي
اجابه بابتسامة مستئذنا الحضور ونهض متجها لشرفة مكتبه.
-بابا أنا في اجتماع حبيبي محبتش افصل الاتصال علشان متقلقش، احنا كويسين، وروبي خرجت النهاردة راحت الجامعة، ورجعت البيت ولعبت مع خديجة كمان، يعني متخافش عليها، وطلبت من طنط علية تعملها محشي، قال عايزة تاكل محشي بفراخ مشوية
قهقه جواد وهو يضغط على ذراع غزل التي ابتسمت بعد سماعها حديث أوس
-خلاص ياحبيبي، هسيبك تشوف شغلك، وهكلمك بالليل
رفع ذقنها بعد إنهاء الاتصال.
-بنتك قادرة والله ياقلبي، هتخلي عز يركع قدامها
حاوطت خصره تضع رأسها بأحضانه
-مفترية زي باباها لما كان بيعاقب امها
تراجع مبتعدا يرفع رأسها ثم نظر إليها: -لأ والله، انا كنت مفتري، طيب ياستي المفتري دا جعان هناكل ولا نكلم بناتك
هزت رأسها وابتسمت
-لأ خلاص، انا كلمت غنى الصبح، وروبي أوس طمنا اطلب اكل حبيبي
عند عز وربى
حملها متجهًا بها لداخل منزل غزل في المزرعة.
وضعها على الفراش، ثم قام بنزع حذائها، ظل يتأمل ملامحها لبعض الدقائق، لقد اشتاق إليها حد الجنون. اتجه إلى الخارج، يضع الأشياء التي جلبها، وقام بإعداد وجبة طعامها حتى تفيق، ابتسم عندما تخيل رد فعلها
نظر للسكين الذي بيديه، وحدث حاله: -عارف لو مسكتك ممكن تموتني فيها، لازم اخبيكم، قالها بإبتسامة
وضع الطعام على سرفيس، ثم نظر بساعته واتجه منتظر إيقاظها.
قام بخلع قميصه، ثم اتجه من الجانب الآخر من الفراش، وتمدد بجوارها عندما غلبه النعاس، جذبها لصدره يستنشق رائحتها ويملأ رئتيه، ضمها بقوة حتى اختفت بأحضانه.
بعد دقائق معدودة فتحت عيناها وثقل برأسها سيطر على جسدها حتى دفنت رأسها مرة أخرى بصدره عندما فقدت اتزانها وكأن جسدها شُل بالكامل، والنوم يداعبها بقوة، حاولت لمرات السيطرة من غمامتها ولكن حملها لم يساعدها حتى أغلقت عيناها مرة أخرى وكأنها تحلم به، جسدها المرهق وحالة السكر التي تعرضت لها جعلتها غير متنزة حتى دفنت نفسها بالكامل لتذهب بسبات عميق
بالكلية الحربية
اتجه له أحد الأصدقاء.
-حمدالله على السلامة ياحضرة الظابط
ابتسم لصديقه وحضنه
-الله يسلمك ياكريم، عملت ايه في الكام يوم
ضحك كريم متحركا يضع المنشفة حول عنقه
-من غيرك مكنش حلو، المهم انا هنزل بكرة، وكويس هحضر خطوبة اختي
-مبروك يابني عقبالك.
ضحك كريم بابتسامة
-بدور على عروسة مش عندك عروسة
كان يرتب اشياءه فرفع رأسه وتسائل
-بتتكلم جد يابني، هتتجوز جواز صالونات
قفز من فوق مخدعه وتوقف بجواره.
-إنت بتأمن بالحب. هنا تذكر ياسين ليليان، فتنهد بحزن وهز رأسه قائلًا: -مفيش حاجة اسمها حب ياكريم، بس برضو دي شريكة حياتك المفروض انت تختارها حتى لو بالعقل
دقق النظر بعيناه فتسائل: -ياسين انت حبيت قبل كدا، أغلق الخزانة بعنف واستدار إليه هاتفًا بغضب: -ممكن منتكلمش في حاجات شخصية كدا، قالها وجذب منشفته بعنف متجها للمرحاض
توقف كريم ينظر لسراب خطواته فحدث حاله
-شكلك انضربت بقلبك يابن الألفي.
بمنزل جاسر
قبل قليل أنهى اتصاله، وولج للداخل متجها إلى المطبخ، يبحث عن العاملة
-هي راحت فين دي كمان، تحرك متجها لأعداد فنجان قهوة، توقف أمام الموقد، ودموعها وحديثها الذي مزق صدره، لقد تضاعف الألم بقلبه.
جلس لبعض اللحظات محاولا أن يهدأ حتى يصعد ويحاورها بهدوء، ولكن كرامته منعته بالذهاب خلفها، كيف تطعن به وهي تعلم بكم عشقه لها، قلبه ينبض بعنف يكاد يخرج من بين ضلوعه، يريد أن يضمها بقوة حتى يهشم عظامها بين ذراعيه ليعلمها كيف يكون العشق، كيف لكِ حبيبتي أن تشكِ بعشقي لكِ وانا سلطان الغرام الذي قدم لكِ الولاء والطاعة.
من بين أنفاسه الملتهبة وقلبه المحترق بعذاب عشقها نهض بعدما ضرب كل شيئا عرض الحائط؛ تمرد قلبه على عقله وكرامته وصعد إليها ليعاقبها بأشد العقاب وهو سحقها بين ذراعيه. تحرك لبعض الخطوات ولكنه
استنشق رائحة دخان بالمنزل، نظر بأرجاء المنزل ولكن لم يكن شيئا
نظر للأعلى بذهول وكاد قلبه يتوقف عندما وجد الأدخنة تخرج من غرفته.
هنا شعر بإنهيار عالمه وهو يشعر بأن أصابها مكروه. صعد كالمجنون يدفع الباب بكل قوته، ركل الباب يصرخ بها: -جنى. افتحي الباب، جنى حبيبتي افتحي ياعمري. صرخة باسمها هزت جدران المنزل وهو يدفعه كالمجنون
بحث بالمكان عن شيئا، وكأن عقله توقف ولا يعلم ماذا عليه فعله.
قلبه ينبض بعنف، وجسده يرتجف، نظرات ضائعة معذبة صرخ وصرخ يدفع الباب بكل ما لديه من قوة هنا تذكر شيئا، هرول إلى سيارته، النار بالداخل اشتعلت بكل شيئا. قبل قليل
بالداخل
جلست تحتضن نفسها وعبراتها كزخات المطر كلما تذكرت قربه من غريمتها، اليوم ذُبحت بسكينا بارد على يديه، يد الذي وهبته كل حياتها. زفرات بنيران متقدة وكأنها تخرج من قلبها.
بدأت النارتحاوطها من كل مكان كانت تطالعها وكأنها بعالم آخر، نظرات بارد للنيران وكأن الذي يحاوطها ليست نيران، ورغم إنها بدأت تلتهم كل شيئا يقابلها، وازدادت ألهب الشهب حولها، وضعت رأسها على الجدار تراجع ذكرياته معها، منذ طفولتهما حتى تلك اللحظة التي هشمتها، انسابت عبراتها وهي تنتظر تلك اللحظة الفارقة لتبتعد عن كل شيئا، لما لا و اليوم فقدته، وبعد فقدانه سُلبت روحها، لم يعد لديها قدرة لتحارب أو تتعايش مع ذاك الألم وهو ابتعاده وامتلاك أخرى له.
ألم الخيانة ينخر بعظام جسدها، ويفتت قلبها، اختنقت من رائحة الدخان المنبعثة التي حاوطتها بالكامل حتى اقتربت النيران من جلوسها. أخذ الألم يسكن روحها
بشفتين مرتجفتين وعينان ذائغة همسات اسمه.
-جاسر. قالتها وشعورها بغمامة سوداء تحاوط جسدها، ظلت تهمس اسمه على صوت صرخاته بالخارج. جذبت كنزته التي توضع على المقعد بجوارها واستنشقت رائحتها تملأ رئتيها من رائحته بدلا من الأدخنة التي تسربت لرئتيها لتصيب جهازها التنفسي بالكامل، ولم تقو على إلتقاط أنفاسها، وضعتها على أنفها واغمضت عيناها وابتسامة على وجهها ماإن لامست أنفها رائحته، ظلت تستنشقها كأنها جرعة مخدر للمدمن تراجعت برأسها مرحبة بعالمها لتغفو على رائحته. وصل وبيديه سلاحه ثم أطلق رصاصته لتخترق باب الغرفة ويفتح اخيرًا.
وقف مشدوها يتمزق قلبه من حالتها، هرول إليها يضمها لصدره
-جنى حبيبتي. جنى افتحي عيونك ياقلب جاسر. لا يعلم أي جرم ارتكبه ليؤذيه الله بها. استغفر الله عدة مرات فحملها واستدار ليتحرك ولكن أشعلت الغرفة بالداخل والنار تلتهمها كما تلتهم سنابل القمح
بدأ يسعل بشدة والدخان الممزوج بالخوف يسد مجرى تنفسه، سيطرت النار بالكامل تلتهم المكان حوله كالوحش الضاري، وألسنة الألهبة خرجت حتى وصلت النافذة والشرفة.
وقف بمقلتين تغشاها الدموع وقلب تهشم بالعجز وهو يرى النيران تأكل كل مايحاوطه، جاهد عجزه وسيطر على ضعفه ثم ضمها بقوة كأنه يحميها بصدره يحاوطها بذراعه لتبتعد عنها النيران. يحميها كالقلعة الحصينة التي تحمي جنودها من الأعداء، انتفض بزعر عندما فقد التنفس والرؤية وهو يحاول أن يجد مخرج بها، انسابت عبراته رغما عنه عندما شعر بأنه كطائر مكسور الجناح داخل قفص حجز بأغلال مصفدة.
تراجع متجها إلى الشرفة كل مافكر به إنقاذها من تلك النيران، انبعثت الأدخنة بقوة حتى اذاد سعاله وفقد الحركة، واحس بالدوار وكأن أحدهم ألقاه بعصا غليظة، ورغم ذلك لم ييأس، دفع تلك الستارة التي اشتعلت بالكامل حتى هوت على الأرض
وصل المسؤولون عن حديقته وكذلك حارس المنزل عندما وجدوا ألهبة النيران. رفع قدمه وركل الزجاج حتى تناثر بالأرجاء
نظر للأسفل المكان ليس الأرتفاع الشاهق ولكن يرتفع بعض الأمتار.
وصل حارس منزله يصيح باسمه. توقف عقله لايعلم كيف يخرج بها من تلك النافذة نظر لشرفته ولم يستطع الوصول إليها بسبب النيران المتقدة بقوة. صرخ على الحارس.
شوف مرتبة بسرعة يااسماعيل، بسرعة صرخ بها عندما وصلت النيران لذراعه، تراجع بها ينظر لخصلاتها المتدلية حرك كفيه يجمعها حتى لا تصل إليها النيران، رغم حجز النيران بكفيه عنها نظرحوله بتيه لم يعد سوى مكانه الذي يقف به، وذاك الهواء المنبعث من النافذة لتعيد تنفسهما مرة أخرى.
أمسكت النيران بقميصه من فوق ذراعيه حتى شعر بإحتراق جزء من ذراعيه. النار شبت بقميصه من الجانب، أحتضنها بقوة وقفز بها يضمها بقوة حتى لا تسقط على الأرضية الصلبة، نزل بها على ركبتيه وذراعه أمانها حتى لا تصطدم بالأرضية، اسرع الرجل محاولا جذب قميصه من فوق جسده بسبب عدم اتزنه من قفزه، عندما وجد محترقًا من الجنب وبه بعض النيران.
. هرول إلى. المسبح بملابسه ليطفئ تلك النيران التي لسعت بعض من ذراعه. خرج من المسبح سريعا ينزع كنزته من فوقه بوصول أحد الجيران وتجمهم بعد نشوب النيران بالمنزل بالكامل، اتجه إليها يبعدها عن الجمع أحضر أحد من الجيران ثيابا ارتدى قميصا وحمل زوجته متجهًا سريعا لسيارته بوصول سيارة الإطفاء. وصل بعد قليل إلى المشفى، يصرخ بالمسعفين وشرح ماصار. بدأت الحروق تظهر على ذراعه، متألمًا، وصلت الممرضة إليه: -حضرتك مصاب ممكن تدخل قسم الحروق يرطبوا الجرح. هز رأسه رافضا وتحدث: -اطمن على مراتي الأول.
بحي الألفي
بحثت ياسمينا على جنى بالحديقة ولكنها لم تعثر عليها، توجهت إلى منزل صهيب
-عمو صهيب، رفع رأسه من فوق الجريدة ينظر إليها
-تعالي حبيبتي. فركت كفيها واقتربت منه
-روبي مش موجودة، بدور عليها مش موجودة في البيت كله
نهض مضيقا عيناه ثم تسائل: -مش فاهم يعني ايه روبي مش موجودة
هزت كتفيها
-كانت قاعدة في الجنينة ورحت اشوف خديجة رجعت مالقتهاش.
تحرك بجوارها
-دورتي كويس!
-دورت واتصلت ياعمو. كور قبضته عندما شك بابنه هو رآه يدلف من البوابة منذ فترة ولكنه لم يصل إلى آلان
امسك هاتفه وقام بمهاتفته
كان يغفو بجوارها يحجزها بجسده، فتح عيناه ثم اتجه ببصره لتلك التي تتشبث بثيابه
-تراجع برأسه يجذب الهاتف حتى لا يوقظها ثم قام بالرد
-بابا!
-روبي معاك ياعز. تملمت بنومها ثم فتحت عيناها عندما استمعت لصوته
-أيوة يابابا معايا.
تحرك متسائلا: -ازاي معاك يعني. استمع الى صرخاتها.
-أنا فين وجيت هنا ازاي، حاولت التملص من بين ساقيه ولكنه حجزها بذراعيه ثم أجاب والده
-مراتي واخدتها محدش له حاجة عندي، قالها واغلق الهاتف سريعا. ظلت تلكمه وتصرخ به
اعتدل يحاوطها بجسده ورمقها بنظرة مرعبة
-هسمع صوتك صدقيني هخليكي تحلمي بكوابيسي، انا لسة بتعامل معاكي بانك بنت عمي ومراتي، اتحملت إهانة للعالم كله، ودا مش علشان أنا مش راجل، علشان انا لسة باقي عليكي.
انسابت عبراتها على وجنتيها فهمست بشفتين مرتجفتين
-ابعد عني ياعز متخلنيش اكرهك لو سمحت. انحنى يضع رأسه بعنقها
-أنا مش هقدر على كدا ياروبي، ارحمي قلبي، عارف اني ظلمتك، وعارف انك اتكسرتي واتجرحتي مني، بس انا مش هقدر ابعد عنك اكتر من كدا، صدقيني عز بيموت ياروبي، رفع رأسه وسبح برماديتها
-ربى أنتِ الهوا اللي بتتفسه، يرضيكي تخنقيني، رفع كفيه يمسد على خصلاتها.
-على عيني ياقلبي اشوف دموعك دي، بس انتوا اللي وصلتوني لكدا
-عز لو سمحت اللي بتعمله دا غلط، لا بابا ولا اخواتي هيسكتوا، احنا مايقناش ننفع للبعض
هز رأسه رافضا كلماتها
-كذب. كذب ياروبي بتكذبي على نفسك. وضع كفيه على أحشائها
هنا فيه بذرة حبنا، هتحرميني منها ياروبي، هتقدري تبعدي ابني عني وتعيشي مع ابنك من غيري
حاولت الاعتدال ولكنه كان المتحكم الأكبر بجسدها.
-أنا طلقت البنت اللي اتجوزتها، دي بنت سكرتيرة عندي، ليها اخت مريضة حبيت اساعدها في مقابل تعملي خدمة اضايق جاسر، كنت عايز احسسه بالنار اللي جوايا، ورغم كدا مقدرتش يعيش الوجع اللي عشته، مستحملتش اخليكي تشوفيها وتتألمي، رغم أن جاسر عذب اختي كتير
-مكنش يعرف ياعز. لكم الفراش بجوار رأسها
-كان حاسس ياروبي، ماهو متقنعنيش أن الكل اخد باله وجاسر لا، دا حتى بابا قاله تعرفي رد قاله جنى اختي.
-اقنعيني ياروبي منين كان بيعتبرها اخته، ومنين هيموت الكل علشانها
انسابت عبراتها بقوة
-عز انا انكسرت من جوا، وانت اللي كسرتني، ماليش دخل بجاسر انت اللي كسرتني مش جاسر، رغم أن جاسر بيحارب الكل وانت بترميني جيت تساوم عليا
اقترب وتحدث بالقرب من شفتيها.
-مكنش قصدي أوجعك، هو فيه حد يقدر يوجع روحه ياروبي، اقترب يرتشف دموعها بعدما أطبقت على جفنيها وشهقات خرجت متألمة من جوفها مهتزة. ابعد ياعز، ارجوك متكهرنيش فيك اكتر من كدا
توقف عما كان يفعله، لقد أصبحت كلماتها كالسهام المخترقة لقلبه حتى تلألأت عباراته
-يااااااه ياروبي، لدرجة دي شايفة عز وحش أوي، كرهتيني ياروبي
نهضت بعدما ابتعد عنها، تدور بعيناها بالمكان.
-إنت خطفتني ياعز، خطفت بنت عمك. اقترب يحتضن وجهها بقوة
-انتِ مراتي مش واحدة من الشارع وخاطفها
صرخت به وهي تحتضن أحشائها
-عز من فضلك رجعني على بيتي
نهض من فوق الفراش وأشار على الطعام الموضوع
-عملتلك اكل، ياريت تهتمي بنفسك، متنسيش انك حامل. ومفيش خروج من هنا. قالها وتحرك للخارج.
بالمشفى عند جاسر. ولج للداخل، بخطوات مبعثرة مثل دقاته العنيفة التي تخترق صدره بقوة، وحزنه عليها حفر ثقوبًا داخل قلبه حتى مما أفقده شعوره بالنبض. وصل إليها وجلس بجوارها على المقعد، يحتضن كفيها ثم رفعه يلثمه
-هونت عليكي ياجنى، عايزة تموتي وتبعدي عني. ووخز كالمسامير يخترق صدره من مجرد فكرة ابتعادها عنه
انحنى يضع رأسه بصدرها وبدأت شهقاته بالارتفاع.
-ليه ياجنى، ليه تموتيني كدا، رفع رأسه يمرر كفيها على وجنتيها كأنها ينحت معالمها. اقترب يطبع قبلة على وجنتيها
-جنجون حبيتي افتحي عيونك حبيبتي، متعمليش فيا كدا
رفع كفيها يضعها على خديه وأطبق جفنيه متألمًا على ما وصلا إليه
آآه ياجنى لو تعرفي أنا حاسس بإيه دلوقتي
طالعها بنظراته، وهناك رجفة اعترت فؤاده وسحبت أنفاسه تقوده إلى سحقها بأحضانه.
رفرفت بأهدابها تهمس باسمه. ابتسامة تجلت على ملامحه.
حبيبة جاسر انتِ، قالها ثم انحنى يقطف قبلة يخطف أنفاسها عندما فقد سيطرته
فتحت عيناها عندما حجز ثغرها الندي بين خاصته، دفعته بكفيها
ابتعد وهو يلهث يحتضن وجهها
-كدا تموتني من الخوف عليكي. ظلت صامتة وسحبت عيناها بعيدًا عنه
أدار وجهها إليه
-مش عايزة تكلميني، لمس الجهاز الموضوع بأنفها.
-تنفسك عامل إيه ياحبيبي. دفعت كفيه وتحدثت بتقطع: -ابعد عني إياك تلمسني، قالتها بشهقات
برودة اجتاحت أوصاله وكأنها صفعته بقوة
-أبعد ياجنى، عايزاني ابعد
ابتسامة سخرية تجلت على ملامحها بوسط عبراتها الخائنة قائلة: -مستني اخدك في حضني بعد كذبك وخداعك وخيانتك ليا
أصبحت عبراتها كالشلال حتى تحولت لشهقات مرتفعة وجسدها يهتز.
-كنت عرفني انك مش قادر تبعد عنها، بس تدبحني بالطريقة دي، ليه عملت فيك إيه يابن عمي، دا أنت حبيتك حب لو اتوزع على الأرض يغطيها
كانت دمعاتها تنحدر مع كل كلمة تتفوه بها، اقترب منها عندما اعتصرت دموعها قلبه واحرقته دون رحمة
احتضن كفيها يقبلها. صرخت به
-ابعد ماتلمسنيش، ابعد يابن عمي مبقاش ينفع.
هنا شعر بوجع بحجم الكون، حاول السيطرة على غضبه الذي تجلى بأنفاسه الحارقة، بينما هي استأنفت حديثها ببكائها المرير وهي تشعر بالقهر منه ومن قلبها الذي يتمنى قربه
-مبقاش ينفع نكمل مع بعض يابن عمي، كسرتني، برافو عليك
لم يتحمل كلماتها ولم يعد يتحمل دموعها التي كوت روحه
جذبها لأحضانه، يشدد من عناقها وهمس بنبرة متحشرجة بآلام صدره
-خدي روحي ياجنى معاكي قبل ما تمشي وتسبيني، شهقت بأحضانه.
-مبقاش ينفع، مش عايزة اكرهك، ارجوك مش عايزة اكرهك، قالتها وهي تلكمه
احتضن وجهها يزيل عبراتها بأنامله
-حبيبتي والله العظيم مافيه حاجة حصلت بينا، اللي شوفتيه البنت الخدامة دلقت القهوة على قميصي.
ظل يحرك أنامله حتى أزال عبراتها، إلى أن رفع ذقنها
-تفتكري بعد الحب دا كله تصدقي اني اخونك
اشتد بكائها ودّت لو صرخت من أعماق روحها لتصل آلامها إليه ويشعر بها.
-اتجوزتها صح، رديتها لعصمتك تاني، أنا شوفتك نايم جنبها. أطبقت على جفنيها تعصر جفنيها وكأنها تمحو ذكريات تلك الصور
ضمتها، كنت نايم جنبها وهي نايمة على صدرك، ارتعش جسدها تصرخ كالذي مسها مسًا جنيا
-خاين. واحد خاين، انا شوفت كل حاجة، هدومك كانت على الأرض ياكذاب
وضعت يديها على عيناها تصرخ ثم تراجعت تجذب جهاز التنفس من أنفها.
-كرهت نفسي، كرهت قلبي مبقتش عايزك، ابعد عني متخلنيش اكرهك اكتر من كدا. هتفت بها بنيران قلبها بدلوف أوس إلى الغرفة
-جاسر. استدار إلى أخيه كالضائع، فلقد شقته إلى نصفين. ثم اتجه إليها
-أنا كذاب، وخاين ياجنى. هزت رأسها وصرخت كالمجنونة
-طلعه برة يااوس، مش عايزة اشوفه قدامي، ، كان واقفا مذهولا مما استمع اليه.
انحنى بجذعه وغرز عيناه بمقلتيها.
-إنت بتغلطي ياجنى، ومش أي غلط، قولتلك مفيش حاجة ورجعتها مجرد مساعدة مش أكتر بس مفيش حاجة تانية
-ااااوس. صاحت بها وتوقفت تلوح بيديها
-ابعده عني، مش عايزة اشوفه. اقترب أوس الذي يحاول أن يستوعب ماذا صار ليحدث هذا
اقترب منها مستندا على الفراش يجذبها من كفيها، نزعت كفيها وبكت بصرخات
-ابعد عني ياجاسر، روحلها، هي حبيتك روحلها بدل مش هتقدر تبعد عنها
اقترب منها، جذبه أوس.
-جاسر سبها دلوقتي، خليها ترتاح انت مش شايف حالتها
أظلمت عيناه بنيران الألم وأشار عليها
-اسيبها ازاي، دي حاولت تنتحر، ابعد عني ياأوس
نزع نفسه منه واقترب يسحبها ثم حاوطها بذراعه، لكمته حتى تفلت من بين فولاذيته، لمست أظافرها جرح حروقه، فابتعد صارخ. يضغط على آلامه، توقف أوس عاجزا لا يعلم ماذا عليه فعله، وماذا سيحدث بعد أفعالها.
توقف بينهما وحاول ابتعاد اخيه، رغم تألمه من حالته، حالته الذي أدمت قلبه، كل ماانتاب عقله أن هناك لبس في الموضوع.
توقف وحاول السيطرة عليه
-جاسر أهدى، سبني مع جنى شوية، عايز اقعد معاها ايه مش من حقي إنت ناسي أنها بنت عمي وأنا في مقام اخوها
رفع نظراته المتألمة إليها، كانت تناظره بجمود لأول مرة يراه بسحر عيناها التي تحولت بنيران كرهه. ابتلع غصته وتحدث بهدوء رغم حرق صدره بنيران الخذلان.
-أنا برة. وقعت أعين أوس على الحروق التي طالت ذراعيه
-جاسر إنت مصاب في الحريق. استدار متحركا، رفعت نظرها لذراعه الذي ظهرت به الحروق بشكل مبالغ. اهتز قلبها وارتجفت شفتيها، هامسة باسمه بعد خروجه
جذب المقعد بعنف واردف
-ارتاحي ياجنى، شوفي حالتك عاملة إزاي، باباكي زمانه جاي، اكيد بلغوه زي مابلغوني
استمع لرنين هاتفه عدة مرات، طالعه ثم أغلقه بعدما وجدها زوجته.
-احكيلي ياجنى سامعك، بس الأول لازم تفهمي حاجة مهمة
-جاسر عمره ماكان كذاب ولا خاين يابنت عمي، بلاش الكلام اللي يكسر الراجل دا
انسابت عبراتها وكل ماتراه صورته بأحضانها، مااصعب ذاك الشعور الذي يخنقها بسياج من نيران
رفعت بصرها وأردفت بتقطع
-كنت تعرف إن جاسر رجع فيروز تاني؟
-آه. سحب بصره بعيد عنها واجابها بهدوء رجل جليدي
-كنت اعرف أنه رجعها، أو بمعنى أدق قالي من قبلها.
-ايه! قالتها بصدمة غير مستوعبة ماوصل لأذنيها
-كنت تعرف إن اخوك بيدبح فيا وسكت، لدرجة دي شايفني رخيصة، أزالت عبراتها بعنف ثم صاحت بغضب
-وياترى ياباشمهندس كنت تعرف أنه زور تقرير المستشفى وطلعني مغتصبة
تراجع بجسده على المقعد، عندما أحس بتحطم أضلعه من كلماتها، ورغم ذلك رسم إبتسامة على وجهه وهز رأسه
-مش دا علشان يجوزك، مش دا علشان محدش يقدر يوقف قدامه ويقوله لا.
جاية تحاسبيه علشان خدع الكل ليفوز بيكي. انحنى يتكأ بكفيه على الفراش وتعمق ببنيتها
-بلاش الكلام دا ليا ياجنى، علشان أنتِ عارفة رأيي من الأول في علاقتكم وياما حذرتك، عملتي ايه ولا حاجة
تراجع ساحبا نفسا وزفره بقوة فلقد بلغ الغضب ذروته ورغم ذلك تحكم بنفسه حتى لا يصفعها
أشار لها بسبباته عندما وصله عدم اقتناعها فهتف دون جدال.
-المسؤل الاول عن اللي أنتِ فيه دا. انتِ ومحدش غيرك، أنتِ ياباشنهندسة متجيش تحطي غلطك على غيرك وتعملي بريئة
نهض عندما فقد سيطرته واقترب منها
-احنا وصلنا لدايرة مغلقة كلنا بسببك مش بسبب جاسر، ارجعي كدا لقبل فرح جاسر لما وقفت وقولتلك ياجنى انا ليه مش حاسس انك بتمثيلي قدام الكل بخطوبة جاسر الواهية لجواد
رفع حاجبه ودقق النظر بعيناها.
-ايه افتكرتي. افتكرتي ياجنى قولتيلي ايه، قولتي جاسر بياخد حقي من جواد وانا مش شيفاه غير اخ وبس
دار بخطى سلحفية ذهابا وإيابا بالغرفة
-اكتشف أنك بتتعالجي نفسي علشان مقدرتيش تشوفيه مع حد تاني، ايه ياباشمهندسة شغل الأطفال دا
اقترب ورمقها بنظرات نارية
-ليه عملتي كدا، ليه دفنتي راسك في الرمل زي النعام وجاية تحاسبيه على حاجة مالوش دخل بيها.
كان لازم جاسر يبعد وهو شايفك مع اخوه وانت واقفة بتقوليله بتحبي جواد، امال بجسده
عارف كلامي جارح ويوجع بس دا علشان تفوقي ياجنى وتطلعي من دور الضحية اللي انت فيه، انت مش ضعيفة ولا غبية، بس خطواتك الغلط وقعتينا كلنا في بعض
عز بقى عامل زي الوحش بيدوس على الكل، معرفش تعرفي ولا لا، بس عز اتجوز على روبي علشان يحرق جاسر
ايه رايك يابنت عمي.
جحظت عيناها بذهول تهز رأسها قائلة: -مستحيل. عز بيحب روبي مستحيل يكسرها بالشكل المهين دا
قهقه على غير عادته وأشار عليها
-ماأنت عملتيها مع جاسر وكسرتيه.
يعني ماشاءالله انتوا الاتنين واحد يدبح في اختي بدل المرة عشر مرات
وحضرتك جاية تحاسبي جاسر على مجرد أنه بيعمل حاجة رجولية
-اطلع برة مش عايزة اسمع حاجة من حد. تحركت معتدلة على الفراش
-ولا أقولك أنا اللي همشي منها
توقف أمامها وحاوط أكتافها.
-جنى بلاش تصعبي الأمور لو سمحتي، كفاية اللي حصل لحد دلوقتي. أعقلي واسمعي جاسر عمل كدا ليه، بلاش احنا بنوقع من بعض، هتكوني مرتاحة لما نكره بعض وبابا وباباكي يوقفوا قدام بعض علشان مشاكلكم
تنهد بهدوء ثم تحدث بعقلانية: -هقولك حاجة عاقبي جاسر لو ماقتنعتيش بكلامه، بس بينكم بلاش تولع دلوقتي، تخيلي كدا لو رجعتي بعد شهر من جوازك بيت ابوكي، الناس هتقول ايه. بلاش دي فكرتي ممكن عز يعمل ايه في جاسر لما يعرف.
فكرتي في عمك ياجنى، انا مش هتكلم اكتر من كدا. أنتِ عاقلة مافيه الكفاية مش مستنية حد ينصحك
زفرة حارة خرجت من جوفه ثم تعلقت عيناه بعيناها التائهة المترددة فاستأنف
-خدي وقتك وفكري كويس بس بعقل جنى بنت صهيب مش عقل جنى مرات جاسر الغيورة.
خانتها ساقيها فجلست رغمًا عنها
-مكنتش اتخيل تكون قاسي معايا اوي كدا ياأوس. جلس بمقابلتها
-أنا بحاول اتكلم بالعقل صدقيني، انا لو متحكمتش في نفسي مش عارف ممكن اعمل فيكوا انتو الاتنين ايه.
انا اهم حاجة عندي دلوقتي ابويا وعمي. أنتِ وجاسر مش فارقين معايا علشان تستاهلوا اللي بيحصلكم لسبب بسيط هو علشان يهرب من قلبه راح ظلم واحدة واتجوزها، وانت علشان تكوني العاقلة البريئة دفنتي حبك لحد ماحبك كسرك والنتيجة ماستحملتيش ورحتي اتعالجتي. صح ولا لا
فيروز مظلومة بعد دا كله ياأوس
زفره حارة خرجت من جوفه يهز رأسه.
-من وجهة نظري العادلة اه ياجنى، فيروز اكتر واحدة اتظلمت بينكم، تعالي نعمل معادلة بسيطة كدا
واحدة اتجوزت واحد وهمها بحبه وبعد الجواز اكتشفت أنه بيحب واحدة تانية، ومش معنى كلامي دا
انا ببرر لجاسر، ابدا والله ولا عجبني اي حاجة عملها، بفكر بكل الاتجاهات
بس رغم كدا عمره ماكان خاين ولا كذاب
ابتسمت بسخرية
-أيوة لما خبى عليا جوازه، لما مراته جاتلي وقالت جاسر اتجوزك علشان الولاد.
ضيق عيناه متسائلًا: -فيروز هي اللي قالتلك كدا.
استمعوا لطرقات على باب الغرفة، ولج صهيب بقلبًا منتفض
-ايه اللي حصل ياحبيبتي؟
رفعت بصرها لوالدها، أمانها ولما لا والاب هو الحضن والحصن المنيع
حاوطها بذراعيه يدفنها بأحضانه
-بابا. اردفت بها بشهقات مرتفعة، قبل رأسها
-اهدي حبيبتي. خلاص الحمدلله اهم حاجة انكوا بخير
اتجه ببصره لأوس الصامت
-اخوك فين وعامل ايه؟
قطع حديثهم ولوج عز فزعًا للغرفة.
-ايه اللي حصل، جنى قالها بقلب ملتهفا يجذبها من احضان والده يبحث بجسدها عن أي أثر للحروق
احتضن وجهها
-انتِ كويسة حبيبتي، فيه حاجة فيك اتأذتي. هزت رأسها بالنفي
-أنا كويسة ياعز، مفيش حاجة
نهض صهيب متجها لأوس الصامت
-جاسر فين؟ هنا فاق عز من لهفته ورفع بصره ينتظر إجابة اوس بشق الأنفس ليطمئن عليه
-مش عارف ياعمو، دراعه كان فيه حرق، قالي خليك مع جنى وخرج
اتجه لجنى
-ازاي البيت ولع ياجنى، وجاسر اتصاب اوي.
انسابت عبراتها ولم تتحكم بنفسها ثم ألقت نفسها بأحضان أخيها وشهقة خرجت من فمها
اهدي ياجنى خلاص. تحرك أوس للخارج
-هروح اشوف جاسر. قالها وعيناه على جنى. استدار متحركًا فتحدث صهيب
-قوم شوف اخوك عامل ايه.
نهض عز بعدما طبع قبلة على جبين أخته
-هشوف جاسر وراجعلك ياقلبي. تحرك مغادرا خلف أوس
جلس صهيب بجوارها
-ازاي بيتكم ولع حبيبتي، لما البواب كلمني كنت هموت من الخوف عليكم
زحفت بجسدها للخلف، وبدأت تزيل الكانولا من كفيها
-بابا عايزة أمشي من المستشفى، خدني البيت عند ماما
ضيق عيناه يطالعها بصمت وترقب للحظات ثم تحدث متسائلا: -متخانقة مع جاسر ولا إيه؟
اشاحت ببصرها بعيدا عن والدها متراجعة للظهر الفراش ثم أطبقت على جفنيها
-لأ، بس عايزة ارتاح. ظل للحظات وعيناه تراقب نظراتها الهاربة
-مخبية على ابوكي ايه، رفع سبباته
-إياكي تكذبي عليا، إياكي
نظرت إليه بأعين تقطنها الألم قائلة: -أنا تعبانة يابابا اوي، عايزة ابعد عن كل حاجة، هكلمك بقلب مريضة الدنيا كسرت فرحتها بس قبل اي حاجة اوعدني تفكر بعقل صهيب الألفي اللي اتعودته منك طول حياتي.
اهتز داخله حتى شعر بضلوعه تنكسر ضلعًا ضلعًا، وكأن صدره ارتطدم بصخرة أفقدته ثباته، فتحشرجت حروفه متسائلاً: -ايه اللي حصل واتمنى متكذبيش عليا المرادي، علشان هزعل منك بجد ياجنى
شعرت بتخدر بجسدها من نظرات والدها المنساقة عليها فهمست بتقطع: -جاسر رجع فيروز لعصمته يابابا
تصنم جسده وكأنه بإحدى كوابيس حياته التي دعى الله أن لا تحدث ابدا، كظم وجهه بنيران الخذلان من ابن أخيه ورغم ذلك سيطر على انفاعله.
فابتلع غصة بطعم المرار والخذلان متسائلا: -عرفتي منين؟ رفعت عيناها لوالدها
-جاتلي البيت، وهو كان عندها، شوفتهم مع بعض يابابا، قالتها بشهقات مرتفعة تضرب بيديها على صدره
-شوفت جوزي في حضن مراته في شهر عسلي يابابا، راحلها من بعد مارجعنا من شهر العسل بيوم واحد
بعد ما كان مطلعني لسابع سما رامني لسابع ارض وداس عليا يابابا، ابن عمي داس عليا لحد ما موتني بالبطئ.
احس بوجع يغزو اضلعه وكان أحدهم طعنه بخنجر بارد ففقده صوابه، ظلت نظراته على ابنته منتظر شظايا حديثها الذي وصل إليه بسهم مشعتل لصدره. صمتت تسحب نفسا عندما فقدت قدرتها على التنفس، كأن الهواء انسحب من رئتيها. دقائق وصمت مريع لصهيب بينما هي رفعت نظرها واستأنفت
-واجهته ومنكرش. قالتها تهز رأسها وعيونها التي انتفخت بالبكاء.
- وبعدين ايه اللي حصل؟
صمتت للحظات ثم همست بتقطع
-ولعت في البيت علشان ارتاح!
توسعت أعين والدها بذهول، فهب من مكانه فزعًا
-اتجننتي. ايه الجنان دا
صرخت بقهر: -كنت عايزة اموت واريح الكل انا بقيت تقيلة على الكل
جذبها لأحضانه بقوة: -ليه يابنتي عايزة تكسريني كدا. لدرجة دي ابوكي مش فارق معاكي
خرجت من أحضانه: -بابا قلبي وجعني اوي يابابا، حوش وجعه يابابا، جاسر كسرني وحطم قلبي
شدد من احتضانها قائلا: -لأ ياقلبي اكيد فيه حاجة غلط، جاسر مستحيل يكسرك ولا يوجع قلبك، انا متاكد.
ابتلع غصته التي وخزت جوفه باشواكٍ حادة واحتضن وجهها
-جاسر بيحبك واللي بيحب مابيخنش ياجنى. انا متاكد ان فيه حاجة غلط
هزت راسها بانسياب عبراتها وقلبها المفتت قائلة: -قلبي بيقولي كدا والله قلبي بيقولي كدا وهموت عليه بس انا شوفت يابابا بقلبي المجروح قبل عنيا، شوفته يابابا رغم اني كذبت كل حاجة.
هز رأسه بعنف محاولا السيطرة على نيرانه التي تحرق داخله.
-لأ. فيه حاجة غلط، دا واحد عاشق مستحيل يخون، انا طلبت يرجعها يابت وهو رفض، ليه دلوقتي يروح يرجعها بعد ماتجوزتوا وقربتوا من بعض
ألقت نفسها بأحضانه وشهقات فقط تخرج منها، نفسي اصدقك يابابا، نفسي ارتاح واكون في كابوس وأصحى منه، ادعيلي يابابا يكون دا كابوس لاني مش هسامحه ابدا
-طيب حبيبتي بطلي عياط وانا هتكلم معاه واشوفه، عايز اتأكد.
احتضنت كفيه وتعلقت بعيناه: -بلاش تعرف عز يابابا، أوس قالي أنه اتجوز على روبي حقيقي عز عمل كدا
أطبق على جفنيه ثم انحنى يطبع قبلة. على جبينها
-هشوف جوزك وارجع. ولجت نهى تبحث عنها
-ايه اللي سمعته دا ياصهيب. أشار صهيب على جنى
-بنتك كويسة اهي، اهدي الحمدلله شكله ماس كهربائي والحمد لله عدت
احتضنتها تبكي على هيئتها وبدأت تفحص جسدها: -عاملة إيه، حصلك حاجة ياقلبي.
احتضنت كف والدتها قائلة: -أنا كويسة ياماما والله، رفعت عيناها لوالدها
-بابا روح اطمن على جاسر. تحرك والدها بخطوات متعثرة وكلماتها تخترق روحه، هل جاسر فعل ذلك بالفعل قابله عز فتسائل: -ابن عمك فين؟
أشار على غرفته قائلا: -في الأوضة دي، معاه أوس وياسين كمان جه، اتصلوا بيه. اومأ متفهما فتحدث متجهًا إليه دون حديث
- بابا فيه حاجة؟
هز رأسه دون حديث وتحرك متجها إليه. ولج الغرفة كان مستندا على ظهر الفراش، رفع أوس نظره لعمه، علم من حالته اخبار جنى له
كور قبضته محاولا السيطرة على نفسه حتى لا يتحدث ويغضبه. قطع شروده
رنين هاتفه: نهض متوقفا ثم خرج للأيجاب على أخته
-أيوة ياياسو. أجابته على الجانب الآخر: -عز اخد روبي ومشي ياأوس، بقالي فترة بدور عليها، وبعدين دورت عليها ليكون مغمي عليها في مكان في تسجيل الكاميرا، لقيت عز اخدها.
انفاسًا محترقة خرجت من رئتيه لو اقترب أحدهم منه لأحرقته، دفع الباب وولج إلى صهيب الذي جلس بجوار جاسر ينظر لحرق ذراعيه
-عامل ايه؟
ابتعد بنظره واجابه: -كويس الحمد لله. رفع نظره الى ياسين واردف: -ياسو سبني مع عمو شوية حبيبي، عايزه في موضوع مهم
ابتسامة سخرية تجلت بملامح صهيب، فاتجه لياسين سبني مع اخوك حبيبي
بتر حديثهم دلوف أوس كالمارد.
-طيب قولي اعمل ايه في ابنك، اديني سبب يخليني عاقل ومرحش اموته دلوقتي
استدار ياسين
-ايه اللي حصل، بينما جاسر الذي أغلق عيناه يريد الأختلاء بنفسه، لا يريد الاستماع لأحد. ولكنه فتح عيناه مذهولا:
-عز اخد اختي فين ياعمو، اكيد تعرف، قولي اقول لبابا ايه لما يتصل بيا ويقولي اختك اللي وصيتك عليها فين
ضيق جاسر عيناه متسائلا: -مش فاهم ايه اللي حصل؟
تحدث أوس بغضب: -يارب تكون ارتحت دلوقتي ياجاسر باشا، اهو علشان يوجعك عمال يدوس على اختك ويوجعها، يعني مش مكفيه جوازه عليها، لا راح وخطفها كمان
اقترب من صهيب
-عمو صهيب صدقني بحاول اتعامل مع ابنك على أنه اخوي، بس هيستعبط ويقل بينا مش هستكتله، ودلوقتي قدامه نص ساعة يرجع اختي
ثم اتجه بنظره الى جاسر وهتف بقسوة تجلت بنظراته.
-بنتك عندك ياعمو، خليه يبعد عن اختي، اختي حامل ولو حصلها حاجة، صدقني هدوس على صلة الدم اللي بينا
-أوس. صاح بها جاسر بقوة
-امشي اطلع برة، مش عايز اسمع نفسك، برررررة. أردف بها بقوة حتى شعر بألم ذراعيه
كور أوس قبضته وتحرك دون حديث، بينما ياسين الذي خرج عن صمته
-عز خرج عن المألوف ياعمو ولازم اللي يوقفه. تحدث بها ثم تحرك للخارج
تنهد صهيب بغضب، وتحرك للخارج متجها إليهم:.
وصل ياسين إلى غرفة جنى وجد عز يتحدث بهاتفه:
توقف ياسين يرمقه بغضب، انت كدا بتتمادى، ومتفكرش علشان ساكتين عليك دا ضعف مننا ياباشمهندس ابدا تبقى غلطان، دا علشان احنا متربين ونعرف احترام الصغير للكبير، لكن تغلط وتخبط في الحلل لا انا اعملك متربي في شبرا متخرجش عفاريتي ياعز. ربى قبل ماتكون مراتك فهي توأم روحي، فياريت ترجعها
مسح عز على وجهه بعنف: -ياسين ربى مراتي زي ماهي اختك ولازم نقعد نتصافى.
-بس هي مش عايزاك دلوقتي، ومتنساش أنها حامل
-اه وكمان ماتنساش أنه ابني
دفعه ياسين بقوة حتى اصطدم بالجدار
-طيب عمك جاي في الطريق عايزك تقوله الكلمتين دول
وولج للداخل إلى غرفة جنى
بينما أوس الذي توقف يهاتف بيجاد
-أيوة يابيجاد. للاسف البيت ولع، لا هم كويسين الحمدلله. تمام
أغلق الهاتف ثم لمح عز متجها إليه
-أوس ابعد ياسين عني علشان متغباش عليه
رفع جانب وجهه بإبتسامة سخرية واقترب منه بخطى سلحفية.
-أنا كنت ساكت عليك وبقول يمكن يهدى، إنما أنت ياعز بتغلط كل غلطة عن اللي قبلها
عقد ذراعيه مرة، ثم أشار بكفيه: -تقدر تقولي بأي حق تاخد ربى من ورانا
-مراتي يااوس، ومش هتنازل عنها
جذبه أوس ضاغطا على أنيابه
-قدامك نص ساعة لو مرجعتش اختي هنسى انك ابن عمي، ومش هقولك زي جواد الألفي، كرامة ومش كرامة، لا دا انا لما بدوس بدوس بجد
نفضه عز غاضبا وزمجر مشيرا بسبباته.
-خوفتني ياله وشكلك متعرفتيش، دي مراتي واي مكان حابب اخدها فيه محدش يقدر يوقفني
اشتعلت أعين أوس بغضب جحيمي فاقترب منه إلى أن توقف صهيب بينهما: -اتهدوا انتوا الكل، ثم رفع نظره لابنه
-عز المصايب كلها فوق راسي، روح هات مراتك، ثم اتجه لأوس
وانت اطمن على اخوك، مش ناقص غباء من حد
مش عايز حد فيكم هنا، ياله غوروا من وشي
أشار عز بسبباته
-الكل لازم يعرف، مراتي مش هتنازل عنها، ومتنسوش أنها حامل في ابني.
وصل جاسر يوزع نظراته بينهم
-احنا في مستشفى يامحترم منك له، اظن احنا متربين مافيه الكفاية، اتجه ببصره لأخيه
-هو انا مقولتش امشي من هنا، ثم رفع نظره لعز
-ربى فين ياعز، على مااظن انك كسرتني مافيه الكفاية، بس نسيت. وانت بدور على حاجة تكسرني انك بتكسر اختي الاول
اقترب منه وغرز رماديته بعيناه
-عايز توصل لايه، عايزني أطلق جنى
تمام ياعز هطلق اختك وانت طلق اختي وكدا اتصفينا يابن عمي.
صدمة نزلت على الجميع بوصول، ونهى التي تساند ابنتها للخروج
وقفت كالذي سلبت روحها، وانسابت عبراتها بصمت، تحركت بجوار والدتها ثم همست بتقطع
-عندك حق يابن عمي، كدا يبقى خالصين. أما عز الذي انتفض قلبه بعنف وهو يرى شحوب اخته، لقد ذبحت على يد معشوقها، كما ذبح هو معشوقته، هل هذه العدالة الإلهية
تحدثت بتقطع: -بابا. عايزة ارجع بيتك بما إن حضرة الظابط وعز اتحكموا في حياتنا.
قالتها واستدارت متجهة للخارج، تتحرك بندوب قلبها المتمزق
تحرك خلفها، وصل إلى نهى ثم أوقفها
-طنط نهى لو سمحتي. اومأت مبتعدة ثم اتجهت ببصرها لصهيب.
سحب كفيها وتحرك بجوارها، تحركت دون حديث، يكفي ماصار، يكفي آلمها وانشطار قلبها. وصلت إلى سيارته فهمست
-مشيت معاك علشان مولعش الدنيا زي مااوس قال، بس لحد هنا وكفاية
-ضم خصرها وهو يوزع نظراته بكل الجهات يهرب بنظراته: -جنى مفيش حاجة حصلت بيني وبين فيروز، اقسم بالله دي الحقيقة، وأنا بحلفلك علشان اكدلك كل اللي وصل اليك ماهي الا اوهام
-بس أنا مش مصداقك ياجاسر، ومتنساش انت قولت فوق ايه.
ضغط على خصرها واقترب من أنفاسها
-جنجون اانت عارفة ومتأكدة انا قولت كدا علشان افوق عز مش اكتر عايز اعرفه انه ممكن يفقد روبي بجد
تعانقت عيناها بعينه
-وأنا ياجاسر؟
ابتسم لاحت على وجهه من همسها المميت لقلبه، رغم كلمة بسيطة باسمه الذي حاولت ألا تنطقه إلا أن قلبها خانها وهمست بها: -إنتِ روح جاسر، وحياة ربنا دي الحقيقة، لمس وجنتيها.
-وحياة جنى عندي انتي أغلى من روحي. اهتزت نظراتها مع رجفة قلبها، نعم تعشقه ولكن كيف تتعامل معه بعدما تسرب الشك لقلبها فتحدثت: -نفسي اصدقك يابن عمي
جذب كفيها وفتح باب السيارة
-هنروح فين يابن عمي.؟
اركبي ياجنى. مشوار هنروحه وبعد كدا قرري اللي عايزاه
استقلت بجواره فهي بحالة لا تقو على الجدال. تحركت السيارة إلى أن وصلت إلى المبنى الذي تقطن به فيروز
نظرت حولها بوجهًا شاحب وبشفتين جافتين تحدثت بنبرة متقطعة.
-جايبني هنا ليه ياجاسر؟
استدار إليها وساعدها في النزول
-تعالي ياجنى، لازم تتأكدي وابرئ نفسي وتبعدي الشك
تراجعت إلى السيارة
-جاسر امشي لو سمحت مبقاش حاجة تتقال، انت لسة من دقايق قايل كل واحد اخد حقه
احتضن وجهها يلمس وجنتيها
-إنتِ حقي ومش هتنازل عنه حتى لو غصب عنك
ضمها لأحضانه واغمض عيناه وآآه حارقة خرجت من آلام قلبه.
-متعمليش فيا كدا لو سمحتي، فين ثقتك فيا، جنى أنا بحبك، ومستحيل اوجع قلبك، أنا رجعتها لظروف وطلقتها
أخرجها من أحضانه مردفا: -وحياة ربنا دي الحقيقة، وتعالي واثبتلك دا:
هزت رأسها رافضة حديثه: -بتبرر ايه ياجاسر. اقتربت منه
بتبرر أن جوزي في حضن حبيته القديمة، بلاش اقول بتبرر لحبيبتك
اعتبرني مراتك وقولي ايه المبرر انك تكون في أحضانها
-احضان؟ قالها مذهولا.
-جنى القميص اندلق عليه قهوة من الخدامة وكان ليا حاجات لسة في الشقة، فهي جبتلي قميص وانتي جيتي وانا بلبسه دا كله الموضوع
دنت تنظر لمقلتيه
-كداب ياجاسر، لأن قبلها بدقايق كانت في حضنك، أمسكت الهاتف وفتحت إليه الصور
-شوف يابن عمي وقولي ايه رأيك في الصور دي. دقق النظر بالصور وهز رأسه نافيا ما يراه
-بس الصور دي قديمة يامدام، بصي في الصور كويس، وإنت تعرفي الصور دي جديدة ولا قديمة.
حاوط خصرها وطالعها بنظرات نارية
-طلعتيني خاين وكذاب من شوية صور، وجيتي تجري علشان تمسكيني متلبس، حاولت تموتي نفسك كافرة علشان شوية صور، فين الثقة يامدام
فين الحب اللي بينا اللي يخليكي تفقدي الثقة في اقرب الناس.
لكمت صدره بقهر: -اثق فيك ازاي وانت بتقولي رجعتها، دوست على كرامتي ورجعتها ليه، جاية تكلمني على الثقة بعد ماسحبتها مني ياحضرة الظابط، أنا مبقتش اثق فيك ياجاسر. ومهما بررت اللي شوفته هنا مستحيل اسامحك
سحبها بعنف متجها لشقة فيروز
-مش عايزك تصدقي، بس لازم تسمعي، وتأكدي بعدها مبقاش فيه جاسر
صعد لشقتها سريعا، وطرق الباب بصخب: فتحت فيروز تنظر إليه بذهول.
-جاسر.! ايه اللي رجعك بدري كدا، دفعها بقوة عندما تسرب الشك لقلبه، ثم سحب جنى للداخل
طالعتهم فيروز ثم تسائلت بخبث: -مش قولت هتبات عند جنى النهاردة علشان تستعطفها ياحبيبي، ذهل من حديثها، فوصل إليها بخطوة واحدة يقبض على عنقها
-بتقولي ايه يابت اتجننتي، استعطف مين وليه!
أغمضت جنى عيناها بقهر وهي تستمع الى صوت فيروز المتقطع
-جاسر خلاص هي عرفت كل حاجة، وكدا أحسن، وجنى مستحيل ترفض تساعدنا.
دفعها بقوة عندما صرخت به جنى تدفعه: -كفاية بقى كدب وخداع
-هوت فيروز على المقعد تسعل بشدة عندما فقدت تنفسها، لحظات ثم رفعت رأسها تنظر إلى جنى بخبث
-آسفة ياجنى، ثم اتجهت لجاسر
-معرفش بتعاقبني على ايه، احنا كنا متفقين من الاول جوازك منها مايقعدش اكتر من شهر، دلوقتي عديت تلات شهور، تقدر تقولي هتفضل مخبين لحد امتى، توقفت فيروز.
-اسمعيني كويس ياجنى انا مش هخاف على مشاعرك لانك مش بنت عمي، بس انا مش عايزة الولد خلاص، الولد اللي هيخلي واحدة تشاركني في جوزي مش عايزاه. صفعة قوية على وجهها
-أنا كنت مخدوع ازاي في الحقارة دي
حاولت التحرك ولكن تلاشت ساقيها وعجزت عن الحركة فهوت مرتطدمة بالأرض، استدار ينظر إليها بذهول، هرول سريعا يرفعها من فوق الأرض
-جنى. ، جنى. قالها بقلبا ينتفض رعبًا.
رفعها على الأريكة وحاول ايقاظها
صرخ بفيروز.
هاتي برفيوم افوقها بيه، وادعي ربنا يا فيروز مايحصلهاش حاجة
تحركت كأنسانٍ آلي وجلبت له قنينة من عطره. قربها من أنفها مع لطم وجهها بحنية
-حبيبتي، جنى، رفرفت بأهدابها عدة مرات متأوهة من رأسها
-آه. كررتها عدة مرات
ضمها لأحضانه. يمسد على ظهرها
-جنى ليه كدا تخضوني عليكي ياجنى
كانت تراقبه بألم ينخر بجسدها على لهفته عليها، اقسمت لربها أنها لم تجعله يهنئ بحياته بعدما ألقاها بدون رحمة.
احتضن وجهها. يبحر بنظراته على وجهها
-حاسة بإيه ياروحي. أزالت كفيه بعدما لمحت فيروز تقف خلفه وتضع كفها على كتفه في حين نظراته منصبة عليها
نهض من مكانه يساند وقوفها. أبعدته
-ممكن اكون وقعت كتير وكل مرة بستنى اللي يسندني بس دلوقتي انا لازم أسند نفسي بعد كدا
تواصل بصري مؤلم بينها وبين فيروز، وصورهما تروادها بقوة
تحركت متجهة للباب
-مفيش داعي انا هعرف ارجع لوحدي، اتجهت ببصرها لفيروز واكملت.
-خليك يمكن هنا تلاقي السعادة
خرجت كلماتها مطعونة لقلبه برمح مشتعل. تحرك إليها فوق غضبه منها كالذي يخطو فوق النيران لتجعل جسدة كتلة متفجرة، سحبها بعنف ولكنه توقف مذهولا من حديث فيروز
-شكرا ياجنى لأنك تفهمتي الموضوع، ثم اتجهت لجاسر وااكملت ماهشم جسدها
-قولتلك جنى طيبة ومستحيل توقف قدام سعادتنا. تحركت تجر أذيال الخيبة والخذلان. وتفرش الأرض أمامها بدموع حسرتها والام قلبها المفتت.
-اقسم بالله ماهرحمك يافيروز. جلست ترمقه بنظرات تهكمية
-هخسر اكتر من كدا ايه ياحبيبي
هرول خلف جنى، بعدما أردف
-بكرة هتعرفي يافيروز.
وصلت إلى الأسفل تنظر حولها بضياع تدعو الله من قلبها أن يأخذ روحها علها ترتاح من تلك الآلام التي لم تقو على تحملها
جذبها لأحضانه
-اقسم بالله كذابة ياجنى
-جاسر حبيبي ممكن تروحني، عايزة اروح وتاخدني في حضنك، ينفع، مش عايزة غير كدا. رفعت كفيها على وجنتيه
-لو انا حبيبتك بجد روحني بيت عمو جواد خليني انام في حضنك هناك بس
رغم ذهوله من كلماتها إلا أن عصرها بأحضانه.
-روح حبيبك إنتِ، وعد مش هخرجك من حضني. ابتسمت متألمة، ثم همست له
-بحبك أوي ياجاسر. ضربات عنيفة كادت أن تؤدي إلى توقف قلبه من كلماتها، لا يعلم بماذا تفكر، أم أن حالتها أساءت مرة أخرى
حاوط خصرها، متجها إلى سيارته
قبل ساعات بالإسكندرية
ولج إلى منزله يبحث عن زوجته: -غنى، فينك ياقلبي. خرجت بيديها سفيان
-كنا بناخد شاور يابابي قالتها بإبتسامة
ضمها لأحضانه.
-حبيبي اجهزي هنسافر القاهرة بعد شوية، انا حجزت. ضيقت عيناها متسائلة: -القاهرة! احنا لسة جاين من يومين، بابا حصله حاجة يابيجاد ومخبي عليا
لثم جبينها يهز رأسه بالنفي
-بابا حبيبي في السعودية، نسيتي ولا ايه، احتضن وجهها مردفا بهدوء
-بيت جاسر ولع، لازم ننزل نطمن عليه، وكمان المجنون عز خطف روبي والدنيا والعة، وأوس طايح في الكل، لسة ياسين مكلمني
-جاسر حصله حاجة، حاول طمئمنتها فأجابها.
-لأ، ياقلبي هو كويس متخافيش، يلا اجهزي بسرعة
لا لازم اكلم بابا، اكيد روبي دلوقتي مرعوبة من عز، وأوس مش هيسكت لما يعمل جريمة
كان مستغرقا بالنوم فاستمع إلى رنين هاتفه
-أيوة ياغنى حبيبتي، عاملة ايه ياقلب بابا.
شهقت. بابا، اعتدل مبتعدا عن الفراش
-فيه ايه ياقلب بابا، ابنك وجوزك كويسين
-بابا بيت جاسر ولع. هزة عنيفة أصابت جسده، فتسائل بلسان ثقيل
-اخوكي حصله حاجة؟
كانت تقوم بتبديل ثياب ابنها فأجابته.
-معرفش يابابا، المهم لازم ترجع علشان عز خطف روبي وأوس مش ساكت
أطبق على جفنيه، وشعر بالدوار فتحدث: -إن شاء الله على اول طيارة حبيبتي
باليوم التالي. استمعت فيروز لباب منزلها، هرولت تبعد الخادمة ظنا أنه جاسر. ولكن جحظت عيناها عندما وجدته أمامه بنظراته الشمسية
رفع نظراته ونظر إليها بهدوء
-قولتلك بلاش نتقابل تاني بس أنتِ فكرتيني برمي كلام.
↚
فتح باب السيارة وساعدها بالجلوس، ثم قام بالرد على رنين هاتفه
-أيوة ياعمو، حاضر ياعمو راجعين. استقل السيارة وعيناه تراقبها بصمت
وضعت رأسها على الزجاج مغمضة العينين. جذب كفيها، ينظر إليها بآسى من برودتهما التي تشبه برودة الثلج
-جنى. بصيلي. عصرت عيناها ألمًا، فصوته يرسل إليها ذبذبات غير قادرة على تحنيها
-جنى. كررها عدة مرات، حتى أدار بذقنها إليه: -متعمليش كدا لو سمحتي، بلاش توجعي قلبي لو سمحتي.
-بص قدامك ياجاسر، لو عايز نوصل سالمين، مش عايزة اسمع حاجة ممكن
قالتها بجمود، ثم نزعت كفيها من بين يديه واستدارت تنظر من نافذة السيارة قائلة: -البيت كله اتحرق، ولا لسة فيه ذكريات
أطبق على جفنيه وكأن كلماتها سوط يطبق على عنقه، ورغم ماشعر به من آلامًا أجابها
-ياسين راح البيت وبيقول الدور العلوي بس، تحت كله تمام، حتى هو اللي جاب تليفونتنا، وشوية ذكريات زي ما بتقولي.
مازالت تنظر بالخارج تستمع إليه بصمت، حمحم قائلا: -لازم نتكلم ياجنى، لازم تعرفي حقيقة رجوع فيروز
-ميهمنيش. انت ومراتك أحرار. قالتها بنبرة ثلجية
تعاظم الغضب بداخله وغلت دمائه بداخل عروقه حتى زفر بنيران متأججة من جوفه وهتف بنبرة غاضبة: -لأ يامدام هتسمعي، ولازم تعرفي اني مش خاين ولا كذاب، علشان لوفضلتي كدا يبقى فعلا ثقتك فيا كارثية.
طالعته ببرود وتحدثت: -وأنا مش عايزة اسمع، مبقاش يهمني قولتلك، عايزة ارجع جنى قبل ماتحبك.
سحب ذراعها بقوة وكأنها أخرجت شيطاينه: -اسمعي الكلمتين دول علشان مش هعيد كلامي. انا مخنتكيش، واللي عملته دا كان غصب عني، كان لازم اكون راجل زي ماتربيت، منكرش أن اتلعب بيا، بس مش مهم، كله مردود، وحياتك عندي لأعرف ارجع كرامتي اللي انداس عليها بسببكم، انت وعدم ثقتك فيا وحبك اللي طلع مهزوز، وهي بخداعها وشغل الشياطين، وحاضر مش عايزة تسمعي أن شالله ماسمعتي ولا عايز ابررلك انا كمان.
كلماته اشعلت نيران قلبها حتى تجلى الضيق على ملامحها ممزوج بالحزن فشعرت بالخذلان منه. فاعلنت بينها وبين نفسها استرداد كرامتها وأنوثتها بتحديها إليه فاستدارت مردفة: - خد حقك وذيادة ياحضرة الظابط، بس وانت بتاخد حقك مني افتكر إنك وجعتني في الاول ووجعتني في الاخر، ورغم نفس الوجع لكن المرة دي وجعتني ودبحتني الاتنين مع بعض.
توقف بالسيارة فجأة مما احتك إطارها بالأرض مصدرة صوتا ثم جذبها بقوة يحتضن ثغرها حتى يجعلها تصمت ولم يستمع لشيئا آخر يؤذي كلا منهما
دفعته بقوة بعدما شعرت بقساوة قبلته لأول مرة. تركها عنوة لأحتياجهما للهواء ثم تحدث بفظاظة
-اسمع نفسك هعمل اكتر من كدا، قالها وتحرك بسرعة جنونية حتى وصل خلال دقائق معدودة لحي الألفي، توقف يشير إليها.
-انزلي. ظلت للحظات بمكانها. صاح بغضب: -انزلي. ترجلت من السيارة وجدت والدها بإنتظارهما. وزع نظراته بينهما، تراجع بسيارته للمغادرة فأشار إليه
-، تعالى عايزك. ذهب ببصره لزوجته، التي تحركت متجهة لوالدها، علم حينها بأن عمه علم بكل شيئا.
احتضنها يقبل جبينها ثم أردف: -روحي على بيت جوزك، بعدين نتكلم اومأت له ثم تحدثت: -دا اللي ناوية اعمله، مش عايزة مشاكل بين عز وجاسر اكتر من كدا، بلاش تعرفه حاجة، وانا من جهتي مش هحسسه بحاجة
-ادخلي حبيبتي ارتاحي، وشك مخطوف، وانا هتكلم مع جوزك شوية، غنى وصلت من شوية هي وبيجاد، مش عايزك تتكلمي مع حد
تحركت بعدما وصل جاسر.
-عندي شغل مهم ياعمو، لو ينفع نأجل أي كلام لما ارجع. استمع الى صوت غنى تهرول إليه بلهفة
-جاسر. استدار إليها، تحرك حتى وصل إليها. احتضنها بعدما لمعت عيناها بدموع الخوف عليه، بحثت بجسده، نظرت متألمة للأحمرار ذراعيه
-حبيبي، انت كويس؟
لثم جبينها ثم رسم ابتسامة
-كويس حبيب اخوكي، حمد الله على السلامة. احتضنت وجه متسائلة
-ازاي البيت يولع حبيبي!
-حبيبتي أنا عندي شغل ممكن لما ارجع نتكلم، أشار بعينيه لدلوف جنى.
-خلي بالك من جنى، لسة متأثرة من اللي حصل، وياريت تخليها ترتاح
ابتسمت له
-في عيوني حبيبي متخافش، قلبك أمانة عند اختك، طبع قبلة على كفيها
-حبيبة اخوها اللي بتفهمه من غير كلام
ضحكت واستدارت متحركة لداخل المنزل، اختفت ابتسامته وعبثت ملامحه عندما استمع لصوت صهيب
-دا وعدك ليا ياجاسر، ليه تعمل كدا يابني.
استدار بهدوء واقترب مردفًا: -أنا ماخذلتكش ولا خنتك، وافتكر حضرتك طلبت مني ارجعها وانا رفضت، يعني لو كان في نيتي حاجة كنت ماصدقت، لكن للاسف سوء الفهم وجعنا كلنا
أشار صهيب بكفيه
-تعالى لازم توضحلي اللي حصل قبل ماأبوك يوصل
توقف متسّمرا ثم تسائل: -بابا عرف حاجة. هز كتفه بعدم معرفة، ثم تحدث: -اكيد دا جواد الألفي، جلس وأشار إليه
-تشرب قهوة، ولا اخلي نهى تعملك فطار
رجع بجسده على المقعد.
-ماليش نفس، كنت عايز تتكلم معايا في اللي حصل مش كدا!
-الأول قولي الكلام صح ولا لأ. أنت فعلا رجعت فيروز
زفرة حارقة خرجت من أعماق جوفه ثم سحب بصره بكل الاتجاهات بعيدا عن عمه
-الأول حضرتك مصدق إني ممكن أذي جنى أو اخونها
-لأ. قالها صهيب بهدوء، ثم استند بذراعيه على المائدة
-بس عارف قرارتك الغلط، ساعات بتدي قرارات من غير ما تفكر نتائج القرارات دي ايه.
دقق النظر بعيناه ثم تسائل: -رجعت فيروز علشان هددتك أنها تعمل حاجة في جنى مثلا
هز رأسه بالنفي ثم تحدث: -فيروز كلمتني واحنا مسافرين وقالت لي عايزة خدمة ومحدش يقدر يساعدني غيرك. تنهد ثم سحب نفسا وأخرجه بهدوء
-كانت مقدمة على وظيفة في الخارجية لإحدى الدول العربية والوظيفة دي ليها بعض الشروط.
كان يستمع إليه بإهتمام، فاستطرد حديثه: -كلمت راكان البنداري وطلبت منه يتدخل ويمشيلها الدنيا، بس طبعا الوظيفة دي مش بالوسطة بالشهادات والتاريخ العائلي، وفوق دا كله لازم يكون حد ضامنها
اتجه بنظره لعمه واستأنف
-رفضوا ورقها بحجة أنها مطلقة، والشرط يكون أنها متزوجة. مسح على وجهه بعنف يفرك جبينه
-والله ياعمو أنا حاولت أساعدها، حاولت أخرجها من تحكم امها فيها، وخاصة لما عرفت الحفلات والقرف بتاع كل ليلة.
سحب كم من الهواء ثم لفظه بقوة واستأنف: -فيروز كويسة ياعمو، ظروفها وحشة وامها دي، بتر حديثه صهيب
-لما هي كويسة يابن اخويا طلقتها ليه؟ باغته صهيب بنظرة مطولة حتى يكتشف دواخله
أشاح جاسر بعينيه بعيدًا عنه
-دا سؤال ولا شك ياعمو. نهض صهيب يضع كفيه بجيب بنطاله
-بنتي حاولت تنتحر وحضرتك جاي تبررلي بحجة متدخلش طفل عيل، مالي ومال فيروز، حدقه صهيب غاضبا
-متبصليش كدا، انت ظابط يابني، ولازم يكون عندك الحس البوليسي.
أشار بإبهامه إليه
-اخدت ايه غير مراتك كانت هتموت، قولي وقتها فيروز كانت هتفدني بأيه ياجاسر، إنت وعدتني وللاسف طلعت عيل. أردف بها صهيب متحركا لمنزله
توقف ينظر لأثر عمه ثم تذكر ما فعلته فيروز. جلس يضع رأسه بين راحتيه
-ازاي قدرتي تلعبي بيا كدا، دا جزاتي
استمع الى صوت خلفه
-عامل إيه؟ استدار برأسه ثم أومأ له
-كويس. إنت اخبارك ايه ومرحتش الكلية ليه
جلس أمامه يطالعه بترقب ثم تسائل؟
انا عارف إنك أكبر مني وليك احترامك انت وأوس، بس متزعلش مني قراراتك كلها غلط
تراجع جاسر بظهره للخلف
-لو مكاني هتعمل ايه؟ تسائل بها جاسر
كتف ياسين ذراعيه على صدره واجابه
-هواجه نفسي قبل مااواجه الكل، اشوف عايز ايه
لاحت على وجه جاسر ابتسامة ساخرة فهز رأسه
-متبقاش واثق اوي من نفسك. اقترب منه ياسين بالمقعد ثم انحنى بجسده ينظر بعمق لعيناه
-جاسر إنت فعلا بتحب جنى ولا اتجوزتها علشان موضوع الاغتصاب دا.
-ياااه دا حضرة الظابط كبر وجاي يحاسب اخوه الكبير. لكزه بكتفه
-مبقتش صغير ياحبيبي. بقالي سنة وأكون ظابط حربية اد الدنيا
داعب خصلاته ثم ذهب ببصره ينظر أمامه
-محبتش غيرها. اعتدل ياسين يستمع إليه بإهتمام بقلبًا يحترق على حزن أخيه الذي تجلى بنبرة صوته.
ابتسم جاسر لذكرى فرح عز واخته ثم اتجه إليه مردفًا: -أقولك حاجة. يوم فرح عز كنت بهزر معاها واقولها تعالي نتجوز وسيبك من موضوع اخويا واختي دا، أفلت ضحكة بعبرة تكورت تحت جفنيه.
-والله كنت بقولها من جوا قلبي وقتها، رغم عارف انها هزار، أشاح بصره مرة أخرى وذكريات ذاك اليوم. فأطلق تنهيدة مرتعشة من نبضات قلبه المؤلم واستأنف: -اليوم دا كانت بتعيط وزعلانة من ابن عمتك علشان لعب بمشاعرها. أطبق على جفنيه وصورتها بأحضان جواد تحرق أوردته
نهض فزعا عندما تذكر ذاك وتحرك للداخل. أوقفه ياسين
-جاسر! توقف يواليه ظهره وانفاسه المرتفعة تحرق من يقترب منه.
-مش همشي لما تحكيلي مش يمكن عايز اخد منك درس يفوقني
استدار جاسر بجسده ينظر إليه مستفهما. اقترب بخطواته وجذب ذراعيه
-بتكلم جد ياجاسر، عايز اعرف ليه اتجوزت جنى، ومتقنعنيش انك بتحبها
رمقه جاسر بنظرة صارمة ثم أردف: -اومال بتسأل ليه بدل مش مقتنع، انت اهبل يلا
جلس ثم وضع خديه فوق راحتيه وطالعه بصمت. نفخ جاسر ثم دفعه حتى سقط على المنضدة يضحك بصوت مرتفع.
-خلاص. عايز اعرف ياله متبقاش تقيل في نفسك. ضرب جاسر كفيه ببعضهما
-إنت أهبل يابني، احكيلك ايه، هي حكاية
-لأ. درس يابن امي وابويا
مسح جاسر على وجهه بعنف حتى كاد أن يقتلع جلده ثم نظر إليه قائلا:
-جنى روحي ياياسين، سواء اقتنعت ولا لا، ومستحيل اخلي حد يدخل بينا ويبعدنا عن بعض.
ابتسامة تهكمية ظهرت على ملامح ياسين ثم تسائل: -اه. علشان كدا روحت اتجوزت واحدة تانية، هو اللي بيحب بيوجع حبيبه، ليه دايما بتوجعوا اللي بيحب بصدق
ذهل جاسر من حديثه فاقترب يجز على أسنانه مردفًا: -لو كنت شكيت في حبها صدقني مكنش قوة على الأرض تبعدني عنها، لكن ياحضرة الظابط تقيلة اوي على راجل يفرض نفسه على ست ولما تكون الست دي كل حياته، وخايف عليها لمجرد دمعة تنزل من عينها.
ضغط بقبضته على الكوب الذي بيديه وأكمل بنيران قلبه
-تتحمل تقرب من واحدة وقلبها مع واحد تاتي، تقدر تنام جنب واحدة ودموعها على مخدتها لمجرد أنها رضيت بنصيبها معاك، هتكون خسيس ياحضرة الظابط
قالها وتوقف ولكن فجأه ياسين بسؤاله الذي جعله متسمر عندما أردف: -طيب ليه أديت الحق دا لنفسك ياحضرة الظابط. استدار وقد أخرج شيطانيه فاقترب وضرب بكفيه على الطاولة.
-بدل ماعشتش الاحساس دا مش من حقك تقولي كدا، متجيش تقارني بواحد اختار أنه يكون كدا
نهض ياسين بمحاذته يضع كفيه بجيب بنطاله
-بس ظلمت ياجاسر بغض النظر عن احساسك انت ظلمت نفسك وفيروز وجنى
ركل المقعد وجن جنونه، واقترب من ياسين يمسكه من تلابيبه.
-أنا اللي اتظلمت ياحضرة الظابط، اتظلمت لما ضغطت على نفسي واتجوزت واحدة وانا بقنع نفسي أنها كل حياتي وفي الاخر افوق على كابوس يحرق كل راجل. انا اللي اتظلمت ياحضرة الظابط لما اشوف البنت اللي حبها بيكبر يوم عن يوم والكل بيعاملنا على أننا اخوات.
جاسر عيد ميلاد اختك بكرة، جاسر روح هات اختك من المدرسة، جاسر اختك خلي بالك منها هي رايحة عيد ميلاد صاحبتها، انت اخوها اوعى تخلي حد يقربلها. لا وحبيبتي تمشي معايا ومفيش غير على لسانها بحبك انت وعز زي بعض. اخويا حبيبي اللي بيغير عليا
أشار على صدره وتحدث بقهر: -عايز من دا يعمل ايه والكل شايف جنى اخت جاسر، وجاين بعد مااشوفها في حضن اخويا، دنى من ياسين يجذب عنقه ويهمس له.
-لما تشوف حبيبتك في حضن اخوك وهو بيبوسها كنت منتظر ايه تروح تحارب مين ضد مين ياحضرة الظابط
تراجع وعيناه على ياسين وأكمل وهو يلوح بيديه
-وبعد دا كله عمك جاي يوقف قدامي ويطلب مني أمثل بحبها اللي هي اصلا حبيبتي، ضرب كفيه ببعضهما
-شوفت قهر اكتر من كدا، وياريت توقف على كدا، جلس ورفع ساقيه على المنضدة وكأنه تحول لشخص فقد عقله وبدأت ضحكاته بالأرتفاع.
-طلبوا مني أمثل اني بحبها هههه، لا ومش بس كدا الأستاذة العظيمة جاية تقولي كلم بابا ياجاسر خليه يوافق على خطوبتي من جواد اصل اموت نفسي.
قهقهات مرتفعة منه حتى أدمعت عيناه ثم صمت وتحدث بنبرة متحشرجة من الألم وأكمل: -كان مطلوب مني ايه ياحضرة الظابط وياريت توقف على كدا بس، لا دا جايين يسألوني بعد دا كله، بعد ماخلاص وعدت نفسي اني ادوس على قلبي وابني حياة بعيد عن الوجع دا كله. ماما جاية تقولي حبيبي هو انت بتحب جنى، حاسة نظراتكم لبعض مش نظرات اخوية.
تنهيدة عميقة بأنفاسٍ محترقة ثم رفع بصره لأخيه: -مامتك مااخدتش بالها الا لما دمرت نفسي وخلاص تعايشت مع وجع قلبي واقنعته عيب احترم نفسك دي اختك، دي ثقة عمك وابن عمك، اتجننت عايز منها ايه عايز تسرق سعادتها
أشار له بيديه: -امشي ياياسين الله لا يسيئك بدل متعرفش حاجة متجيش توقف قدامي وتسألني.
- جاسر اسمعني
-قولت امشي ياسين، امشي. تحرك ياسين دون حديث.
كان يقف يستمع إليه متأنبًا، هل تحمل صديقه كل هذا، وبعد ذاك الألم لم يرحمه وضغط بجبروته. ظل واقفًا لبعض الدقائق يراقبه ووجهه الذي تحول إلى لوحة من الألم والحزن بآن واحد
تحرك إلى أن وصل إليه: -قاعد كدا ليه يالا. أردف بها عز بعدما جذب مقعدا وجلس عليه
رفع حاجبه ساخرا، ثم نفث سيجاره بوجهه
-أنا سمحتلك تقعد، مش عندك بيت، قوم فز عليه، مش طايق نفسي، هتعملي فيها الظاهر بيبرس والله هموتك انا على آخري.
رفع عز جانب وجهه بإبتسامة متهكمة، فتحدث: -ليه ياجوز الاتنين، مطرود من عش الزوجية. توقف جاسر عن ما يفعله فاقترب بجسده مضيقا عيناه
-إنت ايه اللي عرفك بموضوع فيروز
جذب عز سيجاره وبدأ يدخن ثم ابتعد بنظره عنه صامتًا
نهض جاحظًا عيناه يحاول أن يستوعب ما فطنه يهز رأسه رافضا
-يعني انت كنت عارف اللي بيحصل، انت كنت عارف أن فيروز بتعمل كدا علشان تبعدني عن جنى.
اقترب منه كالمجنون يجذبه من ثيابه
-إنت تعمل فيا كدا. حاول عز الفكاك من قبضته.
-جاسر أهدى وافهم هقولك ايه. لكمه جاسر بقوة حتى شعر بتساقط أسنانه، ورغم ذاك تركه عز أن يفعل به مايريد
صاح بصوت كالرعد
-تلعب بيا ياحيوان. صاح كالذي مسه مسًا جنيًا
خرج الجميع على صوته. توقف أوس يبعد أخيه عن عز، ولكنه لم يقو فلقد تحول لمارد يريد أن يحرق الجميع
جذبه صهيب بمساعدة أوس من فوق عز.
-ايه يالا محدش قادركم انتوا الاتنين
قالها صهيب مزمجرا ينهرهما بغضب
دفع جاسر أوس ووصل إليه يجذبه بقوة ثم دفعه بالجدار وهو مستسلم كليا، توسعت أعين الجميع مما يراهوا، انتفض صهيب ذعرا عندما وجد سكون ابنه بين يدي جاسر.
وصل ياسين وجنى على صرخاتهما
دفع ياسين عز بعيدا عن جاسر، وتوقف بجوار أوس حتى يوقفا هجوم جاسر الضاري
بدأ يركل كل ما يقابله كالمجنون
-حقيييييير ياعز، انت واحد حقييير صرخ بها ثم دفع ياسين وتحرك متجهًا إلى سيارته
وقفت بقلبًا يدمي مما رأته من حالته، اتجهت بأنظارها لأخيها ثم اقتربت لجلوسه تضع أناملها على جرحه
-ايه اللي حصل بينكم، دفع كفيها وتوقف متجهًا لسيارته.
توقف صهيب والشك يرواد عقله بفعل مخزي لابنه. هوى على مقعده عندما فقد الحركة. وصل جاسر بعد قليل لمنزله المحترق. ترجل من السيارة هرول المسؤل عنه إليه
-حمدالله على سلامتك ياباشا. أشار بيديه بالتوقف
-خليك زي ماانت، هدخل اجيب حاجة وراجع. ولج للداخل وكأنها تقف تنتظره كعادتها على باب المنزل. أطبق على جفنيه متحركًا ورائحة الحريق تخترق رئتيه. صعد لغرفتهما المحترقة.
توقف ينظر لأثر الحريق بقلب منفطر لقد أحرقت كل ذكرياتهما التي وشمها بنبض قلبه. هوى على الأرضية يضع رأسه على ركبتيه ورماديته تبحر فوق الغرفة بأكملها. وذكرياتهما گأنها شريط أمام عيناه
هنا ابتسم وهنا حزن وهنا ضحك بقلبه وهنا وشم حبه بعلاماته إليها. كور قبضته عندما فهم اللعبة التي وقع بها
تراجع بجسده مطبقًا على جفنيه، لقد سرقت سعادته من بين يديه بغبائه، استمع لرنين هاتفه رفعه مجيبًا عليه.
-أيوة يابابا. على الجانب الآخر
-أنا قدام بيتك انت فين. هب من مكانه متجها للأسفل
-حضرتك رجعت. انا فوق. ترجل جواد من سيارته، خرج سريعا لوالده
هرولت غزل بقلبًا أم فقدت وليدها، تضمه ببكاء
-حبيبي انت كويس، ايه اللي حصل
وضع رأسه بأحضان والدته كالضائع الذي فقد والديه للتو، انسابت عبرة رغمًا عنه ولم يقو على رفع رأسه من أحضان والدته.
تحرك جواد للداخل منه للأعلى ونظرات الثاقبة على المنزل حتى وصل لغرفة ابنه، توقف بمنتصفها، وعيناه ترسمها كالمخبر الذي يبحث عن دلائل الجريمة. تحرك إلى أن وصل النافذة المحترقة بالكامل
وصلت غزل وجاسر بعده بدقائق، استدار إليه
-مين اللي ولع في البيت، رفع بصره لوالده ثم اتجه بنظره لوالدته واجابه
-ماس كهربائي. اومأ جواد برأسه متفهما، ثم تحدث بإبتسامة لزوجته.
-اطمنتي على ابنك الحيلة، طب ينفع فنجان قهوة بقى، انا شايف الأوضة بس المحروقة، يعني اكيد المطبخ شغال
سحب جاسر كف والدته: -تعالي ياماما، نعمل قهوة لسيادة اللوا. تحرك خطوة ولكنه توقف على صوت والده
-استني عندك، ثم ابتسم لغزل
-روحي حبيبتي اعمليلي قهوة عايز جاسر في موضوع مهم
ابتلع ريقه واشاح ببصره بعدما اومأت غزل برأسها وتحركت هابطة للأسفل.
تحرك جواد خلفها قائلا: -احنا في الجنينة يازوزو، وياريت لو شوية قراميش ياحبيبتي، عارف ابنك طفس واكيد جنجونة عاملة له ماهي عارفة أنه بيحبها
قالها وهو يغرز عيناه بعين ابنه، وصلوا للأسفل ثم جذب مقعدًا وجلس عليه
-سامعك! قالها جواد وهي يبعد بنظراته عنه
سحب جاسر كم من الهواء عندما شعر بعدم تنفسه ثم زفره ببطئ ثم اتجه لوالده.
-عارف مهما ابرر لحضرتك هفضل المذنب في نظرك. ابتعد عن نظرات والده وتحدث: -رجعت فيروز لعصمتي فترة. قاطعه جواد
-غيره لاني عارف. انا مسألتش عن فيروز، أنا سألت مين ولع في الاوضة
استدار بجسده مذهولا: -كنت عارف وسكت. اقترب منه وغرز عيناه بأعين ابنه
-جاسر ابوك مش غبي ولا عبيط، متلفش وتدور قولي مين فيكم ولع في الاوضة انت ولا جنى
تراجع بجسده يبتلع ريقه بصعوبة ثم تحدث بخفوت: -جنى عرفت و. أشار بسبباته.
-جنى عرفت ازاي، متحكيش كتير.
-بابا. اسمعني. توقف جواد يطالعه بغضب: -ايه ياحضرة الظابط السؤال صعب ولا الإجابة اصعب
توقف أمامه
-ليه حضرتك مش مديني فرصة اتكلم
-تتكلم! قالها جواد تهكمًا
-هتقول ايه، هتقول أن حتة بنت عرفت تخرب بيتك، أشار بسبباته.
-انا سبتها مش ضعف ولا حاجة، سبتها علشان مايقولش أن جواد الألفي استضعف بست، جذبه من ياقته واردف: -اسمعني يالا. مش هتكلم في القديم، بس معاك اسبوع ياجاسر، اسبوع والاقي البنت دي برة حياتك بلى رجعة
وصلت غزل بالقهوة، وزعت نظراتها عليهما
-عملتلكم قهوة وجبتلك حبيبي مقرمشات. ارتدى نظارته وتحرك
اديهم لابنك يمكن يعرف ياخد قرار صح في حياته مرة واحدة
توقفت تنظر إلى جاسر، ثم ربتت على كتفه.
-متزعلش من باباك حبيبي، هو مضايق على حالتك. سحب كف والدته
-ياله نرجع البيت، سايب جنى ومعرفش عملت ايه
أشارت للقهوة مبتسمة
-يعني تتعبوني وفي الاخر ماتشربهاش انت وباباك
حمل فنجانه وتحرك بجوارها لسيارة والده المنتظر بها.
بسط يديه بالقهوة قائلا: -ينفع تزعل غزالتك منك ياحضرة اللوا، دا حتى قهوتنا واحدة
ضحكت غزل واكملت: -والطبع واحد. أشار جواد على نفسه.
-أنا زي ابنك دا. دا عايز اغسله مخه يمكن ينضف، معرفش هفضل ألم من وراه لأمتى
اركبي ياغزل ولا اسيبك لابنك النغة
انحنى يستند على نافذة السيارة ونظر لوالده؛
-مظلوم والله ياباشا. حك جواد ذقنه ثم دفعه بعيدا وتحدث: -مش هتصاحبني ياروح امك لحد ما ترجع جاسر اللي ربيته، مش عيل كلمة توديه وكلمة تجيبه
قالها جواد وتحرك بسيارته دون حديثًا آخر
توقف ينظر لأثر سيارة والده
-ودا اقنعه ازاي، ربنا يسامحك يا فيروز.
تحرك لسيارته، استمع رنين هاتفه، رفع ودقات قلبه تنبض بعنف كالمراهق، تمنى مهاتفتها منذ خروجه رفع الهاتف على أذنه واجاب بهمس
-أيوا. ابتلعت لعابها بصعوبة من صوته المزلزل لكيانها
-إنت فين؟
استقل السيارة، يجلس خلف المقود ثم أجابها
-ياترى سؤال ولا شك؟
جلست على فراشه تتلمسه ثم أطبقت على جفنيها ثم أجابته:
-لا دا ولا دا ياجاسر. ابتسم ساخرًا
-جنى أنا راجع على البيت لازم نتكلم
-إنت كويس. أجابها متلهفا.
-هتفرق معاكي. صمتت تسيطر على دقاتها العنيفة
-هو إنت مش ابن عمي قبل أي حاجة
قام بتشغيل السيارة بعدما فقد الأمل قائلا
-لا ياجنى، لا مش دي ولا دي. أنتِ قلبي وحبيبته، دي اللي لازم تتقال
انسابت عبراتها رغمًا عنها، ثم تنهدت وشهقة خرجت من جوف الآم قلبها
-مستنياك يابن عمي. أردف بها ثم أغلقت الهاتف
ضرب على المقود حتى شعر بتخدر كفيه هاتفًا بنبرة غاضبة.
-ليه بتعاقب على ذنب مش ذنبي، ليه صرخ بها مما جعل بواب منزله يتوجه إليه
-فيه مشكلة ياباشا.
قاد السيارة بسرعة جنونية وكأنه لم يستمع إلى احدٍ، ضرب الرجل كفيه ببعضهما
-لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ربنا يهديك يابني
وصل بعد قليل لمنزل فيروز. ظل يطرق على باب المنزل حتى خرجت إحدى جيرانها
-اهلا ياحضرة الظابط. المدام خرجت من ساعة
اومأ برأسه ثم استدار متحركا.
في بيت المزرعة وصل إلى المنزل.
قابلته ونيران جحيمية تريد إحراقه
توقفت أمامه تشير بسبباتها بسأم منه ومن قلبها الضعيف
-لو مروحتنيش دلوقتي هموت نفسي سمعت ولا لا
ابتعد يفسح لها الطريق، وأشار بيديه
-اتفضلي ياروبي. تجمدت بوقوفها عندما وجدت وجه المتورم، ارتجف قلبها من حالته ورغم ذلك فتحركت كأنه لا يعني لها. تحركت بخطوات متعثرة تتمنى أن تستدير إليه وتلمس جروحه، ولكن كيف بعدما حطم قلبها وأفقدها ثقتها بنفسها.
لحظات وكانت بجواره بالسيارة، نظرت للخارج تراقب الطريق حتى لا تضعف أمامه. وصل بعد قليل بدلوف سيارة جواد الى حي الألفي. ترجلت تهرول لوالديها
-بابا. ضمها والدها بأحضانه ونظرات نارية لذاك الذي توقف ينظر بأسى للأسفل. اتجهت لوالدتها، أشارت لها
-براحة حبيبتي، ابنك. أسرعت تلقي نفسها بأحضانها وتركت العنان بدموعها تغسل وجنتيها.
-وحشتيني أوي، عايزة ابعد من هنا يامامي لو سمحتي. سحبتها وتحركت عندما وجدت تحرك جواد إلى عز
توقف أمام عمه قائلا بخزي:
آسف مكنش قدامي حل غير كدا. رفع نظره لعمه
-والله بحبها وماقدرش اعيش من غيرها، سامحني ياعمو، وحياة أغلى حاجة عندك اعتبرني عيل وغلط، المهم ماتحرمنيش من مراتي وابني، لو سمحت.
ظل صامتا للحظات وعيناه تراقب ملامح وجهه ثم تحدث: -القرار مش بأيدي، انا ليا اوافق على طلبهم وبس، وأقول رأيي وافقت وافقت رفضت براحتها
ابتسم لعمه واقترب يلقي نفسه بأحضانه
-ربنا يخليك ليا ياعمو. ابعد جواد ورسم برودا على ملامحه قائلا
-أنا لسة مسمحتكش على اللي عملته، وعمري ماهسامحك إلا لما اشوف ضحكة بنتي اللي ضاعت بسببك. قالها وتحرك متجها للداخل
بالأعلى بغرفة جاسر.
تمددت على فراشه، تحتضن وسادته تدفن رأسها بها تسحب رائحتها لرئتيها
-وحشتني لمجرد ساعات، ياربي اعمل ايه في قلبي الضعيف دا، وضعت كفيها على أحشائها
-فيه حتة منك هنا ياحبيبي، كان نفسي تشاركني فرحتي، لكن للأسف كسرتها ياجاسر، مش عارفة اعمل ايه وانت كاسرني كدا.
أغمضت عيناها لعدة دقائق تحاول السيطرة على ارتعاشة قلبها من غيابه، كيف تتحمل غيابه لشهور وربما سنواتٍ وهي التي لم تتحمل غيابه لعدة ساعات. ذهبت بنومها. طرقت ربى عدة مرات على الغرفة، ثم ولجت للداخل تبحث عنها وجدتها تغفو بهدوء
ابتسمت على طفولية نومها، جذبت قميص أخيها من أحضانها ثم جذبت غطاء خفيف ودثرتها به بعدما اخفضت درجة التكييف
تحركت ولكنها توقفت عندما وجدت هاتف جنى الذي لم ينقطع رنينه بوضع الصامت.
رفعته ولكنها ذهلت من اتصال فيروز بها. توقفت حائرة لا تعلم ماذا عليها فعله، اخذت قرارها بالرد
-أيوة. أجابت فيروز بالجانب الآخر
-كنت متوقعة مترديش عليا، المهم حبيت اطمن عليكي اصلك مشيتي من هنا تعبانة، ماهو انتي ضرتي برضو، صمتت فيروز ثم استأنفت
-متزعليش علشان جاسر سابك تعبانة وجالي، ماانا عرفتك قبل كدا أننا مينفعش نبعد عن بعض
-خلصتي كلامك. اردفت بها ربى
توقفت فيروز كالملسوعة.
-فين جنى وازاي ماتعرفنيش انك اللي بتتكلم
-بقولك يافيروز انا مش هقل من نفسي وارد عليكي. قالتها وأغلقت الهاتف تجز باسنانها على أناملها. تحركت سريعا للخارج متجهة لغرفة والدها
-بابي فاضي!
جلس على الفراش بإرهاق وأشار بكفيه
-تعالي حبيبتي، تحركت إلى أن وصلت إليه
-فيروز. استمع بإهتمام، قصت له ماصار
مسد على خصلاتها
-روحي ارتاحي حبيبتي متنسيش انك حامل وانا هتصرف
اومأت له ثم انحنت تطبع قبلة على وجنتيه.
-ربنا يخليك لينا ياحبيبي. ابتسم لها رغم صدره الذي يغلي كالمرجل.
-روبي غنى رجعت اسكندرية ليه؟
-عمر اخو بيجاد عمل حادثة ومكنش ينفع تقعد اكتر من كدا، دا اللي فهمته من أوس
اومأ متفهما ثم تسائل: -أوس مرحش مع مراته ليه
هزت كتفها بعدم معرفة: -معرفش يابابي، ممكن علشان حادثة جاسر، وممكن علشان. صمتت فأكمل
علشان عملة عز مش كدا
-تصبح على خير حبيبي. قالتها وتحركت للخارج.
بعد قليل بغرفة جاسر، وجدها تغط بنومٍ عميق، اتجه إلى مرحاضه وخرج بعد دقائق، جلس بجوارها على الفراش يتابع بأعين عاشقة ملامحها القريبة لقلبه ألقى بالمنشفة على المقعد وتمدد بجوارها، يكفي إرهاق يومين، وجفائها ومعاقبتها بالبعد عن أحضانه
جذبها لأحضنه لتتوسد ذراعه، دفنت نفسها بأحضانه تهمس بإسمه
كيف لقلب عاشق أن يصمت عن النبض بقرب محبوبيه
رفع رأسها يحرك أنامله على وجهها، اقترب يلمس كرزيتها يداعب أنفها.
فتحت عيناها مبتسمة كأنه يرواد أحلامها همس بجوار أذنها: - وحشتيني مهلكتي ابتسامة ممزوجة بالنوم ثم همست
- بحبك أوي كيف يبني دفاعه ويشدد حصونه بعد ذاك الأنهيار أمامه، ماكان عليه إلى أن يتذوق تلك الشفاة التي جعلته قديسًا لها
هبت من مكانها بعدما احتجز ثغرها بين خاصته يقبله بنهم حتى يروي ظمأه. مرت دقائق وهي تحاول دفعه لم يتركها حتى فقدت التنفس.
ابتعد عنها لاهثا وهو يجحزها بين ذراعيه. لحظات تحاول أخذ أنفاسها
ثم هبت من مكانها
وتحركت دون حديث إلى غرفة آخرى بجناحه حتى لا تضعف أمامه، فقررت أن تبني حصونا لها للدافع عن بقايا الأنثى بداخلها
نهض من مكانه متجها إليها وجدها تعد ترتيب الفراش
-بتعملي ايه. أشارت له بالتوقف
-لو سمحت ابعد عني دلوقتي علشان منخسرش بعض، لو سمحت.
استدار بعد اختناق صوتها بنبرته الحزينة. جلس متنهدا ولم يعد لديه قدرة على التحمل من ابتعادها عنه
زفر متجها للشرفة، فالجو جو ربيعي ممزوج بجو الخريف، تهكم وجلس هامسًا
-حتى الجو متقلب، جذب سجائره وبدأ يدخن بشراسة حتى انتهى من علبته وهو جالسًا. بالداخل.
جلست تضع رأسها بالوسادة تمنع شهقاتها حتى لا يستمع إليها، كيف عاقبت نفسها بالبعد عنه وهو محرر رئتيها للتنفس والحياة، هو القلب للجسد وهو الروح للحياة، ودت لو تحركت وألقت كل شيئا خلفها وانعمت نفسها باحضانه.
حرب شعواء بين القلب والعقل، حتى غفت بنومها مرة أخرى، ظل بشرفته يحرق بتبغه حتى اختلطت نيران تبغه بنيران صدره، ساعات وأشرق نور الرحمن نهض متجها للمرحاض، خرج بعد دقائق معدودة واتجه لصلاة الفجر، استيقظت على إغلاقه باب جناحهم
نهضت لأداء فرض ربها، جلست فترة لتلاوة وردها وأذكرها حتى دلف من الخارج، ولج لداخل دون حديث
أخرج ثياب الرياضة وتحرك لغرفتها، كانت تراقبه بصمت وهي تنظر بكتابها.
تنهدت بوجع بعد دلوفه للداخل، ثم نهضت متجهة للشرفة تستنشق الهواء النقي. جلست تستمتع بشروق الشمس حتى خطر على ذهنها جلوسها بالشمس للأستفادة من أشعتها الصباحية، نظرت بساعة يديها ثم جلست منتظرة خروجه لعمله، مرت قرابة الساعة حتى استمعت على صوت الباب، تيقنت من خروجه، فنزعت مأزرها وجلست بمنامتها العارية ذو حمالات باللون الاسود، وتنورة منزلية إلى مافوق الركبة باللون الأحمر، رفعت خصلاتها لأعلى مع تدلي بعضها بشكل عشوائي.
فتحت هاتفها على موسيقى وامسكت كتابا عن الأدب تقراه.
ظلت جالسة قرابة الساعة وهي مازالت تقرأ بالكتاب حتى ازاداد شعاع الشمس، فرفعت الوشاح على أكتافها
فتح عيناه بتمهل حتى اعتدل ينظر بساعته، فقد حان الوقت التاسعة صباحا ارجع خصلاته المتمردة يفرك عيناه، التقطها تجلس بشرفة الغرفة تحتسي مشروبا وبيدها كتابا مندمجة به، لحظات واستمعت لرنين هاتفها
اعتدل يراقبها.
ظل يراقبها بقلبه قبل عينيه، لأول مرة يراها تجلس بالشرفة في الصباح الباكر. حدثت أخيها وهي مغمضة العينين. ، كأن حديثه لم يروقها، ابتسم على ملامحها، بريئة كالأطفال، نقية تشبه قطرات الندى
رجع بجسده يتكأ على الفراش، ورماديته تبحران فوق ملامحها بشغف ود لو ضمها لأحضانه، ولكن ليت الأماني بالتمني، توسعت ابتسامته وهو يستمع إليها
-عز اعمل اللي انت عايزه، بس والله حلال اللي روبي بتعمله فيك، معرفش ايه الجنان دا.
علي الجانب الآخر
-وأنا بقولك اتصرفي ياجنى وخليها تكلمني، ياإما هقلب جاسر عليكي. أطلقت ضحكة خافتة، ثم رفعت ساقيها العاريتين على السور الحديدي متراجعة بجسدها للخلف وأجابته: -ولا تهمني ولا إنت ولا هو، ولا اقولك تعالى طلقني منه، هتبقى عز فعلا، والله انتوا الاتنين تستاهلوا الحرق، وياله بقى عايزة اتشمس قطعت خلوتي مع نفسي، وقبل ماتتكلم انا هساعد روبي تطلق منك وعقبالي انا كمان، رجالة رزلة وعايزة الحر. ق.
نهض من مكانه، يخطو بتمهل وكلماتها أشعلت نيران صدره، امسك كنزته حتى يرتديها، فتوقف ملقيها على الأرض، ثم اتجه إليها بخبث. حاوط مقعدها من الخلف، فارتفعت ساقيها للأعلى صارخة
نظر إليها من فوق رأسها
-مش براحة الصوت المسرسع دا ولا بتصوتي علشان اصحى وتغريني بشكلك دا، ، رفع المقعد أكثر وغمز بعينيه: -حلوة الشمس في الوقت دا، ثم ازال وشاحها من فوق أكتافها.
-بقول دول لازم يتشمسوا برضو، انحنى يهمس لها، الشمس فيها فيتامين دال ياحبي، علشان تبقي قوية وتعرفي تضربي كويس توسعت عيناها من وجوده بتلك الهيئة، نسيت أجازته اليوم، فهمست بتقطع بعدما وجدته عاري الصدري، ولا يرتدي سوى ذاك السروال القصير. وضعت يديها على عيناها
-ايه اللي عامله في نفسك دا، روح استر نفسك. ازال كفيها ونزل بجبينها على خاصتها ومازال على حاله.
-مش مستور وعايز اللي يسترني، ايه رأيك تيجي تستريني قبل مانطلق ياروحي، اصلي حلمت، بيسألوني نفسك في ايه قبل ماطلق مهلكتك قولتلهم نفسي تسترني. حاولت ابعاد رأسها
-جاسر ابعد كدا، عيب على فكرة احنا في حكم. صمتت صارخة تضع يديها على وجهها عندما وجدته يرفع شرواله
نظر إليها ساخرا: -ايه برفع الشورت هيوقع، قالها غامزا.
سحب نفسها بقربه المهلك ورائحته التي لا تود سوى استنشاقها فقط، ابتعدت بنظراتها المرتجفة عنه ورسمت الجمود
-ممكن تسبني عايزة اقعد مع نفسي. جلس على السور أمامها وهتف دون جدال
-لأ. لما تقعدي معايا الأول يبقى تقعدي مع نفسك
نهضت ورفعت سبباتها
-متنرفزنيش انت قولت هتسبني براحتي، بترجع في كلامك ليه.
جذبها بقوة حتى اصطدمت بصدره العاري، وحاوطها بذراعيه. دفن وجهه في حنايا عنقها النقي مثل الثلج يستنشق رائحتها هامسا اسمها بشوق بالغ.
-عرفتي تنامي بعيد عن حضني ياجنى، حبيبك هان عليكي، رجفة قوية أصابت جسدها بالكامل، اللعنة على قلبها الذي ينهار أمامه دون مجهود. أنفاسه الحارة تحرق عنقها، تجمد جسدها وتوقف عقلها وارتفع نبضها، لا تريد الابتعاد بينما صفعها عقلها بقوة بأن تبتعد، وكأنه علم بما يصير لها فهدم حصونها بدفاعاته عندما رفعها من خصرها لتكون بمقابلتها هامسا بصوته الأجش بنبرة متحشرجة.
-بتقسي على حبيبك حبيبي، بلاش اللي بتفكري فيه، متمشيش ورا شيطانك، اقترب واقترب حتى لمس ثغرها وأكمل حتى سقط المتبقي من دوافعها
-بموت لما تبعدي عني، مش عايز الأيام دي ترجع تاني. كانت عيناها تحاور عيناه بأن يرحم ضعفها، يتركها وشأنها فهي لم تقو على مايحدث لها
همست بإسمه عله يبتعد فجسدها خائر ضعيف بحضرته كأنه ألقى تعويذته عليه ليصيبه بشلل كاملا
طبع قبل سطحية متحدثا.
-إنسي مش هسيبك ولا أرحمك بالبعد عني. أطبقت على جفنيها فجذبها حتى جلست بأحضانه كاملا
حاوطها بذراعه يعصرها داخل أحضانه
-جنى أنا مقربتش من فيروز، والله من يوم مااتجوزنا، حتى من قبل طلاقنا بكتير، هنا هبت فزعة عندما فاقت من أحلامها الوردية التي سيطر قلبها عليها واتجهت للداخل
-ميهمنيش تقرب ولا لا، انا بفكر جديا بطلاقنا، سبني لحد مااقرر حياتي اللي سرقتوها
رفعت عيناها الحزينة واستأنفت بقلب فتته الوجع.
-إنت اتجوزتني من غير ماتاخد رأيي، حطتني قدام الأمر الواقع، مكنش ليا خيار ارفض ولا اوافق، سبني اقرر ايه اللي هيحصل بعد كدا
كلماتها أصابت قلبه بسهمًا مشتعل، حتى حولته لجحيم مستعر، كأن نار الله اوقدت احشائه
-يعني؟ تسائل بها بعينان زائغة، ضائعة، وملامح وجمة
تراجعت خطوة للخلف تبتعد عن ذراعيه، حتى شعرت بالعري أمام قلبها، الذي أصبح دافئًا بحوزته، والآن بارد برود الموتى.
ارتجف قلبها من كلماته وحالته، فهمست بتقطع: -عايزة أقنع نفسي إن كنت بتحبني ولا لا. استدارت بجسدها مبتعدة عن عيناه الجائعة لإحراقها بسبب كلماتها واكملت
-أنا دلوقتي مش متزنة، قلبي بيضغط وعقلي بيبعد، حالة ميؤس منها، عايزة أتاكد انك بتحبني ولا لأ وخصوصا بعد اللي هقولوه دا
امسكها من ذراعها يديرها إليه.
-عايزة توصلي لأيه ياجنى، عايزة تبعدي عني، عايزة نرجع نتوجع واحنا اقرب من بعض، هتقولي غير كدا هسمعك، أما لو ناوية على دا، فأنا رافض ورفضي نهائي، أشار بسبباته مقربها من عيناها المشتتة
-أنا مش عيل ولا إنتِ عيلة علشان نقيم مشاعرنا، ودا عرفناه لما بعدنا عن بعض
أطبقت على جفنيها تهز رأسها وانسابت عبراتها
-جاسر لو قولتلك اني مبخلفش هتعمل ايه!
صدمة اهتز لها جسده بالكامل، حتى شعر بإنسحاب أنفاسه فهمس ضائعًا.
-ايه!، عرفتي ازاي
ارتبكت قليلا، فأجابته بتقطع
-عملت تحاليل من فترة، ايه مالك مصدوم مش إنت بتحبني
توقف للحظات يستوعب صدمة كلماتها، ثم سحبها يضمها بقوة لأحضانه: -انتِ عندي أهم من أي حاجة، أنا بس اتفاجات كان نفسي يكون عندنا أطفال
متمنتش غير كدا، نبني عيلة مع بعض، رغم كدا راضي بحكم ربنا
رفعت كفيها تحتضن وجهه ثم طبعت قبلة على خاصته وتراجعت مبتعدة
-لازم نبعد شوية ياجاسر، لازم اخد قرارات حياتي بنفسي.
جذبها بغضب وضغط على ذراعيها بقوة آلامتها:
-مش هتكلم تاني، هتجيبي سيرة البعد انا بقول البعد بس متكلمتش في حاجة تانية هقطع لسانك ياجنى
اتسعت حدقيتها بصدمة تطالعه بذهول، لم يعطيها فرصة لتتجاوز صدمتها فهجم عليها كالأسد المفترس، يحجز ثغرها يؤلمها لأول مرة، لحظات منع تنفسها حتى شعرت بإنسحاب روحها لبارئها انسابت عبراتها رغمًا عنها مما جعله يتذوقها، دفعها بقوة وأشار بسبباته وكأنه لم يفعل شيئًا.
-إنت هنا مراتي، دي اوضتنا، ودا سريرنا اكيد فاهمة كلامي، هدخل اخد شاور، اقترب ولم يعريه حالتها المنهارة، واقترب يجز على أسنانه، فلقد نفذ صبره وأصبح قاب قوسين أو أدنى من احتجازها بين ذراعيه ليذيقها أشد عذاب الحب
رفع ذقنها بأنامله
جوزك عايز يتليف يامدام، اكيد فاهمة كلامي، ورايا على الحمام
قالها وتحرك ساحبًا نفسًا عميقًا حتى لا يعود ويضمها يزيل آلامها.
ولج للمرحاض وكلما تذكر حديثها يشعل صدره كبركان متصاعد الحمم، يريد الانفجار
ضغط على قنينة عطره حتى تناثرت بكفيه، ودمائه انسابت
-طلاق وفراق، كلمات تصفعه بقوة، زمجر بغضب
-غبية، متعرفش انا حاسس بأيه دلوقتي
بالخارج هوت بمكانها، ورغم تراقص قلبها فرحا بتمسكه بها، إلا أن عقلها ايقظها على حقيقة دامية، امتلاك غيرها له، وذاك الفيديو الذي يصفعها بقوة.
انشلت حواسها ولم يعد لديها قدرة على التفكير، فركت جبينها وجلست كالضائعة دقائق معدودة ثم اتجهت لمرحاضًا لعدة دقائق، وبحثت عنه وجدته مازال بالحمام
ألتهب قلبها بالخوف عليه، ألقت المنشفة وتهادت بخطواتها تذهب إليه، ولجت حتى تُطمئن قلبها عليه، ولكن ذهلت عندما وجدته مازال جالسًا بحالته.
رفع رأسه يطالعها للحظات، فاقتربت منه، لا تعلم ماذا ستقول له وكأن لسانها انعقد وانحشر الكلام بحلقها، أحبت الأطمئنان ولكنه رآها ظنت أنه بالداخل
توقفت أمامه للحظات وصمتا مشحونا بأنفاسهما، هو يحترق من كلماتها وهي من أفعاله
نهض من مكانه
-خير! زاغت ابصارها ثم هتفت
-ايه مش قولت عايز تتليف، جاية أليفك.
طالعها بصمت مضيقًا عيناه متسائلًا: -تليفيني وماله ياقلبي، دا يوم الهنا، تراجعت قائلة: -افتكرت حاجة هعملها وارجعلك، لم يجعلها تتجاوز خطوة واحدة فجذبها بقوة من رابطة مأزرها يدفعها بقوة تحت الدش، لم يدعها تتجاوز الصدمة ففتح صنبور المياه لتدفق بقوة عليهما
شقهة خرجت من جوفها تنظر إليه بصدمة
-اقفل المية يامجنون. قهقه عليها بصوت مرتفع.
-ليه ياروحي مش جاية تليفيني، ياله ياقلبي فين عدتك، وبالمرة تعمليلي مساج أصل دهري قافش
رمقته والشرر يتطاير من مقلتيها قائلة بصوت مرتفع: -ابعد عني، انا مكنتش داخلة ازفتك ولا حاجة، كنت جاية، صمتت تنظر إلى نظراته الأختراقية على جسدها
جحظت عيناها تغلق مأزرها تلكمه بصدره: -وقح وقليل الأدب يابن عمي
لف ذراعيه حول خصرها يجذبها يضمها كالأسيرة بين ذراعيه، حتى التصقت به، والمياه المتدفقة فوقهم قائلًا لاستفزازها.
-ايه ياروحي لسة واخدة بالك اني وقح وقليل أدب، مش مهم المهم دلوقتي كنتي عايزة ايه برضو
رجفة قوية اجتاحت جسدها، رفعت بصرها وليتها لم تفعلها، فتلاشت بين يديه مهتزة فتحدثت: -ابعد يابن عمي اللي بتعمله دا ظلم وجبروت ليا
أطلق صوتا اعتراضيا تردد في حلقه وأخرجه من انفه، ثم انحنى بانفاسه المختلطة بالمياه.
-غلطانة يابنت عمي، دا مش ظلم ولا جبروت دا عشق. سمعاني ياجنى عشق الجاسر، وقولتهالك قبل كدا وهقولها تاني اللي بعدني عنك في الأول غباء ياروحي دلوقتي صلحت مخي واستوعب غلطه، إنما لو عايزة تتمادي بالغباء وتلعبي معايا، بعشق اللعب ياحبيبة جاسر
انهارت حصونها بالكامل ولم يعد لديها دوافع لمقاومة عشقه الضاري فهتفت
-طيب لو قولتلك لو بتحبني اديني وقت اتعافى من اللي حصلي
ضغط على خصرها.
-بت عايز اخد شاور بمزاج، هتسوقي الهبل هخلعك هدومك علشان تستوعبي انك مراتي وبس، مش عايز اسمع غير كدا، أنهى كلماته بحزم وقوة ثم أكمل بتهديد
-لو فتحتي الموضوع دا تاني هروح اتجوز عليكي ياجنى بجد، اقسم بالله اعملها، واهو عز عملها رغم عشقه لروبي. دفعها بعيدا عنه واستدار يزيل ثيابه
-اطلعي برة عايزة اكمل الشاور، أما بقى لو عايزة نكمله سوا معنديش مانع.
تحركت متجهة للخارج، تسبه، ولجت للداخل غرفة الملابس وأخرجت ثوبا مريحا، وضعت كفيها على احشائها
-ابوك منحط، بس والله لأربيه.
بعد عدة ساعات
بمنزل فيروز استمعت لصوت طرقات على باب منزلها، هرولت ظنا أنه جاسر، ولكنها توقفت مشدوهة
خلع نظارته وهتف
-قولتلك هتعملي حاجة غلط لأختي مش هرحمك، قالها وهو يدفعها للداخل
توقفت تعقد ذراعيها
-ايه ياباشمهندس بيقولوا عليك متربي وتعرف في الاصول، ينفع تدخل بيت واحدة لوحدها
استند على الجدار وأشار بسبباته
-جيتي وقولتي هثبتلك أن جاسر مش بيحب جنى، عايز اعرف عملتي ايه ياحيوانة.
اقترب منها وهي تتراجع للخلف
-هصوت وألم عليك الناس، واقولهم عايز تغتصبني، توقف مذهولا، يبتلع حسرته من ابن عمه لارتباطه بها، غرز عيناه بفيروزتها
-قدامك أربعة وعشرين ساعة لو مسبتيش مصر وحياة ربي لأندمك يابنت. توقف ولم يكمل سبه
كتمت وجعها من حديثه
-دا كله علشان حقي في جوزك، بص ياباشمهندس جاسر جوزي، واختك اللي خطفته ومش هتنازل عنه، واعمل حسابك هحول حياتها لجحيم، فلو خايف عليها خليها تبعد عنه.
نظر إليها بذهول، فاقترب منها وداخله يحترق كمرجل جف مياهه من كثرة الغليان
-اسمعيني كويس انا مبعدش كلامي، طبعا اكيد عرفتي انا عملت ايه في جاسر اللي هو اخويا علشان بس وجع اختي، تخيلي بقى اخويا وعملت فيه كدا، ممكن اعمل فيكي ايه
-ولا تقدر تعمل حاجة
مسح على أنفه، ثم هز رأسه واستدار ليغادر، توقف بعد عدة خطوات
- قدامك لبكرة الصبح، بعدها متلوميش غير نفسك، عاملتك بما يرضي الله
-طيب ماتبعد ابن عمك عني مثلا.
استدار بجسده وضحكاته ارتفعت بالمكان
-انتِ شكلك هبلة، بس عادي نعقلك ياقطة، انا ماشي دلوقتي ويبقى سلميلي على هاني ابن عمك، باي قطة
تسمرت بمكانها فأسرعت خلفه إلا أن قطعهما طرقات على باب الشقة
-فتح عز للمغادرة ولكنه توقف جاحظًا عيناه وكأن أحدهم سكب فوقه دلو من الماء المثلج
- جنى.!
-عز.! بتعمل ايه هنا، تحدثت
-جاي علشان يتفق معايا على طلاقك من جاسر
استدار يرمقها بغضب.
-اتلمي يابت، علشان مجيش اكسرلك دماغك، ثم اتجه لأخته
-أكيد مش هتصدقي كلامها. أزاحته من أمامها
-اهلا ياضرتي. مش ضرتي برضو ولا غيرتي رأيك
حاولت لملمت شتات نفسها فاتجهت إليها: -أيوة، بس دا مؤقتًا، انتِ عارفة سبب جواز جاسر منك
راقبت جنى ارتجافة عيناها وكلماتها المتقطعة، فجلست تضع ساقًا فوق الأخرى
-أيوة عارفة طبعا اومال إيه، هو جاسر يقدر يبعد عن حبيبته برضو.
اتجهت إلى أخيها الذي وقف وعيناه على أخته كأنه يراها لأول مرة
-عز ممكن تسبني مع ضرتي شوية
-نعم.! قالها مذهولا، أنتِ واعية لكلامك دا، ضرة مين ياجنى، جاسر طلقها
اومأت بعينيها ثم اتجهت إلى فيروز
-لأ. مدام فيروز اقنعتني بحاجة تانية فأنا جاية علشان نعمل جدول ونتفق مش كدا ولا إيه
اقترب يجذب أخته
-انتِ اتجننتي ياجنى، نهضت وتحركت بخطوات متهادية
-سبني يازيزو، احنا ستات مع بعض.
-مستحيل، ياله ياجنى، والبت دي من بكرة هتسيب البلد وتمشي
رمقتها جنى بنظرات استفاهمية، ولكن خاب أملها عندما اردفت فيروز
-مش هسيبلك جوزي ياجنى، انا وجاسر مستحيل نبعد عن بعض، مستحيل يقدر يعيش بعيد عن حضني، هو مجوزك جبر خاطر وبس
اقترب عز كالمجنون إليها، توقفت جنى أمامه
-ايه ياباشمهندس اتجننت وهتضرب بنت ولا إيه، انا عايزة اتكلم معاها على انفراد لو سمحت، وياريت تسبنا لوحدنا
-جنى. تلألأت عيناها بخيط من الدموع.
-عز. لو سمحت
تحرك للخارج، لحظات تحاول السيطرة على ضعف قلبها بعدما رأت صورة زوجها توضع بأحد الأركان وهو يحتضن غريمتها. ضغطت على ثيابها واستدارت إلى فيروز الواقفة خلفها
-ايه ياجنى، جاية وعايزة ايه، مش كفاية مشاركني في جوزي
ابتلعت غصتها وجلست عندما فقدت توازنها، فصوره بكل ركن بهذا المكان
-أنا اللي عايزة أسألك أنتِ عايزة ايه يافيروز، يعني لعبتي بينا، ودلوقتي بتحاولي تقنعيني انك لسة مراته.
علشان انا لسة في قلبه ياجنى، جاسر مستحيل ينسى أول ست في حياته
أكيد طبعا فاهمة قصدي، والصراحة ياجنجون انا كنت بعرف احتياجاته ازاي يعني كنت بعمل حاجات مستحيل تعرفي تعمليها علشان كدا لازم تعرفي ان جوازك منه ماهو إلا وقتي وبس
عقلها نكر حديثها، فرفعت عيناها وتلاقت بنظرات نارية إليها.
-أنا ماليش ذنب في طلاقكم، هو اتجوزني بعد ماطلقك، وعلى فكرة جاسر مش عايز ولاد هو عايزني انا، يعني الكلام اللي بتحاولي تقنعيني بيه دا كذب، سحبت نفسا وزفرته
-فيروز، انا مبحبش اظلم حد، رغم انك ظلمتيني، فلو سمحتي بلاش وجع قلب لتلاتتنا، ابدأي حياتك مع حد تاني، أما بالنسبة لجاسر فهو دلوقتي جوزي أنا، غير أنه بيحبني أنا
وضعت كفيها على أحشائها.
الحياة دي نصيب وأنتِ اخدتي نصيبك من جوازك، دلوقتي انا جاية بكلمك كست بحاول مظلمكيش، ابعدي عن جوزي علشان مش هتنازلك عليه مهما عملتي
تحركت إلى أحد صوره ثم ألقتها حتى سقطت على الأرض متناثرة
-الصور دي مش من حقك أبدا، هو دلوقتي غريب عنك
اقتربت منها تحاوطها بنظرات كارهة
-تعرفي مكرهتش في حياتي ادك، قالتها بقهر
دنت تغرز فيروزتها بأعين جنى.
-دايما شايفة نفسك ملاك برئ وانت شيطان، خربتي بيتي وجاية بكل سفالة توقفي قدامي وتقولي جوزي
دفعتها بغضب وتحدثت بنبرة جنونية
-دا جوزي وحقي أنا، هوت جنى على المقعد، فانحنت إليها
-جوزي وحفظاه اكتر من أي حاجة، ومستعدة أقولك كل حاجة فيه بالتفصيل، دا حبيبي فاهمة يعني ايه الكلمة دي، يعني ممكن اقتلك ياجنى علشانه، ووعد مني هرجعه ليا وبكرة تقولي فيروز قالت، عارفة ليه.
-علشان جوازك منه ماهو إلا ضعف بعلاقتنا وبس، وعارفة ومتأكدة مهما يعمل قدامي ويقنعك أني مبقاش اعنيله هعرف ارجعه ازاي
ودلوقتي امشي اطلعي برة، مش عايزة اشوف وشك تاني، توقفت أمامها
-عارفة يافيروز لو عندي شك أنه بيحبك كنت سبتهولك، ماهو أنا سبتهولك زمان
صفقت فيروز بيديها
-أيوة دا اللي بحاول افهموهلك ياجنى هانم جاسر لو حبك مكنش جري ورايا انا، وسابك رغم كان عارف بحبك له
ابتسمت جنى بسخرية ثم انحنت تجذب جذانها.
-اعملي أعلى مافي خيلك يامدام فيروز، وصدقيني لو قدرتي عليه يبقى مبروك عليكي.
قهقهت فيروز وتحدثت متهكمة
-هرجعه صدقيني ووعد مني لآخر عمري، دنت تضع كفيها على كتفها.
-كفاية تفتكري كل ماجاسورة يقربلك أنه كان معايا زيك كدا ياحلوة ويمكن اكتر، اعرفي انك اخدتي شخص استعملته قبلك وبقيت رقم واحد عنده، طبعا انت فاهمة احساس الراجل بيكون ازاي مش كدا ولا ايه، واكيد فاكرة وقتها هو كان بيعشقني ازاي، تخيلي بقى حياتنا مع بعض كانت ازاي
قالتها فيروز وهي تعلم أنها أصابت هدفها باتقان، فضغطت على جرحها دون رحمة، أشارت عليها.
-انتِ ولا حاجة، أنا الاولى، اول فرحة حتى اول حمل كان معايا انا، كل حاجة معايا كانت لأول مرة، دنت تهمس بأدنها
حتى كلمات العشق بينا كانت لأول مرة ياجنجون، شوفتي الطفل اللي بيكون في حضن أمه وعايزة تبعديه، لازم ياخد وقت علشان ينسى حضن أمه، اهو انا كدا بالنسباله. مستحيل الطفل ينسى حضن أمه علشان هي اكتر واحدة داق الحنان لأول مرة في حضنها
أنهت كلماتها الموجعة ترمقها بنظرات مشمئزة.
اعتصرت ألمها وحاولت ألا تظهر ضعفها، سكنت اوجاع قلبها داخلها وضغطت بقسوة عليه، ثم رفعت نظرها
-مكنش رماكي في أول مذبلة، مكنش طايق دلوقتي لمستك، صدقيني أنتِ غلبانة اوي وصعبانة عليا، لأنك مريضة
اما موضوع لأول مرة دا اللي فرحان فيه، فلو كان مرسوخ عنده زي ماعمال ترغي فيه مكنش قدر يتجوز عليكي بعد طلاقك بأسبوع
اقتربت منها وأردفت.
-مكنش خطفني بعيد عن الكل علشان محدش يشوفني غيره، مكنش قرب مني قبل مايكمل شهر من طلاقكوا، مكنش عيشني في جنة متأكدة انك معشتهاش يوم واحد
اقتربت أكثر ورفعت يدها تضعها على أحشائها
-مكنش يبقاله اجمل نبتة زرعها بعشقه هنا. دنت وهمست لها مثلما فعلت.
-مكنش نادكي باسمي في احلامه، وأنتِ اول استعمال، مكنش قالي مهلكته، أهلكته بعذاب البعد وانصهر بإشتياق الندم، وانت ايام أحزانه وندمه، ودلوقتي مستعد يتخلى عن الكون لمجرد اكون بين حضنه
قالتها وتراجعت عدة خطوات
-ابعدي عن حياتي يا فيروز وعن جوزي، دلوقتي أنا كنت عزراكي، لكن حاليا بعد اللي عملتيه ملكيش عذر عندي
قالتها وتحركت للخارج، أغلقت الباب خلفها وسحبت نفسًا عميقا، تنزرف عبراتها بغزارة كلما تذكرت حديثها.
تحركت وعبراتها تفرش طريقها وصلت للأسفل وجدت أخاها بإنتظارها
-جنى! أشارت بكفيها
-ابعد عني ياعز، مش عايزة اتكلم مع حد دلوقتي. اقترب ولم يعري كلماتها اهتمام
-حبيبتي. ممكن تسمعيني
تراجعت تهز رأسها رافضة اي حديث
-عايزة امشي ومش عايزة اتكلم مع حد، اتجهت إلى سيارتها وشهقاتها بالأرتفاع، توقف أمامها
-جنى مينفعش تسوقي كدا حبيبتي، طيب هتصل بجاسر يجيلك
صرخت بقلب يئن متمزق.
-ابعد عني، مش عايزة اشوف حد، قامت بتشغيل سيارتها وتحركت سريعا
امسك هاتفه سريعا متجها لسيارته
ظل يتصل به عدة مرات ولكن لا يوجد رد، ظلت تتحرك بسيارتها وعبراتها تغسل وجنتيها وكلمات تلك الحقيرة كما نعتتها تضرب أذنها كصوت الرعد.
وصلت إلى منزلهما، توقفت تلتقط انفاسها، تنظر لذاك المنزل الذي جمعت به أجمل اللحظات، توقف عز خلفها بالسيارة، ترجل متجها إليها بعدما وجدها مازالت بالسيارة لبعض الوقت
-جنى. رفعت نظرها إليه وهتفت بصوت متقطع
-جاية بيتي ياعز، متخافش عليا، جاية اجمع ذكرياتي مع جوزي
امشي لو سمحت عايزة افضل هنا لوحدي، يمكن يجي هو كمان هنا لذكرياتنا.
وقتها بس هتنازل عن كرامتي والله هتنازل ومش هطلب حاجة غيره وبس، أزالت عبراتها وترجلت من السيارة
-تفتكر هيجي هنا ولا مصدق أنه مشي
احتضن وجهها يزيل عبراتها، مع شهقاتها فألقت نفسها بأحضانه
-مش عارفة أعيش يااخويا، لا قادرة ابعد ولا قادرة أقرب، بحبه اوي ومجروحة اوي قولي اعمل ايه، اختك بتغرق ياعز، هموت لو بعد عني، وبتوجع لما يقرب مني بعد خداعه ليا
ضمها يمسد على ظهرها.
-هو مخدعكيش ياقلبي، جاسر بيموت فيكي والله ياجنجون، بالعكس اول مرة اعرف انه بتعذب بصمت ورغم كدا مبين للكل أنه سعيد
شهقت بصوت مرتفع
-وأنا بتعذب من بعده ياعز، والله بموت وهو بعيد بس مش عارفه اعمل ايه
أخرجها يمسح دموعها
-ارمي كله حبيبتي، وادخلي استني جوزك، أنا متأكد أنه لو عرف انك هنا هيطير ويوصلك
-إنت اللي بتقول كدا. ابتسم بحب لأخته
-أيوة أنا اللي بقولك كدا، وبأكدلك أنه بيحبك اوي، إياكي تتنازلي عن الحب دا.
-يالة ادخلي وهو لما يرجع البيت هيتجنن عليكي ومش هقوله أنتِ فين علشان قلبه يجيبه لعندك
ابتسمت من بين عبراتها، ثم رفعت نفسها لأخيها وطبعت قبلة على وجنتيه وتحركت للداخل كالفراشة تبحث عن زهورها
بمكتب يعقوب ولج أحد رجاله
-سيدي عثرنا على دكتورة كارمن. نهض متسائلا
-أين وجدتموها. وضع صورة أمامه قائلا
-أليس هي! ابتسم عندما وجدها تخرج بلبس الأطباء
-نعم سيدي العنوان الذي حصلنا عليه من السيد جواد الألفي حقيقيا.
اتجه إلى مكتبه
-هيا سنصل إليها.
بالكلية الحربية جلس بعد انتهاء تدريباته
-مرحب بوحش الحربية. ابتسم له
-عامل إيه ياكريم، رجعت إمتى
امسك المنشفة يجفف عرقه فتحدث: -رجعت الصبح وهاخد يومين كمان أجازة، أو ممكن اعمل زيك أسافر كل يوم
-ليه؟ ابتسم كريم وأجابه
-فرح اختي القردة الأسبوع الجاي
رفع حاجبه ساخرًا
-ليه بتحسسني انك بنت، وفرحان اوي دا فرح اختك مش فرحك
تسطح على الأرض بجواره.
-لأ طبعا لما أجوزها هرتاح واطمن، بابا خايف يحصله حاجة قبل مايجوزها، والحمد لله ابن عمي اخير رضي علينا وحدد الفرح
ضيق عيناه متسائلا
-مش عمك دا اللي واخد ورث باباك
أومأ برأسه وهو يرتشف المياه
-أيوة، بس أخيرا وافق، وكمان قال هيتمم جوازه بعاليا
اتجه ببصره له
-اصل أشرف وعاليا بيحبوا بعض من صغرهم، بس مشاكل العيلة وقعتهم وكسرت فرحتهم
اومأ متفهما ثم ضرب على كتفه
-عقبالك ياأسد.
ابتسم بمحبة: أن شاءالله، بس أكيد هتحضر الفرح، مش هقبل اعذار
-معتقدش لاني مش بتاع افراح. بتر حديثهم صوت الضابط
-إنتباااااه.
بعد عدة ساعات بمكتبه استمع الى رنين هاتفه
-باسم، قالها جواد بذهول
-جواد جنى مرات جاسر اتخطفت من بيتها لسة جايلي إشارة من أحد الظباط، بعد مااتصلوا بجاسر وبعدها خرج زي المجنون
-ليه جنى فين؟
كان يجلس أمام أحد الشاشات.
-جواد احنا مراقبين فيروز زي ماقولت، عز وجنى وكانوا عندها وبعدها بفترة اتصل بواب جاسر وقال فيه ناس هجموا على البيت بس ميعرفش خطفوا جنى ولا هي مشيت علشان ضربوه على دماغه واغمى عليه وبما انا براقب فيروز، فيه ناس جم اخدوها ومشيوا وعرفنا من جهاز التصنت أنهم بيتكلموا عن جنى، شوف البنت فين بالظبط وانا بعمل تحريات علشان اوصل لجاسر
هب من مكانه يتحرك بتخبط للخارج.
-أنا قولتلك خليها زي الهوا ياباسم، جاي تقولي كدا بعد ايه
-جواد وقت ماجالي التقرير اتصلت بيك. تحرك للخارج يصرخ على صهيب
-فين عز؟
كان يستند على الجدار خلفه
-ايه ياعمو خير، يارب ميكونش بنتك المجنونة رفعت قضية خلع علشان شكلي هخلع عيونها من وشها
دنى منه يلتهمه بعيناه حتى اقترب منه يمسكه من تلابيبه
-اختك فين ياله. رفع جانب وجهه وابتسامة ساخرة
-ليه ابنك مش عارف يوصل لمراته.
تحدث صهيب قائلا: -عز انت مش قولت انها راحت لجاسر
صفعة قوية من جواد على وجهه
شهقت غزل بوصولها، تقف متسمرة ممافعله جواد بعز
امسكه يهزه بغضب
-قولي أعمل فيك ايه ياحيوان، اموتك علشان ارتاح من غبائك
-جواد ايه اللي حصل
استدار إلى صهيب
-ابنك الحيوان دا مش هيبعد عن غبائه الا لما يموتنا كلنا
-اختك اتخطفت ياغبي، غبييييي
دفعه بقوة، يرجع خصلاته بعنف يريد اقتلاعها، وقف عاجزا ثم نظر لصهيب.
-البنت حامل، تفتكر ممكن يعملوا فيها لو عرفوا أنها حامل، دي مرات ظابط ياغبي
-عمو اسمعني. صرخ به اخرص، رفع هاتفه بعدما استمع لرنينه
-أيوة ياباسم
-شعر بإنسحاب أنفاسه وكأن الأرض تسحب من تحت قدميه فتسائل بلسان ثقيل
-جاسر حصله حاجة
-إيه، قالها ثم هوى على مقعده، انت بتقول ايه ياباسم. ابعتلي اللوكيشن بسرعة، توقف وكأن غمامه تداهمه بقوة. أما صهيب الذي هوى جالسًا يردد بلسان ثقيل
جنى.
↚
قبل يوم
كانت تجلس بشرفتها تحتسي مشروبها المفضل، استمعت لطرقات الباب
-ادخل. قالتها جنى بصوتها الهادئ
ولج جواد وابتسامة تنير وجهه
-سمعت إن حبيبة عمها منورة أوضة الحلوف ابني
نهضت من مكانها وهي تضحك بصوت مرتفع
-عمو جواد. قالتها وألقت نفسها بأحضانه. ضمها يمسد على خصلاتها
-حبيبة عمو الجميلة. أخرجها من حضنه يحتضن وجهها
-بقول بيت عمو منور ليه قالولي الأميرة جنى عندنا
رفعت نفسها، تطبع قبلة على وجنتيه.
-حبيبي إنت والله. ضيق عيناه
- تقصدي أنا صح، ولا الحلوف ابني
نزلت ببصرها للأسفل بعدما توردت وجنتيها هامسة
-طبعا حضرتك. سحب كفيها واتجه للأريكة
-تعالي ياعمو، احكيلي عملتي إيه الأيام اللي فاتت دي
جلست بجوارها تفرك كفيها وصمتت لا تعلم ماذا ستقول إليه
-سامعك ياعمو، الولد المتخلف دا عامل معاكي إيه، وازاي البيت ولع ياعمو
ابتلعت ريقها بصعوبة تهمهم بتقطع.
-كويسين الحمدلله، امسك كفيها التي تفركهما، ثم حاوطها بذراعيه يضمها لأحضانه
-احكي لأبوكي حبيبتي، عرفيني قوليلي إيه اللي حصل مع بنتي، ماليش دعوة بجاسر، لأني متأكد أنه مزعل جنجون أوي
أطبقت على جفنيها حتى لا تضعف امامه وتسيل عبراتها
-أنا اللي ولعت في البيت ياعمو. رسم الذهول والصدمة على ملامحه، فأخرجها من أحضانه.
-ليه حبيبتي هو إنت مجنونة علشان تعملي كدا، افرض لقدر الله النار مسكت فيكي تروحي لربنا كافرة ياجنى. المجنون ميعملش كدا، تخيلي بقى لما بنت كيوتي حلوة وبريئة وعاقلة زيك تعمل كدا
-وبعدين ياحبيبة عمك كنتي ولعي في البيت تحت، أو ولعي في الحلوف ابني اهو مكنتيش ضيعتي الأوضة اللي الولد دافع فيها دم قلبه.
رفع حاجبه وتحدث ساخرًا.
-إنما قوليلي ياجنى، جالك قلب تطلعي فوق وتولعي طيب مولعتيش في جاسر ليه ايه، كنتي هتريحيني منه
انا مجروحة موجوعة اوي ياعمو، لا مش موجوعة أنا مدبوحة، وياريت من حد غريب أو مدبوحة من أكتر شخص حبيته
اعتدل جواد مستديرًا إليها بقلب اب
-لأ ياعمو، إنتِ ضعيفة وهبلة، لما تبقى بنت صهيب الألفي تبقى بالحالة دي علشان قلبها اللي يتحكم فيها ويخليها تفقد إيمانها تبقى ضعيفة وهشة واي شوية ريح هيطوحوها هنا وهنا.
انسابت عبراتها واجابته
-قلبي بيوجعني ياعمو، معنديش قلب يتحكم فيا اصلا، لاني حاسة أنه مكسور
-جنننننى. أردف بها جواد من بين أسنانه. صمت مستغفرًا ربه يمسح على وجهه، زفرة قوية أخرجها من جوفه حتى يهدأ فلقد انتابه شعورًا حزينًا ممزوج بالأسى عليها
حمحم ثم تحدث مشيحًا بنظره عنها
-حبيبتي احكيلي اللي حصل
تراجعت بجسدها متكأة على الأريكة
-جاسر رجع فيروز ياعمو
-ليه.؟ عرفتي ليه رجعها قبل ماتعملي كدا؟
اتجهت بملامح واجمة وشل تفكيرها سؤال طرق بذهنها
-حضرتك كنت عارف إنه رجع فيروز
-أيوة. توسعت بؤبؤتها تهز رأسها وانهمرت عبراتها بغزارة
-ليه ياعمو، ليه توجعني اوي كدا، يعني ابنك رجعها واسكت، سبته يوجعني
ضم كفيها بين راحتيه
-حبيبتي فيه حاجات بنبقى مضطرين نعملها غصب عننا، سحب نفسًا وزفره واستأنف بعقلانية وذهن حاضر.
-جاسر من وجهة تربيته مغلطش حبيبتي، وانا بقولك من وجهة تربيتي له، علشان اتحط تحت اختبار بين الزوج العاشق وبين تربيته لما حد يلجأله مينفعش يقوله لا
تنهد بصوت عالٍ لدرجة أنها لا حظت إرتفاع صدره متخذًا نفسا طويلا ثم تحدث
-جنى ضعفك مش عجبني، أنا معرفش ايه اللي حصل خلاكي تبقي كدا، حتى لو جاسر نفسه اللي وصلك للمرحلة دي فأنا رافضه.
-تفتكر جاسر اتجوزني ليه ياعمو، زي مابيقول كدا، ولا علشان فيروز مبقتش تجيب ولاد
تطلع إليها مذهولا مما جعله يهز رأسه رافضا كلماتها
-لأ دا إنت اكيد اتجننتي، شايفة أن ابني يكون منحط علشان يلعب بمشاعرك ويتجوزك علشان الولاد
بأنامل مرتعشة وأعين تقطر الأسى: -للأسف ياعمو أنا مبقتش اصدقه، بيقول حاجة ويعمل عكسها.
تناولت الهاتف وأخذت تفتش فيه حتى وصلت لصوره مع فيروز، بقلبًا يقطن وجعًا وعينًا تتمزق من رؤية تلك الصور وضعتها أمام عمها
-الصور دي فيروز بعتتهالي، وقبلها جاتلي وقالت اني خطفت جوزها، ومبقتش قادرة على بعده وهي وافقت علشان الولاد، بس خلاص مبقتش قادرة
أغمض جفونه محاولا استيعاب ماسردته ثم التفت بعينيه
-صدقتي علشان كدا اتجننتي وعملتي كدا
-مصدقتش والله، بس. نهض من مكانه. وتحرك لعدة خطوات.
-بس شيطانك لعب بعقلك علشان تموتي كافرة. دا اللي قادر أقوله
نهضت وتوقفت بجواره
-كنت عايزني اعمل ايه؟
-كنت عايزك جنى بنت صهيب ياجنى، مش حتة بنت تلعب عليكوا، مسالتيش نفسك لو جاسر معبرها كانت هتجيلك ليه.
-عمو ابنك اتجوز عليا، حاسس بقوة الكلمة، مش بقول لحضرتك احساس الست ايه وقتها، ليه كذب عليا
ليه مقليش، ليه دايما بكون آخر حاجة بيرجعلها، انا تعبانة ومبقتش متحملة الدنيا توجع فيا.
ضمها لأحضانه يمسد على خصلاتها بحنان أبوي
-جنى انت أقوى من كدا، متخليش حبك لجاسر يضعفك أنا زعلان عليكي
الحب بيقوي حبيبتي مش بيضعف، وطول ماجوزك بين ايدك المفروض مفيش حاجة تهزمك
رفعت رأسها وتسائلت: -تفتكر هو بين ايديا ياعمو
لاحت ابتسامة بعيونا لامعة على وجه جواد، ثم رفع أنامله يلمس وجنتيها يزيل عبراتها العالقة.
-هو أنا اللي هقولك ياجنى، أنا اللي هقولك ان كان في قلبك مش بايديكي، انت اكتر واحدة عارفة وحاسة حبيبتي. اللي أقدر اقوله أن دا جوزك إنت وحقك إنتِ، همس بصوت منخفض: وحبيبك إنت ياهبلة، دا كفيل انك تحاربي اي حد وانت قوية مش ضعيفة، أما لو هتفضلي ضعيفة كدا هتخسري، لازم تقوي عن كدا
تفتكر هقدر بعد اللي حصلي. تسائلت بها بأعين مشتتة
ضغط على وجنتيها التي بين راحتيه يتعمق بعيناها، مردفا بصوت لايقبل الجدال.
-جنى. إنت مصدقة نفسك، عايز أعرف حصلك ايه من الدنيا يابنتي، انت بين اهلك عندك أخ مستعد يدوس ويحرق الكل علشانك، جوزك اللي عمل اللي يرفضه العقل علشان يتجوزك، ايه اللي اتعمل فيكي، لو قصدك عن جواز جاسر في الاول فانتِ محدش غيرك اللي وصلكم لكدا
رفعت عينها تطالعه بذهول
-عمو بتقول ايه!
-بقولك اللي انت مش عايزة تقنعي نفسك بيه، انت وهو اكتر اتنين اذيتوا نفسكم، وانا شايف ربنا بيحبكم علشان جمعكم تاني.
تراجع يحمل هاتفه وتحدث: -اقعدي مع جوزك واسأليه في اللي واجعك، صدقيني هترتاحي وقتها ومفيش احساس الوجع الضعف دا وعلشان تبقي عارفة أنا معاكي في أي قرار، بس قرار بالعقل ياجنى، مش قرار متهور. تحرك للباب ولكنه توقف مستديرًا.
-المفروض نرد الزيارة علشان محدش يبقى له عندنا جميلة، بس زيارة تعرفه حدوده، جاسر مش شايف غير واحدة وبس وهي جنى جاسر الألفي ياريت تحتفظي باللقب دا علشان لو نستيه ياجنى هتخسري كتير، قالها وتحرك
-عمو أنا حامل. تسمر جواد بخطواته ثم استدار إليها
-جاسر يعرف! هزت رأسها بالنفي، ثم اقتربت وزاغت عيناها بالارجاء
-لأ. ضيق عيناه مرددا
-لأ. يارب ميكنش فهمت غلط ياجنى
تضجرت ملامحها بالحزن.
-خايفة ياعمو، خايفة يكون كلام فيروز صح
اتسعت عيناه من هول ماتلفظت به وهبت زعابيب غضبه برفض لحديثها قائلا: -مش هقولك غير حاجة واحدة، اجمل شعور عند الراجل لما يعرف مراته حامل، حتى لو هو رافض العيال. تخيلي بقى لو نفسه يكون أب فعلا
-ماهو دا اللي خايفة منه ياعمو، لازم اتأكد من كدا. زفرات نارية اردات إحراقها فاقترب منها.
-لازم تعرفي جوزك بحملك ياجنى، يعرف منك غير مايعرف من حد حبيبتي، وأنا بضمنلك أن جاسر مستحيل يفكر فيكي بالطريقة دي
تطرقت برأسها أرضًا بأسى وهمست
-أنا قولتله إني مبخلفش. هوت كلماتها على عقله شطرته لم يخطر بذهنه أنها تكون قاسية بتلك الدرجة. خطى إلى أن وصل إليها
-متخلنيش اشك في حبك لابني يابنت اخويا، انا بحبك أه بس أنتِ بتغلطي في حق نفسك قبل حق جوزك، رفع ذقنها
-حد يعرف تاني؟
هزت رأسها بالنفي. واجابته بصوت مختنق
-حضرتك أول واحد تعرف، كنت ناوية أقوله لكن
اومأ برأسه مرددا بتهكم: -لكن فيروز لعبت بعقلك وعرفت تخليكي هبلة وعبيطة وتحرمي جوزك من فرحة أي راجل، اتمنى تفوقي ياجنى، دور الضعف دا مش عايزه منك يامرات ابني. قالها وتحرك وهو ينفخ بغضب.
جلست بعد خروجه تنظر حولها بضياع
-معقول ياجنى هتسيبي واحدة زي فيروز تسرق سعادتك، عايزة اثباتات إيه أكتر من اللي قالوا جاسر. تذكرت منذ ساعات.
فلاش باك
خرج من مرحاضه وجدها تجلس أمام المرآة تقوم بتصفيف خصلاتها، ثم قامت بجمعها للأعلى، توقف خلفها يراقبها، رآته من خلال المرآة، ورغم ذاك أكملت ماتقوم بفعله
اقترب منها وانحنى يحاوطها بذراعه.
-جنى لازم نتكلم، مفيش حاجة بيني وبين فيروز، اقسم بالله ماحصل حاجة بينا، الموضوع اني حبيت أخرجها من قذارة امها، امها بتعمل عليها مزاد، انا مريضنيش أن بنت تكون كدا، حاولت أخرجها برة البلد، بس ماتوقعتش إنها بتعمل كدا علشان توقع بينا، فكرتها عايزة تتغير فعلا
اتجه وجلس أمامها: -جنى إنتِ شاكة في حبي، معقولة تكوني مصدقة ومتخيلة إني اكون بالحقارة دي
توقفت تشيح ببصرها عنه.
-جاسر لو اتكلمنا في الموضوع دا دلوقتي هنزعل من بعض، خلينا نبعد عن بعض فترة ألملم جروح نفسي لو سمحت
رفعت عيناها تكبح غلالة دموع غيمت مقلتيها ثم تحدثت برجاء
-مستهلش منك كدا، مش عايزة تدبحني تاني، خليني أبعد وأنا لسة بحبك، أمسكت ذراعه الذي أصيب بالنار ورفعت عيناها اللامعة بالدموع تتلمس جرحه.
-شوفت عملت ايه، وكان ممكن أذي حد فينا اكتر، ارجوك ياجاسر، بلاش تخلي حاجة ليك في قلبي وحشة، خليني اعالج وجعك ليا، وضعت رأسها على صدره واكملت
-علشان دا يفضل يحبني دا لو بيحبني بجد.
جذبها بقوة آلامتها وضغط على على خصرها يضع جبينه فوق خاصتها: -تبعدي بس في حضني سمعتي ياجنى مش مسمحولك حتى تنامي في أوضة تانية مش هتكلم تاني، هبعد عنك ومش هقرب وهسيبك براحتك، لكن هنا في الأوضة دي، أشار على صدره ووزع نظراته الهائمة على وجهها ملمسًا وجنتيها
-مقدرش ولا إنتِ هتقدري، مش هتقدري ياجنى، لو بتحبيني زي مابحبك مش هتقدري
تلألأت عيناها بطبقة كرستالية بخيط من الدموع.
-هترضى تربط نفسك بواحدة مابتخلفش، ولا بعد فترة هتتجوز عليا وتقهرني
ضمها بقوة يعصرها بأحضانه
-إنت أختي وبنتي قبل ماتكوني مراتي، تفتكري هقدر ا أوجع قلبك ياجنجون. دا أنا اوجع قلبي ولا أوجع قلبك ياحبيبة جاسر، ولو على موضوع الولاد، دا بيكون رزق من ربنا ومالناش دعوة بيه
تسارعت مشاعرها بصدرها فنظرت لرماديته.
-خلاص ياجاسر سبني أتجاوز اللي حصل ونرجع أحسن من الأول. لمس ثغرها بأنامله ثم أقترب ليحتضنه ولكنها وضعت يديها تتراجع للخلف
-أنا تعبانة وعايزة أنام، منمتش قالتها وهي تزيحه من طريقها متجهة للفراش، قامت بنزع مأزرها وتمددت على الفراش تجذب الغطاء
ظل يراقبها بأنفاسه المحترقة، ثم اتجه إلى غرفة الملابس وسحب تيشرتيه وارتداه سريعا متجها للخارج يصفع الباب خلفه بقوة.
خرجت من شرودها متجهة لخزانتها وارتدت ثيابها بعد قرارها بالذهاب إلى فيروز
عند يعقوب امسك هاتفه
-مرحبًا سيد جواد
-اهلا يعقوب. اريد أن أشكرك لقد توصلت لكارمن
ابتسم له جواد
-كنت عارف إنك هتوصل، آسف كان لازم اعمل كدا لحمايتها
سحب بعضًا من تبغه ونفثه ينظر من النافذة
-كنت أعلم إنك تحاول الحفاظ عليها، اشكرك مرة ثانية.
ترجل من السيارة أمامه البودي جاردات متجها لتلك المشفى التي تعمل بها، توقف أمام الاستعلامات بالأسفل
-لو سمحتي عايز دكتورة كارمن الألفي الاقيها فين هذا مااردف به أحد بوجورديه
كان يقف أمام المشفى وعيناه تدور بالمكان بتفحص، دقائق ووصلت إليه
فتاه تملك من الجمال مايميزها عن غيرها عينها كموج البحر، وخصلاتها الذهبية المموجة تجعلها أميرة تخطف القلب قبل العقل.
-اهلا حضرتك، قالولي انك تبع عمو جواد. استدار بجسده، طالعها بعينان كالصقر من تحت نظارته، حقا اميرتي فأنت مثالا للفتنة والجمال
بسط كفيه
-مرحبًا، ضيقت عيناها تنظر إليه بعمق
-حضرتك تعرفني منين
رفع نظارته فوق خصلاته، ودقق النظر بعيناها، ارتجفت شفتيها مرددة
-يعقوب!
عند جاسر دلف لمكتبه قابله باسم
-عمو باسم. قالها وهو يحتضنه بمحبة
-اهلا بحضرة الظابط الهمام، وحشتني ياجسور.
ابتسم له مردفًا بسعادة: -حضرتك اكتر، جيت إمتى؟
تحرك إلى مكتبه وهو يجاوبه
-من اسبوع تقريبًا. توقف عن السير يطالعه بذهول
-نعم!، جاي بقالك اسبوع وانا معرفش
جلس باسم يشير إليه بالجلوس
-لسة اول يوم انزل الشغل، حياة كانت تعبانة ومحجوزة بالمستشفى علشان كدا محبتش اقلق حد
جلس يطالعه وتحولت ملامحه للضجر منه
-هو أنا اي حد ياعمو، دا انا ابنك، يعني كان الأولى إن اكون معاك.
ابتسامة تجلت على ملامحه هاتفًا بسعادة: -حبيبي إنت فعلا ابني، بس الموضوع مش مستاهل
-قولي عامل إيه، وأخبار مراتك العسل ايه، شبعت عسل ولا لسة
رفع حاجبه متهكمًا: -دا بقى قر عليا وانا بقول العفاريت بتطلعلي منين، نهض من مكانه
-أخلص شغل ونتكلم بعدين احنا كويسين أوي
دقق جاسر النظر إليه: -مش شايف دا. أرتدى نظارته، واستدار متحركًا، ولكنه توقف عندما استمع إليه.
-جاسر ابعد عن فيروز، صفحة وارميها خلاص، اوعى تترآف معاها بعد كدا
-دا اخباري عند حضرتك بقى
اومأ برأسه وتحرك للخارج
بالأسكندرية وخاصة بفيلا تطل على عروس البحر الابيض المتوسط كانت تجلس تلاعب طفلها الذي يبلغ من العمر ثلاث سنوات. وصلت الخادمة إليها
-مدام غنى. رفعت نظرها منتظرة حديثها
-أستاذة ماسة عايزة تقابل حضرتك
أخذت تتنفس بهدوء تحاول السيطرة على نفسها من تبجح تلك الشمطاء
نهضت تشير على ابنها.
-خلي بالك من سيفو، أو خديه لأندا تهتم بيه
تحركت متجهة للداخل. رسمت ابتسامة على وجهها
-اهلا ياماسة، نورتي بيت ابن خالك
اقتربت منها
-وحشتيني ياغنى! تراجعت للخلف وجلست تضع ساقًا فوق الأخرى
-مفيش بينا حاجة ياماسة علشان اقابلك كويس ولا وحش، أنتِ هنا ضيفة وليكي واجب الضيافة
قاطعهم وصول بيجاد، موزعا نظراته بينهما
-مساء الخير. دنت منه ماسة مبتسمة
-حمدالله على السلامة يابيجو
امال بجسده يقبل جبين زوجته.
-حبيبي وحشتيني، عاملة ايه!
-حمدالله على السلامة حبيبي. اتجه ببصره لماسة
-اهلا ياماسة فيه حاجة ولا إيه!
جلست ماسة مبتسمة: -ايه يابن خالي جيت اشوفكم هو عيب
تحركت غنى بشموخ وثبات وهي تتحدث: -بيجاد هنجهز السفرة اعزم ضيفتك على الغدا، ماهي جاية من غير ميعاد ياحبيبي
جلس بيجاد بمقابلتها يرمقها بهدوء
-خير ياماسة، راجعة لحياتي تاني ليه، بعد السنين دي كلها.
اقتربت تجلس بجواره: -بيجاد أنا محتاجك كأخ ليا. نهض من مكانه يضع يديه بجيب بنطاله
-بس أنا مش محتاج يكون ليا اخوات. انحنى يغرز عيناه بمقلتيها
-إنسي ياماسة، انا عندي مراتي اختي وامي وحبيبتي وكل ما املك، يعني شغل الابيض والأسود دا مبقاش بيأكل عيش حاف ياقلبي.
-بيجاد لو سمحت. لوى شدقه بابتسامة ساخرة ثم دنى حتى اختلطت المسافة بينهما بأنفاسهما وحدجها بنظره مهيبة قائلا: -لا يلدغ المؤمن مرتين يااستاذة ماسة، ياريت تلمي نفسك وتخليني أسمع عنك كل خير يا استاذة ماسة. قالها متراجعًا للخلف، وصلت غنى
-بيجاد السفرة جاهزة
حملت ماسة حقيبة يديها وتحركت متجهة إلى غنى
-ميرسي ياغنى، انا عاملة دايت. قالتها وتحركت للخارج.
ظلت بمكانها تتابع تحركها للخارج حتى سحب كفيها متجهًا بها إلى الطاولة
-تعالي حبيبي عايز اتغدى وأنام ساعتين علشان عندي عشا عمل على عشرة بالليل
سحب مقعدًا يشير إليها
-اتفضلي ياحبيبة قلب بيجاد، جلست ونظرات ترمقه بنيران تخرج كالسهم المشتعل ثم اردفت بملامح حادة ونبرة مغلفة بالقسوة.
-ياريت تقول لبنت خالك بعد كدا لما تبقى عايزة تشوفك تتصل بيك تقابلها برة، انا مش عايزة حرق دم وأعصاب، واه عايزة انزل القاهرة، كفاية سبت اهلي في عز احتياجهم ليه.
ألقى المحرمة ونهض بغضب
-اتغدي ياغنى انا هنام، مبقاش ليا نفس. قالها وتحرك سريعا للأعلى
اتسعت عيناها من فعلته، وشعرت بنيران تسيطر على جسدها أرادت أن تخانقه، ولكنها ظلت كما هي تضغط على أعصابها حتى لا تخرج عن المألوف وتحرقه بها.
عند جنى صعدت إلى منزلها بعد مغادرة عز، قابلها البواب
-مدام جنى! أشارت له بيديها
-هطلع فوق خليك. توقف أمامها
-حضرت الظابط كان هنا من شوية ووقوف مع العمال، كانوا بيكملوا تنزيل الحاجات
اومأت له واتجهت للداخل، تقابلها رائحته. أطبقت على جفنيها مبتسمة ثم صعدت بهدوء للأعلى حتى وصلت لتلك الغرفة التي خُليت تمامًا من أثاثها المحترق، ويوجد بها أثار التجديد
تحجرت عيناها بالعبرات هامسة لنفسها.
-فعلا كنتي مجنونة ياجنى، لا إنتِ مكنتيش مجنونة إنت مجنونة فعلا فيه حد يعمل كدا، غبية حرقت كل ذكرياتكم الحلوة. تحركت متجهة للمرحاض وجدته فارغًا من أشيائهما بالكامل. خرجت متجهة للغرف الأخرى
-استمعت لصوت بالخارج، ارتجف جسدها وتذكرت الحادثة، هرولت تبحث عن هاتفها، أمسكت الهاتف بيد مرتعشة وهرولت للباب الخارجي، ظل الهاتف برناته دون رد
خرجت من الباب تضع يديها على صدرها
-الحمد لله، أستمعت لرنين الهاتف رفعته.
-جا. سر، أجابها وهو يحمل القهوة متجهًا لسيارته قائلا: -هتأخر دا لو هيهمك، جاسر
أطبق على جفنيه ودقات عنيفة تصيب قلبه قائلا: -جنى بقولك عندي شغل، وعلى مااظن مفيش حاجة نتكلم فيها
صرخت بفزع عندما وجدت بعض الرجال يحاوطونها. استمع لصرخاتها شلت اعضائه بالكامل. لحظات كالسيف على العنق وهو يسمع صرخاتها وذاك المشهد أمام نظره، فاق من سطوة هذيان جسده من الصدمة.
فسقط الكوب من يديه وهو يردد اسمها، استدار سريعا لسيارته وقام بمهاتفة أحدهما
كانت تغفو بسلام تحتضن أحشائها، استمعت لرنين هاتفها، جذبته تجيب ومازال اثار النوم تداهمها
أيوة. قالتها بصوت مفعم بالنوم
-ربى. ربى. صاح بها جاسر وهو يقوم بتشغيل محرك السيارة. اعتدلت سريعا من حالة جاسر
-جنى فين. قالها بصراخ حتى شعرت بإختراق أذنيها
نهضت من مكانها تجذب مازرها متجهة للغرفته.
-كانت نايمة من شوية، فيه ايه، هروح اشوفها. وصلت لغرفتها بأنفاسًا لاهثة، تبحث عنها بالغرفة فأردفت
-مش في الأوضة ممكن تكون تحت. أغلق الهاتف مع أخته وقام بالرد سريعا
-أيوة. على الجانب الآخر
-مراتك معانا ياحضرة الظابط، هتعمل اللي هنقولك عليه هتاخدها سليمة أما لو لعبت بديلك ادعيلها بالرحمة.
بدأت أنفاسه بالاضطراب وخفقاته تتسارع في سباق شديد حتى شعر بإنسحاب روحه وهو يستمع إليه، فتحدث بتقطع: -أشوف مراتي الأول. اجابه الرجل
-وماله؟ فتح الكاميرا، كانت تغفو بالسيارة معصوبة العينين يبدوا أنهم قاموا بتخديرها. أشتعلت نظراته بشكل مخيف مكورًا قبضته حتى ابيضت مفاصله يعض عليها ندما
فتحدث بقوة
-مراتي لو حد لمسها هدفنه حي، قالها وأغلق الهاتف، رفع هاتفه وتحدث
-راكان عايز منك خدمة ضروري، ضروري ياراكان.
نهض راكان من مخدعه بعدما استمع لأنفاسه التي لو طالته لأحرقته
-فيه ايه؟
اجابه بلقبًا ينتفض زعرًا
-جنى مراتي اتخطفت بيساوموني على المجرم اللي بتحقق معاه
ظل يستمع إليه بإهتمام، ثم نهض من مكانه
-نص ساعة واكون في المكتب وهتصرف، خليك معاهم ميقدروش يعملوا حاجة
-ضرب على المقود بقوة وصاح بصوتًا كالرعد
-مراتي يابني آدم في ايديهم، وهي لسة يادوب بتتعالج من الحادثة الأولى انت عارف معنى دا ايه
ارتدى راكان ثيابه سريعًا.
-قولتلك هتصرف، متخافش. تحرك بالسيارة بسرعة جنونية وهو يحادثه
-أنا ماشي ورا إشارة فونها دلوقتي يمكن اوصل لحاجة، بس الإشارة مودياني على بيتي، تفتكر حابسينها هناك، وصل راكان إلى سيارته
-أنا معاك، هروح على النيابة واشوف هعمل ايه حاليا بس بلاش تهور علشان مراتك ياجاسر.
ارجع خصلاته بعنف كاد أن يقتلعها، وصل أمام منزله، وجد الكثير من رجال الأمن ويبدو عن بواب منزله مصاب برأسه، تحرك خلف إشارة الفون حتى عثر عليها بجانب الباب الخلفي للمنزل
هوى على ركبتيه يصرخ باسمها بصوتها كصوت الرعد
عند جواد
خرج كالمجنون متجهًا إلى منزل سحر، وصل خلال دقائق بصحبة عز، دفع الباب بقوة حتى فُتح على مصراعيه، قابلته بجسد مرتجف وانظارًا مرتبكة
لم يهملها فرصة للتفكير فجذبها من خصلاتها.
-ابني ومراته فين، قالها وهو يجذبها بعنف. صاحت بصراخ
-معرفش، جذبها يشير للضابط الذي وصل للتو.
-وسع من قدامي يابني. توقف الضابط أمامه
-لو سمحت ياحضرة اللوا، دا مش قانوني، دفع الضابط من أمامه وجذبها على درجات السلم حتى سقطت على ركبتيها عدة مرات حتى وصل بها للأسفل والقاها بقوة أمام سيارته
-عشر دقايق لو ابني مظهرش مع مراته، اقسم بالله لاخليكي تندمي على عمرك طول السنين دي
هزت رأسها تصرخ به.
-معرفش بتتكلم عن ايه، وانا مش هسكت، مش علشان حضرتك لوا، تستغل وظيفتك
أخرج سلاحه ولم يفكر لثانية وأطلق رصاصته على قدمها
صرخت حتى تجمع الناس حولها يضربون كفوفهما
اتجه لقدمها الأخرى
-كله بالقانون، تسجيلاتك كلها عندي وجاتلي الفرصة من ذهب، ابني ومراته وبنتك فين.
رفعت كفيها واومأت
-هقول، ابتلعت لعابها رهبة من حالته عندما انخفض بجسده لمستواها قائلا: التاريخ بيعيد نفسه يامدام سحر، والمرة اللي فاتت رحمتك ولولا بثينة الله يرحمها كنت دفنتك وخلصت الناس من شرك، بس سبتك وقولت يمكن تتعدل، بس ديل الكلب عمره مابيتعدل
اهو انتي الكلب اللي عمره ماهينضف، عمرك سمعتي عن كلب نضيف، لا دايما نجس وحقير
استمع لرنين هاتفه
-جواد عرفنا مكان جنى، وجاسر راحلها.
-ابعت بسرعة ياباسم لسة بتقولي تفاصيل
-قاطعته سحر
-مش هتعرفوا تنقذوها، قالتها بإبتسامة مستهزئة، وهو يستمع لصوت باسم وحديثه مع جاسر منذ قليل
-أنا هتصرف. انحنى يجذبها بقوة من رسغها، لم يعري لصراخها من إصابتها
وأشار للضابط
-هاتها وتعالى ورايا. استقل سيارته متجها بسرعة جنونية لجاسر
قبل قليل كان يتحرك بسيارته بعدمااستمع لهاتفه عدة مراته، وجدها فيروز
-عايزة ايه، ابعدي عني واتقي شري.
-جاسر أنا عارفة مكان جنى، توقف فجأة بالسيارة حتى احتك إطارها بالأرض
-بس بليز ياجاسر ماتوافقش على شروطهم، عايزين يورطوك
-جنى فين يافيروز، ومستعد اعملك اللي عايزاه
جلست تنظر أمامها على النيل واجابته.
-مصنع قديم على طريق مصر اسماعلية الصحراوي ياجاسر، دا علشان تعرف إن نيتي مش وحشة، والله ماكنت اعرف انهم ناوين يخطفوها، انا مشيت وراهم بالعربية لحد ماعرفت مكانها ورجعت قعدت في شقتنا القديمة، إلحق مراتك ياحضرة الظابط، وعلى فكرة عرفت من امي ياجاسر للأسف، سامحني علشان دخلتك. بتر حديثها وهو يقود سيارته
-ابعتي اللوكيشين انت متهمنيش بقولك
-تمام ياجاسر. قالتها ثم ارسلت له العنوان وجلست تنظر أمامها بشرود.
عند جنى فتحت عيناها وجدت نفسها بغرفة مظلمة لا تضي الا من ذاك الشعاع الذي يخرج من النافذة العلوية
تحركت بجسدها تضم ركبتيها
-جاسر. بابا، قالتها ببكاء، استمعت إلى صوت أسلحة بالخارج وضعت كفيها على أذنيها
-جااااسر، قالتها بشهقات مرتفعة، شعرت بنبض جنينها. هنا حاوطت جسدها تحدث حالها
-حياتك قصاد حياته ياجنى، لازم تقوي علشان تخرجي من هنا وترجعي بيه لابوه سليم
أطبقت على جفنيها متألمة.
-دا جزاة ربنا ليا علشان كذبت عليه، يارب ساعدني أخرج من هنا بابني سليمة يارب
ولج للداخل أحد الرجال، قام بتشغيل الإضاءة
-منورة يامدام، قدامك ساعة لو جوزك نفذ مطالبنا هتطلعي ميتة ولو منفذش برضو هتطلعي ميتة في كلتا الحالتين ميتة. قاطعه رنين الهاتف
-أيوة ياباشا. تحرك مغلقا الباب خلفه، ثم تحدث
-بصمة مين ياباشا دي. صمت الرجل يستمع لأوامره
-قصدك اقفل الباب ببصمتي واظبط توقيت القنبلة، فهمت دماغك حاضر.
وصل جاسر بعد قليل، بحث بعينيه يمينا ويسارا، لقد ارتابه الشك بشيئا سيئا سيحدث عندما وجد المكان فارغًا بالكامل
بحث بالغرف جميعها سوى تلك الغرفة الموصدة ببوابة حديدية
بالداخل تقف تحتضن احشائها
قوية صامدة تدعو الله بسريرتها دقائق معدودة واستمعت لدفع الباب بقوة، نهضت من مكانها وقلبها ينتفض رعبًا من إقتحام غرفتها، دعت الله أن ينجوها، ثم همست باسم معذب روحها، لحظات واستمعت لصوته يناديها.
-جنى إنتِ هنا، صاح بها جاسر من خلف الباب. ابتسمت من بين دموعها، هرولت لباب الغرفة، وطرقت عليه
-جا. س. ر قالتها بتقطع، وصل صوتها إليه، ركل الباب بقوة شديدة فلقد فقد السيطرة على اتزانه عندما استمع لهمسها باسمه، وكأنه طائر مقصوص الجناحين من قلة حيلته من فتح الباب الألكتروني، حتى رصاصات سلاحه لم تعد تفيده، احس بضلوعه تنكسر ضلعا ضلعا وصوتها يخترق قلبه قبل أذنيه كرعد يصدح بسماء الشتاء، لمس الباب وهتف.
-حبيبتي سمعاني، عندك أي شبابيك في الأوضة، دوري كدا، جلست خلف الباب عندما فقدت اتزانها وشعرت بإرهاق جسدها وكأنها ستفقد وعيها
-جاسر أنا خايفة. همست بها عندما حاوطتها غمامة سوداء
أجابها بألمًا يفتت عظامه
-متخافيش ياقلبي، أنا هتصرف، امسك هاتفه سريعا ورفعه وجسده ينتفض بقوة
-الباب الكتروني موصد ببصمة لازم انفجار له. قالها بانفاسًا مرتفعة.
-احنا في الطريق قدامنا دقايق، زأر كالأسد بسرعة فيه ريحة غاز في البيت، يعني حتى القنابل مش هتنفع، قالها عندما حاوطته تلك الرائحة النفاذة، اتجه بالاتصال سريعا
-عمو باسم عايز مهندس يفتح باب الكتروني ببصمة خلال دقايق لو سمحت اتصرف
أجابه باسم
-جاسر لازم تطلع من عندك فورًا البيت فيه قنبلة هتنفجر خلال خمس دقايق، لازم تطلع.
هنا شعر وكأن الهواء انسحب من حوله وجُففت الدماء بعروقه، استمع الى سعالها بشدة بالداخل من رائحة الغاز، هلع بذعر عليها
انهارت حصونه عندما صاح باسمها ولم يعد لديه ما يطمأن روحه
تحول لمجنون وهو يدفع الباب بقوة صارخًا باسمها
جنىىىىىى.
وصل باسم بفريقه الذي سيطر على الوضع وأبطل مفعول القنبلة، ولكن تبقت رائحة الغاز التي تتسرب من المواسير تختنق الجميع. حاول خبير المتفجرات التعامل مع الوضع بحذر، فيما استدار جاسر كالغريق الذي يبحث عن قشة لأنقاذ مايتم إنقاذه. وجد نافذة زجاجية بالأعلى تبعد بامتار، جذب سُلم رغم قصره إلا أنه صعد عليه وحاول التسلق على أحد الجدران الموازية للنافذة، يطرق بقوة بسلاحه حتى تناثر زجاجها.
نظر بالداخل وجدها متكومة بأحد الأركان مغشيا عليها تحتضن أحشائها
قفز للداخل ورغم ارتفاع الجدار إلا أنه لم يعوقه، كان كالوحش الضاري الذي أصابه الجنون عندما وجدها كالموتى
وصل إليها. جثى بجوارها يرفع رأسها
-جنى. حبيبتي فوقي أنا هنا. وصل جواد إلى المكان يبحث عنهما بقلبًا متلهف بعدما أخبره باسم بالوضع
دقائق ودخل يدفع سحر ويزمجر بغضب جحيمي
-الباب دا يتفتح ازاي. تراجعت تضحك بهستريا
-مش هقولك. أشار لأحد العساكر.
-دخلوها مع القنبلة وفرقعوهم مع بعض. انحنى يرمقها ساخرا
-ابني ومراته هخرجهم من هنا، وانتي هخرجك برضو بس جثة محروقة
استدار متحركا، إلا أنه توقف عندما اردفت
-فيه ولد تحت في المخزن، المخزن دا تحت الارض.
-مكانه فين هترغي كتير. أردف بصوتًا جعلها تنتفض فأشارت على الدرج وهتفت
-من هنا. دقائق وخرج الظابط بالرجل حتى فُتح الباب، هرول جواد للداخل بعدما عبأ المكان بالغاز لدرجة الاختناق.
تسمر بمكانه وهو يجد ابنه يحتضن زوجته كالمغيب، كأنه فقد وعيه
وتحرك بهم إلى المشفى، بعدما أمر باسم بالتحفظ على سحر والبحث عن فيروز.
بعد اسبوع بأحد الفنادق كان يقف أمام أخته
-خالد مجاش ليه لحد دلوقتي ياعاليا
فركت كفيها وانسابت عبراتها تهز كتفها
-معرفش والله مااعرف
ظل يجول بالمكان كالمجنون، والجميع يستدعونه لوصول المأذون
عند ربى خرجت بعدما أخبرتها العاملة
-فيه محضر برة ياهانم
خرجت تنظر إليه مستفهمه، أخرج مظروفًا
-دكتورة ربى الألفي
اومأت برأسها فتحدث وهو يسلمها الورقة
-دا محضر من زوجك المدعو عز صهيب الألفي بطلبك ببيت الطاعة.
بالأعلى بغرفته، خرج من غرفة ملابسه توقف أمام المرآة يصفف شعره
اعتدلت فوق الفراش ثم تحدثت مردفة: -ممكن أعرف رايح فين والنهاردة اجازتك
-مش شغلك، أنتِ مالكيش حق عليا في أي حاجة، اللي يربطنا دلوقتي صلة القرابة إلا هي انك بنت عمي، غير الولد اللي في بطنك
نهضت من فوق الفراش وخطت بإرهاق ظهر بملامح وجهها
-جاسر. لازم نتكلم لو سمحت، هتفضل تعاملني كدا لحد إمتى
جمع اشيائه، ثم وضع سلاحه بخصره واجاب دون النظر إايها.
-لحد ماكل واحد يروح لحاله، مش دا اللي كنتِ عايزاه، اولدي وبعد كدا هقولك هنعمل ايه
انكمشت ملامحها بإعتراض تجلى بنبرتها
-بقولك ايه انا خلفي بقى ضيق واتحملتك كتير، هتسوق فيها
وضع سبباته على شفتيها ورمقها بنظرة نارية
-صوتك مايعلاش، متنسيش انك هنا الست وانا الراجل يابنت الناس المحترمة
تحرك متجها للباب فاستمع إلى نبرتها المغلفة بالحزن قائلة: -لو خرجت كدا هترجع مش هتلاقيني.
ارتدى نظارته الشمسية وابتسم بسخرية، ثم استدار وأجابها متهكمًا
-مبقتش تفرق يا، صمت يطالعها بصمت ثم أردف بشبه إبتسامة
-بنت عمي. وأه متعمليش حسابي في الأكل دا لو ناوية ترجعي في كلامك وتقعدي، أما بقى لو ناوية تروحي عند ابوكي اللي هو عمي برضو متعمليش حسابي في أي حاجة. قالها وتحرك من أمامها وهو يطلق صفيرًا وكأنه لم يقل شيئا.
توقفت للحظات وكأن حديثه اخترق روحها بحقول من نيران حتى هوت على المقعد تدفع عيناها الدمع بالدمع هامسة لنفسها
-أنا تقول عليا كدا ياجاسر. طب وحياة قلبي اللي كسرته لأدوس عليه يابن عمي، بعد فترة من التفكير
اتجهت إلى خزانتها وجمعت أشيائها بعدما تحدثت مع أحدهما
-لو مسعدتنيش اقسم بالله لأمشي ومتعرفوش مكاني، ساعدوني واعرفوا مكاني احسن مااخرج من هنا متعرفوش.
بعد عدة ساعات وصلت لأحدى المدن الشاطئية بدولة تركيا. في حين رجع باليوم التالي لمنزله. يجلس بالحديقة منتظر هجومها كعادتها. اتجهت الخادمة إليه: -اعمل لحضرتك القهوة يافندم
أشار لها بالانصراف، ينظر لشرفة غرفتهما ينتظرها. ولكن قطع نظراتها العاملة
-مدام جنى مشيت امبارح وسابت لحضرتك الظرف دا
ابتسم ساخر على أفعالها الطفولية ظنا إنها ذهبت لمنزل والدها.
فتح الظرف ومازالت ابتسامته الساخرة على وجهه ولكن جحظت عيناه وهو يقرأ سطورها
- أيام ندية بصحراء خاوية ملهمي
متحاولش تدور عليا، ولا كأني دخلت حياتك، عايز تتجوز، اتجوز وابني حياتك وكأني مت ورحت لرب العالمين
كاذب. مخادع. حبيب جنى.
↚
قبل إسبوعٍ
انسدلت أشعة الشمس ستائر نورها الدافئ على وجوه خلق رب العالمين، بإحدى المستشفيات الخاصة بعائلة الألفي. نهض من فوق فراشه نازعًا جهاز التنفس الذي كان يوضع بأنفه. جلس على الفراش وشعوره بالدوار مسيطر على جسده، فُتح الباب وولج أوس
-حبيبي فوقت، حمد الله على سلامتك
رفع بصره متسائلا: -جنى. جنى فين؟ اقترب منه أوس ثم جذب مقعدًا وجلس بمقابلته.
-جنى في العناية، بس حالتها مستقرة متخفش عليها هم بس كانوا عايزين يطمنوا على الجنين. نهض وكأنه لم يستمع إلى حديث أوس بإمعان
-عايز اشوفها. أومأ أوس برأسه متحركًا للخارج
وصل أمام وجد صهيب بجوار جواد، تحرك إلى أن وصل إليهما
نهض صهيب يسأله بتمعن
-إنت كويس يابني. أومأ برأسه ينظر من النافذة الزجاجية للداخل
-جنى عاملة إيه؟
اقعد جنب عمك ياجاسر، جنى كويسة، قولي حاسس بإيه، هم هيخرجوها اوضتها بعد شوية.
خطى متجهًا إليها وهو يحادث والده
-كويس يابابا، لازم اشوف مراتي. خطى للداخل وجد عز جالسًا بجوارها يحتضن كفيها، يضع رأسه بجوارها على الوسادة وأنامله تتحرك على خصلاتها. حقًا آلامه جلوسه بذاك الحال.
-عز. أردف بها هامسًا، اعتدل عز مستديرا بجسده، ثم نهض متجهًا إليه
-جاسر! فحصه بعينه ثم سأله: -إنت كويس، تحرك ببطئ متجهًا إليها، جلس على المقعد، ثم رفع كفيها يطبع قبلة مطولة عليهما.
-حبيبتي، افتحي عيونك ياقلبي أنا جيت. اقترب عز يربت على كتفه
-هي كويسة متخافش، بس لازم تقعد كام يوم تحت الأجهزة والمراقبة علشان يطمنوا عليها وعلى البيبي، مبروك
-كانت نظراته عليها، ولكن ارتجف جسده من مكانه فاعتدل واقفًا مضيقًا عيناه: -قصدك إيه بالبيبي؟ استمع إلى همسها باسمه، فتحرك عز للخارج بعدما استبطن عدم معرفة جاسر بحملها.
اتجه إليها، أمال بجسده يطبع قبلة حانية على جبينها: -جنجون حبيبي، سمعاني. فتحت عيناها لعدة مرات فهمست بتقطع
-حصل إيه! جذب المقعد وجلس بالقرب منها يحتضن كفيها يقبلهما وهو ينظر لعيناها
-محصلش حاجة، أنتِ كويسة الحمدلله. أطبقت على جفنيها، تسعل وتحاول أخذ أنفاسها بصعوبة، ملس على وجهها
-اهدي حبيبي، خد نفس على مهلك، دلفت الطبيبة بمصاحبة صهيب وجواد بعدما علمت بإفاقتها.
-عاملة إيه مدام جنى؟ رفرفت بأهدابها بتعبًا وأجابتها: -الحمد لله. قالتها بوهن شديد. نهض جاسر لفحصها
-التنفس انتظم الحمد لله، لكن لازم متابعة ومراقبة أربعة وعشرين ساعة علشان البيبي، بما إنك لسة في أول الشهور منقدرش نعمل إيكو حاليا، فهتباتي معانا الليلة علشان نطمن على البيبي. أومأت بعيناها ونظراتها على جاسر المتصنم بوقفته لا يعلم عن أي شيئا يتحدثون.
خرجت الطبيبة بعد إلقاء عدة نصائح، بينما جواد الذي يطالع ابنه بهدوء، إقترب صهيب من فراش إبنته
-مبروك ياروح بابا، الف مبروك ربنا يكملك على خير ويجعله ابنا بارًا
ارتفعت دقاته وصمتًا مقتولا بنظرات ضائعة بينهما. اقترب من الفراش وتوقف بجوار والدها ثم انحنى يحاوطها بذراعه: -جنى إنتِ حامل؟ هزت رأسها ثم اردفت
-أيوة حامل، هيجيلنا بيبي بعد ست شهور. غرز رماديته بعيناها.
-عرفتي إمتى، اقترب جواد عندما استمع لحديث ابنه
-حبيبتي لو عايزة أسهر معاكي أسهر ياقلبي، مامتك وغزل شوية وهتلاقيم هنا
أشاحت بصرها بعيدًا عن اختراقات نظراته النارية
-إنتِ حامل؟ تسائل بها جاسر الذي انتفض قلبه بقوة داخل ضلوعه
ربت جواد على كتفه وابتسم
-مالك يالا، ماقولنا فيه بيبي، فرحتلك ياحبيبي يتربى في عزك
-عايز مراتي على إنفراد يابابا لو سمحت عايز ابارك لها. صمت جواد يوزع نظراته بينهما، فسحب نفسًا.
-حبيبي مراتك حلوة، وابنك كمان متخافش. استدار برأسه بعدما علم بحيل والده: -بابا عايز مراتي، ممكن!
سحبه صهيب مبتسما
-ايه ياجواد سيب حضرة الظابط يبارك لمراته. ظلت نظراته على ابنه وهو يطالع جنى بنظرات صامتة، جذب صهيب جواد وخرج
جلس جاسر ومازالت نظراته تحاصرها
- مبروك.
-الله يبارك فيك، هز رأسه يضغط على شفتيه كاد أن يدميها، لحظات صمت مميتة، قلبها الذي كاد أن يتوقف من هدوئه ونظراته الغريبة التي لاول مرة تراه بها
-سامعك يابنت عمي، احكي لابن عمك ازاي استغفلتيه ولعبتي عليه إنتِ كمان
-ايه ضحكت عليك دي! نهض ونزل بجسده مقتربا منها حتى اختلطت أنفاسهما.
-عارفة ياجنى لو حاولتي تستغبني اقسم بالله لارمي عليكي يمين طلاق بلا رجعة، فاحسنلك تخليكي عاقلة وتقولي ليه قولتي انك مبتخلفيش، وعايز اعرف أنتِ حامل من إمتى
-أنا لسة عارفة من أسبوعين. قالتها وهي تبتعد بنظراتها عنه، هزة عنيفة أصابت جسده مما جعله يجلس على المقعد
ينظر إليها بذهول
-يعني كنتي حامل وجاية تقولي مبتخلفيش، طب ليه!
استدارت تطالعه تهتف بحزن مع نزيف جرحها الغائر.
-علشان اعرف انت متجوزني ليه، عايزة اعرف إنت مين، انت الشخص اللي اتربيت معاه، ولا واحد تاني بيدور على سعادته، ولا حبيبي اللي كل مااشوفه قدامي الدنيا تضحكلي
هب من مكانه بنظرات مشتعلة بشكل مخيف وانحنى يضغط على ذراعيها، بقوة آلامتها حتى لم يهتم بالكانولا التي نزفت دمائها
-لسة معرفتيش أنا مين، بعد اللي عملته دا كله لسة معرفتيش، دا أنا حبيتك حب. حب ايه دا أنا عشقتك.
وضع جبينه فوق جبينها وهمس بأنفاسه الحارة تحرق وجهها
-عشقتك بجنون، متمنش غير تكوني جوا حضني وبس، عمري مادعيت بأمنية غير انك تكوني ملكي، اتنازلت عن نفسي وشخصيتي علشان تكوني ملكي، ولسة جاية بتسألي انا مين
عايزة تعرفي ايه، إي مش حاسة إني بموت كل مااحس انك ممكن تضيعي مني، عايزة تعرفي أن مقدرش أعيش ولا لحظة وانت بعيد عني
آسف ياجنى الحاجات دي مبتتقالش الحاجات دي بتتحس.
اعتدل منتصب عوده ثم جلس محاولا السيطرة على نفسه حتى لا ينهار بالبكاء ويضعف بحضرتها، يكفي ضعفه إلى الآن
انسابت عبراتها بشهقات مرتفعة قائلة من بين دموعها: -غصب عني، قولي اعمل ايه وأنا شايفة إنك بضييع، أو يمكن محبتنيش. توقف يرجع خصلاته للخلف بقوة حتى شعر بإقتلاعها، وحاورها بسخرية تخرج من عينيه:
-بضيع، أيوة بضيع صح. اصلي عيل.
سعلت بقوة حتى شعرت بإنسحاب أنفاسها، هرول إليها يساعدها بالجلوس عندما شحب وجهها، لحظات حتى سيطرت على سعالها ممسكة أحشائها بألمًا، ذهب ببصره ليديها التي تحتضن أحشائها وتسائل بنبرة متحشرجة: -موجوعة أجبلك الدكتور، رفعت عيناها الباكية تتعمق برماديته
-متزعلش مني، أنا كنت خايفة متكنش بتحبني غصب عني والله
سحب كم من الأكسجين بداخله حتى لا يضعف أمامها ويحتويها بين ذراعيه، مبتعدا عنها بنظراته.
-مهما احكي عمري مااعرف أوصلك احساسي ايه دلوقتي، وجع على حزن على خذلان على خيانة، لدرجة مش قادر اتنفس، اتجه بنظره إليها
-بحاول استوعب مش عارف، بحاول اديكي عذر على وجعي مش عارف، قوليلي إنتِ لو مكاني تعملي ايه، وانت حاسة انك مخذولة من أقرب حد حبتيه في حياتك
طأطأت رأسها قائلة: -كان من حقي اثق فيك أكتر من كدا، كان من حقي اعرف مدى تمسكك بيا.
رفعت بصرها وتحاورت بعيناها التي تلألأت بطبقة كرستالية قائلة: -كنت مستني مني ايه بعد ماعرفت إنك خنتني وكذبت عليا، كنت مستني مني ايه وأنا شايفة الراجل الوحيد اللي بعتبره تنفسي علشان اقدر أعيش خاين وبيلعب بيا، ومتقولش مفيش حاجة من دي.
سحبت نفسا تزفره ببطئ حتى تستطع بلع غصتها: -حبيبي في حضن واحدة، تخيل لما تشوف مشهد زي دا، حتى لو قبل جوازنا بس المشهد موجع اوي ياجاسر، مشهد مايعبرش غير اللي في حضنك دي حبيبتك، رتب على دا كله اللي عملته، قولي كنت اعمل ايه، اصدق عيوني ولا اصدق كلامك اللي كل فترة بكتشف فيك حاجات وكأنك شخص غريب عليا.
صافحها بنظرة مطوله، وكأنها شطرت قلبه لنصفين، شعر بإنهيار حصونه التي يستميت بالدفاع عنها، تراجع بجسده للخلف يطبق على جفنيه وهو يستمع إلى استأنفها بشرح آلامها وإخراج قيح نزيفها الداخلي
-جاي تحاسبني علشان خبيت عليك، جاسر انت دبحتني كتير قبل كدا، الناس بتموت مرة واحدة وأنا كنت بموت كل مرة اشوفك فيها، كنت بموت وانت قصادي مش عارفة ألمسك.
كان نفسي اصرخ قدامك علشان أقولك ارحمني وبلاش تظهر قدامي علشان بموت يابن عمي، بموت وانا شايفة ضحكتك لغيري، بموت وانت ماسك ايديها ومحاوطها كأنك حصن منيع علشان محدش يقدر يخطفها منك، أو يقرب منها، موتني بأبشع طريقة لما كنت واقف جنبي وماسك ايدي وانت بتضحك وبتقول مراتي حامل، كأنك فزت بأعظم جايزة، وقتها بس أتمنيت اموت ومفوقش تاني ابد.
موت لما مراتك جات قدامي وتقولي متعمليش بريئة انا فاهمة نظراتك لجوزي، طلعتني رخيصة اوي وكان عندها حق، ماهي بتقول الحق، علشان كنت كل مرة اشوفك فيها ببقى بتمنى بس ارمي نفسي في حضنك علشان تعرف أد ايه بتعذب وبتألم
أزالت عبراتها المنسدلة على خديها
شوفت موت اد ايه ياحضرة الظابط.
ورغم كدا ربنا ربط على قلبي وكافأني بعد سنتين عذاب ومرار، لا أنا عايشة ولا ميتة، ماهو هتعرف إزاي وانت بتلف العالم بمراتك اللي هي حبيبتك زي مااقنعت الكل، دي لو محبتهاش فعلا. ابتسامة ساخرة لاحت على ملامحها من بين دموعها
-لأ وجاي بتسألني جنى حبيبتي مالك، ليه بقيتي بتبعدي عني.
بأيدك دي ضميت وشي وسألتني جنى ليه بتبعدي عني، ايدك دي وقتها كانت عبارة عن نار بتحرقني ياحضرة الظابط، عرفت ليه وقتها عز كان بيتجنن عليك علشان بتقرب مني.
أطبقت على جفنيها وانسابت عبراتها بغزارة وتلك الأيام تراود عقلها
-علشان مكنتش عايزة غير اني اعيط في حضنك وبس وأقولك كفاية وجع فيا، انا مش قادرة اتنفس وانت بعيد عني.
رفعت بصرها وتعمقت بعيناه التي تطالعها بصمت: -وبعد العذاب دا كله ربنا يكافني وتكون ملكي وتقنعني اني الهوا والمية وكل حاجة، تطلعني سابع سما، وبعد كدا ترميني لسابع أرض وتدوس عليا وتقولي كنت بساعد، طيب مفكرتش بوجع قلبي، مفكرتش فيا وانت بتساعدها وانت بتلبس هدومك قدامها وهي جنبك وبتقرب منك وبتلمسك، مفكرتش أنك حق وجعي بعد دا كله، ولا انت كنت حانن لأيامك معاها، وقبل ماتحاول تبرر، انا شوفتها وهي واقفة جنبك وبتقفلك زراير قميصك بالبورنص ياحضرة الظابط، وانت واقف وكأن الموضوع عجبك.
بأناملها المرتعشة بسطت كفيها لتحتضن كفيه تمسد عليها
-حطت أيدها هنا وبتقفلك زراير قميصك وانت واقف محاولتش تبعدها، وبتقولك الحمام جاهز
انسابت عبراتها كزخات المطر مع شهقاتها ثم تركت كفيه تشير لنفسها تبكي بقوة.
-وأنا اللي كنت مستنية ترجع علشان أفرحك وأقولك شوفت أجمل من كدا ربنا عوض كل حزني وكافأني بطفل من حبيبي، لكن ليت الأماني بالتمني ياحضرة الظابط، في لحظة انهارت كل احلامي وأصبحت كوابيس بتدبحني وبتخقني ورغم كدا بتقولي مش هتموتي، لازم تتعذبي اكتر واكتر كأن حبك لعنة ربنا بيعاقبني عليها.
تراجعت بجسدها للخلف واغمضت عيناها: -عايزة ارتاح، ممكن تطلع برة. نهض من مكانه واستدار متجهًا للخارج دون حديث كأنه ينتظر منها هذه الكلمات
خرج من المشفى، نهض جواد بعدما وجد تحرك ابنه كالمطارد، فطن ما صار بينهما، اتجه ببصره لصهيب الذي وقف يتحدث بهاتفه، ثم اتجه للداخل
وجدها تبكي بصمت
تنهد بعمق، ثم خطى وجلس أمامها
-عاملة إيه حبيبة عمك دلوقتي
وضعت رأسها على حافة الفراش.
-تعبانة اوي ياعمو، تعبانة لدرجة بتمنى أموت وأريح الكل مني
أختلج صدره بالألم عليها، وبدا على وجهه الحزن، فسحب نفسًا وزفره ورسم ابتسامة على وجهه
-يابت مالك مدلوقة كدا على الواد، ياعبيطة مش عارفة تتعاملي مع جوزك، ابتسمت عيناه عندما تذكر صغيرته فأردف لها: -أقولك سر يفضل بينا، انا كنت اصعب من جاسر وكنت بتمرد على قلبي بس غزالتي خلتني زي الخاتم في صباعها
قالها بضحكة ارتفعت صداها مما جعلها تنظر إليه مبتسمة.
-مش معقول حضرتك ياعمو، دا حضرتك مفيش منك
جذب المقعد واقترب منها يمسد على خصلاتها
-وحياتك كنت اصعب من جاسر بمراحل، ورغم كدا عرفت توقعني طنطك غزل ومبقتش شايف غيرها، ولو جابوا ستات الدنيا كلها متعوضنيش ضحكتها
تراجع بجسده للخلف يعقد ذراعيه فوق صدره يطالعها بهدوء.
-رغم كنت رافض جواز جاسر من فيروز بس سبته علشان يتعلم من قرارته، لكن عمري ماشكيت أنه بيحبك بجد، معرفتش دا غير بعد جوازه، مكنش ينفع اظلم فيروز يابنتي، مهما كان فيها لكن دي بنت واللي مرضوش على بناتي مرضوش على غيرهم
دقق النظر بعينها واستأنف
-ولا كنت هوافق على جوازكم طول ماهو متجوزها، انت تعرفي أنه جالي قبل مايطلق فيروز واعترفلي أنه بيحبك، بس أنا هددته أنه يقرب منك، علشان وقتها عرفت انك بتحبيه للأسف.
-للأسف ياعمو.! قالتها مذهولة، ابتسم وأومأ رأسه
-أيوة ياجنى للأسف، لما ابني يكون متجوز ومراته حامل وجايلي يقولي عايز اتجوز بنت عمي اللي هي لسة بنوتة جميلة وكانت قدامه والكل فهمه أنها الأنسب لكن راح دور برة ياجنى، كان وقتها لازم احافظ على كرامتك علشان ميقولش انك خرابة بيوت وانك اتجوزتي واحد متجوز، اصلك مش معيوبة ياحبيبة عمك.
انت غالية اوي ياجنى، وبعتبرك زي غنى وربى، اوعي تفكري ممكن اجي عليكي علشان ابني، انتوا الاتنين زي بعض عندي
رفع سبباته وتحدث: -لكن اللي بيغلط منكم بواجه ياجنى، قولتلك قبل كدا، انت غلطي لما خبيتي حملك على جوزك، وكمان فهمتيه انك مابتخلفيش
بتر حديثهم دلوف غزل ونهى
-جنى. قالتها نهى وهي تهرول إليها بقلبًا متلهف. احتضنت وجهها
-عاملة ايه ياقلب ماما، اتجهت لجواد
-مين اللي خطفها وعايزين من بنتي ايه.
نهض من مكانه، ينظر لغزل ثم تحدث بمغذى: -دا خطأ، مكنتش هي المقصودة. بسط كفيه لغزل
-تعالي يازيزو عايزك ياقلبي. تحركت بجواره متجهة للخارج، قابلهم صهيب متسائلًا
-فين جاسر.؟
-خرج زمانه راجع، قالها وهو يتجه بغزل لحديقة المشفى. جلس يمسح على وجهه بغضب: -ابنك راح فين مكلمكيش. تألم قلبها تهز رأسها بحزن
-ايه اللي حصل. قص لها ماصار
-يعني جنى هي اللي حرقت البيت، نهضت تضع كفيها على وجهها.
-ياربي عليك ياجاسر، البنت كان ممكن تموت ياجواد، وابنك المتخلف ازاي يروح لفيروز البيت.
كور قبضته بغضب يجز على أسنانه
-معرفش ومش عايز اعرف المشكلة اكبر من ان جاسر راح لفيروز ولا غيره المشكلة البنت فقدت الثقة بابنك ودي مصيبة لوحدها، دا خبت حملها خايفة يكون متجوزها زي مافهمتها فيروز
توسعت عيناها بذهول: -بس جاسر مستحيل يعمل كدا ياجواد، ايه هتنسى ابنك ولا ايه، امسك كفيها وأجلسها بجواره.
-عارف ابني ومتأكد منه، وعارف أنه بيعشق البنت كمان، بس برضو عاذر جنى ياغزل رغم اني غلطتها، أنتِ تعرفي مين اللي خطفها ام فيروز الحقيرة علشان تضغط عليه يهرب ابن السحلوك اللي هي ماشية معاه دلوقتي
-ياربي ايه البلاوي دي كلها، اومال لما سألتك قولتلي الحريق فعلا بسبب ماس
ابتعد بنظره عنها وأجابها
-كان لازم محسسش حد بكدا، بس طبعا صهيب عارف كل حاجة، وعمل زي ماعملت وخبى على نهى، اروح اقولك انا.
-اه ياجواد تقولي وتعرفني بدل ماانا قاعدة مع ولادي ومش حاسة بوجعهم
ربت على كتفها، ثم حاوطها بكتفه
-محبتش اوجع قلبك يازيزو وانا عارف ومتأكد جاسر بالنسبالك ايه
رفعت عيناها وتحدثت بنبرة حزينة
-جواد أنا جاسر واجع قلبي، صعبان عليا اوي ياحبيبي
جذبها واضعا رأسه فوق رأسها
-وأنا ياغزل، الواد مقطع قلبي بس مش عارف اساعده ازاي، رغم غلطت جنى بس هي معذورة
.
خرجت من أحضان.
-جواد افتكر جاسر من صغره وهو غير اخواته، متنساش خطف غنى أثر فيه اد ايه، انا مش مستعدة اشوف ابني مكسور وحزين، أنا هتكلم مع جنى لازم تقربله وتنسى كل حاجة، لازم تتأكد منه وتعرف أنها أغلى حاجة عنده
-والله ياغزل، طيب مادا قولته بس ابنك بيقول حاجة وبيعمل حاجة تانية
أشار لهاتفها قائلاً: -اتصلي بيه خليه يرجع مينفعش يسبها كدا، البنت نفسيا مش مظبوطة خايف ترجع لحالتها وابنك مش قادر يستوعب دا
ربتت على كفيه.
-جواد الأيام دي بتضغط على اعصابك كتير، لو سمحت بلاش ضغط كدا علشان متتعبش، احتضنت كفيه وأردفت بنبرة متألمة: -جواد لو حصلك حاجة غزالتك هتموت، يرضيك تموت غزالتك. جذب رأسها يحتضنها: -غزالتي دي روحي يازوزو مقدرش اشوف عيونها الحلوة دي حزينة، رفع ذقنها يغوص برماديتها التي تجذبه كأنها رحيق الزهور للنحل.
-تعرفي أنا اكتر واحد حاسس بوجع جاسر، الولد صعبان عليا أوي، بيكتم في نفسه وانا اللي مضيقني اني محستش بدا غير متأخر اوي، ورغم فهمت مشاعره بس كنت بضغط عليه، صدقيني خايف من انفجاره اصلي عيشت الاحاسيس دي، فاكرة طبعًا، صعب أوي على الراجل يكتم مشاعره، وهو حاسس انها محرمة عليه
فوق دا كله إن جاسر متهور مش بيوزن أفعاله في الأول، طالع لمامته.
شهقة قوية خرجت من جوفها تشير على نفسها: -الكلام دا ليا ياجواد. ارتفعت ضحكاته وهو يجذبها إليه
-لأ ياقلبي أقصد بيه ابنك الأهبل اللي راح اتجوز على البنت، وياريته يعتذر ويضحك عليها بكلمتين، دا رايح يعمل سبع الليل
وضعت كفيها على فمها تمنع ضحكاتها: -تعرف بيفكرني بيك، وبرودك زمان، البت جنى ليها الجنة بجد
لاحت ابتسامة على وجهه قائلاً: -ياريته يعيش سعادة أبوه ياغزولة، وقتها هينسى كل الألم اللي مر بيه.
لمست وجنتيه تتمتع بالنظر لعيناه: -بجد ياجواد، يعني انت لاقيت السعادة معايا، قدرت انسيك وجع ايامك. دنى يهمس أمام شفتيها
-احنا في مكان عام يازيزو اعقلي، ولما نروح هعرفك ازاي عيشت السعادة وبتمنى من ربنا ولادي يعشوها
رفعت كفيه تقبله ثم رفعت رماديته تحاوره بطبقة كرستالية لامعة خطت بعيناها
-إنت اغلى من روحي ياحبيب عمري.
وضع رأسها بصدره يضمها بقوة إليه يود لو يدسها داخل ضلوعه قائلا بنبرة متحشرجة بمشاعره التي طوت عليه
-إنت كل حاجة حلوة حصلت لجواد في حياته، انت النعمة الكبيرة اللي ربنا انعم عليا بيها، ومفيش شكر يوفيها
رفع ذقنها من أحضانه يلمس وجنتيها
-جاية بتسألي اسعدتيني ولا لا، دا مجرد ساعة عنك بأعوام ياغزالتي.
اعتدل بجلوسه ينظر حوله قائلا: -بقولك تعالي نطلع لصهيب قبل ما الشيطان يوزني على الهيبة، قهقهت بصوتها الرقيق حتى وضع أنامله على ثغرها
-بقولك شيطان ياغزالة، وانت بتضحكي ياحبي لاحظي السهم أوشك على الخروج. نهض يسحب كفيها قائلا
-اتصلي بابنك الحلوف شوفيه فين
عند جاسر بالسيارة، ظل يدور بالسيارة دون هدى وكلمات تحرق اعضائه بالكامل، توقف أمام النيل، ثم أغلق محرك السيارة متراجعا بجسده للخلف يطبق على جفنيه.
-بعد اللي عملته دا كله ولسة مش حاسة بحبي، لدرجة دي حبك ضعيف ومش واثقة فيا. كلماتها تطعنه بقوة، كور قبضته بغضب حتى شعر بتمزق أوردته
ظل يطالع النيل بآلام قلبه حتى شعر بعدم قدرته على التنفس، استمع لرنين هاتفه
-أيوة ياماما. على الجانب الآخر وهي تتحرك بجوار زوجها
-حبيبي فينك، ازاي تمشي وتسيب مراتك هنا
مسح على خصلاته ينظر للخارج.
-أنا تعبان ياماما ومش قادر، ياريت لو ينفع تباتي معها وتخلي بالك منها، والصبح هرجع اخدها
-أكيد بتهزر ياجاسر مش كدا. أطبق على جفنيه هامسًا بصوتًا ضعيف كاد أن يصل لوالدته
-ياريت ياماما، ياريت كنت بهزر، تعبان بجد وعايز ارتاح بعد اذنك
توقفت تنظر لجواد الذي استبطن مايدور بعقل ولده.
ربت على كتفها وسحبها متحركًا للداخل وجدها تغفو بثبات عميق، وصهيب يقف ينظر بالخارج والوجوم يظهر بملامحه، بينما نهى تقرأ بمصحفها. حمحم ثم اتجه يقف بجوار صهيب
-واقف كدا ليه. ظل كما هو ينظر للخارج مردفًا: -فين جاسر، خرج إمتى مشفتوش
اتجه بنظره لنهى التي أغلقت مصحفها تنتظر إجابة جواد ثم اتجه لأخيه وأجابه: -جاسر تعبان انا قولتله روح ارتاح وأنا وغزل هناخد بالنا منها
ابتسامة متهكمة ظهرت على ملامحه.
-ليه ابوها وامها ماتوا، استدار بجسده كليا يغرز عيناه بعين جواد
-لو ابنك شايف بنتي بقت تقيلة عليه ياجواد فأنا بحله من الارتباط دا، أشار على جنى ثم اتجه ببصره لجواد.
-بنتي لكام مرة هتموت بسبب ابنك ياجواد قولي، هو انا عندي كام بنت، لكزه بصدره وتحدثت بغضب: -ابنك مش اغلى من بنتي ياجواد، انا فكرته راجل وهيحميها، متخلنيش اوصل لقسم ماخليه يقرب منها، كفاية وجع قلب لحد كدا، انا اتحملته كتير، بس البنت يوم عن يوم بتموت بسبب ابنك ياجواد، واظن انت فاهم كلامي
ربت جواد على كتفه متحدثًا.
-معلش حقك عليا، مشكلة جاسر مع فيروز هو اللي وصلهم لكدا، انا بوعدك الدنيا هتتظبط بينهم، بس متنكرش أن الواد بيحب البنت
-بيحبها بس بيوجعها ياجواد، اعمل ايه بالحب اللي بيوجع بنتي
استدار ينظر لأبنته بألم
-انت مصدق دي تكون جنى ياجواد، دي اللي كنا بنقول عليها فراشة العيلة، انا تعبان بسببها بس مش قادر اتكلم، مش عايز ادخل بينهم وقتها انت هتزعل، انا كنت بغلط عز بس شوف نتايج جاسر عملت ايه في البت.
تنهد جواد بألمًا ثم استدار متجها للخارج: -غزل انا هرجع على البيت، وأنتِ خليكي معاهم
-مفيش داعي ياجواد، خلي مراتك ترجع معاك، احنا هنا
حدقه بنظرة مطولة ثم اومأ برأسه: -زي ماتحب ياصهيب، بسط كفيه لزوجته: -ياله ياغزل ابوها وأمها معاها هم مش محتاجينا. نهضت غزل تهز رأسها رافضة أسلوب صهيب ثم اتجهت لزوجها مغادرة دون حديث
نهضت نهى واتجهت إليه.
-صهيب. استدار إليها وهو يشعر بغصة تمنع تنفسه من كلمات جواد التي اخترقت روحه، فابتلع ريقه بصعوبه متسائلاً: -لو عايزة ترجعي معاهم ارجعي
دققت النظر إليه ثم جلفته بسؤالها
-جاسر رجع فيروز تاني، يعني بنتك بقت زوجة تانية
استدار ينظر للخارج
-هتفرق يانهى. جذبته من ذراعه
-طبعا هتفرق ياابو عز، هتفرق اوي كمان. علشان كدا عز راح اتجوز على ربى مش كدا
دلك صدره عندما شعر بارتفاع نبضه، متجها إلى المقعد.
-نهى ممكن نأجل الكلام في الموضوع دا دولقتي، انا مش قادر اتكلم
جلست أمامه على ركبتيها
-حبيبي حاسس بإيه. فتح اول زر من قميصه
-حاسس باختناق يانهى، افتحي الشبابيك مش قادر اتنفس. هرولت تستدعي أحد من الأطباء عندما شحب وجهه وزاغت عيناه.
وصلت الممرضة تقوم بعمل الاسعافات الاولية قائلة: - نبضه ضعيف. استدعت الطبيب، الذي قام بالكشف عليه، وتم نقله لغرفة خاصة لمتابعة حالته، رفع نظره لنهى متحدثًا بصوتًا ضعيف: -روحي لجنى يانهى، متخلهاش تحس بحاحة. جلست بجواره تحتضن كفيه ثم لثمت جبينه
-صهيب. رفع كفيه بضعف
-أنا كويس حبيبتي، إياكي تعرفي حد، بس يمكن نسيت دوا القلب النهاردة، انسابت عبراتها، فانحنت تضع رأسها على كفيها تبكي بصمت.
-نهى. همس بها جنى. قالها ثم غفى بسبب العقاقير المخدرة، ظلت بجواره وعبراتها تنسدل على وجنتيها تحرقها، كيف لها تتحمل غيابه وهو كل حياتها، لم يتبقى لها سواه بعد وفاة والديها.
بعد فترة استيقظت جنى، تبحث بعينها عنه، ولكنه لم يعد إلى آلان
أطبقت على جفنيها بملامح مرتجفة وعينين تهتز من ثقل العبرات، تهمس باسمه. جذبت هاتفها الذي يوضع على الكومودو، وقامت بمهاتفته، مرة اثنين، ثلاثة ولم يجب عليها. تساقط الهاتف من كفيها، تبكي بنشيج على مايصير بها. دقائق وولج عز مذهولا من حالتها
-جنى. أردف بها بلهفة، خطى إليها سريعا جاثيا أمامها يزيل عبراتها.
-مالك ياحبيبة أخوكي، موجوعة. شهقت ببكاء:
اتصلي بجاسر ياعز، أنا زعلته اوي، ومشي زعلان مني ومش راضي يرد عليا
ضمها لأحضانه يربت على ظهرها
-جاسر ميقدرش يبعد عنك حبيبة اخوكي، فيه حد يقدر يزعل من روحه
خرجت من أحضانه وتعالت شهقاتها
-زعلته اوي ياعز، اوي، احتضن وجهها متسائلاً: -احكي لي ياجنى، ليه زعلتيه، عملتي ايه. قصت له ماصار بينهما.
رفع نظره إليها وتعلقت عيناه بعينها إثر سماعه لكلماتها التي احزنته، جذب رأسها يضمها لصدره يمسد على خصلاتها
-غلطانة ياجنى، وغلطك كبير حبيبتي، بس جاسر هيسامحك متخافيش، ميقدرش على بعدك، شوية وهتلاقيه داخل دلوقتي.
كان مازال بسيارته ينظر للهاتف الذي صدح صوته لعدة مرات ولكن كأنه مغيب لايستطيع أن يستمع لشيئا، لقد اخذلته واوصلته لحالة غريبة أرهقت كاهله بالتفكير، يعشقها لا محالة ولكن كيف يتغاضى عما فعلته، جعلته أضحوكة. بتر تفكيره مع نفسه، رنين هاتفه مرة أخرى ولكن هذه المرة باسم عز. انتفض قلبه خوفًا عليها، قام بالرد عليه
-أيوة ياعز. تحرك عز بعدما غفت بأحضانه كالطفلة، اعدل من وضعية نومها، وهو يهمس لجاسر.
-إنت فين وسايب مراتك تعبانة. نظر لخارج النافذة وأجابه
-ايه اللي حصل، وبتتصل ليه، بابا وماما عندك. نهض من مكانه يجز على فكيه
-عشر دقايق وتكون هنا، مفيش حد مع مراتك، عمك تعبان واتحجز جنب بنته يارب تكون مبسوط ياحضرة الزفت، قالها واغلق الهاتف حتى لا يدخل بجدالا معه.
تأفف عز من حالتهم جميعا، نظر من النافذة يراقب المارة، ثم اتجه ببصره لأخته الذي انسابت عبراتها بنومها، كأنها تحلم بشيئا سيئًا، دقائق وولج إلى الغرفة
-عمو ماله؟ أشار عليها ثم سحبه من ذراعه
-شوف مراتك نايمة وبتعيط، مالكش دعوة بعمك، رفع بصره يهز رأسه
-ياخسارة يابن عمي، احنا الاتنين عايزين إعادة تأهيل، قالها عز وخرج.
تحرك إليها بخطوات بطيئة كأنه يخطو فوق نيران متأججة من حالتها، أيعقل تبكي من غيابه، وصل يجلس بجوارها ثم تمدد رافعا رأسها لتتوسد ذراعيه
دنى يطبع قبلة على جبينها
-بحبك بطريقة بقت توجعني أوي يابنت عمي، حبك بقى زي المرض الخبيث اللي بينخر في عضمي
وضع رأسه على الوسادة، ظل يحرك أنامله على وجنتيها حتى غفى بسلام، وهي بأحضانه.
بعد قليل ولج عز للأطمئنان، نظر إليهما بسعادة، ابتسم عندما وجدها تضع كفيها المغروز بالأبر على وجنتيه، وهو كذلك، اقترب بهدوء وقام بنزع حذائه. هامسا بأذنه
-لسة زي ماانت يابغل، نايم بالجذمة
قالها وتحرك للخارج، وابتسامة تنير وجهه، تحرك لحديقة المشفى وقام بشعال سيجاره، رافعا هاتفه
-عايز ايه، انا مقولتش امسح رقمي
نفث سيجاره، وصدره يغلي من حديثها المؤذي لقلبه.
-وحشتيني أوي ياروبي، عز ماوحشكيش. ابتسمت بسخرية رغم تذبذب دقاتها فأردفت بقوة
-مين عز دا، لو قصدك الإنسان اللي حبيته فدا مات من زمان لو تعرفه اقرائله الفاتحة
-يارب ياربى اموت واريحك واريح نفسي. ارتفعت دقات قلبها حتى كادت بالتوقف، فنهضت من مكانها تخرج للشرفة عندما شعرت بالأختناق من حديثه. جذبت مقعد وجلست عليه
-عز لازم نقعد مع بعض.
ارجع خصلاته للخلف: -ارجعي لعز ياحبيبة عز مبقاش وقت للكلام، روبي مش عايز ارجعك بالغصب حبيبي، والله وحشتي عز اوي لدرجة عايز اجي اخطفك ومفيش حد يعرف مكانا
ابتسمت على كلامه رغم وجع قلبها منه الذي جعلها غير قادرة على التنفس
-لأ ياعز لازم نقعد ونشوف هنعمل ايه
صاح بها بصوت صاخب حتى نظر إليه بعض المارة.
-اسمعيني بكرة الاقيكي في حضني مش هقول في البيت في حضني ياروبي علشان مطينش عشيتنا بعد كدا وترجعي تقولي عملت وهببت
أغلقت الهاتف وظلت تسبه
-هاتلي اخرك يابن صهيب
ازداد تنفسها وهي تضرب بقبضتها على سور الشرفة
-آه. نفسي اخنقك يابن صهيب، اصبر عليا
بمكانا لأول مرة نذهب إليه، نرى تلك الجميلة تغفو بسبات، دلفت والدتها.
-عاليا، قومي يابنتي ناسية فرحك بعد اسبوع، قومي علشان تجهزي زمان الارتسيت اللي بتقولوا عليها دي جاية في الطريق تظبطلك المواعيد، وكمان فستان الفرح عايز يتظبط، قومي ياله ياقلب ماما
فتحت الجميلة عيناها التي تشبه الزمرد، صباح الورد ياماما
ربتت والدتها على ظهرها بحنو أموي
-لسة ناقصك حاجة ياحبيبتي، راجعتي على حاجتك وشوفتيها
وضعت رأسها على كتف والدتها.
-حبيبتي ياست الكل، كله تمام، وبعدين خالد قالي جابلي حاجات كتيرة مرضاش يجبها هنا، قال علشان تفضل برونقها
طبعت قبلة على رأسها ثم نهضت قائلة
-أنا مشغولة ياعاليا، مش فاضية حبيبتي، شوفي وراكي إيه. استمعت لطرقات على باب غرفتها
-تعالى ياكريم. ولج كريم بإبتسامته الجميلة
-صح النوم ياعروستنا. ابتسمت وطاطأت رأسها للأسفل بخجل
-شكرا ياكيمو. خطى إلى أن وصل إليها، وجلس بجوارها، خرجت والدتهما فردوس.
-متنسيش نفسك مع كريم ياعاليا، علشان متتأخريش
حمحم كريم ثم اتجه إلى أخته: -بقولك ياعاليا، أنتِ لسة عايزة خالد، مش مرتاح للجوازة دي حبيبتي
-إنت بتقول إيه ياكريم، فرحي بعد اسبوع، وبعدين خالد كويس ولو معترض بسبب اللي حصل هو اعتذر وبيحبني ياكريم. وانا كمان بحبه، قالتها بهمس خجل
هز رأسه غير مقتنع بكلماتها، نهض من مكانه وتحدث محذرا بما يشعر به
-المهم خلي بالك منه، اكيد فاهمة كلامي. ابتسمت وهي تهز رأسها.
-متخافش إنت اللي واخد فكرة وحشة يا كريم، خالد شخص كويس جدا
مط شفتيه واجابها: -اتمنى ياعاليا، أتمنى يكون كلام بس.
بالأسكندرية
صعدت إليه بعد دقائق، وجدته يخرج من المرحاض يلتف بمنشفة متجهًا الى غرفة الملابس. توقفت أمامه
-ممكن اعرف ايه اللي حصل لدا كله.
أبعدها بهدوء بعيدًا وخطى للداخل
انسابت عبراتها قائلة
- آسفة I m sorry
توقف بخطواته، يطبق على جفنيه من نبرتها الحزينة، استدار إليها ثم اقترب منها، رفع أنامله يزيل عبراتها التي نزلت فوق صدره نيران تلهمه، احتضن رأسها.
-انا مقولتش ممنوع الدموع دي طول ماانا عايش. حاوطت خصره تبكي بشهقات
-أول مرة تكلمني بالطريقة دي، وزعلت وسبتني زعلانة لوحدي
عصرها بأحضانه
-آسف حبيبي، مااهو إنتِ اللي نرفزيني ياغنى، كان لازم ابعد علشان محبتش ازعلك
رفعت رأسها ونظرت لعيناه: -مخصماك يابيجاد، ومش هكلمك تاني خالص. ارتفعت ضحكاته غامزا لها
-كدا لازم اصالحك ياغنايا، ضيقت عيناها وفجأة وجدت نفسها بالهواء.
قهقهت بضحكاتها تهز ساقيها، وكأنها ليست تلك التي تبكي
-نزلني يابيجاد انا زعلانة ومش هتنازل، غمز بعينيه ينظر للمنشفة
-غنايا اتلمي الفوطة هتوقع وانا مش مسؤل، وضعت رأسها بأحضانه تلكمه
-نزلني يامنحرف، والله انت منحرف يابيجاد.
بالمشفى تململت بمنامها فتحت عيناها بعدما شعرت بأنفاسه الحارة تلفح وجهها، ابتسم قلبها قبل عيناها، فاقتربت تضع رأسها بحنايا عنقه تستنشق رائحته كالمدمن، رفعت كفيها تلمس وجنتيه، تتمنى لا ترى غيره بهذا العالم، عشقها وحبيبها، أغمضت عيناها مستمتعة بدفى أنفاسه، دنت تطبع قبلة بالقرب من خاصته. شعر بها ولكنه ظل كما هو، خللت أناملها بخصلاته.
-نفسي ابنك يكون شبهك أوي، رغم دقاته العنيفة بجنبات صدره، ود لو حطم عظامها يذيقها من ترانيم عشقه حتى تصمت عن شكها به
رفعت كفيها لزر قميصه عندما انتابها شعور لأول تريد دفن أنفاسها بصدره و أقترابه لتشبع روحها، وضعت رأسها تتمسح بصدره مستمتعة برائحته، هنا فقد السيطرة على نفسه من أفعالها التي لأول مرة تخترق خجلها. فتح عيناه فتقابلت النظرات منها المشتاق ومنها المعاتب.
اعتدل يرجع خصلاته ثم أغلق زر قميصه وأردف يبتعد بعيناه عنها: -لو حاسة إنك بقيتي كويسة اجهزي علشان نروح. احتضنت كفيه
- جاسر. همست بصوتها المجهد. استدار ينظر إليها بهدوء رغم حربه الداخليه
-جنى أنا تعبان حقيقي وعايز انام، لو سمحتي ممكن نلغي أي كلام حاليا، هروح اشوف الدكتور
اعتدلت بعد خروجه، تنظر لأثر خروجه بحزن، تنهدت متألمة تهمس لنفسها
-دا زعلان اوي، هعمله ايه إن شاءالله
ولج بجوار الطبيبة التي ابتسمت لها.
-عاملة إيه دلوقتي، لسة في كحة
-يعني يادكتور، وضعت كفيها على أحشائها
-طمنيني على البيبي. نظرت بمؤشرتها الحيوية ثم تحدثت: -هتروحي لطبيب النسا تشوف البيبي، وتطمنك أكتر، وضعت الكشف بجانب فراشها
-تمام أوي كدا، ممكن تخرجي النهاردة لو عايزة، أما لو عايزة. قاطعها جاسر
-لأ هنطلع النهاردة يادكتور.
دلف عز يوزع نظراته بينهم
-فيه حاجة!
أجابه جاسر: لا بنطمن علشان نمشي، خليك مع اختك هشوف عمو وراجع.
امسك ذراعيه هاتفًا: -عمك كويس. انزل جاسر كفيه وتحرك للخارج
جلس على المقعد يراقب أخته وهي ترتدي حجابها
-جاسر لسة زعلان ولا إيه
هزت رأسها بالنفي
-لأ ياحبيبي هو بس مرهق وعايز ينام
اومأ متفهما ثم نصب عوده وخطى إلى أن وصل إليها: -جنى لو لسة زعلان راضيه حبيبتي، الراجل مننا بيضعف وينسى كل حاجة مجرد يسمع كلمة حلوة من مراته.
ابتسمت متسائلة: -لسة روبي فارضة حصارها عليك. حاوط كتف أخته وتحرك للخارج
-والله لاندمها على كل دقيقة بتوحشني فيها. ضحكت بصوتها الناعم
-بتحبك وبتموت فيك على فكرة، بس انت طلعت واطي اوي يااخ
ضمها بقوة
-من بعض ماعند جوزك ياختي، وصلوا للخارج بوصوله
بسط كفيه إليها
-هنروح ياعز، لو احتجت حاجة عرفني، عمو هيخلص المحلول وهيروح هو كمان
اومأ عز برأسه، ثم اقترب من أخته يطبع قبلة على جبينها.
-ارتاحي حبيبتي، ومتزعليش نفسك على أي حاجة، والواد دا لو عمل حاجة وحياتك عندي لأقطع لسانه
سحبها متحركًا دون حديث.
توقفت أمامه تضغط على كفه
-تعالى نطمن على البيبي. انحبست أنفاسه بداخله ونظراته عليها وعلى رجاء عيناها التي يقع صريعا لها
رفعت نفسها تلف ذراعيها حول رقبته: -جاسر لازم نشوف ابننا مع بعض، أمسكت كفيه تضعها حول بطنها.
-حبيبي هنا ثمرة حبنا، سامحني كنت عايزة اطمن انك. انزل كفيه وسحبها متجها إلى الطبيبة
بعد قليل تسطحت على فراش الكشف. وضعت الطبيبة السائل لتفحص تلك النقطة السوداء التي ظهرت أمامها
-الأمور ممتازة مدام جنى، ابتسمت لهما. عندنا كيسين يعني توأم
ابتسامة لامعة ظهرت بعيناها، تضغط على كفه، أما هو الذي ارتفعت دقاته بعنف وهو يرى بذاك الجهاز نطفته.
-شهرين ونص يامدام. المرة الجاية هيظهروا اكتر. قالتها وهي تضع لها محرمة لتجفيف ذاك السائل. انحنى يساعدها بمسح، رفعت ذراعها تحاوط عنقه لتعتدل بجلوسها، كان قريبا منها فهمست بجوار أذنه
- بحبك. همست بها تطبع قبلة على وجنتيه. لقد ذاب جليده الذي تسلح به، ونسي ما فعلته، ورغم ذاك ابتعد بعد ماانهت ولكن قلبه يرقص فرحا
وصل لسيارته وساعدها بالنهوض.
جلست تضع رأسها على النافذة تنظر بالخارج، والصمت يعم السيارة، اتجهت ببصرها إليه عندما وجدت صمته
-هتفضل كدا، مش متعودة منك على كدا
ظل ينظر أمامه دون حديث وكأنها هوا، وضعت كفيها على كتفه
- جاسر
انزل كفيها وهو ينظر أمامه
-أنا بسوق وتعبان، وبعدين عايزاني اقول ايه، مش المدام شاكة فيا، لدرجة خبت عليا حملها، نزل ببصره لبطنها وأستأنف
-حتى فرحتي ماتت ومبقاش ليا نفس.
هنا شعرت بقبضة قوية تعتصر صدرها فشحب وجهها واتجهت تنظر مرة أخرى من النافذة بصمت حتى وصلا إلى حي الألفي
ترجلت من السيارة سريعا، قابلها جواد حازم على باب المنزل، ابتسامة واسعة ظهرت على وجهه
-عاملة إيه ياجنجون. ابتسمت بهدوء
-الحمد لله ياجواد انت عامل إيه، وعمتو وعمو حازم، وحشتوني اوي، وتقى
أشار على منزله
-نايمين شوية وكلهم يجيوا علشان يسلموا عليكم. دنى يتفحصها بنظراته
-مالك وشك متغير ليه كدا.
-كانت تعبانة شوية. هكذا أردف بها جاسر مقتربًا منه، احتضنه جواد
-اهلا بحضرة الظابط، عامل ايه وحشتني
ربت جاسر على كتفه ينظر لجنى
-ادخلي ارتاحي مش كنتي بتقولي تعبانة
اومأت برأسها وتحركت بعدما ابتسمت لجواد
-هرتاح شوية ولما اقوم هشوف تقى
-أكيد ياجنجون ارتاحي، وتقى موجودة مش هطير
كان يقف كاظمًا غيظه يود لو يلطمها على وجهها حتى لا يرى تلك الشفاة وهي تبتسم وتتحدث بصوتها الذي يشبه الكروان لغيره.
رفع نظره لجواد الذي كانت عيناه تراقب تحركاتها، كور قبضته محاولا السيطرة على إنفاعله، فحمحم بصوته الخشن قائلا: -عمو حازم جه، ولا لسة في تركيا
تحرك بعض الخطوات واجابه
-شوية وهتلاقي الكل في بيت العيلة، استدار جاسر متجها لمنزله ولكنه توقف على صوت جواد
-جاسر! اقترب منه قائلا بإبتسامة.
-مبروك يابن خالي، بالرفاء والبنين، جنى تستاهل يارب تقدر تحافظ عليها وتعرف قيمتها، لو يعود بيا الزمن يابن خالي كنت مستحيل اضيعها
ضغط على ذراعيه يتحدث بنظرات نارية
-جواد جنى دلوقتي مراتي، متحاولش تقرب منها زي زمان، دي ملكي ومش هسمحلك تقرب منها وإياك تلعب معايا في عداد الغيرة، علشان وقتها مابرحمش يابن عمتي
دفعه واستدار متحركا بخطوات تأكل الارض، من يراه يزعم أنه سيطيح بكل ما يقابله.
وصل لغرفته وانفاسه تحرق كل مايقترب منها، خرجت من غرفة الملابس، ترتدي تلك المنامة السوداء التي أظهرت جمالها البرئ بأنوثتها المتفجرة. اتجهت للمرآة تمشط خصلاتها، ظل يراقبها لبعض الدقائق وهي تلهو بخصلاتها مبتعدة عن نظراته، جلس يمسح على وجهه يريد السيطرة على انفعالاته التي بدأت تحرقه، انتهت مما تفعله، ثم قامت بنزع مأزرها واتجهت للجانب الآخر من الفراش وتمددت لتغفو بسرعة بسبب حملها. نهض متجها للمرحاض دقائق معدودة ثم خرج ملقيا نفسه بقوة بجوارها، ظنا إنها ستعاتبه، ولكن وجد صمتها، دقائق وهو يتقلب كأنه يغفو فوق جمرات من نيران، أنفاسًا ملتهبة ودقات عنيفة وهو يراها بتلك المنامة.
اقترب يجذبها لأحضانه عندما فقد سيطرته، غمغمت بنومها باسمه
كيف لعاشق أن يصمد بعد ذلك، همس بجوار أذنيها
- جنى. فتحت عيناها بين النوم واليقظة فأردفت بصوت مفعم بالنوم
-عايزة أنام قالتها وهي تغمض عيناها، ابتسم عليها رفع أنامله يخصلاتها حتى حررها لتناسب على وجهها بعشوائية لتصبح مثالا للفتنة والجمال مما جعلها مغوية لقلبه الضعيف.
دقائق وهو يرسمها بعيناه كفنان مبدع، دفنت وجهها تتمسح به كقطة أليفة، تستنشق رائحته
-بقيت مدمنة حبيبي، مسد على خصلاتها بحنان وتسائل
- لسة بتشكي في حبي، هزت رأسها بالنفي، ضغط على خصرها يجذبها إليه حتى عصرها بأحضانه وهمس بأذنيها بكلماته المعسولة العاشقة ليأخذها لرحلة لم تكتب سوى لغيرهما
بعد فترة كانت تغفو بعمق بأحضانه استيقظ على صوت هاتفه، رفعه وأجاب: -أيوة. على الجانب الآخر.
-أنا قدام بيتك، اعتدل سريعا يطالع تلك الغافية ليعدل وضعيتها
-انهي بيت؟
-بيتك ياجاسر، إنت فين ومراتك فين
تحرك بعيدا واجابها
-رايحة بيتي ليه يافيروز، عايزة ايه
نظرت لتلك الحقيبة وتحدثت
-هدومك اللي كانت عندي جبتهالك جزاتي يعني
-مش عايزها قالها بصوت مرتفع مما جعلها تستقيظ، تبحث عنه، استمعت لصوته
-خلاص يافيروز خليها مع البواب واي وقت هعدي واخدها
-مفيش حد هنا ياجاسر تعالى خد هدومك انا مسافرة الغردقة واجرت الشقة.
تأفف بضجر ثم تحدث: -تمام خليكي ربع ساعة واكون عندك
أغمضت عيناها مرة أخرى عندما شعرت به. وضع هاتفه واتجه لمرحاضه دقائق معدودة وخرج، اعتدلت تطالعه متسائلة
-رايح فين. أغلق قميصه يلتقط مفاتيحه
-مشوار، نهضت تجذب مأزرها
-يعني ايه مشوار، مش المفروض تقولي
استدار يرمقها بخزي
-اللي بتسأل دي اللي بتشك صح ولا ايه. اقتربت منه
-دا مش موضوع شك، موضوع عايزة اعرف انت رايح فين، كنت بتقول تعبان عايز تنام.
تحرك مغادرا وهتف مبعدا بنظره: -بقيت كويس، هوت على الفراش تنظر لأثر خروجه بقلب يتألم وشكًا يصهر عظامها
بعد عدة ساعات تجمع الجميع بالأسفل، وهو اليوم المقرر بالتجمع العائلي لدى جواد، وصلت غنى بصحبة زوجها، وكذلك حازم وابنائه
ارتدت فستانا باللون الازرق وحجابًا باللون الابيض، كانت تتحرك بقلبا ينصهر بالحزن مما فعله، فلقد ذهب منذ ساعتين ولم يعود حتى الآن
اتجه الجميع إلى مائدة الطعام، فتسائلت غزل عنه.
-فين جوزك ياجنى. رفعت بصرها لجواد ثم اتجهت لغزل
-عنده مشواره زمانه على وصول، استمع جواد لهاتفه، فاستأذن للخارج
-حضرة الضابط مع مدام فيروز في بيته من حوالي نص ساعة
شعر كأن أحدهم طعنه بخنجر بارد، فأغلق الهاتف، محاولا السيطرة على دقاته التي بدأت بالتلاشي، خرج صهيب خلفه، توقف ورائه
-آسف ياجواد، عارف انك زعلان مني، بس صدقني خوفي على بنتي وتشتت ابنك هو اللي خلاني اقولك كدا.
كانت نظراته ضائعه ينظر للأمام يضغط على الآم قلبه، لا يريد أن يراه أحدًا بتلك الحالة، تحرك للأمام وهو يلوح لصهيب بكفه
-هروح مشوار وراجع. تحرك خلفه سريعا
- جواد! توقف يعصر عيناه كما يعصر جمارة ألمه فأردف بتقطع:
-مشوار ياصهيب وراجع. توقف أمامه
-فيه ايه؟
قاطعهم وصول سيارة جاسر. التفت جواد لصهيب
-، عايز اتكلم مع جاسر شوية ممكن، ظل يحدجه لفترة من الزمن، ثم اتجه للداخل
وقف جواد منتظر وصوله، وصل إلى والده.
-مالك يابابا واقف كدا ليه. صفعة قوية على وجهه، ثم امسكه من تلابيبه
-إنت مش هتكست غير لما تموتني، بنت سحر كانت بتعمل ايه معاك في بيتك يالا
استمع لسقوط شيئا خلفه استدار، وجدها تقف وتساقط الكوب من يديها
اقترب منها ينظر لتلك الحقيبة
-كنت بجيب حاجاتي، مفيش حاجة تانية، وقف جواد يطالع جنى التي شحب وجهها وأصبح يحاكي الموتى، اقترب منها يحاوطها بذراعه
-جنى حبيبتي أنا كنت بتخانق معاه علشان.
رفعت نظرها لعمها.
-طلقني منه، مبقتش عايزاه، إنت وعدتني قبل كدا، وانا دلوقتي بقولك ابنك مابقاش يلزمني طلقني منه، قالتها واستدارت متجهة لمنزل والدها
لكزه بقوة بصدره، روح رجع مراتك، لو مرجعتهاش تبقى لابني ولا اعرفك
بالداخل جلس الجميع يضحكون بأصوات مرتفعة سوى من صهيب الذي ينتظر جواد، ظنا أنه ساخطا منه
دلف جواد يرسم إبتسامة على وجهه
دققت غزل النظر به، فنهضت متجهة لجهاز الضغط.
-اقعد ياجواد هتفضل لحد امتى مهمل في صحتك كدا. رفع نظره كالتائه، يريد أن يلقي نفسه بأحضانها، لعل يجد لديها الراحة التي سلبت منه
ظلت نظراته تتابع باب الغرفة ينتظر دخول ابنه بزوجته.
عند جنى ولجت لغرفتها، هوت على فراشها كزهرة تبعثرت وريقتها، ولم تكن لديها مايحاوطها، لا تعلم كيف ستتخلص من ذاك الوخز الذي أصبح كالمسامير يدق بصدرها ليهشم روحها
دلف يبحث عنها بعينيه. جلس بجوارها
-جنى مفيش حاجة من اللي في دماغك
-طلقني، اردفت بها بضياع. كلمة بسيطة نزلت على قلبه كضربة خنجر قاتلة، نهض من مكانه
-ممكن نتكلم بعدين، الكل مستنين دلوقتي
اشعل بداخلها نيران جحيمية فصرخت به.
-انت ايه يااخي، مش معقول برودك دا، بقولك طلقني يابن عمي، متخلنيش اكرهك واستحقرك اكتر من كدا
دنى يجذبها بقوة من خصرها
-هقطعلك لسانك يابت، سمعتيني، بقولك مفيش حاجة، اتصلت ورحت جبت حاجاتي وبس
تحولت كالمجنونة تدفعه بعنف
-بكهركم انتوا الاتنين، دمرتوني، الله ياخدك باجاسر، حطمتني، ضربت على قلبها بعنف
-عايزة احرق دا، زي ماهو بيحرقني بالقرب منك
ضربت بطنها بقوة
-مش عايزة حاجة منك، ودا مش عايزاه.
حاوطها ضاغطا عليها، عندما ذعر من حالتها، دلفت غنى تبحث عنهما
-جنى، جاسر، انتو فين. استمعت لصرخاتها بالأعلى
-بكرههههههك، صعدت للأعلى سريعا توقفت متسمرة بمكانها وهي تراها تضرب احشائها وتصرخ
-مش عايزاه، واحد حقير، خاين
اقتربت غنى وجسدها يرتعش من الحالة التي توصلت إليها
-جنى. دفعته بقوة متجهة إلى غنى تقف خلفها كأنها تتحامى بها
-خليه يبعد عني، انا مش عايزة اشوفه ياغنى، اخوكي خاين وكذاب.
أنهت حديثها ترمقه بنظرات احتقارية يتطاير منها الشرر
دفع غنى بعيدا، واقترب يحملها متجها لسيارته وهي تصرخ وتلكمه ولكنه كان المسيطر الأقوى، فتح باب السيارة الخلفى، ووضعها به وأغلقها
هرولت غنى خلفه
-جاسر لو سمحت متعملش كدا. استقل سيارته بوسط صرخاتها الجنونية وهي تحاول الانقضاض عليه، حتى شعرت بالوهن وامالت على المقعد تبكي بصمت.
ظل يقود سيارته وهو يراقب صمتها بقلب يئن ألمًا على ماوصلوا إليه، وصل لمنزل والدته، ترجل يحملها متجها للداخل، وهي صامتة كأنها رضيت بواقعها
بمنزل جواد وخاصة بمكتبه، تحول كالثور الهائج، يضرب على مكتبه بعنف، اقترب أوس وياسين
-بابا لو سمحت بلاش حد يحس بحاحة، احنا هنوصله.
هوى على مقعده يمسد على صدره.
-الواد دا تجبوه من تحت الأرض، قبل ما يعمل حاجة في البنت، ياربي البت نفسيا مش متظبطة ممكن تأذي نفسها دلفت غنى بعصير ليمون
-بابا ممكن تهدى، عمامي برة قلقانين
ضرب على المكتب بقوة حتى تناثر كل مافوقه
-الواد دا ناوي يموتني. قاطعهم دلوف بيجاد وهو يحمل كاسة من الكاستر
-حمايا العزيز، فينك دي مقابلتك ليا، قالها وهو يجلس يرفع ساقيه على المقعد امامه. وزع نظراته عليهما.
-مالكم ساكتين كدا ليه، طيب نزلت رجلي أصلها وجعاني، شكلها فيها عين سمكة. قالها بابتسامة
فركت غنى كفيها بيجاد
ضيق عيناه منتظر حديثها: -جاسر. قالتها غنى. وضع جواد رأسه بين راحتيه فقصت غنى ماصار
-هتلاقوه فين يعني اكيد في حاجة من امالكم، ماهو الموضوع جه بدون ترتيب، يبقى اكيد حد قريب أو بيت من عندكم
هب جواد من مكانه متجها لسيارته دون حديث آخر
عند يعقوب
جلس أمام النيل بجوارها. الصمت يعم المكان. قاطعته كارمن.
-لسة فاكر ترجع بعد السنين دي كلها
نفث تبغه ينظر أمامه بهدوء، ثم أجابها
-لم أعلم إنكِ على قيد الحياة، علمت بالمصادفة
ابتسمت ساخرة ثم توجهت إليه
-وياترى عرفت ازاي ياباشمهندس، وانا باسم الألفي
-صديق لي رآكي صدفة وارسل لي صورة لكِ، حينها علمت بوجودك ولأجل هذا نزلت القاهرة
نهضت تنظر بساعة يديها
-لازم امشي عندي عملية بعد ساعة يادوب اجهز
امسك كفيها ونظر لبحر عيناها.
-اريدك تعودين معي، لا أريد نومكي بهذا المكان. انزلت كفيه وتحدثت: -أنا اتعودت على كدا، بعد إذنك. تحركت تخطو بعض الخطوات ولكنها توقفت
-غدا سأنتظرك أمام المشفى لأنكي ستعودين معي، لولا مشغولاتك اليوم لم اتنازل عن هذا
استدارت تحدقه بنظرات حزينة فهمست بنبرة شجية
-ارجع مكان ماكنت يايعقوب، عايزة اعيش زي ماانا عايشة
قالتها وخطت سريعا وكأنها تخطو فوق بلور يشحذ أقدامها وعيناها التي تفرش الأرض
عند جاسر وجنى.
جلس بجوارها ونيران تأكل احشائه
-عايزة تموتي ابننا ياجنى، لدرجة دي
انا رحت اجيب حاجتي وبس، مفيش حاجة تانية، أما ليه دخلت البيت مش انا اللي دخلتها، لقيتها مفهمة البواب أنها مهندسة ديكور وجاية شغل
كانت تضع رأسها على المقعد بعينان ضائعة وقلب فتته الوجع
-خنتني كام مرة ياجاسر، قولي ومش هزعل، دا إنت يادوب كنت معايا، لدرجة دي مش قادرة انسيك فيروز. استدارت بعيناها التي بهتت.
-طلعت بتضحك عليا، انا ليه ضعيفة اوي كدا معاك، ليه بحبك الحب دا كله
نفسي اكرهك أوي يابن عمي.
آلمه سؤالها وكأنها غرست خنجرا لتتألم روحه فتوقف يشعل سيجاره وبدأ يحرقها كصدره الذي احترق كاملا
-تمام. مبقاش فيه كلام يتقال، هعملك اللي أنتِ عايزاه، بس تولدي في الاول، غير كدا مالكيش عندي طلب، استدار وأشار بسبباته مهددا إياها
-مش عايز جنان، افهمي انك حامل، ولو موتي اللي في بطنك يبقى هموتك بايدي، دلوقتي هو أهم منك
شهقت ببكاء مرتفع
-يعني اتجوزتتي علشان تخلف بس.
قاطعهم دلوف جواد، هدا المكان بالكامل من الحديث، لم يكن به سوى النظرات والأنفاس التي تحرق صدروهم جميعا. خطى إلى ابنه بهدوء مميت. نهضت جنى سريعا عندما وجدت حالة عمها، لا تعلم ماذا عليها فعله، عمها وحبيبها الخائن، وصلت اليه واحتضنته
-فهمت حبيبي، وأنا موافقة. توقف جواد وصاعقة تصفعه بقوة على ما يراه أمامه، رفع ذراعيه يحاوطها بقوة
رمقه جواد بنظرات خرساء لبعض الوقت، وهو يرى ذراعه الذي يحاوطها به ثم تحدث.
-بتعملوا ايه هنا، اتجه لجنى وعيناه تخترقها
احتضنت كف جاسر وابتسمت
-جاسر كان بيصالحني ياعمو، وفهمني سوء الفهم. ظل يحدجها بثبات لبعض اللحظات ثم استدار مغادرا، توقف لدى الباب
-خدي بالك من نفسك ياعمو، ثم رمق ابنه بنظرة مطولة وهتف
-تعالى عايزك. قالها وتحرك للخارج. تنفست بهدوء تضع كفيها على بطنها تشعر بألمًا يفتك بها. اتجهت للأريكة تجلس فوقها وعيناها كزخات المطر.
-وصلتني اقتل ابني ياجاسر، وأكذب كمان هتفضل لحد كداربنا يسامحك يابن عمي. احتضنت ركبتيها تضع رأسها فوقها
دخل بعد قليل متجها للغرفة ثم اتجه إليها
-قومي ارتاحي جوا، انا طلبت أكل، واياكي تغلطي اكيد فاهمة كلامي
تمددت على الأريكة تحتضن أحشائها
-شكرا مش هنام غير هنا
كور قبضته بانفاسًا مرتفعة، فانحنى يحملها للداخل
-السرير دا هتتنيلي جنبي عليه، واياكي تنامي برة، طول ما انتي مراتي تنامي في المكان اللي بنام فيه.
أغمضت عيناها بألمًا فهي تريد أن تريح أعصابها فلقد تألمت كثيرا اليوم
دقائق وغفت بنومها تحتضن احشائها
جثى أمامها يمسد على خصلاتها
ثم نهض متجها للخارج
انفرطت الايام سريعا حتى مر اسبوعٍ والحال بينهما ظل كما هو. عند عز وربى. ولج لمنزل عمه مع مُحضر
-فين ربى جواد الألفي
-أنا ربى يافندم، خير قالتها وهي تنظر لوالدها
بسط يديه بورقة: -الدكتورة ربى مطلوبة من قبل زوجها السيد عز صهيب الألفي ببيت الطاعة.
جحظت عيناها ترمقه بنظرات نارية، تريد أن تحرقه كاملا. اقتربت منه والشرر يتطاير من عيناها. جذبها بقوة إليه
-غلط هبوسك قدام الكل وممكن الموضوع يطور وتبقى فضحيتنا على لسان الجميع، لمي نفسك وتعالي معايا بالذوق
جلس جواد على المقعد واضعًا خديه على راحتيه
-جذبت الورقة وقامت بتمزيقها، وألقتها على عز
-وريني اخرك. اقترب المحضر مع أحد من الضباط
-هاتوها يابني. توقف عز أمامهم.
-خلاص يافندم، انا هحل الموضوع خلال ساعات لو متحلش اوعدك هخليك تاخدها واسف للازعاج
رفعت حاجبها ساخرة
-شوف ازاي. نهض جواد من مكانه
-اعمل فيكم ايه قولولي انتوا الاتنين، أشارت لوالدها
-سبني عليه يابابا لو سمحت، عز دا عايز يتربى ماهو عمي معرفش يربيه.
اشار الى جواد مقهقها: -ولا ابوكي ياروحي عرف يربيني وكويس إنك عارفة إني قليل ادب ومش متربي. سحبها بقوة حتى ارتطدمت بصدره، همس بجانب أذنها حتى لمست شفتيه اذنيها، فشعرت بقشعريرة تضرب جسدها.
-مش همشي من غيرك، ومستعد اقلب مجرم هنا، وحياة ابويا وابوكي، مهما تعملي مش هتحرك، ولا أقولك الجيش بيقول اتصرف، قالها وهو يحملها ويضمها بقوة محاولا السيطرة عليه، ورغم صرخاتها ولكماتها، الا أنه سيطر عليها متجها لمنزله، قابله صهيب ينظر إليه بذهول
-بتعمل ايه ياله. تحرك وهو يحادث والده
-مراتي وحشتني عندكم مانع، لو عندك مانع تعالى صالحها معايا
قامت بعضه بكتفه حتى يتركها، انزلها يصرخ.
-يابنت العضاضة ياجعانة. تحركت مهرولة للخارج
-لو طلعتي من الباب دا يبقى هديتي كل اللي بينا، اقسم بالله ياربى لو خرجتي من الباب دا لتكون ورقة طلاقك عندك، انا تعبت خلاص، مبقتش مستحمل، مابقتش عيشة دي، بقالك اكتر من تلات شهور وانا بتحايل عليكي.
أطبقت على جفنيها وتحركت للخارج توقف صهيب أمامها قبل أن تخرج كليا
-علشان خاطر عمك يابنتي، مالكيش دعوة بيه، انتِ هنا علشان عمك، عمك مايستهلش ياروبي
انسابت عبراتها تهز رأسها
-آسفة ياعمو، بس ابنك دبحني، وانا مش قادرة اسامحه، سامحنى ارجوك
تحرك إلى أن وصل إليها. احتضن وجهها واقترب يطبع قبلة مطولة على جبينها تعني لها بآلاف الندم والآسف.
-آسف ياروبي، اطلبي اللي عايزاه بس كفاية فراق ووجع، وضع كفيه على أحشائها
-عايز احس بابني وهو بيكبر جواكي، . عايز ارتاح وانتِ في حضني، بلاش توجعي قلبي اكتر من كدا
استدارت متحركة، ولكنه جذبها بقوة ولم يعطيها فرصة لينقض على شفها يقبلها بقوة أمام والده الذي تحرك للخارج، لعله يستطع السيطرة عليها، حاولت دفعه الا أنه تحول لوحش ضاري يريد أن يبتلعها.
دفعته بقوة صارخة عندما سحب انفاسها، تحركت للخارج تبكي بشهقات مرتفعة
-بكرهك ياعز بكرهك. جلس صهيب بقلبًا ممتلئ بالوجع بعدما خرجت تبكي بتلك الطريقة
بمنزل كريم وهو اليوم المقرر لعقد القران والزفاف. انتهت من زينتها، تنظر بفرحة لفستان زفافها
-حلو ياماما. ابتسمت والدتها
-جميل ياروح ماما، مرت الساعات تلو الأخرى ولم يصل أحد من أفراد العريس. دلف إليها أخيها
-اتصلي بخالد مبيردش والماذون جه.
ارتعش جسدها من الخوف عليه. قامت بمهاتفته مرة بعد مرة ولكن دون رد
خرج متجها لمنزله، قاطعه رنين هاتفه
-أيوة ياياسين. ابتسم ياسين الذي يقود سيارته متجها للمنزل
-آسف ياكريم. مش هقدر اجي، لازم أسافر الفيوم بكرة مع العيلة
توقف يمسح على وجهه بغضب
-شكل مفيش فرح، الحيوان شكله بيعمل لعبة حقيرة علشان يذل ابويا، انا خايف على ابويا ليموت بحسرته على بنته قالها بدموع تنذرف بعيناها
توقف على جانب الطريق.
-تفتكر بيرسم لحاجة. اجابه بصوت مختنق: -هو اصلا عمل كدا علشان يكسرنا، ياما اتحيلت عليكي ياعاليا، بس غبية ماشية ورا قلبها واهو ضحك عليها ومنعرفش بيحضر ايه
استدار بسيارته قائلا: -ابعتلي اللوكيشن، انا جايلك. بعد فترة وصل ياسين لمكانه. كان يصف بسيارته على الطريق. ترجل من السيارة
-إنت رايح فين كدا. هز كتفه بضياع
-الناس كلها مستنين العريس ياياسين، عارف هيقولوا ايه على البنت. ابويا ولا امي ممكن يموتوا فيها.
ربت ياسين على كتفه ثم استقل سيارته. انا وراك
-تعالى نشوفه فين. وصلوا بعد قليل لمنزل خالد. جحزت عيناه وهو يراه يتراقص بجوار أخرى
اقترب منه وتسائل وقلبه كالمدفع
-بتعمل ايه يا خالد.؟
توقف خالد عن الرقص وهو يشير للجميع بالصمت ثم اقترب من كريم
-اهلا بابن العم، خير يابن العم
ضيق عيناه ينظر للجمع وتلك العروس التي تقف بجواره
-انت مجتش الفرح ليه؟
قهقه خالد يضرب كفيه ببعضهما.
-سلامة النظر يابن عمي، ماعروستي جنبي اهي، ثم دنى يرمقه بشماته
لو قصدك على اختك، مايشرفنيش اتجوز واحدة سلمتلي نفسها قبل الفرح
صفق بيديه وضحكاته كالرعد الذي أصاب كريم بالصم كأن هناك أحد طوقه بسياج من حديد. اقترب والشرر يتطاير من عينيه، توقف ياسين يبعده
-كريم ماتتهورش. ابتعد خالد خائف بتصنع.
-كان حقك يابن عمي تقتلني لو مثلا خطفت اختك واغتصبتها، بس كله بكفيها. اسمعوا يااهل البلد وخصوصا الشباب يرضيكم تامنوا عرضكم على واحدة سلمت نفسها قال ايه بتحبني ومستعدة تعمل اي حاجة علشان تسعدني.
نيران جحيمية أشعلت جسده بالكامل، فاقترب بعدما دفع الجميع وتحول لوحش كاسر وقام بضربه باقسى قوة لديه، لم يستطع أحد أبعاده فالنار أحرقت كل من اقترب منه، تجمع الناس وبدأ الجميع بلكمه فجذبه ياسين مبتعدا به عن الحشد. تحرك كالذي فقد الحياة: -مستحيل عاليا تعمل كدا مستحيل، نظر لصديقه بضياع
-دي بريئة اوي ياياسين، هوى على الأرض يصرخ بأقوى مالديه يريد أن صراخه يخترق السموات السبع.
تألم ياسين على حالة صديقه، استمع لرنين هاتفه لعدة مرات، أشار للهاتف
-ابويا هيتفضح في البلد كلها، ليه يااختي تحطيني تحت رحمة كلب زي دا. نهض متجها لسيارته فلقد تحولت عيناه للهيب من نيران جهنم. توقف ياسين
-خالد ناوي على ايه. استقل السيارة وتحرك بسرعة جنونية متجها للبيت، تحرك خلفه ياسين مسرعا حتى وصل لمنزله وترجل سريعا إلى المطبخ يمسك سكينا بيديه متجها لأخته. توقف أمامه.
-متتجننش ياخالد، مش معقول تبقى جاهل دينك، عايز تقتل، هات السكينة ياخالد. دفعه بعيدا عنه
-لازم اغسل عاري بدل مانتفضح في البلد سيطر ياسين عليه ملقيا السكين من يديه.
اتجننت يايلا، توقف يمسح على وجهه بغضب
-اتجننت ياكريم، عايز تموت اختك. أنفاس مرتفعة لكل منهما، وصل والده
-رحت لخالد يابني، بتصل بعمك مابيردش والناس كلت وشي
رفع نظره لوالده وانسابت عبراته قائلا
-بابا. ولكن بتر حديثه ياسين.
-أنا يشرفني اتجوز بنت حضرتك ياعمو. تطلع لياسين يدقق النظر به
-مين دا يابني، . ليه عايز يتجوز اختك اللي فرحها النهاردة
سحبه كريم متجها للداخل بجوار ياسين...
بمنزل جاسر بعد عودته بعدما أعاد ترميمه. ذات مساءًا
بالأعلى بغرفته، خرج من غرفة ملابسه توقف أمام المرآة يصفف شعره
اعتدلت فوق الفراش ثم تحدثت مردفة: -ممكن أعرف رايح فين والنهاردة اجازتك.
-مش شغلك، أنتِ مالكيش حق عليا في أي حاجة، اللي يربطنا دلوقتي صلة القرابة إلا هي انك بنت عمي، غير الولد اللي في بطنك
نهضت من فوق الفراش وخطت بإرهاق ظهر بملامح وجهها
-جاسر. لازم نتكلم لو سمحت، هتفضل تعاملني كدا لحد إمتى، احنا اتفقنا انك هتطلقني، انا مش قادرة اتحمل الوجع دا. دنت منه تنظر لعيناه
-جاسر بقيت اكره نفسي، وأكره حبي ليك، متعملنيش كأني جارية.
جمع اشيائه، ثم وضع سلاحه بخصره واجاب دون النظر إليها
-أنا كمان مابقتش فارق ياجنى ولا حبك بقى يهزني، اومأت برأسها تحافظ على كرامتها. فجذبت تلك الحقيبة التي توضع بركنا بالغرفة، تصرخ على العاملة
-انزلي دي تحت في الحزينة. راقبها بعيناه
-ناوية على ايه يامجنونة
انسابت عبراتها
-المجنونة دي عايزة تهرب منك خلاص مابقتش اتحمل، بس لازم تعمل حاجة
هبطت للأسفل تمسك تلك القداحة بيديها. أشارت للعاملة.
-ادلقي البنزين. ظلت تطالعها بصمت، ثم اومأت لها وقامت بسكب زجاجة البنزين. قامت بإشعال القداحة وألقتها على تلك الثياب
كان يقف خلفها يطالعها بصمت مريب، استدارت فتوقت أمامه
-دلوقتي حجتك حرقتها، كنت اتمنى انك تحرقهم مش توقف تتحجج بيهم
دنت منه تغرز عيناها بمقلتيه
-دلوقتي هنرتاح اكتر لما تطلقني، ودلوقتي ارمي عليا يمين الطلاق
تحرك للداخل يجمع أشيائه قائلا.
-لحد ماكل واحد يروح لحاله، مش دا اللي كنتِ عايزاه، اولدي وبعد كدا هقولك هنعمل ايه
انكمشت ملامحها بإعتراض تجلى بنبرتها
-بقولك ايه انا خلفي بقى ضيق واتحملتك كتير، هتسوق فيها
وضع سبباته على شفتيها ورمقها بنظرة نارية
-صوتك مايعلاش، متنسيش انك هنا الست وانا الراجل يابنت الناس المحترمة، استدار متجها
متجها للباب فاستمع إلى نبرتها المغلفة بالحزن قائلة: -لو خرجت كدا هترجع مش هتلاقيني.
ارتدى نظارته الشمسية وابتسم بسخرية، ثم استدار وأجابها متهكمًا
-مبقتش تفرق يا، صمت يطالعها بصمت ثم أردف بشبه إبتسامة
-بنت عمي. وأه متعمليش حسابي في الأكل دا لو ناوية ترجعي في كلامك وتقعدي، أما بقى لو ناوية تروحي عند ابوكي اللي هو عمي برضو متعمليش حسابي في أي حاجة. قالها وتحرك من أمامها وهو يطلق صفيرًا وكأنه لم يقل شيئا.
توقفت للحظات وكأن حديثه اخترق روحها بحقول من نيران حتى هوت على المقعد تدفع عيناها الدمع بالدمع هامسة لنفسها
-أنا تقول عليا كدا ياجاسر. طب وحياة قلبي اللي كسرته لأدوس عليه يابن عمي، بعد فترة من التفكير
اتجهت إلى خزانتها وجمعت أشيائها بعدما تحدثت مع غنى
-لو مسعدتنيش اقسم بالله لأمشي ومتعرفوش مكاني، ساعدوني واعرفوا مكاني احسن مااخرج من هنا متعرفوش.
تنهدت غنى تنظر لبيجاد الذي يعمل على جهازه، فرفع نظره إليها
-لسة مصرة تطلع برة البلد
اومأت له ثم أجابت جنى
-انتِ عارفة نتيجة اللي هتعمليه ياجنى. صاحت بقهر مؤلم
-غنى أنا بقيت اكره اخوكي، متخلنيش اكرهه اكتر من كدا
مسحت غنى على وجهها
-مش عارفة هشوف بيجاد وارد عليكي
سحب نفسا وزفره
-إنت عارفة ممكن باباكي يعمل ايه. نهضت تجلس بجواره.
-حبيبي البنت صعبانة عليا، والصراحة جاسر لازم يفوق من افعاله، انا لو مكانها كنت موته والله
امسك هاتفه وقام بمهاتفة شخص ما
-أيوة طالب منك خدمة ولازم مساعدتك ياكبير
علي الجانب الآخر
-أمر ولو بأيدي مش هتأخر
واحدة قريبتي لازم أخرجها برة البلد من غير ماجوزها يعرف
هب راكان فزعا
-أكيد بتهزر مش كدا. تحرك بيجاد من مكانه
-ودي فيها هزار، . واحدة عايزة تربيه ياسيدي ويعرف أن الله حق
مط شفتيه ثم نظر للبعيد.
-أنا هساعدك تخرجها بس ماليش دعوة بالاسباب يعني المسؤلية عندك
-شكرا ياراكان. ساعتين وهكون في المطار، تكون ظبط الموضوع
-خلاص اوصل وانا هكلمهم واساعدك
وصلت جنى بصحبة بيجاد إلى المطار منه إلى الأراضي التركية
بعد عدة ساعات وصلت لأحدى المدن الشاطئية بدولة تركيا.
دلف بجوارها لأحد المنازل. توقف بمنتصفه.
-البيت دا لريان المنشاوي متخافيش محدش يقدر يقرب منه، عندك حراسة عليه، وكمان فيه ست مصرية هتجيلك بعد شوية. اتمنى ياجنى تكوني بتعملي الصح. جاسر مش هيسكت وممكن يقاطعني العمر
-شكرا يابيجاد. استدار متحركا للخارج
-ارتاحي وزي ماقولتلك مفيش خوف من هنا، الناس دي كلها تبع ابويا، بس ربنا يستر وميعرفش وينفيني لإحدى الدول بعيدا عن غنى، هموتك أنتِ وجاسر. قالها مبتسما حتى يخرجها من حالتها.
عند جاسر باليوم التالي لمنزله. يجلس بالحديقة منتظر هجومها كعادتها. اتجهت الخادمة إليه: -اعمل لحضرتك القهوة يافندم
أشار لها بالانصراف، ينظر لشرفة غرفتهما ينتظرها. ولكن قطع نظراتها العاملة
-مدام جنى مشيت امبارح وسابت لحضرتك الظرف دا
ابتسم ساخر على أفعالها الطفولية ظنا إنها ذهبت لمنزل والدها
فتح الظرف ومازالت ابتسامته الساخرة على وجهه ولكن جحظت عيناه وهو يقرأ سطورها
- أيام ندية بصحراء خاوية ملهمي.
متحاولش تدور عليا، ولا كأني دخلت حياتك، عايز تتجوز، اتجوز وابني حياتك وكأني مت ورحت لرب العالمين، انا برة مصر يعني حبيت ابعد عنك بآلاف المسافات شوفت وصلتني لأيه.
كاذب. مخادع. حبيب جنى
هنا انسحبت أنفاسه وكأنه فقد الحياة دقائق مرت عليه كالدهر، يقبض على الورقة بعنف حتى تمزقت بكفيه.
تحرك إلى الأعلى كالمجنون، يبحث عن جواز سفرها ولكن أصابته صاعقة شقت قلبه لنصفين. بدأ يحطم كل ماتطوله يداه حتى جرحت ونزفت بالكامل
تحرك إلى منزل والده، دفع باب مكتبه وولج إليه كالأسد المفترس
-حضرتك اللي ساعدتها، صح ماهو مستحيل تسافر برة البلد من غير علم جوزها الا اذا حد له كلمة يساعدها
نهض جواد من مكانه ينظر بذهول لحالة ابنه المشعثة.
-هي مين دي يابني. دفع المقعد بقدمه وصرخ بصوته بالكامل حتى أفزع من في المنزل
-ايه ياحضرة اللوا بلاش شغل المباحث دي عليا، مراتي فين، مراتي برة البلد ومفيش غيرك يقدر يطلعها برة البلد
ابتلع غصته المتورمة محاولا الثبات أمام ابنه حتى لايصفعه مرة أخرى: -إنت اتجننت ياجاسر، جاي تعلي صوتك على ابوك وتتهمه بهروب مراتك.
آآهة طويلة صرخ بها كالقنابل المتفجرة تعبر عن مدى وجعه بتلك الحالة. بدأ يحطم كل شيئا يقابله، وصلت ربى على صرخاته وتحطيم مكتب والده الذي توقف مذهولا من حالة ابنه، هوى على الأرضية واانسابت عبراته كنيران تحرق وجنتيه
-ليه بيحصل معايا كدا، من صغري والفرح محسوب بالدقايق لو فرحت دقيقة بحزن بعدها سنين، ليه. رفع نظره لوالده.
-ليه ربنا مابيحبنيش يابابا، انا عملت ايه، جلس جواد بجواره يضمه لأحضانه عندما عجز بمواسية ابنه
-اهدى حبيبي انت راجل عيب تعمل كدا
خرج من أحضان والده
-مراتي بتكرهني اوي البنت الوحيدة اللي حبتها بتكرهني لدرجة كانت هتموت ابني يابابا، لسة عايز بعد دا كله اهدى، مراتي هربت بابني، لا مش ولد واحد دول اتنين، جنى حامل في توأم يابابا. اخدتهم وهربت علشان بتكرهني. قالها عندما انهارت حصونه بالكامل.
جلست بالخارج تبكي على حالة أخيها. فتحركت سريعا متجهة لمنزل عمها. وجدته جالسا امام المسبح يرجع برأسه على الجدار ينظر بشرود. اقتربت منه تحتضن وجهه
-عز. نظر لعيناها الباكية بصمت فأردفت
-أنا مستعدة ارجعلك ياعز، ومش هتكلم وهرضى بأي حاجة بس قولي مكان جنى فين جاسر ميستهلش كدا، والله ما يستاهل دا. بكت بنشيج مرتفع. اعتدل يطالعها بنظرات مستفهمة
-ليه جنى مش مع جاسر. لكمته بصدره
وبكت تحاوط عنقه.
-متضحكش عليا ياعز، وحياتي عندك قولي مكانها فين ووعد هعيش معاك من غير ما افتح بوقي
أبعدها عنه ثم نهض من مكانه
-يعني ايه؟ ليه اختي فين؟
قالها وتحرك متجها لمنزل عمه
تجمع الجميع بعد علمهم بما صار لجنى
امسكه صهيب من تلابيبه
-قولت انك مش اد الامانه ياحيوان، عملت ايه في بنتي حتى خليتها تهرب
كان ضائعا ينظر لعمه بتشتت مردفا
-كانت عايزة تطلق وأنا رفضت بس دا كل الموضوع.
أطبق جواد على جفنيه، اقتربت غزل من صهيب وصاحت به
-كفاية بقى فيه ايه، مالكم مش شايفين حالة الولد، ليه هو اللي دايما بيغلط ياصهيب، بنتك هربت وهي حامل، فاهم معنى الكلمة. تحرك جاسر بتخبط للخارج متجها لسيارته، هرولت خلفه
-حبيبي رايح فين. هز رأسه.
-مش عارف، لازم الاقي مراتي ياماما، هسأل في المطارات، هشوف حد من صحابي، بدل سيادة اللوا مش عايز يساعدني. استمعوا لصرخة ربى باسم والدها بالداخل، هنا توقف الزمن ودقات قلبها بالأرتفاع تهمس بخفوت بعدما هرول جاسر للداخل
-لأ جواد اكيد محصلوش حاجة.
بعد شهرين.
استمعت لطرقات باب منزلها، فتحت عيناها بوهن، تنظر للباب الذي أحست أنه بعيدا بمسافة لاتقو على الحركة إليه. أغمضت عيناها مرة أخرى، بين اليقظة والأغماء، استمعت مرة أخرى بقوة أعلى، اعتدلت وساقيها كالهلام، جذبت وشاحها ووضعته متحركة بوهن عندما ضعُف جسدها بالكامل.
استندت على الجدار حتى وصلت للباب بصعوبة، وفتحته ودقات قلبها تنبض بعنف ارجعتها لتعبها، فُتح الباب ترفع نظرها للذي يقف أمامها وكأنه حلم لحظات تخلو من أي شيئا سوى من النظرات والأنفاس التي انحبست بالصدور ناهيك عن ضربات القلب التي آلامت ضلوعهما.
-اهلا مدام جنى. ارتجفت شفتيها كحال جسدها بالكامل فهمست اسمه بين اليقظة والإغماء، حتى شعرت بدوران الأرض وتلك الغامة سيطرت بالكامل، أحس بها فاقترب ليتلقفها بين ذراعيه وهي تهمس اسمه.
↚
قبل أسبوع
خرج جواد واتجهت تجلس على الأريكة تضع رأسها بين راحتيها تبكي بصمت
-إنت متجوزني علشان الولاد فعلا ياجاسر، جمعت خصلاتها للخلف ثم رفعت عيناها
- اتجوزتني ليه يابن عمي!
علشان الولاد، دلوقتي بتقولي هم أهم مني، انا بقيت هوا في حياتك
كور قبضته بعنف حتى ابيضت مفاصله يتنهد بعمق يملأ صدره بالهواء المختلط بدخان سجائره
-جنى أنا بحبك. نهضت متجهة إليه.
-إنت تعرف ايه عن الحب يابن عمي. استدار يطالع عينيها الحزينة الممزوجة بدموع آلامها
-الحب إنتِ ياجنى، ليه دايما شاكة في حبي. ابتسامة من بين دموعها
-اثباتك ايه ياترى، تعالى نحسب من الأول.
-أول حاجة رُحت اتجوزت وعيشت حياتك عادي، تاني حاجة زوْرت وخلتني مغتصبة علشان تتجوزني زي ماقلبك قالك اني حبيبتك، تالت حاجة روحت رجعت طليقتك وشوفتك في حضنها، رابع حاجة كذبت عليا ورحت قابلت طليقتك بردو في بيتي اللي هو المفروض خاص بينا وجاي توقف قدامي وبتقولي بحبك. دنت بخطوات هزيلة كحالها وامسكت ذراعيه الذي يضعه بجيب بنطاله.
-أنا مكنتش عايزة غير قلبك بس ياجاسر وانت بخلت بيه، كنت عايزة انام في حضنك وانت بتحاوطني بحبك وحنانك وتحسسني اني مالكة الكون بيك. رفعت رأسها تنظر لمقلتيه
-مكنتش عايزاك تشوف حد غيري، زي ماانا مش شايفة حد غيرك، بس طلعت بحلم يابن عمي
تراجعت تجذب حجابها وتضعه على رأسها.
-أنا عايزة أبعد ياجاسر شوية وبعد كدا اقرر، مش عايزة اكرهك لو سمحت، ولو عايز ترجع لفيروز ارجعلها، بس بلاش تخليني اكره نفسي بعد مااشوف ضعفي قدامك. أشارت على نفسها
-بضعف اوي قدامك، قالتهاو تحركت للخارج بعدما اردفت حديثها، تحرك خلفها يجذبها بعنف حتى اصطدمت بصدره، جذبها إليه حتى اختلطت أنفاسهما وتحدث بنيران عيناه التي تطلق لهيبًا
-جنى بلاش تخليني اندم على حبك، اللي بتفكري فيه دا خيال مش اكتر.
تراجعت بعدما دفعته
-تندم، طيب علشان ماتندمش، طلقني ومتخافش أنا هواجه الكل واقولهم انا اللي عايزة أطلق.
-ريحني وريح نفسك، احنا مابقاش ننفع لبعض، انا مش هفضل طول حياتي عايشة اسأل نفسي بيحبني ولا لا. حياتك ملكك يابن عمي، وانا كمان حياتي ملكي، لا إنت لك حق عندي ولا انا ليا حق عندك، غير دول، قالتها وهي تضع كفيها على احشائها.
ثارت جيوش غضبه من جنانها، ضغط على ذراعيها يجذبها بقوة واقترب من شفتيها يهمس بأنفاسه الحارة، وعيناه تنغرز بعسلها المختلط بدموعها.
-أنا لحد دلوقتي عاذر غضبك مني، بس كلام فاضي وأهبل، صدقيني هقلب وأكون وحش، جنى هتفضلي على اسمي لحد ماأموت، لمس ثغرها بخاصته وعيناه مازالت على ملامحها كأنه يحفر ملامحها كنحات وهمس بصوته الأجش: -لأخر عمري يابنت عمي، اسمك مرتبط بجاسر وبس، لحد ماحد فينا يموت. ارتجف جسدها وابتسمت عيناها من حديثه الذي اذاب قلبها وانصهر الجليد بداخله، فرفعت كفيها لوجنتيه.
-اقنعني بكدا، حسسني بدا، رفعت عيناها تترجاه بنظراتها
-عايزة جاسر ليا لوحدي، كتير عليا ياجاسر.
آه. خرجت من أعماقه
-انتِ روحي ومقدرش أعيش بعيد عنك، حاولت ومقدرتش يابنت عمي
ابتسامة من بين عبراتها ثم احتضنت وجهه تقترب من خاصته تقبله
-وانت حياتي ونبض قلبي، وعايزة دايما قلبي ينبض بيك يابن عمي، تعالى نرمي كل حاجة ورانا، ونبعد بعيد عن الكل، انا مش عايزة غير جاسر وبس.
ضمها لأحضانه بقوة حتى شعرت بتكسير عظامها ورغم ذلك ابتسمت بحبور تحاوط خصره تتمسح بصدره
-جنى من يوم ماجيتي على الدنيا وأنتِ تخصيني، عايزك تثقي في حبيبك، أخرجها من أحضانه وعيناه تبحر فوق ملامحها
-لو بتحبيني فعلا، بلاش كلامك الأهبل دا، عايزك تثقي مفيش هنا غيرك. قالها وهو يضع يديها على نبض فؤاده
وضعت كفيه على وجنتيها
-أنا معرفش يعني ايه حب غير وأنا حضنك ياجاسر، ازاي بتقولي لو بتحبيني. وضع جبينه فوق خاصتها.
-وأنا بعشقك ياكل جاسر. لفت ذراعيها تحاوط خصره تضع رأسها على صدره تطبق على جفنيها
-جاسر، ابعد عن فيروز، لو بتحبني بجد ابعد عنها، أنا بموت لما بسمع اسمها، رفعت رأسها من أحضانه
-بغير عليك منها، اه هتقولي مفيش ثقة في حبي، هقولك أه مبثقش في نفسي، قاطعهم رنين هاتفه. رفع الهاتف ينظر إليه ثم إليها. ابتعدت عنه تطبق على جفنيها بقوة، متراجعًا بعض الخطوات.
-أيوة يافيروز. على الجانب الآخر.
-جسور اتأخرت ليه، مش قولت ساعة بالكتير وهتيجي تاخدني. ابتعد عن جنى التي اخترق الحديث أذنيها فهمس بسخط: -كلمي راكان يافيروز، بعدين اكلمك. توقفت تتحرك بخيلاء
-لأ ياجاسر هستناك، احنا اتفقنا على ايه
تحدث من بين أسنانه: -فيروز، كلامك مش معايا، عندك راكان اتصلي بيه وانتي حرة
تمددت على الشازلونج وابتسامة واسعة كاتساع مابين السموات والأرض
ثم هتفت
-مش قولت سامحتني وهنبدأ صفحة جديدة.
-فيروز بعدين، دلوقتي كلمي راكان يبعتلك حد يوصلك الشركة. قالها وأغلق الهاتف
اتجه ينظر لصوت سيارته التي غادرت المكان. كور قبضته غاضبا ثم أغلق الهاتف متجها سريعا لسيارة والدته الموجودة بالچراچ واستقلها بسرعة حتى وصل إليها وتوقف أمام السيارة
-انزلي ياجنى. ظلت كما هي بالسيارة عبراتها تذرف الدمع فقط ولا تريد شيئا آخر سواء أن تخرج مافي قلبها من آلام
-ليه بتكدب عليا، أشارت على نفسها تبصره بعينها الذابلة.
-كنت قربت اصدقك، للمرة الكام ناوي تموتني وتوجعني يابن عمي. أشارت بيديها مستائة من نفسها
-لازم نبعد لحد ماتختار، ياأنا ياهي. لو سمحت مش عايزة اكرهك. ومش عايزة اسمع كلام تاني، لانك مهما تقول هتفضل كذاب ياجاسر في نظري، حاولت أصدقك، لكن بطلعني سابع سما وبعد كدا تنزلني سابع أرض.
احتضن وجهها: -محصلش ياجنى أنا كنت مع راكان مكنتش معاها لوحدها، حبيبتي راكان محتاجها في شغل مهم، فكان لازم اقف معاه صدقيني. بس ماليش دخل خالص
انزلت يديه وهتفت: -طيب مش عايزاها في حياتنا، ودلوقتي حالا تكلمها وتطلقها بلا عودة، عايزة ورقة طلاقها للأبد تكون بإيدي
-جنى ايه اللي بتقوليه دا، لدرجة دي مش واثقة فيا، متخيلة اني ممكن اكون خاين. اسمعيني وبلاش اوهامك دي.
-دا شرطي ياجاسر، ياأنا يافيروز، وفي أي قرار هتاخده هحترمه
تأفف بضيق من حديثها، رفع ذقنها بأنامله
-جنى ممكن تثقي فيا شوية، بلاش تعملي كدا. أنا وفيروز مفيش حاجة هتربطنا
هزت كتفها للأعلى قائلة: -اثبت. دلوقتي ياطلقها بلا رجعة، ياطلاقي أنا
وقف مكبل الأيدي، يسحب نفسًا طويلا
-جنى. وضعت كفيها على شفتيه مقتربة تهمس له
-مش عايزة اسمع غير حاجة واحدة، الطلاق يابن عمي.
دفع يديها بقوة من فوق فمه، يحاوط خصرها بقوة، يجز على أسنانه
-لو سمعت طلاق تاني اقسم بالله هعاقبك عقاب متتخيلهوش
انسابت عبراتها هامسة من بين بكائها
-جاسر عارف يعني ايه العشق. رفعت نظرها وسبحت برماديته الساحرة كغيمات المطر التي تحجب الضوء، تلمس وجنتيه.
-العشق لجنى جاسر، بس للأسف جاسر بيكسرها، فأنا بعفيك، ممكن تكون حاولت توهم نفسك بحبي، اللي بيحب يابن عمي بيتحمل علشان سعادة حبيبه، فأنا بعدت قبل كدا ودلوقتي ممكن اكرر اللي عملته زمان في كلتا الأحوال هتفضل جاسر ابن عمي، عندي أتوجع مليون مرة ولا أني اشوفك حزين. جز على أسنانه يضغط على ساعديها
-بتزعليني من كلامك دا، شكك في حبي بيوجعني ياجنى. تراجعت ترفع نظرها إليه:.
اسفة يابني عمي مش هقدر لتنازل عن كرامتي وهفضل ساكتة على تذبذبك دا، لو فعلا بتحبني زي مابتهوهمني وتوهم نفسك، حسسني بالحب فعلا، مش مجرد كلمتين وشوية أحضان، انا دلوقتي مش شايفة منك إلا انك بتوجعني وبس.
ازال عبراتها مبتسمًا
-لأ هخليكي تحبيني أكتر، علشان مش مسمحولك تفكري في حد غير جاسر. سحبت نفسًا وهتفت: -كان نفسي اصدقك، قلبي مصدق وعقلي لا.
لو مش عايز تختار روح كمل حياتك مع فيروز اللي بقيت متأكدة انك مش قادر تنساها. استقلت سيارتها
وتحركت من الجانب الآخر متجهة لمنزل جواد، وصلت بعد قليل صعدت لغرفتها تجمع اشيائها، وعبراتها تنساب بصمت، ولجت غنى خلفها
-جنى! استدارت تمسح دموعها
حاولت السيطرة على عبراتها ولكنها ذادت وأصبحت كالشلال. جلست على الفراش وجسدها ينتفض من شهقاتها
وضعت كفيها على شفتيها تمنع صوت شهقاتها.
ذُهلت غنى من حالتها. جلست بجوارها تجذبها لأحضانها تربت على ظهرها
-اهدي حبيبتي واحكيلي ايه اللي حصل. نهضت تكمل جمع أشيائها
-مفيش حاجة، يمكن تعبانة من الحمل، فهروح شوية عند بابا، ولج جاسر
-. نظر للحقائب، ثم اتجه إلى غنى
-خليهم ينزلوا الشنط العربية، هنبات في بيتنا الليلة ياغنى
دنت غنى تحتضن ذراعه
-حبيبي سيب جنى هنا يومين. زفر بغضب شديد ثم اتجه بنظره لجنى
-ياله. توقفت أمامه تترجاه بنظراتها هامسة اسمه.
-جاسر. لو سمحت. استدار وهتف بصوت دون جدال
-قولت هنرجع بيتنا، ومفيش كلام تاني
تحركت دون حديث
سحب كفيها متجها للأسفل، قابلهما أوس
-واقفين كدا ليه، انتوا خارجين ولا ايه
تحرك جاسر وهو يرتدي نظارته
-راجع بيتي عرف بابا، قوله اسبوع وهنرجع، تعمق بعيناها واستأنف
-بنت عمك اللي هي مراتي محتاجة تبعد شوية عن الزحمة.
-حاولت تحرير كفيها من قبضته
-ايه ياجنى مش كنا عقلنا.
نظرت إليه.
-لأ. لسة مجنونة يابن عمي معلش، نصيبكوا تبقى بنت عمكم تكون مجنونة. استدارت متجهة لمنزل والدها، تحرك خلفها سريعا
-جنى. ولكنها توقفت عندما
رأت صهيب آتيا بجوار جواد وضحكاتهم مرتفعة، انتفض قلبها ألمًا، توقف جواد يشير بكفيه على بعض المساحات الخضراء حوله وابتسامة واسعة على محياه
-شوف دي كدا ياباشمهندس، بكرة احفادي يملوها واصواتهم تجلجل المكان. ربت صهيب على كتفه.
-ربنا يخليك ياحبيبي وتشيل احفادك، انا فرحان اوي ياجواد هكون جد من الناحيتين. تعرف لو الولا جاسر مش اتجوز البنت فعلا كنت هفضل طول حياتي أنب نفسي. أومأ له جواد
توقف فجأة قائلًا: -بس دا ميمنعش لو ابنك مااتظبطشي مع البنت هاخد حقها منك قبل الحلوف ابنك. قهقه جواد يجلس على المقعد ومازالت نظراته على المساحات الشاسعة حوله.
-متخفش وقت مابني يغلط في بنتي برضو صدقني اول واحد هطرده برة حي الألفي، وكمان ابنك لو ماااتظبطش مع ربى هطرده ياصهيب، معاهم لآخر الاسبوع لازم عز يتصرف وزي مانيل الدنيا مع البنت يرجعها.
اقترب برأسه واستأنف حديثه: -صهيب مش هرتاح غير لما اشوفهم مرتاحين، خلي عز يلم الدور وياخد البنت بهدوء، أما بالنسبة لجنى، فدي بنت قلبي يا صهيب ومستحيل اشوف دمعة من عينيها واسكت. خليها تيجي بس تقولي جاسر عمل فيا حاجة، وقتها مش هرحم ابني لو لقيته ظالمها وجاي عليها
ربت صهيب على ظهره
-جواد جاسر بيحب جنى ومستحيل يضرها، زي ماعز مغرم بربى ومستحيل يعيش بعيد عنها، سيب الزمن يداوي جروحهم.
اومأ جواد متفهما. تحركت جنى متجهة لسيارته
-يالة علشان نرجع بيتنا. قالتها وفتحت باب السيارة واستقلت بجواره. وصلوا بعد قليل إلى منزلهم
توقفت تنظر بأركانه، فلقد غير الكثير به
-ادخلي، عندي شغل وهتأخر. تحركت دون أن تعريه إهتمام. قابلتها الخادمة التي تدعى منيرة.
-أهلًا مدام جنى، محضرة لحضرتك الحمام. اومأت برأسها وصعدت للأعلى حيث غرفتهما، وقفت بمنتصف الغرفة أطبقت على جفنيها وانسابت عبراتها تنظر إليها بذهول، فلقد أعادها أفضل من الأول. جلست على الفراش الجديد تتلمسه بكفيها، تتذكر أجمل لحظاتهما. ثم تسطحت عليه تحتضن نفسها، ظلت غافية لعدة ساعات ثم أفاقت تفتح عيناها بإرهاق على إتصال والدتها.
-جنى. ايه يابنتي رجعتوا بيتكوا ليه، مش قولتي هتقعدوا هنا، لازم البيت البعيد دا
اعتدلت تجمع خصلاتها تتثآب
-ماما هنقعد يومين هنا ويومين هناك. انا حابة بيتي أوي. استمعت لصوت خطواته، ولج يطالعها بعشقه الدفين بأعماقه، ثم اقترب منها يجلس بجوارها يجذبها لأحضانه
-عايز أنام في حضنك ياجنى، ممكن.
رفعت كفيها دون وعي تغرزها بخصلاته وهي تتحدث مع والدتها، خلي بالك من نفسك ياجنجون متنسيش إنك حامل في توم ياقلبي، جاسر كلمني وقالي هيجبلك مرافقة على ادك، بس اتحركي بهدوء، وبلاش شغل خالص لحد ماتقومي بالسلامة
واي حاجة نفسك فيها عرفي جاسر، أو كلميني، وأنا بكرة هعدي عليكي
-حبيبتي ياماما ربنا يخليكي ليا، مش محتاجة حاجة. ابتسمت نهى بسعادة.
-ربنا يسعدك حبيبتي، خلي بالك من جوزك، جاسر بيحبك اوي ياجنى، بشوف لهفته عليكي، وزي ماقولتلك دا جواد وهو صغير، واظن فاهمة معنى كلامي. تمدد بجوارها يجذبها رغمًا لأحضانه، أكملت حديثها، ل والدتها
-ادعيلنا ياماما، قالتها وهي تغلق الهاتف تنظر لذاك الذي قام بنزع قميصه وتمدد يتأواه يفرك جبينه قائلاً
-عندي صداع وعايز أنام، رفع بصره إليها.
-كتير على حبيبك ينام في حضنك. تراجعت ثم استدارت تهبط من فوق الفراش راجعة. تحركت لبعض الدقائق بيديها بعض الزيوت الطبية. طالعها بعشق يلمس وجنتيها
-لسة فاكرة. وضعت الزيوت على بعضها، ثم جذبت رأسه ليضعها فوق ركبتيها قائلة بإبتسامة عاشقة
-تفتكر فيه حاجة خاصة بيك ممكن انساها. نظر إليها من فوق رجليها
-وتفتكري حبيبك ممكن ينسى حاجة متعلقة بزهرته. خللت أناملها الرقيقة بخصلاته وارتفعت صوت ضحكاتها.
-أيوة ياحبيبي لما غرقتني بسبب الزهرة بتاعتك. اعتدل يتكأ على ذراعيه
-ومين سبب الزهرة يازهرة. جذبت رأسه. نام ياجاسر علشان الصداع، انا هنزل تحت علشان تعرف تنام
- جذبها بقوة، حتى سقطت فوق صدره، ولف ذراعيه حول جسدها
-كنت ناوي أنام في حضنك، بس غيرت رأيي وهتنامي في حضنى. قالها وهو يعدل وضعيتها ثم دنى يضع رأسه بعنقها، هامسًا بأنفاسه الحارة التي تحرقها ناهيك عن نبضها المرتفع.
-لو بعدتي عني هزعلك اوي، لو عايزاني أموت ابعدي...
عند ربى، خرجت من جامعتها تنظر بساعة يديها ثم رفعت هاتفها تتحدث بسائقها
-إنت فين ياعلي. نهض من مكانه
-آسف يادكتورة كنت في مشوار خاص للباشمهندس عز
توقفت ورعش قلبها من ذكر اسمه
-ماله عز؟
قاد السيارة متجهًا إليها وأجابها
-خمس دقايق وأكون عند حضرتك، بس هوصل الدكتورة كارمن للباشمهندس عز.
قطبت مابين جبينها متسائلة: -دكتورة كارمن مين. استمعت لصوت كارمن تتحدث بهاتفها
-أنا وصلت قدام الشركة ياباشمهندس، اوقف ياعلي عز مستني أهو
كانت تستمع إلى حديثها التي أصبحت كالسهم يشق صدرها، هامسة لنفسها
-ياترى مين كارمن دي، ومش كفاية فريدة. طيب ياعز العب براحتك
دقائق واستمعت لصوت سيارتها، تحركت السيارة متجهة لمنزلها، وقلبها مازال يئن بألمًا عليه، كلما تذكرت أنه لم يعد ملكها.
وصلت لحي الألفي. ترجلت من سيارتها تضغط على آلام قلبها حتى لا تضعف وتنهار باكية، قابلها جواد حازم
-روبي مالك؟
وقفت بأقدام متراخية تهز رأسها إليه
-لأ الحمل بس، عمتو مليكة فوق
اتجه لسيارته يلوح لها
-عند باباكي، أنا رايح لجاسر، سلام عايزة حاجة
توقفت بعدما تحركت بعض الخطوات
-جواد استنى. توقف ينتظر حديثها، ولكنها اتجهت إليه
-خدني معاك، عايزة اشوفه، معرفش ليه مشي فجأة.
رفع يديه بمزاح
-تؤمري سيدتي. التفتت إليه.
-جواد متبقاش مجنون، مش نقصني جنان من عز، بلاش كلامك الاهبل دا
تعثرت الكلمات على شفتيه ولم يستطع الحديث لبعض اللحظات، نظر من نافذة السيارة وشعر بألمًا يفتك بضلوعه. استدار عندما تحدثت بخفوت
-آسفة ياجواد، بس حقيقي عز مجنون وممكن ناخد على هزارنا زي زمان، ودا يعمل مشكلة ويستنتج حاجات من عنده، يرضيك بنت خالك تكون محل شك عند جوزها
لا يعلم لماذا انزعج من حديثها ولكنه ابتسم.
-روبي انتي اختي مش معقول عز يفكر حاجة تانية
اشاحت بعينيها بعيدا عنه مردفة
-بس زمان مكناش كدا يابن عمتي، ياريت نراعي حدود بعضنا، اللي للأسف معرفنهاش غير متأخر
أومأ برأسه دون حديث. وصل بعد قليل لمنزل جاسر
قابلتهما جنى سعيدة
-دا ايه النور اللي هل بيتنا دا، معقول روبي وجواد الاتنين مع بعض، قالتها بابتسامتها الجميلة. كان يطالعها بنظراته العاشقة، فاقترب منها.
-عاملة ايه، كنت هروح ازورك في المستشفى، قالولي خرجتي. حمحمت بعدما وجدت نظراته متراجعة تشير بيديها الى غرفة الاستقبال
-تشربوا إيه؟ تسائلت بها جنى
-هو جاسر مش هنا؟ تسائلت بها ربى
-لأ. خرج من نص ساعة، بس مش هيتأخر
نهض متحركا للخارج
-هستناه برة، توقفت متجهة إليه
-زمانه جاي، هو قالي مشوار قريب، راكان البنداري لو تعرفه كلمه وقاله هو في مكان قريب
تحرك جواد للخارج.
-خلاص هستناه في الجنينة، قاطعهم وصول جاسر، يوزع نظراته عليهما
-واقفين كدا ليه، فرك جواد جبينه قائلا
-كنت طالع استناك برة، فجنى قالت انك في مشوار قريب
التفت إليها بنظرات تحمل بين طياتها الكثير والكثير. ولكن عتابه الأقوى غيرته المجنونة. رمقها بنظرة نارية قائلا
-خلي منيرة تعملنا قهوة وهي اللي تحبها. ظهرت ربى قائلة
-وأنا ايه هوى. تبدلت ملامحه مستفسرا
-ربى. إنت كمان هنا! تحركت جنى وهي تجيبه بمغذى.
-جت مع جواد، ولسة داخلين مكملوش دقايق. بعد قليل جلست ربى بجوارها
-أخبارك مع جاسر ايه، وفيروز. قالتها بتقطع
دققت جنى النظر إليها
-مالها فيروز ياروبي؟
فركت ربى كفيها ببعضهما قائلة
-من فترة يعتتلك رسالة، قصت لها ماصار
نهضت جنى تنظر من النافذة عليهما بالخارج
-تفتكري ممكن فيروز تكون صادقة ياروبي. نهضت ربى من مكانها وتوقفت بجوارها
-جنى، كل اللي متأكدة منه ان حياتكم مش سهلة، شايفة تعقيد بينك وبين جاسر الايام دي.
تنهدت جنى تعقد ذراعيها، ثم التفت إليها
-الموضوع بسيط بس اخوكي للأسف مش عارف أو مش قادر ينهيه
ضيقت عيناها متسائلة: -قصدك ايه ياجنى. اتجهت بأنظاره عليه وهو يجلس مع جواد تنظر إليه ثم سحبت نفسا ودفعته على مراحل. ربتت ربى على كتفها
-جنى عارفة ان الموضوع صعب ومؤلم اوي، بس لازم تحافظي على حياتك
ابتسمت جنى متهكمة
-زي ماانتِ حافظتي على حياتك كدا ياروبي. استندت على الجدار خلفها.
-فين حبك لعز ياروبي، ليه الوجع دا، انا بتوجع اوي كل مااشوفه، معقول دا عز اللي كان مابيطلش ضحك
استدارت متجهة تجلس على المقعد وانسابت عبراتها
-وأنا فين ياجنى، فين لما كسرني وهو واقف قدام بابا وبيخيره بيني وبينك، انا فين لما راح اتجوز عليا. كثرت دموعها بغزارة تشير على قلبها.
-أنا فين لما سحب مراته ودخل بيها اوضته وكأنه بيقولي هدبحك بسكينة باردة. ياروبي علشان تتعذبي كويس. أنا فين ياجنى لما ربط اسمه بواحدة غير ربى حتى لو تمثيل، انا فين وهي جاية تاني يوم بقميص توقف قدامي وتقوله اتأخرت عليا ليه
أنا فين وهو كل اللي بيعمله أنه يهجم عليا ويقول عايز حقي. دنت بجسدها منها. اخوكي كان عايز يغتصبني للمرة الكام ياجنى، عارفة كام مرة.
مسحت على وجهها الغارق بالدموع ثم توقفت تربت على كتف جنى
-عارفة ليه دا كله ياجنى. لكزتها بخفة بصدرها قائلة
-علشانك، شوفتي باع حبي وحياتنا علشانك، بجد بحسدك ياجنى، عندك اخ أتنازل عن حب حياته، وراجل شوية كان هيتحول لمجرم بعد مااتحول لنصاب ومستعد يحرق الكون كله علشانك
ابتسمت جنى بإستخفاف
-اه ومستعد كمان يموتني بسكتة قلبية، سمعتك للأخر يادكتورة ممكن تسمعيني زي مااسمعتك
تراجعت ربى بجسدها تشير بيديها.
-قولي. نهضت من مكانها وجلست بجوارها
-عز بيحبك كفاية عند ياروبي، بلاش تخسري كل حاجة، فكري في ابنك، على الأقل معندوش ست تانية كل شوية تلاقيها منغصة عليكي حياتك
-عز طلقني ياجنى. جحظت عيناها تنظر اليها بصدمة، اومأت برأسها وانهارت باكية
-عارفة اني غلطت، وهو كمان غلط، بس دلوقتي ابني هيجي من غير ابوه، ضمتها جنى مذهولة من حديثها
-ازاي طلقك يعني مش فاهمة
أزالت عبراتها، عندما وجدت دلوف جاسر.
-يالة حبيبتي اوصلك، بلاش ترجعي مع جواد، نظر لجنى وأكمل
-لازم يكون فيه شوية احترام للشخص اللي بيحبك ياروبي، قالها وتحرك
وقفت تنظر لاثره بحزن.
-همشي ياجنى ومش عايزة تتكلمي مع عز في حاجة، احنا خلاص مبقاش يجمعنا غير اللي في بطني، انا مش هفضل ابكي على حب هو باعه، اللي يبعني مرة يبعني ألف مرة، فكدا الحياة ماينفعش تجمعنا تاني، خلي فيه بينا شوية احترام علشان ولادنا
احتضنت وجهها.
-عارفة انك بتحبي جاسر، بس لو فيروز هتفضل في حياتك من غير ما جاسر يوقفها عند حدها فحبيبتي اعملي زي، ونخلي عمك ياخدلنا شقة ونسميها شقة المطلقين. قهقهت جنى عليها بطريقتها المزاحية
بعد فترة عاد إلى منزله، ولج وجدها تجلس بغرفة الرسم، توقف خلفها
-اللي حصل النهاردة لو اتكرر هأذيكي ياجنى، انا مبعدش كلامي، ياريت تفكري مليون مرة قبل ماتحاولي تزعليني، انحنى بجسده بعدما وقف أمامها ينظر لمقلتيها.
-متلعبيش على غيرتي عليكي، وقتها ممكن ادوس على قلبي وعليكي شخصيا. ابتلعت ريقها الذي جُف بصعوبة تحاول الرد عليه ولكنها لم تستطع، همست بحروف متقطعة
-إنت مجنون، ايه اللي بتقوله دا
اعتدل واقفًا وأشار بسبباته
-لو على الجنان فأنتِ أولى بيه، بس عادي ارجع اوديكي لدكتورك تاني يعقلك، بس تدوسي على كرامتي وقلبي مش مسمحولك. دفع اللوحة بقدمه، ثم سحبها متجهًا لغرفته
-تعالي عايزك دلوقتي
مساء اليوم التالي.
خرجت من مرحاضها، تنظر للغرفة التي تقلب رأسًا على عقب على ما فعله ليلة امس، حتى غفت ولم تشعر بنفسها بنومها المتواصل، وقفت أمام المرآة تنظر لملامح وجهها الذي بهت بالمرآة. استمعت
إشعار رسالة على هاتفها
أمسكت الهاتف ثم فتحته، اعتدلت تنظر بالفيديو مرة وأثنين ثم رفعت الهاتف وتحدثت: -مابلاش شغل الراقصين دا، بقولك هاتي من الاخر يافيروز، عايزة مني إيه
نهضت متحركة تنظر من الشرفة.
-اتصلت أباركلك على الحمل، أصل جاسر قالي انك حامل
مازالت متوقفة تنظر لنفسها بالمرآة، ومافعله بها وجنونه حزنت من ضعفها أمامه وأمام تلك الرقطاء. ورغم ما تشعر به أجابتها
-ميرسي يافيروز، كنت اتمنى أقول عقبالك بس للأسف طبعا أنتِ اتحرمتي من النعمة دي، لكن متزعليش أكيد إنت فرحانة لحبيبك مش كدا ولا إيه، ماهو هيكون عنده ولاد من حبيبته، ومش ولد واحد بس دول اتنين، شوفتي عشق اكتر من كدا.
شعرت فيروز بنيران تكوي احشائها، فهمست من بين أنفاسها
-ماتضحكيش على نفسك ياجنى، جاسر ماحبكيش، وانت عارفة سبب جوازه ايه
جلست أمام طاولة الزينة تستمع إليها بقلب ينبض بعنف كاد أن يتوقف فاستأنفت فيروز
-الليلة هأكدلك ياجنى إن جاسر محبش غير فيروز. ووعد مني لو مااثبتش دا هخرج من حياتكوا من غير ماابص، وأنتِ كمان لو بتحبيه فعلا سبيه يعيش مع اللي بحبها بجد، مش مجرد إجبار له.
استمعت لطرقات على باب الغرفة، ولجت الخادمة
-مدام جنى. الدكتورة غزل تحت
اومأت برأسها، وانهت اتصالها مع فيروز، متجهة للأسفل. قابلتها غزل بإبتسامة حنونة
-كدا تمشوا فجأة من غير ما تقولوا. ألقت نفسها بأحضان غزل تبكي
-أنا تعبانة اوي ياطنط غزل، تعبانة لدرجة بدعي من ربنا اموت وأرتاح.
احتضنت غزل وجهها قائلة: -كنت حاسة مشيكم وراه حاجة، ايه اللي حصل حبيبتي. سحبتها من كفيها متجهة للأريكة. جلست ترفع ذقنها تنظر إليها بحزن بعدما شعرت بوجود خطب ما وخاصة بعدما وجدت أثار بعنقها
-احكي لي ياحبيبتي، مش احنا اتفقنا نكون صحاب، وقولت هتحكيلي كل حاجة، انسابت عبراتها
-هتقولي لماما. هزت غزل رأسها بالنفي ق
-مش هقولها صدقيني. ، أطبقت على جفنيها تسحب نفس.
-محدش قادر يفهمني، كلكم شايفني مجنونة، حتى امي لما رحت اشكلها كل اللي قالته جوزك بيحبك وحافظي على جوزك، بس دا وجعني اوي. قالتها وهي تشير إلى قلبها
مسدت غزل على خصلاتها تجذب رأسها بأحضانها
-طيب ياقلبي احكي وانا هقولك ايه، ومش علشان هو ابني هدافع عنه
قصت لها ماصار منذ حرقها المنزل. انتهت تسحب نفسًا
-دا كل اللي حصل بينا. أزالت عبراتها ترفع ذقنها.
-انتِ مشكلتك انك شاكة في جاسر ياجنى، ممكن يكون مابيحبكيش وبيحب فيروز واتجوزك علشان الولاد بس
تمددت على الأريكة تحتضن نفسها
-أنا بحبه أوي ياطنط غزل، ومش هقدر اتصدم تاني، هيكون صعب عليا اوي ياطنط، قوليلي اعمل ايه
اعدلتها غزل تنظر بمقلتيها
-هقولك زي مامتك ياجنى ابني بيحبك، وفيروز بتحاول تبعدك عنه علشان عارفة أنه بيحبك
نهضت تهتف بغضب.
-طب لو طلع حبه وهم هعمل ايه، لو ابنك فعلا طلع مخادع قوليلي لسة فيا ايه يتحمل وجع تاني، صدقيني وقتها هيكون موتني ودفني بجد.
ربتت غزل على ظهرها
-، ايوة شايفة حبه الوهم ظاهر على جسمك أهو. صمتت للحظات ثم استأنفت
-حبيبتي متخليش الشيطان يلعب بيكي، جوزك بيحبك بقول جوزك دي حطي تحتها مليون خط، شوفي فيروز هتموت وترجع له، متخلهاش تهدم بيتك يابنتي، ولو مضايق من جواد بلاش تكلميه ياستي وانتي لوحدك الدنيا سهلة اهو، وبلاش كل شوية تجيبي سيرة فيروز
أزالت عبراتها متراجعة تجلس تضع رأسها بين راحتيها.
-هحاول ياطنط، علشان بجد انا بحبه، بس يارب مايكسرلي قلبي
جلست بجوارها
-متخلنيش اندم ياجنى، انتي كدا بتتهمي جوزك بالخيانة يابنتي، مش أي واحد. دا جاسر ياجنى
ارتجفت شفتيها
-ماهو محدش تعبني اد جاسر ياطنط
جلست غزل على عقبيها، ترفع ذقنها وتنظر لمقلتيها.
-جاسر بيحبك ياجنى ودي أنا واثقة فيها زي ماأنا واثق بجلوسك قدامي دلوقتي. ظلت تطالعها وهتفت بغموض
-الست اكتر واحدة بتبقى حاسة جوزها بيفكر في حد تاني ولا لأ، واكيد إنت هتحسي بكدا
هزت رأسها بالنفي
-مش عارفة، صدقيني مش عارفة. قالتها بصوت باكي. تنهدت غزل بقلبًا متألم ثم جلست بجوارها تضمها لأحضانها تربت على ظهرها
-ازاي بس ياجنى، فيه ست ماتحسش بجوزها يابنتي.
شهقت تضع كفيها على فمها.
-اوقات بحسه مش شايف غيري، وساعات بحس زي أي واحدة عادية
رفعت غزل رأسها تتعمق بمقلتيه
-لأ طبعا، الست بتحس ياجنى، طبعا فاهمة قصدي
تراجعت تضع رأسها على ظهر المقعد
-فيروز خلتني اشك في كل حاجة للأسف. احتضنت كف غزل
-أنا مش هتكسف منك وأقولك ابنك بالنسبالي حياتي ياطنط، منكرش قبل جوازنا مكنتش عايشة، معرفتش معنى الحياة إلا وأنا في حضنه. إبتسامة لاحت على وجه غزل هاتفا.
-والله وهو ياقلبي، هو انا اللي هقولك عيونه بتكون فضحاه ازاي
استمعت غزل لرنين هاتفها
-عمك أكيد بيسأل عليا، انا همشي، وانتي شغلي عقلك قبل قلبك حبيبتي، فكري ازاي تخلي جوزك مبيشفش غيرك، مع أنه والله ماشايف غيرك، خلي عندك ثقة بحبه يابنتي، وبلاش تخلي واحدة زي فيروز دي تتحكم فيه
نهضت تقف أمامها
-متشكرة اوي ياطنط غزل، ارتحت اوي لما اتكلمت معاكي، ربنا يخليكي ليا ياطنط يارب. لكزتها بخفة.
-عايزة ضحكتك تنور في وش ابني يابت، وإياكي تنكدي عليه
أشارت على نفسها وتحدثت
-أنا انكد عليه، دا مبفرحش غير لما بشوف ضحكته اللي بتنور حياتي، تلألأت أعين غزل تضمها لأحضانها
-ج علشان زي ما قولتلك مش هقدر اعيش من غيره
طبعت قبلة على جبينها
-ربنا يسعدكوا حبيبتي، والله جاسر مابيحب غير جنى وبس، وخليها توريني ازاي تثبتلك أنه بيحبها هي.
-عايزة اشوفك قوية وتعرفي تدافعي عن جوزك، مش تبعديها، انا مش هعرف عمك بحاجة وهسيبه فاهم انكوا متصالحين، لانك شاطرة وهتعرفي تتحكمي في جوزك ياجنى مش كدا ولا إيه
تركتها غزل وغادرت، ظلت لدقائق
بعد فترة ونيران الغيرة تأكل أحشائها، هبطت للأسفل حتى تلهي نفسها بأي شيئا ل تبعد حديث تلك الخبيثة، تدعي الله بسريرتها، دلفت المطبخ وطلبت من منيرة الخادمة
-عايزة اعمل ورق عنب وحمام وفراخ يامنيرة، الحاجة موجودة.
توقفت تطالعها بذهول
-محشي يامدام دلوقتي، نظرت بساعة يديها ثم هزت كتفها
-ليه لأ يامنيرة، الساعة لسة خمسة وجاسر هيتأخر، ممكن يرجع على عشرة أو بعدها كمان، جهزي الحاجة بس. ثم رفعت هاتفها، لحظات وأجابها
-ايه فيه حاجة. وضعت كفيها على صدرها لتحد من ذاك النبض المتهور فتحدثت بتقطع
-ماتكلش برة أنا بعمل أكل، أجابها بابتسامة قلبه قبل عينيه
-لو هتعملي أكل عايز اكل ورق عنب ياجنجون. ابتسمت واجابته.
-من غير ماتطلب ياجاسر. تنهد وهو يخلل أنامله بخصلاته
-بلاش جاسر دي بحسها باردة ورخمة. بترت حديثهم الخادمة
-مدام جنى، جهزت حشو الحمام. أشارت لها جنى بيديها لتصمت ولكنه التقطها. أطلق صفيرا
-وحمام كمان، لا كدا الموضوع عايزة استعجال ودراسة ياروحي، هحاول اخلص بدري واجيلك بطيارة عباس بن فرناس ياحبيبة جاسر. أغلقت معه وهي تتنهد بهدوء، تحاول السيطرة على نفسها.
بعد فترة أنهت تجهيز المائدة، أتمت كل شيئا بقلبًا سعيد تنتظر عودته بفارغ الصبر، نظرت بساعتها ثم صعدت لتجهيز نفسها، أنهت زينتها بعد دقائق. ارتدت فستان من الستان باللون الفيروزي، بقصة مثلث، يصل مافوق الركبة، رفعت خصلاتها للأعلى ليظهر عنقها المرمري، ثم وضعت لمسات تجميلية بسيطة أظهرت جمالها بإستفاضة، أخرجت عقدا من الألماس، هدية جلبها لها بليلتهم الأولى، ارتدته وتمنت أن تكون ليلتهم مثل تلك الليلة.
استمعت لصوت سيارته بالأسفل. ابتسمت بحبور، وقلبها ينبض بعشقه، تدعو الله بسريرتها أن يتم سعادتهم. استمعت لخطواته بالخارج، توقفت بمنتصف الغرفة تنتظر النظر لرماديته التي تسبح بها لترى مدى عشقه لها، توترت تبعد حديث تلك الشيطانة عن عقلها، فتح الباب، توقف متسمرا ينظر لتلك النجمة الساقطة من السماء. اقترب بخطوات سلحفية ونظراته ترسمها كفنان. حتى وصل إليها يجذبها من خصرها لتختلط أنفاسهما الحارة بموجة العشق، ابحر برماديته بعسلها الصافي متسائلا.
-جنجون أكيد مش بحلم صح. خللت أناملها بخصلاته بعدما رفعها من خصرها لتصبح بمستواه قائلة
-عايزة أكدلك إن جنى مش هتعرف تعيش من غير ملهمها
انحنى يقطف كرزيتها هامسا
-مهلكتي والله العظيم إنت مهلكتي ياجنجونة قلبي. ثم همس أمام ثغرها
-بحبك ياجنجون، بحبك أوي قالها وهو يعقد علاقة منفردة لثغرها الندي، استمع لرنين هاتفه، ورغم ذلك لم يقطع وصلة عشقه، ابتعد عنها عندما سحب الهواء من رئتيها.
تحركت للخلف تضع كفها على صدرها تتنفس بصعوبة
-عايز تموتني. دنى منها بخطواته
-مين اللي هيموت مين ياجنجون بس. تحركت للأسفل
-هروح اجهز السفرة، وانت غير هدومك وانزل ياحبيبي. قالتها وتحركت سريعا
خرج للشرفة، يرجع خصلاته للخلف يسحب نفسًا عميقا، مغمض العينين وابتسامة عاشقة على شفتيه. استمع مرة أخرى لهاتفه
-أيوة ياراكان، استمع إليه بإهتمام ثم جذب جاكتيه وخرج سريعا.
-لأ خلاص عشر دقايق وهكلمك، ومين ممكن يكون عمل كدا
-معرفش ياجاسر، انا نقلتها المستشفى دلوقتي، مش شرط تيجي، بس حبيت انك تعرف، معنى أنهم يحاولوا يقتلوها يبقى شكوا فيها
وصل الى الاسفل وانهى مكالمته
-لأ انا عشر دقايق واكون عندك. توقفت أمام طاولة الطعام تنظر إليه متسائلة: -إنت هتخرج تاني. اقترب يطبع قبلة على جبينها.
-آسف ياجنى، راكان كلمني ولازم انزل حالا. قالها متجهًا لسيارته سريعا. ظلت واقفة متصنمة تنظر لأثر خروجه، بقلبًا يئن ألما بعدما كان يتراقص منذ قليل
هوت على المقعد تنظر لطاولة الطعام وتلك الشموع التي أعدتها، ظلت لفترة حتى استمعت لشعار لرسالة، هنا هوى قلبها بين أقدامها، تفتح الرسالة وتتمنى ألا يكون هو، أعلن قلبها عصيانه وهي تراه يجلس بجوار فراشها بالمشفى يحتضن كفيها، وتلك الكلمات التي تكتب باسفل الصورة.
-جوزك عندي، شوفي الساعة كام، اظن كدا الرسالة وصلت
تراجعت بجسدها تضع رأسها على ركبتيها تنظر بشرود، مرت عدة ساعات لم تشعر بالوقت، حتى استمعت لرسالة أخرى. هنا فاق الألم حدود الوصف وهو يغفو على تلك الأريكة وهي تجلس تمسد على خصلاته
أطبقت على جفنيها وانسابت عبراتها ثم جذبت مفرش الطاولة ليتساقط الطعام بأكمله على الأرضية، ثم صعدت للأعلى، وتمددت على الفراش تحتضن أحشائها لتغفو بسرعة دون أي مجهود.
مرت ساعات أخرى على نومها من يراها يظن إنها بعالم الأموات. وصل بالصباح الباكر، دلف للداخل وهو يسب نفسه على ماصار، كيف له أن يغفو بسهولة، كل ما تذكره حديثه مع الطبيب وتناول قهوته، وبعدها لم يشعر بشيئا سوى بعد ساعات. ولج للداخل، ذهب ببصره لذاك الطعام الملقي على الأرض. صعد سريعا للأعلى، ولج بهدوء وجدها تغفو كالطفل الوديع. ظل لدقائق بجوارها، ثم تمدد بجوارها يجذبها لأحضانه، والأغرب أنها وضعت رأسها بصدره تتمت بخفوت.
-ضمني اوي. حاوط جسدها بالكامل، طابعًا قبلة متأسفًا
-آسف ياروحي، مهما اتأسف ليكي حق تزعلي. ظل لفترة يمسد على خصلاتها فتحت عيناها بعد فترة تشعر بألمًا يفتك جسدها. شعرت بثقل على جسدها، حاولت الفكاك من قبضته، فخرجت من أحضانه مبتعدة، تجلس على الفراش، اعتدل صامتًا، يطالعها بأسفًا. حمحم مقتربا
-جنى أنا آسف. ابتعدت بنظرها بعيدا قائلة: -طلقني. بعيونا باردة
جذب كفيها يطبع قبلة عليهما.
-حبيبي عارف مهما اقولك. سحبت كفيها منه مرددة
-قدامك خيارين لتطلقني. ياإما سبني ابعد عنك دلوقتي لانك في نظري مش راجل ياحضرة الظابط
جز على أسنانه وتحدث بغضب: -جنى. نزلت من فوق الفراش
الاول قوم اخلع هدومك المقرفة اللي فيها ريحة المدام وبعدين تعالى واقف قدامي كراجل ونتحاسب
قالتها ثم اتجهت لمرحاضها
ظل لدقائق يستوعب ماصار، قرب قميصه من أنفه قائلا: -هي تقصد إيه!
استمع لهاتفه: أيوة ياراكان، لا روحت.
بس مين اللي ممكن يعمل كظا ياراكان. تحدث راكان على الجانب الآخر
-جاسر الموضوع دا وراه حاجة تانية، لازم نصبر لحد مانحقق مع البت الشغالة، قاطعه جاسر
-البت الشغالة دي معرفة ابويا، مستحيل تكون خاينة، هشوف الكاميرات واعرفك
-بلاش إنت ياجاسر، مش عايز حساسية. كفاية اوي اللي عملته لحد كدا، يعتبر قطعنا شوط كبير مش عايز اللي اسمها فيروز دي تستغل قربك وتبوظ حياتك
تنهد عندما تذكر ماصار فهتف.
-تمام ياراكان، المهم تطلع من ورا فيروز بحاجة
قهقه راكان قائلا: -دي حاجات يابني، الصراحة البنت شاطرة وعرفت توصل لمعلومات كتير، هبعتهملك على ايميلك، بس الموضوع دا يخوف أد مع هي بتفدنا، فعلشان كدا بقولك بلاش إنت تقرب منها خالص، أنا هتصرف، ومكنتش حابب انك تبات عندها في المستشفى.
توقف يشعل سيجاره ينظر من النافذة ثم تحدث بخفوت: -متنساش ياراكان أنها كانت في وقت على اسمي، مكنش ينفع اسبها لوحدها في المستشفى بعد حبس امها، مش عايز حد يأذيها ومش عايز ناجي يقربلها ويستضعفها، لازم يحس اني جنبها، علشان يفكر مليون مرة قبل مايحاول يقربلها، ولسة هقولك
فيروز مش وحشة ولا مجرمة علشان اعاملها بالطريقة دي.
-طيب ياحنين. والله انت اهبل، حرص منها انا مش مرتاح رغم المعلومات اللي جبتهالي بس بقولك شكلها بتخطط لحاجة اكبر ياحضرة الظابط.
-تمام. أغلق الهاتف بعدما شعر بوجود جنى بالغرفة. استدار يطالعها للحظات ثم تحدث: -فيروز حد هجم عليها في الشقة، وفتح الغاز عليها، لولا السكان شموا ريحة الغاز كانت زمانها ميتة، هي بتساعد راكان علشان يوصل لشركاء جدو بعد ماسمموه وحاولوا يقتلوه، وكل اعمالهم المشبوه باسم والده دلوقتي، يعني ممكن أبوه يتحبس غير جده كمان، فهو طلب مني يقابلها بعد ماعرف أن عم فيروز منهم، فهي دلوقتي في بتشتغل في شركة عمها.
وضعت المنشفة، وقامت بتجفيف خصلاتها دون النظر إليه، اقترب منها يجذب منها المجفف، تراجعت بهدوء
-إياك تقرب مني ولا تلمسني، روح للي كنت عندها.
جذب رسغها يسحبها لأحضانه
-جنى بلاش جنانك دا، بقولك كانت بتموت. اتجهت لغرفة ملابسها وخرجت بعد دقائق معدودة بخروجه من المرحاض، يحاوط جسد من الأسفل بمنشفة. تحرك للداخل وهو يراها ترتدي حجابها فتحدث
-مفيش خروج النهاردة، هنخرج مع بعض، فيه مكان لازم نروحه.
-مش هخرج معاك، انا نازلة شغلي، واستدارت وتحدثت بثبات
-أنا هسافر مع عز الأسبوع الجاي، وياريت ارجع من السفر نكون انفصلنا بشكل مايوجعش حد من العيلة، ومتخافش محدش هيزعل، ماهو عز وروبي أطلقوا، عقبالنا احنا كمان
وقف لثواني يتأملها بصمت، رفعت خصلاتها تعبث فيهم تحاول السيطرة على ضعفها أمامه. دنى بخطى سلحفية ثم وقف خلفها وجذبها فجأة ليصطدم ظهرها بصدرها يهمس لها بفحيح.
-إن شاءالله في قبرك ياأم كنان، تقابلت نظراتهما بالمرآة، وارتجف جسدها بين ذراعيه
-ابعد ياجاسر
اردفت دون النظر إليه
-من اللحظة دي هعتبرك مش موجود، وانت كمان اعتبرني مش موجودة، انا هنزل شغلي عادي، لا تتدخل في حياتي ولا ادخل في حياتك. ولو عايز تجيب فيروز هنا هاتها ماهو مبقاش غير انك تعلنها صريحة يابن عمي
دفعها بقوة على الأريكة حتى سقطت ثم حاوطها بجسده
-ليه متجوزة سوسن.
انحنى ينظر بعسلها يردف بصوته الأجش.
-كلمة ومش هعيدها تاني وياجنى
-بلاش تخليني اقهرك بجد، وبلاش تختبري صبري، وجنانك دا عند دكتورك مش عندي. قالها وهو يمرر شفتيه على ثغرها. ثم نظر لمقلتيها أنا اللي كنت من ساعات مش قادرة تبعدي عني، فين حبك
وضع رأسه بحنايا عنقها بعدما ازال حجابها يستنشق رائحتها ويملأ رئتيه مستمتعا يهمس: -مفيش الهبل اللي بتقوليه دا، انت مراتي واياكي تستهوني بالكلمة ياجنجون. قالها وهو ينقض عليها كالأسد الجائع
انسابت عبراتها.
-ابعد عني ياجاسر انا مش عايزاك تقربلي من اللحظة دي احنا في حكم المطلقين
ارتفعت وتيرة أنفاسه من حديثها المحرق لروحه، فحملها متجهًا لفراشهما
-عايز اعرف هتمنعيني ازاي يابنت عمي، انزلها محاوط خصرها يجذبها بقوة ينظر لمقلتيها الزائغة من تحوله يقبلها بعنف
-امنعيني ياله يابنت عمي، عايزك تمنعي جوزك وحبيبك. رفعت رأسها تبكي بشهقات
-ابعد عني ياجاسر متخلنيش اقرف من نفسي.
أحس بقبضة تعتصر صدره سرعان ماشحب وجهه وهو يضغط على ذراعها يقبض على كنزتها بقوة عندما وجد النفور بعينيها، أصابته بالجنون، ماذا بك صغيرتي، اتظننين أنني اتهاون معكي. دنى يحاوطها بجسده يطالعها بصمت
- وظهر جسدها أمامه. فدنى يهمس بجوار أذنها
-اسمع منك كلمة طلاق تاني صدقيني هكرهك في نفسك ياروحي، انت مراتي. وضع كفيه على أحشائها
-وأم ولادي ماشي ياجنجونة قلبي. قالها وهو يحجز ثغرها بين خاصته.
نظرت إليه بكره تهمس من بين بكائها
-كرهتني فيك يابن عمي. ، واعرف اللي مصبرني على إني اتحمل كذاب مخادع زيك عمي وابويا بس، غير كدا مش عايز اشوف وشك قدامي
ران صمتا بنيران الأنفاس الملتهبة من كلاهما، هي بشهقاتها ونظراتها المشمئزة وهو صدمة جعلت جسده يتجمد. ابتلع غصة مؤلمة تشق جوفه متأثرا بماقالته. آلمه حديثها وكأنها غرست خنجرًا في روحه التي نزفت ببطئ تكوي جسده قائلا
-بتكرهي جاسر ياجنى، قدرتي تقوليها.
كعصفور كسرت أجنحته وحبس بقفصًا من ذهب لا حول له ولا قوة
-وماكرهتش ادك ياجاسر، بكرهك. بكرهك قالتها بشهقات مرتفعة متجهة للمرحاض تزيل ثيابها من فوق جسدها، تنظر لانعكاس صورتها بالمرآة، حركت أناملها على جروح شفتيها من قبلاته. هوت تصرخ تمزق ثيابها وخصلاتها كالمجنونة
-بكرهك ياجاسر، سمعتني بكرهك
هبط للأسفل بخطوات متعثرة كالذي مسه جنا. استمع الى صرخاتها وكلماتها التي مزقت قلبه لأشلاء.
مرت الأيام بينهما باردة، يعود من عمله إلى غرفته دون حديث بينهما
استمع إلى طرقات على باب غرفته، إذن بالدخول. ولجت الخادمة
-جاسر بيه. مدام جنى بقالها يومين ماكلتش والنهاردة اغمى عليها وجبتلها الدكتور، وكمان طلب منها تحاليل، قال حالتها عايزة رعاية
صعد للأعلى سريعا، اقتحم الغرفة، وجدها تجلس بالشرفة تنظر للخارج، ماتت ضحكتها البريئة، وبهتت ملامح وجهها مع عيناها الخاوية للحياة، ورغم ذلك اقترب منها.
-مبتكليش ليه، اوعي تفكري انك بتلوين دراعي علشان اطلقك، حاوطها بذراعه يضع رأسه على كتفها
-ولادي ياجنجون. حافظي عليهم، علشان مزعلكيش، انتي ناسية انك هنا علشانهم
ظلت كما هي تنظر للخارج، صاح على العاملة
-هاتي اكل المدام. لازم تاكل علشان ولادها قصدي ولادنا. جذب مقعد يطالعها بنيران تكوي ضلوعه على صمتها فعل ذلك حتى تهاجمه ولكنها خلفت ظنه. وضعت الطعام على الطاولة قائلة.
-عاملت الأكل اللي بتحبه ياجاسر بيه، أشارت على جلوسها تهز رأسها بحزن عليها، وهتفت
-خليها تشرب العصير علشان لازم تاخد علاجها
-كلي علشان علاجك. امسك الملعقة وبدأ بإطعامها، فتحت فمها دون حديث وبدأت تلوك الطعام ونظراتها للخارج وكأنه ليس موجودا. ظل لدقائق بجوارها بعد إطعامها. رفع كفيه يضعها على خصلاتها.
-جنى أنا آسف. أزداد ألمها عندما شعرت برغبتها من الاقتراب منه ودت لو ألقت نفسها بأحضانه ليزيل آلام قلبها، همست لقلبها
-كيف لك العفو له وهو المذنب، آه على قلبُ هواه محكمُ
استدارت أخيرًا له وهمست بتقطع
-طلقني. هب من مكانه متجها للأسفل حتى لا يفقد أعصابه عليها
ظلت كما هي إلى أن قررت الأبتعاد عنه، حتى لا تؤذي أحد من عائلتها. قامت بمهاتفة غنى
-غنى عايزة منك طلب لو فعلا بتحبي اخوكي قبلي. استمعت غنى بإهتمام.
-عايزة ابعد عن جاسر فترة، احنا بنأذي بعض أوي ياغنى، مش عايزة عمو وبابا يعرفوا حاجة دلوقتي.
-مش فاهمة ياجنى قالتها غنى متسائلة
-عايزة ابعد ياغنى، ايه اللي مش فاهمة، عايزة اهرب من اخوكي بدل ما اموت نفسي ولا اهرب ومحدش يعرف مكاني. وحياة ربنا هبعد ومش هخلي حد يعرف مكاني
-طيب اهدي واحكيلي علشان اعرف، هعمل ايه
بمنزل كريم البسيوني
ولج ياسين بجوار كريم، توقف أمام والده.
-بابا فيه موضوع لازم تعرفه. جلس والده بعدما ساعده كريم على الجلوس
وزع نظراته على ياسين وكريم
-خالد مجاش ليه. حمحم ياسين رافعا نظره إلى كريم: -أنا آسف ياعمو نادر، انا يسعدني ويشرفني أتقدم لبنت حضرتك. توسعت أعين نادر بذهول. فاستأنف ياسين ونظراته على كريم.
-الصراحة ياعمو أنا شوفت بنت حضرتك مع كريم مرة وعجبتني، وكنت هتكلم مع كريم لكن عرفت انها مخطوبة، والنهاردة جاتلي فرصة بعد تأخر العريس، وكمان عرفنا أنه بيحاول يسوء سمعة حضرتك، فأنا يذدني شرف توافق على طلب كريمتكم الأستاذة
كان يشعر أن هناك شيئا حدث ورغم ذلك وقف نادر
-صاحبك بيقول إيه ياكريم!
نهض كريم متوقفًا بجوار والده وبعينين متألمة
-بابا. ابن اخوك عرف يوجعنا. اقترب ياسين على كتف كريم.
-كريم أنا بتكلم جد، لازم تقطع لسان أي حد يحاول يقل بسمعتكم. هوى نادر على المقعد، يفتح رابطة عنقه
-لأ مستحيل، قصدك أنه مش هيجي الفرح، لأ انا هروحله مستحيل يعمل فينا كدا. ثم استدار لياسين
-أنا آسف يابني، بس ازاي تيجي تطلب بنتي المخطوبة اللي المفروض دخلتها الليلة وتقولي عايز تتجوزها
قاطعهم أصوات بالخارج. تحركوا على أصوات الضجة. وجدو خالد يترجل من سيارته ينظر إليهم بشماتة.
-اهلا ياعمي، جيت أقولك اعذرني. تحرك حتى توقف بين المدعوين وابتسامة على ملامحه
-عمي حبيبي أنا جاية أقولك إن بنتك ماتشرفنيش أنها تكون مراتي وتحمل أسمي، بنتك طلعت سهلة وسلمتلي نفسها. تفتكر بعد دا اقدر أمنلها
ارتجف جسد نادر، حتى شعر بإختناقه
فجلس عندما خارت قواه، يشير لابنه
-كريم الواد دا بيقول ايه. ربت كريم على ظهر والده وانعقد لسانه عندما وجد الجميع ينظر اليهم.
-ايه اللي بتقوله دا ياخالد يابني. ثارت جيوش غضب كريم واتجه إليه وعيناه تطلق لهيبا، وبصوت مزمجرا
-إنت ازاي ياحيوان تتجرأ وتتكلم على اختي كدا. قالها كريم وهو يلكمه بوجه، صاح خالد وتحدث مستنكرا ما يفعله
-شوفتوا ياناس عايز يموتني علشان عرفت أن أخته مش تمام
هوى نادر على الأرض وهو يردد
-ليه يابني ليه تعمل كدا. دفعه كريم وانهال عليه باللكمات وهو يزمجر بصوت عاصفًا كالرعد اهتزت له الأرض.
-لانه مش راجل يابا، دا واحد ندل وحقير. جذبه ياسين عندما وجد فقدان خالد للوعي واوقفه
-مجنون يابني عايز تروح في داهية، وضع أنامله على نبض خالد
-لسة عايش، خليهم ياخدوه من هنا ياكريم، دي جناية
توقف كريم يمسح على وجهه بعنف ينظر لشحوب والده بأسى، ثم تحدث بصوت مرتفع
-الواد دا كذاب، جه وعمل المسرحية دي كلها علشان بابا رفض يكمل الجوازة، لانه خسيس، واتجنن لما عرف فرح عالية على ياسين
أشار على ياسين ثم اقترب منه.
-دا ياسين الألفي، اللي المفروض فرحه على عاليا النهاردة ودا اللي خلى خالد يتجنن كدا، وطبعا انتوا عارفين يعني ايه تربية نادر البسيوني. اللي عنده شك في اختي مع السلامة مش مرحب بيه.
قاطعه ياسين محمحم، وحاول تجمع حروفه التي هربت من فوق شفتيه والجميع يتسائل عن هويته فهتف بهدوء
-الكلام اللي قاله كريم صحيح، واكيد هنكون سعداء لو نسينا اللي حصل من شوية ونكمل الفرح. قالها وهو ينظر لوالد كريم.
-أنا بقولها قدام الكل اهو ياعمو نادر، أنا يشرفني ويسعدني اكمل حياتي مع بنت حضرتك. ثم رفع نظره للجميع وأسترسل
-انسة عاليا تشرف أي راجل لأنها بنت حضرتك اللي مستحيل تربيتك يكون عليها غبار، تحرك بعض الخطوات وتوقف أمام كريم وأستأنف.
-أنا يمكن كنت طلبتها ومعظمكم مايعرفش، وطبعا كنتم جايين الفرح على أساس أنها لابن عمها، بس طبعا عمو نادر وكريم عارفين ومتأكدين أن اللي زي خالد دا مستحيل يكون مؤهل لبنتهم. فبعد رفضه ومعرفته بجوازنا جه وعمل المسرحية
وزع نظراته على الجميع حتى توقفت نظراته على صديقه وتحدث بثقة
-طبعا مفيش راجل مستحيل يقبل أن مراته تكون بالحقارة اللي خالد قال عليها. ربت كريم على كتفه
-تسلم يا صاحبي. ضمه ياسين بمحبة.
-دا أنا اللي اشكرك على الظروف اللي خلتني امتلك بنت عمو نادر واخت كريم
تحدث أحد الحضور: -مايمكن مطبخينها سوا، نعرفك ازاي احنا. يمكن تاخدها يومين وترجعها لابوها بشطنة هدومها. وتداروا على عملتها
أشار على نفسه.
-أعرفكم بنفسي، أنا ياسين جواد الألفي، يعني الغلط عندي مردود، واللي عايز يسأل عن ولاد الألفي يامرحب بيه، ومش حلوة منك انك تسوءسمعة بنت بلدك، ومهما تقول عاليا بقت مراتي واللي يقول نص كلمة عليها مش هرحمه، وكلمتي سيف على رقبتي
بعد فترة انتهى من عقد القران في حفل من الأقارب الذين مازال الشك يرواد عقولهم. تسائل أحد الأشخاص وعيناه تلمع بمكر
-إنما إنت ملكش أهل ولا إيه؟
اجابه ياسين بثقة وكأنه لا يكذب أبدًا.
-والدي ووالدي في عمرة، وأكيد هيزورو عمو نادر في أقرب وقت
اومأ ومازالت نظراته على نادر الجالس بملامح حزينة وكأنه دُفن أغلى مالديه، فتسائل ذاك البغيض
-مالك يانادر اللي يشوفك يقول مش مبسوط. رسم إبتسامة على وجهه قائلا: -صعبان عليا البنت هتبعد عن حضني.
بالأعلى بغرفة عليا. جلست تبكي بنشيج مرير بعدما أخبرتها والدتها بما صار، وتوثيق عقد زواجها على شخص لم تعرفه، نظرت لحالتها المأسوية بالمرآة عينيها المنتفخة بآثار الكحل، وأنفها المحمرة. استمعت لطرقات الباب، أزالت عبراتها وأجابت بصوتًا متحشرج بالبكاء: -ادخل. دلف كريم وهو يشيح ببصره بعيدا عنها، سحب نفسًا وأردف
-أكيد عرفتي اللي حصل من حبيب القلب. اقتربت منه وأردفت بصوت متقطع.
-كريم. تراجع ببعض الخطوات يضع كفيه أمامها
-مفيش داعي للكلام، احنا كنا لازم نوقف القيل والقال، علشان كدا ابوكي وافق على ياسين صاحبي، ومش هيبقى كتب كتاب بس، يعني دلوقتي المفروض هتروحي معاه.
صدمة بذهول جعل جسدها يترنح، تضيق عيناها ةكأن أحدهم سكب عليها دلو من الماء المثلج، الذي ذهب لروحها ليشعر بآلامها التي بدأت تنزف بصمت فهتفت بتقطع
-لأ. بلاش ياكريم ارجوك. صاح كريم بصوت مرتفع حتى لايجعل للنقاش بابا
-ادخل ياياسين. تراجعت للخلف تهز رأسها يمينا ويسارا رافضة مااستمعت إليه قائلة: -أنا مش موافقة ياكريم، هتجوز اختك واحد معرفوش.
طأطأ رأسه للأسفل: -للأسف يابنت ابويا أنتِ دلوقتي مسيرة مش مخيرة، ودا واقعك اللي لازم تتعايشي معاه
تعالت شهقاتها بعيون محتدة تهز رأسها رافضها مستقبل فُرض عليها، صاح كريم قائلا
-ادخل ياسين. ولج ياسين وعينيه ترسل إليها سهامًا عندما صرخت
-وأنا مش موافقة على الجواز دا، يعني باطل ياكريم، ايه هتجوز اختك لواحد عمرها ما شفته، اقتربت تحتضن كفيه.
-بلاش ياكريم سبني اتعافى من حب خالد، ازاي ارتبط بواحد وأنا قلبي مع واحد تاني
ارتفعت أنفاسه واقترب يضغط على ذراعها بقوة آلامتها يجز على أسنانه
-لسة بتقولي قلب وحب، وهو الذبالة اللي سوء سمعتك ونزل بيكي الأرض.
اشتدت وتيرة تنفسها تبكي بصوت مرتفع
-اه بحبه، ومش من حق حد ينزع حبه من قلبي، تحركت خطوتين قائلة
-أكيد فيه حاجة غلط، مستحيل يعمل فيا كدا. رفع كفيه للأعلى لتهوى على وجنتيها.
-اسمعك تجيبي اسمه تأني هدفنك، انت دلوقتي في عصمة راجل تاني
وضعت كفيها على خدها تنظر إليه بذهول
-أنا عارفة انك بتكره ومش بعيد انت اللي بوظت الفرح علشان تجوزني لصاحبك بس انا مش هروح معاه
تحولت عيناه للهيبًا محترق، يجز على نواجزه
ياسين اللي مش عجبك دا حاول يرفع راس ابوكي اللي الحقير داس عليه برة، لسة ليكي عين تقاوحي
اتجهت بنظرها لياسين.
-أنا مش موافقة عليك سمعتني، لو راجل بقى كمل الجوازة دي، رفع كريم كفيه لمرة أخرى ولكن امسكه ياسين يطالعه بهدوء: -كريم الموضوع مش مستاهل. لو سمحت عايزين نلم الليلة، الناس برة مستنية العروسة، استدار برأسه مردفًا
-أكيد الأستاذة مش هيرضيها تنزل بسمعة ابوها واخوها، هي بس مصدومة وهتنزل دلوقتي علشان نكمل الليلة دي
دفع كريم ياسين ببطئ، وتحرك إليها.
- الواد دا فعلا قرب منك. أزالت عبراتها واستدارت تواليه ظهرها، جحظت عيناه، فجذبها بعنف
-مبترديش ليه ياعاليا الواد دا قرب منك. بكت بشهقات مرتفعة وارتجف جسدها تهز رأسها وعبراتها تغرق وجنتيها. احمرت عيناه كالهيب جهنم يضغط على عنقها
-يعني الواد الحقير كلامه حقيقي، لوثتي شرفك ياذبالة، كادت أن تلفظ أنفاسها الأخيرة لولا دفع ياسين إليه بقوة.
-كريم. لو سمحت كفاية احنا لازم نخلص من الليلة الزفت دي، والأستاذة حاسبها بعدين مش وقته
كانت تستمع إليهم وتشعر بألم يفتك بصدرها، كم هو مؤلم عندما تعجز عن وصف ماتشعر به. جذبها من رسغها يجرها خلفه، تحركت بجواره تجر ذيول خيبتها منجية الله في شخص أعطته ثقة واهدرها بكل خسة وندالة
وصلت للأسفل توقف أمامها، يشير بسبباته إليها.
-هتدخلي دلوقتي ايدك بايد ياسين وياريت ترسمي السعادة قدام الناس اللي بغباءك وطيتي راس ابوكي وبعدين لينا كلام. اقترب يهمس بهسيس: -اقسم بالله ياعاليا لو عملتي اي حاجة أو قولتي كلمة. دفعت كفيه وولجت قائلة: -ياخسارة يابن ابويا. جذبها واتجه الى ياسين. ادخل ياياسين ياله
سحب نفسًا وزفره
-مش قولنا بلاش الفرح دا، كان لازمته ايه، أنا قولت تحت هنكتب كتاب لحد مااهلي يرجعوا، ايه لازمة الفرح.
حمحم ياسين ينظر إليه بهدوء
-معلش ياياسين لازم من الفرح دا علشان الناس تصدق، والكل عارف فرح عاليا النهاردة
تحرر من صدره نفسًا طويلا ثم خطى إلى أن وصل يجذب كفيها وتحرك دون حديث. حاولت التملص من بين براثنه
-امشي قدامي ومش عايز كلام كتير
بحي الألفي
وصل صهيب إلى منزل جواد بعد علمه بمغادرة ابنته منزل زوجها، توقف صهيب أمام جاسر: -بنتي فين ياجاسر؟ تسائل بها بعينان تطلق لهيبًا
تراجع جاسر بخطواته متجهًا للخارج.
-بنتك سافرت ومعرفش راحت فين، المفروض تسألها متسألنيش، دا لو حضرتك ماتعرفش. قالها وتحرك مغادرا
اقف عندك يلا. اقترب منه بخطوات سلحفية وجذبه من تلابيبه، يجز على أسنانه
-بنتي فين وليه مشيت من غير ماتعرفك، انت مش جوزها، ولا ايه فهمني، قالها صهيب وهو يهزه بعنف
تجمد للحظات بين ذراع عمه ونظراته ضائعة
-معرفش، رجعت ملقتهاش، واخدت كل اوراقها، ليه تكسرني ياعمو كدا، انا حبيتها وهي داست اوي.
قالها واستدار متجها للمغادرة
-بس يكون في علمك مش هسامحها، جنى كسرتني ياعمو. قالها وتحرك كالذي يهرب من عدوًا متربص له
ولكن توقف على صوت صهيب الذي زلزل الجميع
-طلعت مش أد الأمانة يابن اخويا، صرخ على جواد الذي خرج كالمخمور يتخبط بسيره. توقف بجسدٍ مترنح ينظر بعينان متسائلا: -صوتك ياصهيب، اتجه إلى جواد وكالذي مسه جنًا
-صوتي، واللي ابنك عمله دا اسميه إيه.
-عمو صهيب أهدى لو سمحت، واكيد هي حبت تبعد شوية علشان تهدى
قالها أوس لهدوء حدة الموقف الذي اشعل المكان بأنفاسهم الملتهبة، اقترب صهيب من أوس
-تعمل إيه لو عز دخل عليك وقالك مش لاقي اختك. لكزه بقوة قائلاً: -ماترد، ساكت ليه! انا عايز بنتي ياجواد، قالها صارخًا
قاطعهم صوت غزل صائحة
-مالك ياصهيب، ليه محملنا هروب بنتك، كفاية بقى كل حاجة على جاسر، نظرت لمقلتيه.
-هي كل واحدة هتتخانق مع جوزها تهرب، ليه محمله كل اغلاط جنى
جلس جواد يضع رأسه بين راحتيه عندما اشتد الحوار بينهما، مما جعل صهيب يثور وكأنه تحول لمارد قائلا: -اومال مين السبب ياغزل، بنتي كانت عايشة في أمان الله لحد ماابنك دخل حياتها
جلس شاردا يضع رأسه فوق ركبتيه، وحوارهما الأخير يخترق روحه، لماذا وصل بهما الحال إلى هنا
أطبق على جفنيه عندما امسكه صهيب من تلابيبه يصرخ به.
-بنتي فين يلا، عملت فيها ايه، هموتك يابن جواد
تدخل عز وأوس لأبعاد جاسر الذي وقف مسالمًا لما يحدث له
صرخت غزل تدفع صهيب بعدما وجدت حالة ابنها، تنظر لجواد الذي انكمش بجلوسه، كأنه فقد احساس ماحوله
رفعت سبباتها أمام صهيب
-انا ساكتة وبقول دي بنتي ودا ابني، بس توصل لبنتك انها تمشي ومنعرفش مكانها. وكمان احتمال تكون برة البلد، فاعذرني ياصهيب بيه، دي مش عاميل واحدة متربية.
صاعقة نزلت على الجميع من حديث غزل، مما جعل صهيب يتراجع بخطواته للخلف، تكورت عيناه بالعبرات قائلًا بصوت مرتجف: -بنتي مش متربية ياغزل
اه صاحت بها بصوتًا كالرعد في سماء الشتاء واستأنفت وعيناها على جواد
-فيه واحدة تعمل في أهلها كدا، طب هي اتخانقت مع جوزها مجتش بيت عمها، بلاش عمها أصله ابو جوزها، مجتش بيت ابوها ياباشمهندس، ايه يا صهيب علشان بنتك هتسكت على الغلط
استدار لجواد يشير بيديه على غزل.
-سامع مراتك بتقول ايه، مراتك بتقول بنتي مش متربية، رفع نظره لجاسر
-مراتك مش متربية
نهض جاسر متجها للخارج، أسرعت غزل خلفه بعدما وجدت حالته التي تدهورت من حديثها.
جاسر. توقف يواليها ظهره يكور قبضته فلآن يشعر بألمًا مفرط يغزو كل خليه بجسده، روحه تتمزق ونيران بصدره تكاد تحرق عظامه
-رايح فين ياحبيبي؟
أطبق على جفنيه وحاول تنظيم أنفاسه.
-رايح اشوف حد يساعدني ادور على مراتي ياماما، شايف بابا مش هيعمل حاجة، بس لو عرفت أنه هو اللي ساعدها صدقيني وقتها عمري ماهسامحه ابدا
إستدار لوالدته، وانسابت عبراته تحرق وجنتيه
-مراتي هربت، انتي فاهمة معنى الكلمة ايه، زي ما حضرتك قولتي من شوية، هيقولوا عليها مش متربية
بس وحياة وجعي دلوقتي لأعلمها ازاي تعمل فينا كدا. قالها واستدار، ولكنه توقف على صرخات ربى باسم والدها.
تحرك سريعا للداخل بينما توقفت غزل بمكانها، ودقات قلبها تنبض بعنف تهز رأسها
-لأ. اكيد جواد كويس، لا انا سمعت غلط، تحركت بخطى متعثرة، وكأنها تتحرك على بلور يشحذ قدميها، وصلت للداخل، وجدت ربى تقوم بعمل اسعافات اولية، وصلت إليها
عيناه الزائغة وشفتيه التي ارتجفت بإعوجاج
هوت ساقطة وجسدها ارتعش من حالته
-حبيبي ايه اللي حصل. احتضنت وجهه
-جود حبيبي خليك معايا، غزالتك هنا اهو، نظرت لأبنتها.
-اسبرين بسرعة ياروبي، بابا داخل على جلطة. قالتها وعيناها كزخات المطر، فتحت قميصه وبدأت تضغط على صدره
-حبيبي جود سامعني، خد نفس براحة، مررت أناملها المرتعشة على شفتيه
-جواد سامعني، اغمض عيناه عندما فقد الكلام. اقترب صهيب منه وبدا على وجهه الحزن والخوف على حالة اخيه، قلبه بدأ يصفعه على ماقاله لأخيه، وضمير ذنبه يحرق احشائه.
ساعد جاسر وأوس جواد على تسطحه وكذلك عز الذي شعر بالأسف ينظر إلى عمه بقلبا ينزف ألمًا. ، وقامت غزل بعلاجه الأولي انتظارًا سيارة الإسعاف
رفع كفيه ووضعها على رأسها قائلا: بصوت متقطع
-أن. ا. ا. ك. و. ي. س ياغزل. احتضنت كفيه ثم قبلته وبكت بشهقات مرتفعة
-ألف سلامة عليك ياحبيب غزل، كدا تخوف غزالتك عليك
وضعت رأسها على صدره تبكي.
-جواد اتماسك علشان خاطر غزالتك، عارفة الحمل تقيل عليك، بس أنا ماليش غيرك. بكت وبكت إلى أن جفت دموعها، جلس جاسر بجوارها من ناحية، والجانب الآخر، احتضنها أوس يضمها لأحضانه
-ماما بابا كويس مش كدا. قالها أوس الذي يطالع والده، أومأت رأسها تملس على وجهه
-أكيد كويس، لازم يكون كويس، جوادي مستحيل يوجع غزالته، اقتربت تطبع قبلة على جبينه.
-مش كدا ياجود، كان قد ذهب بنومه بعدما أعطته بعض العقاقير التي تحد من الأذمة القلبية. وصلت نهى التي لم تكن تعلم بما صار، وقفت توزع نظراتها على الجميع متسائلة: -فيه إيه. ذهبت ببصرها لجاسر الذي يضع رأسه بحضن والده يبكي بصمت.
اقتربت تطالع جواد
-ماله جواد ياغزل. كانت مازالت جالسة بين أولادها، وعبراتها تنساب بصمت فتحدثت وعيناها تحاوط زوجها
-خدي جوزك وابنك وامشوا من هنا يانهى، مش مستعدة أخسر جوزي علشان طيشان بنتك واستهترها
نهضت متحاملة على نفسها تغرز عيناها بأعين صهيب
-يارب تكون ارتحت دلوقتي ياصهيب، من دقايق كنت ممكن أخسر جوزي، ودلوقتي روح دور على بنتك بعيد عني
-ماما! صاح بها أوس غاضبا
ممكن تهدي، حضرتك شايفة حالتنا كلنا.
نزعت كفيها من يد ابنها تشير بسبباتها محذرة إياه
-محدش يقولي اهدي، انزرفت عبراتها تشير على زوجها
-من دقايق بس كنت هخسر ابوك ليه
استدارت لصهيب وهتفت بنبرة مستاءة: -علشان بنت عمك اللي زعلت مع جوزها وقال ايه سابت البلد ومشيت، ايه التهريج دا يانهى، هو كل اللي تتخانق مع جوزها تسيبله البيت وتهرب
ضيقت نهى عيناها متسائلة: -تقصدي ايه؟
قاطعهم وصول سيارة الإسعاف.
-لازم ابوكم يروح المستشفى، لازم اطمن قالتها بعدما سمحت للخادمة بإدخالهم. دقائق ووصلوا للمشفى للأطمئنان على حالة جواد
مرت عدة ساعات بعد الكشف والتحاليل، تم حجز جواد بالعناية بعدما فقد الحركة والكلام
عند جنى. وصلت إحدى المصريات التي اعتنى بها بيجاد لمرافقتها
توقفت أمام جنى
-أي حاجة حضرتك محتاجها اطلبيها
-بقالك كتير في تركيا؟
اجابتها نورة المرافقة.
-عشر سنين يامدام. اومأت برأسها وتحدثت: -اعمليلي عصير فروالة باللبن لو سمحتي، على فكرة أنا حامل
ابتسمت إليها قائلة: -ألف مبروك، ان شاء الله تفرحي بيهم
فاستأنفت
-وباباهم هنا في تركيا. هنا شعرت بنبضها يدق بعنف في جنبات صدرها
فهزت رأسها بالنفي
-جوزي في مصر، يومين ولا حاجة ويرجع
رسمت ابتسامة ونهضت بخطوات هذيلة
-هدخل ارتاح شوية جوا هاتيلي العصير هناك.
ابتسمت لها وتحركت للداخل. ولجت جنى إلى غرفتها ثم اتجهت إلى فراشها جلست عليه تضع كفيها على أحشائها
-إن شاءالله هنبقى كويسين، وخلي بابا يرتاح مننا، ذهبت بذاكرتها لحديثه
-أنا روحت اجيب شنطة هدومي، خفت تعمل حاجة في البيت، وكمان خفت تيجي هنا وتشوفيها وتتعبي، والله راكان كان هناك كمان
تمددت تحتضن نفسها كالجنين وانسابت عبراتها
-بحبك أوي يابن عمي، وكأن حبك تعويذة مش عارفة أخرجك من قلبي.
جذبت كنزته التي جلبتها معها، تضعها على أنفها تستنشق رائحته كالمدمن
بكت بصمت عندما فقدت السيطرة على نفسها تريده بالحال. همست اسمه وهي تحتضن كنزته كأنها تحتضنه
-ليه تعمل فينا كدا، مش هقدر اعيش من غيرك. همست اسمه بتردد
آسفة بس كان لازم اعمل كدا، عايزة اعرف انا إيه في حياتك
دلفت نورة بعصيرها وجدتها تبكي بصمت
-مدام جنى مال حضرتك، تعبانة؟
اعتدلت تزيل عبراتها وأجابتها: -ابدا تعبانة شوية، ممكن تجيبي فوني من تحت. اومأت نورة وتحركت للمغادرة
بالأسكندرية عاد بيجاد من رحلة تركيا مساء اليوم التالي، ولج يبحث عنها وجدها بالأعلى تهاتف ربى. دلف يضع كفيه بخصره يهز رأسه مستاءً
أشارت إليه بالهدوء ثم أكملت حديثها
-يعني خرج ولا بتضحكي عليا، اجابتها على الجانب الآخر.
تنهدت تفرك جبينها قائلة: -للأسف ياغنى بابا محجوز من إمبارح، شعرت بتحركه خلفها، استدارت إليه ربى ولكنه تحرك متجها لغرفة العناية، استدارت واكملت حديثها: -البيت والع بسبب اللي حصل لجنى
أنهت غنى اتصالها بعد دقائق معدودة ثم توجهت لزوجها الذي خرج للشاطئ، جذبت حجابها وخرجت، توقفت خلفه
-بيجاد!
زفر يعبأ رئتيه بالهواء ثم استدار إليها بهدوء كي لا يحزنها
-ايه اللي حصل لباباكي!
خطت إلى أن وصلت أمامه مباشرة تنظر لمقلتيه
-بابا تعبان أوي يابيجاد خايفة عليه. ابتسامة ساخرة على وجهه
-خايفة! لا لسة الخوف جاي فعلا، انتي مش مستوعبة نتيجة اللي عملناه
تنهدت تسائله: -جنى عاملة ايه. أولاها ظهره ينظر لموج البحر الثائر أمامه
-معرفش ازاي وافقت على المهزلة دي، تحركت واتجهت إليه
-مهزلة! قالتها مستنكرة ثم اردفت
-وياترى لما الراجل يحرق قلب الست اللي هي بتعشقه دي تبقى ايه يا كابتن.
امسكها من أكتافها يتعمق بعيناها
-غنى إنتِ مصدقة إن جاسر ممكن يكون متجوز جنى زي ماهي قالت
مسحت على وجهها وتنهيدات متألمة
-لأ طبعا، اخويا مش واطي يابيجاد، بس برضو لازم افوقه، لازم يبعد عن زفت الطين فيروز دي
دنت منه وتوقفت أمامه مباشرة تحتضن ذراعه:
-ايه اللي يخلي راجل يسيب مراته تعبانة ويروح لطليقته ويكذب عليها، ايه اللي يخليه يقسى على جنى بالطريقة دي، ليه مااحتوهاش يابيجاد.
تراجع ينظر للبحر يهز رأسه رافضا كلماتها: -بردوا مكنش ينفع تعمل كدا، أنتِ غلطي أوي لما ساعدتيها، وغلطك دا هيزعل منك الكل
عقدت ذراعيها على صدرها وأجابته
-متقنعنيش يابيجاد، لازم جنى تبعد عن جاسر علشان يقدر يفوق، ويفكر ازاي يلزم فيروز عند حدها
سحبت نفسا وزفرته على عدة مرات.
-بيجاد جنى طيبة وبريئة اوي، حرام اللي بيحصل معاها دا، وبتحبه أوي، انا كنت معاها لما انهارت، دي اتعالجت من حبه يابيجاد، عايز أكتر من كدا إيه، تكورت عيناها بالعبرات
-صعب اوي على الست لما تعشق واحد وصورته تهتز، لا مش مجرد أنها اهتزت، دي جواها انطفى واتكسر قلبها، أزالت عبرة نزلت عبر وجنتيها.
-مش علشان أخويا اقف معاه يابيجاد، لازم يعرف أنها حبته بكل كيانها وهو خذلها، ومش معنى الخذلان أنه خانها، أنا قصدي مكنش كان صريح معاها، اقنعني أن واحد يعمل في حبيبته كدا. تفتكر انا لو مكان جنى كنت ممكن اعمل وخصوصا لما قالها اهم حاجة عندي الولد. فتح فمه للحديث ولكنها أوقفته مشيرة
-عارفة بيقولها كدا علشان اللي حصل منها، بس بردوا ميردش بالطريقة البشعة دي.
تعرف اللي صعبان عليا في دا كله بابا وبس، لأن عمو اتخانق معاه وطبعا حملوه المسؤلية
رفعت كفيها على صدره
-حبيبي أنا قصدي اصلح العلاقة وتكون أقوى من أي ريح، جنى هتبعد وتعرف أنها مش هتقدر تعيش بعيد عنه، وبعد كدا هتفكر مليون مرة قبل أي قرار، وثانيا جاسر بعد كدا هيكون شعورها أول حاجة عنده.
جذب رأسها يطبع قبلة على جبينها -عايزة انزل القاهرة، لازم اطمن على بابا، وعايزة اعرف جاسر بيفكر في ايه، وعامل ايه دلوقتي، رفعت رأسها -أنا هقوله على مكانها بس لما يثبت أنه بيحبها فعلا. اومأ برأسه ثم
خطى للداخل وهو يتحدث
-مش متفائل ياغنى، وربنا يستر وجواد الألفي ميقلبش عليا أنا في الآخر
عند ياسين بعد إنتهاء حفل الزفاف، حاول مهاتفة جاسر إلا أن هاتفه مغلق.
استقل سيارته وهي بجواره متجهًا لشقة جاسر بالرحاب. كان يقود السيارة بصمت مميت، أنفاسه تحرق صدره، دقائق ووصل إلى وجهته. ترجل من السيارة متجها إلى البناية، توقف بعدما وجدها مازالت بالسيارة تبكي بصمت. تراجع إليها يفتح باب السيارة بعنف قائلا
-ايه البرنسيسة مصدقة إنها عروسة ومستنية افتحلها الباب.
جذبها بعنف، يجرها خلفه بخطواته الواسعة المهرولة، وهي تتحرك خلفه بأنفاسًا متسارعة، تبكي بصمت. فتح باب الشقة ودفعها بقوة حتى سقطت على الأرضية أمامه. نزل بجسده يتكأ على ركبتيه ينظر لزمردتها قائلا
-هتقعدي هنا لحد مااشوفلك حل، اسمع نفسك هدفنك، إنتِ هنا زي اي أثاث في الشقة. أزالت عبراتها بعنف وتوقفت تنظر إليه باشمئزاز.
-براحة على نفسك، متصدقش انك جوزي حق وحقيقي، دي مسرحية يابابا، ولو ابويا واخويا باعوني مش معنى كدا إني ضعيفة، انا اعرف اخد حقي كويس اوي
استشاط داخله من لسانها السليط. اقترب يضغط على كفيها
-أنا لو مكانك اروح أدفن نفسي بالحيا، قليلة رباية وبجحة. دنى يهمس بجوار أذنها بهسيس
-بس متخافيش انا هدفنك بالحيا، لان اللي ذيك خسارة في الحياة.
قالها واستدار للخارج وهو يحاول تنظيم أنفاسه المتسارعة. وصل إلى سيارته بخطوات متعثرة، كلما يتذكر ماصار اليوم. جلس بالسيارة لبعض الدقائق حتى استعاد تنفسه والسيطرة على غضبه، رفع هاتفه الذي أعلن الرنين
-أيوة ياأوس.
-ياسين تعالى على المستشفى، بابا اتحجز هناك.
بعد شهرًا بالمشفى
فتح عيناه بإرهاق وألمًا بائن بملامحه مسدت على خصلاته التي ظهر به تلك الخصلات البيضاء مما أعطته هيبة ووقار فوق هيبته وتسائلت: -جوادي حبيبي حاسس بإيه دلوقتي
-عايز جاسر. قالها بتقطع. انحنت تطبع قبلة على جبينه
-حمدالله على سلامتك ياقلب غزل، قبلت كفيه تمسد عليه
-بلاش ترهق نفسك حبيبي دلوقتي، بعدين تتكلم معاه
-ابعتي جاسر ياغزل. احتضنت وجهه
-طب علشان خاطر غزل عندك بلاش توجع قلبي عليك.
اغمض عيناه فخرجت لتحاكي ابنها بعد إصراره
بمنزل جواد وخاصة بغرفته بالأعلى
جلس على المقعد يضع رأسه بين راحتيه، يتذكر كلماتها الأخيرة
تراجع للخلف وهو مغمض العينين
فتح عيناه عندما استمع إلى همسها بإذنه
-جسور حبيبي، ياله علشان متتأخرش على شغلك قوم ياكسلان.
دارت عيناه بالغرفة مع تعرقه الذي شعر به، نهض متجها للمرحاض بعدما شعر بالأختناق. صورتها بكل مكان، همسها بأذنه، توقف أمام المرآة ينظر لحالته، شعر بنيران تحرق أوردته مما أفقده الثبات وقام بلكم المرآة فتناثرت بالأرجاء
هوى بمكان كيف فعلت به ذاك، من تلك الفتاه، أيعقل أنها التي عشقها بكل كيانه، أيعقل أنها تلك البريئة التي تربت داخل احضانه، تلك التي وشم بقلبه حبها.
ظل لدقائق وحرب شعواء كادت أن تقضي عليه، حتى خارت قواه، وصرخ كالمجنون يصفع رأسه بالجدار يهتف بألمًا يشطر قلبه
-ليه. ليه ياجنى تموتني بالشكل دا. قام بدفع كل ماقابله، حتى استمع أوس لصراخه، فهرول سريعا يبحث عنه، دفع باب المرحاض، وقف مصدومًا مما رآه من حالة الفوضى التي انتابت المكان
رفع جاسر رأسه بعدما شعر بوجوده، فدلف لكابينة الاستحمام يستدير بجسده
-اطلع برة عايز اخد شاور، ازاي تدخل عليا كدا اتجننت.
اقترب منه اوس، ينظر لحالته الرثة، فجذب رسغه
-ممكن نتكلم، فيه حد بياخد شاور بهدومه، تعالى عايز اتكلم معاك
نفض كفيه وارتفعت أنفاسه
-قولتلك برة، عايز اخد شاور
هز رأسه يلوح بيده
-تمام اهدى، هخرج. قالها أوس وتحرك للخارج.
وصل جاسر بعد قليل إلى المشفى. طرق على غرفة والده ثم دلف للداخل. وجد والدته تساعده بالتسطح فوق فراشه. تحرك إليه كغصن مكسور يتمايل مع الريح. نظرات متألمة لوالده على ماتوصل إليه. اقترب منحنيا يطبع قبلة فوق جبينه
-باشا مصر منور الدنيا دايمًا ياحبيبي. ربت على كفيه ثم اتجه ببصره لغزل: -غزل سبيني مع جاسر شوية. جذبت المقعد وجلست تهز رأسها
-انسى ياجواد، مش هتحرك من مكاني حتى لو عملت ايه.
-غززززل. قالها جواد بصوت متقطع حتى شحب لونه. نهضت تنحني بجسدها امامه
-مش هتحرك من هنا ياجواد، وياريت ماتتعبش نفسك معايا، انا مش هسيبك ولا لحظة، ثم رفعت نظرها لابنها
-ومتنساش أن دا ابني يعني من حقي اعرف عايز تقوله ايه
أطبق على جفنيه متنهدا من عنادها، أشار لجاسر بالجلوس. ابتسم جاسر على والدته
-لأ مسيطرة يازوزو. رمقته بنظرة غاضبة.
-اسكت يالا ابوك بيتحول بسرعة. ابتسامة تجلت على ملامح جواد. طالعها بنظراته العاشقة مبتسمًا ثم أردف: -تعرفي يازوزو انا خايف من الموت علشان هيحرمني منك، دا بس اللي مخوفني مش أي حاجة تانية، معرفش ازاي ممكن جواد وغزل يفترقوا. رفع كفيه المغروز بالإبر ومسح على وجهه يستغفر ربه.
اما هي فكانت عيناها عليه، لحظة توقف بها الزمن مع جميع حواسها حتى عجز لسانها عن الحديث، وتحجرت عيناها بعبراتها. ارتجف جسدها عندما سحب كفيها
-حبيبتي مالك. طالعته بعينين هالكتين من الوجع الذي تسلل لجسدها
-أكيد هتاخدني معاك ياجواد، مفيش حبيب بيسيب حبيبه يتعذب من بعده
رفعت كفيها تلمس وجهه وهنا انسابت عبراتها.
-إنت مش هتسبني لوحدي ياجواد مش كدا، اشتهت الموت بكل جوارحها بتلك اللحظة قائلة: -أنا عايشة وبتنفس علشان انت عايش وبتتتفس ياجواد، تفتكر غزالتك هتعرف يعني ايه الحياة من غير جوادها
أشار بيديه. فألقت نفسها بأحضانه هنا خارت قواها، لما لا. هنا قلعتها الحصينة التي تحميها وتلقي همومها، هنا عشقها وحياتها، . مسد على رأسها
-جواد مايعرفش حياة من غير غزالته.
ابتعد جاسر بنظراته بعدما فقد السيطرة على عبراته، حتى توقف متجها إلى النافذة ينظر للخارج وترك لعيناه العنان يتذكر مهلكة روحه، تمنى لو كان بينه وبينها جسرا لحطمه ليصل إليها ليعلمها كيف يكون العشق، ولكن كيف وهو الذي لا يعلم إلى اين تركته بعدما ذبحته بسكينا بارد
استمع لصوت والده. استدار برأسه ورسم ابتسامة
-محبتش اكون عزول ياحضرة اللوا مع غزالتك. شايفك شوية وهتطردني ياابو الجود. خايف على صحتك ياحج.
أشار بيديه
-تعالى يالا وبطل كلام. واللي غيران مننا يعمل زينا مش كدا يازوزو
استدار يضع كفيه بجيب بنطاله متجها إليه.
-يعني عايزني اعمل زيك، ابتسامة ساخرة على ملامحه
-قولتلك زمان ياباشا، مفيش غير جواد الألفي واحد، وبرضو مفيش غزل جواد الألفي واحد، يمكن حاولت أقلدك، أو يمكن اتوهمت بقصة الحب الاسطوري، اويمكن فكرتها غير أي حد.
أشار له بالجلوس وذراعه يحاوط غزل التي جلست بجواره على الفراش تضع رأسها بأحضانه.
- مايمكن هي قالت زيك كدا، ايه اللي حصل بينك وبين مراتك وصلكوا لكدا ياجاسر، قبل ماتتكلم عايز أكدلك حاجة مهمة ياريت تاخد بالك منها في كل خطوة
-جنى محبتش غيرك، واول واحد قلبها دقله انت ياحمار، ويوم ماتعمل كدا اعرف انك وصلتها للجنون يابن جواد، البنت فعلا حبتك اوي يالا. ولو منها استخسر الحب دا فيك
تراجع بجسده للخلف وظلت نظراته الصامتة على والده، أكملت غزل.
-اوعى الكلمتين اللي قولتهم لعمك ياحبيبي يأثروا عليك، مراتك مفيش احسن منها، واكيد انت مش مستني اقولك ايه عن تربية بنت عمك. دي متربية جوا حضن ابوك ياعبيط، انا قولت لصهيب كدا علشان عارفة انك غلطان ياجاسر، لما البنت توصل لكدا اعرف انك عملت اللي يقهرها
-جاسر.! أردف بها جواد، رفع نظره لوالده بكتفين متهدلين وعينين تنتفض من الألم والحزن.
-بابا انا معملتش حاجة، من يوم ما خرجت وقابلت فيروز وهي العلاقة بينا متوترة، حاولت تقتل ولادي
شهقة خرجت من فم غزل تضع كفيها على فمها
-إنت بتقول ايه، جنى مستحيل!
ابتلع غصته قائلا بتنهيدة عميقة مملوءة بالألم كأنها اشواك تخربش جوفه: -أنا ليه بيحصل معايا كدا. هي مفكرة اني خاين وكذاب، بس أنا مش كدا.
- بس أفعالك كدا ياجاسر. قالها جواد ونظراته متعلقًة به. اقنعني ايه اللي خلاك تروح طليقتك وتقابلها في بيتك، جاسر انت ايه علاقتك بيها يابني، فهمني عايز ايه من فيروز يابني، وليه مش بتبعدها من حياتك للابد، ولا يكونش حنتلها يابن جواد، وقتها صدقني انسى انك ابني. تنهد جاسر ناظرا لوالده.
-اتصلت بيا يابابا، انا معرفش نواياها ايه، راحت عندي البيت ودخلت على أساس أنها مهندسة ديكور، يعني كان ممكن تعمل اي حاجة، خفت تيجي على بيتك وتتواجه بعمو صهيب وعز غير جنى، خفت على جنى، قولت هشوفها عايزة ايه، هي قالتلي انها هتسافر، فقولت جنى مش هتعرف حاجة، لكن طبعا ليس الأماني بالتمني ياحضرة اللوا.
-ليه قعدت معاها الوقت دا كله ياجاسر
هز رأسه مجيبا.
-بابا أنا مكنتش مع فيروز الوقت دا، انا كنت مع راكان جه بعدي بدقايق وقعدنا شوية كان محتاج حاجة في قضية ابن الشربيني، ودرسنا القضية مع بعض ومشينا، غير أن الولد اللي حاول يهجم على جنى لقيوه مقتول، كان عايز يتأكد مني.
-وبعدين ايه اللي حصل؟ تسائل بها جواد، ثم استأنف
-ليه لما رحت المزرعة جنى قالت سوء تفاهم. أطبق على جفنيه يتذكر تلك الأيام
فلاش
ولج بيجاد ملقيا السلام.
-السلام عليكم. ياترى حمايا العزيز عامل ايه، شايفه بقى كويس على المستشفى
ابتسمت غزل تحتضن كفيه وعيناها عليه
-لأ عمك عايز يعرف بنحبه اد ايه. رمق بيجاد جاسر الذي ظهرت على ملامحه الحزن فتسائل
-جاسر ممكن نتكلم شوية. رفع جواد نظره لبيجاد وطالعه بهدوء، ثم تسائل
-سر يعني يابيجاد، أبوه مايعرفوش
نهض جاسر، يجمع أشيائه
-عندي شغل. بعد اذنكم. تحرك للخارج بعدما انحنى يطبع قبلة على جبين والده
توقف بيجاد أمامه.
-عايزك في موضوع مهم
ربت على ظهره وتحرك قائلا
-بعدين يابيجاد. قالها متجها لسيارته
طالعه جواد بغموض
-شد كرسي وتعالى جنبي هنا يامنحرف
قالها جواد ونظراته متعلقة برود أفعاله
-اقعد يلا. وهات اخرك. حمحم بيجاد
-بقولك ياحمايا، هو انت تعبان ولا بتمثل علينا، نهض من مكانه يضع الماسك على وجهه قائلا
-نام ياحمايا، علشان ترجعلنا بسرعة اصلك وحشني
بالخارج توقف جاسر أمام
راكان لزيارة والده.
-ازاي حضرة اللوا يكون تعبان وماتقولش يابني...
-معلش دماغي كانت مشغولة، ادخل جوا بيجاد. امسكه راكان من ذراعيه
-مالك يابني. هز رأسه وتحرك
-مفيش تعب بابا مأثر علينا كلنا
قالها وتحرك من أمامه سريعا. ولج راكان للداخل بعد طرقه
-ألف سلامة على حضرتك، لسة عارف والله من الدكتور يونس
ابتسم جواد يطالع غزل التي توقفت
-اهلا ياحضرة المستشار مفيش لزوم لتعبك دا. قالتها وهي تتناول منه بعض الزهور
جلس راكان بعد سلامه لبيجاد.
-ألف سلامة لحضرتك، عرفت أن حضرتك هتخضع لعملية صحيح دا ولا إيه، هز رأسه بالنفي
-مبقاش في العمر اد ماعدى ياراكان
-ايه اللي بتقوله دا ياعمو، بكرة تخف وتنخانق زي زمان متخافش.
-خلي عندك أمل في ربنا، إن شاءالله شدة وتزول، طالع جواد بيجاد
-بيجاد محدش يعرف بموضوع العملية، حتى غزل، فهمني طبعا
استدار برأسه بعيدا عندما تجمعت الدموع بعيناه، لم يعتقد أن صحته تسوء لتلك الدرجة. استدار راكان بنظراته لبيجاد.
-عامل ايه يابيجاد، من وقت ماكلمتني ماسمعتش صوتك. ياترى الست رجعت لجوزها في تلك الأثناء كان جواد أغمض عيناه عندما شعر بألمًا بشقه الأيسر. ولكنه فتح عيناه متسائلا
-هو إيه الموضوع
بتركيا
تغفو على الأريكة بعد خروج العاملة لزيارة والدتها بإحدى المستشفيات، استمعت لطرقات على باب منزلها، اعتدلت جالسة تهذي بكلمات
-مين هيجي دلوقتي ممكن نورة نسيت المفتاح؟
أغمضت عيناها بوهن فقوتها اليوم ضعيف متلاشية بل أصبحت منعدمة بعد سوء حالتها
ثُقلت رأسها فوضعتها مرة أخرى على الوسادة، ولكن عاد الطرق مرة أخرى
نهضت متحاملة على نفسها تتحرك بخطوات واهنة إلى أن وصلت لدى الباب، وضعت رأسها على الجدار تأخذ أنفاسها التي أصبحت منعدمة
فتحت الباب بوهن. رفعت نظراتها لذاك الذي يقف لدى الباب بنظراته الشمسية لم ترى ملامحه واضحة، لكن رائحته ملئت المكان حتى وصلت لرئتيها، فهمست بضعف.
جاسر! خلع نظارته
اذيك يامدام جنى. تقابلت نظراتهما للحظات حتى أصبحت الأرض تدور بها وغمامة سوداء تحيطها
دنى منها ورغم اشياقه الكامن بجنبات قلبه إلا أنه همس لها
مرحب مدام جنى المحترمة
هنا تلاشت الرؤية تماما وهوت بين ذراعيه فاقدة للوعي
تلاقها يضمها بقوة لأحضانه وفرت دمعة غادرة رغما عنه من حالتها وضعفها البين عليها.
حملها كطفل رضيع ووضعها بهدوء على الأريكة يجثو على ركبتيه أمامها ثم انحنى يشبع روحه الضائعة منذ خروجها من حياته، شهرين بين الحياة والموت، شهرين فاقد لروحه ونبضه، الان فقط أعاد روحه الغائبة، آلان فقط نبض قلبه وعادت من غيبات الجب
وضع رأسه بصدرها وآهة عميقة من ثنايا روحه.
-ليه تموتينا كدا، قوليلي أعمل ايه، عقلي بيقولي ارميكي واعاقبك بأصفاد وقلبي بيقولي خدها في حضنك وداوي جرحها. مسد على خصلاتها مرر أنامله على ملامحها الشاحبة
-مش قادر، والله ماقادر اعمل فيكي حاجة رغم اللي عملتيه، مش عايز غير اضمك وبس تمدد بجوارها دون تفكير.
يضع رأسه بالقرب من أنفاسها، وكفيها يتحرك بحرية على جسدها كأنه خريطة حياته يراجعها، وصل لعنقها المرمري وتلك القلادة التي بها صورتهما، ابتسم ساخرا على جنان طفلته.
أخذت أنامله ترسمها كأنه نحاط أجاد فن النحت. تسابقت أنفاسه حتى وصل لتلك الجمرتين من نيران العشق لقلبه كما وصفها، لم يفكر قليلا، فألقى العقل ودنى يحتضن شفتيها دون وعي كالمخمور الذي به حاله من السكر، وكيف لا يشعر بشفتيها وهي التي تسكب له عشقها، ويروي بها عطش روحه. تسارعت أنفاسه مع دقات قلبه عندما فقد سيطرته ورغبته بها، فهب من مكانه كالملسوع، اخيرا فاق العقل على القلب يصفعه. بحث بعينيه بارجاء المنزل، ذهبت عيناه للدرج، صعد للأعلى حتى وصل لغرفتها، قابلته رائحته التي تعبأ الغرفة وتلك الكنزة له توضع على الفراش. كور قبضته بعنف لا يعلم ماذا عليه فعله.
اتجه للمرآة وجلب قنينة عطرها ثم تحرك للأسفل، دقائق يحاول إيقاظها حتى رفرفت بأهدابها، همست باسمه وهي تراه كالحلم يرفعها ب ذراعه
ولكنها لم تفق كاملا، استمع لفتح باب المنزل ولجت الخادمة مع الطبيبة
-اتفضلي يادكتورة قالتها الخادمة. تسمرت الخادمة من وجوده، فاقتربت متسائلة
-حضرتك حضرة الظابط جاسر
ضيق عيناه متسائلاً: -إنتِ مين. أشارت لجنى الغافية على الأريكة
-أنا جليسة مدام جنى، اتجه بنظره متسائلا عن الطبيبة.
أشارت للطبيبة بالتقدم
-دي دكتورة حياة متابعة مع مدام جنى. أشار إليها بالتوقف
-عرفتها ازاي؟
أجابته سريعا بعدما وجدت بملامحه الشك
-دي من مشفى المنشاوي بتركيا لا تقلق سيدي
اومأ لها فحمل جنى متجها للأعلى ثم تحدث
-خمس دقايق وهاتيها، وصل لغرفتها يضعها على فراشها بهدوء كأنها قطعة أثرية نادرة، ثم طبع قبلة على جبينها.
-فوقي بس وشوفي هعمل فيكي ايه مهلكتي. اتجه لأسدالها وألبسها إياه بعدما وجد تلك المنامة التي تصل لركبتيها وبدأ يتحدث بغضب
-لأ وبتفتح الباب بقميص نوم، ماشي يازفتة جنى، والله ماهرحمك
أنهى عمله وألقى عليها ذاك الدثار الخفيف منتظر الطبيبة التي صعدت وقامت بالكشف عليها
-انها ضعيفة ولم تهتم بغذائها، للأسف سيدي، سيدة جنى بتنتحر.
دقات عنيفة كادت تصيبه بمرحلة جنون طاغية عندما استمع لحديث الطبيبة، فتسائل بأنفاسًا محرقة
-الحمل السبب في حالتها دي، ولا في حاجات تانية
أعطته تلك الورقة التي تدون بها بعض العقاقير واجابته بعملية.
-منذ استلمت حالتها من كابتن بيجاد وانا أخبرته أنها لا تهتم بنفسها، أنها حامل بتوم، والوضع هنا يكاد يكون صعبا عن الفردي، ارجو الاهتمام بمزاجيتها، واريد متابعة الأجنة على الايكو كي نطمئن إنها بشهرها الخامس ببدايته.
إبتسامة لاحت على وجهه فاقترب يمسد على خصلاتها بحنان
-لأ إحنا هننزل مصر دلوقتي وتكمل هناك
اومأت بعملية وتحدثت قائلة: -هي هتفوق بعد نص ساعة، المحلول دا فيه مغذي
حضرتك مصرية
هزت رأسها بإبتسامة.
-نعم بالتأكيد. بعد إذنك. نظر للخادمة
-وصلي الدكتورة. تحركت الطبيبة للخارج، بينما هو جذب مقعدًا وجلس بجوارها. بحث بعينيه بأرجاء الغرفة، تلك الغرفة التي كانت مأمنها بعيدًا عن أحضانه. وجد دفترًا مزينًا بجانب لوحة من رسومتها، نهض متجهًا إليها، فتح اللوحة أولا
ابتسم ثغره وهو يجدها ترسم نفسها بشكلها الجديد وبطنها المنتفخة قليلًا.
حرك أنامله على صورتها إلى أن وصل لأحشائها، فاستدار ينظر إلى نومها، وتحرك متراجعا، يجلس بجوارها على الفراش، وعيناه تتفحص بطنها ولكن ليس كما رآها بتلك اللوحة
جثى أمام الفراش، ووضع كفيه الذي ارتجف على بطنها يحركها بهدوء واضعًا رأسه بالقرب يهمس لأطفاله كأنهم يستمعوا إليه.
-عاملين إيه حبايبي، شوفتوا مامي عملت ايه، لازم تتعاقب علشان بعدتكم عني. قالها بعيون لامعة بطبقة كرستالية. نهض ممسكا ذاك الدفتر الذي بيديه وجلس يفتح وريقاته.
بسم الله على قلبي المحطم، وبسم الله على ملهمي الذي مازالت رائحته تفوح بداخلي
بعد السلام والتحيه عليكما
وبعد أن تبخرت أشواقي لتلك الأحضان التي اشتهيها، واعتدت روحي
التي تفوح بها رائحه الالم
اجل علمت انها من مهلك روحي
أ فلا أحد غيره معذبي ومهلكي
استيقظت ذات صباحًا بعد أن لافحت الشمس وجههي لتخبرني كيف لكِ أن تغفو عيناكي وخليلُ قلبك يبعد المسافاتِ.
فتحت عيناي التي انطفأ بريق العشق بها تبحث عنك بين الأركانِ.
حبيبي الذي ضاقت بي الدنيا بعده
كيف لي ان اصف لك أشواقي وعذابي
كيف لي ان اصف ذاك النبض الذي اختبأ بين اضلعي يؤلمني من فراقك
أجل مهلكي انا الذي حفرت الألم بداخلي، انا الذي ضعت بين دموعي وآهاتي
من ذا يبلّغك بأنّي مُتعبُة؟
والشوقُ في جنباتِ قلبي يلعبُ
من ذا يُبلغك بكُلِّ بساطةٍ
أنِّي بدون وجودك أتعذّبُ.
جاسري وحنين أشواقي مني اليك روحي تتعذب، ألم يدلك قلبك أنني متلهفة لرؤياك
ألم يدلك قلبك عاشقي بل مهلكي أن روحي لقُربَك تتعطش
نعم في غيابك تقتلني اللهفه
حتى تأتيني بالأحلامَ متلهفا
تداعب وجهى بمعطف الدفئ
تملأ شوقي ببسمة ثغرك المترنم وبصوتك وهمسك اتنعم بقربك
فلقد أدمنتك وكفى وأحن إلى لقائك كل صباح ومساء
وتبكي مقلتاي
إن حل الغروب
وما واللهِ دمعي باختياري
ولكن العيون لها نحيب
أكاد أجن مما يعتريني.
فعيشي دون نبضك لا يطيب
ولي روح تكاد تذوب وجدا
ومن لفراق عينك لا يذوب
فان تكون غائبا عني زمانا
فإنك عن خيالي لا تغيب
أحبك ثم احبك مهلكي بل جاسري وحبيب عمري ومالقلبي إخياري سوى هواك المعذب
أهلاً بداءٍ أنتِ منه دوائي!
قلب بتلك الصفحات التي تغزوها دموعها وبأنامل مرتعشة تحسس كلماتها التي سطرتها بدموع عيناها
رفع نظره إليها.
وآآهة حارقة خرجت من قلب عاشق يتعذب بكلماتها، يكفي لكِ مهلكتي عذابي وعذابك، علينا تصحيح درب الحياة حتى لو رسمناها بآلام
داعب وجنتيها بأنامله وتحدث: -ليه العذاب دا كله، ليه توجعيني وتوجعي نفسك. هونت عليكي تبعدي كدا، لدرجادي مش واثقة في حبي
دنى يهمس بجوار كرزيتها.
-وجعتيني أوي أوي فوق ماعقلك يصورلك، على أد عذابك اللي شوفته دلوقتي مايجيش نقطة في بحر من وجعي ياجنجونة، نفسي اعاقبك اوي بس قلبي مش متحمل اشوف وجعك، بس لازم ادوس عليه زي ماانتِ دوستي ووجعتيني أنتِ مش بس وجعتيني إنتِ دبحتيني
بس ملحوقة يابنت عمي، اهلا بيكي في عشق جاسر الصامت. استعدي مابقاش فارق معايا حاجة والفضل يرجع لك يامدام جنى. حكمت واصدرتي حكمك وانتظري مني العقوبة.
↚
قبل السفر لتركيا بيومين
عند عاليا بعد خروج ياسين
نهضت من مكانها تتجول بنظراتها على الشقة التي ألقاها بها وغادر. أخذت نفسًا طويلًا وخطت تبحث بعيناها بأركانه. وجدت صورة لشابًا يبلغ من العمر مابين الثامن والعشرون للثلاثون ربيعا، يوجد بينهما كثيرا من التشابه، سوى لون عينيهما.
تحركت بتلك الردهة الطويلة، وهي تحمل فستانها بين كفيها، حتى وصلت لغرفة، ولجت إليها تبحث عن أي شيئا ترتديه، فتحت خزانة كبيرة الحجم تعد غرفة، وأخرجت منها قميصًا رجالي، ثم اتجهت للمرحاض وقامت بنزع فستانها. انسابت عبراتها تتدفق بقوة عبر وجنتيها حتى اهتز جسدها، فهوت على الأرضية تبكي بشهقات مرتفعة تنظر حولها بذهول. أهذه ليلتها التي حلمت بها، نهضت متجهة للخارج تبحث عن غرفة تغفو بها أمسكت إطار الصورة ودققت النظر بها.
-ظابط إنت كمان، شكلك اخو الحلوف. جلست والصورة بيديها تطالعها بتدقيق حتى
غفت بمكانها، لم تشعر بكم الوقت الذي مر عليها
عند ياسين
ترجل من سيارته مهرولا للداخل يبحث بنظراته بينهما حتى وصل لأوس الذي يضع رأسه بين راحتيه: -ايه اللي حصل لبابا. ربت أوس على كتفه عندما وجد خوفه بملامحه
-بابا كويس حبيبي، هو دلوقتي في العناية علشان نطمن عليه
اتجه ببصره لصهيب الذي يجلس بركنًا منعزل بجوار عز.
انكمشت ملامحه بألمًا وهو يطالعه متسائلا
-عمك ماله، قاعد كدا ليه
جلس اوس يجذبه من كفيه
-اقعد وأنا احكيلك، بس إنت كنت فين بقالك شهرين مختفي، انت مش خلصت الكلية يابني والمفروض بتستلم
تنهد بألمًا واضعًا رأسه بين كفيه
-كان فيه تدريبات وتوزيعات، ولسة راجع بقالي يومين
قطب جبينه متسائلا:
-يومين ياياسين اومال كنت فين؟
أجابه بصوت مختنق: -بعدين، المهم نطمن على بابا دلوقتي. خرج جاسر من غرفة العناية، هب عز متجهًا إليه
-ايه الاخبار. اتجه ببصره لعمه
-بابا كويس، اتكلم معايا شوية
استدار بنظره لعمه الذي يضع رأسه بين راحتيه وحزن العالم يحبس أنفاسه، واتجه لعز قائلاً:
-باباك بقاله فترة هنا، خليه يروح يرتاح
-ايه اللي بتقوله دا، عايز بابا يسيب عمو ويمشي. بتر حديثهم
خروج غزل تطالعهم بصمت أشارت إليهم.
-كله يمشي محدش هيفضل معاه غيري أنا وعمكم، هو بقى كويس الحمدلله، واتكلم مع جاسر كمان. ثم اقتربت من جاسر
-روح على شغلك. اقترب ياسين متسائلا: -حضرتك مش مخبية حاجة ياماما، بابا كويس، ممكن أعرف ايه اللي حصل وصل بابا لكدا
احتضنت وجهه
-حبيبي باباك بقى كويس الحمد لله، ثم اتجهت بنظرها لعز
-ادخل خد روبي من جوا، متنساش أنها حامل، وخليك معاها الليلة. سحبته من ذراعيه وابتعدت عن الجميع.
-رجع مراتك والكلام هيكون بينا، وإياك ياعز تتمادى تاني، الطلاق مش لعبة يابن صهيب
-جنى فين ياطنط غزل. قالها بقلبًا يئن ألمًا
-اختي حامل، غير أنها تعبانة ومعرفش عنها حاجة. احتضن كفيها.
-انا بقالي أكتر من شهر مسبتش مكان إلا لما دورت فيه ياطنط غزل، مش عايز اتخانق مع جاسر، اكيد هو عمل حاجة كبيرة، انتي مقتنعة باللي قولتيه ياطنط غزل. دي روحها فيه، ازاي تمشي من غير ماحتى تقولي أنا الا إذا الموضوع كبير، بلعت أحزانها تربت على كتفه تضمه وتجمعت الدموع تحت أهدابها
-إن شاءالله حبيبي هنلاقيها، اطمن على عمك واشوف جاسر عمل إيه
تراجع يهز رأسه رافضا كلماتها.
-وأنا عايز اطمن على اختي، خليه يقولي ايه اللي حصل بينهم، متنسيش إن جنى كانت بتتعالج نفسيا من فترة، دي ممكن يحصلها حاجة وهي مش حاسة
قفلت جفونها بوهن شديد ثم تنهدت قائلة: -هعرف واقولك. قالتها وتحركت متجهة إلى صهيب الذي مازال جالسا بمكانه دون ردة فعل، جلست بجواره تنظر أمامها
صمتًا مريبًا لمدة دقائق، حتى قطعت صمتهم
-آسفة ياصهيب، عارفة إنك زعلان على بنتك، اعذرني أنا كمان، إنت اكيد عارف جواد بالنسبالي إيه.
تجاهل صوتها المكتوم ونهض من مكانه
-مش عايز غير حاجة واحدة بس ياغزل، ورقة طلاق بنتي من ابنك، وأنا هعرف اوصلها
أمسكت ذراعيه
-صهيب. أشار بسبباته
-ولا كلمة، مش عايز كلمة واحدة تانية، أنتِ صح، انا بنتي مش متربية، ولازم اربيها، اقترب خطوة وتحدث بنبرة متحشرجة.
-أنا فعلا معرفتش اربيها واخليها ازاي تاخد حقها من اللي يدوس عليها، معرفتش اربيها من وقت ماكبرت واتعلقت بابنك وكأن مفيش غيره قدامها، كذبت عيني وانا بشوفها قدامي بتكبر وحبها بيكبر، ومفيش على لسانها غير جاسر، انحنى ينظر لمقلتيها.
-اللي غلطان انا زي ماقولتي، علشان كنت غبي وبعيد على بنتي ياغزل لحد ما حياتها مابقتش غير في جاسر وعز وربى، ودول اللي بيحركوها زي الماريوت، بس معلش يامرات اخويا، هلاقيها واعيد تربيتها واعرفها ازاي تتهان وتفضل زي ماهي
قالها وتحرك متجهًا للداخل عند جواد.
بالداخل كانت تضع رأسها على كف والدها وتبكي بصمت. شعرت بأحدهما يربت على كتفها
-روبي. نهضت تلقي نفسها بأحضانه تبكي بشهقات.
-بابا ياعز، شوفت بابا مبقاش حاسس بحاجة، ليه ياعز، ليه بابا يحصله كدا
ضمها لأحضانه بقوة ثم طبع قبلة على رأسها
-حبيبتي عمو كويس، مامتك طمنتنا. احتضن وجهها يزيل عبراتها
-بطلي عياط دموعك بتكويني ياحبيبة عز. هنا فاقت مما كانت عليه فتراجعت تزيل عبراتها
-أنا كويسة. وضعت كفيها على أحشائها
-ابنك كمان كويس متخافش، دلف صهيب ينظر لجواد بقلب ينزف دمًا
-سبوني مع أخويا شوية. اقتربت ربى منه.
-عمو صهيب لو سمحت. رمقها بنظرة جانبية
-قولت عايز افضل مع أخويا شوية. اتجه لعز
-خد بنت عمك رجعها البيت، وجهز نفسك هنمشي من حي الألفي
صاعقة نزلت على رأسها تنظر لعز بذهول قائلة بشفتين مرتجفتين
-يعني ايه ياعمو. وصل لجواد يمسد على خصلاته التي غلبها الشيب قائلاً: -مبقاش لينا فيه حاجة يابنت اخويا. فضناها.
سحب عز روبي وتحرك للداخل، كانت تتحرك بجواره بخطوات واهية متعثرة حتى كادت أن تسقط لولا ذراعيه. طوقها يساعدها بالوقوف، رفعت رأسها فتقابلت نظراتهما المعاتبة مع دموعها الصامتة
تراجع بعيدا عندما شعر بضعفه أمامها، عندما تذكر صفعها له عندما خيرته بين رجوعها له وبين رجوع جنى. تذكر مافعله بها
-خدي بالك لتوقعي. قالها وهو يبعد بنظراته عنها. اومأت برأسها وتحركت إلى أن وصلت للسيارة، فأمسكت ذراعه.
-عز أكيد متعرفش مكان جنى مش كدا
تحرك متجها للباب الآخر قائلا
-دا أخوكي يعرفه، مفيش غيره.
بغرفة جواد بالمشفى
جلس بجواره لبعض الوقت حتى فتح جواد عيونه بإرهاق، فتململ وهو يهمس باسم زوجته
-غزل. قالها بصوت متقطع. توقف صهيب متجهًا إليه، دنى منه وهو ينحني بجسده
-عامل إيه دلوقتي؟
ابتلع ريقه. يطبق على جفنيه
-صهيب. ربت صهيب على كتفه
-غزل عندها كام كشف ودلوقتي تيجي، انت حاسس بإيه دلوقتي
-الحمد لله. استدار برأسه محاولا الأعتدال بعدما حاول نزع جهاز تنفسه.
-الحمد لله ياصهيب، قرب اعدلني علشان البتاع اللي في مناخيري دا
-خليك مرتاح زي ماانت، علشان متتعبش، أشار على الأجهزة التي توضع بصدره
-فين غزل تشيل الحاجات دي بختنق
-ايه ياجواد هتعمل زي الأطفال ولا إيه
أراد أن يشاركه الحديث فرفع نظره إليه
-اقعد واسمعني ياصهيب. تحركت أنامله المرتجفة على رأس جواد
-جواد ارتاح وبعدين نتكلم.
-جنى كلمتك الفترة اللي فاتت ياصهيب. تسائل بها جواد
نظر إلى أخيه مذهولا.
-السؤال دا ليا انا وياترى دا شك فيا يااخويا ولا بتحاول تبرر أفعال ابنك
نزع الجهاز من أنفه عندما فقد بإنسحاب الهواء من رئتيه، واعتدل بهدوء. هب صهيب من مكانه
-بتعمل ايه بس. اعتدل جالسا وتعالت أنفاسه يتحدث بتقطع: -ابني مظلمش بنتك يا صهيب وانت اكتر واحد عارف
-جواد ممكن تسكت انت تعبان، لو سمحت بلاش تتكلم
رفع يديه ببطء وتحدث بنبرة حزينة.
-لو مصدق أن جاسر ممكن يأذي جنى تبقى مصيبة ياصهيب، هتنكر أنه بيحب بنتك ومستعد يضحي بنفسه علشانها. فتح صهيب فمه للحديث
فأشار له بالوقوف
-مش عايز ولا كلمة، اسمعني للأخر، يمكن تعرف ليه بنتك عملت كدا.
-جاسر وجنى الاتنين الظروف ظلمتهم، بس متنكرش رغم كدا، بس القدر كان رحيم بيهم وجمعهم، اه ابني غلط عارف، بس بنتك غلطها اكبر ياصهيب، جنى مش وحيدة ولا مقطوعة من شجرة علشان تعمل كدا، لو انت راضي باللي عملته يبقى لازم تراجع نفسك يابن ابويا
نهض صهيب يهز رأسه وهتف
-اه فعلا ياجواد عندك حق، ماانا معرفتش اربيها
-اسكت ياصهيب. قالها جواد بتقطع، وانفاسًا ثقيلة. دنى صهيب منه.
-خلاص ياجواد اسكت دلوقتي مش وقت كلام، قاطعهم دلوف غزل. هرولت إليه بعدما وجدت شحوب وجهه
-ايه اللي حصل. اتجهت للأجهزة تتابعها
-جواد ممكن تنام تاني. استدارت تنظر بعتاب لصهيب. الذي استدار بوجه للجهة الأخرى دون حديث
قبل السفر لتركيا بيومين. وهو اليوم المقرر بخروج جواد من المشفى
عند جاسر.
ترجل من سيارته سريعا متجهًا إلى غرفتها بمنزل عمه صهيب، ولج يبحث بأركان الغرفة عله يجد شيئا. دلف لغرفة الرسم دفع بقدمه كل صورها يمسح على وجهه بعنف
-روحتي فين ليه تعملي فيا كدا. ، شهر ونص معرفتش أوصلك، هوى جالسًا على الأرضية الباردة أنامله على صورتها يضمها بإشتياق كأنها غادرت منذ سنوات
تجول بأنظاره بين تلك اللوحات وصوره المختلفة بين أعظمها، ابتسم بين دموعه.
-غبية ياجنى متعرفيش انا بتنفس حبك يابنت عمي، والله لأحاسبك حساب عسير، اعرفك ازاي توجعي قلبي كدا. هلاقيكي هتروحي فين يعني. قالها وهو يزيح كل ما يقابله توقف يحطم كل ما بالغرفة حتى أصبحت الغرفة أشلاء. وصلت الخادمة على صراخه مذهولة من حالته التي توصل إليها، رفعت هاتفها وقامت بمهاتفة صهيب ولكنه لم يجب، فاتجهت إلى عز الذي كان عائدًا من الخارج
وصل إليه عز.
-جاسر ايه اللي بتعمله دا. اقترب من عز يدقق النظر بمقلتيه
-بقالك يومين مختفي فين، كلمتك صح، وممكن تكون انت اللي مخبيها
-جاسر أنا بحاول اتغاضى عن عمايلك مع اختي لخاطر ابويا وابوك، إنما تستهبل مش هسكتلك.
امسكه من تلابيبه يهزه بغضب ونيران جحيمية تخرج من مقلتيه
-متستعبطش ياعز، جنى متعرفش تتحرك من غيرك، صمت للحظة ثم تحرك متجهًا إلى ربى. ولج الى منزل والده سريعا
-ربى. صاح بها بصخب حتى خرجت من غرفتها بثيابها المنزلية
-جاسر فيه إيه، بابا حصله حاجة
اقترب يجذبها من ذراعيها بعنف
-جنى كلمتك صح. هزت رأسها بالنفي سريعا
-ابدا والله معرفش عنها حاجة. نزع عز ذراع ربى من بين يدي جاسر.
-كفاية بقى يااخي، ومتفكرش هسكت عليك، اقسم بالله اختي لو مظهرتش ياجاسر لأبلغ فيك وأقول انت السبب في اختفائها، أشار بسبباته محذرا إياه
-احمد ربنا لولا تعب عمي كنت ولعت فيك ياجاسر وجنى هوصلها، سمعتني
قالها واستدار يرمق ربى بنظرات متألمة ثم تحرك للخارج
مساء اتجهت غزل لمنزل صهيب
ولجت للداخل تبحث عن نهى، وجدتها تجلس بغرفتها تنظر بشرود أمامها
خطت حتى وصلت إليها.
-نهى! استدارت نهى بعينها تطالعها بصمت. تحركت غزل إلى أن وصلت إليها.
-حبيبتي عاملة ايه؟ حدجتها نهى بهدوء ثم اردفت بهدوء: -من 25 عشرين سنة أول مرة قابلتك فيها وانتي بتعيطي قدام المدرسة علشان جواد زعلك ومكنتيش عايزة ترجعي على البيت، فاكرة اليوم دا. أنا كنت راجعة من شغلي. كنت لسة أول مرة انزل شغل بعد دراستي وراجعة زعلانة علشان أسلوب مديري، أنتِ كنتي في ثانوية عامة وقتها يعني فرق كبير في السن، مش أقل من سبع سنين. وقتها رغم حزني ومكنتش عايزة اتكلم مع حد، لكن شوفت فيكي براءة وحزن في نفس الوقت وجعلي قلبي، يوميها سألتك زعلانة ليه وبتعيطي كدا ليه.
-قولتلي مالكيش دعوة وسبتيني ومشيتي، وبعد مامشيتي متر تقريبا هجم عليكي ابن عمك عاصم كان عايز يخطفك وقتها، انتي جريتي عليا وقولتي احميني لو سمحتي، مكنش فيه غيرنا تقريبا قدام المدرسة. فاكرة ايه اللي حصل ياغزل
انسابت عبرات غزل تومأ برأسها
-يوميها ضربتي عاصم بجذمتك لما حاول يشدني، واصابك بالمطوة بأيدك، وصرختي لما الناس اتجمعت علينا، واتصلتي بجواد من تليفوني لما لقيتني بعيط وبقول اسمه.
ابتسامة حزينة لاحت على وجه نهى.
-ودا كان أول تعارف بينا، وقتها قربتي مني أوي، وانا عوضت حرمان الوحدة فيكي، حبيتك زي اخت ليا، لدرجة اليوم اللي مكنتش اشوفك فيه كنت بحس إن نقصني حاجة كبيرة اوي، صداقتنا قبل جوازي من صهيب فضلت 5سنين، ياغزل، وبعد الجواز لحد دلوقتي عمرك مازعلتيني كنت أختي الصغيرة الحنينة وارتبطنا ببعض لدرجة الكل كان مفكرنا من نفس العمر أو القرابة، لحد ماجه موضوع جاسر وجنى وهنا بدأت حياتنا تفرقنا بسبب ولادنا، لأول مرة من وقت مااتجوزت اشوف وجع صهيب منك، لأول مرة أحس إنك واحدة غير صاحبتي اللي بقالنا اكتر من 35سنة صداقة بينا، ليه ياغزل، ليه دا كله، لو اعرف علاقتنا هتبقى كدا كنت مستحيل اوافق صهيب على جواز جنى من جاسر.
قالتها ببكاء، حتى اقتربت منها تحتضنها
-آسفة يانهى سامحيني غصب عني والله، أنتِ عارفة جواد بالنسبالي ايه، حتى ولاده مابستحملش حد فيهم يزعله
ضربت نهى على صدرها تبكي بنشيج
-قلبي مولع نار على بنتي ياغزل، بنتي معرفش عنها حاجة، طيب انت ِ جواد قدام عيونك حتى لو تعبان بس مطمئنة أنه قدام عيونك، أما أنا بنتي معرفش عنها حاجة. أزالت عبراتها تطالع غزل تستعطفها بنظراتها.
-جاسر لسة معرفش أي اخبار عن جنى ياغزل. طمنيني ياغزل، بالله عليكي هزت رأسها بالنفي
-بيسأل في كل مكان، نفسي اعرف ليه يانهى جنى تعمل فينا كدا
تراجعت بجسدها تضع رأسها على ظهر المقعد تبكي
-ياترى يابنتي إنتِ فين، ياترى عايشة ولا ميتة. تدفقت عبراتها عبر وجنتيها كالشلال. تهمس بخفوت
-عايزة بنتي، هاتيلي بنتي ياغزل، شوفلي بنتي عايشة ولا ميتة
ضمتها غزل تربت على ظهرها.
-نهى ممكن تهدي، والله كلهم بيدوروا عليها، حتى جواد لما فاق عمل اتصالته وان شاءالله هيوصلولها قريب
اعتدلت ترفع كفيها
-ازاي ياغزل دي بقالها شهر ونص، دا اخوها مسبش مكان الا لما سأل عليها. ، وصل صهيب من الخرج، . فاتجهت إليه سريعا
-ايه ياصهيب مفيش جديد بردوا
هوى على المقعد يهز رأسه بالنفي
بكت بشهقات مرتفعة
-لأ اكيد حصلها حاجة، دا حتى مااتصلتش بعز، لازم جاسر يقول ايه اللي حصل خلاها تعمل كدا ياغزل.
ابنك اكيد عمل حاجة، ربتت على كتفها
-طيب ممكن تهدي، والله جواد قالي هيتصرف وخلال يومين أن شاءالله هيلاقيها، بس يسترد صحته الاول يانهى، جواد تعبان ومش حمل زعل، اعذريني لو سمحتي
وضعت رأسها على المقعد تنظر من الشرفة تبكي
-ومفيش غير جواد اللي هيجبلي بنتي عارفة ومتأكدة من دا، مش كدا ياصهيب
كانت نظراتها على صهيب الصامت. عيناه التي أصبحت خاوية من الحياة. نهضت من مكانها وجلست بجواره.
-عامل إيه يا صهيب. رفع نظره بنظرات تائهة معذبة
-الحمد لله، جواد عامل إيه وهيرجع إمتى البيت. اقتربت منه وطالعته متألمة
-لسة زعلان مني. نهض من مكانه بجسدًا منهك، يكاد أن ينصب عوده وتحرك كالطفل الذي يتعلم السير، وتحدث: -نهى هطلع ارتاح، ولما عز يرجع خليه يطلعلي. نهضت سريعا متجهة إليه
-صهيب إنت تعبان. هز رأسه بالنفي وتحرك مرددا
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
كانت نظراتها عليه. انشق صدرها لحالته، وشعرت بتأنيب الضمير بسبب ما قالته له. ربتت نهى على كتفها
-متزعليش منه، استدارت إليها وطأطأت رأسها بندم
-أنا اللي آسفة، انا اللي آسفة يانهى. قالتها وحملت حقيبتها متجهة للخارج دون حديث
بالأعلى ولج لغرفة ابنته، وزع نظراته على الغرفة بأكملها، وانسابت عبراته بقوة. تحرك إلى أن وصل فراشها. هوى عليه يتلمسه.
-ابوكي هان عليكي ياجنى، لدرجة دي يابنتي. ليه يابنتي تكسريني كدا. ليه توجعي ابوكي ياجنى، والله يابنتي لو كنت شكيت فيه ماكنت رميتك له. ولجت نهى إليه انتابها الخوف والألم معا. جلست بجواره، وضعت رأسها على كتفه تحتضن كفيه
-صهيب هنعمل ايه، عز وجاسر مش عارفين يوصلولها، اعتدلت تنظر إليه
-تفتكر ممكن تكون راحت فين. مسح دموعها ثم رفع كفيها وقبلها.
-أنا آسف يا نهى معرفتش احافظ على بنتنا، بس والله كنت عايز أسعدها مع الشخص اللي حبته، قالها مع تدفق دمعاته
احتضنت وجهه وبكت على بكائه
-حبيبي جنى كويسة، انا قلبي بيقولي كويسة ياصهيب، بنتي كويسة، اوعى تزعل نفسك. استمع الى رنين هاتفه، فالتقطه
-أيوة. قالها بصوت خافت
-بابا. قالتها ببكاء
هب واقفا وانعقد لسانه عن الحديث لفترة. حاول اخراج الكلمات ولكنها خرجت بتقطع
-ج. ن. ى. صرخت نهى تجذب الهاتف من صهيب.
-كدا ياجنى، أمك وأبوكي هانوا عليكي ياجنى.
-ماما وحشتيني.
-والله ياجنى، لسة فاكر عليكي، إن ليك أهل، أنتِ فين يابت
-ماما عاملين ايه؟ وجا. سر. جاسر عامل ايه
أشار صهيب إليها أن تعطيه الهاتف
-انتِ فين يابنت صهيب، وايه اللي حصل خلاكي تقلي بأبوكي كدا، دي تربيتي فيكي ياجنى
بكت بصوت مرتفع.
-آسفة يابابا سامحني، عارفة إنك زعلان مني، بس والله ماقدرت اتحمل يابابا، انا بطمنك انا كويسة جدا، وكمان ولادي كويسين، حبيت اطمنكم، سامحني ياحبيبي، وخلي عمو جواد يسامحني
-لو مرجعتيش ياجنى يبقى انسي أن ليكي أهل
-بابا. صاح بصوتًا غاضب حتى شعر بألمًا بصدره
-اسمعيني يابنت صهيب لو مرجعتيش انسي أن ليكي اب، ابوكي وأخواتك موجودين علشان تهربي، انا بنتي تهرب من جوزها واتعاير بيها.
-بابا. قولت بكرة تكوني عندي، هنا خلص بينا الكلام. ووقت ماتوصلي اعتبري هتكون ورقة طلاقك من ابن عمك في ايدك ودا اخر كلام
هوت جالسة على الفراش تنظر حولها بصدمة بعدما أغلق والدها الهاتف.
بعد فترة
استمعت لرنين هاتفها
-غنى. اجابتها غنى سريعا.
-جنى لازم ترجعي مصر. بابا محجوز في المستشفى من وقت مامشيتي وعمو صهيب متخانق مع جاسر، انا خايفة من بابا وعمو وجاسر، بجد معرفش أن الدنيا هتولع كدا، من فضلك ارجعي في أقرب وقت. انا سبتك وقت كافي اهو، كويس بقى ارجعي
-آسفة ياغنى مش هقدر دلوقتي
-جنى. جاسر بيدور عليكي زي المجنون، وعز كمان، تعرفي بيجاد كان هيقوله، غير بابا اللي وقع من طوله بسببك، ولسة لما يعرف اني ساعدتك
وضعت كفيها على أحشائها وهتفت.
-أنا هكلم عمو، عرفت من يعقوب أنه تعب وبقى كويس كمان، انا خلاص رسمت حياتي ياغنى، هم هيزعلوا شوية بس بكرة هيتأقلموا على كدا
صاحت غنى تجذب خصلاتها للخلف بغضب
-جنى انسي لو جاسر عرف مكانك هتفضلي عندك، مشفتهوش دلوقتي، صدقيني دا اتجنن ومش على لسانه غير انك غدرتي بيه، ولولا تعب بابا كان زمانه وصلك
ارتجف جسدها، تتصارع مشاعرها بالأشتياق إليه: - هو كويس ياغنى، صحته كويسة. سالت عبرة عبر وجنة غنى مردفة.
-صعبان عليا اوي ياجنى، تعرفي انا بهرب من وجوده، يعتبر ماتقبلاناش غير مرتين بس، هو معظم الوقت في المستشفى.
سحبت نفسًا مردفة
-معتقدش إن جاسر بيحب فيروز ياجنى، ارجعي واقعدي معاه حبيبتي
-غنى الباب بيخبط هكلمك بعدين، بس عايزة أقولك حاجة قبل مااقفل
-أنا وجاسر حياتنا انتهت، الراجل اللي مرعاش مشاعري ميلزمنيش حتى لو روحي فيه ياغنى، بحبه وبموت فيه بس بتوجع اكتر من حبه. سلام ياغنى
جلست غنى وانهمرت عبراتها.
-ياربي اعمل ايه، دي اتجننت كمان، عايزة تتطلق، ايه اللي أنا عملته دا، أنا لازم اقول لجاسر، أرجعت خصلاتها وتنهدت بحزن تنظر لطفلها. ثم هتفت لنفسها تهز رأسها رافضة
-لا بابا. أيوة بابا لازم يعرف، عارفة هيزعل مني شوية، بس أكيد هيسامحني.
باليوم التالي يوم خروج جواد من المشفى، تجمع الجميع حوله بالمنزل بعد عودة جواد للمنزل
اعدل وضعية والده بجواره أوس
ربت أوس على كفيه
-حبيبي محتاج حاجة، عندي اجتماع دلوقتي مع يعقوب، هحضره وارجعلك
أومأ له جواد بعينيه. فتحرك للخارج
جلس جاسر أمامه على المقعد
-حاسس بإيه دلوقتي. أشار له بالتقرب. فنهض من مكانه يجلس بجواره على فراشه
-أنا هوصل لمراتك، بس إياك تقرب منها ياجاسر من غير ما اتكلم معاها.
ربت جاسر على يده
-ماتشغلش بالك يابابا بجنى، أنا هعرف أوصلها واجبها، بس موضوع متقربش منها دي موعدكش، سبني كعادتك اخد قراري معها
-جاسر. قالها بصوت متألم
نهض من مكانه
-أنا عندي شغل حبيبي، بعدين نتكلم
-طيب لو طلبت منك الطلاق
توقف جاسر لدى الباب بجسدًا متصلب، طالعه جواد ينتظر إجابته
استدار لوالده
-وقتها هطلقها، بس مش قبل مااخد حقي منها، قالها وتحرك سريعًا. هرول للأسفل سريعا.
استقل سيارته متجهًا لقسم الشرطة لعمله. ولج للداخل، وحديث والده يصفعه، تذكر حديثها الأخير، فثقلت أنفاسه، توقف يلتقط أنفاسه، الذي شعر بإنسحابها. دفع الباب وجد ياسين بأنتظاره. توقف يطالعه مستفسرًا: -فيه حاجة ولا إيه؟ وبعدين كنت فين احنا رجعنا بابا البيت بقالك فترة بتختفي، على مااظن، شغلك الاسبوع دا. هتستلمه، ماقولتش هتستلمه فين
-العريش. قالها مختصرا. ثم سحب نفسا وتحدث:.
-فيه موضوع كبير لازم تعرفه، كان المفروض تعرفه من فترة، بس طبعا تعب بابا ووهروب جن. توقف عن الحديث عندما تغيرت ملامح جاسر.
أشار له
-قول وبطل تحط مبررات، الحكاية مش ناقصة. سحب ياسين نفسًا ثم زفره بهدوء واتجه بأنظاره مبتلعًا ريقه يطالعه بصمت:
جذب مقعدٍ مكتبه ينتظر حديثه: -مالك يلا! قالها وهو يشعل سيجاره
جذب سيجاره وألقاه يدعسه بعدما شعر بغضبه من أفعاله. نزل بجسده أمامه.
-جاسر هتفضل لحد إمتى عامل أهبل وعبيط، عارف إنك اخويا الكبير، بس اغلاطك بتوقعنا كلنا، شوفت اللي حصل بين عمك وابوك، دا اول مرة يزعلوا من بعض، اتجننت ياجاسر، متحاولش تقنعني إنك ملاك مع جنى
رفع جاسر قدمه فوق مكتبه
-خلصت كلامك!
ضرب ياسين على مكتبه
-جاسر ابوك كان ممكن يموت، انت فاهم المصيبة اللي حصلت خرج سيجارة أخرى وقام بإشعالها. تعاظم الغضب لدى ياسين، فدفع قدمه من فوق المكتب.
-معرفش اقولك ايه يااخي، خليك عايش دور الأهبل دا، غرز عيناه بمقلتيه
-حافظك اكتر من نفسك ياجاسر، وعارف انك عملت مصيبة لجنى خلاها تهرب منك ومن الدنيا كلها، بس اللي مش قادر افهمه، ازاي قدرت تعمل حاجة كدا وهي حامل، ومعنى أنها تهرب حتى من عز يبقى الموضوع اكبر من توقع اي حد فينا
قاطعهم دخول العسكري
-مدام فيروز برة ياباشا وعايزة تدخلك
نصب ياسين عوده ينظر إليه مذهولا
-فيروز. رددها بصدمة كادت أن تذهب عقله.
أشار جاسر للعسكري
-دخلها وهات قهوتي، بس خليها سادة
مسح ياسين على وجهه بغضب حتى يسيطر على أعصابه. ولجت فيروز بإبتسامتها، ولكن اختفت عندما وجدت ياسين يطالعها بعينين تطلق شرزا
-مساء الخير. نهض جاسر من مكانه يشير إليها
-اقعدي يافيروز. تشربي ايه
-ميرسي ياجاسر، مصدقتش لما طلبتني بقالك كتير يعني مكلمتنيش، استدارت لياسين
-عامل ايه ياسين؟
استدار بوجهه للجهة الأخرى دون الرد، ضيقت مابين جبينها.
-ماله ياسين زعلان مني ولا إيه
استدار إليها قائلًا بصلف: -اولا ياسين مش بيلعب معاكي، اه كنتي مرات اخويا في وقت، لكن حاليا مفيش بينا رابط، ثانيا اسمي حضرة الظابط، اعرفي قدرك يامدام. قالها ثم نهض من مكانه وهو يجمع أشيائه يطالع أخيه بإستياء
-أنا ماشي، بعدين نكمل كلامنا
-استني. قالها جاسر بهدوء، بدلوف العسكري وهو يحمل قدحين من القهوة، وضعها على المكتب متسائلا
-تؤمر بحاجة ياباشا
أشار على فيروز.
-هات ليمونادا لمدام فيروز. اومأ العسكري وخرج
تحرك ياسين. فتوقف عندما صاح جاسر
-استني علشان فيه مشوار هنروحه مع بعض. تأفف بضجر هستناك برة، متتأخرش عندي سفر بالليل، خرج ياسين ونظرات جاسر عليه، ثم اتجه جاسر لفيروز، ابتسمت ولمعت عيناها مردفة
-من وقت ماسبتني في المستشفى ماسمعتش صوتك، وكمان مابتردتش على تليفوناتي ليه، سألت عليك حضرة المستشار قالي معرفش.
ظل يطالعها بصمت، ثم سحب نفسا وزفره ببطئ، متنهدًا، حمحم قائلًا
-تعرفي أنا كنت رافض أدخل الشرطة في الأول علشان افضل محترم، كان عندي نظرية أن الظباط دول ليهم شخصية تانية تدل أنهم مش بيحترموا الناس، شبح ابتسامة على وجهه، ثم رفع نظره إليها.
-بس من صغري لما كنت بشوف بابا وشخصيته، أقول عايز أكون ظابط زي حضرتك يابابا. بابا كان رافض طبعًا، ورغم رفضه عمره ماأجبرني على حاجة. عمرنا مااختلفنا لحد ما دخلتي حياتي. من وقتها بعدت عن ابويا، رغم تحذيرات عز اللي كانت دايما بتحسسني إن ابن عاق، تراجع بجسده ونفث سيجاره ومازالت نظراته عليها، كلامه لسة بيرن بوداني لحد دلوقتي، منكرش وقتها مكنتش فاهم قصده، دنى بجسده ينظر لمقلتيها.
-عارفة قالي إيه وقتها يافيروز. كانت تناظره بصمت فهزت رأسها
قالي شايفك بدأت تتسرب شوية بشوية من العيلة لحد ما هيكون فجوة والفجوة دي هتكبر ومش هتعرف تسيطر على نفسك. وقف صلبا متجمدًا واتجه للنافذة ينظر للخارج
-كنت بتكسف لما بقعد مع ابويا علشان حاولت اثبتله أنه غلط وأنا صح. ابتسامة ساخرة ظهرت على ملامحه.
-اصله ياما حذرني، لكن أنا الأهبل اللي كنت عايز أخرج من قوقعة جواد الالفي، مشيت ورا البت اللي لعبت عليا. أطلق ضحكة صاخبة وهو يلطم كفيه ببعضهما
-جواد الألفي قالي زمان كلمة.
-قالي يابني دايما الطبع بيغلب التطبع، ومتحاولش تثبتلي أن واحدة بقالها 22سنة عايشة على حاجة تيجي تغيرها علشان واحد مثلت عليه الحب في الأول. واللي يخدع مرة، يخدع مليون مرة، واللي يتربى على الغش والخداع عمره ماينضف، لأنه معذور مش هيبقى فاهم يعني ايه أخلاقيات
وانا لحد دلوقتي رافض الجوازة دي، ومش معنى اني وافقت عليها يبقى راضي. لا ياجاسر انا لسة عند رأيي
إن فيروز مش المناسبة.
جلس أمامها مرة أخرى.
-ابويا واخويا حذروني ورغم كدا اتعاملت معاكي برجولة، رغم انك متستهاليش
-جاسر ايه اللي بتقوله دا، أنا اتغيرت لما انت حاولت تبعد عني، ومكنتش شايف غير جنى وبس
-بلاش اسم جنى يافيروز علشان مزعلكيش بجد. خليني اتعامل معاكي لأخر نفس إنك كنتي مراتي
تجمد جسدها تطالعه بذهول
-بس أنا بحبك
-وأنا مبحبكيش. قالها سريعا. انحنى بجسده يدقق النظر بمقلتيه.
-قلوبنا مش عليها سلطان، أنا حاولت مظلمكيش، حاولت أنصف قلبك ورغم كدا أنتِ منصفتنيش فيروز
-جاسر لو سمحت
أخرج بعض الأوراق أمامها
-دي تأشيرة لسويسرا، بعمل كويس في شركة سياحية كويسة، وصاحبها شخصية محترمة ومعرفتي شخصيا.
تسارعت دقاتها بعنف تهز رأسها رافضة
-ايه اللي بتقوله، عايزني اسافر، طب ازاي، عايز تبعدني أوي كدا
نهض من مكانه واتجه يجلس بمقابلتها.
-فيروز أنا لحد اللحظة دي كنت معاكي جاسر بن جواد الألفي اللي هو طليقك، أما لو عايزة امشيها رسمي، صدقيني هخليكي تنتحري مني يا فيروز. اللي حايشني عنك العيش والملح بينا دي حاجة أما الحاجة التانية تربيتي اني متشطرتش على ست كانت في يوم من الأيام مراتي
توقفت الكلمات على أعتاب شفتيها تهز رأسها رافضة حديثه.
-دا كله علشانها، دا كله علشان قدرت تفرق بينا، طيب فين حقي زي حقها.
نفث سيجاره يطالعها بهدوء رغم النيران التي تسكن صدره
-فيروز احنا افترقنا من زمان أوي، حتى قبل ماأطلقك، افترقنا لم اتغيرتي ونزلتي ابني ووووو بلاش اعدلك وكل شوية تقولي جنى
نهضت من مكانها ونشجت بمرار والدمع يتساقط من مقلتيها
-علشان هي السبب، هي لو اتجوزت وبعدت مكنتش طلقتني، انا عارفة إنك بتعمل كدا علشان باباك وعمك صح. أيوة. أقتربت تحتضن كفيه.
-أنا السبب عارفة، كنت بشوف نظراتك غلط. عارفة انا اللي ضغطت عليك وصورتلك حبها، انسابت عبراتها بغزارة
-جاسر إنت محبتش غيري، سامحني علشان كنت بظلمك واشكك في حبك
انعقد لسانه من حالتها، فتراجع للخلف يضع كفيه بجيب بنطاله
-لأ يافيروز، إنتِ كنتي صح، أنا فعلا بحبها. وضعت كفيها على فمها تبكي بشهقات
-متقولش حاجة لو سمحت، انت بتقول كدا علشان تضايقني على اللي عملته معاها، بس أنا معذورة ياجاسر.
الراجل اللي حبيته رماني وراح اتجوز حتى ماحاولش يسأل عني، كنت مستني مني ايه، اخدها في حضني. اه أنا بعت لها فيديوهات وانا اللي فتحت الغاز وخليت الجيران تتصل براكان، وانا اللي خليت الممرضة تحطلك منوم في قهوتك ونمت جنبك وبعتلها صورنا، اقتربت من تضع كفيها على صدره
-ومستعدة أقتل جنى نفسها ياجاسر لو مرجعتنيش. لأنك السبب محدش قالك تقرب مني كدا علشان اتجنن بحبك.
كلماتها نزلت فوق مسامعه كسقوط نيزك حتى جعله غير متزن بوقوفه فهوى على المقعد خلفه هامسًا بضياع
-انتِ ايه شيطانة!
انحنت بجسدها ووضعت كفيها على أكتافه قائلة بنبرة لا تقبل الجدال.
-لأنك غلط معايا ياجاسر وظلمتني، ظلمتني لما خلتني أحبك أوي أوي وفي الاخر تسبني وترميني كأني واحدة قضيت معاها كام ليلة حلوة، بس وحياة كل دقة قلب ليا ماهتنازل على قلبي اللي حطمته، وهخلي جنى دي تكره نفسها من مجرد أنها قربت من حاجة ملكي. ومش بعيد ترميها هي كمان زي مارمتني
. طحن ضروسه ضاغطا عليها بقوة
-عارفة جنى ايه عند جاسر يافيروز
طالعته بغضب تنتظر حديثه.
-جنى دي روحي يافيروز، هتقربي منها مش هقولك هعمل ايه، اللي متعرفهوش عني مبحبش الكلام، اللي يعرف جاسر تلاتة بس جواد الألفي، جنى و غزل الألفي. دول اللي يعرفوا جاسر، يعني ميغركيش إني هادي وابن ناس، لكن لا لما بقلب بكون نمرود، وقولتلك قبل كدا. انا مكنتش عايز ادخل شرطة علشان افضل محافظ على أدبي، اقترب يجذب عنقها يقربه إليه ثم همس بجوار أذنها.
بس هي كانت عايزة اكون ظابط، تخيلي حاجة كنت بكرهها، بس حبيتها علشانها هي ممكن أسمح لحد يقرب منها أو يأذيها، قربي بس يافيروز، عايزك تقربي بس ورني جرس الباب بالغلط
ابتلعت غصة مسننة حتى شعرت بتمزق جوفها
-لدرجة دي. ياااااه ياحضرة الظابط
جلس بمكانه ومازالت نظراته المتوعدة في عمق عينيه قائلاً:
-أنا مكنتش عايز الأمور توصل بينا لكدا، انا اتعاملت معاكي من اول مرة قابلتك فيه كراجل.
-من يوم مارميتي نفسك قدام ياسين وعملتي مسرحية سخيفة ورغم كدا وقفت جنبك، قررت اتجوزك بعد ماحسيت فيه مشاعر بينا وكملت فيها رغم انك استهزئتي بالمشاعر، بس هبلة اوي يافيروز، مثلتي الحب عليا وفي حين أن قلبي اصلا مكنش ملكي، اقترب بجسده منها ينظر لفيروزتها
-اه الجمال حلو منكرش، بس هي كانت مسيطرة أوي. عديت كتير اوي يا فيروز.
وكنت بديلك اعذار رغم الكل قاطعني بسببك، وعملت مش واخد بالي في بلاويكي، لكن إن عقلك الغبي دا يخليكي تتمادي وتدخلي في حياتي وتعملي مسرحية زبالة يافيروز، فهنا بقولك دا انا ادفنك في قبر
نهض من مكانه وانحنى بجسده
-لعبتك الواطية كشفتها ورغم كدا سبتك قولت اهي غيرة هبلة إنما يوصل بيكي تستخفي برجولتي هنا اعرفك حجمك، انا كنت بعدي وساكت علشان ظلمتك في الأول، لكن الحنية والطبطبة متنفعش مع اللي زيك يا فيروز.
لأول مرة تضعف أمامه ولم تعد ماذا تفعل وبماذا تجيبه، لمست ذراعيه وانسابت عبراتها
-ايه اللي بتقوله دا ياجاسر، مين اللي يقدر يلعب برجولتك انا، فيروز حبيبتك
نفض ذراعيه معتدلا ثم تراجع على مقعده
-مش قولت مش عايز استخفاف بعقلي
كتمت صراخ قلبها، واقتربت مبتسمة
-أكيد بتهزر، أنا عارفة إنك زعلان مني علشان اتغيرت، بس والله ماهعمل حاجة تانية ياجاسر، اقولك مش عايزة جواز، عايزاك تكون جنبي ولو ليلة واحدة أنا راضية.
صفعة قوية على وجهها. توقفت أعضائه بالكامل. ونظراته تحكي صدمة عنيفة هزت كيانه غير مستوعب أن تلك المرأة كانت زوجته في وقتٍ من الأوقات. هل حقًا استحق تلك الأفعى التي بخت سُمها بقلبي لينشق ويدمي لكونها امتلكت جزء منه بوقتٍ سابق
-اللعنة عليكي جنى إنتِ من أوصلتيني لتلك الحالة التخبطية. قاطع حديثه حديثها الصاخب
-بتهرب مني بجنى صح علشان تربيتي مش عاجبة حضرة اللوا.
-انتِ هبلة يابت. قالها بإستهزاء. سلط بصره ينظر إليها ببغض ثم هتف دون جدال
-هتسافري ولا ادخلك السجن يافيروز، وحياة ربنا ادخلك السجن واخليكي تعفني فيه
هبت فزعة تصيح بغضب
-ليه ياجاسر دا كله، ايه علشان جنى هتددني، فين قسمك ياحضرة الظابط
اقترب منها وامسكها بعنف يضغط بغضب فيكفي ماصار له بسببها، فلآن يحمل من الغصص مايكفي لانقطاع وريده، ثم دفعها بقوة حتى سقطت على المقعد.
-حذرتك قبل كدا وقولتلك مراتي هتقربي منها مش هرحمك يافيروز، ورغم اللي عملتيه إلا اني ابن اصول وجبتلك شغل بمكان كويس وناس نضيفة بعيد عن مجتمعك القذر، إلا انك بردوا مش عايزة تساعدي نفسك
توقفت متجهة إليه، ثم جلست أمامه على عقبيها واحتضنت كفيه
-وحياة أغلى حاجة عندك ياجاسر بلاش تحرمني منك، قبلت كفيه وانسابت عبراتها بغزارة تبكي بشهقات
-أنا عملت كدا علشان بحبك.
زفر بتعب يسحب كفيه، فنهض متوقفا بأنفاس تحرق رئتيه كسجائره ثم تحدث بهدوء عكس ما يشعر به
-فيروز بلاش تقلي من نفسك قدامي، أنا كنت ملكك لوحدك وأنتِ فرطي في الحب دا، حاولت وانتي كنتي بضيعي
جلس وتحولت نظراته لغضب ممزوج بالكره
-ضحكتي عليا بدل المرة مليون ورغم كدا سامحتك. بس عند جنى لا
-ليه. صرخت بها كالمجنونة، ليه ياجاسر محبتنيش زيها، فيها ايه تعشقها اوي كدا، رغم كنت بين ايدك زي العجينة بتشكلها بايدك.
ارتفعت ضحكاته على غير عادته
-اه بدليل اتجوزتيني واستغفلتيني ومعرفتش اللي حصلك لولا عرفت بالصدفة. اقترب منها.
-أقولك ظلمتك كام مرة. اول مرة لما مثلتي عليا الحب علشان تنتقموا من باسم فيا، تاني مرة لما اتجوزتك وانتي مكنتيش فيرجن وضحكتي عليا بعملية ولولا ستر ربنا معايا وعرفت بالصدفة، وعديت وقولت دي مظلومة على كلامك اكيد. انا صدقتك يافيروز، ومفيش راجل يقبل على نفسه كدا، بس حبيت استر عليكي علشان ربنا يسترها معايا مش اكتر. ابتسم بتهكم وابتلع غصة تورمت داخل جوفه واستأنف.
-ظلمتك لما قتلتي ابني وضحكتي عليا وفهمتيني انك مكنتيش تعرفي. رمقها بإحتقار. شوهت سمعة بنت عمي وحبيبة روحي علشان تقنعيني أنها مش بريئة ومنحلة وكل شوية في حضن واحد، لحد ماخلتيني اكره بيت ابويا بسببها، البنت الوحيدة اللي مكنتش طالب من ربنا غير إنها تكون من نصيبي.
تنهد بحرقة شديدة واستطرد قائلًا.
-للأسف كنت شايف دا كله وبعدي وكل اللي عقلي بيقوله، دي بنت وانت ظلمتها واتجوزتها وانت قلبك مع واحدة تانية علشان كدا شيطانك مصورلك إنها مش كويسة
أشار عليها مستحقرا
-بس اتضح اني كنت متجوز الشيطانية نفسها، ورغم كدا مكنتش بخلي حد يقرب لك، عمري ما حاولت أقل بيكي، لكن إنت كل خروجة لينا وكل تجمع عائلي كنتي بتقلي بيا
امسكت كفيها تستمع إليه بذهول
-غصب عني والله غصب عني. دفعها بقوة كأنها مرض معدي.
-وأنا كمان غصب عني اني محبتكيش، عايزة تسمعي ايه
-اه عمري ماحبيتك واتجوزتك علشان ابعد عن حبيبتي، علشان مأذيش عمي وابويا، علشان مخليش عمتي تنام مقهورة على ابنها، علشان مشفش دمعة حبيبتي، لكن اقسم بالله لو كنت اعرف وقتها أنها بتحبني ماكان حد هممني، زي دلوقتي.
وبعد اللي عملتيه دا كله، وبعد ماامك عملت بلاويها كلها مع جنى. سامحتك وحاولت اساعدك ورجعتك وقولت مش مهم اعمل باصلك دا انت تربية جواد الالفي، فين رجولتك مع الست اللي كانت على اسمك
وضع كفيه بجيب بنطاله وتحرك حولها
-ورغم اللي عملته، للمرة المليون تقلي بأصلك، لا وجاية تهدديني بمراتي، بس معذورة يابنت هاشم، ماهو عيلتك كلها مجرمة هتعرفي الأصول منين
-جاسر. وضع سبباته على شفتيها.
-اخرسي مش عايز ولا حرف حتى، انا هنا حضرة الظابط وبس، اسمي دا بقيت اكره لما اسمعه منك
دلوقتي اخر ذرة شفقة عندي ليكي مسحتيها بعد اللي عملتيه فينا، ودلوقتي لازم تختاري، ياالحبس ياالسفر
-جاسر. صاح بغضب
-قولتلك اسمي حضرة الظابط، وزي ما قالك ياسين من شوية ماتنسيش قدرك.
عندي يامدام، كنت ساكت وسايبك في حالك علشان سمعتي مش اكتر، لكن انك توصلي لروحي وتحاولي تلعبي بيها فدا ملوش شفقة عندي. وحياة القهر اللي حاسس بيه دلوقتي يا فيروز اللي بعدني عنك
تربية جواد الألفي ليا مش اكتر، بس مستعد ادوس على تربية ابويا لو حد حاول يبعدني عن مراتي، نزل بجسده ينظر بمقلتيها
-مراتي وحطي تحتها مليارات الخطوط. أشار على قلبه وأكمل.
-دا ملكها لوحدها، ومستعد اهد الدنيا واجفف مياه البحر يافيروز اللي يقرب منها ويحاول يبعدها عن حضني
شعرت باحتراق نبضها فهمست بإرتجاف شفتيها كحال جسدها
-يااااه. لدرجادي ياجاسر، بتحبها لدرجادي، وهي مش قادرة تحس بدا، غبية مش عارفة قيمة الحب
اعتدل ينصب عوده وكأن كلماتها احرقته، فاخترقت دوافعه أمامها فانبثقت دمعة من عينيه، إزالها سريعا واستدار متجها لمقعده.
-من بكرة مش عايز اسمع اسم فيروز هاشم جوا مصر، قولت اللي عندي ودلوقتي فيكي تمشي
-جاسر أنا بحبك، مش هقدر ابعد عنك
-وانا مابحبكيش، ولا عمري هحب غيرها، ولا هشوف غيرها، ياريت كل واحد يحافظ على كرامته دا لو تعرفيها يامدام فيروز
طالعته بتشتت متسائلة
-فيها ايه احسن مني!
تسارعت نبضاته مع مخيلتها أمامه
-مفيش مقارنة بينكم. ، بس لو عايزة تسمعي أكتر.
-فيها روحي وحياتي، فيها السعادة والنبض لقلبي، فيها النفس اللي يخليني أقدر أعيش، فيها جاسر اللي مابلقوش غير عندها. امشي يافيروز
خطت إلى أن توصلت أمامه
-طيب وحياة جنى عندك بلاش توجعني بالطريقة دي
-وحياة جنى عندي ماهسيبك بعد اللي عملتيه، وحياة اشتياقي ليها انا بحاول اكون راجل معاكي، بلاش تخليني ازعلك بجد، انتي دلوقتي قدامي اكبر قلم في حياتي. امشي من قدامي. قدامك اسبوع واحد فقط في مصر، ودا من أصلي بس.
استدارت متهشمة القلب متحركة للباب ثم توقفت مستديرة
- هسافر ياجاسر وأريحك مني، بس يارب تلاقي السعادة عند جنى. قالتها وتحركت مغادرة سريعًا
هوى على مقعده، مبتلعًا غصته المتألمة تمنع تنفسه هامسًا لنفسه
-بس الاقيها يافيروز، وقتها هعرف السعادة. أطبق على جفنيه وتراجع بجسده، ولج ياسين يصفع الباب خلفه بقوة حتى افزعه
-ايه يامتخلف دا عهدة مفكر نفسك في مال الألفي. جلس بمقابلته.
-دا كله، دا لو بتخططوا على هجوم وكر كنتوا زمانكم اقتحمتوه
قهقه جاسر حتى أدمعت عيناه
-خفيف الظل يابن جواد. مالك يلا كنك مش في عقلك
-جاسر هتوصل لجنى إزاي، الموضوع مش سهل. فرك جبينه مطبق على جفنيه. ثم سحب نفسا وزفره
-متخافش هوصلها. هز ياسين رأسه
-بقالك شهر ونص عرفت توصلها
وضع ذقنه على كفيه
-هتنزل شغلك إمتى ياياسين، انت دلوقتي اتخرجت، وعلى حد علمي أكيد هتروح سينا
ولج العسكري بقهوة لكل منهما. حمحم بصوته.
-اخت حضرتك برة ياباشا، قولتلها تدخل بس هي رفضت. نهض من مكانه سريعًا، بينما ظل ياسين بمكانه يتابع بعينه ظنا إنها ربى.
توقف أمام الباب ينظر إليها بذهول
-غنى! اقتربت منه تحتضنه
-عامل إيه ياجسور!
سحبها دالفًا للداخل توقفت تنظر بابتسامة
-دا ولاد الألفي ملين القسم، من شوية قابلت جواد حازم برة
ضيق عيناه متسائلاً: -ليه جواد بيعمل ايه؟
هزت كتفها قائلة.
-معرفش بس اللي فهمته من تقى أنه هيرجع شغله. جذب كفيها وأجلسها على الأريكة بجوار ياسين
-ايه ياياسو. مبروك ياعم الشهادة، آسفة ياحبيبي جه موضوع بابا ونسينا نحتفل بتخرجك، بس وعد مني هعملك فرح محصلش
هنا تذكر تلك التي تركها منذ أسبوعين ولم يعلم عنها شيئا سوى من الخادمة
ابتسامة تجلت بملامحه
-إن شاءالله حبيبتي، ايه شايفة قعدتك طولت هنا، كنتي فين وازاي تيجي من غير بيجاد. فركت كفيها تطالع جاسر بصمت.
-لأ كنت عند الدكتور مع ماما نغم فقولت اعدي على جاسر، وبالمرة نتكلم، مقعدناش مع بعض من وقت اللي حصل
احتضن جاسر كفيها
-آسف ياقلبي، عارف مقصر معاكي ومع حبيب خالو. صمت متذكرًا شيئا
-ياترى هي عاملة ايه دلوقتي في حملها، أكيد بطنها بدأت تكبر وهتتعب صح ياغنى
استدارت مبتعدة بنظرها وشعرت بتفتت قلبها. هنا ندمت أشد الندم على مساعدتها.
ربت ياسين على ظهره ثم توقف
-مش قدامنا غير لما بابا حالته تتحسن وهو اللي هيعرف يوصلها
مسح على وجهه بعنف: -عارف ومتأكد فيه حد مساعدها وحد له مركز كمان، دا واحد عارف اني مش هعرف أوصلها
-بقولك ياجاسر مايمكن جنى في مصر.
-مستحيل تكون في مصر ومتظهرش
انا سربت مرض بابا في كل الجرايد، يعني لو موجودة كان زمانها ظهرت
مط شفتيه لأمام يطالعه بصمت إلى قطعت الصمت غنى.
-ليه جنى تعمل كدا ياجاسر، ليه تهرب مع إن روحها فيك. إزاي تهرب من غير ماتعرف عمو صهيب ولا عز
تجمعت عبراته بعيناه ممزوجة بنزيف روحه فرفع نظره لأخته
-علشان وجعتها أوي ياغنى. جلس ياسين مرة أخرى يستمع إليه بإهتمام
تراجع بجسده يضع رأسه على ظهر المقعد ينظر بسقف الغرفة
-هي مفكرة إنها متهمنيش، ودايمًا شاكة في حبي، دايما بتقارن نفسها بفيروز. هبلة متعرفش أنها حياتي كلها.
-طب فيروز ياجاسر، ليه مبتعدهاش عنك، ليه مطلقهاش زي ماقالتلك وخلصت نفسك من الوجع دا
اعتدل يطالعها بتدقيق
-مين قالك أنها طلبت مني كدا. ابتلعت ريقها بصعوبة، ثم سحبت نظرها لياسين ورسمت ابتسامة
-لأ هي مقلتش، أنا اقصد يعني لو طلقت فيروز كنت ارتحت
-طيب ماانا مطلق فيروز، ايه المشكلة
ماهو طلاقك وانك تروحلها كل شوية دا بيوجعها ياجاسر
انحنى بجسده يتعمق برماديتها
-غنى تعرفي مكان جنى!
نهضت تحمل حقيبتها بيد مرتعشة تهز رأسها
-وأنا هعرف منين. أنا لازم أمشي، زمان سفيان تاعب النانا بتاعته
تحركت سريعًا هروبًا من أمامه. نهض يضع كفيه بجيب بنطاله
-استني ياغنى. ارتجف جسدها تطبق على جفنيها. دنى بخطوات متمهلة
-مقولتيش جاية ليه. استدارت تلقي نفسها بأحضانه وبكت بشهقات مرتفعة حتى سقطت حقيبتها قائلة: -جاسر أنا بحبك أوي، ونفسي تكون أسعد راجل في الدنيا، حاوطها بذراعه.
-حبيبة قلبي وأنا بحبك اكتر واحدة في الدنيا
اممم، قالها ياسين ثم اقترب يلكزه بصدره
-بلاش كلمة اكتر واحدة في الدنيا، عندك مراتك مش عارفين نوصلها
ازال عبرات غنى يحتضن وجهها
-ليه الدموع دي، دا أكيد علشان بيجاد وحشك مش كدا. رفعت نفسها حتى أصبحت بمستواه وطبعت قبلة على وجنتيه
-لأ. مش علشان بيجاد، علشان إنت أحلى أخ في الدنيا كلها
ارتشف ياسين باقي قهوته
-أيوة ياختي وأنا ابن الوزة السودا
دفعه جاسر بعيدا يحاوط غنى.
-اسمها ابن البطة السودا، بس غزالة مش بطة ياحلوف
لمست وجهه مبتسمة بعدما وجدت ضحكته التي حُرم منها منذ وقت
-هتكون أجمل اب في الدنيا. رفع كفيها يقبلهما
-وانتِ أحلى مامي واخت في الدنيا...
لازم أمشي، هسيبك تكمل شغل، زمان بيجاد قلقان دلوقتي. قالتها وتحركت بينما توقف ياسين أمامه
-هوصل اختك، وبعد كدا عايزك في موضوع مهم
خرجت غنى تضع كفيها على صدرها
تتنفس بهدوء.
-ياربي اعمل ايه. تذكرت شيئا مهم، فأسرعت لسيارتها، أوقفها ياسين
-غنى. استني هوصلك
-لأ ياحبيبي أنا هعدي على بابا، اكيد بيجاد هيستنى هناك. ارتدى نظارته متجها لسيارته
-هوصلك، كلمي الشوفير. يروح
تحركت بجواره بصمت
عند جواد.
اعتدل متذكرًا حديث راكان لبيجاد، اتجه بنظره لبيجاد الذي يجلس بجواره يحادثه بمواضيع مختلفة، فتحدث متسائلاً: -راكان يقصد ايه بالست اللي ساعدتها
ابتلع بيجاد ريقه يهز رأسه رافضا
-مش فاهم.
طالعه جواد بتدقيق، ثم هتف
لما سألت راكان انت بصتله هو وقتها عمل اي نظر بساعة ايده وقال
-آسف، لازم امشي عندي قضية بعد ساعتين، ألف سلامة على حضرتك مرة تانية، وقال اكيد بيجاد هيحكي لك قصة صاحبه.
-مين صاحبك اللي راكان يقصده، على مااظن انا عارف صحابك كلهم
صمتًا مريبا بالمكان قاطعته غزل
-بيجاد هتفضل مع عمك عندي عملية مش أقل من ست ساعات، لحد ماحد
من الولاد يظهر
كانت نظراته على بيجاد، فأشار إليها.
-حبيبتي روحي على شغلك متخافيش عليا. روبي هنا وأوس زمانه على وصول
هزت رأسها وتحركت بعدما طبعت قبلة على جبينه. اتجه ببصره لبيجاد
-سامعك يابن ريان، ويارب يكون اللي في بالي غلط
مسح على وجهه يتنهد، ثم سحب نفسًا
-جنى في تركيا ياعمو جواد، وقبل ماتتكلم، كان لازم يحصل كدا علشان جاسر اتهور لدرجة وجعت قلبها
ضغط على صدره معتدلا
-إنت اللي سفرتها صح. هز جواد رأسه وردد.
-أيوة مفيش غيرك يقدر يعمل كدا، جنى علاقاتها محدودة، وأكيد لجأت لغنى وطبعا غنى ضغطت عليك
كور قبضته عندما شعر بمدى الألم الذي اجتاح جسده بالكامل، ألمًا مفرطًا تفرع لكل خلية من جسده حتى تمزقت روحه وهو يربط الأحداث. رفع نظره لبيجاد الذي طأطأ رأسه بخزي
-تسافر دلوقتي وتجبهالي خلال بكرة، بكرة الاقيها قدامي يابيجاد، وبعدين نتحاسب.
هز رأسه رافضا حديثه: -مينفعش صدقني، جنى رافضة. غنى كلمتها كذا مرة وهي مُصرة وانا خفت عليها ممكن لو أصرينا تمشي ومنعرفش مكانها فين
انزعج من حديثه، فرفع كفيه الذي ارتعش
-طيب اسكت ومش عايز جاسر يعرف دلوقتي، لحد ما أشوف هعمل ايه
قاطعهم دلوف أوس، ونظرات مستاءة لبيجاد
-عامل إيه يابابا اتأخرت عليك.
-لأ. قالها وكلمات بيجاد تداهم رأسه يفكر بتلك المعضلة، جلس أوس بجواره ثم انحنى يطبع قبلة على كتفه.
-ممكن حضرتك تبطل تتعصب، وتزعل علشان صحتك، ينفع اللي حصل دا
حمحم بيجاد ليخفف من نظرات جواد الحادةقائلاً: -مفيش ازيك يابيجاد. ظل أوس ينظر لوالده دون حديث
ضيق جواد عيناه
-مالك يااوس، مبتردش على جوز اختك وأخو مراتك ليه
رمق بيجاد بنظرة وتحدث بمغذى
-اه جوز اختي اللي قرطسنا كلنا مش كدا يابيجاد
قطب بيجاد حاجبيه: -بتقول ايه يابني إنت. دنى يهمس له حتى لا يسمعه جواد
-مين اللي هرب جنى يابيجاد.
جحظت عيناه ينظر إليه بذهول
-عرفت منين؟
اتجه لوالده دون حديث. نهض بيجاد مقتربا من جواد
-أوس عرف اني ساعدت جنى. نظر أوس لوالده متسائلًا: -هو يقصد إيه يابابا، حضرتك اللي طلبت من بيجاد أنه يساعد جنى. هز رأسه رافضا
-لأ، مستحيل يابابا تكون انك اللي ساعدت جنى، حضرتك عارف جنى دلوقتي في تركيا وشغالة كمان عن طريق يعقوب المنسي. ازاي حضرتك توافق على كدا يابابا، ازاي
توقف جاسر الذي وصل للتو يستمع إلى أوس مذهولا.
خطى بخطوات واهنة يتخبط بمشيه
-ايه اللي بسمعه دا، توجه بنظره لوالده
وانكمشت ملامحه بألم يهزئ بكلماته
-حضرتك اللي ساعدتها، نظر حوله بتوهان يهز رأسه
-كنت عارف انك ورا دا بس كدبت نفسي رغم متأكد انها متعملش كدا من نفسها، دنى من والده
-ليه يابابا. دا حبك ليا، دا حقي عليك
تجمعت عبراته وانحنى بجسده يضع يده على فراش والده
-ابنك مصعبش عليك، وانت عارف أنه هيتوجع
اقترب بيجاد.
-جاسر ممكن تهدى وتفهم. كانت نظراته على والده فقط. شعر بغصة تمنع تنفسه وتحدث بصوت متحشرج
-عارف انك بتحبها وبتخاف عليها، بس عمري مااتوقعت انك بتحبها أكتر من ابنك، عايز تأكدلي أني مستهالهاش علشان رفضت كلامك واصريت على فيروز صح ياحضرة اللوا
جذبه أوس عندما وجد صمت والده
-جاسر، أهدى انت مش فاهم حاجه
دفع أوس بغضب جحيمي
-مش عايز اسمع حاجة سمعتني، قول لحضرة اللوا ازاي قدر يدبح ابنه الكبير.
مازالت نظراته لوالده تطعنه بشدة، وقف أمامه مكبل الأيدي مصفد المشاعر يشير لنفسه
-جاسر في حياتك هوى ياحضرة اللوا.
رسمت عيناه ملامحه الحادة وبأنفاسًا عالية تحدث جواد: -اطلعوا برة، عايز جاسر لوحده
بابا. قالها أوس، أشار له جواد بالخروج
اعتدل جاسر متراجعًا للخلف فأشار جواد له: -اقعد واسمعني وإياك تقاطعني
جلس كالتلميذ المعاقب، ينتظر عقابه، بعدما شعر بفظاظة حديثه مع والده
سحب جواد نفسا ثم زفره.
-أفتكر من أول الموضوع سألتك ياجاسر ايه اللي بيحصل معاك وحضرتك كالعادة كأني مش ابوك، كنت بتلجا لباسم في مشاكلك، أما ابوك كان آخر من يعلم، لكن اللي متعرفوش انا كنت مراقب النفس اللي بتتنفسه، حاولت ابعدك عن فيروز ولكن كالعادة رأي ابوك مبتاخدش بيه معرفش ليه، رغم انك كنت أقرب واحد في اخواتك، ليه فجأة بعدت وطردت ابوك من حياتك معرفش، حاولت اقرب منك وكالعادة عملتلي راجل وقولت حياتي ومحدش هيدخل فيها، قولتلك وقتها تمام وانا في ضهرك وهسيبك تتعلم من غلطك، روحت اتجوزت واحدة علشان تنسى واحدة تانية بغباءك معرفتش انك كدا بتظلم الكل حواليك، حاولت تفهم للكل انك بتحبها وأنها هي الهوا لحياتك وقولت ماشي، متعرفش يابن ابوك أن كل حاجة ممكن تكذب بيها غير اتنين العين والقلب.
كنا بنشوف نظراتك لبنت عمك وكذا مرة امك قالتلك وعمك وحضرتك عملت فيها مصلح اجتماعي رغم محبتش ادخل وقولت هو حر، ابني راجل ومستحيل هينضحك عليه، كنت بخاف على أوس وياسين من تهورهم وعمري ماشكيت في ذكائك علشان عارف انك بتحسم كل قرار قبل ماتصدره، لكن كله طلع وهم
ياسين وأوس طلعوا ارجل منك يابن جواد.
أشار له غاضبًا.
-دا ياسين الأصغر منك بسنين معملش كدا، لما حب جه وقف وقالي يابابا فيه بنت بحبها وعايز ارتبط بيها، ولولا ظروف كليته كان زمانه متجوزها، انت بقى عملت ايه، حبيت واحدة ورحت اتجوزت واحدة تانية، لا إنت عارف تخرج من التانية ولا عارف تقرب من حبيتك. وماشي توجع في نفسك وفيهم. ليه مابتاخدش قرار نهائي في فيروز معرفش. ليه ياجاسر بتبعد عن أبوك رغم أن أبوك شايفك سنده، ليه يابني.
-بابا. قالها عندما نهض من مكانه واتجه يجلس أمام والده.
-عمري مابعدتك عن حياتي، حضرتك اللي شايف اني دايما سبب مشاكل العيلة. من يوم خطف غنى كنت بحس دايما انك بتلومني كأني انا السبب، برضو مشكلة ربى وعز حملتني المسؤلية، مع اني مكنتش اعرف أي حاجة افتكر ياحضرة اللوا لما دخلتلك قولتلك جواد ابن عمتو بيحب روبي لومتني وكأني السبب في حب جواد وعز لروبي. كنت عايزني اجيلك بحب بنت عمي اللي ابن عمتي بيحبها، ابتسامة حزينة تجلت بملامحه.
-كنت هتقولي ازاي تفكر في بنت عمك وانت شايفها مع غيرك، كان عمرك ماهتوافق على ارتباطنا لاني كالعادة هكون سبب في وجع تاني للعيلة، بابا عارف انك مقولتش كدا بلسانك بس عيونك كانت بتقول كدا، كنت دايما بشوف قربك من بيجاد اكتر مني، حسيت إن بيجاد ابنك الكبير مش أنا ابدا، اي حاجة توقف قدامك تتصل ببيجاد، تعالي لي فورًا، حتى علشان تبعد جنى عندي استخدمت بيجاد علشان يقرب يعقوب منها، ورحت عملت لعبة مع عمي صهيب علشان تحاولوا تبعدوها عني.
سالت عبراته بغزارة، يزيلها بعنف يمنع ضعفه أمام والده
-اه انت كنت صح. فيروز دمرتني، واتوجعت مافيه الكفاية، بس ربنا ربط على قلبي يابابا، تفتكر أنا ممكن أتنازل عن حبي.
رمقه جواد بعينين تحكي صدمته العنيفة التي هزت كيانه كالأعصار، ابتلع غصة مريرة عبأت جوفه بطعم الصدأ قائلا: -يااااه ياجاسر لدرجادي شايف ابوك ظلمك علشان تحط افتراضات يابني، دا انت نور عيني وسندي وابني البكري ولو طلبت روحي مش هتأخر، ازاي كنت هقف قدام سعادتك، ازاي تفكر أن ابوك يفكر فيك كدا
كتم صرخة مصعوقة جاشت به حنجرته، وتشنجت عضلاته ينظر بحزن لوالده.
-اثبتلي ياحضرة اللوا اثبتلي انك عايز سعادتي، امسك والده كفه ينظر لمقلتيها.
-شايل من أبوك اوي ياجاسر، انت ابني يالا. حكمت عليا، طيب ليه ماسألتنيش، امتى ظلمتك ياحبيبي علشان اقف قدام سعادتك، ليه ياجاسر، دا انا كنت بنسى وجعي واكتمه جوايا علشان ماحسسكش بالحزن من يوم خطف اختك، رغم رفضك كل سنة تحتفل بعيد ميلادك بس كنت دايما بشجع عز وروبي وجنى يعملولك مفاجأت، لكن إنت كنت بتعمل ايه، بتهرب من البيت بأي حجج، ليه افترضت اني بتهمك، وفي الاخر شايف ابوك ظلمك.
انحنى يطبع قبلة على يد والده بعدما وجد أثر الحزن على ملامحه
-مش قصدي يابابا، أنا برد على أسئلة حضرتك، وحضرتك مصر تعرف ليه اتجوزت فيروز وأنا بحب بنت عمي، وليه محكتش حبي لجنى. سحب نفسا وزفره مستأنف
-بابا أنا بحب جنى أوي أوي، وهي كسرتني أوي، جنى شاكة في حبي، مفكرة فيه علاقة بيني وبين فيروز، متعرفش أنها النفس اللي بتنفسه
ومهما تعمل وتقول مش هبعدها، وهجبها وهعاقبها بس وهي في حضني، أشار بسبباته.
-بس العقاب هيكون تقيل اوي ياحضرة اللوا، وخلي حد يفتح بوقه قدامي، حتى عمي نفسه، دا لو خليته يشوفها ويقابلها اصلا
-لدرجة دي بتحبها يابن جواد
ابتعد ببصره عن والده
-حضرتك جربت وعارف يعني أيه حب يابابا، بتمنى متدخلش بينا، وزي ماقولتلك مش هرحمها على وجع قلبي.
عارف انها بنت اخوك، وبتحبها زينا، بس دي مراتي. عارف يعني ايه مراتي تهرب مني بقالي شهرين معرفش عنها حاجة. لا وبدافع عنها ضدي، ولو مش عايز تقول هي فين مش عايز تقول براحتك بس هوصلها. بس متحاولش تقنعني انك متعرفش مكانها
-مش أنا اللي ساعدتها ياجاسر، ولا عمري افكر اعمل كدا، موضوع جنى غير غنى، ولو ساعدتها كنت قولتلك.
قطب جبينه متسائلًا: -ليه مُصر انك تعمل فيا كدا، انا سمعت اوس. ليه هيقول كدا إلا إذا حضرتك بتحاول تبعدها مفكر كدا بتحميها متعرفش حتى حضرتك مش هتقدر تمنعني.
بابا. لو سمحت أنا بقالي شهرين مفيش مكان مرحتوش، جنى علاقاتها محدودة، غير إنها مبتعرفش تتعامل مع حد غيرنا، ومستحيل تعمل حاجة دون علمك وعلم عز، وعز بيدور زي المجنون، دا مش تمثيل.
اكتفى بتنهيدة مرتجفة، واطبق جفنيه، فلم يجد مايعبر عن كلمات ابنه المطعونة
بابا. بلاش تعذبني لو سمحت، انا مش بيجاد، علشان هسامح بحقي
انقبض قلب جواد فرفع عيناه معتصر حزنه بداخله
-ابوك كذاب، وبدل مش مصدقه معنديش كلام، وياله أنا تعبت وعايز ارتاح، اطلع برة
ارتسم الحزن على ملامحه، كور كفيه معاتبا نفسه على قساوة حديثه مع والده، فاقترب:
-بابا آسف. استدار بوجهه للجانب الآخر
قولت برة ياحضرة الظابط.
انحبس النفس بصدره، وشعر بالحزن. فتحرك بخطوات متعثرة للخارج، توقف لدى الباب مستديرا ينظر لوالده الذي أغمض عيناه. أغلق الباب خلفه مستندا عليه. وقبضة عنيفة اعتصرت قلبه فتحرك يبحث عن أوس. وجده جالسًا بجوار بيجاد
-قولت جنى في تركيا فين في تركيا
قاطعهم وصول الخادمة
-باشمهندس أوس والد حضرتك عايز يشوفك دلوقتي، حالا. تحرك أوس سريعا لوالده، بينما ظل واقفا يتابعه بنظراته حتى ولج للداخل.
-جاسر لو عرفت مكان جنى هتعمل ايه. ربت على كتف بيجاد وتحرك متجها لغرفة والده دون إيجابه، تحرك سريعًا ظنا أن والده أصابه مكروها، ولج للداخل سريعا ولكنه تصنم يستمع لوالده
-هتاخد العنوان من بيجاد وتروح تجيب بنت عمك قبل ما جاسر يوصلها، عايزها بكرة عندي
هنا شعر بتحطم قلبه، فخطى للداخل دون أن يشعر به أحدا حتى توقف خلف أوس الذي تسائل
-يعني حضرتك اللي طلبت من بيجاد؟
شعر جواد بوجود أحد التفت وجده يقف وعيناه متحجرة بالدموع
-ليه! خايف عليها ولا أنا مش راجل من وجهة نظرك، ولا ايه بالظبط
-ليه يابابا مُصر تكسرني انت كمان، مش كفاية هي!
انحنى بجسده وبصوت متحشرج من الخذلان
-بيجاد كالعادة صح، يعني خلتها تلجأ لبيجاد، اه انت معملتش بس وكلت بيجاد ماهو بيجاد ابنك قبلنا
-جاسر اتجننت انت بتكلم ابوك يلا
دفع أوس بغضب واتجه لوالده.
-زي العادة طردتني من الحسبة، بس المرادي اسف ياباشا، اللي هربانة بتكون مراتي، أشار على صدره وأكمل
-دي كانت روحي وهي وجعتها ولو كنت مفكر هتحميها مني غلطان.
ودلوقتي انت حكمت عليها قبلي، وحياة خذلاني منكم ماهرحم حد
تراجع بخطواته للخارج متجها كالمارد الذي يحرق كل ما يقابله وجد بيجاد يتحدث بهاتفه. امسكه من تلابيبه
-مراتي فين؟
استمعت غنى لحديث جاسر، فهرولت إليهما تفصل جاسر عن زوجها
-جاسر ابعد اتجننت.
ضغط على عنقه يخنقه
-وحياة ربنا هموتك يابيجاد فين مراتي، انا مش جواد الألفي هتحايل. عليك فين مراتي
صرخت غنى بدخول عز وغزل، هرولت غزل تدفعه بعيدا عن بيجاد، تحول لون بيجاد للشحوب ورغم قوته الجسمانية إلا أنه تركه يفعل ما يشاء
بكت غنى صارخة به.
-بيجاد مالوش علاقة، انا اللي ساعدت جنى علشان تهرب منك، ساعدتها علشان تعرف تاخد حقها من سلبيتك دي، دفع بيجاد مستديرا يطالعها بصدمة ورجفة قوية اجتاحت جسده كالزلزال ونظراته المصوبة إليها كجمرة نارية. انهمرت عبراتها واستأنفت حديثها بعدما اقتربت من جاسر
-عايز منها ايه، وهي شايفة مفيش أمان مع الراجل اللي بتحبه، الراجل اللي بتعشقه شايفة خيانته مع طليقته
وكل شوية فيديوهات قذرة
لكمته بصدره.
-ايه اتخرصت ولا علشان بتحبك بتقول هترضى باللي بتعمله، هي مش مكسورة ياحضرة الظابط، دي بنت الألفي وتربية جواد وصهيب ولو هي مش عارفة تاخد حقها منك يبقى هوقفلك يابن امي وابويا. تذكرت مافعلته فيروز فدفعته كالمجنونة
-دلوقتي بتحبها وعايزها وكنت فين وفيروز بتهنها في الروحا والجاية، كنت فين لما فيروز بعتتلها ناس تسرق شرفها، انحنت تنظر في مقلتيه.
-كنت فين ومراتك عاملالك ليلة رومانسية، وفي الاخر تحطم قلبها بحجج هايفة. ايه مش عارف الإجابة اقولك كنت عندها، مراتك مكسورة الخاطر وحضرتك جريت تصدق فيلم هندي، ماتموت ولا تولع فيروز، انت مالك اصلا. هزت رأسها رافضة ما يفعله ترمقه بحزن.
-جاسر إنت متستهلش جنى لانك محبتهاش، وانا هفضل جنبها وهساعدها تطلق منك ومتفكرش حملها هيذلها ليك، طول مانت كدا متسهلهاش لاني اكتر واحدة عرفت اد ايه هي اتألمت فدلوقتي مالكش مراتت عندنا
صفعة قوية هوت على وجنتيها حتى شهق الجميع لما رآوه، دنت غزل تقف بين ابنائها وانسابت عبراتها تهز رأسها رافضة مافعله ابنها
-ليه يابني كدا. دفعه بيجاد بغضب وكأنه أخرج جيوش شياطينه يلكمه بقوة.
-تصدق انك مش راجل يالا، اللي يرفع أيده على مرات بيجاد المنشاوي يستاهل الدبح
توقف عز بينهم صارخا محاولا السيطرة عليهم عندما اقترب جاسر يبعد والدته
-تعالى وريني رجولتك يابن المنشاوي. دفعه عز بغضب
-جاسر. احترم نفسك انت ايه ياأخي مش حاسس باللي بتعمله
دفع عز بقوة واتجه لبيجاد ولوح بيديه فالهواء مستطردا بهياج
-بتلعبوا بيا انت ومراتك، اتجه بنظره لغنى.
-انتِ اختي إنتِ، لا وجايلي بتحاولي تلعبي عليا، طب ليه! انا اذيتك في ايه
شايفة اني كذاب ومخادع، عايزة تطلقيها مني. طيب لو بنت ابوكي عايز اشوف اخرك يابنت جواد، ولحد ما اشوف اخرك تطلعي برة البيت دا مش عايز اشوف وشك قدامي، وياله اعملي اللي تقدري عليه علشان تطلقيها بس لوقتها انسي أن ليكي اخ اسمه جاسر
ثورة حارقة اندلعت بجوف بيجاد، بعدما وجد دموع زوجته، فاقترب منه
يلكمه بقوة.
-تعالى وريني رجولتك ياحيوان، ايه بتشطر على اختك
اندلع الشجار بينهما حتى صرخت غزل فيهما، حاول عز التفريق بينهما، ولم يشعر بنفسه حينما رفع كفيه يلطم جاسر بقوة على وجهه
-فوق بقى، انت ايه، مش حاسس بعاميلك
لم يتحمل المزيد من الأهانة وأنياب الألم تنهش به، فزاغت أبصاره لوالدته
-لو باتوا في البيت دا يبقى انسي إن ليكي ابن اسمه جاسر
وصل ياسين على أصواتهم المرتفعة.
توقف متصلبًا مذهولا، وكأنه ولج لأحد الأماكن بالخطأ، اقترب يقف بجوار عز الذي عرقل هجوم جاسر
-أكيد دا مش بيت جواد الألفي. قالها ياسين مذهولا
صمتت الألسنة وانفجرت برك الأعين مع الأنفاس المرتفعة، فأشار لوالدته
-اختاري ياانا يابيجاد يادكتورة، لأ ازاي صح وهو ابنكم الكبير ازاي صح هتختاروني
بكت غزل تهز رأسها رافضة حديثه وانشطر قلبها تقترب منه
-ايه اللي بتقوله دا ياجاسر، انت روحي يابني، وهي نصك التاني.
-لأ. صرخ بها واندفع متجهًا إليها، يجذبها من ذراعها
-أنا معرفكيش يابت، سمعتيني أنتِ مش اختي، وياله خدي الحيلة اللي عاملي راجل وامشوا من هنا
تعكزت غزل على عز بجانبها وألم صعب تحمله شق صدرها وانسابت عبراتها تريد الموت لا محالة
-متعملش كدا ياجاسر، وحياتي عندك يابني أهدى وابعد عن شيطانك.
-أنا قولت ياأنا ياهي، مش عايز اشوفها قدامي، والتانية بس اوصلها، والله لاأخليها تتعذب زي ماعذبتني كدا قالها وهو يرمق عز وأستأنف بجبروت
-خلي راجل فيكم يقرب مني وينقذها مني. حتى البت اللي هناك دي، مش بتقولي هطلقها مني، وريني شطارتك يابنت طارق، النهاردة اكدتيلي انك بنت طارق وتستهاليه
أغمضت غنى جفونها، وخنجر يغرز بصدرها من توأمها، ابتلعت إهانته فهمست بتقطع.
-حاضر ياجاسر، همشي من بيت ابويا، لأ آسفة ماليش حق زي ماقولت انا بنت طارق مش بنت جواد
ابتلعت غزل شهقاتها وصاعقة زلزلت كيانها عندما استمعت لحديث غنى التي تراجعت وهتفت بقلبًا يدمى
-عندك حق، أنا مين، انا ماليش حق حتى في اسم جواد الألفي زي ماقولت، انا واحدة عاشت مع أب وأم تانين، اكيد ماليش حق في البيت دا، ومعرفش غير الراجل دا. قالتها وهي تقترب من بيجاد.
-بيجاد مشيني من هنا لو سمحت، مش عايزة اكون هنا لحظة واحدة لو بتحبني
-تمشي منين يابنت جواد، ايه ابوكي مات علشان تنطردي من بيته في حياته، اللي مش عاجبه يمشي
قالها جواد الذي تحامل بنزوله يستند على الخادمة، يضع يديه على صدره
رمق ابنه بنظرات نارية، ثم رفع كفيه
-مش هحاسبك على كلامك لأختك دلوقتي، بس اعرف انك دلوقتي كسرت قلبي يابن جواد، اللي يهين أخته اللي المفروض حماها ميلزمنيش.
بيجاد قول للمحروس مراته فين، وقوله ياريته يعرف يحافظ عليها، وبدل ماعملي اسد قدام أخته ويطردها من بيت ابوها وهو لسة عايش خليه يعرف يحمي مراته من حتة بنت بتلاعبه وهو في مركزه دا، ودلوقتي هو اللي خير، ولو مش عاجبك مع السلامة. دنت غزل من جواد بتخبط
-ايه اللي بتقوله دا ياجواد
-غزل مش عايز اسمع صوتك، انا مطردتش حد، ابنك اللي حكم، اقترب أوس منه
-بابا ممكن ترتاح دلوقتي. دفع أوس بهدوء ونظراته على جاسر.
-انت ابني الكبير. ياخسارة ياجاسر. امسكه أوس
-تعالى ارتاح يابابا، الموضوع سوء تفاهم
رمق أوس بنظرة اخرسته
-ايه هتحكم على ابوك انت كمان، ابوك مش عاجز، تحرك ببطء حتى وصل إلى وقوف جاسر.
-ابني الكبير اللي المفروض يكون سند للكل، وقف بكل بجاحة يطرد اخته، ويقولها انتِ مين، بدل ماياخدها في حضنه من غدر الزمن، بيرميها بايده، وعلشان ايه، علشان حبت تساعد بنت عمها اللي هي اختها بردو، ليه مفكرتش أنها بتنقذ مراتك، وعايزة تساعد بس على أد ماقدرت، اقترب خطوة أخرى وأستأنف.
-جنى بدل نوت تمشي من غير ماتعرف اخوها، وأبوها، يبقى مهما غنى تقولها مكنتش هتسمع منها، وأحمد ربنا أنها لجأت لغنى، ملجأتش لواحدة زي فيروز، لكمه ببطء بصدره
-الراجل اللي ميحسش بوجع مراته يبقى مايستهلش حبها، وانت متستهلش جنى
نظر لوالده بمقلتين تغشاها الدموع، وقلب يأن كوتر مقطوع همس بصوتًا حزين
-مستهلهاش يابابا. جذبه جواد من ياقة قميصه
-ايه إثباتك يابن جواد، اقولك أنا. جذبه يهمس له.
-انك تنام في حضن واحدة وتحب واحدة يالا. دفعه بعيدا يضغط على صدره، مستديرا، ودلوقتي اعتذر من اختك ياكبير العيلة، قولها أنا آسف غلطت في حقك
تراجع
استدار جاسر للخارج سريعا دون حديث
أشار بعينه لعز
-خليك وراه، متبوش لوحده، وخد العنوان من بيجاد خليه يروح يجيب اختك، اللي محدش هيربيها من أول وجديد
-ليه ياعمو جنى عملت ايه، حضرتك ماسمعتش اللي غنى قالته.
-أنا مبسمعش ياعز، انا بشوف، واللي اعرفه انه بيحب اختك، وهي طلعت متستهلش الحب دا، ايه ياعز هترضى على نفسك مراتك تهرب منك وتكسرك قدام نفسك يلا قبل العيلة
خليه يجبها وإياكم حد يقربله، سامعني ياعز، ومتخافش اللي بيحب مبيأذيش، ودا بيعشق مش بيحب، بس جنى لازم تتشد شوية، سبهم يخبطوا في بعض.
ثم أشار لغنى. اتجه لغنى وبسط يديه
-مش هتساعدي ابوكي يوصل لاوضته ياغنى. هزت رأسها تتراجع بجسدها لبيجاد.
-عايزة امشي يابيجاد، خدني من هنا
قالتها ومازالت عبراتها تغرق وجنتيها
اقترب جواد متمهلا وكأن عبراتها تكوي صدره ينظر لبيجاد فابتعد عنها، ولكنها كانت تتشبث ببيجاد
حاوط جواد وجهها يزيل عبراتها
-دموعك دي غالية على ابوكي، عارفة يعني ايه غنى حبيبة ابوها تعيط وأبوها عايش، طب سبيهم لما ابوكي يموت. ارتفعت شهقاتها تحتضن والدها
-بعد الشر عليك يا حبيبي. أخرجها متألمًا
-عارفة انك غلطانة صح ولا لأ. أومأت برأسها.
-بس مكنش قصدي دا كله يابابا والله، انا قولت ابعدهم عن بعض يعرفوا قيمة بعض، وجاسر يعرف غلطه
هدأت ملامح جواد فتحدث بهدوء
-غلط ياغنى، اللي عملتيه غلط، انا لما بعدتك زمان عن بيجاد مكنتش مقتنع بس إنتِ لجأتي لابوكي يابنتي، مرحتيش وضيعت عيلة تضرب كلها في بعض، غير علاقة جاسر بعز نار وبنزين، يعني انتي ولعتي الدنيا اكتر. اتجه بنظره لبيجاد
-اللي مش قادر أفهمه.
-ازاي يابيجاد جالك قلب تبعد واحدة عن جوزها وكمان حامل وانت مجرب الشعور دا، انتوا غلطوا ومش غلط بس لا دي كارثة، متنسوش أنه ظابط
-بابا أنا اسفة، انا كلمتها والله بس هي رفضت خالص
مسد على خصلاتها يربط على كتفها
-خلاص ياغنى، ربنا يستر من الجاي، وجاسر ميتهورش، لسة صهيب مايعرفش كمان.
اتجه ببصره لغزل التي جلست تحاوط رأسها براحتيها
-زوزو عايز اطلع اوضتي. بحث عن ياسين
-ياسين كان هنا راح فين. أشار أوس إلى الخارج.
-خرج مع عز. أومأ برأسه وتحرك يجذب غزل متجهًا للأعلى
بشقة جاسر التي توجد بها عاليا
ولج للداخل ألقى مفاتيحه بغضب، ثم هوى على الأريكة، يضع رأسه بين راحتيه، كلما تذكر مشاجرة جاسر وبيجاد، نيران تشتعل بصدره
استمع الى صوت سعالها بالداخل. نهض متحركًا إليها. طرق على باب الغرفة، ثم ولج للداخل
كانت تجلس تحتسي مشروبًا دافئًا، نهضت فزعة عندما استمعت لطرقات، ثم دلوفه للداخل.
-إنت إزاي تدخل كدا، اوعى تفكر انك جوزي حق وحقيقي
-هدومك برة يابت انتِ، هدخل على جورجينا
-أنا هسافر بكرة العريش، وهرجع بعد اسبوعين. لازم نتكلم
أشار عليها مستاءًا
-البسي حاجة واطلعيلي، لازم نحط النقط على الحروف
احتضنت جسدها تتراجع للخلف، فاستدار للخارج، وعاد بعد لحظات يضع حقيبة ملابسها. دفعته بغضب
-برة وانا هغير واطلعلك
كور قبضته متجها للخارج حتى لايصفعها على وجهها.
جلست على الفراش تضع كفيها على صدرها تلتقط أنفاسها، بعد خروجه، لأول مرة يراها أحدهم بهيئتها تلك
اتجهت بنظرها للمرآة تنظر لملامحها التي تضجرت بحمرة الخجل
نهضت من مكانها وجذبت حقيبتها
-ودا هخلص منه إزاي، هونت عليك ياكريم تجوزني واحد متخلف زي زفت الطين دا. صمتت للحظة تتذكر اسمه، فهمست لنفسها
-هو كان اسمه إيه!
اوووف، متجوزة واحدة نسيت اسمه. خرجت بعد فترة، ذهبت ببصرها تبحث عنه، استمعت لصوت بالمطبخ. تحركت إليه وتوقفت لدى باب المطبخ
-عايز ايه، ، وضع بعض الفواكه بطبقه، وتحرك للخارج دون الرد
جلس على الأريكة، وقام بتشغيل التلفاز، يستمع للأخبار متجاهل وجودها. دفعت المقعد بقدمها ثم توقفت
-انت إيه ياشيخ، بارد ومستفز، دي الرجولة عندك
رفع سبباته على شفتيه.
-متعرفيش تكتمي خالص، اقعدي زيك زي الكرسي دا، علشان مطلعش جناني عليكي يامحترمة، متعلمتيش تكلمي جوزك إزاي
-جوز مين يااخويا، بقولك ايه اوعى تفكر انا رضيت بالأمر الواقع اللي حطتني فيه إنت وكريم، اه انا قبلت علشان خاطر بابا، أما أنت متهمنيش ولا شيفاك اصلا
اقتربت منه وتعمقت بمقلتيه قائلة
-عارف لو خيروني بينك وبين افضل من غير جواز، أكيد هفضل من غير جواز، اصلك ماتملاش نظري ياحضرة الظابط.
دفعها بقوة على المقعد وانحنى بجسده عليها يزمجر بصوت كالرعد
-تعرفي يابت الاحترام ماينفعش مع اللي زيك، بجحة وقليلة ادب، انا لو مكانك أدفن نفسي في التراب
جذب رأسها يهمس بجوار أذنها
-أنا لو مش راجل كنت عملت زي الحقير اللي استغل حقيرة زيك ولوث شرف ابوها في الطين، فخلي عندك شوية من الاحمر واحترمي نفسك، ورشي على نفسك شوية حياء، في الفترة اللي هضغط على نفسي وابلع قرفك
جذب خصلاتها ومازال يتحدث.
-أي غلط منك صدقيني مش هرحمك، انت دلوقتي شايلة اسم ياسين الألفي، اللي مكنتيش حتى تشوفيها في احلامك
دفعته تحاول نزع شعرها من كفيها
-ليه حد قالك بحب احلم بكوابيس، معرفش نافخ نفسك على ايه، قولتلك اللي زيك ميمليش عيني اصلا
صفعة قوية على وجهها
ارتفعت انفاسه، يكور قبضته وكأن التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى مع حبيبته، التي غدرت به فأردف.
-صدقيني اللي زيك مااستنضفهمش يمسحوا الشوز بتاعي. دلوقتي اخرصي واسمعيني، اقسم بالله لو عملتي اي غلط، هخلي ايامك كلها جحيم، وأنتِ شايفة اهو بقالنا فترة ومحدش عبرك باتصال حتى، وانا ممكن اذل انفاسك دي وحاجات عقلك الصغير دا مايتوقعهاش
سحب نفسا وحاول السيطرة على غضبه. فجلس وهو يتنفس بعنف ثم اتجه ببصره إليها.
-اجهزي علشان بكرة هنروح حي الألفي، وعلى أننا اتجوزنا على قصة حب، وان ابن عمك حاول يهدد ابوكي بيكي علشان كدا كتبنا كتابنا واتجوزنا علشان احميك وعلشان بنحب بعض
رمقها مستهزئا
-إنت تتحبي على ايه، والله ابن عمك جدع، تستاهلي. قومي ادخلي الأوضة مش عايزة وشك الزبالة دا.
بتركيا
تجلس بمكتبها تشعر بالألم، فمنذ يومين وآلامها تزداد، توجهت للمرحاض عندما شعرت بالغثيان، ظلت فترة لاتقل عن عشر دقائق. دقائق وهي تشعر بالأغماء، نظرت لنفسها بالمرآة، تلألأت عبراتها عندما اشتد آلامها. استندت على الجدار إلى أن وصلت لخارج المرحاض الملحق بغرفة مكتبها، تصنمت عندما وجدت ذاك الشخص يقف يضع كفيه بجيب بنطاله
-عاملة ايه، السكرتيرة قالتلي انك تعبانة وعايزة تمشي.
اتجهت إلى مكتبها تجمع أشيائها
-آسفة ياجاسم بيه، أنا بعت لحضرتك استقالتي، مش هقدر اكمل مع حضرتك
مط شفتيه وخطى إليها بخطى سلحفية ونظراته تفترسها
-ليه يامدام جنى، كنتي مبسوطة من الشغل معانا
تراجعت بجسدها بعدما اقترب منها وهتفت دون جدال.
-لأ. خلاص مبقتش عايزة اكمل، تعبانة ومش قادرة، واظن يعقوب قال لحضرتك شغلي فترة بسيطة، وكمان مفيش بينا عقود تخليني اكمل في الشغل وانا مش عايزاه، فيه بند في العقد اسيب الشغل وقت مااحب
جلس أمامها وعيناه تطالعها بحب فلقد سلبت عقله وأقسم أن ينالها بأي ثمنًا، حمحم عندما زاد افتراسه لملامحها
-جنى ليه تسيبي الشغل؟
زفرت مختنقة، فلقد قررت تركها العمل بعدما علمت أنه بالشخص المعروف بعلاقاته النسائية.
-مستر جاسم، انا حقيقي تعبانة ومش هقدر اكمل شغل، غير إن جوزي ممكن يرجع الأسبوع دا من الشغل
-جوزك! أومأت برأسها وهي تغلق حقيبتها تهرب من نظراته
وضع كفيه على المكتب بجوار هاتفها والتقطه
-بس إنتِ قولتي منفصلة. بسطت كفيها
-ممكن فوني. واه كان فيه اختلاف بسيط بس اتصالحنا الحمد لله، فوني لو سمحت
نهض من مكانه مقتربا منها
-يعني مفيش أمل. ضيقت عيناها مبتعدة
-مش فاهمة كلام حضرتك. لو سمحت فوني.
احتضن كفيها ثم وضع هاتفها ونظراته تتعمق بملامحها
-لو احتجتي حاجة أنا في الخدمة
نزعت الهاتف وتراجعت سريعا
-شكرا لحضرتك. اتجهت إلى باب مكتبها ولكن توقفت عندما هتف
-فيه حفلة النهاردة علشان كسبنا الصفقة، اتمنى تحضري وتودعينا فيها
-آسفة مش هقدر وأنا مش بتاعة حفلات.
تحرك إلى أن وصل وتوقف أمامها ولم يفصل بينهما سوى خطوة، وانحنى بجسده يغرز مقلتيه بعسلها المصفى قائلاً: -هبعتلك العربية، اتمنى تنوريني، انا محظوظ على الشهرين الحلوين اللي قضناها مع بعض
فتحت الباب بعنف وهتفت بنبرة مستاءة
-ايه الشهرين اللي قضناها دا شغل. وخلاص مستقيلة، بعد إذنك، واسفة مش هحضر حفلات
تحرك بجوارها بعدما ارتدى نظارته متجهًا لمكتبه، ثم هتف لسكرتيرته.
-عرفي الشوفير يبقى يروح يجيب مدام جنى الحفلة
توسعت عيناها تنظر إليه بذهول
-أنا قولت لحضرتك مش هحضر. قالتها وتحركت من أمامه تسبه بسرها
-استاهل والله، علشان اشتغل مع ناس مريضة زيه، غبية ياجنى، انتى هتتعلمي وتطلعي من غبائك دا إمتى
بعد يومين
تغفو على الأريكة بعد خروج العاملة لزيارة والدتها بإحدى المستشفيات، استمعت لطرقات على باب منزلها، اعتدلت جالسة تهذي بكلمات
-مين هيجي دلوقتي ممكن نورة نسيت المفتاح؟
أغمضت عيناها بوهن فقوتها اليوم ضعيف متلاشية بل أصبحت منعدمة بعد سوء حالتها
ثُقلت رأسها فوضعتها مرة أخرى على الوسادة، ولكن عاد الطرق مرة أخرى
نهضت متحاملة على نفسها تتحرك بخطوات واهنة إلى أن وصلت لدى الباب، وضعت رأسها على الجدار تأخذ أنفاسها التي أصبحت منعدمة
فتحت الباب بوهن. رفعت نظراتها لذاك الذي يقف لدى الباب بنظراته الشمسية لم ترى ملامحه واضحة، لكن رائحته ملئت المكان حتى وصلت لرئتيها، فهمست بضعف.
جاسر! خلع نظارته
اذيك يامدام جنى. تقابلت نظراتهما للحظات حتى أصبحت الأرض تدور بها وغمامة سوداء تحيطها
دنى منها ورغم اشياقه الكامن بجنبات قلبه إلا أنه همس لها
مرحب مدام جنى المحترمة
هنا تلاشت الرؤية تماما وهوت بين ذراعيه فاقدة للوعي
تلاقها يضمها بقوة لأحضانه وفرت دمعة غادرة رغما عنه من حالتها وضعفها البين عليها.
حملها كطفل رضيع ووضعها بهدوء على الأريكة يجثو على ركبتيه أمامها ثم انحنى يشبع روحه الضائعة منذ خروجها من حياته، شهرين بين الحياة والموت، شهرين فاقد لروحه ونبضه، الان فقط أعاد روحه الغائبة، آلان فقط نبض قلبه وعادت من غيبات الجب
وضع رأسه بصدرها وآهة عميقة من ثنايا روحه.
-ليه تموتينا كدا، قوليلي أعمل ايه، عقلي بيقولي ارميكي واعاقبك بأصفاد وقلبي بيقولي خدها في حضنك وداوي جرحها. مسد على خصلاتها مرر أنامله على ملامحها الشاحبة
-مش قادر، والله ماقادر اعمل فيكي حاجة رغم اللي عملتيه، مش عايز غير اضمك وبس تمدد بجوارها دون تفكير.
يضع رأسه بالقرب من أنفاسها، وكفيها يتحرك بحرية على جسدها كأنه خريطة حياته يراجعها، وصل لعنقها المرمري وتلك القلادة التي بها صورتهما، ابتسم ساخرا على جنان طفلته.
أخذت أنامله ترسمها كأنه نحاط أجاد فن النحت. تسابقت أنفاسه حتى وصل لتلك الجمرتين من نيران العشق لقلبه كما وصفها، لم يفكر قليلا، فألقى العقل ودنى يحتضن شفتيها دون وعي كالمخمور الذي به حاله من السكر، وكيف لا يشعر بشفتيها وهي التي تسكب له عشقها، ويروي بها عطش روحه. تسارعت أنفاسه مع دقات قلبه عندما فقد سيطرته ورغبته بها، فهب من مكانه كالملسوع، اخيرا فاق العقل على القلب يصفعه. بحث بعينيه بارجاء المنزل، ذهبت عيناه للدرج، صعد للأعلى حتى وصل لغرفتها، قابلته رائحته التي تعبأ الغرفة وتلك الكنزة له توضع على الفراش. كور قبضته بعنف لا يعلم ماذا عليه فعله.
اتجه للمرآة وجلب قنينة عطرها ثم تحرك للأسفل، دقائق يحاول إيقاظها حتى رفرفت بأهدابها، همست باسمه وهي تراه كالحلم يرفعها ب ذراعه
ولكنها لم تفق كاملا، استمع لفتح باب المنزل ولجت الخادمة مع الطبيبة
-اتفضلي يادكتورة قالتها الخادمة. تسمرت الخادمة من وجوده، فاقتربت متسائلة
-حضرتك حضرة الظابط جاسر
ضيق عيناه متسائلاً: -إنتِ مين. أشارت لجنى الغافية على الأريكة
-أنا جليسة مدام جنى، اتجه بنظره متسائلا عن الطبيبة.
أشارت للطبيبة بالتقدم
-دي دكتورة حياة متابعة مع مدام جنى. أشار إليها بالتوقف
-عرفتها ازاي؟
أجابته سريعا بعدما وجدت بملامحه الشك
-دي من مشفى المنشاوي بتركيا لا تقلق سيدي
اومأ لها فحمل جنى متجها للأعلى ثم تحدث
-خمس دقايق وهاتيها، وصل لغرفتها يضعها على فراشها بهدوء كأنها قطعة أثرية نادرة، ثم طبع قبلة على جبينها.
-فوقي بس وشوفي هعمل فيكي ايه مهلكتي. اتجه لأسدالها وألبسها إياه بعدما وجد تلك المنامة التي تصل لركبتيها وبدأ يتحدث بغضب
-لأ وبتفتح الباب بقميص نوم، ماشي يازفتة جنى، والله ماهرحمك
أنهى عمله وألقى عليها ذاك الدثار الخفيف منتظر الطبيبة التي صعدت وقامت بالكشف عليها
-انها ضعيفة ولم تهتم بغذائها، للأسف سيدي، سيدة جنى بتنتحر.
دقات عنيفة كادت تصيبه بمرحلة جنون طاغية عندما استمع لحديث الطبيبة، فتسائل بأنفاسًا محرقة
-الحمل السبب في حالتها دي، ولا في حاجات تانية
أعطته تلك الورقة التي تدون بها بعض العقاقير واجابته بعملية.
-منذ استلمت حالتها من كابتن بيجاد وانا أخبرته أنها لا تهتم بنفسها، أنها حامل بتوم، والوضع هنا يكاد يكون صعبا عن الفردي، ارجو الاهتمام بمزاجيتها، واريد متابعة الأجنة على الايكو كي نطمئن إنها بشهرها الخامس ببدايته.
إبتسامة لاحت على وجهه فاقترب يمسد على خصلاتها بحنان
-لأ إحنا هننزل مصر دلوقتي وتكمل هناك
اومأت بعملية وتحدثت قائلة: -هي هتفوق بعد نص ساعة، المحلول دا فيه مغذي.
حضرتك مصرية. قالها بعدما تحدثت المصرية
هزت رأسها بإبتسامة
-نعم بالتأكيد. بعد إذنك. نظر للخادمة
-وصلي الدكتورة. تحركت الطبيبة للخارج، بينما هو جذب مقعدًا وجلس بجوارها. بحث بعينيه بأرجاء الغرفة، تلك الغرفة التي كانت مأمنها بعيدًا عن أحضانه. وجد دفترًا مزينًا بجانب لوحة من رسومتها، نهض متجهًا إليها، فتح اللوحة أولا
ابتسم ثغره وهو يجدها ترسم نفسها بشكلها الجديد وبطنها المنتفخة قليلًا.
حرك أنامله على صورتها إلى أن وصل لأحشائها، فاستدار ينظر إلى نومها، وتحرك متراجعا، يجلس بجوارها على الفراش، وعيناه تتفحص بطنها ولكن ليس كما رآها بتلك اللوحة
جثى أمام الفراش، ووضع كفيه الذي ارتجف على بطنها يحركها بهدوء واضعًا رأسه بالقرب يهمس لأطفاله كأنهم يستمعوا إليه.
-عاملين إيه حبايبي، شوفتوا مامي عملت ايه، لازم تتعاقب علشان بعدتكم عني. قالها بعيون لامعة بطبقة كرستالية. نهض ممسكا ذاك الدفتر الذي بيديه وجلس يفتح وريقاته.
بسم الله على قلبي المحطم، وبسم الله على ملهمي الذي مازالت رائحته تفوح بداخلي
بعد السلام والتحيه عليكما
وبعد أن تبخرت أشواقي لتلك الأحضان التي اشتهيها، واعتدت روحي
التي تفوح بها رائحه الالم
اجل علمت انها من مهلك روحي
أ فلا أحد غيره معذبي ومهلكي
استيقظت ذات صباحًا بعد أن لافحت الشمس وجههي لتخبرني كيف لكِ أن تغفو عيناكي وخليلُ قلبك يبعد المسافاتِ.
فتحت عيناي التي انطفأ بريق العشق بها تبحث عنك بين الأركانِ.
حبيبي الذي ضاقت بي الدنيا بعده
كيف لي ان اصف لك أشواقي وعذابي
كيف لي ان اصف ذاك النبض الذي اختبأ بين اضلعي يؤلمني من فراقك
أجل مهلكي انا الذي حفرت الألم بداخلي، انا الذي ضعت بين دموعي وآهاتي
من ذا يبلّغك بأنّي مُتعبُة؟
والشوقُ في جنباتِ قلبي يلعبُ
من ذا يُبلغك بكُلِّ بساطةٍ
أنِّي بدون وجودك أتعذّبُ.
جاسري وحنين أشواقي مني اليك روحي تتعذب، ألم يدلك قلبك أنني متلهفة لرؤياك
ألم يدلك قلبك عاشقي بل مهلكي أن روحي لقُربَك تتعطش
نعم في غيابك تقتلني اللهفه
حتى تأتيني بالأحلامَ متلهفا
تداعب وجهى بمعطف الدفئ
تملأ شوقي ببسمة ثغرك المترنم وبصوتك وهمسك اتنعم بقربك
فلقد أدمنتك وكفى وأحن إلى لقائك كل صباح ومساء
وتبكي مقلتاي
إن حل الغروب
وما واللهِ دمعي باختياري
ولكن العيون لها نحيب
أكاد أجن مما يعتريني.
فعيشي دون نبضك لا يطيب
ولي روح تكاد تذوب وجدا
ومن لفراق عينك لا يذوب
فان تكون غائبا عني زمانا
فإنك عن خيالي لا تغيب
أحبك ثم احبك مهلكي بل جاسري وحبيب عمري ومالقلبي إخياري سوى هواك المعذب
أهلاً بداءٍ أنتِ منه دوائي!
قلب بتلك الصفحات التي تغزوها دموعها وبأنامل مرتعشة تحسس كلماتها التي سطرتها بدموع عيناها
رفع نظره إليها.
وآآهة حارقة خرجت من قلب عاشق يتعذب بكلماتها، يكفي لكِ مهلكتي عذابي وعذابك، علينا تصحيح درب الحياة حتى لو رسمناها بآلام
داعب وجنتيها بأنامله وتحدث: -ليه العذاب دا كله، ليه توجعيني وتوجعي نفسك. هونت عليكي تبعدي كدا، لدرجادي مش واثقة في حبي
دنى يهمس بجوار كرزيتها.
-وجعتيني أوي أوي فوق ماعقلك يصورلك، على أد عذابك اللي شوفته دلوقتي مايجيش نقطة في بحر من وجعي ياجنجونة، نفسي اعاقبك اوي بس قلبي مش متحمل اشوف وجعك، بس لازم ادوس عليه زي ماانتِ دوستي ووجعتيني أنتِ مش بس وجعتيني إنتِ دبحتيني
بس ملحوقة يابنت عمي، اهلا بيكي في عشق جاسر الصامت. استعدي مابقاش فارق معايا حاجة والفضل يرجع لك يامدام جنى. حكمت واصدرت حكمك وانتظري مني العقوبة.
مرر إبهامه على شفتيها، لعل وعسى أن يروي ويشبع روحه الغائبة، تملمت تهمس باسمه، أطبق على جفنيه مستمتعا بهمسها لأسمه، شعور الراحة امتلكه حتى أحس بتضخم قلبه واشتعال اوردته، فاعتدل جالسًا على مقعده منتظرًا على أحر من الجمر أن تفتح بنيتها ليضئ قدره بها ولها.
رفرفت بأهدابها عدة مرات، وآلام تنخر عظامها، اعتدلت تتراجع على فراشها وكأنه كان يرواد احلامها، حتى وضعت كفيها على شفتيها مبتسمة، هبت فزعة بعدما تذكرت وجوده منذ قليل، بحثت بعينها عنه وجدته جالسًا على المقعد ولا يظهر على وجهه أي تعبيرات. همست بإسمه وهي تضع كفيها على أحشائها
- جاسر
نهض يضع كفيه بجيب بنطاله ثم رفع نظره وتعلقت عيناه بعيناها.
-عشر دقايق تلمي حاجتك، وعشر دقايق تلبسي، ودقيقة نزولك السلم والاقيكي تحت يامدام جنى
نظر بساعته يطالعها ثم هتف
-على ماأظن أنتِ مهندسة وتعرفي تحسبي كويس مش كدا ولا إيه. استدار متجهًا للخارج ولكنه توقف عندما استمع لكلماتها
-أنا مش همشي معاك فأي مكان، وصل إليها بخطوة واحدة يرمقها بنظرات مبهمة.
-بصي يابت انسي اللي قدامك دا جاسر اللي رمتيه وهربتي منه كأن ولا له لازمة، وقتك هيقل وهيبقى عشر دقايق بس وعايزك تتأخري وشوفي هعمل ايه
دفعته قائلة
-ابعد عني يابن عمي وعيش حياتك، رجوع مش هرجع معاك
حاوطها بذراعه حتى أصبحت أسفله وجز على أسنانه.
-وحياتك انا بكلمك بصفتي ابن عمك، أما لو هكلمك بصفة تانية هكرهك في عيشتك، هنزل وعلى الله تتأخري. أمال وهي تبتعد عندما شعرت بالضعف من قربه فجذب رأسها بقوة حتى اختلطت انفاسهما.
-بلاش افتكر اني الراجل اللي اتخان ومراته هربت منه، قالها وهو يغرز عيناه بعينها. فخليكي دلوقتي بنت عمي، فاهمة. ارتجفت شفتيها وقلبها يتلهف لقربه، تتمنى أن يخطفها لرحلة عذاب عشقه التي اشتاقتها، شعر بنظراتها الزائغة وصدرها الذي يعلو ويهبط.
همست بتقطع:
يعني ايه ياجاسر، يعني انا خونتك، زي ماخونتني، عايز تطلعني ست خاينة
غرز أصابعه بلحمها وتحولت عيناه للهيب من قعر جهنم.
-إنت عايزاني أموتك يابت ولا إيه. ارتفعت وتيرة أنفاسه وكأنها حولته إلى شيطان
-خيانة ايه اللي تقصديها اه. قالها بصوت كالرعد، ولم يشعر بنفسه وهو يعاقبها أشد العقاب منقضا عليها كأسد مفترس
يطبق على شفتيها بقوة آلمتها حتى تذوق دمائها، ورغم مايشير إليه عقله أنه يعاقبها ولكن اشتياقه الكامن بداخله الذي أظهرته فتنتها أمامه حتى ضعف واراد إلتهامها، تراجع بعدما اختنقت، يطبق على جفنيه من تهوره وضعفه.
استدار وهتف متصنع الغضب
احمدي ربنا انك حامل، اتجه ببصره إليها، قولتيلي قبل كدا، انك كرهتيني
وانا دلوقتي مش شايفك غير انك بنت عمي وبس، أشار لها
- اجهزي. قالها وتحرك هاربا من نبضات قلبه التي أعلنت عصيانها
توقفت سريعا متجهة إليه:
- وانا بقولك مهما تعمل مش هرجع معاك سمعتني، انا مش هرجع، ومن يوم ماسبتك علاقتي بيك خلاص مبقتش موجودة، يعني اللي بينا صلة قرابة وبس، ويوم مااحب أرجع هتصل بعز.
امسكها يضغط على ذراعها بقوة آلامتها
-هبل وحنان مش هرحمك، سمعاني ولا أسمعك بطريقتي، احمدي ربنا اني واقف بتكلم معاكي بالعقل، انا بتعامل معاكي بانك بنت عمي اللي غفلت العيلة كلها ونزلت لمستوى متدني وهربت، ضغط بقوة على ذراعيها حتى انسابت عبراتها
-خلت جوزها أضحوكة بين الناس، قال ايه غيرانة. دنى يهمس بجوار أذنها حتى لافحت أنفاسه جانب وجهها.
-بنت عمي اللي كنت مفكرها بريئة، طلعت مش متربية وجابت العار لأهلها، . تراجع ينظر لمقلتيها وابتسامة متهكمة لاحت على وجهه
بتقولي مفيش بينا علاقة، و
-طلبتي الطلاق. حك ذقنه يهز رأسه
-عايزة تطلقي، اقترب خطواته وداعب خصلاتها يضعها خلف أذنها
-حاضر هطلقك، انتي عارفة جاسر مايقدرش على زعلك برضو، بس مش دلوقتي، يعني لما يكون ليا مزاج.
تحرك وهو يهتف.
-الطيارة هتفوتنا، اجهزي يامدام جنى، متخلنيش اجي البسك بنفسي، والصراحة اتمنى ذلك. توقف لدى الباب واستدار يرمقها قائلا
-جنى صهيب الألفي. قالها بإستخفاف وخرج. استمع لطرقات على باب المنزل. خرجت الخادمة
-اهلا بحضرتك. توقف على باب المنزل متسائلا
-جنى موجودة. قطبت جبينها متسائلة
-حضرتك مستر جاسم المصري
ابتسم ثم دفعها بهدوء متجهًا للداخل.
-اه قولي لمدام جنى، جاسم عايز يقابلك قطع حديثه بعدما وجد جاسر أمامه. اقترب جاسر متسائلا
-إنت مين؟
ابتسم جاسم، يمد يديه
-أنا جاسم المصري للمعمار، مصري عايش في تركيا. انت بقى مين
حك جاسر ذقنه ونظررات نارية تحرق من يقترب منها
-تعرف جنى منين
اتجه ببصره إليها وأجابه وهو يقترب يجلس على الأريكة، يضع ساقًا فوق الاخرى
-مديرها في الشغل
هز رأسه يكتم غضبه بداخله
-مديرها اممم، تحدث مباغتًا بسؤاله
-إنت مين؟
-جوزها.
بعد عدة ساعات
هبطت الطائرة إلى الأراضي المصرية، خرج من المطار وهي بجواره دون حديث. وصل لسيارته المصفوفة داخل الچراچ. ارتدى نظارته يشير إليها
-منتظرة عزومة. نظرت حولها تبحث عن اخيها، فهتفت بتقطع
-مش المفروض عز يستننانا. رفع جانب وجهه بشبه إبتسامة ساخرة
واستقل السيارة خلف المقود. تحركت متجهة إليه دون حديث واستقلت بجواره تنظر إليه وهو يقوم بتشغيل المحرك.
-عايزة اروح لبابا، لو ناوي تاخدنا على البيت، عايزة اشوف بابا وماما. تحرك بالسيارة وأجابها وهو ينظر بالخارج
-اللي عايزك يجيلك، إنما أنت كفاية سياحة في كل مكان.
صاحت باسمه غاضبة
-جاسر. اتجه ببصره يطالعها بنظرة مطولة
-بلاش جاسر دي، شكلها تقيل على لسانك، ممكن تقولي ابن عمي، ألطف بالنسبة للتعامل بعد كدا
لم تتحمل المزيد من برود حديثه، فسحبت نفسًا ثم زفرته بهدوء.
-طيب يابن عمي عايزة اروح بيتنا، وزي ما حضرتك لسة قايل من شوية احنا تعاملنا ولاد عم
أمال برأسه حتى كاد يلمس وجنتيها بخاصته هاتفًا
-وقت مايكون ليا مزاج يابنت عمي، متنسيش إنك حامل في ولاد ابن عمك. تلألأت عيناها بطبقة كرستالية
بلاش تعاملني بالطريقة دي علشان منتعبش مع بعض يابن عمي. نظر أمامه دون حديث حتى وصل إلى حي الألفي
ترجل من السيارة، ثم استدار يفتح لها الباب.
-انزلي يامدام. العيلة الكريمة مستنين حضرة الهاربة من جوزها
استدار على صوت أوس
-جاسر. حمدالله على السلامة.
ابتسامة ساخرة تجلت بملامحه
-لأ. دي تقولها للمحروسة بنت عمك
جذبها بعنف من كفيها. وتوقف أمام منزل والده، بخروج جواد ووصول صهيب بسيارته بجواره نهى
ترجلت نهى سريعًا متجهة إليهم بعدما وجدت ابنتها. ارتفع صوت صهيب
-لو اتحركتي من مكانك. توقفت تطالعه بحزن يسكن بقلبها قبل عيناها فهمست.
-بنتي ياصهيب. ترجل من سيارته واتجه إلى زوجته. خرج الجميع على صوت جاسر، حتى وصل حازم بجواره جواد ابنه. توقف مذهولا وهو يرى محاوطة جاسر لجنى
توقف يوزع نظراته بينهم
-ايه مفيش ترحيب ببنت عمي الهربانة، رمق عز بنظرة وارتفع جانب وجهه بشبه إبتسامة.
-ايه يازيزو. اختك الهربانة وصلت، مفيش حمدالله على السلامة للهربانة هانم. ابتعد عز ببصره بعدما رفعت جنى نظرها إليه بعيونًا مترقرقة. استدارت تطالع والدها بذهول عندما أردف
-وأنا بقولك ماليش بنات، بنتي ماتت
أطبقت على جفنيها فانهمرت عبراتها تغرق وجنتيها. بينما شهقت نهى متجهة إلى ابنتها، امسكها صهيب
-روحي وورقة طلاقك معاكي
صاعقة رعدية زلزلت كيانها فهمست بصوت متحشرج
-صهيب ايه اللي بتقوله دا.
استدار مبتعدًا. ثم تحرك متجهًا إلى أوس. متجاهل جواد وجاسر
-لو كنت جايبني هنا علشان كدا، انا ماليش حاجة هنا. قالها واتجه متحركًا لسيارته. توقف يرمق نهى
-هتيجي معايا ولا لأ
طالعت جواد تستعطفه حتى ينقذها ولكن صمت جواد ولم يعري إهتمام لنظراتها. كانت نظراته على ابنه، محاولا أن يصل إلى مايفكر به
أبعدت ذراع جاسر عن محاصرتها واتجهت لوالدها
-بابا. أشار بيديه إليها بالتوقف.
-أنا ماليش بنات. زي إنت مااعتبرتينا مش موجودين احنا كمان رمناكي
أشار إلى عز
-ياله ولا هتفضل واقف تتفرج وتنذل بيها أكتر من كدا. مش كدا يابن جواد قالها وهو يطلق جاسر بنظرات غاضبة
أمسكت جنى كف عز ووقفت تطالعه بجسد كل انش به يرتجف ويرتوي بدموع آلامها. فانفجرت باكية بعيون نادمة
-عز. نزع يديه بقلبًا مرتجف وطالعها بنظرات معاتبة قائلا.
-عز عمره ماقفل بابه في وشك، اتنازلت عن روحي علشانك، بس إنتِ عملتي ايه. كسرتيني وكأن مالكيش أهل. ودلوقتي روحي مكان ماكنتي
دنت منه تريد ان تلقي نفسها بأحضانه
ولكنه تراجع يحدجها برفض قاطع، ورغم لم يتفوه بها بلسانه إلا أن نظراته كانت ابلغ من أي حديث
تراجعت خطوة تهز رأسها مذهولة. رفعت نظرها لوالدها الذي استقل سيارته، ينتظر والداتها
لحظات وتحرك صهيب تاركًا ابنته الوحيدة في ظلام الألم والحزن.
ظلت نظراتها على سيارة والدها حتى اختفت عن مرمى نظرها، وخلفها سيارة أخيها. انسابت دموعها بصمت تطبق على جفنيها حتى شعرت بتمزقها
-خلصت مسرحيتك. خد مراتك وارجع على بيتك. قالها جواد مستديرا، ولكنه توقف عندما صاح جاسر
ايه انت كمان مش هترحب ببنت اخوك، وتقولها برافو عليكي كسرتي جوزك ياجنجون، ولا خايف ازعل
تجمد جواد بوقوفه محاولا استيعاب قساوة ابنه فاستدار بعدما سحب نفسًا وطرده.
-مش هرد عليك، عارف ليه، لان اللي واقف قدامي دا مش ابني
-أنا مكنتش جاي هنا، بس هي اللي أصرت، كانت عايزة عمها الحنين ياخدها بحضنه، وعلى فكرة ياحضرة
عايز اشكرك على قرارك، بس بالجملة عايز اعرفك حاجة علشان مترجعش تلومني
-بنت اخوك من يوم ماهربت، كسرت قلبي وحبي، ومبقاش عندي ثقة فيها، فهي مهما كانت بنت عمي، بس دا ميمنعش اني ارجع مراتي تاني لعصمتي. وهي اللي حكمت بكدا، اتجه بأنظاره لجنى.
-صح يابنت عمي. دلوقتي اللي بيربطني بيكي ولادي اللي في بطنك وبس. ووقت مايتولدوا هحررك، أما قبل كدا متحلميش انتي وعمك
بس طبعا هرجع مراتي بدل انتي اخترتي. انا كمان هختار
-كدا عداني العيب ياحضرة اللوا.
↚
خرج من المشفى واستقل سيارته متجهًا لقسم الشرطة لعمله. ولج للداخل وجد ياسين بأنتظاره. توقف يطالعه مستفسرًا: -فيه حاجة ولا إيه؟
جذب مقعدٍ مكتبه ينتظر حديثه
-مالك يلا! قالها وهو يشعل سيجاره
جذب سيجاره وألقاه يدعسه بعدما نزل بجسده أمامه.
-جاسر هتفضل لحد إمتى عامل أهبل وعبيط، عارف إنك اخويا الكبير، بس اغلاطك بتوقعنا كلنا، شوفت اللي حصل بين عمك وابوك، دا اول مرة يزعلوا من بعض، اتجننت ياجاسر، متحاولش تقنعني إنك ملاك مع جنى
رفع جاسر قدمه فوق مكتبه
-خلصت كلامك!
ضرب ياسين على مكتبه
-جاسر ابوك كان ممكن يموت، انت فاهم المصيبة اللي حصلت خرج سيجارة أخرى وقام بإشعالها. تعاظم الغضب لدى ياسين، فدفع قدمه من فوق المكتب.
-معرفش اقولك ايه يااخي، خليك عايش دور الأهبل دا، غرز عيناه بمقلتيه
-حافظك اكتر من نفسك ياجاسر، وعارف انك عملت مصيبة لجنى خلاها تهرب منك ومن الدنيا كلها، بس اللي مش قادر افهمه، ازاي قدرت تعمل حاجة كدا وهي حامل، ومعنى أنها تهرب حتى من عز يبقى الموضوع اكبر من توقع اي حد فينا
قاطعهم دخول العسكري
-مدام فيروز برة ياباشا وعايزة تدخلك
نصب ياسين عوده ينظر إليه مذهولا
-فيروز. رددها بصدمة كادت أن تذهب عقله.
أشار جاسر للعسكري
-دخلها وهات قهوتي، بس خليها سادة
مسح ياسين على وجهه بغضب حتى يسيطر على أعصابه. ولجت فيروز بإبتسامتها، ولكن اختفت عندما وجدت ياسين يطالعها بعينين تطلق شرزا
-مساء الخير. نهض جاسر من مكانه يشير إليها
-اقعدي يافيروز. تشربي ايه
-ميرسي ياجاسر، مصدقتش لما طلبتني بقالك كتير يعني مكلمتنيش، استدارت لياسين
-عامل ايه ياسين؟
استدار بوجهه للجهة الأخرى دون الرد، ضيقت مابين جبينها.
-ماله ياسين زعلان مني ولا إيه
استدار إليها قائلًا بصلف: -اولا ياسين مش بيلعب معاكي، اه كنتي مرات اخويا في وقت، لكن حاليا مفيش بينا رابط، ثانيا اسمي حضرة الظابط، اعرفي قدرك يامدام. قالها ثم نهض من مكانه وهو يجمع أشيائه يطالع أخيه بإستياء
-أنا ماشي، بعدين نكمل كلامنا
-استني. قالها جاسر بهدوء، بدلوف العسكري وهو يحمل قدحين من القهوة، وضعها على المكتب متسائلا
-تؤمر بحاجة ياباشا
أشار على فيروز.
-هات ليمونادا لمدام فيروز. اومأ العسكري وخرج
تحرك ياسين. فتوقف عندما صاح جاسر
-استني علشان فيه مشوار هنروحه مع بعض. تأفف بضجر هستناك برة، متتأخرش عندي سفر بالليل، خرج ياسين ونظرات جاسر عليه، ثم اتجه جاسر لفيروز، ابتسمت ولمعت عيناها مردفة
-من وقت ماسبتني في المستشفى ماسمعتش صوتك، وكمان مابتردتش على تليفوناتي ليه، سألت عليك حضرة المستشار قالي معرفش.
ظل يطالعها بصمت، ثم سحب نفسا وزفره ببطئ، متنهدًا، حمحم قائلًا
-تعرفي أنا كنت رافض أدخل الشرطة في الأول علشان افضل محترم، كان عندي نظرية أن الظباط دول ليهم شخصية تانية تدل أنهم مش بيحترموا الناس، شبح ابتسامة على وجهه، ثم رفع نظره إليها.
-بس من صغري لما كنت بشوف بابا وشخصيته، أقول عايز أكون ظابط زي حضرتك يابابا. بابا كان رافض طبعًا، ورغم رفضه عمره ماأجبرني على حاجة. عمرنا مااختلفنا لحد ما دخلتي حياتي. من وقتها بعدت عن ابويا، رغم تحذيرات عز اللي كانت دايما بتحسسني إن ابن عاق، تراجع بجسده ونفث سيجاره ومازالت نظراته عليها، كلامه لسة بيرن بوداني لحد دلوقتي، منكرش وقتها مكنتش فاهم قصده، دنى بجسده ينظر لمقلتيها.
-عارفة قالي إيه وقتها يافيروز. كانت تناظره بصمت فهزت رأسها
قالي شايفك بدأت تتسرب شوية بشوية من العيلة لحد ما هيكون فجوة والفجوة دي هتكبر ومش هتعرف تسيطر على نفسك. وقف صلبا متجمدًا واتجه للنافذة ينظر للخارج
-كنت بتكسف لما بقعد مع ابويا علشان حاولت اثبتله أنه غلط وأنا صح. ابتسامة ساخرة ظهرت على ملامحه.
-اصله ياما حذرني، لكن أنا الأهبل اللي كنت عايز أخرج من قوقعة جواد الالفي، مشيت ورا البت اللي لعبت عليا. أطلق ضحكة صاخبة وهو يلطم كفيه ببعضهما
-جواد الألفي قالي زمان كلمة.
-قالي يابني دايما الطبع بيغلب التطبع، ومتحاولش تثبتلي أن واحدة بقالها 22سنة عايشة على حاجة تيجي تغيرها علشان واحد مثلت عليه الحب في الأول. واللي يخدع مرة، يخدع مليون مرة، واللي يتربى على الغش والخداع عمره ماينضف، لأنه معذور مش هيبقى فاهم يعني ايه أخلاقيات
وانا لحد دلوقتي رافض الجوازة دي، ومش معنى اني وافقت عليها يبقى راضي. لا ياجاسر انا لسة عند رأيي
إن فيروز مش المناسبة.
جلس أمامها مرة أخرى.
-ابويا واخويا حذروني ورغم كدا اتعاملت معاكي برجولة، رغم انك متستهاليش
-جاسر ايه اللي بتقوله دا، أنا اتغيرت لما انت حاولت تبعد عني، ومكنتش شايف غير جنى وبس
-بلاش اسم جنى يافيروز علشان مزعلكيش بجد. خليني اتعامل معاكي لأخر نفس إنك كنتي مراتي
تجمد جسدها تطالعه بذهول
-بس أنا بحبك
-وأنا مبحبكيش. قالها سريعا. انحنى بجسده يدقق النظر بمقلتيه.
-قلوبنا مش عليها سلطان، أنا حاولت مظلمكيش، حاولت أنصف قلبك ورغم كدا أنتِ منصفتنيش فيروز
-جاسر لو سمحت
أخرج بعض الأوراق أمامها
-دي تأشيرة لسويسرا، بعمل كويس في شركة سياحية كويسة، وصاحبها شخصية محترمة ومعرفتي شخصيا.
تسارعت دقاتها بعنف تهز رأسها رافضة
-ايه اللي بتقوله، عايزني اسافر، طب ازاي، عايز تبعدني أوي كدا
نهض من مكانه واتجه يجلس بمقابلتها.
-فيروز أنا لحد اللحظة دي كنت معاكي جاسر بن جواد الألفي اللي هو طليقك، أما لو عايزة امشيها رسمي، صدقيني هخليكي تنتحري مني يا فيروز. اللي حايشني عنك العيش والملح بينا دي حاجة أما الحاجة التانية تربيتي اني متشطرتش على ست كانت في يوم من الأيام مراتي
توقفت الكلمات على أعتاب شفتيها تهز رأسها رافضة حديثه.
-دا كله علشانها، دا كله علشان قدرت تفرق بينا، طيب فين حقي زي حقها.
نفث سيجاره يطالعها بهدوء رغم النيران التي تسكن صدره
-فيروز احنا افترقنا من زمان أوي، حتى قبل ماأطلقك، افترقنا لم اتغيرتي ونزلتي ابني ووووو بلاش اعدلك وكل شوية تقولي جنى
نهضت من مكانها ونشجت بمرار والدمع يتساقط من مقلتيها
-علشان هي السبب، هي لو اتجوزت وبعدت مكنتش طلقتني، انا عارفة إنك بتعمل كدا علشان باباك وعمك صح. أيوة. أقتربت تحتضن كفيه.
-أنا السبب عارفة، كنت بشوف نظراتك غلط. عارفة انا اللي ضغطت عليك وصورتلك حبها، انسابت عبراتها بغزارة
-جاسر إنت محبتش غيري، سامحني علشان كنت بظلمك واشكك في حبك
انعقد لسانه من حالتها، فتراجع للخلف يضع كفيه بجيب بنطاله
-لأ يافيروز، إنتِ كنتي صح، أنا فعلا بحبها. وضعت كفيها على فمها تبكي بشهقات
-متقولش حاجة لو سمحت، انت بتقول كدا علشان تضايقني على اللي عملته معاها، بس أنا معذورة ياجاسر.
الراجل اللي حبيته رماني وراح اتجوز حتى ماحاولش يسأل عني، كنت مستني مني ايه، اخدها في حضني. اه أنا بعت لها فيديوهات وانا اللي فتحت الغاز وخليت الجيران تتصل براكان، وانا اللي خليت الممرضة تحطلك منوم في قهوتك ونمت جنبك وبعتلها صورنا، اقتربت من تضع كفيها على صدره
-ومستعدة أقتل جنى نفسها ياجاسر لو مرجعتنيش. لأنك السبب محدش قالك تقرب مني كدا علشان اتجنن بحبك.
كلماتها نزلت فوق مسامعه كسقوط نيزك حتى جعله غير متزن بوقوفه فهوى على المقعد خلفه هامسًا بضياع
-انتِ ايه شيطانة!
انحنت بجسدها ووضعت كفيها على أكتافه قائلة بنبرة لا تقبل الجدال.
-لأنك غلط معايا ياجاسر وظلمتني، ظلمتني لما خلتني أحبك أوي أوي وفي الاخر تسبني وترميني كأني واحدة قضيت معاها كام ليلة حلوة، بس وحياة كل دقة قلب ليا ماهتنازل على قلبي اللي حطمته، وهخلي جنى دي تكره نفسها من مجرد أنها قربت من حاجة ملكي. ومش بعيد ترميها هي كمان زي مارمتني
. طحن ضروسه ضاغطا عليها بقوة
-عارفة جنى ايه عند جاسر يافيروز
طالعته بغضب تنتظر حديثه.
-جنى دي روحي يافيروز، هتقربي منها مش هقولك هعمل ايه، اللي متعرفهوش عني مبحبش الكلام، اللي يعرف جاسر تلاتة بس جواد الألفي، جنى و غزل الألفي. دول اللي يعرفوا جاسر، يعني ميغركيش إني هادي وابن ناس، لكن لا لما بقلب بكون نمرود، وقولتلك قبل كدا. انا مكنتش عايز ادخل شرطة علشان افضل محافظ على أدبي، اقترب يجذب عنقها يقربه إليه ثم همس بجوار أذنها.
بس هي كانت عايزة اكون ظابط، تخيلي حاجة كنت بكرهها، بس حبيتها علشانها هي ممكن أسمح لحد يقرب منها أو يأذيها، قربي بس يافيروز، عايزك تقربي بس ورني جرس الباب بالغلط
ابتلعت غصة مسننة حتى شعرت بتمزق جوفها
-لدرجة دي. ياااااه ياحضرة الظابط
جلس بمكانه ومازالت نظراته المتوعدة في عمق عينيه قائلاً:
-أنا مكنتش عايز الأمور توصل بينا لكدا، انا اتعاملت معاكي من اول مرة قابلتك فيه كراجل.
- بالمشفى بعد عدة ساعات مالك يااوس، مبتردش على جوز اختك وأخو مراتك ليه
رمق بيجاد بنظرة وتحدث بمغذى
-اه جوز اختي اللي قرطسنا كلنا مش كدا يابيجاد
قطب بيجاد حاجبيه
-بتقول ايه يابني إنت. دنى يهمس له حتى لا يسمعه جواد
-مين اللي هرب جنى يابيجاد
جحظت عيناه ينظر إليه بذهول
-عرفت منين؟
اتجه لوالده دون حديث. نهض بيجاد مقتربا من جواد
-أوس عرف اني ساعدت جنى. نظر أوس لوالده متسائلًا.
-هو يقصد إيه يابابا، حضرتك اللي طلبت من بيجاد أنه يساعد جنى. هز رأسه رافضا
-لأ، مستحيل يابابا تكون انك اللي ساعدت جنى، حضرتك عارف جنى دلوقتي في تركيا وشغالة كمان عن طريق يعقوب المنسي. ازاي حضرتك توافق على كدا يابابا، ازاي
توقف جاسر يستمع إلى أوس مذهولا.
خطى بخطوات واهنة يتخبط بمشيه
-ايه اللي بسمعه دا، توجه بنظره لوالده
وانكمشت ملامحه بألم يهزئ بكلماته
-حضرتك اللي ساعدتها، نظر حوله بتوهان يهز رأسه.
-كنت عارف انك ورا دا، عارف انها متعملش كدا من نفسها، دنى من والده
-ليه يابابا. دا حبك ليا، دي حقي عليك
تجمعت عبراته وانحنى بجسده يضع يده على فراش والده
-ابنك مصعبش عليك، وانت عارف أنه هيتوجع
اقترب بيجاد
-جاسر ممكن تهدى وتفهم. كانت نظراته على والده فقط. شعر بغصة تمنع تنفسه وتحدث بصوت متحشرج.
-عارف انك بتحبها وبتخاف عليها، بس عمري مااتوقعت انك بتحبها أكتر من ابنك، عايز تأكدلي أني مستهالهاش علشان رفضت كلامك واصريت على فيروز صح ياحضرة اللوا. اغمض جواد عيناه وشعر بإنسحاب أنفاسه...
↚
تابعت تخطو بخطوات واهنة إلى أن وصلت الى جواد وغزل وتوقفت أمامهما
-عارفة إنك زعلان مني ياعمو، ومش هلومك، بس أنا قلبي وجعني ومحبتش اوجعكم عليا، قولت أعمل حاجة وحيدة في حياتي من غير ماأرجعلكم، طالعته والدمع يتدفق من عيناها
-عارفة كسرتكوا، ومهما أقول مش هقدر اداوي وجعكم مني، بس مش طالبة غير انكم تسامحوني.
رفعت كفيه تحتويه وانحنت تطبع قبلة بدموعها عليه هامسة ببكاء.
- آسفة. قالتها واستدارت متحركة متجهة إلى سيارة جاسر. توقفت ثم اتجهت بأبصارها توزعها على الجميع، ولكنهم لم يعروها إهتمام، فتحت باب السيارة متجهة لزوجها قائلة بصوت مجهد كاد أن يخرج
-أنا جاهزة. قالتها واستقلت السيارة بجواره، وعبراتها تغرق وجنتيها، حتى ارتفعت شهقاتها تضع كفيها على فمها
تحرك جاسر إلى أن وصل لوالده
-مسرحيتي خلصت ياباشا، وياريت محدش يدّخل بيني وبين مراتي. امسكه جواد حازم من كتفه.
-جاسر متغلطش، جنى رقيقة مش حمل اللي بتفكر فيه
لكمة قوية بوجهه
-إنت مالك اصلا. خليك في حالك
دفعت ربى جواد وتوقفت أمامه عندما اقترب من جاسر يريد عراكه، فصاحت صارخة: -كفاية بقى انتوا ايه مش بتفكروا غير بنفسكم وبس، ذهبت ببصرها لوالدها الذي تحرك بجوار غزل بخطوات هزيلة كأنه ابن 100عقد
-بصوا كدا وشوفوه كويس، ايه عايزين تموتوه، رفعت نظرها إلى حازم
-عمو حازم لو سمحت خد جواد من هنا، ثم اتجهت لأخيها.
-جاسر امشي، بس هقولك حاجة واحدة. ماتخليش غضبك يعميك وفي الاخر ترجع تندم، ساعات قراراتنا بتكون متهورة وبسببها بنخسر كتير ونرجع نقول ياريت
تحركت إلى وقوف غنى وسحبت كفيها وتحركت للداخل دون إضافة شيئا اخر، أما بيجاد الذي وقف يضع كفيه بجيب بنطاله تحرك خلفه حتى وصل لسيارته
-تعرف كنت صعبان عليا أوي، لكن حركاتك دي نزلت من نظري، أشار بيديه للسيارة.
-مراتك حامل يامتخلف، ممكن تعاقبها براحتك بس مش بالطريقة الزبالة بتعاتك دي، دنى يهمس له
-جاسر انا ليه النهاردة اقتنعت انك ماحبتش جنى، لكزه بصدره وتحدث بهسيس: -مفيش حبيب بيأذي حبيبه يالا. إنما أنت بتدبح مش بتأذي
ارتدى نظارته وابتسامة ساخرة على وجهه وهتف: -الرجالة كلها مش زي بعضها يابيجاد باشا، فيه اللي بيقبل مراته تهين رجولته عادي وفيه اللي يدوس على قلبه علشان واحدة باعته وهو اشترى الغالي بالرخيص.
هنا لكمه بيجاد بقوة حتى ترنح جسد جاسر للخلف وصاح غاضبا: -غبي ومتخلف. الرخيص دا انت اشتريته في الأول. ياخسارة يابن جواد. قالها ثم دفعه ينفض كفيه ينظر إليه مزمجرا بغضب: -لو اعرف انك واطي كدا صدقني كنت ندمتك ندم عمرك، لكن أنا اللي غبي اللي اتهاونت مع واحد زيك. اتجه.
وفتح باب السيارة واستقلها متحركًا بسرعة جنونية، وغضبه يعمي بصره وبصيرته. كانت تستند برأسها على زجاج نافذة السيارة وعبراتها تنسدل بصمت، وذكرياتها مع والدها. فجأة وضعت كفيها على بطنها تصرخ به
-اتجننت عايز تسقطني، براحة ولو مش متحمل وجودي نزلني
هدأ من سرعة السيارة، وزم شفتيه يجيبها بملامح جامدة: -ليه ياست الهربانة ناوية تعملي جولة جديدة. استدار بنظره إليها يطالعها بنظرات متهكمة.
-بلاش شغل الحنية اللي بترسميه قدامي وخوفك على ولادي، دنى يضع كفيه على أحشائها ويتابع الطريق بعينيه
-دول أغلى من حياتي، يعني مستحيل أذيهم بقصد، بس دا ميمنعش اني فعلا مش متحمل وجودك لحد ماأوصل
اطعنها بكلماته وانقبض قلبها من نظراته الباردة، هزت رأسها واستدارت تنظر للخارج وتنهيدة مرتجفة افلتتها
-عندك حق دول أغلى مني شخصيًا، استدارت مرة أخرى وغرزت عيناها بمقلتيه هاتفة: -علشان دول هيكون أخر معروف مابينا.
ارتفعت ضحكاته ورغم أنه افلتها من بين شفتيه إلا أنها شحذته كالسكين البارد ثم إجابها بحاجب مرفوع وزاوية فم ملوية: -معروف! استأنف ابتسامته الهازئة محاولا السيطرة على وجعه ونزيف قلبه الداخلي
-عندك حق اللي كان بينا معروف وقرابة مش أكتر. توقف بالسيارة، وأخرج زفرة محملة بالوجع الداخلي.
-انزلي يامدام وصلنا، أشار على المنزل قائلاً: -دا من الليلة سجنك يامدام جنى، وقبل ما اسمع اعتراضك، كان بودي اساعدك واخليكي تمشي مع ابوكي زي ماكنتي مخططة، لكن نصيبك بقى أنهم يتخلوا عنك ومايبقاش غيري يلم شرفهم. أنهى كلماته الموجعة بنظرات مشمئزة
شهقة خرجت من فمها
-شرفهم! شايف اني بوقع شرفهم. ياااه لدرجة دي شايفني كدا.
اندلعت ضحكة عالية من جوف حسرته، وتكورت عبراته تحت جفنيه محاولا السيطرة على منعها من الهبوط، فتحدث بصوت متحشرج بغصة آلامه
-الصراحة لأ. دا شرفي أنا للأسف.
تنهد بمرار وكأن هروبها سيظل وصمة عار تلاحقه ولا يستطع الشفاء منه ابدا، لقد أصابت قلبه المتيم ونزفت روحه، ورغم ذلك مازال عشقها يعشعش بقلبه، لا يقو على الابتعاد عنها، يتنفس عشقها وقربها. زفر بضيق تجلى بمعالم وجهه ثم مسح بكفيه على وجهه مشيرًا على باب السيارة
-انزلي، مش عايزة شوية الاحترام اللي باقين عندي ليكي اضيعهم
توسعت بؤبؤتها، وكأنه ألقاها بحجرًا ثقيلًا ليصفعها بقوة على صدرها، لتشعر بثقل تنفسها.
-الكلام دا ليا ياجاسر. قالتها بصوت مختنق بالبكاء. ترجل من السيارة بعدما صفعه قلبه بالضعف على حالتها المبكية متجها إلى بابها، ليفتحه وينزلها بضعف من كلاهما
-انزلي يابنت عمي، لسة بعاملك على إنك بنت عمي
لم تتحمل المزيد من برود حديثه، طأطأت رأسها وترجلت من السيارة بجسدٍ مرتجف. انهارت حصونها بعدما تركها بضعفها واتجه للداخل حتى لا ترى الوجع المرسوم فوق وجهه.
تحركت بخطوات هزيلة، شعرت بإنسحاب أنفاسها وحالة من الأغماء سيطرت عليها. تعكزت على إحدى أشجار الزينة التي توضع أمام المنزل لبعض اللحظات وانسابت عبراتها رغما عنها، رفعت أصابعها المرتجفة تزيل دموعها بهدوء. تحركت بعض الخطوات مترنحة، كادت أن تسقط لولا ذراعيه الذي تلقفها، حاوطها بذراعه
-خدي بالك لتوقعي والوقعة تكون غلط. أنهى حديثه يرمقها بنظرة قاتمة
أحست بقبضة تعتصر صدرها، فهمست.
-متخافش عليهم لو ليهم نصيب يجوا هيجوا. أبعدت ذراعيه واستأنفت بوجهها الشاحب: - ماتحسسنيش اني عايزة أخلص منهم، جذبها بقوة فاصطدمت بصدره
رفع ذقنها ينظر لعيناها القريبة.
-عارف إنك خايفة عليهم، ويمكن أكتر من نفسك كمان. بس من واجبي أنصحك. نزلت ببصرها لكفيه الذي يضمها فرفعت رأسها وطالعته قائلة: -جاسر أنا آسفة. لاحظ إرتجافها بين ذراعيه. فرفع كفيه يجذب رأسها لصدره، وأغمض عيناه، تمنى لو تتوقف عقارب الساعة ويعود بهم الزمن ليوم زواجهما همس ورأسها على صدره تستمع لنبضات قلبه المتمردة
-آسفة، بالبساطة دي، قوليلي أعمل فيكي ايه، احكمي وأنا راضي بحكمك.
رفعت رأسها بعدما شعرت بنبرته الشجية، ثم رفعت أناملها تمررها على وجهه
-آسفة مكنش قصدي أوجع حد، كنت عايزة أبعد علشان مكرهكش عايزة أتأكد من حبك ليا، متظلمنيش إنت، وضع إبهامه على شفتيها ودنى من شفتيها
-اششش. مبقاش ينفع نتكلم، انت متستهليش حبي. لمس شفتيها بخاصته وأغمض عيناه
-ازاي مقدرتيش تعرفي إنك نبض قلبي، إزاي ماحستيش بحبي، وضع جبينه فوق خاصتها وآه بآنفاسٍ حارقة.
-انتِ كنتي روحي ياجنى، عارفة يعني ايه، يعني مقدرش اتنفس وأعيش من غيرك، دا انا اتجوزت علشان أهرب من لعنة عشقك اللي كانت بتخقني وانتِ قدامي ومحرمة عليا.
-جاسر. همست بها تحاوط جسده وهي تدفن نفسها داخله
-بلاش تموتني ياجاسر، قولي إنك هتعاقبني أي عقاب الا إنك ترجع فيروز، مرمغت رأسها بصدره
-عاقبني أي عقاب بس بلاش توجعني بالطريقة دي هموت
أخرجها بهدوء من أحضانه.
-جنى انت طلبتي الطلاق مش من حقك تقولي لي اعمل إيه، وبعدين مش دي فيروز اللي اقنعتي نفسك اني بحبها، امال بجسده يهمس بجوار أذنها
-هرجعها ياجنى ومش بس كدا هبات عندها وهعدل بينكم في الفترة اللي هنكون مع بعض فيها، بس حياتي معاكي أنتِ نهتيها من وقت ماكسرتيني
تجمد جسدها من كلماته التي نزلت كسهام مسمومة تخترق صدرها دون رحمة فتحدثت بشفتين مرتجفتين
-تقصد إيه ياجاسر، يعني بتتكلم بجد
أمسكت ذراعه تترجاه بعينها.
-أكيد مش هتعمل فيا كدا. هزت رأسها بضعف
-قولي إن كلامك مجرد انك تضايقني وتوجعني. رفعت كفيها تدير وجهه بعدما ابتعد بنظراته. رفعت نفسها تحتضن وجهه بين راحتيها
-جاسر أنا بحبك، متعملش فيا كدا، كل اللي قولته مجرد كلام وبس.
أزاح كفيها وهناك معركة حامية بين كبريائه وعشقه تجعله متخبطًا، ولكن هنا فاز الكبرياء وصُفع القلب متراجعا عندما تحدث: - مالكيش حق عندي. قالها واستدار للمغادرة حتى يهرب من ضعفه أمام بكائها. تحركت خلفه تتشبث بذراعه، توقفه فتحركت تقف أمامه: -لو عملت كدا يبقى قضيت على كل حاجة حلوة بينا...
-مش أنا اللي اخترت، حضرتك يامدام اللي اخترتي، حضرتك يامدام. رفع ذقنها وتعمق بعينها.
-انتِ كسرتي قلبي، فاهمة معنى الكلمة يابنت عمي
حدجته برفض قاطع تهز رأسها قائلة: -مستحيل تعمل فيا كدا، عارفة انك بتقول كلام وخلاص علشان توجعني صح. اومأت عدة مرات تردد
-أيوة صح، إنت مستحيل تكسرني وتوجع قلبي
ضغط على رسغها وتحدث غاضبا كأنها أخرجت جيوش غضبه وتمرد قلبه قائلا: -فوقي من الوهم، أنا مابقتش جاسر بتاع زمان اللي بيسامح ويدوس على نفسه علشان يشوف ضحكتك، دفعها بعيدا عنه وزمجر.
-اللي قدامك بقى من غير قلب والبركة فيكي، كسرتي رجولتي، خلتيني أهرب من نفسي. ابعدي عني ياجنى علشان مخلكيش تكرهيني بجد
تحرك فأوقفته
-يبقى طلقني يابن عمي وعيش حياتك زي ماانت عايز. قالتها بأنفاس تشبه الدخان، ابتسم ساخرًا ثم تحدث:
-وقت مايكون ليا مزاج يابنت عمي، متنسيش إنك حامل في ولاد ابن عمك. تلألأت عيناها بطبقة كرستالية.
بلاش تعاملني بالطريقة دي علشان منتعبش مع بعض ياجاسر. نظر أمامه دون حديث حتى وصل لباب منزله، ولج للداخل ينادي على العاملة
-منيرة تعالي طلعي شنط الهانم، خليها ترتاح تحت علشان طلوع السلم هيكون صعب عليها، اتجه بنظره إليها، جهزتلك الأوضة اللي على اليمين علشان تريحك. شوفي لو ناقصها حاجة عرفيني واخليهم يجبوها، هتفضلي فيها لحد ماتولدي، استدارت بأنظارها الزائغة للغرفة ثم اتجهت إليه.
-بس أنا عايزة اوضتي، مش عايزة أغيرها، وضع كفيه بجيب بنطاله ناظرًا إليها ببرود: -قفلتها، مابقناش محتاجنها، مرة ولعتي فيها، معرفش الجنونة المرة دي هتعملي إيه، انحنى بجسده يغرز عيناه بمقلتيها
-حظي متجوز واحدة مجنونة، بس معلش غلطة وتتصلح يابنت عمي، استدار متحركًا للأعلى، فتوقف فجأة ثم رمقها.
-بلاش جاسر دي اصلي بحس إنها تقيلة، خليها ابن عمي زي ما دايما بتقوليها، شعرت ببرودة تجتاح جسدها بالكامل، وضعت يديها على أحشائها ثم صاحت
-يبقى همشي تاني يابن عمي، بس وقتها مش هتلاقيني. اتجهت بخطوات جعلتها متزنة رغم ضعفها واحساسها بالدوران اقتربت منه حتى اختلطت أنفاسهما
- أنا لو مش عايزاك توصلي هعملها ياجاسر، وزي ماانت اتغيرت في الشهرين دول أنا كمان اتغيرت. لكزته بصدره ودنت تطالعه بنظرات تحذيرية.
-لو عقلك، بقول عقلك مش قلبك صورلك انك ممكن تعمل اللي قولت عليه، وحياة حبي ليك ماهخليك تعرفلي مكان، ودا وعد من جنى الألفي يابن عمي. ممكن اتحمل منك أي حاجة الا إنك تزلني. أشارت على قلبها
-للأسف الغبي دا معرفش غيرك، بس وقت ماتدوس عليه هو هيدوس عليك، حاوطت أحشائها ومازالت نظراتها عليه
-دول أغلى من حياتي زي ماقولت، مش علشان اضايقك زي مابتدعي قدامي، لأ، غالين علشان هم من حبيبي أو بمعنى أدق اللي كان حبيبي.
تراجعت تشير على الغرفة
-حاضر هنام في السجن بتاعك، وحاضر هكون عاقلة ومش هتجنن علشان مأذيش عيالك، بس خليك اد كلامك ووقت مااولد تطلقني. دا في حال انك ابن عمي، أما هتقل بأصلك وأصل عمي هوريك الجنان على حق يا. ابتسامة ساخرة وهي تستدير تلوح بكفيها
-ابن عمي. تصبح على خير يابن عمي
. تحركت سريعا قبل أن تضعف بالبكاء أمامه، دلفت الغرفة، تحاوطها بنظراتها كانت لا تقل جمالا عن غرفتهما بالأعلى. اتجهت الخادمة.
-مدام جنى، انا رصيت الهدوم، ونزلت لحضرتك اللي كانو فوق، محتاجة حاجة تانية، هزت رأسها بالنفي. فخرجت العاملة وتركتها، حتى تخرج ضعفها. هوت على الفراش تبكي بصمت، وضعت كفيها على فمها تمنع شهقاتها حتى لا يستمع إليها
تمددت عندما شعرت بألمٍ يفتك بها، ضمت نفسها كالطفل الرضيع تحاوط احشائها بذراعيها. ودموعها تنساب بصمت تتذكر حديثه بالطائرة.
-هجبلك مرافقة تبقى معاكي 24ساعة، مش عايز اي إهمال علشان صحة الولاد، أكلك لازم تحافظي عليه، تاخدي بالك من صحتك علشانهم، دول حاليا أهم حاجة عندي، أغلى من روحي شخصيا. جنانك هتطلعيه على الولاد صدقيني مش هرحمك ياجنى، عايزة تتجنني، يبقى اتجنني بعد ماتولدي، إنما دلوقتي وانتِ حامل مش مسمحولك حتى إنك تزعلي علشان ميتأثروش. كل يوم تخرجي للحديقة لازم تغيري جو، وانا هظبط جدولي واحاول أشوف يوم أخرجك فيه.
دموع فقط تنساب منها على غدر الزمن بها. بكت حتى أصبحت عيناها كالأرض الصحراء. غفت بعد فترة واهدابها متعلقة بدموعها
بمنزل صهيب الجديد
قبل قليل، ترجل من سيارته ممسكًا صدره، كانت جالسة بالسيارة ودموعها تغرق وجنتيها
-بنتي. عايزة بنتي ياصهيب، أطبق على جفنيه وتنهيدة معبئة بآلام قلبه
-انزلي يانهى، وياريت متتكلميش معايا تاني في الموضوع.
ترجلت من السيارة متجهة خلفه، وصورة ابنتها الباكية تلاحق أنفاسها. جلست بالحديقة تبكي بصمت، ظلت فترة من الوقت ثم تذكرت شيئا فأخرجت هاتفها. لحظات حتى فُتح الخط
-جاسر. كان جالسًا بغرفة مكتبه، يضع رأسه بين راحتيه يخفي ضعفه وحزنه الداخلي، داخله يحترق كالمرجل، خوفًا عليها، ولكن كيف لعقله التسامح بحقه، أهانته وجعلته أضحوكة، خرج من حزنه على رنين هاتفه.
-جاسر. ابتلع ريقه بصعوبة من صوتها المتحشرج الباكي. فهمس بضعف
-متخافيش عليها ياطنط نهى، جنى كويسة، . أزالت دموعها وابتسمت من بين حزنها
-وحياتي عندك يابني متقساش عليها ياجاسر، جنى طيبة ومتعرفش نتيجة فعلتها لو كانت تعرف صدقني عمرها ماكانت تعملها
سحب نفسًا وزفره ببطئ قائلاً: -متخافيش عليها يومين كدا وأخليها تكلمك. قطع حديثها وصول عز
-طيب حبيبي خد بالك منها ومتنساش إنها حامل، خليها تاكل كويس.
-حاضر ياطنط نهى. قالها وأغلق الهاتف، يتنفس بهدوء محاولًا السيطرة على نفسه حتى لاينهض متجهًا إليها، من يصدق أنها تجاوره لا يفصلهما سوى جدار. تراجع بجسده يضع رأسه على ظهر المقعد، وأغمض عيناه، هامسًا لنفسه
- ارحمي قلبي مهلكتي فأنا متعب بكِ حد الغرام، يكفي لقلبي المتيم بكِ بأن تجرحيه. خُيل وجودها بجواره، فابتسم رغمًا عنه. هب من مكانه فلقد غلبه الشوق، وصك القلب الغفرانِ.
ولج للغرفة بهدوء حتى لا يشعرها بوجوده. ، توقف هنهية يتأملها وللحظة أحس بضمها، لقد اوشك على الاستسلام لأنهياره الداخلي، فجلس على عقبيه يرسمها برماديته
مرر أنامله على ملامحها العبقة لروحه، ارهقه الأشتياق واثقل كاهله الفراق والعقاب، وضع رأسه بجوار رأسها وانامله تعبث بخلاصاتها
-ازاي هقدر اعاقبك وأنا مش متحمل دموعك، بحسها بنار بتكوي قلبي. صفعه عقله.
-كيف لك أن تتنازل عن كرامتك ايها الأقبح. فق لنفسك، ألم تكن هي من أكسرتك، ألم تكن هي من تركتك، ألم تكن هي من اتهمتك بالخيانة، كيف لها أن تلقيك بتلك التهم الشنعاء وأنها الروح للحياة؟
-كيف لها أن تشق قلبك ليصل لعناء السماء ثم يسقط ليهوى نازفًا دون رحمة
هب من مكانه ونهض متجهًا للخارج يحبس دموعه ويعاقب نفسه ويسبها بأفظع السُباب.
-تبًا لك أيها القلب اللعين، صعد إلى غرفته بالأعلى، ووصل حيث فراشه، فألقى بجسده دون عناء ليذهب بنومه الذي جفاه منذ هروبها، الآن فقط يغفو بسلام حتى لو تقطعت بهم السبل، يكفي انها بجواره، لايفصل بينهما سوى جدار.
بعد عدة أيامٍ
بصباح لاح بالأفق، فأشرقت شمسًا ربها وحل نورها الأرض، ليفيق عباد الرحمن للعمل والعبادة. فتح ياسين جفونه بتثاقل، هب معتدلا بعدما تذكر وجوده بذاك المنزل، لأول مرة يبيت معها بمكان واحد، مسح على وجهه ثم ارجع خصلاته للخلف يستغفر ربه، ينظر بساعته
-ياااه دا الفجر أذن من بدري، اول مرة يفوتني صلاة الفجر
زفر مختنقًا، فلقد أضاع ثوابها الذي أبهى الله به عباده، نهض متمتما بتزمر.
-أول البشائر ياست الجنية، الليلة اللي انام فيها معاكي اتحرم ثواب صلاة الفجر، اومال لو نمت معاكي في الاوضة هدخل النار
إبتسامة لاحت بوجهه وهو يتذكر غضبها. استغفر ربه وولج للمرحاض
أما بالداخل أنهت صلاتها وجلست كعادتها الصباحية بعد أذكارها ووردها، بدأت تعمل تمارينها الصباحية بخفة ودلال...
توقفت للحظات تتنفس بهدوء، ثم قامت بنزع القطعة الخارجية لثيابها المنزلية، وظلت بكنزتها الداخلية ذات الحملات الرفيعة، مع بنطال يصل للركبة.
استأنفت تمارينها بعد قسطًا من الراحة، مع رؤيتها لبعض التمارين أمامها على شاشة التلفاز. دفع الباب ودلف للداخل بعدما استمع لصوت موسيقى
تصنمت بوقوفها. فاتجه إليها وعيناه تطلق نيران جحيمية.
-إنتِ يابت مش عايزة تتلمي على الصبح ليه، حد قالك اني فاتح كبارية، ايه الصوت دا على الصبح، بدل ماتقومي تصلي ركعتين، ولا تقرأي شوية قرآن قايمة تترقصي
نست ماترتديه فلقد اغضبها، وثارت كرامتها فوضعت كفيها بخصرها
-خلصت محضرتك ياشيخ ميزو، لو خلصت وريني عرض اكتافك اللي قافل بيهم الباب دا
جز على أسنانه فجذبها من ذراعيها.
-أنا بحاول اكون لطيف وأمسك اعصابي علشان متعقبش بواحدة قليلة الرباية زيك، بس بدل عايزة تتربي فيامرحب بيكي يا معرفش اسمك ايه النهاردة
-فلافل بالكاتشب. عقد حاجبه متسائلا
-ايه هي دي
-اسمي يالي معرفش اسمك ايه. ابتسمت بزهو عندما تغيرت ملامحه، فنزعت ذراعيها وتراجعت للخلف
-ياريت بعد كدا لما تدخل عليا تخبط، دا مش اسطبل يامحترم.
تجرأت على كبريائه، فتضرجت ملامحه بحمرة الغضب فرد عليها مشيرا بسبباته: -لأخر مرة بقولك لما تتكلمي معايا تتكلمي بإحترام
أجابته بوجع وأحست بإنهيار
-ليه دايما بتفكروا في احترام نفسكم وبتنسوا احترامنا، ليه دايما واخدينا العبيد وانتوا الأسياد.
اقتربت منه ونظرت لمقلتيه لأول مرة وتحدثت بصوتًا مختنق ضعيف لأول مرة.
-عمري ماهنسى لك اهانتك ليا يوم مارمتني في البيت دا زي الكلبة، وكأنك مسكني بالجرم، ولا هسامح صاحبك اللي رماني لواحد زيك كأنه ميعرفش مين عاليا البسيوني
أغمضت جفونها محاولة السيطرة على غضبها
-بُص يابن الناس، أي أن كان انت مين، انت اتجوزتني غصب، وجوازنا باطل، سمعتني باطل لأني مش موافقة عليه، فكمل جميلك وتفضل ابن ناس محترمة وتطلقني، انا مش هروح معاك في أي مكان.
افترسها بملامحه الحادة، واقترب منها يحاوط خصرها يجذبها بقوة إليه، ودنى يهمس لها.
-طيب اسمعيني يابنت الناس المحترمة، احنا اتجوزنا وأعلنا جوازنا، يعني اهم حاجة في الجواز الاشهار، وانتِ بلسانك اللي عايز مقص دا، قولتي موافقة، انا مضربكيش على ايدك اللي إن شاءالله هقطعهالك، ثانيا بقى معرفش انا بنسى أسمك دايما ليه، المهم متفكريش هموت على دلال الأميرة فريدة، أنا حبيت اساعد صديقي اللي بقالنا سنين مع بعض، اما موضوع الطلاق دا، متخافيش ياكونتيسة كدا كدا هطلقك، ألقاها بنظرة مشمئزة وهو يدفعها بعيدًا عنها، ينفض كفيه كأنها مرضُ معدي ثم تحدث.
-مش معقول ياسين الألفي ينزل لمستواه ويتجوز واحدة. صمت ثم رفع حاجبه ساخرًا
-بلاش أكمل أكيد أنتِ عارفة الباقي. اقتربت منه ثم رفعت كفيها لتصفعه، ولكنه أمسك كفيها يضغط عليه بقوة الامتها حتى شعرت بتمزق أوردتها، فانسابت عبراتها على وجنتيها رغما عنها. جذبها من خصلاتها وتحدث من بين أسنانه.
-ادفنك مكانك، ماعاش اللي ترفع أيدها على ابن جواد الألفي، ومش معنى اني واقف اتكلم معاكي يبقى خلاص دفاترك نضيفة عندي، أنا بس ساتر عليكي علشان كريم أما لو عليكي ادفنك في أقرب صندوق زبالة
قالها ثم دفعها بقوة حتى هوت فوق الفراش متأوهة، ثم أشار بسبباته
-عشر دقايق وتكوني جاهزة، هوديكي مكان عمرك ماحلمتي تعدي من قدامه، أصله للناس النضيفة.
قالها وتحرك للخارج وهو يلعنها بداخله. بعد فترة من الوقت، دلفت سيارته متجهين ل حي الألفي
بحي الألفي قبل قليل
بغرفة غنى بالأعلى، تجلس بأحضانه، تضع رأسها على كتفه يحاوطها بذراعه
-هتفضلي كدا كتير
هزت رأسها بعدم معرفة، ثم اعتدلت تنظر لمقلتيه
-عايزة أسافر يابيجاد، مكنتش بتقول انك بتفكر نستقر برة علشان تعليم ولادنا وحياتهم، ومكنش عجبك العيشة في مصر
مسد على خصلاتها بحنان ثم رفع ذقنها.
-دا مش علشان إنتِ عايزة تعيشي برة ياغنايا، دا علشان تهربي من اللي عملتيه، عارفة إنك غلطانة، ومش عايزة تزعلي حد، فبتهربي
اجهشت روحها بالبكاء تهز رأسها بعنف
قائلة من بين بكائها: -جاسر. جاسر وجعني أوي يابيجاد، عمري مااتخيلت يكون قاسي أوي معايا كدا
احتضن وجهها يزيل عبراتها بأنامله، أحس بنيران تلتهم ضلوعه، وكأن دموعها تسقط على صدره كنيزك، فتحدث بهدوء.
-حبيبي. ليه تزعليني كدا، مش قولت دموعك دي بتكويني، واتكلمنا على اللي حصل من كام يوم
دنى يهمس بجوار ثغرها وتعلقت عيناه برماديتها
-عارفة إنك غلطي اكتر من جاسر ولا لا. طبع قبلة على وجنتيها.
-غنى غلطت كتير وحاولت افهمك دا بس إنت مسمعتيش مني، جاسر مكسور ومصدوم من أقرب الناس له، روحه، ماانتِ توأم روحه ياغنى، مكنش منتظر منك دا ياقلبي، الراجل فينا بيحب اللي يوقف جنبه في الشدة، مش اللي يدوس عليه، وأنتِ مش دوستي بس، إنتِ أهدرتي رجولته
طبع قبلة أخرى على خدها الآخر، وأستأنف حديثه برزانة: -بلاش نظلم جاسر في وجعه، وعلى فكرة هو كمان تلاقيه هيتجنن علشان مزعل أخته.
ابتسمت بمرارة بينما تكونت الدموع بعيناها لتقول بصوت مختنق بالبكاء
-نفسي اروحله واراضيه، عارفة إني غلطت وخصوصا لما زرته في شغله
احتضن رأسها يطبع قبلة أعلاها
-سيبي الأيام تداوي الجروح ياقلبي. أمسكت كفيه واستعطفته بنظراتها: -بيجاد خلينا نسافر لو سمحت، مش هقدر افضل هنا وبابا زعلان من جاسر بالشكل دا، ولا هتحمل بعد جاسر عني
ربت على ظهرها.
-حاضر. شوفي عايزة نسافر إمتى وأجهز شغلي، بس إجازة ياغنايا، مش إستقرار، مينفعش اسيب بابا في الظروف دي
اومأت متفهمة ونظرت بشرود قائلة: -إن شاءالله، بس لازم اعمل زيارتين الاول
نهض يبسط كفيه إليها
-غيري علشان ننزل تحت نفطر مع عمو، ونحاول نغير كآبة البيت دا اللي معرفش ماله، إيه حصله
لمعت عيناها بعشقه، فعانقت كفيه وتوقفت تحاوط جسده، تضع رأسها بأحضانه
-ربنا يخليك ليا ياأحسن زوج في الدنيا.
لثم جبينها ثم مسد على خصلاتها
-ياله حبيبتي، أنا ميت من الجوع. وحماي أوقاته كالسيف
خرج هاتفًا
-هشوف سُفيان حبيبي لما تخلصي. تنهدت بحب بعد خروجه
فابتسمت واتجهت إلى غرفة ثيابها، خرجت بعد دقائق متجهة للأسفل.
بعد فترة من الزمن. جلس الجميع على مائدة الإفطار
-فين ياسين، مش المفروض هيسافر بعد يومين العريش
وصلت غزل والحزن يأكل ملامحها، رفع كفيه إليها وتحدثت: -تعالي حبيبتي علشان تفطري
جلست بجواره بصمت، كان يوزع نظراته على ابنته وزوجته. علم أن غزل تحدثت مع ابنته. حمحم بيجاد عندما وجد شرود جواد.
-عمو جواد، احنا هنرجع إسكندرية إن شاءالله بعد الفطار، كفاية اوي، غنى بقالها شهرين هنا، وكمان عندي شغل مهم خلال أيام في سويسرا ومينفعش اسيبها هنا وأسافر
ارتجف جسد غزل فتسائلت بلسان ثقيل: -تقصد ايه، يعني عايزها تستناك في اسكندرية ولا ناوي على ايه
وضع جواد كفيه فوق كفيها
-زوزو اهدي، ثم رفع نظره لبيجاد
-هو عايز ياخدها سويسرا علشان عنده شغل وممكن يتأخر. طأطأ رأسه يهزها بضعف.
اومأ جواد برأسه متفهما، اتجهت غزل إليه بزعر
-إنت هتوافق ولا إيه، يعني أنا بتحمل الاسبوع اللي بتقعده بالعافية في اسكندرية، اللي ممكن في ساعة أكون عندها، تقوم تقولي سويسرا
أمسك جواد كوب العصير وأعطاه لها
-زوزو حبيبتي ممكن تشربي العصير، وبلاش انفاعل، البنت قدامك اهي، وجوزها بيقولك عنده شغل، وخلال شهر هيكون هنا إن شاء الله. قالها بمغذى. أومأ بيجاد هاربًا بنظراته.
قاطعهم دلوف ياسين وهو يعانق كف عاليا قائلاً: -صباح الخير، رفع جواد نظره إليهما، ثم ذهب ببصره لكفيهما المتعانقين
توقفت غزل بجوارها غنى، وربى التي وصلت للتو ملقية تحية الصباح
-فيه إيه؟ تسائلت ربى بها ربى عندما وجدت صمت الجميع
طالع جواد ابنه بنظرات مستفهمة عما
يحدث
حمحم ياسين مبتلعًا ريقه ثم تحدث
-عاليا البسيوني. مراتي.
شهقة خرجت من غزل تنظر إليه بصدمة مذهلة، فاتجهت بنظرها سريعًا لجواد، صوت همهمات بدأت تحاوطه، ولم تخرج منهم سوى نظرات مستفهمة عما استمعوا إليه
ابتلع ريقه بصعوبة واقترب من والده
-بابا دي اخت صاحبي، حبينا بعض، بس حصل ظروف فاضطريت أكتب كتابي عليها، وطبعا دا مش تقليل من حضرتك ابدا، ظروفي هي اللي أجبرتني
ضيق جواد عيناه متسائلا
-يعني إنت اتجوزت حق وحقيقي ولا بتهزر.
طأطأ رأسه قائلًا: - هي دي فيها هزار، صفق بيجاد بيديه وأطلق ضحكة صاخبة قائلًا: -الله اكبر دا ايه العيلة المجنونة دي، طنط غزل اسم الله على ولادك.
-لمي ولادك وارقيهم ياطنط غزل
شعر جواد بدوران الأرض تحت أقدامه، فظلت نظراته تطالع ابنه بشكٍ، ثم نهض متخبطًا واتجه لغرفة مكتبه
-غزل خلي بالك من الضيفة، توقف مستديرًا، يرمق ابنه بنظرات نارية
-تعالى ورايا. نهضت ياسمينا زوجة أوس متحدثة.
-بعد إذنك ياطنط غزل هتكلم مع بيجاد شوية. قالتها وهي تسحب كف أخيها متجهة للداخل. توقفت أمامه
-شايف دا وقت هزار يابيجاد، وشغل ايه اللي في سويسرا، ماهو عمر هناك، إنت مخبي عليا حاجة
احتضن أكتافها وتحرك لغرفة المعيشة
-معنديش شغل ولا حاجة، بس عايز أغير جو مصر، وكمان مسافرناش من زمان فقولت أخرج غنى من اللي حصل.
توقفت أمامه مستفهمة: -بس مينفعش في الوقت دا، غير إن أوس هيسافر كمان، وغنى، مع مشكلة جاسر وجنان ياسين فكدا الدنيا مبقتش تمام، علشان كدا بقولك أجل موضوع السفر شوية
طبع قبلة أعلى جبينها يربت على كتفها
-حبيبتي متخافيش عامل حسابي، وإن شاء الله الدنيا تهدى، بس مراتي محتاجة السفرية دي، وانا مش هفضل ساكت وأنا شايفها بتبدل كدا، دا أسبوع واحد وشوفي عملت إزاي، وكمان علشان جاسر يرجع بيت أبوه
نظرت إليه مذهولة.
- يعني إنت ماشي علشان جاسر يرجع، جاسر مش هيرجع يابيجاد
استدار متجهًا للخارج
-ياسمينا، مراتي اهم حاجة عندي دلوقتي، متحاوليش تقنعيني، توقف مستديرًا لها برأسه.
-جاسر هيرجع، هو ميقدرش يزعل أبوه كتير، دا ابن جواد الألفي، ولو مفكرة شوية الشو اللي عملهم دول مفرحينه تبقي غلطانة، دا واحد مهدور كرامته، اكيد مش هيقف يطبطب على الكل، ياريت تفهمي أوس كدا، وتخليه يقرب منه، مش توقفي قدامي وتقولي جاسر مش هيرجع، محدش هيرجع جاسر غير اخواته، اكيد فهماني. قالها وتحرك للخارج
بالخارج جلست عاليا تفرك كفيها تهرب من نظرات غزل المشككة بها، حمحمت غنى مبتسمة تمسك كفيها.
-ايه يابنتي اللي يشوف حالتك يقول هنموتك.
أنا غنى، ودي روبي، والحلوة أم عيون جميلة دي مامتي غزالة، واللي الحلو اللي دخل من شوية دا جوزي بيجاد
ولسة فردين في العيلة، جسور ودا توأمي. صمتت ولمعت عيناه بالحزن واغروقت بالدموع، فتحدثت بصوت مختنق
-بس هو مش موجود هنا الأيام دي، بس أكيد هيرجع قريب وقريب اوي. قالتها هامسة. ابتسمت تهز رأسها بسعادة
-سيبك مننا وعرفينا.
-اسمك ايه، ومخلصة جامعة ولا لسة بتدرسي، شكلك لسة في آخر سنة مثلا
هزت راسها وهتفت
-أنا اسمي عاليا، اتنين وعشرين سنة، كلية ألسن
ابتسمت غنى
-شكلك صغير، أصغر من ياسين بسنة. صمتت تنظر لوالدتها
-ولا اده يامامي. كانت نظرات غزل صامتة، اتجهت لأبنتها
-ياسين أكبر بسنة فعلا.
استندت غزل بذراعيها على المائدة
-عرفتي ياسين ازاي؟
فركت كفيها وتاهت بنظراتها تبحث عنه حتى ينقذها، ولكن أخرجها من شرودها رُبى.
- ايه نسيتي اتعرفتي إزاي على ياسين
ابتلعت ريقها بصعوبة فتحدثت بتقطع
-ياسين صاحب كريم اخويا، اتعرفنا على بعض من فترة
-فيه بنت محترمة تتجوز واحد من غير أهله. تسألت بها غزل
رفعت نظرها تطالعها بحزن، وترقرقت عيناها بطبقة كرستالية
-ساعات الظروف بتجبرك تعملي حاجات غصب عنك، ومضطرة تقبليها ومالكيش حق تعترضي
-أفهم من كلامك إنك متجوزة مغصوبة، أردفت بها ونظراتها تحاوطها بنظرة تفحصية.
هزت راسها سريعا حتى لا ينكشف أمرهما
-لأ. هو اتعرف عليا. قصدي إن أنا وياسين اتعرفنا على بعض، وبعدها هو قالي هيطلب ايدي بس لما يخلص الكلية، علشان كان له تدريبات في أماكن مختلفة، وكان مينفعش يتجوز في الفترة دي، فهمني من شروط الكلية ممنوع الجواز غير لما بيستلموا شغلهم
توقفت عن الحديث عندما عجزت عن بقيته، ولكن غزل تحدثت
-كملي يابنتي وقفتي ليه
نهضت من مكانها ونظرت حولها.
-هو ياسين راح فين. اتأخر ليه، قالتها وهي تفرك كفيها
توقفت ربى تربت على كتفها وهتفت بمشاكسة
-نقول السؤال دا أنه وحشك، ولا خوف
-روبي. صاحت بها غزل، ثم أشارت لها
-ياله ميعاد محاضرتك. نهضت متجهة للداخل
-هجيب حاجتي يامامي، غنون قولي لعمو اسماعيل يجهز العربية
-عز كلمني وجاي في الطريق هيوصلك
تصنمت بوقوفها فاستدارت لوالدتها تشعر بإرتجافة قلبها، فهمست متسائلة بعيونًا متألمة
-إتصل بيكي، وليه متصلش بيا.
نهضت غزل متجهة إليها، اقتربت منها
-عز هيرجع بيت ابوه، مينفعش بيت صهيب الألفي يتقفل وهو عايش، إياكي تتمادي معاه بالكلام، أنا اللي هقفلك سمعتيني ولا لا، ودلوقتي
انزلي لابن عمك ومش عايزة كلام تاني
بالداخل بمكتب جواد
-اقعد وفهمني الجنان اللي قولته برة
صمتًا مقتولا، لا يعلم ماذا يخبره، وضع كفيه على مكتب والده ينقر بالقلم في حالة من التوتر سيطرت عليه. قاطعه والده
-ماتتكلم يالا. قولي ازاي قدرت تعمل كدا.
حمحم وتحدث بنبرة خشنة
-بابا. انا حبيتها وخوفت تضيع مني، ابن عمها كان عايز يتجوزها غصب، وباباها طيب جدا، مكنش هيقدر يوقف قدامه، فطلبت منه اكتب كتابي، علشان محدش يقدر يقرب منها
دقق جواد النظر بمقلتيه، فاقترب يغرز عيناه بعين ابنه
-وبعدين يابن جواد، كمل المشهد.
نهض من مكانه يلوح بكفيه
-مشهد ايه اللي حضرتك بتقوله. توقف جواد متجها إليه، وربت على كتفه بقوة
-قولتلي خايف تضيع منك، اومأ برأسه
ودار حول ابنه.
-ليه مجتش قولتلي، ولا قولت لوالدتك
رفع رأسه لوالده واجابه
-مش فاهم فين المشكلة يابابا. حبيت واحدة وكتبت كتابي
جحظت أعين جواد، يرمقه مذهولًا، فهتف مزمجرًا
-لو مش عارف المشكلة فين يبقى مالوش داعي الكلام، طيب ليه جاي تقولي دلوقتي، اه، انت متجوزتش وكأن مالكش أهل، انت بتستعبط يالا
دنى من والده وحاول أن يهدأ من غضبه.
-بابا أنا آسف، بس حقيقي مكنش فيه وقت، غير أن موضوع جنى وموضوع تعبك معرفتش أجل وكمان مكنش ينفع اروح أقول لماما في الظروف دي
هز جواد رأسه مستنكرًا حديثه
-لأ، برافو عليك يابن جواد، وجاي بكل بجاحة توقف قدامي وتقولي اتجوزت، بس إزاي اهل البت دي وافقوا عليك من غير اهلك، ياترى بررتلهم ازاي، ايه قولتلهم إنك مقطوع من شجرة، ولا يتيم
طأطأ ياسين رأسه قائلا
-لأ قولتلهم أن حضرتك في عمرة ولما ترجع هتزرهم.
-لأ شاطر يالا. برافو عليك، وكمان بتكذب
اقترب من والده
-معرفش حضرتك زعلان ليه، دا كتب كتاب مش دخلة.
هوى جواد على مقعده، عندما فقد السيطرة على أعصابه يمسح على وجهه بعنف
-لا والله كتر خيرك يابني، انك أجلت الفرح، كنت اعمل فرح وادخل جت على كدا
ابتسم ياسين مشاغبًا والده فرفع يديه يشير إليه
-لأ. ياباشا، فيه حاجة نسيت اقولك عليها
تراجع جواد بجسده على المقعد، وعيناه تحرقه منتظر بقية حديثه
أطلق ياسين ضحكة وهو يجلس.
-متبصليش كدا ياباشا، وحياتك عندي الموضوع جه بسرعة، بس الحقيقة نسيت أقولك عملنا فرح عند العروسة علشان الكل يعرف أنها اتجوزت، وابن عمها مايحاولش يقربلهم.
ضحكة صاخبة على غير عادته أطلقها جواد، حينما دلفت غزل إليهما خوفا من غضب جواد على ياسين
-إنت بتضحك، يعني عجبك اللي عمله، ماهو طلعلك يعمل المصيبة من دماغه ومحدش يقدر يقوله بتعمل كدا ليه
دنى ياسين يحتضن كفيها، ثم رفعهما، يقبلهما
-وحياتك عندي ياست الكل الموضوع جه بسرعة، وانا لسة قايل لباشا مصر، دا مجرد كتب كتاب بس
ابتسم جواد بسخرية، يشير إليها
-ردي عليه، قوليلي كنت استنى لما تجيب كام عيل وتعالى عرفنا.
هدأ ياسين بعدما هدأت ملامح والده فتحدث مشاغبًا
-في الخطة الخمسية إن شاءالله ياحضرة اللوا، المهم انا جيت اهو وعرفتكم
مسح على وجهه بعنف قائلاً: -امشي من قدامي، مش عايز ألمحك ياياسين، دا لو فعلا خايف على زعلي
اقترب من واستند أمامه على حافة مكتبه
-بابا وحياتي عندك ماتزعل، والله غصب عني، خفت أضيعها زي ماضيعت الأولى
نهض جواد من مكانه وربت على كتفه.
-إنت ليه مش عايز تفهم إن الجواز نصيب. تذكر ليليان فرفع بصره لوالده وتحدث بنبرة حزينة
-زي نصيب جاسر من فيروز مش كدا يابابا، انا مش عايز اتكلم في موضوع ليليان يابابا لو سمحت، وزي ماحضرتك قولت كله نصيب. وأنا عايز عاليا، البنت كويسة وهتحبها
-زي ماحبينا فيروز مش كدا يابن جواد
هز رأسه رافضًا حديثه.
-دي مش زي دي ابدا. عاليا باباها شيخ جامع، وخريج شريعة وقانون، غير كريم اخوها في منتهى الاحترام، وحضرتك شوفته وعارفه كويس، هو انا اللي هقولك يابابا على معادن الناس
قولي اسمها ايه، وعايشة فين
ضيق عيناه متسائلًا: -ليه؟
رفع حاجبه ساخرا.
-علشان نروح زي الناس المحترمة ونتعرف على ابوها، ايه مش المفروض، ولا احنا مالناش حق، واعمل حسابك هنعملك فرح تاني، جوازك مينفعش غير لما تعمل فرح في بيت ابوك. صمت للحظة ثم أردف
-مش يمكن اخليها دخلة بلدي
شهقت غزل تضع كفيها على فمها، فاقتربت منه
-جواد ايه اللي بتقوله دا. ظلت نظراته على ابنه
-ليه مش المحروس راح أتجوز من غير ابوه، يبقى دخلته هتكون على مزاجي
لكزته غزل تجز على أسنانها، تنظر لأبنها.
-امشي دلوقتي يا ياسين، تحرك جواد إليه يطالعه كالصقر
-ايه مسمعتش رأيك
رفع حاجبه الأيسر وتحدث بنبرة جيلدية
-معنديش مانع لو حضرتك هتقبلها، هقول ايه
صمت جواد للحظة، ثم أشار له
-اطلع برا، لحد مااشوف هعمل معاك ايه، روح شوف الزفت التاني عمل ايه في بنت عمه، شكلي معرفتش اربيكم
ضيق عيناه مستفهما
-مين، جاسر!
هو رجع. اقتربت غزل تربت على ذراعيه.
-روح شوفه عمل ايه مع جنى، وخليه يبعد عن جنانه دا، معرفش الواد ايه اللي حصله
-غزل اعمليلي قهوة ولما عز يرجع ابعتهولي
استدارت إليه مذهولة
-أكيد بتهزر مش كدا، قهوة إيه إن شاءالله. انت ناسي إنك ممنوع من الكافيين. جواد لو سمحت بلاش تحسسني انك طفل، كفاية ولادك
قالتها وسحبت كف ياسين وتحركت للخارج.
أمام منزل صهيب بحي الألفي
ترجل من سيارته، يشير للبستاني
-شوف كريمة فين تاخد شنطتي تطلعها فوق، هوصل الدكتورة جامعتها وراجع
-حاضر يابشمهندس. وصلت إليه تطالعه بإشتياق، فاقتربت ونظراتها تحاوطه: -حمد الله على السلامة. رفع نظارته فوق خصلاته وأجابها
-الله يسلمك، اتجه ببصره لبطنها التي بدأت بالظهور بشكل ملفت
-ايه رأيك بعد الجامعة نروح للدكتور، عايز اطمن على الجنين
فتحت باب السيارة مردفة.
-معنديش مانع ياعز. اومأ لها واستقل بجوارها السيارة دون حديث
أمسكت ذراعه تنظر إليه بعيونًا مترقرقة
-عمو صهيب عامل ايه. تراجع بجسده يغمض عيناه. وآه حارقة خرجت من جوفه ثم استدار برأسه إليها
-تعبان، تعبان أوي وخايف عليه، ومبقتش قادر على الوجع دا. مسدت على رأسه
-معلش حبيبي أزمة وتعدي إن شاءالله، حاسة ربنا هيراضينا كلنا إن شاءالله.
لم يسمع سوى كلمة حبيبي التي اخترقت قلبه قبل اذنه، رفع نظره لكفيها على رأسه، فدنى برأسه
-روبي أنا تعبان، ومبقتش قادر احارب بكل الجهات. مش كفاية وجع لحد كدا، لسة كرامتك وجعاكي وعايزة نفضل بعاد
ابتعدت عنه، تنظر للخارج
-اتأخرت على المحاضرة. زفر بضيق ثم قام بتشغيل المحرك منطلقًا للخارج
بمنزل جاسر.
ولجت العاملة بطعامها، وجدتها تغفو، ووجهها المبلل بدموعها، خرجت متجهة إليه. كان يجلس بغرفة مكتبه يتابع اعماله، استمع لطرقات على باب المكتب أذن بالدخول
-مدام جنى نامت يابيه، وكمان شكلها معيطة، ودا غلط أوي، النوم بعد العياط، ممكن لا سمح الله تتأذي. نهض من مكانه متجها إليها
-روحي شوفي شغلك. ولج لغرفتها وجدها مثلما أخبرته الخادمة. شعر بنيران تسري بأوردته، من هيئتها.
استدار لغرفة ثيابها وأحضر مايخصها من ملابس تناسب نومها. كانت تنام بإسدالها
جلس بجوارها وقام بتحرير خصلاتها من الحجاب، فقد سيطرته بعدما طغت فتنتها على قلبه المسكين، فانحنى يقرب رأسه منها يستنشق عبيرها، لحظات وهو مغمض العينين حتى هب من مكانه يؤنب نفسه بما يفعله، حمحم يحرك أنامله على ذراعها لأيقاظها.
-جنى. جنى، فتحت بنيتها بإرهاق تشعر بألامًا تفتك جسدها، همست متسائلة: -فيه إيه. انحنى بذراعيه يغرز رماديته ببنيتها
-لو حصل منك اي تصرف يأذي الولاد زي دلوقتي هعاقبك وعقابي هيكون وحش جدا، خافي على الولاد يابنت عمي، شوفتي بقولك ايه. قومي غيري وكلي علشان تقدري تكملي حمل
همست باسمه
-جاسر، سبني انام، تعبانة وعايزة أنام. وضع رأسه بعنقها يدفن أنفاسه الحارة لتلهب عنقها ويرتجف جسدها بالكامل.
-وأنا كمان عايز انام، قومي علشان تاكلي وكمان علشان عايزك
ارتفعت دقاتها بعنف من أنفاسه وقربه المهلك لكيانها، انسابت عبرات ضعفها، لقد اشتاقت إليه، فمنذ عودتهم لم يتقابلا، حبيبها وعشقها الأوحد. أطبقت على جفنيها تستمتع بقربه ولكنها فاقت على ألمًا شق صدرها حينما اعتدل وتحدث بعدما وجد نظرات ضعفها به
-قومي كلي، وبلاش كل شوية عياطك دا، انا بقيت اكره الدموع بسببك، متحسسنيش اني بعذبك.
جذب كفيها وأعدلها بعدما وجد ذهولها من حديثه ثم اقترب يلثم كرزيتها، مرر أنامله عليها
-طعمهم بقى مش حلو، ياخسارة ياله مش مهم، نهض وتحرك للخارج. أما هي توسعت عيناها تنظر إلى أثر خروجه بصدمة ممزوجة بألم روحها
نهضت متجهة إليه تصرخ بوجهه
-ازاي تقرب مني كدا، ايه مش اتفقنا على الطلاق.
ارجع خصلاتها المتمردة فوق وجهها فظهرت جنيته بفتنتها الطاغية، وجهها المحمر بسبب نومها، عيناها النارية، شفتيها الوردية فدنى يهمس لها بخشونة
-ايه يابنت عمي، نسيت أننا ولاد عم
. نظرت لمقلتيه مذهولة من حديثه
-والله وابن عمي يبوسني ليه. إبتسامة تجلت على وجهه فأمال بجسده مرة أخرى يداعب أنفها: - عادي مفهاش حاجة، واحد وواحدة والشيطان تالتهم هيقرأو قرآن مثلا
دنى يلمس كرزيتها وغمز بعينيه.
-أكيد لازم يدوق الكريز ويعمل مربى كمان.
ضجرت من وقاحته فهتفت غاضبة حتى تطايرت خصلاتها بسبب انفاعلها
-قليل ادب ياحضرة الظابط
قهقه عليها وأشار بعينيه
-كان فيه منه لكن للأسف مبقاش اللي يغريني يابنت عمي.
-بنت عمك في عنيك. وقح
جذبها بقوة مرتطدمة بصدره
-أنا دلوقتي بتعامل معاكي كبنت عمي
اجهزي وانزلي ورايا ياله، بلاش تخليني جوزك فعلا. قالها بمغذى، ثم مرر أنامله على كريزتها المغرية، وغمز بعينيه.
-ايه رأيك اسيبك بنت عمي ولا نمشيها مراتي الهربانة من جوزها. قالها وتحرك سريعا من أمامها
انسابت عبراتها تنظر لأثر خروجه تهمس بألم قلبها
- اعمل في قلبي الخاين اللي مش قادر يعيش من غيرك ايه. نهضت ولكنها استمعت لرنين هاتفها، رفعته مجيبة
-أيوة يايعقوب
-مرحبا جنى. اتصلت بكِ لكي اطمأن عليكي. عودا حميدا عزيزتي
-اشكرك يعقوب، شكرا على كل حاجة
-أريد رؤيتك جنى، فهل ستعودين عملك. جلست بعدما شعرت بالترنح واجابته.
-حاليا هيكون صعب، استمعت.
لخطوات جاسر مرة أخرى. ، لحظات ودفع الباب، فتحدثت
-هكلمك بعدين يعقوب، وشكرا لك كثيرا
طالعها بصدمة ممزوجة بنزيف روحه
-يعقوب بكلمك ليه، مش دا رقمك الدولي، اوعي يكون كان عارف انك فين
هزها بعنف يصرخ بوجهها
-كان عارف انك فين. توقف يدور كالمجنون، اه يبقى الشغل عن طريقه، مش طريق بيجاد، الحقير اللي قابلته هناك كان عن طريق يعقوب. أيوة دي مش معرفة بيجاد ابدا
-جاسر. وضع إبهامه على شفتيها.
-اخرصي، صوتك ابلعيه يامحترمة يابنت الناس. كور قبضته يضغط بعنف، وهاج كالثور يحطم كل ما يقابله
-مراتي انا الغريب يعرف مكانها لا وكمان بيساعدها
اقترب منها كالمجنون
-كان بيزورك صح، راحلك كام مرة، جذبها بعنف حتى ارتطدمت بصدره
-ايه اتخرستي، بانفاسًا نارية ينظر لصدرها الذي يعلو ويهبط من فرط انفاعلها.
جذب رأسها يقربها يخرج غضبه وناره الداخلية التي اشعلتها بقبلته حتى انقطعت انفاسها، تدفعه بقوة كالغريق الذي يستنجد للحياة
دفعها بقوة صارخًا بها
- مبقاش ليكي رصيد عندي. تحرك مغادرًا
مساء اليوم التالي ولج لغرفتها للذهاب بها إلى الطبيب. وجدها تخرج من المرحاض، بالبورنص، بجسد خاوي من الحياة. تحركت بجواره دون حديث، واتجهت تجلس على الفراش، بعدما شعرت بدورانها
اقترب يضع كفيه بجيب بنطاله.
-مجهزتيش ليه، عندنا ميعاد مع الدكتور. نهضت دون حديث لإراداء ثيابها، ولكنها ترنحت وشعرت بالدوران، فحاوطها بذراعه.
خبأت نفسها بأحضانه. كأنه ملاذها الذي تختبأ من العالم به.
انحبس النفس بصدره من عفويتها وتثاقل جسدها عليه، ورغم ما شعر به إلا أن ألمه قلبه من هيئتها، وضعت رأسها بأحضانه عندما خانتها ساقيها ولم تقو على الوقوف. لف ذراعيه حولها يساندها متحاملا على ضعفه الذي سيلقي به. صفع قلبه الذي يتمرد عليه وخطى إلى غرفة ملابسها يساعدها. كل هذا وهي بأحضانه تتمتع بقربه، ضمها بذراع وأخرج فستانا بذراعه الآخر يضعه على المقعد.
-غيري على مهلك وأنا هستناكي برة، قالها وهو يتراجع بعيدا عنها
جلست عندما ابتعد حينما فقدت قدرتها وتلاشت كليا. خرج ولكنه استدار ينظر إليها قبل إغلاقه الباب، وجدها تتراجع بجسدها تضع رأسها على ظهر المقعد مغلقة العينين. تألم ولم يقو على الخروج، ترك باب الغرفة مفتوحًا وجلس على المقعد بالخارج يراقبها وهو يدخن سيجاره.
حاولت نزع البورنص ولكنها لم تقو، كيف تستعين بتلك الخادمة، استدارت بجسدها تناديه، رفع نظره إليها فهتفت
-ابعتلي منيرة. خطى إلى أن وصل إليها عندما وجدها كما هي
-عايزاها ليه؟
-ألعب معاها. قالتها مستهزئة به. اومأ لها فأوقفها عنوة ونزع البورنص، ارتجف جسدها بين يديه تهمس بتقطع
-بتعمل ايه، انا هلبس، ابعد. ابتسم ساخرا فتحدث بتهكم: -متخافيش مش هبص عليكي، بقى عندي مناعة يعني متهزيش فيا شعرة.
شعر بتصلب جسدها بين يديه بعدما ألقى حديثه الذي شق قلبها. لحظات كفيلة بإختراق روحها بسبب مافعله بها
فدنت مترنحة حتى لم يفصل بينهما
ورفعت عيناها لرماديته التي تهرب من أنفاسها
-عارفة اني مبأثرش فيك، زي ماعارفة فيه اللي بيأثر فيك، ياريت تقنع الباقي بكدا متعملش قدامهم الحمل الوضيع
قالتها وهي تكبح غلالة دموع غيمت مقلتيها فرفعت يديها تضعها على صدره.
-ازاي دا عرف يضحك عليا، ازاي عرفت تلعب بمشاعري وخلتني احبك الحب دا كله، حركت كفيها على صدره واستأنفت بعبراتها
-هو ممكن النبض يكذب، رفعت عيناها وتعمقت بالنظر لعيناه
-ازاي عيونك دي خدعتني، ارتجف جسدها عندما تذكرت لقائتهما
-ازاي حسستني بالعشق وانت بتحب واحدة تانية
بدت أنفاسه في الاضطراب وخفقاته تتسارع وكأنه بسباق شديد، لا يعلم من حديثها أم من اقترابها المهلك له.
رفعت كفيه ووضعتها على وجنتيه وعيناها تدفع الدمع بالدمع
-ازاي حسيت بالحنان كل مابتحضني وتحاوطني بدي، قولي انت لدرجة دي مخادع ولا إنت ايه
أمال لمستواها واقترب منها قائلاً: بأنفاسا تمر فوق شفتيها
-أنا عاشق وليس على العاشق حرج يابنت عمي. قالها وهو يغرق بسحر عيناها وانفاسه تلفح بشرتها.
ضيقت عيناها ضائعة وتسائلت مستنكرة حديثه: -عاشق! طيب العشق دا لمين بالظبط.
هنا ثارت جيوش غضبه بدقاته العنيفة ولم يعد لديه طاقة فجذب رأسها يضع كفيه خلفها ويجذبها
يحتضن خاصتها ليغدقها بقبلة مسكرة يبث فيها كم أن الأشتياق اطاح بكل عقوباته التي خطط لها.
انزعجت من قبلته وازاحته برفق رغم اشياقها الكامن بجنبات قلبها
استدارت بعدما خانها جسدها بقربه وشعرت بالمزيد فهمست بتقطع
-اطلع برة عايزة اغير. قالتها بصوت مجهد
تراجع خطوة قائلًا
-مقربتش غير لما حسيت انك عايزة القرب دا، بدليل حالتك دي.
شعرت بنيران تكوي قلبها، فرفرت أهدابها
-بررررة. انحنى يغرز رماديته بعسلها المصفى، الذي اختلط بعبراتها
ايه مش عايزة نكمل، جذب خصلة يضعها خلف أذنها وهمس بجوار أذنها
-متخافيش، لسة عند وعدي. قالها وتحرك يطلق صفيرًا، بعدما أصاب قلبها بالعجز، حتى وصل لدى الباب فاستدار يغمز لها
هروح اخد شاور وراجعلك ياجنجون، باي
-أنا معرفكش، وكأنك شخص معرفوش، مستحيل تكون جاسر اللي حبيته وعشقته
ابتسامة ساخرة شقت ثغره.
-جاسر اللي حبيته مات من يوم ماكسرتيه، وخونتيه، انا مش عايز اقلب في القديم علشان مخلكيش تكرهيني بجد
-ومين قالك أنا بحبك دلوقتي، انا بقول كنت بحبه، أما دلوقتي انت ابو ولادي وبس، وكلها كام شهر هخلص منك
-
قالتها بعدما رمقته غاضبة، خطى إليها بخطى سلحفية ونزل بأنفاسه يهمس لها بهمس سحب أنفاسها، وشعرت بدقات قلبها تتقاذف عندما دنى يضع رأسه بعنقها.
-بتكرهي جاسر ياجنى، بتكرهي حبيبك، قالها بأنفاسه الحارة، مما جعلها ترتعش بين يديه، وهتفت بأنفاسًا متقطعة
-جاسر ابعد. رفع رأسه وتعلقت عيناه بعيناها الزائغة.
-قولي إنك بتكرهيني كدا. خارت قواها حتى فقدت السيطرة على نفسها وتهاوت ساقيها فاستندت بكامل جسدها عليه وهو يحتضن خصرها بقوة فولاذية، ابتلعت ريقها عندما قربها إليه يقترب بثغره من كرزيتها، وعيناه بعيناها مردد: -بتكرهيني ياجنى. دمعة غائرة انبثقت من عيناها وهي تهز رأسها بالنفي، هامسة له وهي تضع رأسها على صدره
-مش عارفة اكرهك ياجاسر، نفسي اكرهك بس قلبي بيخوني وبيعشقك أكتر.
ابتعد بخطواته عنها وارتفع جانب وجهه بإبتسامة لاعوب وهو يهتف
-بس أنا مبقتش أحبك. خلاص خلصنا، وزي ماقولتي اللي هيربطنا ولادنا وبس يابنت عمي، ووقت ماتولدي اعرفي هيكون آخر يوم هتكوني على ذمتي. قالها واستدار متحركًا، اجهزي علشان نروح للدكتورة
-مش رايحة معاك في مكان. مط شفتيه واستدار بجسده إليها.
-براحتك. بما إن مفيش دكتورة، فأنا خارج، وهبات برة، لو احتجتيني اكيد عارفة الرقم، بس ياريت تتصلي لحاجة مهمة مبحبش الأزعاج
نظرت إليه بوجع وأحست بإنهيار لم تشعر به من قبل وشعرت بقلبها كأنه كتلة نارية، فدنت منه متسائلة بشفتين مرتجفتين
-رايح فين؟
-رايح مكان مارايح مش شغلك. بس مش هربان متخافيش مش زي ناس، ممكن تمشيها البيت التاني.
-لو فيه حاجة مهمة كلميني. قالها وتحرك سريعا. استمع لرنين هاتفه الدولي. نظر إليه مستغربا، فتوقف يجيب
-أيوة. على الجانب الآخر
-عامل إيه. وحشتني
-فيروز. نطق بها، كانت تقف خلفه، فتراجعت لغرفتها سريعا، بعدما استمعت إليه، هوت خلف الباب تضع كفيها فوق شفتيها تبكي بشهقات
شعرت بآلام تسري بجسدها بالكامل.
احتضنت نفسها، تبكي بصوت مرتفع. نهضت تتعكز على الجدار، شعرت بالدوران فتوقفت وغمامة سوداء تحاوط مع انسياب الدماء من بين أقدامها، وضعت كفيها على احشائها تهمس
-جاسر. ولادنا، قالتها ثم هوت على الأرضية فاقدة الوعي
بمنزل جواد وخاصة بغرفته.
استيقظ ينظر بساعته، ثم اعتدل يمسح على وجهه، ذهب ببصره لتلك الأريكة يبحث عنها بعيناه، ولكنه لم يجدها، نهض بعدما ألقى الغطاء على الأرض واتجه للمرحاض، طرق على الباب بعدما وجده مغلقا
كانت تجثو على ارضيته تبكي بصمت، كيف لها أن تتعايش طيلة حياتها مع ذاك الذنب الذي لم تقترفه، كيف اصبح ذاك الرجل القاسي القلب والحاد الطباع أن يصبح زوجها
استمعت لطرقه العنيف وصوته الذي أصبح مزعجا لديها
-افتحي الباب.
. أطبقت على جفنيها متألمة من جسدها الذي ضعُف وأصبح هزيل. اتجهت للباب وقامت بفتحه بهدوء، جذبها وألقاها بعنف
-ساعة علشان تفتحي، ايه مفكرة البيت بيتك ياختي. لو بتفكري تعملي حاجة ياعاليا صدقيني مش هرحمك.
تحركت بخطوات هزيلة إلى أن وصلت لذاك الفراش الوثير وألقت نفسها عليه متناسية أنه يخصه وحده، جلست تضع رأسها على ركبتيها تنظر للأمام بشرود، خرج بعد دقائق متجهًا للواحد القهار، يقيم صلاة الضحى، نظرت إليه متهكمة فهتفت بصوتها الضعيف ورغم ضعفه إلا أنه وصل إليه.
-عامل شيخ وبيصلي، اومال سبت ايه للشيطان، كان يغلق زر قميصه، اتجه يقف أمام المرآة يصفف شعره، طالعها بالمرآة وتحدث: -شيخ غصب عنك، مش زي واحدة ماشية على حل شعرها واحدة غير محترمة. ، كور قبضته غاضبا، يرجع خصلاته للخلف بعنف كاد يقتلعها، فأردف مستغفرا ربه
-ليه بتخرجيني عن شعوري، كأنه لم يتحدث، وكأنها لم تكن بالغرفة، يكفي الصدام بينهما، فظلت كما هي تنظر للأمام.
خطى للباب بعدما وجد سكونها، ولكنه استدار قبل إغلاقه للباب
-ممنوع تخرجي من الباب دا، ممنوع تنزلي تحت، لازم تسمعي كلامي علشان مفيش حد يوجع التاني. واعرفي انا عمري ماأفكر اربط اسمي باسم واحدة زيك، فياريت تهدي وتبطلي جنان، واحمدي ربنا انك على اسم ياسين الألفي
-بس أنا مش عايزاك ولا عايزة اسمك.
أشار بسبباته.
-هرجع من السفر هنعمل الفرح، سنة واحدة وبعد كدا كل واحد يروح لحاله، فخليكي عاقلة ياعاليا. محدش يعرف ايه اللي حصل تمام، علشان مزعلكيش.
↚
نهضت من مكانها متجهة إليه سريعًا
-هو إنت ليه بتعمل معايا كدا، انا معرفكش، ولا عمرنا اتقابلنا. اللي يشوف أفعالك معايا يقول انك تعرفني وكاني غدرت بيك. انا معرفكش، ولا عملت فيك حاجة علشان تأذيني بالشكل دا
انسابت عبراتها رغمًا عنها، هي ليست بالضعيفة ولكن ظلمها وقهرها أضعفها فأصبحت خائرة القوى
أمسكت ذراعيه لأول مرة واقتربت منه
-ياسين لو سمحت احنا غير بعض، حياتك غير حياتي.
تراجعت بعد أخرجت كل مايؤلم قلبها
ونظرات معاتبة على ما فعله بها، حاولت تهدئة نفسها فهمست بتقطع
-أنا مابلومش عليك، انت غريب عني مهما كان، فعذراك، إنما أهلي اللي رموني وكأنهم مايعرفونيش
جذبها من ذراعها وأجلسها: -بصي يابنت الناس انتِ متهمنيش، وزي ماقولتلك قبل كدا. جوازنا صوري لمدة، علشان اهلك، ماهو إنتِ لو يهمك اهلك مكنتيش عملتي كدا.
رفعت نظرها إليه
-اللي اعرفه حضراتكم ظباط، ازاي بتلقوا تُهم من غير دليل.
للحظة عجز عن الرد، تراجع ناصبًا عوده وتحدث بخشونة
-ميهمنيش زي ماقولتلك، سواء بريئة ولا لأ. أنا كل اللي يهمني نتحمل بعض الفترة دي، انا مش هكون موجود طول الأسبوع، وممكن يعدي شهر كمان، مش عايزك تخرجي من البيت دا دون إذني، هكلمك كل فترة
استدار مشيرا إليها وبنبرة تحذيرية
-غلطك مش مقبول، معايا. إنتِ شايلة اسمي.
تنهدت عندما علمت أن الحوار لايبدي جدية معه. فجلست مرة أخرى تبعد بنظراتها عنه قائلة: -ازاي هقعد هنا وأنا معرفش حد فيهم، ازاي اتعامل معهم وأنا معرفش أسمائهم اصلا
رمقها بهدوء وأجابها: -مينفعش أسيبك لوحدك في الشقة، غير إن الشقة مش بتاعتي، دي بتاعة جاسر.
توقفت تفرك كفيها واقتربت منه بعدما ألتمست هدوئه
-عادي لما أقعد لنفسي، جاسر دا اخوك مش كدا. ابتسمت ساخرة واسأنفت.
-أنا بسأل في ايه، دا انا معرفتش اسمك غير قريب
كانت نظراته تتابع ملامح وجهها وردود أفعالها فتسائل: -ايه اللي بينك وبين ابن عمك، فعلا زي ما قال. هو ممكن واحدة تتخلى عن نفسها وتنزل بأهلها علشان حب مزيف
جحظت عيناها مدهوشة لما تسمعه، حتى تلجم لسانها، ولم يعد لديها القدرة على إيجابه
استدارت للشرفة ولم تعيره إهتمام وكأنه لم يكن موجود
تحرك حتى وصل خلفها وبملامح جامدة وألمًا حاد اخترق جدار قلبه.
-كلكم زي بعض، اللي يفرق الأسماء مش اكتر، كل واحدة فيكم بتجري علشان حياتها مبتفكرش غير بنفسها. كان عندي امل بسيط تكوني مظلومة من التهم، مش علشان انت تهميني. سألت علشان أكد لنفسي إني على حق
قالها واستدار متحركًا حتى وصل لدى الباب
-جهزي نفسك وانزلي، هنروح مشوار
استدارت متسائلة:
-مشوار ايه؟ زفرت مختنقة وهتفت بغلظة
-أنا مش الجارية بتاعة حضرتك، وزي ماقولت لازم نتعاون الفترة دي علشان نعديها مع بعض.
نظر بساعة يديه ورفع بصره
-نازل. 5دقايق وتنزلي، وعلشان متقوليش جارية، هنروح عند جاسر ودا اخويا الكبير، لازم أقابله قبل مااسافر، هو متجوز بنت عمي.
-بس أنا مش عايزة اروح. قاطعها بإستنكار، وتابع مزمجرًا بنفاذ صبر
-مش باخد رأيك. اجهزي، قالها وتحرك للخارج
جلست على الفراش تتنهد بصوت مسموع مختنقًا، عجزت عن التفكير لا تعلم ماذا عليه فعله حتى تخرج من تلك الحياة البائسة.
احتوت رأسها بين راحتيها تتذكر ماصار من خالد
فلاش باك
خرجت من جامعتها، وجدته ينتظر بخارج الجامعة
-خالد! بتعمل إيه هنا. اقترب منها يطالعها بنظرات خبيثة
-وحشتيني يالولو، ايه بلاش اجيلك
ابتسمت بحب قائلة: -لأ ياسيدي تعالى، بس طبعا دا قدام ماما وبابا، بلاش تقابلني برة، مينفعش احنا مش مكتوب كتابنا، وانت عارف عمك
جذب كفيها وتحرك لسيارته
-تعالي هنتغدى مع بعض ونكلم عمو مش هيقول حاجة.
توقفت تنظر حولها وهزت رأسها بالرفض
-لأ طبعا، لازم اقول لبابا الاول. امسك هاتفه
-عمو ازي حضرتك، انا بستأذن منك هخرج مع عاليا علشان نشتري شوية حاجات للفرح، وكمان هنتغدى مع بعض
أجابه والدها: -متتأخروش يابني. سحبها وفتح باب السيارة
-اظن كدا في السليم. ابتسمت له وتحركت تستقل السيارة بجواره، وصلا بعد قليل إلى إحد المطاعم
-ايه اللي جابنا هنا، انا مبحبش المطعم دا وانت عارف
ترجل مستديرًا إليها.
-انزلي حبيبتي، عاملك مفاجأة. تنهدت ساحبة نفسًا طويلا ثم تحدثت: -مبحبش اكلهم من اولها. تشابك بكفها وتحرك بجوارها حتى وصل للداخل
وجدت المكان خالي، اتجهت إليه
-المطعم فاضي ياخالد، لحظات واستمعت للموسيقى واقتراب أحدهما يعزف على الجيتار. ابتسمت له
-إنت حجزت المطعم ليا، رفع كفيها يقبلها ونظر لعيناها الخلابة التي تشبه القهوة
-كل سنة وأنتِ طيبة ياحبيبتي
ذهلت عندما تذكرت أن اليوم عيد ميلادها.
-مش معقول انا نسيت. خرجت من ذكرياتها عندما استمعت لهاتفها، وجدت ياسين
نهضت من مكانها متجهة لغرفة ملابسها وهبطت للأسفل، قابلتها ربى وهي تحمل قهوتها صاعدة لغرفتها
توقفت ربى تنظر إليها متسائلة: -خارجة ولا إيه، انا كنت هطلعلك نقعد نشرب قهوة مع بعض
ابتسمت مرحبة
-أكيد بس لما نرجع، رايحين عند اخوكي
ضيقت ربى عيناها متسائلة: -اخويا مين. تقصدي جاسر؟
اومأت لها واجابتها
-أيوة اسمه جاسر.
-اسمه جاسر، رددتها ربى خلفها مستنكرة
ابتلعت ريقها بصعوبة، حينما علمت بخطأها
-أصل. قصدي يعني ماتقبلناش فمعرفوش
هزت ربى رأسها وتحركت للأعلى
-خلاص ولايهمك، انزلي علشان متتأخريش على ياسين
بمنزل جاسر
خرج من الغرفة وروحه تنازعه بالغضب من حديثه إليها. توقف عندما استمع لرنين هاتفه، رفع الهاتف ينظر مستغربًا ذاك الرقم الدولي. قام بالرد
-أيوة. أجابته فيروز
جاسر...
-فيروز. قالها وهو يتحرك للخارج، خرجت سريعًا خلفه، ولكنها توقفت عندما استمعت لحديثه.
دلفت للداخل وأغلقت الباب خلفها.
اتجه لسيارته، وهو يتحدث بهاتفه
-بتتصلي بيا ليه. أجابته على الجانب الآخر
-جاسر مش عارفة اتأقلم هنا لو سمحت بلاش تنفيني بالطريقة دي
توقف يستند على باب سيارته.
-خليكي عندك احسن، كدا انت بتحمي نفسك مني يافيروز، صدقيني كدا أفضلك وامسحي رقمي وإياكي تتصلي تاني وبلاش شغل الرخص دا، ونصيحة مني لو حاولتي تقربي من روحي برخصك يافيروز هنسى انك كنتي مراتي في يوم من الأيام. قالها. أغلق الهاتف يتنفس بصعوبة، ضرب فوق السيارة غاضبا ثم استقلها وجلس بقلبًا يأن ألمًا كوتر آلة موسيقية مقطوع، وضع رأسه على القيادة وأغمض عيناه لدقائق ثم رفع نظره ينظر لشرفة غرفتها، شعر بألمًا يسري بجسده بالكامل، تتصارع مشاعره بداخله، وانفاسه تتسارع كمتسابق يقطع العشرات من الكيلو مترات كلما تخيلها بين ذراعيه، رغبة جامحة اخترقت قلبه لإستنشاق عبيرها، والتمتع بجنة عشقها، يعلم أنه أهانها بأبشع الطرق، تخيل حالتها بذاك الوقت فهز رأسه وترجل من سيارته سريعا. يتنهد بحرارة ينصهر داخله لحزنها، ردد متحركا إليها: -لأ. مش قادر، لازم اقولها الحقيقة، قالها ثم اتجه مهرولًا إليها. دفع الباب وهو يهتف: -جنى. ولكنه توقف ينظر بصدمة إليها هنا شعر بإرتجافة جسده بالكامل، وشحب وجهه، وبأعين مزعورة حاوطها، فتحرك بأقدام مرتعشة، حتى وصل إليها هاويًا بجوارها.
بسط كفيه يزيح خصلاتها من فوق وجهها، وانسابت عبراته رغمًا عنه
-جنى حبيبتي. قالها وهو يرفع رأسها يضعها على ركبتيها، نيران سارت بجسده وهو يرى تورم وجهها من سقوطها، والدماء التي أسفلها. هز رأسه بعنف رافضا ماسيصير. ، احس بألم العالم كله ينخر جسده، وشعر بغصة تمنع تنفسه، حاول ابتلاع ريقه الذي جف رهبة مما صار، جذبها بين ذراعيه يحملها و يضمها لصدره ويبكي كالطفل الذي أضاع والديه.
-جنى افتحي عيونك حبيبتي، حاول قدر المستطاع السيطرة على نفسه
هبط للأسفل سريعا متجهًا لسيارته، الحزن والألم حفر ثقوبا بقلبه خوفًا عليها. تحرك سريعا للخارج، شعر بخفة وزنها رغم حملها، سبّ نفسه
-غبي ومتخلف، ايه اللي عملته دا، قالها يؤنب نفسه. وصل إلى جراج سيارته
بدخول ياسين تجواره عاليا إلى منزله. توقف ياسين فجأة حتى اصطدمت عاليا للأمام
ترجل مهرولا لأخيه، توقف أمامه.
-جاسر مالها جنى، ابتعد عنه متجها لسيارته كالضائع الذي لايعلم بأي اتجاه يسير، خطوات مبعثرة مثل خفقانه هشعر بزهق روحه
اقترب ياسين بعدما وجد حالته
-هاتها ياجاسر، وانت سوق، هقعدها جنب عاليا. تراجع بجسده ينظر بكافة الاتجاهات كالذي ضل طريقه، وبدأ يتمتم بحروف كمن ضيع عقله.
-أنا السبب. هذا حال لسانه وهو يتجه لسيارته، هرولت عاليا خلفه، تجذب كف ياسين.
-واقف كدا ليه مش شايف حالته، شكل مراته بتنزف، عرفت انها حامل وشوف هدومه عليها دم. هنا فاق ياسين من صدمته يهز رأسه فهرول إليه. وصل بتخبط لسيارته. امسك كتفه ياسين محاولا السيطرة عليه
-جاسر هوصلك ممكن تهدى.
-جنى بتموت ياياسين، أنا قتلتها، أنا قتلتها، . قالها صارخا يضمها بقوة لأحضانه
فتح ياسين الباب الخلفي، ليضعها بهدوء اولًا ثم يصعد بجوارها، قائلاً: -سوق بسرعة على المستشفى.
اومأ متفهما يشير لعاليا التي، تطالع جاسر بحزنًا على حالته التي ابكت قلبها، كان لا يشعر بأحدا، سوى التي بين ذراعيه. انحنى يطبع قبلة على جبينها ويضمها لصدره بقوة
-جنجون قدامنا شوية ونوصل المستشفى ياقلبي، رفع رأسها يضع جبينه فوق جبينها هامسا لها
-جنى. خرج اسمها من بين شفتيه محترقًا، بألم الفقدان، وعقله يصور له الكثير من السنيورهات. وآه موجوعة بآلام روحه. مردفا يئن بكلماته.
-اوعي تموتيني. كفاية عذاب فيا بقى، لسة ناقص تعملي ايه اكتر من كدا. آسف ياروحي
قالها بشهقة بكاء مختنقة بدموع الوجع.
توقف ياسين أمام المشفى، ترجلت عاليا سريعًا تفتح باب السيارة. تطالعه بصمت. نظر إلى مدخل المشفى، ثم إلى التي بين ذراعه كالجثة. ضمها يهز رأسه رافضا الدخول
-جاسر لو خايف على مراتك لازم ندخلها هنا، ياله مراتك ممكن تموت. بسط كفوفه.
-هاتها اخدها. نظر إليه كالضائع الذي لا يفهم ماذا يقول، انحنى ياسين يجذبها بقوة من ذراعيه
-جاسر فوق، جنى كدا هتموت، قالها وهو يحملها بين ذراعيه متجها للداخل يصرخ بالمسعفين.
-دكتورة نسا لو سمحتم. قالها وهو يتحرك بها اتجاه غرفة الاستقبال، أما الآخر الذي مازال جالسًا بالسيارة ينظر لكفوفه الممتلئين بالدماء ودموعه تنساب بصمت، ينظر بزعر كالذي فقد عقله. لا يستطيع التحرك وكأن جسده أصيب بشلل في خلايا جسده بالكامل من صدمته، وشحبت ملامحه
-استاذ جاسر. قالتها عاليا بهدوء، تبسط كفيها إليه.
-انزل ياله علشان نلحق ياسين. نظر إليها بصمت كأنه لايعلم الحروف ولا الكلام. اتجهت ببصرها للداخل تنتظر ياسين، لا تعلم ماذا عليها فعله، أصابتها حالة من الحزن عليه، كيف تتركه بذاك الشكل. وقع بصرها على هاتف ياسين الذي يوجد بالسيارة. هرولت إليه تدعو الله بسريرتها يكون بلا باسورد.
أمسكت الهاتف بكف مرتعش، حمدت ربها عندما فتح الهاتف. ابتسمت كالغريق الذي وحد ضالته وهي تبحث بين الارقام حيث وقع عيناها على اسم والده. قامت بمهاتفته دون تفكير
بحي الألفي
يجلس عز بجوار عمه
-بابا تعبان ياعمو، سيبه يرتاح شوية، صدقني هو شوية وهيرجع، حضرتك تايه عن صهيب الألفي ولا ايه
هز جواد رأسه مستنكرًا أفعال صهيب.
-مزعلني اوي ياعز، متقعوتش منه كدا، داخلين على شهر وهو بعيد عن بيته، حاولت معاه معرفش ليه مُصر أنه يبعد. كلمه ياعز وبلغه زي ماهقولك كدا
قوله عمو بيقولك لو مرجعتش نهاية الأسبوع يبقى ينسى أنه له اخ اسمه جواد، مش كفاية سيف، يعني نبقى موجودين على وش الدنيا ومنعرفش عن بعض حاجة. أنا كلمت سيف وقولتله يصفي شغل تركيا، كفاية غربة كدا، خليه يعمل زي حازم، انتو مش صغار علشان ألم فيكم.
بتر حديثهم رنين هاتفه. زفر مختنق يشير للهاتف
-كفاية عليا المتهور دا، لا وجاي مفكر أبوه أهبل وهيصدق العبط اللي بيقوله
ابتسم عز عندما تذكر ياسين. فغمز لعمه
-مايمكن بيحبها فعلا ياابو الجود، انت كنت دخلت قلبه
أغلق جواد الهاتف بوجهه
-بيتصل ليه المتخلف دا. قهقه عز يلطم كفوفه.
-ماترد عليه مايمكن عنده مشكله، قالها وهو يغمز بطرف عينه. دلف بيجاد يدخل رأسه من الباب
-حمايا طالب ايدي وأنا مش موافق. رمقه جواد بنظرة مشمئزة يشير إليه
-تعالى هنا ياجوز غنى. تسمر بيجاد. بوقوفه يهتف بنبرة غاضبة: -ليه شامم ريحة تريقة، اه جوز غنى محدش له حاجة عندي. جذب المقعد وجلس يضع ساقًا فوق الأخرى يضرب على ساقيه
-سامعك حمايا الغيور. قاطعهم رنين هاتف جواد مرة أخرى.
مسح على وجهه يشير للهاتف: -كفاية عليا ياسين الأيام دي، خليك خفيف يابيجاد مش ناقص غباوة منك، انا محسبتكش على موضوع جنى، اوعى تفكرني هعديها كدا، الظروف بس مش مساعداني
زفر بعدما تكرر رنين هاتفه مرة أخرى. رفعه قائلا: -والحلوف دا كمان عايز ايه، قالي واخد مراته مشوار
غمر بيجاد قائلا:
-يمكن هيبشرك ياجدو ويقولك مبروك جايلك حفيد، توسعت أعين جواد بذهول حتى ارتاب شكًا.
-بس ياحلوف، مستحيل ياسين يعمل كدا. ربت بيجاد على كتف عز بقوة
-زيزو هو عمك مكنش موجود معانا موجود وابنك بيقول مراتي، لأ ومفتخر، بيحسسني أنه اتجوز الأميرة ديانا، مش كدا ولا إيه، ولا يمكن فقدت الذاكرة. ، أمسك جواد الهاتف للرد، دنى بيجاد بجسده يخطف الهاتف منه ويلقيه على المقعد بجواره
-اسكت يالا شوية، عرفنا مراتك حامل، بس تقول ايه ابوك مش مصدق، تعالى واقوله في وشه، يمكن المرادي نعمله قلب مفتوح.
ركله عز بقدمه: -بتقول ايه ماتتلم شايف وقت هزار. رفع حاجبه الأيسر ساخرا
-ياسلام. قالها ثم اتجه لجواد.
-هو شهر 2 السنادي29يوم، قولي ليه. هقولك علشان سنة كبيسة عليك ياعمو جواد، مفيش حد من ولادك إلا ماشاء الله، الله اكبر عليهم مفيش مصيبة الا وعملوها، حتى القط الصغير كمان دا ضرب صاروخ يهز أفغانستان كلها، دا الراجل دا بكل بجاحة وبيقول مراتي، والتاني جاي واقف قدام الكل وبكل وقاحة. هرجع مراتي، والله لولا احترامك كنت طيرته، ولا الأهبل اللي جنبك طلق مراته قال ايه كسرت كلمته، ياخي والله مالاقي كلام اعبر بيه عن انجازتكم العظيمة، ابتسم بسخرية متجهًا لعز.
-احمد ربنا أنه لسة قاعد قدامكم وفيه عقل...
كان يطالعه بصمت، ثم تحدث: -طيب ياعاقل، قولي ورا الدخلة دي كلها ايه يابن المنشاوي
ارتفعت ضحكاته وهو يضرب كفيه ببعضهما
-ياربي عليك ياعمو جواد، يعني عملت حوار طويل عريض وبتسألني برضو
جذبه جواد من ياقته وامال بجسده، يمسكه من عنقه
-ولا. قولي اخرك ايه، ولو جاي بتلف وتدور علشان تسافر بغنى انسى، مش موافق
نهض يضع كفيه بجيب بنطاله وتحرك للنافذة ينظر للخارج.
-أنا مبخدش رأيك على فكرة ياعمو، دي حياتي وأنا حر فيها، بس من حقك عليا، علشان العشرة اللي بينا، وعلشان كمان بعتبرك زي والدي، هو الصراحة مش زي والدي كمان، لأ. انت فعلا ابويا، وحضرتك عارف حبي ليك اد ايه، بس عند حياتي الخاصة مبحبش حد يدخل فيها، حتى لو ريان المنشاوي نفسه
نهض جواد من مكانه متجهًا إلى وقوفه، ووقف بمقابله
-يعني افهم انك واخد قرار مش كدا، ومهما أقول رأيي مش مهم.
اتجه بنظراته للخارج مرة أخرى، يهرب من نظرات جواد وأومأ برأسه
-مراتي لازم تبعد شوية، وانا مش هفضل أضغط عليها. متنساش غنى كانت مريضة، وانا مش عايزها تتنكس وتتعب تاني، وحقي احافظ عليها. عارف حضرتك هتزعل مني، بس اعذرني مراتي وابني اهم عندي من أي حد، يعني لو تعبت محدش هينفعني لا حضرتك ولا جاسر، اتمنى تكون متفهم ياعمو
-اسمعني يابيجاد كويس مش هكرر كلامي. توقف عندما استمع لرنين هاتفه مرة أخرى، فتحرك.
-لأ. كدا اكيد فيه حاجة مهمة لازم اشوف فيه
-ماقولتلك ياحمايا، هيقولك مبروك
جلس على مقعده وأجابه
-أيوة ياياسين. قالها جواد، على الجانب الآخر ابتعدت بعض الخطوات عن السيارة
-الاستاذ جاسر. لا مراته. هب جواد من مكانه، ودقات قلبه تكاد تخرج من صدره، فتسائل بشفتين مرتجفتين بعدما ابتلع لعابه الذي جف.
-ماله جاسر، وفين ياسين. أرجعت خصلاتها للخلف تنظر إلى خروجه من السيارة، يتخبط كالذي يتعلم المشي. فأجابته بتقطع: -إحنا في المستشفى. اتجه للخارج سريعًا دون الحديث مع أحد
-انهي مستشفى يابنتي، انتي ليه بتنقطيني بالكلام
هرول عز وبيجاد خلفه.
-عمو جواد ايه اللي. وضع اصبعه على شفتيه وهو ينظر حوله، حتى لا يسمعهم أحدًا. نظرت عاليا على يافتة المشفى واجابته: -مستشفى جاسر الخيري.
تمام. قالها وأغلق الهاتف، متجهًا لسيارته سريعا. توقف عز أمامه
-جاسر ماله ياعمو، ومستشفى ليه، جاسر حصله حاجة
بحث بجيبه عن مفتاح سيارته، نظر لعز
-نسيت المفتاح، شغل عربيتك ياله، معرفش، ...
أمسك عز كفه: -مين كلمك ياعمو.
اتجه جواد جهة السيارة قائلا: - دي مرات ياسين مفهمتش حاجة، تخبط بالحديث
-لأ اكيد مفيش حاجة. تغضن جبينه بعبوس متسائلا: -مرات ياسين بتعمل ايه عند جاسر، وليه ياسين متصلش، فيه حاجة مش تمام.
دفعه بيجاد للسيارة: -عز اركب دلوقتي. ولما نوصل هنعرف، قالها بيجاد متجها لسيارته، بينما عز اسرع خلف عمه
وصلوا بعد دقائق. ولج جواد للداخل. توقف الجميع احتراما وتقديرا له لمعرفتهم السابقة به
اتجه للداخل يبحث عن ابنه، بينما عز الذي هرول إلى الرسبيشن
-الظابط جاسر الألفي فين
أشارت له المسؤولة.
-الدور التاني يافندم، عند دكتورة النساء. هزة عنيفة أصابت جسده فاستدار لعمه الذي تحرك بجوار بيجاد دون حديث. وصل للمكان المنشود
كان ياسين يجلس بجوار عاليا بالخارج، توقف حينما وجد والده
-بابا. مين قالك
طأطأت عاليا رأسها مجيبة
-أنا اللي كلمت حضرته، الاستاذ جاسر كان حالته سيئة فكان لازم يعرف
استدار يرمقها بصدمة، ثم اتجه لوالده ببصره عندما تسائل
-ايه اللي حصل، مالها جنى.
تسائل بها بخروج جاسر من غرفة الطبيبة خلف فراش جنى المتحرك. هرول عز جاحظا عيناه حينما وجد أخته لا حول لها ولاقوة
أما جواد الذي راقب حالة ابنه بألم شق صدره، كان يقف كالغائب عما يدور حوله، توقف أمام غرفة العمليات، يضع رأسه على الجدار مغمض العينين، يعقد ذراعيه على صدره. أشار بعينيه لياسين وبيجاد اللذان اتجها إليه
-جاسر مالها جنى؟
هوى على المقعد يضع رأسه بين راحتيه. دون حديث.
جلس عز بجواره يجذبه من ذراعه، وبغضب محموم يندلع من حدقتاه
-اختي مالها، وليه دخلت عمليات، اوعي يكون حملها
أطبق على جفنيه متألمًا يهز رأسه بحزن يخرج من مقلتيه: -مالناش نصيب. قالها بقلبًا مفطور
هنا شعر عز بوجع يغزو أضلعه وكأن أحدهم اصابه برمحًا مشتعل، فنهض من مكانه يتحرك بخطى متعثرة واشتعل جسده بنيران جحيمية
-أكيد من الزعل، رددها وهو يتحرك يقف أمام الغرفة ينتظر خروجها.
بعد فترة خرجت الطبية من غرفة العمليات، توقف جواد متجهًا إليها فيما أسرع عز يتوقف أمامها
-ايه يادكتورة، جنى عاملة إيه
رفعت نظرها بعملية وهتفت: -للأسف زي ماخبرت حضرة الظابط، فيه طفل كان نبضه متوقف من فترة، وربنا رحيم أنه نزل طبيعي، ودا من خلال النزيف، أما الطفل التاني كان لازم ينزل، حياة الأم كانت في خطر، كان لازم ننقذ حد فيهم، وحضرة الظابط اختار مراته
شحبت ملامح جواد فتسائل.
-بتقولي طفل كان ميت من فترة، اومأت له الطبيبة
-للأسف يافندم، الطفل مكنش لازم يعيش لأنه مشوه، والتاني نبضه ضعيفه
-الأم حالتها إيه؟ تسائل بها عز بقلبًا ينتفض خوفًا
-الأم كويسة، هتتنقل اوضتها بعد شوية، بس لازم ترتاح معانا فترة
اومأ برأسه متفهمًا ثم تحركت. اتجه عز خلف أخته الذي خرجت متجهة لغرفة أخرى. دلف خلفها، انحنى يطبع قبلة حنونة فوق جبينها هامسًا لها.
-حمد الله على السلامة حبيبة اخوكي. مسد على خصلاتها ينظر للممرضة
-فين حجابها. اعدلت الممرضة من وضع فراشها حتى ترتاح بنومها مردفة
-جاتلنا من غير حجاب يافندم. دلفت عاليا إليها، وصلت أمام الفراش وتسائلت
-هي هتفوق إمتى لو سمحتي
-نص ساعة بالكتير. ولو احتجتم حاجة دوسو على الجرس دا
اقتربت منها تطالعها بهدوء بدخول جواد، تطلع جواد إلى عز قائلا:.
-سبوها ترتاح ياعز، ووقت ماتفوق لازم تكون جنبها، علشان تتجاوز الفترة دي، رفع نظره لعمه وتحجرت دموعه
-تفتكر هتسامحني ياعمو. ربت على كتفه
-بلاش كلام دلوقتي في الموضوع دا، تعالى نسيبها ترتاح، ثم اتجه لعاليا
-خليكي جنبها لو فاقت عرفينا. أومأت برأسها بالموافقة
تحرك عز بجوار جواد متجهين للخارج
ذهب ببصره لجاسر الذي مازال جالسًا بمكانه، كأنه لم يشعر بهم حوله.
تنهيدة عميقة غادرت ضلوعه، متجهًا إليه: -مش هلومك ولا أقولك ايه اللي حصل، بس هقولك اللي حصل من عمايل ايدك يابن عمي. قالها وتحرك متجها للخارج
. هرول خلفه بيجاد
-عز! استنى رايح فين
تحجرت دموعه تحت اهدابه قائلا
-رايح اجيب امي لبنتها، كفاية عليها كدا، جنى ممكن تموت فيها، لازم ماما تكون موجودة
امسكه بيجاد من أكتافه
-طيب أهدى دلوقتي واستنى نشوف الدكتورة هتقول ايه، بص حواليك كدا. شوفت جاسر عامل ازاي.
انزل عز كفيه قائلاً دول جدال: -وياترى مين السبب من رأيك، ماهو جاسر السبب، قالها عز وهو يرمق جاسر
-لأ دا إنت مجنون، الدكتورة قالت إن الطفل كان مشوه، وكدا كدا كان ميت
بيجاد لو سمحت مش عايز اتكلم مع حد
قالها وتحرك للخارج أوقفه جواد
-عز، توقف بمكانه يكور قبضته حتى ابيضت ونفرت عروقه، تحرك جواد إليه
-اطمن على اختك الأول وبعد كدا روح لباباك.
استدار برأسه: -لازم قبل ماتفوق ماما تكون جنبها، . قالها وتحرك.
أشار لياسين
-روح ورا ابن عمك، اومأ له وتحرك خلفه.
جلس جواد بجوار جاسر. صمت للبعض الدقائق ثم تسائل: -ايه اللي حصل خلاها تفقد الحمل
كان متكأ على الجدار، مغمض العينين، ودقات قلبه تتقارع بعنف خوفًا عليها
رفع والده كفه يربت فوق كتفه.
فتح عيناه التي تحولت شعيراتها للون القاني من يراه يشعر بما عاني من آلامه. طالع والده بنظرات متألمة، ينتحب بأنين صامت وكأن أنفاسه تسحب منه ود لو عاد طفلا، و ألقى نفسه بأحضانه، يبكي حتى يشفى من جراحه. ابتلع لعابه الذي جف، وحرك شفتيه للحديث ولكن لم يقو كأن الحروف هربت ولم يعد لديه قدرة
فأغمض عيناه مرة أخرى وانسابت عبراته رغمًا عنه
جذبه جواد لأحضانه يربت على ظهره، بكى بصوت مرتفع وهتف من بين بكائه.
-ربنا عاقبني للمرة التالتة يابابا، بس المرة دي موجوع أوي اوي، مش قادر اتحمل الوجع
أخرجه جواد من أحضانه يهزه معنفًا إياه
-اتجننت ياجاسر، انت راجل فيه راجل يبكي ويكون ضعيف كدا، وبعدين من إمتى بنعترض على ربنا.
هزه مرة أخرى وأردف بحكمة: الطفل كان مشوه ياحبيبي وكويس أنه نزل والتاني عوض ربنا فيه.
-كنت تعرف ايه اللي ورا ه دا لو كمل، مايمكن كان هيجيلك بالعذاب يابني، هو انا اللي هقولك.
-أنا السبب يابابا، انا اللي فضلت أضغط عليها، لو مضغتطش مكنش حصل دا
تنهد جواد متألمًا وشعوره بالذنب يحرق احشائه فتحدث
-حبيبي مفيش حد سبب في حاجة، ربنا مسبب الأسباب، اجمد كدا وبكرة ربنا هيعوضك إن شاءالله، وبعدين الدكتورة قالت كويس أنه نزل، وكمان كان لازم تعملوا احتياطات، معرفش ازاي الموضوع دا عداني، متعرفش ساعات جواز القرايب بيكون فيه نسبة تشوة للأجنة، ربنا يستر كمان على ربى.
بس برجع واقولك كله مقدر ومكتوب، ولازم تحمد ربنا أنه نزل، والتاني عوض ربنا ياحبيبي
هز رأسه رافضا حديثه
-جنى مش هتسامحني يابابا، مش هتسامحني ابدا
-إنت عملت ايه؟ قالها جواد مستفهمًا
استدار بجسده يتعمق بنظراته
-إنت عملت ايه، اوعى تكون نفذت الهبل اللي كنت بتقوله.
تراجع بجسده ومازالت نظراته التفحصية
-لأ. مستحيل، وقتها اقسم بالله، وقف جاسر ونظر لوالده:.
-من غير ماتحلف يابابا، كنت بقول كلام وخلاص. قالها واتجه بالداخل إليها. ولج وجدها مازالت تحت المخدر، نهضت عاليا من مكانها عندما اتجه يخطو بخطوات هزيلة متجهًا إليها. تحركت إليه متسائلة
-حضرتك كويس، رفع نظره إليها
-إنتِ مين؟
حمحمت متراجعة خطوة للخلف قائلة
-أنا عاليا. صمتت ثم تحدثت
-مرات ياسين. ضيق عيناه.
-ياسين مين؟ ابتلعت ريقها وتوقفت لا تعلم بما تخبره فهمست: -اخوك. كأن حديثها لم يعريه إهتمام او ربما تخبط ولم يستوعب كلامها، فاتجه بصمت لفراش زوجته، تحركت للخارج وتركته
جذب المقعد وجلس بجوارها، رفع كفيها المغروز بالأبر، ثم لثمه وعبرة نارية كوت وجنتيه فانحنى يضع جبينه فوق جبينها.
-جوايا نار ياجنى، جوايا نار وخايف تولع فينا، معرفش مين فينا الغلط، أنا واللي إنتِ، بس اللي متأكد منه اني مقدرش اتنفس وانتِ بعيدة عن حضني
ارتسم الألم داخل مقلتيه، ثم رفع كفيه يمسد على خصلاتها، وتحدث بقلبًا ينزف داخليًا
-للأسف بنتعاقب على غضبنا من بعض
دنى منها يهمس لها
أي عقاب بينا أنا قابله ياجنجون إلا إنك تبعدي عني، ولسة حسابنا مخلصش ياحبيبة جاسر، استمع لطرقات على باب الغرفة، ولجت الطبيبة.
-حمد الله على سلامتها، نهض من مكانه. وأشار بعينيه
-هي ليه مفقتش؟
-دقايق وهتفوق، قامت بمعاينتها الطبية
-هي كويسة بس لازم بعد ماتخف نعمل شوية تحاليل، وفيه علاج هتمشي عليه شوية قبل اي حمل جديد
-ليه! هو فيه حاجة؟
وضعت كفوفها بجيب بالطوها الطبي.
-حضرتك النهاردة اخترت الأم، انا متكلمتش مع والد حضرتك، بس حالة المدام كانت خطرة، ولولا التدخل السريع كنا ممكن نفقدها، ومتنساش انت اخترت الأم. مش عايزين نوصل للأختيار دا مرة تانية، الام لازم تعمل فحوصات كاملة، قبل أي خطوة جديدة، نسبة السكر عندها عالية جدا، ضربات القلب مش منتظمة للأسف، ومش هخبي عليك، العناية الألهية كانت في صالحكم
اتجه ببصره إليها وتسائل بتلعثم
-لسة فيه خطورة على حياتها؟
هزت رأسها وأجابته: -لأ. بس لازم تكون تحت الرعاية علشان السكر والضغط، ولازم فصحوات زي ماقولت، علشان مايحصلش مضاعفات بعد النزيف وكمان نطمن عليها
دلفت الممرضة
-دكتورة حالة ولادة. اومأت لها ثم تحدثت بخروجها: -متخرجش غير لما اشوفها تاني لو سمحت، لازم كشف نهائي قبل الخروج
دلفت غزل بجوار نهى
-جاسر. استدار إليهما، هرولت نهى لأبنتها تبكي بشهقات.
-ياحبيتي. سامحيني ياقلب أمك، نظر إليها ثم اتجه لوالدته التي توقفت أمامه تحتضن وجهه
-حبيبي ايه اللي حصل؟
ابتلع غصته وأجبها
-مالناش نصيب ياماما، الحمد لله. اقتربت نهى تلكمه بصدره وتبكي بإنهيار أم مكلوم على فلذة كبدها
-عملت فيها ايه، اومال لو مش كلمتك ووصيتك عليها، ليه تعمل كدا
احتضنتها غزل محاولة السيطرة عليها
-نهى اهدي حبيبتي، يعني هو هيعمل ايه، إنتِ متعرفيش جنى ايه لجاسر ولا إيه.
نفضت ذراعيها مبتعدة وعيناها تدفع الدمع بالدمع قائلة بغضب سيطر عليها
-ابنك السبب في كل اللي احنا فيه ياغزل، يارب يكون كدا ارتاح وخد حقه من بنتي. رمقته بنظرة مميتة وأشارت بكفيها
-حذرته وقولتله مراتك حامل، قالي إيه وقتها متخافيش عليها، يومين بس ياغزل وبنتي سقطت
مسح على وجهه بعنف، وتحولت ملامحه إلى الغضب: -طنط نهى شوفي بنتك علشان هاخدها وامشي، انا مش ناقص كلمة من حد
توقفت غزل أمامه.
-جاسر أهدى يابني، دي مهما كان امها، أشار على نفسه وهتف بصوتًا كاد أن يخرجه متزنا
-وأنا مش ابنكم، أنا ايه، اللي ماتوا دول مش ولادي، اللي كانت بين الحيا والموت دي مش مراتي، ولا أنا اللي دايما محكوم عليا، نفسي مرة واحدة بس تطلعوني مظلوم. اقترب من نهى وانحنى لمستواه
-كان فيه ولد مشوه، والتاني خيروني بينه وبين جنى، لأن السكر والضغط رفعوا عندها، مطلوب مني ايه، تقدري تقولي حضرتك. أعتدل متحركًا للخارج.
بعد فترة
بالخارج توقف عز بجوار عمه
-مقولتش لبابا حاجة، محبتش ازعله
اومأ متفهما. وربت على كتفه
-أنا همشي انا وغزل وانت خليك معاهم لحد مايرجعوا البيت. نظر بساعة يده
-ادخل لمامتك وغزل قولهم هنمشي علشان باباك مايشكش في حاجة
بالداخل استفاقت جنى تهمس باسمه
تحركت نهى تمسد على شعرها
-حبيبتي، عاملة ايه. فتحت عيناها تبحث عنه فهمست
-جاسر. انحنت تطبع قبلة على جبينها
ولمست وجهها.
-كان هنا ولسة خارج تلاقيه راح يجيب حاجة. أغمضت عيناها وهتفت اسمه مرة أخرى
-عايزة جاسر ياماما. استمع لحديثها على باب الغرفة، فخطى إليها، ربتت غزل على ظهره تنظر لنهى
-يالة يانهى علشان صهيب، متخافيش عليها جوزها وأخوها معاها، وكمان ياسين ومراته
طبعت قبلة على جبينها
-هجيلك الصبح حبيبتي، جاسر جه هنااهو، حبيبتي هسافر مع بابا بكرة، همست بجوار أذنها.
-هو بيسلم عليكي، وهيعمل عمرة وحج ويدعيلك حبيبتي، مفيش اب بيزعل من ولاده، وانا هدعيلك ربنا يسعدك مع حبيبك، طبعت قبلة على جبينها واستدارت متحركة وعيناها على ابنتها حتى خرجت من الغرفة تبكي بصوت مرتفع
ضمتها غزل تربت على ظهرها
-وبعدهالك يانهى. خرجت من أحضان غزل
-لسة صغيرة على الوجع دا ياغزل، جنى لسة صغيرة اوي، اتحرمت من ولادها من قبل ماتلمسهم
أزالت غزل عبراتها تحتضن وجهها.
-وانهي أخف يانهى، لم يكونوا بحضنها، وتشبع منهم وبلحظة يروحو، ولا لما يكونوا كدا لسة متعلقتش بيهم
استغفري ربنا يانهى
طأطأت رأسها وحزن عميق يأكل احشائها
-صعبانة عليا اسبها كدا وأمشي
سحبتها غزل وتحركت متجهة لسيارة جواد
-والله شكلك دا هيخلي صهيب يوقع من طوله
عند ياسين وعاليا.
تجلس على المقعد تعقد ذراعيها على صدرها ثم التفتت إليه: -هي مامت جنى اللي كانت هنا من شوية، أومأ دون حديث ينظر بساعة يديه، ثم استمع الى صوت خلفه
-بقالي ساعة بدور عليك المستشفى كبيرة يابني
شُحب وجهها مستديرة لصوت أخياها، توقفت أمامه بجسد منتفض، وقلبً حزين، ناهيك عن روحها التي نزفت حينما وجدته متجهًا إلى ياسين يضمه وكأنه لم يراها
-عامل ايه. ياله بينا علشان العربية متسبناش من اول سفرية.
رمقها بنظرة جانبية، كانت نظراتها على أخيها تود لو تلقي نفسها بأحضانه.
تحرك يجيب على هاتفه، فاتجهت بنظرها إلى ياسين
-انتوا مسافرين دلوقتي. نظر بساعته وأجابها: -أيوة الساعة 2يادوب نتحرك، العريش بعيدة واحنا مسافرين عربية مش طيارة قالها بسخرية
هزت راسها وعيناها على أخيها، ثم استدارت له مرة أخرى
-طيب. هدخل أشوف مرات اخوك ونمشي
-لأ. قالها ياسين، ثم دنى منها مردفًا.
-اتكلمت مع بابا، هتقعدي مع جنى مرات جاسر، هي تعبانة ومحتاجة حد جنبها الأيام دي، وطبعا غنى هتسافر الصبح، وربى حامل مش قدامي غيرك، أشار بسبباته
-طبعا مش هعيد كلامي صح
دفعت يديه.
-خلاص هو انت متعرفش تتكلم كلمتين من غير تهديد، والله المفروض تكون المتحدث العسكري، علشان الكل يخاف منك. قالتها وتحركت ثم توقفت متسائلة: -اخوك الحزين اللي جوا دا عارف، ولا ايه ظروفه، أنا مبقتش فاهمة العيلة الكريمة، معرفش قلبي بيقول فيه حاجة. اقترب منه يضغط على ذراعها
-لأ اضربي قلبك دا، علشان مش محتاجينه، وجاسر عارف، بس يارب تكوني ضيفة خفيفة الظل، نزعت ذراعيها بقوة
-خلاص فهمت، أشارت بعينيها على أخيها.
-خلي بالك منه، طالعته بصمت للحظات ثم هتفت
-يبقى طمني عليكم، ربنا يرجعكم بالسلامة. قالتها وولجت للداخل
توقف ينظر لآثرها، وصل كريم إليه
-زعلانة مني مش كدا. تحرك ولم يجيبه، وهناك صراع داخلي لايعلم ماهيته. امسكه من كتفه
-ياسين بكلمك. توقف وأجابه
-مبنتكلمش كتير زي ما قولتلك. تعرف ابوك جالنا من كام يوم
ضيق عيناه متسائلا: -واحنا مسافرين
أومأ له ونظر لبيجاد الذي ولج بجوار عز.
-وكان معاه الاتنين دول، ابوك مصدقش المسرحية، وعارف كل حاجة من طقطق لسلامو عليكوا
تذكر حديث جاسر له
-انت عبيط يالا، بدل سأل على اسمها، اعتبر تاريخها كله هيكون عند ابوك بعد ساعة. خرج من شروده على صوت كريم
-ياله علشان منتأخرش.
بالداخل جلس بجوارها على الفراش، احتضن كفيها يضمه ثم امال يطبع قبل بباطن كفيها، رفع عيناه ينظر لنومها فهمس
-ياترى هتعملي ايه لما تفوقي ياجنى، ربنا يهديكي ومطلعيش جنانك علينا
فتحت عيناها متأوة تضعها كفيها على بطنها تهتف بخفوت.
-آه بطني، استعادت وعياها كاملا تنظر حولها، وجدته يحتضن كفيها، نظرت للمحلول الذي يعلق بوريدها، ثم ذهبت ببصرها لعز الجالس يطالعها بصمت، وشعرت بآلام تغزو جسدها، وألم ببطنها، حاولت أن تحرك ساقيها ولكنها لم تقو، انسابت عبراتها بغزراة، تدفع الغطاء، تملس على جرحها، ايه اللي حصل. توقف عز متجها إليها، بينما جاسر الذي انحنى يقبل كفيها
-حاسة بإيه دلوقتي. جلس عز بجوارها على الفراش يمسد على شعرها.
-عاملة إيه ياقلب أخوكي. وزعت نظراتها بينهما، ثم حاولت الأعتدال ولكنها صرخت من الألم. جحظت عيناها وأحست بقبضة تعتصر قلبها بعدما تداركت ما صار بها، طالعته بعيونًا مترقرقة بالدمع
-ولادنا. واحد ولا اتنين. انحنى يجلس أمامها على عقبيه
-جنجون حبيبتي، ربنا ماأردش. رفعت نظرها وتقابلت بعيناه التي تورمت فتحدثت: -الأتنين! دنى يضم كفيها وأطبق على جفنيه، ذهبت ببصرها لعز.
-الأتنين. يعني بطني دلوقتي مفهاش بيبي، مابقاش عندي بيبي، ولادي الأتنين ياعز، هزت رأسها عدة مرات تسحب كفيها
- مش عايزة أشوف حد، اطلعوا برة انتوا الأتنين. احتضن عز وجهها
-جنى ممكن تهدي. دفعت كفيه بعيدا عنها وصرخت من الألم
-قولت برة مش عايزة أشوف حد، رمقته بنظرات معاتبة
-ليه حاسة إنك بتضحك عليا ياجاسر
رفع عيناه المبللة بالدموع وهز رأسه قائلاً: -ياريت بضحك عليكي ياجنى، ياريت
بسطت كفيها إليه.
-قولي والله، انت مابتضحكش عليا، قول ولادنا لسة بخير، أشارت بأصبعها
-طب حتى واحد بس، أنا راضية والله راضية، قول حاجة ياجاسر.
جنى. همس بها عز. استدارت برأسها وجهها بحر من الدموع
-جاسر بيضحك عليا ياعز، بيقول كدا علشان لسة زعلان مني، لا دا وجع كبير، لا مش اده، أنا مش اد الو جع دا
هزت رأسها وبكت بشهقات تصم الآذان تضع كفيها على فمها، وصاحت
-ياااااارب. قالتها بقلبًا ينزف يريد أن يتوقف عن النبض من كثرة آلامه.
رفع رأسها واعدل من نومها يجذبها لأحضانه وعبراته تجري فوق وجنتيه
ورغبة جامحة لديه بإحراق كل مايجاوره فتحدثت بصوت جعلته متزنا: -جنى دا قضى ربنا، ينفع نقول ليه، إن شاءالله ربنا يعوضنا
دقائق مرت عليه كالدهر وهي بأحضانه تبكي مرددة
-أنا عملت ايه علشان حياتي تبقى كدا، ليه دايما الوجع من حقي، انا مظلمتش حد، والله ماظلمت حد، راضية بكل حاجة
أخرج رأسها يحتويها بين راحتيه.
-انتِ عمرك ماكنتي ظالمة ياحبيبتي، دي أقدار وربنا بيختبرنا بيها، ايه ياجنى هنقول لربنا ليه
رفعت أناملها على وجهه تزيل عبراته
تضحك بوجع، وكأنها لم تستمع لحديثه، وعبراتها تنسدل على خديها قائلة
-الاتنين. خسرت الأتنين ياجاسر، ولادي الأتنين. انسابت عبراتها تغزو وجنتيها، أكثر وأكثر وتحتضن بطنها مرددة
-الأتنين. ولادي الأتنين، طيب حق وجعي حتى، حق فراقنا ياجاسر، حق قلبي المكسور، مددت أناملها لجرحها.
-حق الجرح دا اللي كل مااشوفه افتكر، اني مفرحتش حتى، حقي حتى لو في نظرة بوش واحد فيهم، حق حبي ووجعي منك، وضعت رأسها بصدره وضربت على صدره
-حقي منك يابن عمي، رفع يديه بإرتجاف يضعها على رأسها
-جنى حبيبتي، بصيلي ياقلب جاسر
-مش يمكن ندخل الجنة بيهم، مش يمكن لو جم يحصلنا حاجة، أو يحصلهم حاجة، ربنا شايفلنا خير احنا مانعرفش عنه حاجة
-جاسر. قالتها ونظراتها تتعمق بعينيه فتحدثت:.
-ولادك اللي كل شوية تقول، ولادي، اهم حاجة عندي. ولادك ياحضرة الظابط ربنا حرمني منهم حتى قبل مااشوفهم، تفتكر ليه
دنى برأسه يلتقط كريزيتها يمنعها من تفوه شيئا آخر. ابتعد عز متجها للنافذة والحزن يأكل بصدره على حالة أخته
ضم وجهها يضع جبينه فوق جبينها
-عرفت ليه ربنا عمل كدا ياجنى، علشان قدرك مكتوب بقدري يابنت عمي
هزت رأسها رافضة حديثه
آه خرجت من عمق آلامها تبكي بشهقات مرتفعة قائلة.
-مبقاش فيه قدر يابن عمي، مابقاش فيه حتى اللي يربطنا
ضم رأسها لأحضانه يهمس لها
-جنى ارجوكي بلاش تعملي فيا كدا، علشان خاطري. شعرت بألمًا شديد، فصرخت متألمة، تصرخ
وآآه زلزلت بها جدران المشفى. ضمها يسأل بلهفة
-فيه إيه. ضمت بطنها تبكي. وآه هزت بها جدران المشفى، حتى هب من مكانه فزعًا.
-شوف الدكتورة ياعز لو سمحت، تشبست بقميصه تبكي وتبكي إلى أن جفت دموعها، ولجت عاليا بعدما استمعت لصوت بكائها، بدخول الطبيبة التي قامت بالكشف عليها
-لازم أخدها على جهاز السونار، بعد إذنكم. توقف أمامها
-ايه اللي حصل، وايه الدم دا كله
-لو سمحت عايزة اشوف شغلي. قالتها تستدعي المسعفين لنقلها، حملها بين ذراعيه بعدما وجد شحوب وجهها وهدوئها المفاجئ. وضعت رأسها بعنقه هامسة له.
-هموت قالتها وهي تغلق عيناها كالذي فارق الحياة. توقف عن الحركة وكأن جسده شل ولم يعد لديه القدرة على الحركة من كلماتها، فضمها بقوة لأحضانه عندما شعر ببرود جسدها
-جنى. بلاش تموتيني حبيبتي، سمعاني ياقلب جاسر، افتحي عيونك حبيبي. حالتها شقت أضلعه شقًا، حاول تمالك نفسه فتحرك متجها إلى غرفة الكشف
توقف أمام الطبيبة التي كانت تفحصها من خلال شاشة السونار. فتحدثت بهدوء رغم قلبها المضطرب.
-هندخلها عمليات تاني، نشوف ايه اللي حصل. امال بجسده على مكتبها
-ايه اللي حصل مبحبش اللف والدوران، سبب النزيف ايه
ابتلعت ريقها وتوقف متجهة للخارج
-ماقولت لحضرتك ياحضرة الظابط
أشار لها بالتوقف
-متقربيش من مراتي، صرخ بها بدخول عز وعاليا.
نهض من مكانه وتحرك للخارج سريعا، لم يعد لديه قوة لمجابهة كل هذا، اصطدمت به غنى، توقف أمامها للحظات، وتقابلت نظرات محملة بالعتاب من كلاهما، فاقتربت منه ودموعها تسبق نظراتها، ولم تفكر في شيئا فألقت نفسها بأحضانه تبكي بنشيج مرير
-أنا اختك غصب عنك، وبنت جواد الألفي وانت حبيبي وروحي ودا غصب عنك، سواء رضيت ولا لأ. تراجع بيجاد للخلف يترك لهما مساحتهما الخاصة
-غنى، جنى تعبانة. خرجت من أحضانه.
-يعني ايه، ماما قالت إنها كويسة، وفاقت
تراجع بعيدا يحمل هاتفه. لحظات يقوم الأتصال بأحدهم
-دكتور يونس.
بمنزل يوسف البنداري
. اعتدل يونس بنومه، فأجابه بصوت متحشرج من النوم
-أيوة ياجاسر، أنا
نظر بكافة الإتجاهات وتحدث بقلبًا مفطور
-محتاجك بمستشفى الألفي لو سمحت، مراتي سقطت حملها، والنزيف مابيوقفش والدكتورة عايزة تدخلها عمليات تاني
اعتدل يستمع إليه بإهتمام، نظر بساعته أنها بتمام الثانية ليلًا، فأجابها.
-لا حول ولا قوة إلا بالله العلي. نص ساعة بالكتير وأكون عندك إن شاءالله
اعتدلت سيلين من نومها
-في إيه يايونس. هبط من فراشه
-مرات جاسر الألفي سقطت حملها، وعندها نزيف، ضغطها كان عالي وسكرها مش مظبوط، ربنا يستر، قالها واتجه للمرحاض
جلست سيلين على الفراش تجمع خصلاتها، ثم تنهدت قائلة
-اللي بتفهم ماتتجوزش دكتور نسا ابدا، خرج على حديثها متجها لغرفة الملابس.
-نامي ياسيلي، وبلاش كلامك العبيط، بقولك الست سقطت، كانت حامل في توأم
نهضت من فوق الفراش متجهة له
-حالتها صعبة اوي. هز كتفه بعدم معرفة
-هروح وأشوف، طبع قبلة على جبينها
-آسف حبيبتي نسيت اعمل الفون سايلنت، ومقدرش أقول لحد لا
اومأت متفهمة، ثم تحركت بجواره للخارج
-لأ أنا كنت هقوم علشان اصحي الولاد، عندهم كويز النهاردة
-لسة بدري حبيبتي، خليها بعد الفجر
طبع قبلة وتحرك
ولج للداخل ينظر لغنى.
-هاتيلها لبس وحجاب ياغنى، فيه دكتور كلمته هيجي يشوفها
ربتت على كتفه
-متخفش إن شاءالله هتلاقيه حاجة بسيطة، دلفت الطبيبة
-عايزن نعمل فحصوات
هز رأسه رافضًا: -لأ طبعًا. متشكر لحضرتك. أشارت عليها
-لو سمحت لازم نعرف سبب النزيف إيه
-بيجاد قول للدكتورة متشكرين، قالها وهو يحمل جنى متجهًا لغرفة أخرى
وصل يونس بعد فترة وقام بفحصها.
-كالعادة جزء من الجنين مع الانيميا الحادة ياجاسر، ازاي مراتك وصلت للحالة دي. فيه ست حامل يبقى الهيموجلوبين عندها 7
-الدكتورة هتعملها اللازم متخافش، والعلاج دا علشان يظبط السكر والضغط. ممنوع الضغط النفسي والعصبي نهائيا، وياريت متبقاش لوحدها، كتير ممكن يحصلهم انتكاسة.
اومأ متفهما. تحرك يونس مغادر. أما جاسر الذي اتجه لربى وغنى
-مش عايزكم تسبوها لوحدها ولا دقيقة. ابتلعت عاليا ريقها مردفة.
-أنا مش هسبها متخفش، خلي الدكتور ترتاح علشان الحمل
-شكرا. قالها وتحرك إليها
بعد أسبوع.
ولج إليها بمقلتين تغشاها الدموع وقلبًا يتهشم من الوجع والحزن بآن واحد، دنى من فراشها وروحه تأن بأنين نازف وينخر الألم عظامه نخرًا عميقًا. توقف عز عند دخوله يطالعه بوجه كأنه لوحة من الألم، وتحرك للخارج. وصل لفراشها وتمدد بجوارها يجذبها لأحضانه يدفث وجهه بخصلاتها. وآه حارقة خرجت من جوف حسرته يهمس أسمها. كانت كطائر مكسور الجناح لا حول لها ولا قوة عيناها خاوية من الحياة. نظرات ضائعة وحياة بائسة كتبت عليهما. هل بالفعل عشقهم عشق لاذع أم ظُلم الوصف بحضرتهم.
رفع كفيه يمسد على خصلاتها بحنان يجذبها إليه بقوة يذيب ضلوعها كأنها ستهرب منهم
اعتدلت تبتعد عنه وقامت بنزع محلولها وهمست
-خلينا نرجع على البيت، مبقتش عايزة أفضل هنا أكتر من كدا
رفع كفيه يمسد على شعرها فابتعدت تنزل من فوق الفراش
-هترجعني على البيت ولا أمشي أنا
-جنى. همس بها. ابتسمت بوجع
-روحني يابن عمي، ولا أقول ياحضرة الظابط، اختار انت علشان نعرف نتعامل مع بعض الفترة دي.
ابتسم لها ثم رفع كفيها.
-ينزع محلولها، ثم احتوى وجهها يلثم جبينها
-هنرجع بيتنا وننسى اللي فات، ونبدأ صفحة جديدة
ابتعدت للخلف
-مبقاش ينفع ياجاسر، أنا لازم ابعد وانت تنسى وتعيش حياتك مع مراتك زي ماقولت، انا دايما تعباك، وانت اتاكدت اهو ربنا مريدش نكون مع بعض
-اجهزي ياجنى مش عايز اتكلم في حاجة دلوقتي، خفي الأول وبعد كدا نتكلم
بعد شهرا
بمكتبه ولج إليه العسكرى
-سيادة العقيد طالب حضرتك ياباشا في مكتبه.
أومأ برأسه وأشار بكفيه لخروج العسكري. مسح على وجهه وأمسك هاتفه يعيد الأتصال بها
كانت تقف أمام المرآة تنهي زينتها، التفتت ببصرها لهاتفها، ثم التقطته متنهدة وقامت بفتح الخط
-نعم.
صرخ بها بجنون
-اتصلت بيكي كام مرة مابترديش ليه
وضعت الهاتف أمامها وجلست على أمام المرآة
-مكنتش موجودة، كنت باخد شاور
نهض من مكانه. افتحي الكاميرا، وبقولك
-اسلوب البرود دا بلاش منه علشان منتعبش. ضغطت على الكاميرا تطالعه بغضب.
-على مااظن أننا اتفقنا على كل حاجة، جاي دلوقتي تغير كلامك ليه
-جنننننننى. أردف بها من بين أسنانه
اشتعلت حدقتيها بجنون وهتفت غاضبة
-لو سمحت يابن عمي نتكلم في حدود المنطق.
-عارفة ولو خرجتي هعمل فيكي ايه
انحنت تقترب من الهاتف تنظر إليه بابتسامة ساخرة
-هات اخرك ياحضرة الظابط، ويالة عايزة اكمل لبس عندي اجتماع.
باي. قالتها وأغلقت الهاتف ثم نهضت متحركة إلى غرفة الملابس تكاد تتحرك بثبات، فتحت الخزانة، قابلتها رائحة ثيابه، رفعت كفيها تتلمسها، وجذبت أحدى قمصانه لأنفها تستنشقه بإشتياق، . ثم تراجعت تجلس على المقعد تحتضنه هامسة لنفسها
-وحشتني أوي، معرفش ايه الذنب اللي عملاناه علشان نتعاقب كدا.
أغمضت عيناه، وتراجعت بجسدها تتمدد على الأريكة ومازال قميصه بأحضانها. استمعت لرنين هاتفها علمت أنه هو، ولكنها لم تعريه إهتمام، غفت بمكانها بثياب الحمام الخاصة لفترة من الوقت
نهض متجها إلى باسم. ولج للداخل فأشار إليه، وهو يشير لبعض زملائه
-خلاص وصلنا لوكر المجرمين، وعرفنا مين الممول الرئيسي
استند على حافة المكتب
-فيه جديد غير اللي وصلنا. اومأ باسم وأشار على خريطة أمامه.
-فاكر المكان اللي اقتحمته من فترة ومكنش فيه حد
اومأ له جاسر، فأكمل باسم
-هو نفس المكان، هم خلوه وقتها علشان عرفوا أن فيه اقتحام، وزي مااتوقعت ياجاسر، كان فيه خاين وصلهم المعلومة
تسائل أحد الظباط
-عرفتوه يافندم. اتجه ببصره لجاسر واجابه
-جاسر عارفه، وهو عارف هيعمل ايه
دلوقتي الورق دا فيه كل حاجة عن القضية انتوا الاتنين هتشفوا هتعملوا ايه، بس مش عايز اي حركة بدون علمي
نهض حسن الظابط الآخر.
-تمام يافندم. أي أوامر تانية
أشار بكفيه بالانصراف، بينما توقف جاسر امامه
-ليه وقتها مخلتنيش اقبض عليه
اشعل باسم سيجاره وطالعه بتدقيق
-علشان اللي وراه ابن عم فيروز
كور قبضته يسبه ثم هتف
-هو ميعرفش أنه اكتشف
نهض من مكانه واتجه يقف أمامه.
-جاسر، بلاش تهور، متعملش حاجة من غير ماترجعلي، القضية تقيلة، وابوك لو عرف انك اللي مسكتها معرفش هيعمل ايه، القواضي اللي زي دي بنختارلها اشطر الظباط، بس انا عندي ثقة فيك وشايف انك هتشتغل عليها كويس اوي، لازم تثبت لنفسك قبل أي حد انك تستاهل الوظيفة دي مش علشان انت ابن جواد الألفي. وبلاش شغلك اللي بتحاول تستظرف بيه وكانك غبي
قهقه جاسر وجمع أشيائه
-بسوم انا مراتي وحشاني وماليش حيل اقنعك بغبائي.
-صحيح جنى عاملة ايه، ولسة العلاقة بينك وبين جواد زي ماهي
وضع سلاحه بخصره واجابه بنبرة باردة
-الأتنين زفت، ابويا غضبان عليا، تقولش حجرت عليه، والتانية قافلة على نفسها بتحسسني هموت عليها
والتالت. قالها باسم ساخر
-والله انت كمان الحكاية على اخرها، تحرك للخارج فتوقف على ضحكات باسم. استدار إليه متسائلا
-ايه يابسوم افتكرت حياة ولا إيه. ألقاه باسم بالقلم
-اتلم يا حمار. غمز له متسائلا.
-اومال ايه القهقه دي، احنا هنا مش بوليس الاداب يابسوم
نصب عوده وطالعه بتدقيق
-بضحك على كلمتك، حجرت على ابويا. حك ذقنه وغمز له
-ماتيجي نحجر على جواد الألفي يالا
قهقه جاسر عليه
-هفكر في الموضوع فعلا، والله شكله عايز كدا. أخص على الصحوبية. قالها وتحرك مغادرا ومازالت ضحكاته صاخبة
تراجع باسم لهاتفه ثم امسكه وقام بمهاتفته
-عامل ايه يابوص
-نعم يااخويا، وحشتك ولا ايه
قهقه باسم عليه قائلا.
-عازمك عندي في المزرعة يابو الجود، ايه رأيك ارجعلك شبابك، عرفت أن قلبك هيفلسع قريب
ابتسم جواد بسخرية
-البركة في قلبك البومب يااخويا، جاسر عامل معاك ايه، عرفت انك ورطته في قضية مخدرات ياحضرة العقيد
نقر بقلمه على المكتب وارتفعت ضحكاته
-فعلا جواد الالفي، اومال بيقولوا كنت بتموت ليه ياعم
-عقبالك ياخويا لما تموت زي
تنهد باسم وتحدث
-عارف انك زعلان مني، بس اسمعني الاول. هستناك النهاردة على الغدا.
-تمام ياباسم، هقابلك واجيب غزل معايا
أغلق الهاتف ونظر بشرود، دلفت غزل بكوب عصير
-جواد عملتلك عصير فريش
أمسك كفيها بعدما وضعت العصير
-عايزك تروحي بيت جاسر دلوقتي، هو في الشغل
قطبت جبينها متسائلة
-فيه حاجة ولا إيه
أخرج جهازين ووضعهما أمامها
-عايزك تحطي الجهاز دا في بيته، ومحدش هيعرف يعمله غيرك، جاسر واخد باله من كل الشغالين، فطبعا مش هيشك في أمه
-ليه في ايه. نهض يسحب كفيها وتحرك.
-اعملي اللي بقولك عليه وبعد ماتيجي هقولك، بس محدش يعرف، اعملي حجة انك رايحة تطمني على جنى
توقفت قائلة
-أنا كنت فعلا رايحة اشوفها، كنت بكلمها الصبح وصوتها مش عجبني
قبل كفيها وتحدث
-رغم قولت ممنوع نتواصل يازيزو
-جوااااد. ابتسم يضمها لأحضانه
-مقدرش على زعلك يازيزو. ياله اجهزي وخلي السواق يوصلك، وأنا هروح اشوف صهيب
فركت كفيها وتحدثت
-صهيب سافر ياجواد
توسعت عيناه بذهول
-سافر فين؟
-ألمانيا.
بغرفة ربى أمسكت هاتفها الذي أعلن رنينه
-أيوة ياعز.
-عاملة إيه ياروبي. تمددت على الأريكة تضع كفيها على بطنها
-ابنك تعبني اوي ياسيدي، ومخليني مفجوعة
ابتسم حتى لمعت عيناه فهمس
-بيضربك اوي. أطلقت ضحكة خافتة
-اوي يازيزو، بيفكرني بيك
سحب نفسًا وزفره على عدة مرات
-لسة فاكرة أبوه ياروبي. ارتسم الألم داخل عيناها، وابتلعت غصتها قائلة
-هو أنا ليا غير باباه ياعز، شايف ممكن افكر في حد تاني.
ارجع خصلاته وتراجع بجسده على المقعد
-ماتيجي نخرج نروح لجاسر وجنى، نحاول نقنعه يخلي جنى تيجي تقعد معايا يومين
شهقت بصوت مسموع وتسائلت باستهجان
-ازاي عايز تعمل كدا، ناسي بابا، اكيد هيرفض، متنساش أنه معاقبها، استأنفت حديثها
-متزعل منه ياعز، لازم يعمل كدا، جنى غلطت اوي، وكمان بعد معرفته باللي حصلها هناك
مسح على وجهه واجابها
-خلاص ياروبي هتصرف. قطعت حديثه مشاكسة إياه بعد شعورها بحزنه.
-ماتيجي نخرج نتعشى وناكل ايس كريم برة ايه رأيك
نهض من مكانه والسعادة تجلت على ملامحه
-اديني خمس دقايق بس. قالها وأغلق الهاتف
بمنزل جاسر
عاد مساءٍ من عمله
قابلته الخادمة: مدام جنى فوق ياباشا
تحرك للأعلى دون حديث، دلف لغرفتها يبحث عنها، قطب جبينه.
-راحت فين! نظر جانبية منه بغرفة الملابس، رأى سيقانها، ابتسم بخبث وولج بهدوء ظنا إنها مستيقظة ولكنه توقف متسمرًا، عندما وجدها تغفو بملابس الحمام، وخصلاتها تغطي وجهها بالكامل، خطى إلى أن وصل إليها، جلس على عقبيه يزيح خصلاتها بحب، دنى منها مغمض العينين يستنشق رائحتها بوله، مر قرابة أكثر من شهر لم يراها بتلك الهيئة، مرر نظراته على جسدها بالكامل كفنان يتفنن بلوحته.
ثم رفع أنامله يتحسس وجنتيها، فتحت عيناها تهمس بين النوم واليقظة
-جاسر. اقترب بوجهه
-روحه مهلكتي. اعتدلت سريعًا حتى اصطدم وجهها بوجهه، فصرخت به
-إنت إزاي تدخل كدا، نسيت نفسك ولا إيه
نصب عوده وتوقف وهو يجذب قميصه من يديها
-جاي أخد قميصي، بقالي ساعة بدور عليه، معرفش انك مستغطية بيه
نهضت تلملم البورنس عليها وهتفت ساخطة
-لأ والله، قلة قمصان، وبعدين كان مرمي على الأرض وحطيته على الكنبة ونعست عادي يعني.
دنى منها أكثر يشتم عبيرها الآخاذ، يدغدغ أوصالها بأنفاسه الحارقة التي ضربت عنقها فهمس لها
-طيب يبقى ألبسي قبل ماتنامي، فيه ناس معاكي في البيت
تحركت للخزانة والتوت زاوية فمها قائلة: -قصدك ناس قليلة ادب معندهمش احترام بيقتحموا أوض الناس
اقترب منها بخطوات متمهلة كانت تواليه ظهرها، ارتجف جسدها من اقترابه، وتصارعت مشاعرها بصدرها، ورغم ذلك هتفت بصوت جعلته متزنا بعض الشئ.
-اطلع برة عايزة أغير، وياريت تاخد كل هدومك علشان ميبقاش عندك حجة تدخل اوضتي
دنى منها أكثر وحاوطها بذراعيه بينه وبين الخزانة، ليكمل زعزعة ثباتها المزيف ثم أمال بجسده
-سايبك بقالك أكتر من شهر تلعبي براحتك، قولت تاخد وقتها وتتعافى، بس الوقت دا مش علشان إنت عايزة كدا، الوقت دا علشان ارجع أشوف ضحكة جنجونة بنت عمي
رفرفرت أهدابها تحاول الخروج من تحت قبضته وانفاسه القريبة التي تهلكها، فتحدثت بتقطع.
-طيب انا بقيت كويسة، ابعد عني. قرصها بوجنتيها
-لأ. لما اشوف ضحكتك الأول
استند برأسه على جبهتها يقرب رأسها إليه
-عايز نرجع زي الأول. ابتعدت عنه
-جاسر ابعد، مبقاش حاجة بتجمعنا، وانت اللي اخترت مش أنا
طوق خصرها يضغط عليه وتحدث من بين أسنانه:
- جنان تاني هعملك عفريت، سمعتيني، انتِ مراتي فاهمة يعني ايه، يعني الكلمة دي خليها جوا قلبك قبل ماتوصل ودانك
رفعت رأسها وطالعته بألم طل بنظراتها.
-كنت مراتك، نسيت قولت إيه، يوم ماتولدي هحررك مني، يعني انت مطلقني من يوم ماقولت الكلمة دي.
ابتعدت عنه بعدما تلاشت يديه من فوقها، وتحدثت: -موتني بحبك، لا مش حب دا جنون، زي ماقولتلي، استدارت مرة أخرى ترمقه بنظراتها الحزينة
-أيوة أنا كنت مجنونة بحبك، كنت بعشقك وكأن مفيش غيرك في الكون، حياتي كلها كانت فيك بس، دفعته بكلتا يديها وصرخت تبكي.
-بس عملت ايه، رحت اتجوزت وسبتني اموت، قلبك دق لغيري، اخدت واحدة في حضنك غيري، اقتربت منه ونيران قلبها تريد إحراقه.
-وقفت فرحان بحملها، محستش بوجعي ونار قلبي، محستش بيا، وقفت تتفرج عليا وأنا بدبل، ورغم دا كله سامحتك وحمدت ربنا أنه رجعك ليا، رضيت بنصيبي وقولت كفاية عليا عوض ربنا، وعدتني انك هتكون دوا لجروحي، لكن كله كان هوى، رجعت توجع فيا وتعمل مبررات، كنت مستني مني ايه وأنا شايفة حب حياتي في حضن طليقته
تراجعت تشير على نفسها تتنفس ببطئ بعدما شعرت بإنطباق المكان على صدرها فاستانفت بتقطع.
-غلطت. عارفة اتنيلت غلطت، بس والله ماكنت أقصد أي حاجة، كنت عايزة ابعد وأتأكد من الراجل اللي حياتي كلها بقت له بس، عايزة اشوف أهمك أد ايه، عايزة احس إني لما ابعد عنك حياتك هتكون ازاي.
تطلعت لعيناه وصمته وهزت رأسها بالنفي وانسالت دموعها
-رغم اني كنت بموت بس كان لازم اتحمل، علشان محسش انك واخدني مجرد جبر خاطر، عايزة احس بحبك الحقيقي مش علشان بابا طلب منك تتجوزني.
جحظت عيناه يطالعها بصدمة، اومأت برأسها وشهقة خرجت من جوفها
-ايه هتنكر، هتنكر أن بابا طلب منك تتجوزني، بعد ماعرف من تقريرك المزور اني اغتصبت، بس اللي مش قادرة فهمه
-دا ايه يابن عمي، حب، ولا إنتقام، ولا غيرة ولا إيه بالظبط، تعالى نحسبهم من الأول كدا
-لو حب، ازاي تحب واحدة وتقنع الكل بحب تانية، طيب لو إنتقام.
انا معملتش فيك حاجة علشان تنتقم مني، مستحيل تكون بتنتقم مني وانا بشوفك أحن راجل في الدنيا. مبقاش غير الغيرة. طبعا بعد خطوبتي من يعقوب محبتش أخرج عن جاسر الألفي فحبيت تعمل أي حاجة تبعدني عنه، بس ازاي جالك قلب تعمل فيا كدا
سحبت نفسًا وزفرته من أعماقها ثم رفعت رأسها وتحدثت مسترسلة.
-مبقاش بينا حاجة علشان نفضل مع بعض، واكبر دليل على كدا حتى الحمل نزل، فاعمل زي ماقولت، أنا مبقتش عايزاك يابن عمي. ولا بقى ليك اي حب في قلبي
دنى منها مقتربا، وسهام نارية ترمقها ثم ضغط على نواجزه
-كلمة كمان هخدك ادفنك وارتاح من غباءك، مبقتش متحمل غباءك، صبري نفد منك، انا لسة محاسبتكيش على اللي فات، ورغم كدا قولتلك نبدأ صفحة جديدة، وفي الاخر جاية تقولي كنت. جذبها من خصرها ووضع رأسه بعنقها.
-جنى مفيش حاجة اسمها كنت علشان معذبكيش بجد، كلك على بعضك ملكي انا
تطلعت إليه بخيبة وتجمدت ملامحها
-عايزني افضل على ذمتك غصب عني
اعتدل متراجعا ثم
أطلق زفرة قوية من جوفه المحترق بغبائها فأشار بسبباته محذرا وتحدث بغلظة: -اه هسيبك على ذمتي غصب عني، وراضي بكدا مهما تقولي، شوية الهبل دول سبيهم جوا بوقك أحسنلك
اندلعت نيران بحدقتيها وهتفت باستنكار ممزوج بالغضب
-وتقبلها على نفسك، اومال فين الرجولة يابن عمي.
اقترب منها بعدما أثارت غضبه وتلاشت مقاومته ضدها، وبحركة قاسية حملها
-هعرفك الرجولة دلوقتي يابنت عمي
مساء اليوم جلست بغرفة رسمها، تنظر لجميع لوحاتها بوجعًا لديها قدرة بإحراق جميع لوحاتها التي تحمل صوره، وضعت كفيها على قلبها هامسة
-لسه مش قادرة اكرهه، رغم كل وجعي منه، ايه الحب اللي كله عذاب وألم دا.
جذبت أحد دفاترها وخطت بعض كلماته. ابتسمت اولا عندما وجدت أناملها تكتب اسمه دون وعي منها، لمست صورته بأناملها
-شكلنا مش هيفرقنا غير الموت يابن عمي، ياترى دا حب عادي ولا حب مميت. كل اللي أقدر اقوله
حياة جنى. جاسر
وضعت دفترها ونهضت من مكانها متجهة لحمام السباحة، قامت بإلقاء مأزرها وقفزت بخفة بالمسبح
تقدم بعد خروجها وعيناها تراقب سباحتها، امال بجسده يحمل دفترها يقرأ بعض كلماتها.
ما بيننا اكبر بكثير من أن يكتب متمردا.
قاسيا
ووحدي الهالكه، بعشقك اللاذع لأوردتي
هنيئا لك ملهمي.
أجل فانك جنوني وشغفي
وعشقك ينازع روحي من أجل البقاء.
ابتسم ولمعت عيناه، فرفع دفترها يستنشق رائحتها بوله، ثم أمسك القلم وخط بقلمه تحته
أنا دونك بيت بلا عنوان
معادلة ينقصها برهان
ليل تعلوه أشجان
قلب مقطوع الشريان
فؤاد معتل فيه الأبدان
كلام يغطيه كتمان
نار دون دخان
بركان يوشك على الغليان
سفينة شرد عنها القبطان.
لوحة تنقصها الألوان
عالم يخلو من الأمان
ذنب دون غفران
ايا كان فإنت صك الغفران مهلكتي
أمام منزل جواد
كان ينتظرها على نار الغضب الذي احرقته بالكامل، ترجلت من السيارة، فاتجه إليها سريعا، يجذبها من رسغها بقسوة، هرولت خلفه للداخل، قابلته غزل
-حبيبي فيه حاجة
-لأ. قالها وهو يتحرك سريعًا، دفعها بقسوة داخل الغرفة، ودفع الباب بقدمه، واتجه إليها يصيح بصوتًا كالرعد
-كنتي فين. نهضت تطالعه بغضب
-ايه شغل الحيوانات دا.
صفعة قوية على وجهها، ثم ضغط على فكيها بقسوة
-هعرفك ياحيوانة هم مين الحيوانات
دفعته بقوة تصرخ عندما اشتد آلامها
-ايه مفكرني ضعيفة واتذلك، انا مش مكسورة سمعتني، ومستعدة أخرج للكل واقولهم سبب جوازنا، اقتربت وثبتت عيناها الباردة عليه وعكست نظرات نارية كارهة له وهتفت باعلى صوتها
-طلقني، عندي اتفضح ولا أكون مرات واحد همجي زيك
اقترب منها كالمجنون يضغط على عنقها، يزمجر معنفًا إياها.
-ماهو انا هدفنك مكانك، واحدة مش قادرة تحترم نفسها ورايحة تقابل واحد حقير زيها هستنى منها ايه
استمع لطرقات على باب غرفته وصوت والدته
-افتح الباب يا ياسين. دفعت الباب وولجت غاضبة تدفعه بقوة بعيدا عنها
مررت أناملها على عنقها تبكي بصمت وانسابت عبراتها بقوة.
توقفت غزل أمامه مذهولة مصدومة مما رأته حتى شعرت بعدم توازن وتسائلت مصعوقة: -ايه اللي بيحصل دا، انت اتجننت. تراجع للخلف ينظر إليها بصدمة، كيف وصل لتلك الحالة، استدار متحركا للخارج مهرولا كأنه يطارد عدوه
باليوم التالي.
بغرفة ياسين. استيقظ على صوت هاتفه
-أيوة ياكريم، تمام هنزل بعد ساعة كدا
قالها وأغلق هاتفه.
جلس يعدل خصلاته المتمردة، ذهب ببصره لمكان نومها، لم تكن موجودة، اتجه متحركًا للمرحاض، وجدها تجلس تنظر من الشرفة ولم تشعر به، اكمل سيره، خرج بعد فترة، واتجه بنظراته إليها مرة اخرى، كلما تذكر مقابلتها لابن عمها بالأمس يكاد ينفجر من الغضب، سحب نفسًا وطرده للسيطرة على غضبه.
كانت تجلس بنظرات ضائعة معذبة، تراجعت تضع رأسها على ركبتيها تنظر للحديقة. توقف أمام المرآة يصفف خصلاته قائلاً: -ممنوع تخرجي من باب الأوضة، ألمحك برة الباب دا هعاقبك وانت عارفة عقابي ازاي
لم تعريه إهتمام وظلت كما هي. وصل إلى يضغط على فكيها بقوة
-من الاحترام لما أكلمك تبصيلي
نفضت ذراعه بعدما آلامها وتراجعت على للخلف
-بكرهك. حقير حيوان.
-هقول ايه غير إنك واحدة مش متربية، انا مش هضيع نفسي علشان واحدة باعت نفسها بالرخيص
-طلقني بدل انا رخيصة، انا مش طياق
استدار مبتسمًا بسخرية
-لأ حوشي يابت أنا اللي ميت فيك
لملم أشيائه وخطى بسيره للباب، توقف متجها ببصره إليها
-مش هعيد كلامي تاني، المرة دي عقابي مستحيل تتخيليه، قالها وهو ينظر إليها مشمئزا، ثم استأنف موبخا إياها
-احمدي ربنا اني لسة سايبك عايشة بعد اللي عملتيه.
مساءً بمنزل جاسر.
تجلس بالمياه الدافئة تغمض عيناه تحاول أن تنسى هذا اليوم الذي ارهقها، تعيد ترتيب أفكارها، تحاول جاهدة أن تحد حلا لسوء الوضع الذي تدهور بينهما. أطبقت على جفنيها متألمة كلما تذكرت ما فعله بها بالأمس، فتحت عيناها عندما استمعت لهمسه بجوار أذنها.
-ساعتين بتاخدي شاور، ايه محتاجة مساعدة، قالها وهو يحرك أنامله على ظهرها مما أصابها بقشعريرة لذيذة، توقفت اعضائها ولم تستطع إبعاده، حتى انحنى يقبل جيدها يهمس بأعذب الكلمات
انهارت حصونها وضعفت بحضرته، فأوقها جاذبا مأزرها وهو يخبرها
-عايزك. هنا فاقت من خضم أحاسيسها فانسابت عبراتها على حياتها التي بدت باردة بينهما ولم يقترب منها سوى لرغبته، طالعته بعيناها الباكية
-ابعد عني، تعبانة وعايزة ارتاح.
ارهقها بحزنها. جذبها بقوة لتصطدم بصدره هامسًا بفحيح
-ألف سلامة عليكى من التعب، بس عايزك بردو. حاولت دفعه ولكنه سحبها وسط شهقاتها المرتفعة فتوقف بمنتصف الردهة يدفعها بقوة على الجدار حتى اصطدمت به ثم حاوطها بذراعه
-عايزة توصلي لأيه، صرخ بها حتى انتفضت لصراخه ترجوه بعيناها، ولكن كيف له أن يعفو بعدما طعنته بخنجر الغدر. انتي مراتي ومن حقي ووقت مااحتاجك تكوني جاهزة
أطبقت على جفنيها وانسابت عبراتها قائلة.
-بكرهك. كطير مكسور الجناح اقترب من ثغرها
-بس أنا بحبك وطول ماأنا بحبك هتفضلي هنا لو عايزة ترتاحي موتيني. اقتربت تقبله وتهتف من بين قبلاتها
-أنا مش عايشة علشان أموتك يابن عمي، لأنك موتني من زمان أوي
أحس بالدوار وكأنه تلقى ضربة قوية لتفقده اتزانه مع شحوب وجهه. دنت أكثر بعدما أصابت هدفها
وقامت بنزع مأزرها وأشارت على نفسها
-ودلوقتي أنا جاهزة. لم ترحمه واقتربت ترفع نفسها تهمس بجوار أذنه.
-شوفت دكتور التشريح وهو بيشرح الجثة، اهو انت هتبقى معايا كدا كل مرة، أنا الجثة وانت دكتور التشريح. برودة اجتاحت جسده وهو يرجع بخطواته للخلف وهي تقترب منه
-ايه الجثة مش عجباك ولا خايف منها.
↚
دنى يخطو إليها ومع كل خطوة ترتفع نبضاتها متراجعة للخلف، دقات قلبه تتنازع مع بعضها وصراع داخلي بين كرامته وقلبه، لقد اهينت رجولته بحديثها اللاذع المهين له، حتى جعلته ينزف وونيران داخلية تلعنه من ذاك العشق اللاذع، اقترب بأنين صامت، وانفاس نارية مهدورة فجذبها من ذراعها بقوة اذهلتها، ابتلعت ذعرها منه
-جاسر!
نيران بداخله أشعلت حرب أعصاب ونظرات بينهما، دفعها بقوة على الفراش.
نهضت سريعا متسائلة بزعر بعدما وجدت جنونه
-إنت هتعمل ايه؟ قالتها بعين زائغة
انحنى إليها وتملكه غضب جارف
-هعاين الجثة مش يمكن عايزة تحنيط مش تشريح. ياحضرة الطبيبة التشريحية، تقولي ايه أصل جوزك حقير واطي، قالها وقلبه يتآكل من الوجع
تلاشى تنفسها من حالته التي اوجعت قلبها فتحدثت: -جاسر ابعد عني، أنا آسفة مقصدش اللي وصلك.
مازال على وضعه، لقد وضعه على المحك، فدنى أقرب منها ووزع نظراته على جسدها الذي كُشف أمامه بالكامل ثم رفع نظره إليها.
ورغم المرارة والألم من حديثها الذي شقه لنصفين، حاول أن يهدأ داخله فتحدث: -من اللحظة دي طرقنا افترقت، عايزة تمشي الباب مفتوح مش همنعك، عايزة تطلقي معنديش مانع، إنتِ كدا كتبتي خط النهاية بينا، اصلك مش غريبة متعرفيش مين هو جاسر، علشان تفكريني حقير شهواني، ياخسارة يابنت عمي. قالها وتحرك للخارج سريعا. هرول كالذي يطارده شيطانه، حتى وصل لسيارته، استقلها سريعا، وقادها بسرعة جنونية.
شهقة خرجت من جوف آلامها تهمس اسمه ببكاء يمزق نياط قلبها هامسة
-آسفة مكنش قصدي، انا تعبت من قلبي الموجوع منك
وضعت كفيها على صدرها وناجت ربها
-يارب. ثم نهضت من مكانها متجهة للواحد القهار ترجوه بأسرها أن ينجيها من الهم والحزن. قامت وتجهزت لمقابلة ربها بركتي تزيل همها، خرجت من مرحاضها بعدما توضأت واتجهت تقيم صلاتها بآلام قلبها النازف، سجدت لربها تبكي وتدعوه بسريرتها.
ربي لقد عجز تفكيري وخلت بي الطرق، فأنت وكيلي
اللهم بك أستعين وعليك أتوكل، اللهم ذلل لي صعوبة أمري، وسهل لي مشقته، وارزقني الخير كله أكثر مما أطلب، واصرف عني كل شر، رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري يا كريم.
اللهم أخرجني من حولي لحولك ومن ضعفي لقوتك
ظلت تناجي ربها حتى أنهت صلاتها فاعتدلت تقرأ بعض آيات الذكر الحكيم
مرددة دعاء سيدنا يونس
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
ظلت فترة من الوقت، ثم نهضت من مكانها واتجهت لهاتفها وامسكته بتردد لحظات تنظر للهاتف ثم عزمت أمرها وقامت بمهاتفته
كان يقف بالسيارة أمام النيل ينظر بشرود، تعاظم الغضب بداخله حتى بدأ ينفث سيجاره على هيئة نيران صدره الملتهبة. يعشقها بجنون، وغيرته تكاد تذهب عقله تذكر ماصار بينهما بعد رجوعهم من المشفى.
فلاش قبل شهر
ولج للداخل كانت تجلس تنظر بشرود للخارج، توقف أمامها يضع كفيه بجيب بنطاله.
-من بكرة هنزل الشغل، ياسين استلم شغله في العريش ومراته هتيجي تقعد معاكي الفترة اللي هكون موجود بها بالشغل
كانت ماتزال تنظر للخارج وكأنه لم يتحدث إليها، جذب مقعد وجلس أمامها
-مش عايزة تقولي حاجة. استدارت برأسها
-جاسر أنا مش مرتاحة هنا، ومبقتش عايزة اقعد هنا، عايزة ارجع بيت ابويا عرفت أنه سافر، ومفيش حد في البيت
نهض من مكانه يزفر متنهدًا بغضب.
جنى بلاش نتكلم دلوقتي في حاجة، سحب كفيها وساعدها بتبديل ثيابها، ثم جمع خصلاتها برباط للشعر
- خلي شعرك ملموم علشان مايتعبكيش في التسريح. رفع ذقنها: -مرات ياسين برة ادخلها!
اومأت برأسها، تحرك للخارج ولكنها أوقفته
-جاسر.!
استدار بجسده ينتظر حديثها
-عايزة اكلم بابا، حاسة بحاجة ماما مخبيها عليا، دققت النظر بعينها
-إنت مخبي عليا حاجة؟
قطب جبينه ثم اقترب منها مستفهمًا!
تقصدي إيه؟
زفرت متحدثة؟
ولا حاجة خلاص. وقف أمامها ثم سحب كفيها وأجلسها بجواره
-أنا مشفتش عمي من يوم مارجعنا من تركيا، هو لسة زعلان مننا، يعتبر مبكلمنيش، سبيه شوية وبعد كدا يبقى نزوره
اومأت له فنهض متحركًا للخارج توقف على باب الغرفة يليقها بنظرة أخيرة ثم خرج
ولجت عاليا للداخل
-صباح الخير ياجميل. رفعت نظرها لعاليا مبتسمة فأشارت لها
-تعالي. ولجت للداخل توزع نظراتها على الغرفة
-اوضتك حلوة اوي على فكرة.
-ميرسي. ظلت نظراتها عليها، فجلست عاليا أمامها
-عارفة عايزة تسألي عن علاقتي بياسين مش كدا
هزت رأسها وابتسامة حزينة افترقت شفتيها متسائلة
-أنا معرفش ياسين اتجوز، حتى جاسر مقالش حاجة زي كدا
نهضت عاليا، وأشارت على حجابها
-طيب البسي وتعالي ننزل الجنينة شوية، الشمس حلوة، وحضرة الظابط نزل الشغل، وقالي أوامر اد كدا. غمزت عاليا بعيناها
-تعرفي بيحبك اوي اوي يبختك.
وانا بحبه اوي كمان. خرجت الكلمات من فمها حزينة وترقرقت عيناها بالدمع، أطبقت على جفنيها حتى لا تسقط عبراتها. ابتلعت ريقها وتسائلت
-هو جاسر حضر فرحكم.
ضيقت عيناها تنظر إليها مستغربة
-ليه هو ماقلكيش ولا إيه. تحمحمت تجذب حجابها تضعها بعشوائية على رأسها، ثم ارتدت حذائها
-ياله ننزل تحت، ونتكلم
عند جاسر
استقل سيارته متجهًا لعمله، استمع لرنين هاتفه
-أيوة يابابا.
-ايه اللي رجع فيروز تاني ياجاسر. توقف فجأة حتى اصطدم بالقيادة
-بتقول ايه!
نهض جواد يزأر بصوته كالأسد
-قدامك 24 ساعة يابن جواد تخلصلي من موضوع الحرباية دي سمعت ياله، وحياتك عندي البت دي لو حاولت تقرب من جنى لأحرقها ياحضرة الظابط الحنين. قالها ثم أغلق الهاتف
يشعر بإرتفاع أنفاسه
ولجت غزل تفرك كفيها. التفت اليها ثم جلس محاولا السيطرة على أعصابه الذي بدأ يفقدها. حمحم ليتجلى صوته وأشار لها
-تعالي ياغزل!
جلست تبعده ببعض المسافة. مسح على وجهه بعنف ثم سحب نفسًا وزفره قائلًا: -غزل عايزك تجهزي فرح ياسين، انا رحت لابو البنت، لازم في أقرب وقت نعملهم فرح قبل ماابنك المتخلف يطلقها
رفعت عيناها بذهول
-إنت بتقول إيه ياجواد، يعني إيه يطلقها اومال اتجوزها ليه، هو مش بيقول بيحبها ولا فيه حاجة مخبيها عننا
نقر بقلمه على المكتب ينظر بشرود.
-البنت ملعوب بيها لعبة كبيرة اوي، انا بدور ورا الموضوع دا، . بس طبعا عايز وقت، فأنا لازم اسكت الكل قبل مايبدأو يخنقوني بأخبار كاذبة، واعدائنا اكتر من اصدقائنا
رفرفت بعينها
-تقصد إيه؟
-بعدين ياغزل شوفي لو ينفع على الجمعة اللي جاي. نهضت من مكانها وتوقفت أمامه
-جواد!
رفع رأسه منتظر حديثها، ابتعدت بنظرها مردفة
-مينفعش نعمل فرح ياسين دلوقتي، ممكن حفلة بسيطة وكأنه كتب كتاب وتصريح للسوشيال ميديا حاليا.
هب من مكانه رافضًا حديثها
-مينفعش اللي بتقوليه دا، انت متخيلة لو حد من اعدائي عرفو موضوع مراته دي هيحصل ايه، نسيتي جواز جاسر
تضرجت ملامحها بالحزن وأجابته بهدوء: -مينفعش نعمل فرح وصهيب مش موجود
-هتصل بيه ياغزل مالكيش دعوة، هعرف احل موضوع صهيب، هو زعلان علشان بنته وهو من حقه، إنتِ دوستي عليه ياغزل
تجلى الحزن بعينيها
-عارفة ياجواد، ورحت اعتذرتله، لكن مقبلش الأعتذار
تنهدت وجلست بمقابلته.
-فيه موضوع مهم لازم تعرفه، نهى حلفتني ماقولك بس أنا قلبي وجعني من إمبارح ومبقتش قادرة أخبي عليك أكتر من كدا
نظرات مصوبة إليها منتظر حديثها وعقله يوحي بأن هناك شيئا سئ
أطلقت تنهيدة مرتعشة ولمعت عيناها بالعبرات
-صهيب هيعمل عملية بعد يومين في ألمانيا، هب فزعا من مكانه وتسائل
-عملية إيه دي وازاي أنا معرفش، صاح بصوت أفزعها
-عملية وألمانيا، ليه تخبي عليا حاجة زي كدا، اتجننتي.
انسابت عبراتها تهز رأسها: -والله مكنت أعرف، عرفت بالصدفة، بكت بنشيج واگملت
-نهى قالتلي امبارح بس لما كانت بتطمن على جنى، حتى هو كان عايز يشوف جنى بس مقدرتش أقولك
-عملية إيه. هدر بها
- مرتحش بعد عمليته الأخيرة والدكاترة طلبوا من اكس راي، واتضح الشريان والصمام فيه مشكلة، الدم مابيوصلش كويس
أطبق على جفنيه وأحس بوخز يشق صدره فتحدث بقلبًا ينازعه الحزن
-ازاي قدر يعمل فيا حاجة زي كدا، لدرجادي صهيب زعلان.
احتضنت ذراعيه قائلة: -جواد صهيب مشي مش علشان زعلان، مكنش عايز يعرف حد بتعبه
امسك هاتفه وأجرى اتصاله
-تعلالي ضروري
كان متجهًا لعمله، فتوقف متسائلاً: -فيه حاجة؟
-لما تيجي هتعرف. قالها وأغلق هاتفه.
دلفت ربى إليهما
-بابا أنا هخرج مع عز للدكتورة، وزعت نظراتها بينهما، فهتفت متسائلة: -مالكم شكلكم زعلان
-فين عز؟
أشارت للخارج قائلة: -هو بيجهز وهينزل، قالي تعالي نطمن على البيبي علشان هيسافر بالليل
-إنت تعرفي عمك صهيب مسافر ليه
ضيقت مابين حاجبيها مجيبة: -هو مسافر فين؟
أشار لها
-روحي ميعادك متتأخريش، استدارت متحركة ثم أوقفها جواد
-انتي هترجعي لعز ولا هتفضلي كدا، عايز رد نهائي.
ابتلعت غصة بحلقها ونظرت لوالدها بأعين تحجرت عبراتها
-دا إجباري ولا حضرتك بتسأل
اقترب بخطواته واحتضن وجهها
-رُبى ابنك هيجي للدنيا بعد شهرين، ينفع يجي من غير أبوه
-وأنا مسبتش أبوه يابابا، هو اللي سابني، هو اللي باعني، عايز امنله ازاي بعد مابعني في أول مشكلة، وضعت كفيها على أحشائها
-أنا مش هحرمه من ابنه، وقت مايعوز يشوفه.
هز جواد رأسه مستنكرًا حديثها: -أفهم من كدا انك مش هترجعيله تاني.
-لا يابابا. ودا قرار نهائي، مستحيل آمن لشخص بعني، حتى لو روحي فيه
اتجه بنظره لغزل التي جلست تحتضن رأسها مغمضة العينين
-سامعة كلام بنتك، موافقة على عمايلها، ثم استدار إليها
-مش معنى اني مديلك الحرية يبقى تضيعي حياتك، انا مش موافق على اللي بتقوليه
-بابا. أشار بسبباته.
-بلا بابا بلا زفت، ياترجعي لابن عمك ياإما معنتيش تخرجي معاه تاني سمعتيني، واخر مرة هقولك، حافظي على جوزك وبيتك، كلنا بنغلط، أيوة عارف أنه غلط، لكن انتي مسكتيش برضو، متكلمتش وقتها علشان كان معاكي حق بس دلوقتي خلاص مبقاش ليكي حق عنده، اتعادلتوا
-بابا لو سمحت. استدار مواليها ظهره وهدر بصوته
-اللي عنده قولته، ياترجعيله يااما ماشوفكيش قريبة منه، وممنوع تتقابلي معاه.
تحركت للخارج ولكنها تسمرت بمكانها عندما وجدته يقف على باب الغرفة، همست بخفوت
-عز! تحرك للداخل مبتعدًا بأنظاره عنها، دلف للداخل قائلاً: -أنا حبيت اطمن على ابني قبل ماأسافر، مكنش قصدي حاجة تانية ياعمو، ومش معنى طلبت منها نزور الدكتورة يبقى خلاص مشاكلنا انحلت، استدار يرمقها بنظرة خذلان ثم تحدث
-اللي بيتكسر عمره مابيتصلح ياعمو، وحتى لو اتصلح مابيرجعش زي ماكان.
بعد اذنك. قالها وتحرك من أمامهما مهرولا للخارج
نظر إليها جواد بملامح جامدة لأول مرة ثم اقترب منها
-الراجل لما تكسره مراته قدام نفسه عمره مابيسامح إلا إذا كان بيموت في الست دي، وانتي كسرتي جوزك قدامنا مش قدام نفسه بس، ورغم كدا سامحك وطلب الغفران، ياترى الملكة روبي عملت ايه، كسرته للمرة إلى مبقاش ينفع يسامح، اتمنى متخسريش جوزك وحياتك وترجعي تندمي، أنا مش موافق عليكم انتو الاتنين
لوح بيديه.
-امشي روحي مع طليقك ياهانم، النهاردة طليقك بس، بكرة يكون جوز واحدة غيرك
هزة عنيفة أصابت جسدها فشعرت بتوقف نبضات قلبها من مجرد حديث والدها، ماذا ستفعل إذا فعلها، تراجعت بذكريات تلك الليلة التي حفرت بذكرياتها المأسوية وهو يدلف بإخرى ويخبرهم بأنها زوجته، رغم أنها علمت بلعبته ولكن سُحبت روحها ونزف قلبها، هزت رأسها تبعد أفكارها المأسوية التي تصفعها بقوة وخرجت هاربة من نظرات والدها النارية.
وصلت إليه وجدته جالسًا بالسيارة ينظر للأمام بجسد متجمد، استقلت السيارة بجواره بصمت، لم ينبت بكلمة واحدة، قام بتشغيل المحرك وتحرك بهدوء رغم نيران قلبه القابعة
راقبته بأعين حزينة وقلبًا فتته الوجع. همست بصوت كاد أن يصله
-عز! ظل كما هو ينظر للأمام بصمت
اتجهت بنظرها للخارج بعدما وجدت صمته. وصل بعد قليل للمشفى، ترجل اولا ثم اتجه إليها، قام بفتح السيارة، يحثها على النزول قائلا بملامح جامدة.
-على مهلك. طالعته بنظرات متألمة عندما وجدته لم يمد كفيه إليها.
نزلت ببطئ وتحركت بجواره للطبيبة، بعد فترة من الوقت كانت تتسطح على فراش الفحص، مررت الطبيبة بجهاز السونار بعد وضعها السائل، يتحرك الجهاز على جميع أنحاء البطن، ثم فتحت صوت النبض. ابتسم بحب حتى لمعت عيناه وهو يرى نطفته تكبر بأحشائها
أمسكت كفيه وانسالت عبرة عبر جفنيها وتسائلت:
- كويس يادكتورة، طمنيني. ابتسمت الطبيبة وهي تطالع شاشتها.
-كويس جدا، ماشاء الله، وشكله شقي جدا، مش حاسة بحركته ولا إيه
هزت رأسها وابتسامتها تنير وجهها انستها حزنها فتحدثت: -أيوة بيتحرك بس مش كتير اوي. أعطتها الطبيبة محرمة ورقية
-دخلنا التامن، والشهر دا اصعب الشهور، لازم نهتم بصحتنا كويس، وممنوع الاجهاد، علشان نكمل بخير إن شاءالله
ساعدها بالأعتدال قائلاً: -اعدلي هدومك هستناكي برة. اومأت له، وهي تضع كفيها على بطنها تهمس لأبنها.
- حبيبي، شوفتك عقبال لما تجيلي بالسلامة، ظلت تمرر أناملها
-شوفت بابي فرحان بيك إزاي، وأنا كمان أسعد واحدة في الدنيا، اخيرا هشوفك قريب ياقلبي، مش مصدقة تيجي. دلف إليها بعدما تأخرت خوفًا عليها
-فيه حاجة. قالها مقتربًا منها، ثم بسط كفيه وجذب ذراعها يوقفها
-حاسة بتعب ولا حاجة. سعيدة جميلة بريئة تطالعه بنظراتها العاشقة ثم أمسكت كفيه تضعها على بطنها.
-شوف ابنك، مش مبطل ضرب فيا، أول مرة يكون كدا، رفع عيناه إليها ثم نظر لبطنها وشعور السعادة يتملكه
-بتتوجعي كدا!
هزت رأسها نافية ثم تحدثت: -لا بالعكس فرحانة أوي. ابتسم ثم جذب رأسها يلثم جبينها.
-ربنا يباركلي فيكم يارب. قالها وتحرك بعدما فقد سيطرته على نفسه، كانت شهية للقلب والعين، اشتاقها حد الجنون، تمنى لو اخذها بمكان لا يعلم أحد به، ليعلمها كيف يكون الإشتياق، ولكن ذهب كله هباء، بعدما استمع لحديثها مع والدها
عند ياسين
وقف أمام بعض الجنود الذين يتدربون بساحة القتال، قام بالتعريف عن نفسه.
أنا الملازم ياسين الألفي، اكيد هنقعد فترة مع بعض اتمنى تكون ذكرى كويسة للجميع. قالها ياسين للجنود الذين يقفون أمامه بصمت واعتدال تقديرا له. اتمنى نكون زي الاخوات ونعرف نتعامل مع بعض بحب واحترامًا، ونعرف نميز بين العدو والصديق
. وصل من يرأس ياسين. توقف ياسين يلقي تحيته العسكرية مع باقي فريقه.
ظل لفترة من الوقت وهم يتدربون حتى انتهت مدتهم المحددة، تحرك لتناول وجبته امسك هاتفه واتجه لمكانًا منعزلا بعض الشئ
عند جاسر
يقود سيارته متجهًا لمنزل والده، ترجل من السيارة فاستمع لرنين هاتفه.
-أيوة يا ياسين. جلس ياسين أعلى صخرة متسائلاً: -جنى عاملة إيه النهاردة!
توقف عن السير وأجابه وهو يطالع والده الذي يتوقف بشرفة مكتبه
-النهاردة أحسن، عاليا قاعدة معاها
اومأ له وتسائل.
-جاسر خلي بالك جنى ممكن تأذي نفسها. أحس بقبضة تعتصر صدره عندما تذكر حديث الطبيبة فأردف
-أنا اتصلت بمكتب علشان أشوفلها جليسة، مكنتش عايز أعرفها دلوقتي، بس هي عرفت وخلاص
تمام خلي بالك منها، انا كلمت أوس الصبح وقالي هيرجع النهاردة، وان شاءالله رمضان يجي علينا وكلنا موجودين مع بعض
ردد جاسر قائلاً
-إن شاءالله حبيبي خد بالك من نفسك، وخلي بالك العريش مش آمان ياياسن.
ابتسم ياسين قائلاً: -العمر واحد والرب واحد، المهم انت خلي بالك على جنى ياجاسر، صدقني لو زعلتها هقفلك
قهقه جاسر مردفًا
-خلي بالك من كلامك يا حمار دي مراتي وقبل ماتكون مراتي فهي روحي
أطلق ياسين ضحكة رجولية مرتفعة
-اي ياعم الحبيب غيران عليها مني، خلل أنامله بخصلاته
-مش موضوع غيرة ياحضرة الظابط اد ماهو احترام ليا مش كدا ولا إيه
-طيب يااخويا، روح شوف رايح فين.
-الله مش ناوي تسأل عن حبيبة القلب يعني. قالها جاسر بمغذى
توقف ياسين عن الابتسام ونهض من مكانه
-متخلهاش تخرج من البيت لوحدها
ياجاسر لو سمحت
تحرك جاسر للداخل وهو يحادثه
-ابوك معينلها حراسة متخفش، هو طلب مني اروح معاه عندهم بس معرفتش علشان جنى تعبانة، فكلمت بيجاد وعز راحو معاه
-عرفت! كريم قالي، بس تفتكر ابوك بيفكر في ايه.
رفع جاسر نظره لوالده الذي يراقبه فتحدث: -هكلمك لما ارجع البيت أنا عند بابا دلوقتي. سلام
بالداخل جلس جواد ينتظره، دلف للداخل يبحث بعينيه عن والدته
-فين ماما يامنى. أشارت للأعلى
فوق ياباشا.
طيب يامنى قوليلها جاسر تحت
-حاضر!
تحرك للداخل بعدما قام بطرق الباب مسئذنا. ولج ملقيا السلام
-عامل ايه ياحضرة اللوا
-اقعد! قالها جواد بجمود.
مط شفتيه ثم تحدث: -يبقى لسة زعلان، يعني افهم من وجودك للمستشفى ماهي الا تأدية واجب، ومجية الدكتورة غزل لبيتي بردو تقضية واجب مش كدا ياحضرة اللوا
-زعلان منك يا ابني الكبير
-وأنا! قالها سريعا
انحنى جواد مستندا على مكتبه ونظر لمقلتيه
-بكرة تبقى أب وتحس يعني ايه ابن يتهم أبوه، ويحسسه بالخذلان والأهانة
رفع نظره محدقا بمقلتيه
-ولا عاش اللي يهينك ويخذلك ياحبيبي ليه بتقول كدا.
نهض جواد من مكانه وأخذ يحاوره بعيونا قليل الحيلة لما يفعله
-لما تيجي وتوقف قدامي وتقولي اني ممعتبركش ابني الكبير، دا تسميه ايه، لما تيجي تتهم ابوك انك ولا حاجة عنده دا تسميه ايه، لما ابوك يطلب تكون سند لاخوك في مشكلته وحضرتك ترفض وتقول شوف عز وبيجاد دا تسميه ايه
وقف بمقابلة أبوه مشدوها يتمزق قلبه على ما صار بينه وبين والده
-بابا حضرتك فاهم الموضوع غلط
جلس على الأريكة ونظراته مصوبة عليه.
-زي ماانت فاهم الموضوع غلط ياجاسر
جلس بجواره ودنى منه
-أنا وقتها كنت مخنوق وبطلع وجعي مش اكتر
تراجع جواد بجسده ومازالت نظراته عليه فتحدث: -ساعات وقت الوجع بنطلع الصدق يابن جواد
طأطأ رأسه للأسفل وتحدث: -بابا أنا آسف، آسف على كل حاجة.
انا مبحبكش ياجاسر ودايما شايفك سبب المصايب، أنا. اختنق صوته وتحدث بصوت متحشرج: -عمري مافكرت في كدا، من وانت صغير شايفك أكتر واحد في اخواتك بتفهم ابوك من مجرد نظره، إنما كلامك ليا حسسني اني ماانفعش اكون اب، وفشلت في تربيتكم
حدق بوالده بصدمة، يهز رأسه رافضا مايعتليه بصدره.
-ابدا يابابا. انا بس كنت بغير من بيجاد اوي، لانه كان بيفهمك اكتر مني، حتى غرت منه على غنى، وزي ماحضرتك شوفت غنى دلوقتي اهم واحد عندها بيجاد
-غبي يابن جواد، غبي ومتخلف كمان
بيجاد دا مهما كان هيفضل واحد من العيلة ومكانته غالية اه، بس عمره مايتساوى بيكم ابدا، انت اول فرحتي في الدنيا، أول نور وامل نورلي حياتي.
ازاي تفكر اني ممكن احب بيجاد أو اعتمد عليه، انت اللي دايما بتعد عن ابوك، فاكر أول مشكلة معاك، جريت على صهيب وحكتله وابوك واحد غريب
-خُفت يابابا!
جحظت عيناه يشير على نفسه
-خفت من ابوك. لدرجة دي شايف ابوك مجرم علشان يعاقبك بطريقة مؤذية
تروح تقول لعمك وباسم وأنا آخر واحد
انحنى وغرز عيناه بمقلتيه
-وياترى صهيب وباسم فادوك، قدروا يساعدوك ياحضرة الظابط
اغمض جاسر عيناه بحزنًا وردد: -آسف. عارف انا غلطت.
ليه عملت كدا ياجاسر، ليه دايما ضدي في كل قرارتي، ليه يابني قولي عملت ايه يخليك تشيل مني كدا، من وقت خطوبة عز وروبي ومبقتش ابني بقيت واحد أنا معرفوش.
تراجع بجسده وسند برأسه على ظهر المقعد وتحدث: -كنت زعلان من وقت مارفضت ادخل الشرطة ووافقت لجواد ابن عمتي، ليه معرفش، من وقت ما طلبت منك اروح مع عمو باسم سفرية سويسرا وحضرتك برضو رفضت، حتى لما جيت اتجوز فيروز برضو رفضت، كان كل حاجة بطلبها بترفضها، كنت بشوف عز وجواد اي حاجة يطلبوها يتوافق عليها بس انا لا.
صدمة نزلت على رأس جواد كصاعقة هزته حتى فقد الحديث، فطالعه وكأنه غرس خنجرا بصدره. لحظات محاولا السيطرة على ألم اخترق صدره فسحب نفسًا وطرده بهدوء، ل يخرج النار القابعة بصدره. لحظات مميتة تشعره بخيبة أمل من حديث ابنه اللاذع فتحدث بصوت هامس: -محبتش تدخل الشرطة علشان انت مكنتش عايز دا في الأول، مش عايزك تعيش حياة كلها أوامر، حياة بالورقة والقلم، حبيتك تكون حر مش مقيد، ورغم كدا لما شوفتك مُصر وافقت.
رفضت سفرك من باسم علشان ماينفعش تكون معاه في رحلة زي دي، واحد رايح شغل ومراته عايزة تعمل اجازة بعد شغله، كنت مستني مني اوافق على شاب عنده 22 سنة يروح مع واحد مايربطوش علاقة سوى أنه صديق لابوه، اول حاجة هتطلع اشاعات عليك وعلى مراته، ايه ياحضرة الظابط، متعرفش أن بينك وبين حياة 3 سنين بس، وقتها مش هيقول اكبر منه هيقول الشاب اللي بيروض مرات صاحب أبوه الشابة.
زفرة حارة ثم مسح على وجهه قائلاً: -موضوع فيروز رفضته علشان كنت عارف اللي احنا وصلنلاه دلوقتي...
لسة مقتنع انك اتجوزت فيروز علشان تبعد عن جنى، ولا اتجوزت فيروز علشان تعند ابوك وتفهمه انك صح وهو غلط
إطلق تنهيدة مؤلمة وتوقف يضع كفيه بجيب بنطاله ثم توجه للنافذة
-الأتنين يابابا، كنت عايز الاتنين
-والنتيحة ياحضرة الظابط.
شعر بقلبه يتأكل من حديث والده، فاستدار له يطالعه متسائلًا: -حضرتك حاسس بوجعي يابابا. نهض جواد من مكانه متجهًا إليه يقف أمامه ونظرات تعكس الغليان القابع بصدره
امسكه من كتفه
-وأنا لو مش حاسس بوجعك كنت سامحتك ياجاسر
تظاهر بالثبات رغم انهياره الداخلي ورغبة جامحة أن يبكي بأحضان والده عله يشفى من آلام روحه النازفة، ورغم ذلك تحدث بنبرة متزنة.
-يبقى سبني اختار حياتي وامشيها زي ماانا عايز زي ما حضرتك دايما معلمنا، قولتنا زمان مش عيب نغلط بس العيب أننا منعترفش بالغلط
اومأ له ومازال على وضعه
-بنت عمك عاملة دلوقتي.!
رفع نظره لوالده، وحزن عميقًا داعب قلبه
-قصدك مراتي. أشار جواد بسبباته.
-وبنتي ياجاسر، جنى زيها زي غنى وربى، وأنا سبتك تاخد حقك منها مش علشان انت جيت وفضلت تصرخ، لأ يابن جواد، دا علشان هي غلطت وكان لازم تتعاقب، وانت اللي ليك حق في كدا. بس مسألتش نفسك ايه اللي وصلها لكدا
-أنا. أردف بها بصوت بارد
انفرج ثغره جواد بإبتسامة ساخرة
-قصدك فيروز!
-طيب لما حضرتك عارف بتسأل ليه، وليه سبتها تمشي.
ناظره مع تأوتها المؤلمة التي انبثقت من فم جواد يشير إليه: -تفتكر يابن جواد لو أعرف كنت سبتها تكسرنا كدا، كنت هتحمل وجعك شهرين، ولا اشوف حالة صهيب واسكت، كنت هستنى العيلة توقع، ليه فكرت كدا، دي ثقتك في ابوك
ارتسم الألم بداخل أعين جاسر
-مكنتش أتوقع إن اختي تعمل فيا كدا. أومأ جواد غير راضيًا بحديثه
-اختك لأ بس ابوك اه!
دنى من والده وتوقف أمامه
-مش قصدي اللي وصلك، قصدي إنك الوحيد اللي تقدر تعمل كدا.
ثبت عيناه على ابنه وتسائل: -سيبك من اللي فات وقولي، دلوقتي ناوي على ايه.
رفع عيناه التائهة لوالده ووقف منحني كعصفور مكسور الجناح
-مش عارف يابابا، بحبها بس كرامتي مهدورة، حط نفسك مكاني، لو ماما عملت كدا كنت هتعمل إيه
سحبه من كتفه وأجلسه
-إنت عارف أن عمايل جنى نتايج لعمايلك
-بابا. أشار بسبباته واستأنف بهدوء
-صعب يابني حط نفسك مكانها قبل ماتعمل راجل عليها، اسأل نفسك الاول.
انت لو مكانها تصرفك ازاي، وقبل ماتتكلم انا مش موافقها أكيد على عمايلها دي، بس برضو مش عايز اموتها بقرارات وانا عارف غلطك اكبر
لو شايف انك هتقدر تعيش بعيد عنها وأنها كسرتك زي ما بتقول يبقى طلقها وريح نفسك، بس إياك تيجي في يوم تقولي عايز ارجعها يابابا اصلي مش قادر، وقتها اقسم بالله ياجاسر ماهخليك تطولها.
-ومين قال لحضرتك اني هسبها أو اطلقها، توقف قائلاً: -جنى هتفضل مرتبطة باسمي لحد ما اموت يابابا. ومش هتنازل على عقابي ليها، لازم ادوقها وجعي
ارتسم ابتسامة ساخرة
-متأكد يابن جواد. دقق النظر بوالده مندهشا من حديثه فتسائل: -تقصد ايه. نصب عوده وتوقف يربت على كتفه
-بتحبها اوي كدا، وعايز تعاقبها
-اه. ومحدش له يدخل. هز جواد رأسه ومازالت ابتسامته
-يبقى مبتحبهاش.
-محدش له يقولي كدا. حضرتك مادخلتش قلبي علشان تحكم عليه
-بس كفاية أفعالك ياحضرة الظابط، لسة ناقص ايه، تعالى وقولي
ازاي قدرت تقهرها بالشكل دا قدامنا. لكزه بصدره
-ازاي قدرت تشوف دموع مراتك يالا، فضلت تدوس لحد ماوقعت بالشكل دا
لا وواقف تقولي محدش له يحكم. ناظره ناهرا اياه
انا بحذرك ياجاسر من رجوع فيروز لحياتك تاني
شعر بالحزن والألم بآن واحد مردد
-مفيش حاجة بيني وبينها.
-دا أنا متأكد منه، انا اللي أقصده حطلها حد، البت دي مبقاش ينفع تقرب منك، وخليك متأكد انها مش هتسيبك
اومأ برأسه يحمل اشيائه قائلاً: -عايزك تكلم جنى، مصرة تبعد، مش عايز اتعامل معها بطريقة مش كويسة لو إنت خايف عليها. عايز أفعال ياحضرة اللوا
ربت على ظهره: -منك ليها احسن، حاول تبعد عنها، سبها شوية لحد ما ترجع زي الاول، البت بتحبك ومش هتقدر تبعد، بس خليك عاقل.
تجلى الوجع بنبرته قائلاً: -بابا الدكتور منع جنى من الحمل، بيقولها إحتمال كبير أن حملها يبقى دايما مشوه، ومن وقت ماعرفت وهي متجنباني خالص ومش مدياني فرصة اتكلم معاها ومصرة على الطلاق.
ألجمته الصدمة من حديثه ولم يستطع التفوه للحظات حرب نظرات لا يعلم بماذا يجيبه. جلس محاولا السيطرة على صدمته، ابتلع ريقه ورفع رأسه قائلا: -مفيش حاجة في الطب اسمها كدا، حتى لو الطب اتقدم ومبقاش فيه حاجة اسمها مستحيل، خد مراتك في حضنك وداو جروح بعض ياجاسر، دا علاجها الوحيد.
تثاقلت أنفاسه ورغم كدا حاول ألا يضعف أمام ابنه فجلس قائلاً: -كنت بعتلك علشان أقولك عمك هيعمل عملية بعد يومين، هسافر بالليل عايزك ترجع هنا لحد ماارجع، مامتك هتيجي معايا عارف انها هترفض
انتابه غصة قوية، فهمس بتقطع
-عملية إيه.
هز كتفه بعدم معرفة قائلاً: -معرفش بس أكيد حاجة كبيرة، غزل بتقولي العملية فشلت.
-وعمو كويس يابابا، ولا
هز رأسه بعدم معرفة
-معرفتش اوصله، لما اوصل هكلمك
جمع اشيائه وتحرك للخارج.
-هشوف جنى، بس بلاش موضوع ارجع هنا، عمو حازم هنا، يعني هيسد وكمان أوس هيرجع، لا بلاش أنا. ياله سلام ياحضرة اللوا ترجع بالسلامة.
قاد السيارة وأمسك هاتفه
-فيه واحدة باسم فيروز هاشم الناجي
-أيوة رجعت الصبح. أغلق الهاتف ملقيه على المقعد ينقر بكفيه على القيادة
-ناوية على ايه يافيروز، ياترى رجعتي ليه ومش همك تهديدي
استمع لرنين هاتفه
-بسوم عامل ايه
-جاسر عدي عليا بعد الشغل، فيه موضوع مهم.
نظر من خارج النافذة واستأنف حديثه متسائلا: -فيه حاجة ولا إيه
-اه لما تيجي هتعرف. قالها مغلقا هاتفه متجهًا لحياة
-هخرج ساعتين وارجع، جهزي الغدا، جاسر هيتغدى معانا، وكمان ممكن يجيب ندى
ابتسمت له وأشارت بعينيها
-من عيوني ياحبيبي. انحنى يطبع قبلة على جبينها
-خلي بالك من فارس. تحركت معه للخارج، استمعت لهاتفها، فاتجهت إليه
-فيروز. لسة فاكر عليكي ياحيوانة
علي الجانب الآخر اجابتها.
-حياة انا تعبانة اوي، لسة راجعة من سويسرا من شوية، وماليش حد غيرك
-فيروز آسفة بس انتي عارفة باسم عمل آخر مرة ايه. صمتت بعد الوقت ثم اردفت: -تعالي نتكلم ونشوف هتعملي ايه باسم قدامه ساعتين، وعلى فكرة عازم جاسر وجنى على العشاء
شعرت بالحزن بداخلها فهمست ببكاء
-جاسر خلاص نسي فيروز ياحياة، وجنى اكلت عقله
ضحكت حياة بسخرية وأجابتها
-لا دا إنتِ فاتك بلاوي يابنتي، جنى هربت من جاسر، ورجعت والكل كرهها.
انار وجهها من الأخبار التي أسعدت قلبها، فتحدثت حياة: -أنا هجيلك. قالتها وأغلقت الهاتف
وصلت بعد فترة.
-قصدك ايه يافيروز. لا طبعا دا باسم لو عرف ممكن يموتني
احتضنت كفيها وانسابت عبراتها
- مش هخليه يشوفني والله، عايزة اشوفه من بعيد هو ميعرفش اني رجعت اصلا، وحشني أوي ياحياة
ضمتها حياة تمسد على خصلاتها
-وكان ليه من الأول تعملي في نفسك كدا بس. شهقت ببكاء.
-مكنتش اعرف أن حياتي هتبقى كدا بعده، جاسر احسن راجل قابلته في حياتي، وبتمنى نرجع لبعض حتى لو زوجة تانية انا راضية، لازم تساعديني ياحياة لو سمحتي، انا ياما ساعدتك قبل كدا
تنهدت حياة متأملة فاجابتها
-خلاص اقعدي وربنا يستر وباسم ميعرفش، وقتها هيبقى انا وأنتِ في الشارع
مساءً عاد لمنزله وجدها تجلس أمام المسبح تستمع للموسيقى. خطى إلى وصل أمامها
- عاملة ايه حبيبتي!
-الحمد لله. رجعت بدري يعني.
جذب المقعد وجلس بمقابلتها يطالعها بإشتياق
-وحشتيني. ابتعدت بنظرها بعيدا وأجابته
-أنا همشي ياجاسر هروح شقتك اللي في الرحاب، عايزة اقعد مع نفسي شوية، وافكر بعيد عن الضغوطات، رفعت نظرها إليه: -وانت كمان فكر كويس، علشان مترجعش تندم تاني
طالعها بملامح جامدة ثم أجابها
-مفيش خروج من البيت، وبدل إنت مقتنعة بجنونك يبقى اسمعيني كويس
-خروج من البيت دا مفيش، نهض من مكانه وأشار إليها.
-ولو حاولتي تستفزيني بموضوع الطلاق. انحنى ينظر بمقلتيها
-هتجوز عليكي واجبها هنا واحصرك بجد. سمعيني بس كلمة طلاق، ولو نسيتي انا عملتها قبل كدا. فخليكي زي العاقلة وانسي الهبل بتاعك دا
انتفض قلبها بدقاته بسعادته من تمسكه بها ورغم ماشعرت به إلا أنها مازالت على وضعها فتسائلت
-أنا مستحيل افضل في صراع بيني وبين فيروز. مش هفضل قاعدة جوايا قلق من حرباية زيها.
كانت شهية بغضبها وشفتيها التي تتحرك أمامه. انحنى يجذب رأسها يقربها إليه ودنى ليروي روحه ولكنها ابتعدت ودقاتها تتقارع بصدرها
-ايه اللي بتعمله دا. أنا بتكلم في ايه وانت بتعمل ايه
جذب حجابها الذي يحاوط عنقها وأزاحه، ثم جذب مقعدها يقربه، ينظر بداخل مقلتيها
-افهم من كدا بتخيرني تاني، يعني غلطانة وبتبجحي وجاية تتشرطي.
دنت أكثر وغرزت عيناها قائلة: -حقي، دا حقي يابن عمي، والدين والشرع بيقول كدا، انا مش موافقة افضل على ذمتك وانت عايز ترجع مراتك التانية. اردفت بها وانتظرت حديثه بقلبًا ملتاع وعيناها تبحر فوق وجهه تتمنى أن ينطقها متمسكا بها، عاشقها الأوحد ملهم روحها
تراجع بجسده ينظر للبعيد وأجابها
-ولو قولتلك انا مبتهددش يابنت عمي، ومالكيش اختيارات عندي، نصب عوده وتوقف يضع كفوفه بجيبه ونظراته على وجهها الذي شحب.
-مجنون بقى تقولي ايه، انحنى وهمس بالقرب من شفتيها
-زي ماانتِ مجنونة بحبي أنا مجنون بحُبك ياجنجون. قالها وتحرك من أمامها حتى لا يطبق على عنقها
تراجعت بجسدها للخلف
-وبعدهالك يابن عمي ناوي على ايه، عايز ايه بالظبط، فركت جبينها وأطبقت على جفنيها تذهب لطفولتهما، قطعت خلوتها عاليا
-كنت جايلك بس لقيت جاسر فرجعت
فتحت عيناها وأشارت لها
-تعالي احكيلي ياسو وقع فيكي ازاي، متكلمناش
عوجت شفتيها تلطم كفيها.
-ياسو. دا تدلعيه.!
دا تعوريه، تاخديه لعشماوي يخوفوا بيه اللي هيتكلوا على الله
ارتفعت ضحكات جنى حتى أدمعت عيناها
-يخربيتك مجنونة. دا كله على ياسو
وقف يراقبها من شرفته، عزفت تعويذتها على قلبه، حتى كثرت أمنياته بتلك اللحظة
لكزتها عاليا
-متقوليش بس ياسو، والله بضايق، دا رخم ومغرور
انحنت جنى تطالعها بريبة
-ازاي هو انتو مش بتحبوا بعض ولا ايه.
-ولا عمري احب الجلنف اللي اسمه زفت الطين ياسين دا، كرهني في الاسم يخربيت تقل دمه، كان نفسي اسمي ابني ياسين. تلألأت عيناها بالدموع، فرفعت نظرها إليها
-من وانا صغيرة اقول لما اتجوز هجيب ولد واسميه ياسين
ابتسمت جنى تلكزها
-اهو جوزك ياسين متزعليش.
سحبت كم من الهواء وزفرته ببطئ
-ياسين اول مرة اشوفه يوم الفرح، حتى اتجوزته ومعرفش اسمه
توسعت أعين جنى مذهولة فاعتدلت تنتظر حديثها قائلة: -هسمعك، عايزة اعرف ايه حكايتك. ذهبت عاليا ببصرها لجاسر الذي أبدل ثيابه متجهًا إليهما
-عاملة إيه ياعاليا
-كويسة الحمدلله. قالتها ونهضت لتحرك. فأوقفها قائلاً
-لأ انا خارج. اتكأ على المقعد ينظر لجنى
-عمو باسم المفروض عازمنا على العشا، انا رفضت وجودك لحد ماترجعي تاني.
انحنى يهمس بجوار أذنها
-ضحكتك خطفت قلبي ياجنايا. قالها بملامسة خاصته لأذنها. رفعت رأسها وتقابلت عينيهما بإشتياق جارف. تحركت عاليا سريعا متجهة للداخل، فتحدثت جنى بتقطع
-بتعمل فيا كدا ليه ياجاسر. مسد على شعرها وهتف
-عايز اعذبك ياجنجون زي مابتعذبيني، احسسك اد ايه قلبي وجعني.
رفرفت بأهدابها تهز رأسها وأجابته
-ومين قالك اني مبتعذبش يابن عمي
اعتدل بوقوفه يرتدي نظارته الشمسية.
-أهي ابن عمي دي اكتر وجع ياجنى، طول ماانتِ كدا اعرفي انك بتوجعيني أوي
أمسكت كفيه
-مقدرش أوجعلك قلبك، بس خايفة رفع كفيها يقبلهما قائلاً
-مش هتأخر. لسة مكملناش كلامنا، خدي بالك من نفسك
طبع قبلة على جبينها وتحرك لسيارته دون حديث. ظلت عيناها تراقب تحركه حتى خرج من البوابة الرئيسية للمنزل. تنهدت وهمست لنفسها
-قربك عذاب وبعدك عذاب، ياترى ناوي على ايه ياجاسر
وصل بعد قليل لمنزل باسم.
جلس لبعض الوقت وتناول العشاء. أخرج باسم بعض الصور
-دول هينفعوك في القضية، الصراحة ابوك اللي بعتهملي، بس حبيتك تعرف أن ابوك له طار من الناس دي، فخلي بالك ممكن يؤذوك
تراجع بجسده ينظر للصور ثم رفع نظره لباسم
-العيال دي بيوزعوا مخدرات على شباب الجامعة
طالعه باسم مذهولا من حديثه
-ايه اللي عرفك. اشعل سيجاره، ونفثها بهدوء ينظر لجاسر.
زرعت في وسطهم واحد، العيال دي مجرد أنها بتوزع بس، احنا عايزين نوصل للكبير. والديلر بتاعهم صاحب ابن عم بنت هاشم الناجي
-قصدك فيروز؟
وضع رماد سيجاره بالمطفأة يضغط عليها بغضب
-بلاش اسمها وحياتك، بتحرق دمي، ياريتني سمعت كلام ابويا، مكنتش دي حياتي
قهقه باسم غامزا
-هتنصب يالا، عشتلك يومين في الجنة يااخويا
رفع جانب وجهه وابتسامة ساخرة
-سبتلك الجنة. دفعه باسم مقهقها
-افهم النار اللي انت فيها احسن.
هنا تذكر مهلكته. فلاحت ابتسامة عاشقة ظهرت بعينيه
-بعشق النار دي ياعمو، عجباني اوي، المهم النار هيجلها يوم وتطفى
أخرج باسم حافظة اوراق
-طيب شوف الورق دا واشتغل عليه كويس
بالداخل كانت تقف قريبة منهما تستمع إلى حديثهما. اعتصر قلبها من حديثه، فجزت على أسنانها تهمس لنفسها
-وحياة حبي ليك ياجاسر لندمك على اللي عملته فيا. اتجهت ببصرها لحياة التي تتحدث مع العاملة
-اعملي فنجانين قهوة وخرجيهم. ثم تحركت لفيروز.
-شوفتي حبيب القلب. أشارت فيروز على ملابسها
-ايه اللي انتي لابساه دا، روحي البسي فستان كويس، وسيبك من ضفيرة أبلة نظيرة
أشارت لها محذرة: -عشر دقايق هطلع اغير وانزل، فيروز بلاش تعملي مشكلة مع باسم لو سمحتي
ابتسمت لها ماكرة
-أنا ماصدقت ياحياة تقوليلي جاسر هيتعشى عندكم علشان اشوفه، تفتكري ممكن افكر في حاجة تنكد عليا
ربتت على كتفها وتحركت للأعلى. اتجهت فيروز سريعا للمطبخ وتحدثت مع العاملة.
-هاتي من الجنينة نعناع، عايزة اعمل شاي بنعناع ياكريمة.
أشارت العاملة للقهوة
-حاضر هطلع القهوة واروح اجبلك. سحبت كفيها قائلة: -أنا هاخد بالي منها روحي بس هاتي النعناع. تحركت العاملة مضطرة، ثم أسرعت فيروز لحقيبتها وأخرجت بعض الحبوب، وامسكت أحدهم ووضعتها بفنجان جاسر، ثم سكبت القهوة وقامت بتقليبها سريعا، ووضعت قهوة باسم وتراجعت تنظر من الشرفة تنتظر الخادمة التي وصلت
فأشارت لها.
-خدي القهوة وديها قبل ماتبرد، شوفي الفنجان دا بتاع حضرة اللوا، متهويش علشان أنتِ عارفة كل واحد قهوته مختلفة
اومأت لها وتحركت للخارج. هبطت حياة بعد قليل تبحث عنها وجدتها تحمل حقيبتها
-همشي ياحياة قبل ماباسم ياخد باله، وهجيلك كل فترة
اومأت حياة متفهمة، خرجت فيروز تنتظره بالخارج
مر قرابة دقائق معدودة حتى وجدته يخرج بسيارته من منزل باسم. توقفت أمام سيارته تعقد ذراعه، حتى كاد أن يدعسها.
هبط من السيارة يطالعها بغضب
-بتراقبيني يافيروز. هو انا مش حذرتك، ظل يصرخ بها، حتى وصل إليها يضغط على كتفها
-انتِ عايزة مني إيه يابت، هو انا كنت متجوز حرباية، ابعدي عني بدل ماكرهك في نفسك. شعر بنيران تسري بجسده، تراجع عندما شعر بوجود شيئا ما يسير له. استدار متحركًا لسيارته، يفتح زر قميصه، تحركت خلفه، تجذب ذراعه حتى التفت إليها يدفعها بقوة اذهلتها.
-ابعدي عني يا حيوانة. بدأت الرؤية تتشوش أمامه. حتى اغمض عيناه وفتحها عدة مرات. ابتسمت بنصر، فاقتربت تحتضنه من الخلف
-جاسر اسمعني لو سمحت. حاول دفعها ولكن قوته أصبحت هاوية، ورؤيته بدأت تتلاشى، دنت منه تحتضن وجهه تهمس له ببكاء
-جاسر وحشتني اوي. شعر بدوران يسيطر عليه فدفعها بهدوء واتجه لسيارته يفتحها. فأمسكته من ذراعه.
-حبيبي استنى مش هينفع تسوق وانت كدا. ظل يطالعها بنظرات صامتة، فتحركت بخطى بطيئة ونظراتها عليه مبتسمة إلى أن وصلت تحتضن كفيه متجهة به لباب السيارة الآخر واستقلت بجواره تقود السيارة تبتسم بسعادة وهي تطالعه بنظراتها. كان مغمض العينين يشعر بألمًا يفتك برأسه. بحث عن هاتفه. فرفعت ذراعيها تحتضن كفيه قائلة: -مفيش داعي للتليفون احنا خلاص هنوصل بيتنا بعد شوية
باليوم التالي.
فتح عيناه بضعف بعدما تسلل الضوء يخترق جفونه. شعر بآلاما تفتك جسده
مسح على وجهه يعدل من خصلاته، بحث بعينيه بالغرفة. فشعر بثقل على صدره.
هب فزعًا عندما وجدهت، تغفو بجانبه، تضع رأسها على صدره
هنا شعر بدوران الأرض به وانفاسه سحبت ولم يعد لديه قدرة للتنفس. فتحت عيناها مبتسمة
- صباح الخير حبيبي.
↚
فتح جفونه بتثاقل، من اختراق الضوء لعيناه، شعر بألم يفتك بجسده، وضع كفيه على عينيه إلا أنه شعر بشيئا فوق صدره، وتلامس كفيه لخصلاتها، ظن إنها معشوقته، فلاحت نظرته لأرجاء الغرفة، هب فزعا بعدما وجدها لم تكن غرفته، جحظت عيناه بذهول حينما لمحها تفتح عيناها بإبتسامة
-صباح الخير ياحبيبي.
نظر لنفسه وإليه. يهز رأسه كالمعتوه رافضا ما رآه، لقد صعقته بمظهره كصاعقة الشتاء. حاول التفوه ولكن كأنه شل ولم يعد يعلم كيف يكون الحديث، اتجهت نظراته برعب لثيابه الملاقاه على الأرض، هنا شعر وكأن ضلوعه تنكسر ضلعًا ضلعًا، وكأن صدره يطبق بصخرة عملاقة تمنع تنفسه. ابتلع غصته المدببة ورفع عيناه التي زاغت قائلا بهمس كاد أن يسمع.
-ايه اللي جابني هنا. ذهب بذاكرته بخروجه من منزل باسم، وتشوش رؤيته، وبدأ عقله يضاربه ببعض المشاهد، هنا هب فزعًا يرتدي ملابسه سريعًا، ثم اتجه إليها وهي مازالت تجلس تطالعه بنظراتها الصامتة
جذبها بقوة من خصلاتها وباقصى مالديه من قوة قام بإرتطدام رأسها بالجدار
ايه اللي حصل بينا، انا.
قبض على عنقها وهي تصرخ، حتى اختنق صوتها وشحب وجهها، ظهرت أمامه صورة معشوقته ببكائها.
دفعها بقوة بعيدا عنه وهو يدور حول نفسه كالمجنون يزأر كالاسد، وبدأ يحطم كل ما يقابله حتى أصبحت الغرفة عبارة عن أشلاء متناثرة. جذبها بقوة بقميص نومها الذي يظهر معالمها الأنثوية بإستفاضة، ثم جذبها يدفعها لخارج المنزل حتى وصل بها للأسفل بتلك الحالة كالمجنون، توقف أمامه أحد من وكله جواد بمراقبة فيروز، بعدما وجده يخرج بها بتلك الحالة.
-جاسر باشا لو سمحت، مينفعش كدا، لو سمحت. طالعه بتدقيق متسائلاً: -إنت مين.! سحب فيروز من كفه ثم أشار إليها
-اطلعي اوضتك، وممنوع تخرجي إلا لما تجيلك الأوامر
امسكه جاسر من تلابيبه
-إنت مين ياروح امك، وازاي تتجرأ وتوقف قدامي كدا؛ وأوامر ايه
نزع نفسه من بين كفيه قائلاً: -أنا المقدم أيمن الجوهري، ودا عامر المسؤل عن مراقبة المدام.
تراجع للخلف مذهولا، ثم تحرك لسيارته يقودها بسرعة جنونية كالذي يتمنى موته لا محالة
استمع لرنين هاتفه نظر إليه بعيونًا مرتعشة. وجد العديد من الاتصالات منها ومن والده
ضرب بقوة على المقود حتى شعر بتكسر عظم يديه
-آآه. صرخة هزت الأرض كما هزت قلبه الذي ينزف دون دمًا. استمع لرنينه مرة أخرى فتوقف جانبا، يزيل عبراته مسيطرا على نفسه
-أيوة ياجنى
هبت من مكانها تبكي بصمت.
-كدا تقلقني عليك، قولت رايح عشا لعمو باسم، اتصلت بيه الساعة3 الفجر وقالي انك خرجت من 12 انت فين قلقت عليك
سحب نفسًا طويلا يعبأ صدره بالأكسجين الذي منع من حوله قائلاً
-اتأخرت في الشغل، كلموني ونسيت اكلمك. قالها بعيونا دامعة بصمت نهضت متحركة لشرفتها
-هتتأخر لسة!
انسابت دموعه وتسائل بإستخفاف
-ايه وحشتك!
أغمضت عيناها تشعر أنه على غير مايرام فتحدثت.
-جاسر إنت فيك ايه. وضع رأسه على المقود يمنع شهقاته التي خرجت منه رغما عنه وضرب رأسه بالمقود عدة مرات، استمع لحديثها
-جاسر ارجع متتأخرش، اه وحشتني، لو دا هيخليك ترجع
أغلق الهاتف يقبض عليه بعنف، وتراجع بجسده ونيران تلتهم صدره حتى تمنى موته بالحال. مرت دقائق وهو مازال على وضعه حتى تحرك بالسيارة متجها إلى حي الألفي
بمنزل صهيب
استيقظ على صوت هاتفه. فتح عيناه يطالع المتصل جلس معتدلا
- ماما فيه حاجة.
-اختك عاملة ايه ياحبيبي. مسح على وجهه وأجابها: -كويسة ياماما، انا كلمتها امبارح متقلقيش
-عز، هتفت بها نهى قائلة: -عدي على اختك طمني عليها ياحبيبي، قلبي وجعني عليها. نهض من مكانه وتحرك للأسفل عندما استمع لرنين المنزل
-حاضر ياماما هعدي عليها.
مسحت دموعها تنظر لصهيب الغافي بسبب العقاقير وتحدثت: -حبيبي هتيجي إمتى. نظر بساعة يديه.
-المفروض هنسافر على خمسة ياماما، بس معرفش ليه حضرتك مُصرة اجيلك أنا وعمو وبابا ميعرفش، وليه كل ماأسألك عن بابا تتهربي، هو بابا تعبان ياماما، مش قولتي هتروحوا جولة سياحية. قالها وهو يفتح باب المنزل. وجد ربى تقف أمامه وعيناها ممتلئة بالدموع، فتحدث لوالدته
-ماما هكلمك بعدين. توقف أمامها يطالعها بريبة
-روبي ايه اللي جابك وعامل فيكي كدا
-إنت اللي بعت دول. قطب جبينه متسائلًا: -ايه دول؟
-الفستان والورد دا. انت صح
تحرك للداخل حتى جلس على الأريكة وهتف
-جولك بالغلط، آسف الغبي مفكرهم علشانك. أصله قولتله ابعتهم. رمقها بنظرة خاطفة
-يفرق معاكي. اقتربت منه تستند على التربيزة بظهرها وتضع كفيها على أحشائها
-ناوي تبعد عننا. نهض من مكانه ودنى منها يتعمق النظر برمايتها
-اللي باعك مرة يبيعك ألف مرة، مش دا كلامك لباباكي
رفعت كفيه تملس على وجهه.
-عز أنا تعبت، قولي أعمل ايه، قلبي مجروح منك أوي، ورغم كدا بتوحشني أوي. دنى حتى اختلطت أنفاسهما يقترب من ثغرها
-عز بيموت ياروبي وهو بعيد عنك
رفعت كفوفها تحتضن وجهه وتبحر بعيناه.
-بعد الشر عليك من الموت ياحبيبي. بتر باقي حديثها بخاصتيه، يجذبها من خصرها ليعصرها داخل أحضانه لتتأوة من شدة ضغطه بسبب حملها، ولكن هنا الأشتياق ونبضات القلوب فاقت الحدود مما جعلها تستمتع بقبلته. تراجعت فزعا عندما استمعت لصراخ جواد
ابتعدت بجسد مرتعش تكاد تسند نفسها. وصل إليها جواد يرمقهم بنظرات نارية، ولم يسنح لأحدهما التفوة عندما رفع يديه وهوى بها على خد ربى
-اطلعي برة. امشي من قدامي.
توقف عز أمامه مزهولا: -عمو. لكمه بقوة بوجهه
-إنت ازاي تعمل كدا. ايه الانحطاط اللي بقى فيكم دا. صفعة قوية على وجه عز
-فين اخلاقك وقيمك ياحلوف انت والبغل التاني. لدرجة دي انا اب فاشل معرفتش اربي، مقعد معايا عيال زبالة
-عمو. صرخ بها عز قائلا
-رُبى مراتي. تصنم جواد بوقوفه يطالعه بصدمة
-مراتك ازاي يالا. لكمه بصدره وصاح بجنون.
-إنت مش رميت عليها يمين الطلاق يالا. تراجع عز بعيدا عنه بعدما وجد حالته قائلاً: -رجعتها ياعمو، ايه مراتي ورجعتها، واوعى تصدق الكلام اللي قالته، دي مجروحة مش أكتر وأنا هدواي جروحها. لو سمحت ياعمو بلاش تدخل بينا
-يعني كنتوا بتلعبوا بيا، كانت بتقول كلام وبتكدب من ورايا
-لا ياعمو مش كدا. اقترب منه مستأنفًا.
-معرفتش اني رجعتها اصلا. وقف بجسد متجمد مذهولاً فأردف: -يعني كانت بتقرب منك وتبوسها وهي مطلقة. بنت، قالها وهو يكور قبضته ثم تحرك للخارج
امسك ذراعه عز وترجاه بنظراته
-لو سمحت ياعمو، احنا بنحب بعض بس ظروفنا مرجحتنا شوية، علشان خاطري.
دفعه جواد بقوة: -ابعد عني علشان منساش انك ابن اخويا. قالها وتحرك متجهًا لمنزله. توقف عندما وجد جاسر يترجل بتخبط من سيارته. ظل يتابعه بنظراته. أطلق تنهيدة ثم استمع لرنين هاتفه
-ايه اللي حصل؟
اجابه الرجل
-اتصلت بحضرتك كتير يافندم.
استمع لحديثه بأعين يتطاير منها الشرر، ثم أغلق هاتفه وصدره عبارة عن كتلة نارية، يريد أن يدخل يحطم ابنه. ظل بمكانه يطبق على هاتفه حتى كاد أن يكسره، ناهيك عن عروق رقبته النافرة، لأول مرة يكون بتلك الهيئة المرعبة. دقائق من الصمت المميت لديه، ثم تحرك بهدوء، محاولا السيطرة على نفسه.
بالداخل. هرولت للأسفل بعدما وجدته بتلك الحالة، خصلاته المبعثرة وثيابه الغير مهندمة. تحركت سريعا فتقابلت بدخول جواد للمنزل، استمعا الى تحطيم شيئا بالداخل
أمسكت ذراعه وبقلب كاد أن يتوقف ذعرا على ابنها تسائلت: -جواد جاسر ماله، ايه اللي حصل!
ربت على كتفها واتجه للداخل. توقف يطالعه بصدمة حينما وجده جالسًا على الأرضية يحتوي رأسه بين راحتيه، وتنهمر عبراته
دفعت غزل الباب ودلفت.
-جاسر ماله ياجواد. شعر جواد بما صار، فأمسك كفيها
-غزل سيبنا لوحدنا
تحركت متجهة لأبنها قائلة: -جاسر حبيبي ايه اللي حصل، جنى كويسة، اتخنقت مع مراتك، أطبق على جفنيه وآه حارقة من جوف حسرته ومياه عبراته الحارقة تكوي قلبه قبل خده.
اشتعل صدر جواد عندما وجده بتلك الحالة، فقام بدفع غزل بهدوء للخارج مغلقًا الباب خلفه، ثم تحرك إليه بخطوات هزيلة ضعيفة يتمنى أن يكذب حدسه. جلس بجواره بهدوء رغم بركانه القابع بصدره فتحدث بثقل
-سامعك. أغمض عيناه بقوة كاد أن يمزق بها شعيراته الدموية، ثم انحنى برأسه على ركبته يعضا ندما على ما فعله
لحظات صمت مميتة حتى قطعها جواد
-ايه اللي حصل عند فيروز، وليه كنت منزلها بالشكل دا
تراجع بجسده يستند على الجدار.
-لما كنت عارف اني هناك مجتش خدني ليه، ليه دايما بتتأخر عليا، ليه متبنقذنيش قبل ماأغرق
هز جواد رأسه غير راضيًا عما يقوله ثم أردف قائلًا: -كنت عايزني اروح اجيب شاب عنده 28سنة من شقة طليقته، والشاب دا ظابط ياحضرة الظابط. ياترى كنت مستني مني اعمل ايه، ادخل اضربك قلمين زي العيال الصغيرة واقولك ايه اللي جابك هنا، انا مش نبهت عليك الصبح، ليه ركبت البت دي عربيتك، ليه ادتلها فرصة تتحكم فيك.
لا يعلم كيف يخرج مكنونه الذي يحرق داخله فرفع بصره لوالده
-مكنتش حاسس بحاجة، معرفش ايه اللي حصلي. خرجت من عند عمو باسم اخر حاجة افتكرتها ركبت معايا العربية
بعدها محستش بحاجة
اشتعلت أعين جواد ورمقه بإذراء
-ركبتها ليه العربية، كنت دوس عليها دا لو انت فعلا عايز تتخلص منها
-بابا لو سمحت.
لكمه بكتفه يهدر به: -إنت بتحب البت دي يالا، ولا بتحب بنت عمك، ولا انت عجبك الموضوع كل شوية في حضن واحدة، وجاي على مزاجك وفرحان بنفسك أن الولا أمور والبنات بتدوب فيه
-بابا أنا قومت لقيت نفسي في سريرها من غير هدوم ومش فاكر حاجة.
هل شعر أحدكم بطائر يذبح عنقه بسكينًا بارد وهو لا حول له ولا قوة، قبضة مؤلمة من بين ثنايا قلبه الذي بدأ يثور بنيران الغضب عندما هاله مقدار الضعف والحزن على ابنه، كم هو مؤلم أن ترى وليدك بتلك الحالة الهزيلة لقد سحبت روحه ولم يعد لديه القوة على الحديث، بل شعر بالعجز. هذا ماأحس به جواد...
ردد جاسر قائلاً: -بابا أنا ممكن اكون عملت حاجة مع فيروز.
بعينين متسعة كاتساع ما بين السموات والأرض. طالعه مصدوما، تمنى حينها أن تزهق روحه لبارئها
لا يعلم أي جرم ارتكبه حتى يحدث معه ذلك. ابنه حبيبه ربيبه. فلذة كبده هو من اطعنه بخنجر بارد، هو من أسقط قيمه وأخلاقه. ماذا يقول ذاك المعتوه، هل جن بالفعل، ام هناك كوابيس تدار بعقله
هز رأسه رافضا حديثه وأردف بصوت ثقيل مشحون بالألم
-لا لا لا، مستحيل، لا أنا أكيد بحلم بكابوس. حاول النهوض ولكن اقدامه.
لم تقو على حمله، كأن جسده انشق لنصفين، اغروقت عيناه بدموع الخذلان. يتخبط ويترنح بوقوفه مرددا
-لا. اكيد أنا ابني ميعملش كدا، لا ابني حبيبي. سندي، كبيري، هو اللي كسرني
نهض جاسر من مكانه عندما وجد شحوب وجهه، اقترب منه
-بابا والله ماكنت حاسس بحاجة، والله مااعرف ايه اللي حصل. دنى يمسك كفيه يقبلها بدموع الوجع
-سامحني والله غصب عني. مش فاكر عملت ايه.
هوى على المقعد يفتح زر قميصه عندما أحس بعدم قدرته على التنفس، كأن لم يوجد اكسجين بالغرفة
اقترب جاسر وأعطاه سلاحه
-موتني لو دا يريحك، موتني وريحني من العذاب دا كله
دفعه جواد بقوة لم يعلم كيف اكتسبها
ثم نهض من مكانه وارتفعت صيحاته حتى زلزلت المكان يعنفه غاضبًا.
-اسمعني علشان انت خلاص مبقاش نافع معاك حاجة، تعبت وقرفت من عمايلك، كل مرة بتحملني تهورك وغلطك، لو سمعت مني من الأول مكناش وصلنا للمرحلة دي، بس شكل الموضوع جه على هواك.
انحنى يمسكه من اگتافه يهزه بعنف وزمجر قائلاً: -بنت عمك هطلقها يابن جواد وروح كمل حياتك مع الاشكال اللي زي فيروز، لأن فرصك عندي انتهت، عمك بين الحياة والموت وانا هنا بلم في مصايبك مع زفت الطين فيروز، ليه علشان حضرة الظابط الفاشل مش قادر على حتة بنت جاية من الكباريهات. انا جواد الألفي على اخر الزمن اسمي يبقى جنب حتة زبالة بسبب ابني، دفع المقعد بقدمه حتى سقط وصرخ به.
-الغلط مش عندك، الغلط عندي اني قبلت واحدة زي دي تتحكم في عيلتي
امسكه يوقفه يهزه بعنف
-كام مرة نبهتك وقولتلك ابعد عنها، كام مرة قولتلك سبني عليها، وحضرتك عملتلي دكر. وتقولي انا هتصرف
دفعه بقوة بالجدار.
-بنت عمك دخلت المستشفى بسببك، عمك بين الحياة والموت بسببك، اختك سابت بيت ابوها بسببك، العيلة اتفركشت بسبب، روبي حياتها ادمرت بسببك، ايه كنت عايز تسمع من ابوك دا، اه حتة عيل معرفتش اربيه، والنهاردة رجعلي وتقولي مش فاكر ايه اللي حصل معرفش حصل بينا ايه.
امسك المقعد ودفعه بقوة على النافذة حتى سقط زجاجها بالكامل، وقام بتحطيم كل ما يقابله، وهو يزأر كالأسد الذي منع عنه طعامه، ويريد الانقضاض على فريسته قائلا بصوت كالرعد
-ابني على اخر الزمن يطلع زاني، آه صرخ بها صرخة اهتزت لها جدارن المنزل
استمع لطرقات غزل على باب الغرفة
-جواد افتح الباب
-غزل. صاح بها بغضب حتى تحركت من أمام الباب
رفع نظره لابنه
دار حول نفسه كالمجنون، يجذب خصلاته بعنف.
-ليه يابني، ليه تعمل فينا كدا. دي اخرتها ياجاسر، تطلع زاني في الآخر
انتهكت صحته حتى هوى على الأرضية ولسان حاله
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
اللهم اجرني في مصيبتي. قالها بشهقة بكاء وانسابت دموعه، مرددا
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
زحف لوالده يرفع ذراعيه يبكي بشهقات مرتفعة
-سامحني يابابا والله ماكنت اعرف هوصل لكدا، عمري مافكرت أنها تكون بالحقارة دي.
عيناه تحجرت بالعبرات واهتز داخله بنيران مستعيرة من حالة والده التي يراه بها لأول مرة
-بابا. همس بها جاسر، عندما زاغت نظرات جواد بأنحاء الغرفة، ولم يرى منه سوى عبراته التي تنساب بصمت
لا يعلم أن والده داخله يغلي كالمرجل الذي جف مائه.
وضع رأسه على ساقه وأردف بنبرة خافتة تكاد تسمع: -لما فوقت مفكرتش غير فيك، عارف انك هتتصدم وممكن تروح فيها، بس وحياة ربنا انا معرفش ايه اللي حصل ولا فاكر غير. اني ركبت العربية وبس
سكت هنيهة ثم تنهد تنهيدة مرتعشة
وآهة طويلة كانت أبلغ رد في تلك اللحظة التي تحرق بها روحه
-هموت يابابا. ابنك هيموت من اللي بيحصل معاه، حاسس بصخرة بتهدني.
رفع جواد كفيه يمسد على خصلاته
وهمس بتقطع.
-جاسر. اعتدل ينظر لوالده برجاء أن يرحم ضعفه، ثم اومأ برأسه منتظر عقابه: -إنت عايز ايه يابني، عايز ترجع فيروز، ولا عايز جنى، علشان افهم هعمل ايه. أنا مبقتش فاهمك، ماهو لو بتحب جنى كنت مستحيل تخلي فيروز تكسرك كدا، ولا كنت قربت منها مفيش راجل بيحب واحدة ويقدر يكون مع واحدة تانية، صعب ياجاسر.
-بابا أنا عايز حياة مستقرة مع مراتي وبس، فيروز متهمنيش، مش عايز غير البنت اللي اول ماقلبي عرف يحب دقلها.
لاحت ابتسامة حزينة على وجهه جواد فخلل أنامله بخصلات ابنه مردفًا.
-يبقى لازم تتعب شوية، ومتكنش بالضعف دا، عيب الراجل يبقى ضعيف، الراجل بقوته، فكر وشوف إنت عايز ايه بالظبط. وبالنسبة للي حصل النهاردة مش عايز أي مخلوق يعرفه، لحد ماارجع من السفر، لازم نقعد مع جنى الأول وتحكلها، ولو هي متمسكة بيك هترضى، أما لو كان الموضوع تقيل عليها فاعذرها مفيش ست تتحمل اللي اتحملته جنى. جنى بتحبك من زمان، وكانت بتشوف مراتك في حضنك، كفاية عليها وجع، ولو ليكم نصيب في بعض صدقني لو أنا بنفسي حاولت اطلقكم مش هقدر.
رفع كف والده وقبله
-أنا بحبك أوي يابابا. اوعى تفكر كلامي ليك دا كره، والله ابدا طول عمرك مثلي الأعلى
ضمه جواد لأحضانه بقوة وانسابت دموعه
-إنت نور عيني ياجاسر، عايزك تبقى قوي ومتضعفش ولو قلبك هيضعفك دوس عليه، سمعتني دوس على قلبك اللي يخليك ضعيف حتى لو مع جنى نفسها، اوعى تضعف وتذلل لحد مهما حصل، انت راجل، واللي يحاول يقل بيك امسحه من على وش الدنيا
سكت للحظة، ثم سحب نفسًا وزفره بقوة.
-قوم اعدل هدومك وظبط نفسك، مش عايز مامتك تعرف حاجة، ولو سألتك قولها متخانق مع جنى، نهض جواد من مكانه ونفث دخان غضبه ثم هتف بنبرة تحذيريه
-لو شوفتك ضعيف تاني انا اللي هدوس عليك بنفسي. ياله قوم خد شاور وحصلني على تحت لازم نروح مشوار قبل اي حاجة
قالها جواد وتحرك للخارج، محاولا السيطرة على نفسه. هبت غزل متجهة إليه تنتظره بالخارج
-جواد. توقفت تطالعه بنظرات تفحصية.
-جواد كنت بتزعق وتصرخ ليه، ايه اللي حصل، جاسر عمل ايه
ضمها لحضنه ثم طبع قبلة أعلى رأسها
-حبيبتي مفيش حاجة، مشاكل جاسر وجنى، ابنك متهور كالعادة
كانت تطالعه بصمت، ثم أدارت وجهه ونظرت لعيناه الهاربة
-بص في عيني ياحبيب عمري وانت بتكلمني وقولي مخبي عليا ايه
رسم ابتسامة على ملامحه ثم انحنى
يمرر إبهامه على ثغرها
-زيزو بتكذب جوزها بعد 30سنة جواز.
وانا اللي كنت بقول هأجل السفر النهاردة علشان اشبع من حضنها شوية قبل مانسافر، هناك ممكن مانشوفش بعض غير دقايق
-تأجل السفر ياجواد. وعلشان تشبع بحضني. اقتربت منه تحتضن وجهه وتخترق عيناه بنظراتها
-مخبي عليا ايه ياجواد. انحنى يطبق على ثغرها بقبلة شغوفة. حتى رفعت ذراعها تعانق رقبته. ثم سحبها من كفيها
-تعالي يازيزو، محتاجك في موضوع، ابتسمت متناسية ماصار منذ دقائق وتحركت بجواره تحتضن ذراعيه متجهين لغرفته.
بمنزل جاسر
كانت جالسة بالشرفة تنتظر وصوله، وضعت كفيها على صدرها متنهدة
-ياترى انت فين ياجاسر، وصوتك متغير ليه يارب مايكونش اللي في بالي يابن عمي. ماهو أنا مش هستنى لما تيجي
هزت رأسها رافضة حديثها مع نفسها قائلة
-ايه اللي هبل دا، انتي اتجننتي فعلا صدقتي الكدبة ماانتِ عارفة أد ايه هو وبيحبك. رفعت هاتفها مرة أخرى.
لحظات تكاد تموت من الغيرة وعقلها يصارع قلبها، بغرفته بمنزل والده خرج على رنين هاتفه، توقف ينظر لأسمها وصورتها
أطبق على جفنيه ورفعه بأنامل مرتعشة، ثم وضعه واتجه لغرفة ملابسه
بعد فترة من الوقت كان يجلس أمام الطبيب ينتظر مابداخل التحليل
نظر الطبيب لتلك الورقة ثم اتجه إلى جواد
-زي ماحضرتك توقعت يافندم، فيه مادة غريبة بدم جاسر، وللأسف التحليل ظهر المادة دي. نوع من حبوب الهلوسة والجنس.
ارتفعت دقاته بعنف، وشعر بالأختناق، فنهض بترنح قائلاً
-يعني افهم من كدا. ممكن يكون حصل حاجة
أوقفه والده قائلاً: -جاسر. اتجننت اقعد واسمع الكلام، ثم اتجه للطبيب
-هي ليها آثار جانبية يادكتور
نزع الطبيب نظارته الطبية ثم أردف
-بص ياجواد علشان اكون صريح معاك
دي بتكون خطيرة لو كان مدمن على اقبالها، يعني فيه رجالة كتير بتاخد منها في حالة يعني. صمت الطبيب قائلا
-أكيد عرفت قصدي.
اومأ برأسه وهتف: -لا يادكتور دا حد حب يعمل مقلب مش لطيف مع جاسر، فكنا عايزين نتأكد من نوع الحبوب بس
انطفأ وجهه ثم نهض متحركا سريعا للخارج. توقف جواد يشكر الطبيب وتحرك خلفه
وصل إلى سيارته، ونيران داخلية تحرق دواخه وقلبه يصفعه بقوة
-قدرت تخون جنى ياجاسر، ازاي قلبك قدرت يعمل كدا. كور قبضته يضرب فوق السيارة حتى وصل إليه والده
-اركب ياله لازم اتحرك خلال ساعتين.
استقل السيارة بصمت وقادها وهو يطالع الطرق بذهن مشتت وقلبًا مفتت انتبه لحديث والده
-اياك تقول لجنى لحاجة. نظر لوالده بتيه وأردف
-بابا ازاي وصلتلي الحبوب دي، عمو باسم مستحيل يعمل كدا
-باسم ميعرفش ياجاسر، دي فيروز لعبت أكيد على مراته، حتى ممكن مراته متعرفش، بس ازاي حياة دخلتها البيت، انت بتقول مشفتهاش، يبقى فيروز اتفقت مع الخدامة ممكن
نظر للخارج وأجابه بنبرة متقطعة.
-أو ممكن حياة نفسها ماهم صحاب وعملوها قبل كدا
هز جواد رأسه رافضا حديثه
-لا مظنش، حياة مش كدا، ولو بتفكر في اللي عملته فهو غصب عنها، باسم مرحمهاش في الأول وأي حد مكانها كان عمل كدا وأكتر، انا ميهمنيش دلوقتي غير مراتك، خايف عليها، امسك ذراعه وتطلع إليه
-جاسر لسة علاقتك بجنى متوترة
لسة واخد منها موقف
أطلق زفرة حارة وهتف.
-بابا جنى كل شوية تقولي عايزة تطلق، وانا مستحيل اطلقها، سمعتني مستحيل حتى لو هقعدها غصب عنها
نظر جواد للخارج وأجابه
-مطوعهاش الست عايزة الحب والحنان، وانت اكبر مسهوك في المواضيع دي
رمق والده بنظرة صامتة. التفت إليه جواد يرفع حاجبه ساخرا.
-ايه بقول حاجة غلط، مش دي الحقيقة، غبية جنى معرفش حبيتك على ايه، طب والله الواد ياسين احسن منك ولا أوس، معرفش سبتهم ليه ومسكت في حلوف زيك، ولا جواد دا كان هيعرف أنه معاه أميرة
بابا. صاح بها بغضب وزمجر من بين أسنانه ونار الغيرة تحرقه
-جنى حبيبتي قبل ماتكون مراتي، وكنت هتجوزها هتجوزها غصب عن الكل حتى غصب عن حضرتك
رمقه جواد بنظرة ساخطة لم يفهم معناه ثم تحدث.
-اللي يسمعك بتقول كدا يقول ان الولد متجوزش عليها ومراته حملت مرتين، جذبه من تلابيبه
-كنت بتحبها ياخويا وجايلك نفس للعقربة، ولا الجمال ودع الحب يالا، مش بقول مسهوك يابن جواد
ابتلع غصة مُرة كالعلقم أحكمت حلقه حد الأختناق حتى لمعت عيناه بالعبرات قائلاً: -اه كنت، بس فكرت كنت بحس بإيه يابابا. ذهل جواد من حديثه حتى طالعه بصدمة متسائلًا.
-جاسر. ربنا اعطاك فرصة حلوة بدل اتعذبت زي مابتقول، حافظ عليها، امسك فيها بايدك وسنانك.
عند جنى بعد فترة
هبطت للأسفل تبحث عن عاليا وجدتها تجلس تحتسي قهوتها تنظر للأمام وهي تحتضن كوبها بين يديها. جذبت مقعدا وجلست بمقابلتها
-صباح الخير
رفعت عاليا نظراتها إليها
-انتِ شكلك عامل كدا ليه، ايه منمتيش. فركت وجهها ثم أجابتها
-معرفتش انام وجاسر لسة مرجعش
وضعت عاليا كوبها وتسائلت
-ماتحكيلك قصة الظابط الولهان دا
ضيقت جنى عيناها ثم ابتسمت
-ظابط وولهان!
وياترى ياحضرة المشاكسة عرفتي منين.
اقتربت منها وهمست تغمز لها
-أصلك ماشفتهوش يوم ماسقطي، كان زي المجنون، والله صعب عليا وكان بعيط وبيضمك لحضنه زي الطفل الرضيع. لمست كفيها
-هو فيه حب كدا، وبشوفك كمان بتبقي عايزة تاكليها بعيونك
ابتعدت بنظراتها وتنهيدة محملة بوجع الحب قائلة: وانا بعشقه وبموت لو بعد عني. اتجهت بنظرها لعاليا وتحدثت مبتسمة
-تعرفي كل شوية أقوله طلقني علشان بعشق جنانه وتمسكه بيا، رغم اني عارفة فيه واحدة في النص بينا.
-استني استني. تقصدي إيه فيه واحدة بينكم
اختنق صوتها وازدادت ضربات قلبها تقص لها حكاية العشق اللاذع بينهما
شهقة خرجت من فم عاليا
-ياحبيتي. دا إنتِ اتوجعتي اوي، ازاي قدرتي تتحملي الوجع دا
ابتسمت جنى رغم دموعها التي انسابت قائلة: -وقت مابيخدني في حضنه بنسى الوجع دا. مش عايزة حاجة غير اكون جوا حضنه وبس ياعاليا، عارفة أنه بيحبني، بس بيوجعلي قلبي لما بشوفه بتهاون بقلبي
اقتربت عاليا تحتوي وجهها بين راحتيها.
-هو بيحبك وانتي بتحبيه يبقى الباقي مايلزمكيش، حاربي للحب دا بس المهم تتاكدي انك بتحبيه
اومأت لها ثم ابتسمت قائلة: -احكيلي بقى حكايتك ايه، وليه ياسين اتجوزك
رغم سؤالها البسيط إلا أنه كان كالخنجر الذي اخترق صدرها، سحبت نفسا وزفرته بوجع وكأنه اشواك خربشت جوفها فتحدث.
-من تلات سنين ابن عمي فجأني أنه بيحبني، كنت لسة في أولى جامعة، انا كنت معجبة بيه، هو كاريزما وكمان شخصيته قوية، شغال محاسب في بنك. ابتعدت ببصرها وذكريات مأسوية تصفعها فاستانفت
-دخل عليا بالحب، وانا للاسف عبيطة وصدقته، انسابت عبراتها فرفعت نظرها بعيناها الباكية
-والله كنت بحبه ياجنى، حبيته اوي، شوفت فيه كل حاجة حلوة في الرجالة. أزالت عبراتها.
-اصلي نسيت أقولك رسم عليا دور الحنية والرجولة وأنه بيخاف عليا ووو
حاجات كتيرة تتمناها اي بنت في حبيبها، لحد ما خلاني متعلقة بيه، لدرجة مبقتش اقدر اعدي يوم من غير مااشوفه. وضعت كفيها على صدرها علها تهدأ من الوخز الذي يرافق أنفاسها وكأنه يسحب روحها
اتقدملي ووافقت رغم رفض كريم وماما بس بابا كان موافق وهو اللي وقف معايا واتخطبنا وفضلت قصة الحب سنتين لحد ماجه اليوم اللي انكشف وشه الحقيقي.
هنا شعرت بقبضة تعتصر صدرها حتى شحب وجهها وشهقة خرجت من فمها مع بكائها
-خرجت مرة من الجامعة لقيته مستني وعمل حوار غدا، واتصل ببابا، وانا الهبلة صدقته
ارتجف كفيها تضغط بقوة على فنجانها ومع ارتعاشة لجسدها وعبراتها تغرق وجهها. ربتت جنى على ظهرها تهز رأسها حتى تكمل مابدأته
رفعت وجهها وعيناها التي أغرقت وجهها. دنت جنى تزيل عبراتها تهتف
-مايستهلش صدقيني، وحياة ربنا ما يستاهل دمعة واحدة من عيونك.
-خدرني ياجنى، حطلي منوم في الأكل
وخدني شقة صاحبه، قومت من النوم لقيت نفسي نايمة على سرير من غير هدوم والحقير مصورني
شقهة خرجت من فم جنى تضع كفيها على فمها تهز رأسها بعنف
-مستحيل! بتقولي ايه
ارتفع صوت بكائها تضع كفيها على وجهها
-صورني عريانة، ومعرفش عمل ايه تاني، وهددني لو ابوكي مكتبش المصنع باسمي قبل الجواز هفضحك، اداني ورق وقالي لازم ابوكي يمضي عليه قبل فرحنا والا هدمرك.
كان طمعان في مال ابويا، ومن فترة كان فيه مشاكل على الميراث بين أبوه وبين ابويا. بس جه عمي وقال خلاص مش محتاجين حاجة، جدي كان أدى عمي نصيبه وهو ضيعه، والباقي كتبه لبابا وعمتي، بابا كبر المصنع وعمل محلات للحلويات، وشغله كبر، عمي طبعا اتجنن هو خسر فلوسه في البورصة، وكان لازم اللي يعوضه، فعملوا اللعبة دي
صمتت تلتقط أنفاسها ثم أكملت.
-رجعت البيت وانا منهارة مش عارفة اعمل ايه وافكر، عقلي وقف على كل حاجة. مكنش قدامي حل تاني ياجنى، لازم انقذ سمعتي وسمعة اهلي، تغور الفلوس، بس بابا ميستهلش تعبه يضيع في الأرض. خالد له اخت طيبة اوي ومبيعجبهاش أفعال ابوها
قولتلها كل حاجة. قالتلي خلي عمي يمضي على الورق ويديلك الصور وانا هتصرف، انا قولت اكيد بتلعب عليا.
المهم قولت اللي ربنا كاتبه هيكون، . وفعلا حطيت الورق زي ما قال ودخلت اكلم بابا وهو بيمضي على شوية حاجات. علشان مايخدش باله.
سحبت نفسا عميقا واستأنفت. : -وادتله الورق زي ما اتفقت مع سما اخته، فرح وقالي جهزي نفسك للفرح، انا بحبك ياعاليا صدقيني، وعملت كدا علشانك، رفضت وقولت مستحيل اكون مراتك لو هتموتني. خنقني وقالي لو مجهزتيش للفرح هفضحك اوعي تفكري أن الورق يهمني اكتر منك، انا بحبك انتي، وبدأ يهجم عليا ويعتدي عليا بطريقة حيوانية ياجنى، وفهمني أنه سلب شرفي في اليوم إياه
انا مش عارفة أصدقه ولا لا. رضيت بنصيبي ووافقت.
وبعد اسبوع كان الورق سما رجعته قبل ميعاد الفرح باسبوع، في الوقت دا كريم حاول يوقف الجوازة بس أنا كنت خايفة من الصور اللي معاه، ابتسامة ساخرة لاحت على وجهها
-ورغم دا كله كنت بصدقه لما كان بيقولي انا بحبك وعايزك، انتي اهم من أي حاجة.
لم تستطع منع عبراتها تأثرا بآلام قلبها التي نازعت روحها فأستانفت حديثها المؤذي لقلبها.
-اجمل اسبوع عيشهولي قبل الفرح، حسسني اني اهم شخص في حياته زي ماقال، كنت خايفة يعرف موضوع أن سما سرقت الورق ورجعته، انا حرقته قبل مابابا يشك، كان مخطط يسجله بشوية فلوس رشوة، بس جاله سفرية ضرورية وسافر، ولما رجع كان قبل الفرح. ومتقبلناش من يوم ماسافر دبي ورجع قبل الفرح بيوم. كلمني فون وقالي اتجهزي ياحبيبتي فرحنا بكرة، عايزك تبقي احلى عروسة. مخبيش عليكي ياجنى، انا كنت لسة بحبه، مش شايفة اي راجل احسن منه، ادتله عذر أنه عمي اتظلم من حقه في ميراث جدي زي مافهمني. بس جه يوم الفرح ومسح اي ذكرى بينا حلوة وخلاني اكره اكتر شخص في الدنيا حبيته.
تنهدت بقلة حيلة تهز أكتافها
-لقيت كريم بيقولي دا هيكتب عليكي أصل ابن عمك قال فيكي كل الكلام الحلو. وطبعا بابا وكريم صدقوا وجوزوني غصب عني ياسين المتهور دا.
ضمتها جنى لأحضانها قائلة
-عارفة انا المفروض اشكر ابن عمك دا، علشان خلاني اعرف اجمل بنوتة في الدنيا
ابتسمت من بين بكائها
-انتي جميلة اوي ياجنى، ربنا يسعدك مع حبيبك يارب.
رفعت جنى كفيها للسماء قائلة: -ياااااارب يسمع منك، اصل معمولي عمل على قرموط في بحر مليان ميه جارية
قهقهت الفتاتان كأنهما لم يتوجعا من ألم الحب ثم توقفت جنى
-قومي نعمل نسكافيه، وادخلك فن الرسم هينسيكي كل حاجة، تذكرت شيئا فطالعتها
-بس ياسين ابن عمي طلع راجل اوي ياعاليا، الواد الصراحة عجبني من الموقف دا
مصمصمت شفايفها بحركة مرحة ولطمت كفيها ببعضهما
-اهو دا زي التور اللي مصدق طلقوه من عنبر الحيوانات.
قهقهت جنى عليها تلكزها بكتفها
-بس يابت. دا ياسو العشق، تعرفي ياسين دا اكتر واحد في ولاد عمي بحبه، تحسيه راجل في نفسه
وضعت عاليا وجنتيها فوق راحتيها ترمقها مستهزئة: -اممم. يامحنو، كملي وياترى حضرة عبالظابط يعرف ولا دا عادي علشان إخوة ياحنينة
أطلقت ضحكة ناعمة تهز رأسها
-إنتِ مشكلة وحياة ربنا، وبعدين عيني في عينك كدا الواد مش هزك يابت، دا عليه عضلات سالمان خان
ارتفع وجه عاليا بشبه إبتسامة.
-دول عضلات الحمار الوحشي، بقولك تور وطلقوه تقوليلي يعجبك.
سحبت نفسًا ناعما وذهبت بذاكرتها
-ياسين معذور، اتخدع ببنت حبها وهي لعبت بمشاعره ممكن الموضوع اثر عليه علشان كدا بيعاملك بقسوة، بس ياسين مفيش أحن منه صدقيني، جامع صفات عمو جواد كلها وقت الوجع تلاقيه سندك ووقت الفرح تلاقيه سعادتك
-شوفت ياحضرة الظابط مراتك بتتغزل بجوزي. هبت فزعة قائلة
-جاسر متفهمش غل. ولكنها توقفت عن الحديث عندما التفت ولم تجد أحدا واستمعت لضحكاتها.
-كملي ياست المتجوزة، كان نفسي يسمعك، وقتها كنا قرينا الفاتحة على ياسو بتاعك وخلصت منه، واهو اورثه بدل ماانا مش مستفادة حاجة منه
دفعتها بقوة تسبها ثم ولجت للمطبخ.
عند جاسر وجواد
توقف بالسيارة أمام منزل والده. نظر جواد امامه وتحدث
-جاسر!
كنت تعرف إن فيروز مشلتش الرحم
جحظت عيناه ينظر لوالده بذهول
تقصد ايه حضرتك يابابا
استدار إليه بجسده
-امها لعبت لعبة حقيرة يوم حادثة جنى فعلشان يخرجوا منها امها خلت الدكتور ينزل الجنين، وقال إن الرحم لازم يتشال من النزيف
بملامح جامدة تنبت من الصدمة والذهول، كان يستمع لوالده وكأن أشواك مسننة تخربش صدره بالكامل.
فاستدار يبتعد بنظره وصدره فوهة بركانية للانصهار قائلاً: -لدرجة دي يابابا، يقتلوا نفس بريئة علشان يهربوا. حمحم جواد قائلا: -أنا مقصدتش دا ياحبيبي، أنا اقصد حاجة تانية، وبعدين مش عايزك تزعل انت ربنا عوضك، وبكرة مراتك تجبلك بدل العيل اتنين وتلاتة، اللي أقصده من كلامي لو حصل حاجة بينك وبين البت دي وانت مش فاكر ممكن بعد كام شهر تيجي تقولك أنا حامل، حتى لو مكنتش حامل وقتها هتعمل شوشرة، وحياتك هتتدد، غير المرة دي مستحيل صهيب يسامح، صدقني وقتها هيدوس عليا علشان بنته، فلازم تشوف هتعمل ايه، انا قولت لأيمن يحبسها في بيتها وممنوع تخرج حتى لو وصل بيا الحال اموتها، أصل اللي زيها ميستهلش الشفقة والرحمة.
زفر بحدة ليخرج وجعه القابع بصدره قائلا: -أنا اللي خايف منه أنها تكون مصورانا وتبعتها لجنى، وقتها مش هقدر اعمل حاجة، دا من مجرد كلمتين كل شوية تقولي طلقني، تخيل لو عرفت حاجة زي دي ممكن تعمل ايه
حياتي اتهدت انا حياتي كدا اتهدت. ظل يرددها وهو يضرب المقود بعنف حتى كاد أن يكسر معصمه
امسك والده كفه قائلاً.
-اثبت وفوق لازم تفكر هتنهي الموضوع دا ازاي من غير خسارة، اولا فيروز مش هبلة علشان تجري تقول لجنى دلوقتي، هي بتخطط لحاجة اكبر، انت استغل الموضوع دا علشان تخلص منها للأبد، أشار بسبباته محذرا إياه
-إياك تتمادى بغلط اكبر من غلط، انت ظابط كل خطوة تكون بحساب، راجل قانون من الاخر
زمان دفنت واحدة حية لما فكرت تقرب من امك، وبيجاد دفن عمتي وبنتها علشان غنى، ياترى يابن جواد انت هتعمل ايه علشان مراتك.
أنهى حديثه بنظرة قاتمة تحمل من التحذير مايكفي لإفاقة ابنه
ترجل جواد من السيارة ثم استند على بابها
-قدامي أقل من ساعتين هسافر مع عز ومامتك، عمك حالته مش تمام، مش عايز نهايته تبقى على ايدك ياجاسر، اللي عمل في عمك كدا، جنى. مجرد ماجنى بعدت عنه شوفت حصله ايه، تخيل لو حصلها حاجة بسببك ممكن يعمل ايه. كلمة أخيرة.
مهما جنى تقولك طلقها متسمعش كلامها، دي عاملة زي امك كلام في الهوا، اصلي عانيت قبلك يابن جواد، بس الفرق بينا كبير. انا مكنتش بستحمل دموعها، لكن إنت ماشاء مكنة قهر برجلين ماشية على الأرض
اعتدل بوقفته يشير بيده
-ارجع على بيتك، مراتك اتصلت بمامتك مرتين هتموت عليك من الخوف، رغم انك حلوف معها، حاول متبينش حاجة لحد ما نعرف بنت هاشم بتخطط لأيه، مع اني عرفت خلاص أنها مش عايزة غير تخنقك حواليها وخلاص.
وصل بعد قليل لمنزله ينظر إليه بألمًا يفتت قلبه وجعًا، ترجل بهدوء، وبخطوات بطيئة كأنه يتعلم المشي حتى وصل إلى الداخل. وجدها تخرج من المطبخ تجمع خصلاتها بقلمها الرصاص، وابتسامتها التي حُرم منها تزين شفتيها وهي تهتف: -خلاص يابنتي، والله لأقول لياسين لما يرجع. ولكنها توقفت عن الحديث وتجمدت إبتسامتها، عندما وجدته يقف بتلك الحالة يستند على الجدار. وضعت كوبها فوق المائدة وهرولت إليه
-جاسر!
طالعها بعيون الخذلان والألم. وقفت أمامه تحتضن وجهه عندما وجدت دموعه المتحرجة داخل مقلتيه، ارتفعت دقاتها حتى كادت تخترق ضلوعها فتسائلت: -حبيبي مالك ايه اللي عامل فيك كدا.
ابحر برماديته على ملامحها الندية، تمنى يزهق روحها داخل احضانه، يعشقها بجنون
أمسك كفيها الذي تحتضن به وجهه وأغمض عيناه متسائلا: -بجد ياجنى أنا حبيبك.
ابتلعت غصتها وتناست ماصار إليها
فهزت رأسها
ازاي لسة بتسأل ياجاسر.
-مبقتش واثق فيكي مش دا كلامك
آلمها حديثه وكأنه غرسها بخنجر بروحها
-سبيني ياجنى!
-لا إنت فيك ايه، ايه اللي حصل معاك
تحرك متخبطا
-مفيش حاجة! نظرت لعاليا الصامتة ثم اتجهت إليه سريعا
-جاسر!
أغمض عيناه محاولا السيطرة على نفسه. اقتربت منه تبحث بعينها عن مايؤلمه، احتضنت ذراعه
-مش هتقول لجناك مالك.
كعصفور بترت اجنحته، تحرك وهو يتحدث: -تعبان بس وعايز ارتاح. لحظات مرت عليها وهي تراقب تحركه. وصلت إليها عاليا.
-ايه مش هنروح المرسم
هزت رأسها رافضة
-لا ياعاليا، هروح اشوف جوزي ماله. آسفة مش هقدر اركز في حاجة وحالته كدا
ربتت عاليا على كتفها
-لا ياحبيبتي روحي، تحركت سريعا متجهة للأعلى.
دفعت الباب ودلفت للداخل وجدته ينزع ثيابه متجها للمرحاض. توقف ينظر إليها بصمت حتى اقتربت منه
-إنت مخبي عليا إيه
هنا تحرك إليها بخطوات بطيئة وعيناه تعانقها وروحه تأن بألم ينخر بصدره، امسك كفيها يربت عليهم
جنى أنا محتاجك أوي.
احتضنت كفيه التي يمسكها بها، وطبعت قبلة عليهما
وجنى جنبك هنا
جذبها بقوة يضع رأسه بعنقه وآه حارقة خرجت من ثنايا روحه هامسًا بأنفاسه الحارة
- تعبان. تعبان اوي ترقرقت عيناها واقتربت تلامس خاصته هامسة له
-سلامتك حبيبي من التعب. ابتسامة من ثنايا عشقه يعصرها بقوة لأحضانه حتى ذابت منصهرة تشدد من أحضانه تستمع لحديثه.
مش عايز غيرك. والله ماعايز غيرك. أخرجها من حضنه. والتقط كرزيتها بعشقه الجان، يفصل جنان عشقه وسبح بعسلها يدنو من ثغرها
خديني في حضنك، حبيبك تعبان
سحبت كفيه حتى وصلت للفراش تتمدد بجواره على الفراش، وضع رأسه بأحضانها، وكأن هنا ملاذه وراحته أغمض عيناه يسحب عطرها الذي أصبح جرعته. خللت أناملها بين خصلاته
-احكيلي حبيبي، قولي ايه اللي تعبك، واتأخرت ليه، مكنتش عند عمو باسم.
ظل صامتا لدقائق ناعمة بينهما وهي تتلاعب بخصلاته
-مش عايز تحكيلي ياجسور، هانت عليك جنجونة حبيتك تخليها قلقانة عليك
رفع رأسه من أحضانها
-جنى إنتِ لسة زعلانة مني. وضعت رأسها بجوار رأسه ثم رفعت كفيها على وجهه
-وأنا لسة مبأثرش فيك ياجاسر، بقيت عادية ومبقتش تحبني، مش انت اللي قولت كدا
دنى بأنفاسها الحارة
-كذاب. فيه حد يصدق واحد كذاب، امسك كفيها يضع موضع قلبه ثم همس وهو يلامس ثغرها بخاصته.
-طول ما دا بيدق اعرفي انك ساكنة الروح، وقت مايوقف عن النبض اعرفي أني ميت وانك ميتة
دنت تختبأ بأحضانه، ثم رفعت ذراعيه تحاوط خصره
-طيب ليه كل شوية توجع قلبي ياجاسر. داعب وجهها يمرر أنامله عليه بالكامل
-أنا مجنون بيكي ياجنى. زي ماانت مجنونة بيا ياروحي
لمعت عيناها بالسعادة مما جعلها تضع رأسها بعنقه هامسة له
بحبك أوي يابن عمي
مسد على خصلاتها مقتربا من ثغرها.
وأنتِ بقيتي ادمان لابن عمك يابنت عمي قالها وهو يحتوي ثغرها ليذيقها من ترانيم عشقه
عند جواد بعد خروج جاسر
وصل إلى سيارة عز الذي يضع بها حقيبته. فتح الباب واستقلها
-وصلني عند باسم في عشر دقايق، تعرف يالا
توقف يحدجه بتساؤل
-فيه حاجة ولا إيه؟
انزل يعني ولا إيه!
وصل بعد قليل فاتجه ببصره إليه
-خليك هنا خمس دقايق ورجعلك.
ترجل من السيارة متجها اليه، ولج للداخل بعدما استقبلته الخادمة. كان باسم يجلس يتناول إفطاره بجوار زوجته وابنه
توقف أمامه يرمقه بغضب ووجع بآن واحد. نهض باسم من مكانه بعدما وجد ه بتلك الحالة
-جواد!
اقترب منه جواد والحزن يجوب على ملامحه حتى حفر ثقوبا بداخله وعيناه تناظره بصمت
-جواد مالك بتبصلي كدا ليه؟
صمت برهة يتأمل الحسرة والخذلان المرتسم فوق ملامح جواد. فأمسك كتفه يهزه
-جواد. دفعه جواد مبتعدا.
-ولادي اعتبرتهم ولادك، كنت ببقى نايم مرتاح علشان عارف انهم عند بيت ابوهم زيك زي حازم وسيف وصهيب
ظل باسم يستمع إليه بعينين متوهجتين كالنيران. فرفع كفيه أمام جواد
-جواد ايه لزوم الكلام دا
لكمة قوية بوجه باسم يدفعه بقوة حتى سقط على المقعد يمسكه من تلابيبه
-أنا ابني على اخر الزمن يزني بسببك ياباسم. ابني يتغدر بيه في بيتك. في بيت اخويا يالا.
توقف باسم مذهولا ينظر إلى حياة التي تضم ابنها تحتضنه حتى لا يرى صراعهما، ثم استدار إلى جواد
-تقصد ايه. انحنى جواد يحاوطه بذراعيه
-ابني اتحطله حاجة في اكله أو شربه هنا ياباسم، والست فيروز مستنياه برة، وفي الاخر ابني يصحى يلاقي نفسه عندها والباقي اكيد عارفه
انت بتقول ايه مش فاهم
صعق باسم حينما فهم مايؤل إليه جواد، اتجه بنظره الى حياة التي طأطأت رأسها تهزها.
-والله ياباسم ماعملت اكل. جت دخلت قعدت شوية بس ومشيت
تحرك جواد مغادرا
-يااسفي عليكوا. يااسفي على الصداقة.
نهض من مكانه وكأن هناك صاعقة صفعته بقوة بصدره، فاقترب منها
-فيروز دخلت بيتي بعد اللي عملته
باسم هي كانت بتعيط
صاح على مربية ابنه
-خدي فارس الجنينة، ثم اقترب منها يمسكها من أكتافها يهزها بعنف
-كسرتي كلامي ياحياة، دخلتي فيروز بيتي. باسم اسمعني
-جت امتى؟
-باسم اسمعني؟
أشار بسبباته.
اخرصي مش عايز اسمع صوتك، ردي على السؤال بس
انسابت عبراتها وأجابته
-جت قبل ما جاسر يجي بساعة ومشيت قبله بربع ساعة
-هي اللي عملت الأكل
هزت رأسها بالنفي سريعا. ابدا والله مقربتش من حاجة ومسبتهاش لوحدها ولا لحظة، مفيش غير وقت ما طلعت اغير هدومي بس
صاح باسم على الخادمة
-فيروز دخلت المطبخ امبارح
هزت الخادمة رأسها وقصت ماله
ثار باسم بغضب وكأنه تحول لشيطان يركل كل ما يقابله.
اقتربت تمسك كتفه
-باسم اسمعني.
-انتِ طالق ياحياة
توسعت عيناها تطالعه بذهول، ظل لفترة ونظرات خذلان بينهما حتى استدار متحركا للخارج
عند جواد بسيارته
-عز دقيقة واحدة على العنوان دا
توقف عز بالسيارة يدقق النظر بملامحه
-عمو مالك وشك مخطوف كدا ليه، وايه الموضوع
أشار بيديه
-سوق ياعز علشان منتأخرش على الطيارة
وصل أمام العمارة التي تسكن بها فيروز، ثم دفع الباب بقدمه حتى انفتح على مصراعيه.
كانت تجلس منكمشة منذ أن اخذها الرجل وحبسها بمنزلها، وأخذ هاتفها
مانعا جميع التواصل بها، ولج للداخل يشير بيديه للرجل الذي معه
-افحصلي الشقة دي، اي كاميرا فيها طلعه
جلس يضع ساقًا فوق الأخرى. يشير بيديه إليها. نهضت تطالعه بصمت
-جتلك وقولتلك بعاملك بقلب ابو جاسر وحاولت افهمك، بس الهبلة مفكرة أنها ذكية
نهض من مكانه وتحرك إليها وفجأة على غير عادته، جذبها من خصلاتها.
-بقى حتة عيلة تلعب بشرف ابن الألفي يابت، اتجننتي، جذبها يدفع رأسها بالجدار بقوة ثم تركها حتى سقطت تبكي وتصرخ به
-ابنك دا جوزي، حبيبي اللي حضرتك خطفته مني ورحت جوزته لبنت اخوك
امال بجسده يرمقها بنظرات لو خرجت من مقلتيه لأحرقتها قائلا
-وعزة ربنا يافيروز لو قربتي من بنت اخويا لادفنك حية. انحنى أكثر يجذبها من عنقها يضغط بقوة عليه حتى كادت أن تلفظ روحها، ثم تركها يدفعها بقوة.
-قربي من ابني تاني وشوفي هعمل فيكي ايه، انا دفنت ناس بعدد شعر راسك. كنا بودي مش احبسك والهبل بتاع جاسر دا، واشوفك هتعملي ايه لكن للأسف خايف من القذارة تلوث بنت اخويا، اسبوع واحد بس افوقلك واعرفك مين هو جواد الالفي، أو اقولك روحي اسألي عليها سحر
إنما هي اللي قالتلك على الخطة النجسة دي بعد ما زرتيها. مط شفتيه يهز رأسه
-أكيد الرقاصة هي بتاعة الخطط دي
حدجها بنظرة مشمئزة ثم أردف.
-معرفش ابني ازاي اتجوزك وقرب منك، دا انا قرفان ابص في وشك، شايفك بنت زي الحرباية بتتلون، بس العيب مش في ابني، العيب فيا انا
مسح ذقنه مقتربا منها
-تحبي نهايتك تكون ازاي، انا بقول شوية مية نار على وش الحلوة اللي فرحانة بيه.
رفع سبباته وهدر محذرا إياها
-اي سفالة منك ياسافلة هنهيكي، دول ولاد الألفي اللي بتحاولي تجذبيه لقذراتك
محسن. هدر بها جواد
البت دي متشمش هوا البلكونة حتى لحد ماارجع
بمنزل جاسر.
فتحت الجميلة عيناها ترسمه ببنيتها، ثم مررت أناملها على وجهه وانحنت تطبع قبلة حانية على وجنتيه هامسة له بعدما وضعت وجنتيها فوق رأسه تحتضن كفيه تخلل أناملها بأصابعه
-حبك بقى داء ودواء يابن عمي، معرفش الحب كله كدا ولا إحنا اللي حبنا له طعم تاني
فتح عيناه بعدما شعر بها ولكنه ظل صامتًا. فاكملت حديثها.
-شوفت الدوا المر اللي لازم تاخده علشان تخف وتتعالج. اهو انت كدا ياجاسر بالنسبالي، لازم افضل احبك وقلبي يدق بنبضك علشان اعرف اعيش، لو بعدت عني اموت، موجع اوي
أغمضت عيناها مبتسمة
-بس رغم وجعه بس بعشقه. لحظات وكانت أسفله يحاوطها بجسده
أنا حبي موجع ياجنى، لدرجاتي بتتوجعي مني، لمست وجنتيه مبتسمة
-بس أحسن وجع، جاسر لجنى الروح والحياة
استند بجبينه فوق جبينها وهمس بأنفاسه الحارة.
-وجنى روح جاسر. رفع نظراته ورسم ملامحها الندية لقلبه
-المفروض النهاردة أكون اسعد راجل في الدنيا، بعد ماشوفت ضحكة حبيبتي، ورجع قلبي ينبض من تأني
داعب وجهها بأنفه هامسا لها
-وحشتيني أوي أوي ياجنجون
رفعت ذراعها تعانق رقبته
-وانت كمان وحشت جنجون
غمز بعينيه
-اد ايه. ماتوريني كدا عايز اشوف وبعد كدا احكم. جذبت رقبته ودنت تلثم ثغره حتى ذاب الأثنين برحلة عشقهما.
غاص بها تحت سطوة عشقه يسكب لها من نيران عشقه ماألذ لها، طاف بها وطافت بها على انغام دقات القلوب، وانفاسهما الحارقة تلهب مايقترب منهما. اخيرا استحوذ عليها ببحر عشقه الذي ابعدهما أكثر من ثلاثة أشهر كان يعتصران من ألم الفراق في غيبات الحب. بعد فترة من نعيم الجنة تناسى بها كل ماصار له. جذبها لأحضانه يحاوطها بذراعين ينعمان بالحب والحنان، وشعور الراحة يسير داخل الأبدان. همس بجوار أذنها بنغمة عاشق حد الجنان.
اموت بكِ عشقًا ياسيدة الأكوان
استنشقت رائحته الرجولية التي ألهبت دقات قلبها بين الضلوع وهمست بلسان يذيب بعشقه لأبعد الأزمان
دعني احطم غرورك داخل أحضاني ياملهم الروح والكيان
قبلة فاصلة لتذهب الأرواح بسبات عميق حتى استيقظ بعد فترة يداعب جفونها بعينان ترسلان أسهم العشق والاشواق
فتحت عيناها وابتسامة جميلة تداعب وجهها قائلة بنبرة متحشرجة
-صباح الحب. قبل ارنبة أنفها قائلا
-مساء العشق ياجنة الخلد والريحان.
افلتت ضحكة تعتدل على الوسادة تقترب منه تضع رأسها بصدره
-عايزة نسافر بعيد كام يوم، مش عايزة اشوف حد غيرك ممكن
رفع كفيها يقبلها
-مهلكتي تؤمر وعليا التنفيذ، بس خايف عليكي حبيبتي مقدرش امسك نفسي
لكمته بصدره
-متبقاش قليل ادب بقى، بتكلم جد، اعصابي تعبانة، بقالي وقت مبعملش حاجة فعايزة اغير جو، علشان ارجع على شغلي
داعب وجنتيها بابهامه.
-حاضر عيوني. اقتربت تطبع قبلة على وجنتيه، ثم بحثت بعينيها عن شيئا ترتديه فضكت بصوت مرتفع
- مضطرة اخد قميصك ياحبيبي. جذبته قبل ماتصل يديه إليه
فقهقه بصوته الرجولي، حتى أنارت الدنيا حولهما وغردت الطيور لفرحة قلبهما
جذبها حتى سقطت فوق الفراش تضحك بعدما ارتدت قميصه تغلق ازارره
-جاسر. وسع بقى ماتبقاش بايخ.
حاوطها بذراعيه ينظر إليها وهي أسفله. ملامحها الطفولية البريئة يتشعب لها القلب ويحنو لها القاسي فهمس دون تردد
- جنى أنا خنتك من غير مااقصد، غصب عني
ارتفعت ضحكاتها تحاوط عنقه
-وياترى الكابوس دا في حضني ولا لما كنت بعيد عن حضني
امال يقبلها يردد من بين قبلاته
-ياريته كابوس، بس والله العظيم ما حسيت بحاجة حطولي دوا في الأكل
توقفت عما تفعله عندما وجدت دموعه
فهبت فزعة معتدلة
- انت بتقول ايه ياجاسر.
↚
تعملي ايه لو خونتك؟
تراجعت بجسدها معتدلة على الفراش ونظراتها عليه ومازالت الابتسامة على ملامحها
-ايه الهزار اللي يوجع القلب دا ياجاسر، عايز تقهرني موافقة ياسيدي اقهرني بأي حاجة بس بلاش وحياتي موضوع الخيانة دا، دا مجرد كلمة وجعت قلبي
اقتربت تزحف بركبتيها حتى وصلت إليه، رفعت ذقنه بأناملها
-سكت ليه، يعني ياتقول كلام يوجعني ياتسكت خالص.
أحس بصفعة قوية على وجهه حتى شعر بالدوران، جذبها لأحضانه متراجعًا على الفراش يلف ذراعيه حول جسدها الصغير، ثم وضع ذقنه فوق رأسها وبلسان ثقلت حروفه همس لها: -جنى عايزك تتأكدي روحي فيكي، محدش يقدر يبعدك عني حتى لو بابا نفسه جه قالي طلقها. أنا بحبك بجد، من سنين وحبك بيكبر جوايا لحد ماعمل عندي حالة من التشبع مابقتش عايز غيرك وبس، ومستحيل أتنازل عنك.
كانت تستمع إليه بسعادة وكأن قلبها تحول لفراشة تدغدغ جسدها بالكامل
فرفعت رأسها لتراه من أعلى وجهها وابتسامتها تزين ثغرها، رفعت ذراعيها الاتنين تجذب عنقه وظهرها بأحضانه قائلة: -وانت السعادة لروحي ياجاسر، شايفة الدنيا كلها بعينك انت، مفيش حد عمل فيا كدا، بحبك بجنون، مش هتكسف وأقولك أنا مجنونة بحبك، وعجبني جناني دا، ومستحيل أتنازل عنك.
انحنى يلتقط ثغرها ومعالم الحزن حفرت ثقوبا بقلبه لا يعلم كيف يداوي تلك الجروح. مسد على خصلاتها
-روحنا احنا الاتنين متعلقة ببعض، عايزك توعديني مفيش حاجة هتفرقنا مهما يحصل
استدارت إليه بعدما انتفض قلبها ودققت النظر بملامحه
-حبيبي انت مخبي عليا حاجة كبيرة صح، رفعها لتصبح على ساقيها
يضع رأسه بحنايا عنقها
-اوعديني ياجنى، اوعديني إن جاسر هيفضل طول عمره حبيبك مهما يحصل، رفع رأسه وتعمق بعينيها.
-حتى لو مت مش مسمحولك تتجوزي غيري
قطبت مابين جبينها متسائلة: -أنا مش عارفة افرح ولا أحزن، حالتك دي بتقول إن فيه حاجة. بس قلبي بيقول انك حبيبي ومهما يحصل هتفضل حبيبي وروحي
-وعد، همس بها يطالعها منتظرًا اجابتها
لمست وجنتيه بأناملها
-عندك شك في جنى ياجاسر، تفتكر جنى بعد الحب دا كله ممكن تفكر في غيرك. تحجرت دموعه بجفنيه فأغمض عيناه حتى لا يضعف أمامها
اقتربت تلثم جبينه ثم احتوت وجهه
-مالك ياحبيبي؟
-حبيبك اتلعب عليه، مستكترين حبي ياجنى
هزت رأسها
-مش فاهمة ياجاسر. أطبق على ثغرها بخاصته للحظات. ثم تراجع وعيناه تحتضن عيناها السعيدة ورغم سعادتها إلا أنها هربت خجلة من نظراته الاختراقية
حاول قدر المستطاع أن يتحدث ولكنه لم يقو. لمست ذراعه حينما وجدته ذهب بشروده
-مش هتقول لجناك اللي واجعك، مش انت لسة قايل اني اهم واحدة في حياتك، احتوت كفيه تضعها على وجنتيها وسبحت برماديته.
-أنا اهم واحدة في حياتك صح، مستحيل تبعد عني، ولا تطلقني، ولا توجع قلبي وتتجوز زي مابتهددني. صمتت تبحر بنظراتها فوق وجهه تتلمسه بأناملها
-ساكت ليه، متخوفنيش بسكوتك، انا مستعدة أتنازل عن كل حاجة إلا عنك ياجاسر، بعدت ومعرفتش.
-معرفش ليه إنت بالذات اللي عمل فيا كدا، مع إني مكنتش شيفاك غير أخ وبس، هزت رأسها ثم وضعت رأسها بحنايا عنقه تهمس له.
-لا مكنتش أخ كنت روحي الساكنة جوايا وأنا معرفش، عارفة انا السبب في ابتعادنا عن بعض
-وعد من جنى الجاسر لجاسرها مستحيل ابعد عنه ولا افكر في حد غيره، ووعد قلبي يفضل ينبض باسمك لحد ما اموت. ثم طبعت قبلة على يديه قائلة
ربنا يخليك ليا وميفرقناش عن بعض ابدا
أحس بتلك اللحظة برجفة تعتري فؤاده، وبرودة اجتاحت أوصاله فارتجف وكأن ثلج الشتا يحاوطه
صمتا هادئا بنظراتها العاشقة ونظراته المترجية.
-جنى اسمعيني للأخر، ومش عايزك تقاطعيني. وخليكي متأكدة أنا مستحيل أعمل كدا لو كنت في وعي
رفع عيناه التي اختلطت بدموع الحزن، واحتضن وجهها
- جنى. خرج اسمها من بين شفتيه محترقة بلهيب العشق. لا تعلم لماذا ارتفعت دقاتها وانسابت دموعها رغمًا، فهزت رأسها منتظرة حديثه وكأن قلبها يرفض ماسيقوله بسبب دقاته العنيفة.
ابتلع غصته واحتضن كفيها متراجعا يستند على الفراش قائلاً: اسمعيني كويس ومتقطعيش كلامي لو سمحتي. سحب نفسا محملا بأنين الوجع فتحدث: -عايزك تثقي في حبي والله العظيم عمر قلبي مادق لغيرك، منكرش انجذبت لفيروز، أو ممكن أقنعت نفسي بكدا علشان اقدر اعيش معاها وانساكي، كان صعب عليا اوي أفضل جنب البنت اللي بحبها وهي محرمة عليا، فكان لازم اقنع نفسي بكدا، لكن والله ماقدرت اتعايش مع الألم دا، عايزك تتأكدي إن مفيش قبلك ولا بعدك، فيروز غلطة حياتي اللي اتحولت لكابوس اسود، بس هقول ايه غير إن دا نصيبي من الدنيا.
احتوى وجهها يزيل عبراتها التي انسابت بصمت
-عارف إني هوجعك، ومقدرش ألومك ولا أمنع وجعك. بس اللي اقدر اقوله أنك اغلى من روحي. مرر أنامله على ثغرها ودنى منه
-إنت روحي خليكي متأكدة من كدا استدار مبتلعة غصتها عندما أحست أن هناك مايشق صدرها، وخرجت دموعها كالشلال تهز رأسها تنهض من مكانها. ولكنه حاوطها بذراعيه وعصرها بقبضته الفولاذية ثم همس بتقطع.
- جنى رفعت عيناها الباكية، هزت رأسها منتظرة حديثه الذي تيقنت أنه مؤلم لا محالة
نزل ببصره للأسفل يهرب من عيناها الباكية قائلاً: -امبارح كنت في عشا عند عمو باسم زي ما انتي عارفة، وبعد ماخرجت ماحستش بحاجة غير لما صحيت ولقيت نفسي بسرير فيروز. معرفش ايه اللي حصل وازاي رحت هناك، كل اللي افتكرته خروجي من بيت عمو باسم بالعربية وهي وقفت قدام العربية، نزلت علشان أبعدها وبعدها مفتكرتش حاجة.
هنا شعرت بجدران الغرفة تنطبق على صدرها، وأحست بتوقف قلبها على النبض
فأطبقت على جفنيها وارتجاف بكامل جسدها حتى شعرت ببرودة تجتاح جسدها. رفع عيناه الحزينة إليها وابتلع ريقه بصعوبه محاولا اخراج صوته
- جنى. طالعته بعيناها التي انطفأت لمعة سعادتها بها، للحظات وهي تنظر إليه بصمت، هل حقا طعنها بخنجر بارد ليشق ضلعها شقا لتشعر بكم هذه الأهات. ارتجفت شفتيها متسائلة: -يعني إيه؟ تقصد إيه بكلامك دا؟
قصدك انك خونتي!
ولا تقصد انك رجعت فيروز زي ماكنت عايز تعملها. مسحت دموعها
-ليه المقدمات دي بس ياحبيبي.
ابتلعت ريقها بصعوبة
-أكيد بتحبني ياجسورة، أيوة بتحبني مستحيل توجعني
ضغط على وجنتيها الذي يحاصرها يهزها
-جنى افهمي كلامي. رفعت نظرها إليه
-افهم! ابتسامة مؤلمة من نياط قلبها
افهم ايه ياحبيبي. انا مش فاهمة غير اني بحبك وبس، انت اللي فهمني اعايز ترجعها يعني ولا إيه
فهمني اصلي مش مستوعبة كلامك.
دنى يحتوي وجهها ويقربها إليه يرفع رأسها ويغرز عيناه بعيناها
-ايه اللي بتقوليه دا. انا كنت بهددك بس، عمري مافكرت في فيروز انا بعشقك انتي، ودلوقتي أنتِ مراتي
بقولك معرفش ايه اللي حصل، قومت من النوم لقيت نفسي. صمت لبعض اللحظات. فانهارت باكية حتى ارتجف جسدها.
-اسكت ماتتكلمش، مش عايزة اسمع حاجة. انت لعنة عليا ياجاسر، لعنة بتأذي روحي. ياريت اكرهك بس مش عارفة. ناظرته.
-قولي اكرهك ازاي علشان قلبي يبطل يوجعني. أمسكت كفيه تضعها على صدرها محل قلبها
- قلبي بيوجعني أوي ياجاسر، بيوجعني اوي
هنا شعر بألم العالم يتجمع بصدره. اقترب يضمها لصدره يمسد على خصلاتها.
-جنى بطلي بُكى، سلامة قلبك ياروح جاسر، قلبي مش متحمل. شهقة بهزة بجسدها قائلة: -دبحتني ياجاسر، موت روحي، دوست على قلبي. ، طالعته ببكاءها وقلبًا مفطور بالثقوب. حركت أناملها على وجهه ومازالت عبراتها تحرق وجنتيها -هونت عليك. حبيبتك هانت عليك. طيب اديني عقل اتحمل دا، مش هقولك اديني قلب، عايزة عقل يتحمل إن جوزي وروحي وحياتي وكل ما املك جاي يقولي انا خنتك وسامحيني.
مع كل كلمة تفوهت بها وكل دمعة انحدرت من مقلتيها كان قلبه يعتصر ويحترق بآلامها. تمنى لو ينزع كل مايؤلم روحها، تمنى لو يخفيها عن العالم أكمله.
أخرجها من أحضانه يحتوي وجنتيها
-وحياة ربنا ماحسيت بحاجة، حطولي حاجة في الأكل أو الشرب معرفش، لو مش مصدقاني اتصلي ببابا هيأكدلك كلامي
هزت رأسها رافضة حديثه، اتجهت ببصرها لجسده وعقلها وقلبها يصور لها أشياء.
أغمضت عيناها بألم يجرح كل خلاياها.
حبيبها، عشقها نبض قلبها، هل طُعنت بالفعل أم هناك مايخفيه القدر
كان يراقب انفعالاتها بألمًا. هناك آلامًا لا يمكن وصفها باللغة، وهناك أيضا مايسمى جنون العشق فهمس
- جنى رفعت نظرها إليه بقلبها النازف اثر طعنته لقلبها الحزين ولأنوثتها.
-عايز مني ايه ياجاسر، مستني مني ايه. اعمل ايه، اصرخ واقولك طلقني. وترجع تقولي على جثتي، حاولت أن تنهض وكأن جسدها خانها ولم تقو على النهوض، فترنحت وسقطت فوقه، تلاقها بين ذراعه، تلاقت النظرات بينهما هناك نظرات تقتل أكثر من الحديث. همست له
-عايزة اروح اوضتي ومش قادرة، ممكن توصلني.
أحس بقبضة تعتصر قلبه، فلم يجد سوى تقبيلها لتستكين روحه المبعثرة، بجوار روحها الحزينة، لحظات من السكون بل دقائق ولم يريد افتراق شفتاه عنها، حاولت التملص ولكن قوتها تلاشت ولم يعد لديها قدرة للمجابهة. تركت ساحة معركة العشق الموجعة له. دقائق يستحوز على ريحق عشقها حتى ذهبت الأنفاس.
وضعها على الفراش يضمها لروحه قبل أحضانه وقبلة عميقة تزين جبينها
همست مابين النوم واليقظة كأنها ستذهب لعالم الأموات.
-يارتني ماحبيتك. قالتها وذهبت بسبات عميق. عصرها بأحضانه يهمس لها
-آسف ياجنى. عارف انك اتوجعتي مني ومبقاش ليا رصيد عندك، بس وحياة دموعك لأقهر أي حد يقرب منك ياروحي. استمع لرنين هاتفه
-أيوة ياعمو
-مستنيك في المكتب. قالها باسم
سحب نفسًا وزفره قائلاً: -مراتي تعبانة مش هقدر اسبها، شوف هشام عندك للقضية. قالها وأغلق هاتفه، ثم ألقاه يتمدد بجوارها، يضع رأسها بصدره وأنامله تعبث بخصلاتها
بحي الألفي.
انتهت غزل من تجهيزها، ثم نادت على الخادمة
-نزلي الشنطة في العربية
اومأت الخادمة برأسها. تحركت متجهة لغرفة ربى. وجدتها تغفو محتضنة نفسها كالجنين. دنت منها بخطوات متمهلة، ثم زفرت بحزن. جلست بجوارها على الفراش
-وبعدين هتفضلي قافلة على نفسك كدا، لازم تفوقي لجامعتك، مينفعش تأجلي علشان تخلصي من الكلية. مسدت على خصلاتها.
-حبيبتي أنتِ عايزة ايه بالظبط وأنا اعملهولك، أغمضت عيناها وانسابت دموعها قائلة: -ماما انا تعبانة اوي، محدش حاسس بالنار اللي جوايا، رفعت نظرها بعيناها الباكية واردفت من بين بكائها.
-قلبي وجعني مفيش دوا له ياماما. لا قادرة أقرب ولا قادرة ابعد، قوليلي أعمل ايه، النهاردة بابا شاف بنته في وضع مخل مع طليقه، تخيلي أخلاقي بقت منحطة لدرجة وصلت لأكون في حضن طليقي ياماما، شوفتي ضعف بنتك وصلها لأيه، لولا دخول بابا مكنتش عارفة ضعفي دا ممكن يعمل ايه
رغم تعاظم الغضب بداخل صدرها إلا أنها انحنت تطبع قبلة على وجنتيها.
-حبيبة مامي اللي ندمانة، مين فين مابيغلطش ياقلبي، كلنا بنغلط بس بعد كدا بناخد غلطنا عبرة لينا علشان نتعظ منه، مسدت على وجنتيها تزيل عبراتها قائلة: اكتر حاجة بتضعفنا القلب ياروبي القلب أكبر داء يصيبنا فيه اللي بيعرف علاجه وبيداويه وفيه اللي بيقعد يدور على العلاج زي السراب. انت مجروحة من عز حقك انا مش هلومك، بس برضو مش من حقك توجعي قلبك وتحرمي ابنك يعيش مع أبوه
فتحت فمها للحديث ولكن أشارت لها غزل.
-خليني أكمل كلامي الأول
زعلانة من عز، تمام، ماانتِ ثورتي لكرامتك ودوستي على رجولته، ورغم كدا يتمنى يرجعلك، ليه ماسوتيش دي بدي، ليه هو أتنازل وحس بندمه وراجع يمد ايده، ليه أنتِ كمان ماتحسيش بالندم دا وتبدأي صفحة جديدة مع حبيبك وتربي ابنك وتكون أسرة حلوة، ليه يابنتي مصرة توجعي قلبك وقلبنا معاكي.
رفعت ذقنها بأناملها وتحدثت: -روبي خايفة عليكي حبيبتى يجي عليكي الوقت تندمي على حبيبك، متفكريش عز هيبكي عليكي كتير، هو مجروح منك اوي، عارفة أنه بيحاول يرجعك بس جواه مجروح زي ما انتي مجروحه الفرق بينكم أنه ندمان ومادد أيده ومش مبين وجعه وغضبه منك، إنما انتي عنيدة وبكرة تندمي.
نهضت غزل بعدما طبعت قبلة على جبينها: -قومي صلي ركعتين لله وألجأيله عمرك ماتخسري يابنتي، وقت ماتحسي بالضعف ألجي لربك هو رحيم بعبده، وقتها هتعرفي إنتِ عايزة ايه
اعتدلت بجلوسها متسائلة: -هتتأخروا يامامي
تجلى الحزن بملامحها فهتفت
-عمك تعبان اوي ربنا يستر، المشكلة مفيش على لسانه غير جنى، وطبعا جنى متعرفش حاجة وباباكي مش عايز يقولها وأنا خايفة. نهضت ربى من مكانها.
-عمو صهيب تعبان، يعني انتوا مش رايحين سياحة له. وضعت غزل كفيها على فمها
-اسكتي مش عايزة حد يسمع، عز مايعرفش كمان، ولا حتى ابوكي كان يعرف، لولا نهى قالتلي. ربتت على كتفها قائلة: -المهم قومي صلي وشوفي هتعملي ايه امتحانتك قربت وكمان حملك على وشك، ممكن تولدي في أي وقت. جذبت اسدالها تنظر لوالدتها مرة وللأرض مرة فهتفت: -هنزل أشوف عز قبل مايسافر
رفعت غزل حاجبها ساخرة.
-يامحنو ياختي يامحنو، طب ماكان من الأول، ليه عاملة فيها الكونتسة عزيزة
خرجت غزل متجهة لغرفة ياسمينا. طرقت على بابها ودلفت للداخل
-حبيب نانا عاملة ايه وحشتي نانا ياقردة. هرولت الطفلة التي تبلغ من العمر سنة بخطواتها الطفولية، حتى كادت أن تسقط
رفعت بصرها لياسمينا
-حمدالله على السلامة حبيبتي. نورتي بيتك، ابتسمت ياسمينا
-بنورك ياطنط. طبعت قبلة على جبين طفلتها: -مسك عاملة ايه وأخبار تيتا ايه
اجابتها ياسمينا.
-كويسة بتسلم على حضرتك، وان شاءالله ينزلوا مصر قريبا
اقتربت منها واحتوت كفيها
-أوس هيوصل على بالليل إن شاءالله، عايزة منك طلب، يبقى خديه هو روبي وزوروا جاسر وجنى، بلاش تحسسوهم أنهم منبوذين من العيلة، انا زرتها كام مرة بعد ماسقطت
اومأت ياسمينا بحزن قائلة: -زعلت اوي على اللي حصل لجنى، إن شاءالله ربنا يعوضها، أنا كنت هروحلها والله بس قولت لما يجي أوس، لكن محرجة برضو هي بقالها فترة
ربتت غزل على كتفها.
-لا متأخرتيش ولا حاجة، كل الحكاية شهر مش كتير يعني، ربنا يهديلهم الحال. استدارت وهي تبتسم لحفيدتها ثم توقفت لدى الباب
-ياسمينا. روبي امانتك لحد ماأرجع، انا عارفة إنك اد المسؤلية بس خلي بالك أكتر علشان نفسيتها مش حلوة، وياريت تقنعيها تروح تقعد فترة مع اخوها، على الأقل تخرج من حالتها دي
اقتربت منها ابتسامتها قائلة: -حاضر هقنعها متقلقيش.
-تسلميلي يابنتي. قالتها واستدارت للأسفل متجهة لمكتب جواد الذي يتحدث بهاتفه: - ممنوع تخرج من البيت هحاسبك انا، شوف حد قدام بيت جاسر من بعيد مش عايزه يشك
-حاضر يافندم. نهض من مكانه بعدما توقفت على باب الغرفة
-متاكدة إنك مخبي عليا حاجة ياجواد بخصوص جاسر، بس هسيبك ومش هسألك تاني لما أشوف اخرتها معاك ايه
قهقه عليها يضمها من أكتافها.
-زوزو الشقية بقيتي جدة ياروحي خفي عليا شوية، مبقتش حمل شقاوتك. اعتدلت تقف أمامه تمسك ياقة جاكتيه
-هتفضل طول عمرك في نظري اجمل راجل وشاب في الدنيا، وفشر اللي يقولك عجزت ياابوجاسر، مين دا اللي عجز
حك ذقنه ينظر بساعة يديه ثم غمز لها
-لسة ساعة إلا ربع على الطيارة، وانا نفسي اعرف موضوع الشباب دا لسة شغال ولا لأ. ماتيجي نتأكد
قهقهت بصوت مرتفع تلكمه بصدره
-هتفضل اجمل راجل في حياتي ياجواد. حاوطها بأحضانه.
-فاهمك ياغزل. بتعملي كدا علشان شيفاني مضايق، صح ياروحي
خرجت من أحضانه تعانقه برماديته
-جواد مخبي عليا ايه، ليه بتحاول تفهمني انك كويس، جواد ضغطك النهاردة وصل 180 انت فاهم دا معناه ايه
احتضن رأسها يلثم جبينها
-مفيش حاجة ياست البنات، هنتأخر على الطيارة غير أننا متأخرين اصلا، كنت عايز اوصل قبل ميعاد الطيارة.
أيوة دا اللي هيجنني، معقول تسيب صهيب يدخل عمليات من غير ماتقابله، إلا إذا كان هنا موضوع كبير ويخص جاسر، صح ياجواد، جاسر عمل حاجة كبيرة في جنى علشان كدا كان منهار وانت اخدته ورحت تقنعها. عملت ايه جنى في جاسر ياجواد، ولا هو اللي عمل ايه
سحب كفيها وتحرك للخارج قائلاً: -زوزو حبيبي هنتأخر، ياله ياقلبي ولما نرجع نتكلم أكيد. توقفت تطالعه بذهول
-يعني إنت مخبي عليا حاجة.
اتجه ببصره لربى وعز قائلاً: -أنا قولتلك لما نرجع، تعالي نشوف عز بيدي ايه لروبي مخليها واقفة بالطريقة دي
عند عز وربى قبل قليل
وصلت إليه وجدته يخرج من منزله متجها إلى سيارته
-عز. توقف مستديرًا اليها، خطت بضعف حتى وصلت أمامه
-هتمشي من غير ماتودعني.
هناك حرب ضارية بين العشق والكبرياء
ولكن في باب القلب ينتصر العشق بلا هوان أو افتراء. رغم ماشعر به إلا أن
تجلت ابتسامة جميلة على محياه.
-عايزة الصراحة، تعلقت عيناها بعيناه منتظرة حديثه. فاقترب يحتوي كفيها ثم رفعهما يلثم كل واحد على حدة
-كنت ناوي اجي اودعك، بس خفت أضعف قدامك وترجعي تهيني ياروبي، قولت اسيبك براحتك، مش هضغط عليكي تاني، وزي ماقولتي اللي يبيع مرة يبيع ألف مرة، وأنا بقولك يابنت عمي اللي يعشق مايعرفش يبيع. اللي يعشق يموت علشان معشوقه، وانا عاشقك يابنت عمي، ولو كنت عملت حاجة أذتك فتأكدي كنت بتوجع آلاف المرات عنك.
أخرج مفتاح منزله ثم فتح كفيها
-لو وحشتك يبقى روحي بيتنا وادخلي اوضتنا وقتها هتحسي اني معاكي، دا لو وحشتك فعلا، أما لو مفرقش معاكي، المفتاح دا تديه لجنى ممكن تحب تيجي هنا واحنا مش موجودين وترجع ذكريتنا حتى لو بنظرة. وصل جواد إليهما يوزع نظراته بينهما ثم هتف.
-خلاص نتحرك ولا لسة فيه كلام هتقولوه. فتح عز باب السيارة واستقلها ناظرًا لرُبى: -لا ياعمو أنا قولت كل حاجة. تحركت مغادرة ودموعها تفرش طريقها حتى أصدرت شهقة مرتفعة تهرول للداخل
رمقه جواد بنظرة مشمئزة
-عملت ايه يازفت الطين انت مش الصبح كنت عامل عنترة بن شداد. ليه دلوقتي عاملي سبع البرمبة
لكزته غزل بعدما لمحت الحزن على وجهه فرسمت ابتسامة.
-هترجع انت وعز لنقاركم والطيارة تفوتنا، استدار جواد يطالعها برفعة حاجب
-شوف ازاي وأنا الوحش اللي كنت ناسي، انحنى يهمس لها
-تخليه يرجع البت من ورايا يازوزو، عاملة مصلحة اجتماعية وبتقربي كل سعيد بسعيدة، طيب فكري في المعدل ابنك اللي فرحان بعضلاته وعامل الحج متولي وبكرة يعمل جدول لمعجبينه، همس لنفسه
اصبر لما ارجعلك بس ياجاسر، وحياة امك ماانا عاتقك
دفعته لداخل السيارة
بتكلم نفسك. اتجننت!
دنى متهامسًا.
-لا وحياتك بفكر ازاي مراتي خططت ونفذت من غير ماترجعيلي
-هو انت محدش يعرف يخبي عليك حاجة. توقف حازم أمامه
-إحنا وراك ياجواد. مليكة برضو هتيجي معايا، جواد وتقى هيفضلوا هنا
اومأ جواد ثم أشار لعز
-سوق يابني. استدار عز يتعمق النظر بعينيه: -عمو حضرتك مخبي عليا حاجة، مش غريبة تبقى عايز تعمل جولة مع بابا وتاخدوني معاكم، ودلوقتي عمو حازم، صمت لبرهة يراجع الأحداث ثم رفع نظره متسائلًا
-بابا تعبان صح. هز رأسه.
-كدا فهمت ليه الدنيا دي كلها. قالها وحرك المقود يهمس لنفسه
-ازاي ماما تخبي عليا حاجة زي كدا، ازاي ياماما تقدري تخبي على ابنك. ربتت غزل على كتفه
-باباك كويس ياحبيبي متخفش هو هيعمل عملية بس.
كان ينظر للأمام بشرود ثم رفع هاتفه
-لازم جنى تعرف، مينفعش ماقولهاش
جذب جواد الهاتف من يديه وزمجر به غاضبا
-متبقاش مجنون، وسوق بدل ماانزلك
بمنزل حازم
كان يقوم بعمل تمارين شاقة، استمع لهاتفه. رفعه مجيبا.
-أيوة يافندم. على الجانب الآخر
-فيه مهمة ياحضرة الظابط، اتصل بابن خالك وانا مستنيكم بمكتبي
اومأ برأسه قائلاً: -حاضر يافندم. قام بمهاتفة جاسر لعدة مرات ولكنه لم يجيب، اتجه لمرحاضه وانعم نفسه بحمام دافئ، ثم تحرك متجها إلى منزل جاسر.
بمنزل جاسر. فتحت عيناها بإرهاق، وجدت نفسها مكبلة بجسديه، ظلت تطالعه لبعض الوقت، . اخذت أناملها ترسم بحنو ملامح وجهه التي تعشقها أغمضت عيناها مقتربة منه تسحب عطر أنفاسه الذي يختلط برائحة تبغه.
رفرفت بأهدابها تبتسم وتذكرت ماصار بينهما منذ فترة متناسية ماحكاه، لقد نفر عقلها بل قلبها حديثه، حبيبها لم يطعنها بتلك الطريقة، يعشقها وتعشقه، هذا مااقنعها به قلبها. انتهت بشغفها الممتع للنظر إليه بملامحه الرجولية، لم يكن هناك من سلب عقلها وقلبها سواه وحده. ملهما ومهلكها. دنت تضع كرزيتها لخاصته مغمضة العينين ولكن هنا ماافزعها عندما تخيلت مافعله مع غيرها. ابتعدت متنافرة من نفسها، حرب ضارية بقلب اصابه خذلان العشق حتى خرجت من أحضانه تلملم مشاعرها التي دعست بكل جبروت. هرولت للخارج متجهة لمرحاضها لتسكب فوقها مياه تزيل عنها اثار عشقه تبكي بمرار العلقم الذي ملأ جوفها، تضرب على صدرها لنبضها الخائن له. كيف تعشق من يعذبها، كيف تعشق من يستباح نبض قلبها هوت تحت المياة فاقدة الحركة والاحساس. تمنت لو يذهب كل ماصار.
خرجت ترتدي مأزر الحمام وجدته بالغرفة. اقترب منها يحاوط أكتافها
-قومتي من حضني ليه. رفعت عيناها المتورمة من البكاء وهدرت
-حضنك! جايلي من حضن واحدة تحضني، ياترى ريحة مين فينا معلقة معاك. هنا فاق الألم احتماله وهي تتخيله يفعل مع غيرها مثل مافعله معه. نيران متأججة بطعم الغيرة تحرقها بالكامل. مما جعلها تصرخ به كالمجنونة.
جايلي ليه ايه. عايز مني ايه، مش كفاية وجع فيا، كفااااااااااية. انا تعبت منك ومن الحب اللي بيخنقني كل لحظة، باقي ايه معملتوش معايا، خسرت كل حاجة. انا بقيت مسخ، مبقاش فيا حيل. روحلها وعيش معاها وسبني كفاية بقى
كان يطالعها بجمود يعلم أنه أخطأ كثيرا بحقها، ولكن قصرا وليس بيديه
اشتعلت حدقتيه كجمرات ملتهبة وهي تقوم بتحطيم كل ما يقابلها
-خاين كداب. انا ليه بحبك، ليه، ملعون ابو الحب اللي بالشكل دا.
وضعت كفيها على أذنها وأطبقت على جفنيها وتخيالاتها بحالتهما تصفع قلبها بقوة وتشعل نيران صدرها صرخت قائلة:
-مش عايزة اسمع حاجة ولا عايزة اشوفك
اقترب منها وحاول جذبها إلا أنها صرخت به
-ابعد عني متلمسنيش، انا خلاص مبقتش عايزة الحب دا. مااخدتش منه غير الوجع، مش عايزاه. هكرهك ياجاسر، هكرهك وهنساك كمان. مبقتش عايزاك، حتى لو مش هطلقني مبقاش يلزمني حبك. اطلع برة.
تراجع متحركا للخارج يصفع الباب خلفه. اتجه إلى مرحاضه متوقفا أمام المرآة ينظر لنفسه للحظات، ولم يشعر بنفسه وهو يقوم بتحطيم كل شيئا حتى فقد قدرته فهوى على. الأرضية
جلست لبعض الوقت ثم استمعت لطرقات على باب غرفتها
-جنى. اجابتها ورسمت ابتسامة على وجهها. اقتربت عاليا قائلة: -صاحية ولا نايمة. ابتلعت آلامها ورفعت كتفها تنظر لملابسها.
لا صاحية هغير هدومي وانزل. ذهب بصر عاليا لعنقها فابتعدت خجلة تردف: -آسفة لو كنت جيت في وقت مش مناسب معرفش انك يعني. لم تعلم لماذا اردفت بتلك الكلمات ورغم ذلك سحبت كفيها
-حبيبتي تيجي وقت ماتحبي دي اوضتي وجاس. بترت كلمتها ثم نهضت متجهة للداخل
هلبس واجيلك. تحركت عاليا للخارج.
-هستناكي تحت. ابدلت ملابسها بفستانًا رقيق من اللون الأخضر وحجاب وضعته تلفه على عنقها، هنا رأت اثاره بعنقها، اعتصر قلبها بأنين الألم وهي تتلمسه، لا تعلم تبكي ام تسعد.
كتمت صرخة مصعوقة جلست بصدرها وارتدت وشاحها ثم اتجهت للخارج
خرجت عاليا من الطبخ وبيدها ثلاث أكواب من النسكافيه
نظرت جنى للذي تحمله
-عاملة نسكافيه ليا وليكي ولحضرة الظابط، اكيد هينزل
ابتعدت بنظرها عن عاليا قائلة.
-جاسر مابيشربش نسكافيه، استمعت لدلوف سيارة بالخارج. اعدلت من وضعية حجابها وخرجت
ترجل جواد من السيارة ثم قام بالتصفير
-اوووه جميلة عيلة الألفي بتستقبلني بنفسها
رسمت ابتسامة واقتربت منه
-عامل إيه ياجواد، وعمتو وتقى وعمو حازم. تحرك معها للداخل ثم اومأ برأسه لعاليا
-ازيك أستاذة عاليا
-اهلا. قالتها وهي تنظر لجنى متسائلة
أشارت جنى عليه
-دا جواد اللي كلمتك عنه امبارح، هزت رأسها
-جواد ابن عمتك. ابتسم قائلا.
-لا انا اسمي بيجي بين ستات العيلة ليه، يارب يكون بالخير
اكيد طبعا بالخير ياجواد. قالها جاسر وهو متجها إليهم يرمق جنى بنظرات نارية
قهقه جواد يرفع كتفه بكبرياء
-أنا كدا أشعر بالغرور، هحتاج ايه تاني وجنى جايبة سيرتي لمرات ياسين يعني. حمحمت جنى
-اصل عاليا كانت بتسأل عن شجرة العيلة من اللوحة بتاعتي فقولتلها مش اكتر
أشار لجواد بالدخول متسائلًا: -ايه اللي فكرك بينا ياترى. رفع نظره لجنى وتحدث.
-والله يابن خالي اتصلت بيك كتير وحضرتك ماردتش، فكان لازم اجي، وكمان بالمرة اطمن على جنجون وأبلغها سلام روبي
جنى خلي منيرة تعمل قهوة وتجبها على المكتب. أمسك جواد كفيه
-اقعد بس مكتب ايه، هنشرب القهوة واطمن على جنى ونمشي عندنا شغل
سحب نفسًا طويلا عله يعبأ صدره الذي يشتعل بنيران الغيرة ثم زفره قائلا
-جنى اعمليلي قهوة. لكزه جواد
-ماتسكت يابني انت مش قولت لمنيرة خليها تقعد معايا شوية.
اتجهت للمقعد بجوار جاسر، استأذنت عاليا
-طيب بعد اذنكم هطلع اوضتي. اومأت جنى إليها فتحركت. غرز جواد نظراته بجنى متسائل
-عاملة ايه دلوقتي. بسط جواد كفيه إليها
-تعالي حبيبي جنبي هنا. وزعت نظرها بينه وبين جواد، فنهضت تجلس بجواره دون حديث. رفع ذراعه على أكتافها يضمها لأحضانه
-جنى. جواد بيسأل عاملة ايه مش عايزة تردي على جواد
فركت كفيها تحاول السيطرة على ارتعاشة جسدها تحت يديه.
-أنا كويسة ياجواد، ثم رفعت عيناها وتلاقت بعيناه الحزينة وتحدثت
-هعوز أكتر من كدا ايه.
نهض جواد من مكانه قائلا
-فرحتوني انكم اتصالحتم. جذب جاسر كفيها يخلل أنامله بأناملها ومازالت نظراته عليها
-منقدرش نزعل من بعض كتير ياجواد
ابتسم جواد ساخرًا
-اللي يسمعك الليلة إياها يقول هتقتلها وقتها. لا تعلم لماذا وضعت رأسها على كتفه.
-غلطان يابن عمتي مفيش حبيب بيقتل حبيبه. أغمض عيناه وهنا تمنى لو يختفي العالم من حوله ويحملها بين ذراعيه لتسكين روحه بروحه، امال برأسه وطبع قبلة على وجنتيها هامسً
- بحبك نهضت فزعة تنظر لجواد بخجل هروح أشوف عاليا. قالتها وتحركت سريعا، ابتسم على فعلتها ورغم ذلك حزن داخله فاستدار لجواد
-لو خلصت قهوتك نمشي
اومأ وتحركوا للخارج
بإحدى الأماكن الراقية.
كان يقف أمام المرآة يمشط خصلاته وينهي طلته المنمقة، نظر بساعته ثم حمل أشيائه وهبط للأسفل يشير للسائق يشير إليه بالتحرك
-هيا انطلق للمشفى، تحرك السائق متجها للوجهته، وصل بعد قليل، فترجل يعقوب من سيارته متجها للداخل حيث مكتبها، توقف يتحدث مع الممرضة
-أريد مقابلة دكتورة كارمن الألفي
طالعته بإنبهار للحظات، ونظرات الأعجاب تشمله، فتحدثت
-معاها كشف هتخلص وادخل حضرتك، بس حضرتك مريض ولا إيه.
لم يجيبها واتجه للمقعد يجلس عليه بغروره يضع ساقًا فوق الأخرة، حتى انتهى الكشف بعد دقائق، نهض يغلق حلته الكلاسيكية وتحرك متوجها إليها
توقفت الممرضة امامه
-استني حضرتك هقولها.
ابتعدي انا سأتولى الأمر بنفسي. حاولت توقفه ولكنه دلف ملقيا السلام
-Good evening كوكي
رفعت رأسها من فوق دفترها وهمست
-يعقوب. ابتسم متحركًا حتى توصل إليها
-كيف حالك عزيزتي كوكي
نهضت مبتعدة عنه بعدما وجدت قربه المهلك لروحها.
-الحمد لله. جذب المقعد وجلس بهيبته الخاطفة للقلوب قبل الأنظار وأشار لتبغه
-تسمحي لي جميلتي
نهضت بسرعة من مكانها بعدما وجدته يقوم بإشعالها، وآمالت تجذبها يديه تلقيها وتلقيها جذبها بساعديه حتى أصبحت فوق ساقيه، رفع خصلاتها يدنو من أذنها
-اشتقت لكِ ياجميلتي. حاولت دفعه
-يعقوب ايه اللي بتعمله دا. وسع كدا
انحنى يضع رأسه بعنقها
-استعدي زوجتي الجميلة. نهضت من فوق ساقيه
-زوجة مين انا مش موافقة يايعقوب.
نظر بساعة يديه
-امامكي عشرة دقائق زوجتي لم تتخيلين ماذا سأفعل بكي إذا لم تحكمين عقلك
هتعمل إيه يعني ياباشمهندس
توقف أمامها ومازالت ابتسامته على وجهه
-تبدين كثمرة تفاح جميلتي. سأنتظرك بالخارج. لا تتأخرين قالها وتحرك للخارج. نظرت لخروجه بذهولا
-ناوي على ايه يابن عمي. ظلت لدقائق ذهابا وإيابا حتى دلفت إليها الممرضة
-دكتورة ليه منعتي الكشوفات، وحولتيه للدكتور عمر
جزت على أسنانها تهمس اسمه
-يعقوب.
بالعريش وخاصة بإحدى فرق الجيش العسكرية كان يجلسون حول قائدهم يتلقون منه الأوامر العسكرية. انتهى اللقاء بعد فترة ثم تحرك الجميع للخارج.
تحرك إلى أن وصل لكريم وهوى على الأرضية بجواره
-بتعمل إيه يالا. تسطح بجواره قائلا
-كنت بكلم امي وابويا، امي تعبانة أوي من وقت جواز عاليا
تذكر تلك الشرسة فلاح ابتسامة ساخرة على وجهه
-قولها متخفش عليها. المفروض تخاف عليا انا، والله معرفش دي اختك ازاي دي جبروت.
قهقه كريم عليه فرفع كفيه يربت على ظهره
-دي عاليا ملاك يابني، والله اختي طيبة بس ابن الكلب دا اكيد وراه حوار
استدار ياسين متنهدا
-بعت وراه أجيب أصل الحكاية ياكريم، لازم اعرف الواد دا ايه حكايته
جلس يستمع إليه بإهتمام. تذكر ياسين شيئا
فلاش
خرج من مرحاضه يلف خصره بمنشفة، كانت تصعد لغرفتها بخروجه من المرحاض فتصادما حتى كادت أن تسقط لولا ذراعيه التي حاوطتها.
تلاقت النظرات بحوار مكنون بالقلوب بالألم لحظات لم يعلم أي منهما لما هي الذبذبات التي تقارعت بصدروهما. اعتدلت متراجعة للخلف
-ايه تور متاخدش بالك ماشي تدوس على خلق الله
جز على أسنانه واقترب منها، يجذبها من معصمها
-انتي يابت لسانك دا ايه، نفسي تلمي نفسك وأحس انك محترمة مرة واحدة
دفعته بيديها
-ابعد بتتلزق فيا كدا ليه.
لاحت ابتسامة على وجهه منعها من الظهور ثم دنى منها ولف ذراعيه على جسدها.
-اه بتلزق، ماهو لقيت حاجة رخيصة قدامي ليه ماتلزقش فيها
لكزته ببطنه
-ابعد ياحيوا. وضع كفيه على فمها هامسًا لها بفحيح
-اقسم بالله لو نطقتيها تاني لأعرفك الحيوان دا هيعمل ايه
قالها ودفعها بعيدا حتى كادت أن تسقط فأشار بسبباته
-اسمع قلة ادب منك تاني هتحولك حيوان ومفترس كمان
أشار على نفسه
-تحبي تجربي. هنا فاقت على جسده العاري فاستدارت سريعا تضع كفيها على عيونها.
-قليل ادب وحيو. صمت عندما استمعت لخطواته خلفها، حاولت الهروب من الغرفة إلا أنه احتجزها بذراعيه يلقيها على الفراش ويحاصرها بجسده يطالعها بغضب
-شكلك عايزة تشوفي الحيوان بجد. انسابت عبراتها تهز رأسها بعنف
-آسفة ياياسين والله ماهقولها تاني، اياك تقرب مني، ياسين لو سمحت ابعد ماينفعش احنا ماتفقناش على كدا.
كانت نظراته ترسمها. شفتيها المتحركة بانفعال وخديها الذي تورد ونيران حارقة تخرج منهما. تاه بجمال عيناها التي تشبه لون السماء. وآه من ثغرها المعقود الذي يشبه حبة الكريز، لم يشعر بنفسه وهناك ماأثر به وانحنى لثغرها لأول مرة ولكنها صرخت تدفعه بقوة. هب فزعا متجها للداخل يصفع الباب خلفه
فاق من شروده على حديث كريم.
-تصدقني لو قولتلك انا مش مصدق خالد وندمت اني جوزتهالك بالطريقة دي، نفسي اخدها في حضني واطبطب عليها
ربت على كتفه وتوقف قائلًا
-اختك وراها حوار ياكريم مش داخلي موضوع ابن عمها، فيه حاجة اكبر من كدا. بتر حديثهم استدعائهم
بمنزل جاسر
هروح أشوف عاليا، سلملي على تقى
توقف متجهًا إليها وابتسامة واسعة على محياه
-هجبها واجي في يوم كدا، ونخرج زي زمان. ابتسمت له قائلة.
-أكيد طبعا. دنى ولم يفصل بينهما سوى خطوة وانحنى بجسده لطول جسده ونظر بداخل مقلتيها
-لو جاسر زعلك أنا زي اخوكي ياجنى وعمر بابي مايتقفل في وشك. وآسف على الليلة إياها
طحن ضروسه ضاغطا على فكيه، ثم هب من مكانه، يسحب كفيها قائلا
-خليك هنا ياحنين هقول لمراتي حاجة تحرك متجها للداخل، دفعها بقوة
-ممكن أعرف ايه لزوم الضحك اللي برة دا، وازاي توقفي مع جواد
طالعته بصدمة فاقتربت منه تلكمه بصدره.
-ايه اللي بتقوله دا، انت اتجننت، ليك عين اصلا تتكلم، جذبت ياقة قميصه ورفعت نفسها تهمس له بجوار أذنه
-إحنا انتهينا ياخاين. قالتها وتحركت للخارج الا أنه جذبها بعنف يحجزها بالجدار
-اسمعيني لأخر مرة ياجنى مش هكرر كلامي. لكزها بإصبعه برأسها
-حطي دي في ودانك. انتي هتفضلي مراتي لأخر يوم في عمري. انحنى وطبق على ثغرها بقوة آلامتها ثم تراجع.
-متنسيش وعدك ياجنونة قلبي. من وعد أخلف دا في الدرك الأسفل ياحبيبة جاسر، يرضيكي ياجنجون اروح الجنة من غيرك واتجوز واحدة غيرك ياروحي
طالعته بأعين زائغة تهمس له
-إنت بتقول إيه. جاسر ابعد لو سمحت، اقترب اكثر حتى التصق بجسدها غامزا لها
-قصدك ابعد كدا ياروحي. ابتسمت على أفعاله الصبيانية فرفعت كفيها تجذبه من ياقته.
-إنت بتعمل كدا ليه ياروحي، الموضوع خلص، احنا نشوف عمو جواد هيحكم بإيه. لما أصر اني اخلعك ياحبيبي، شبت على أصابع قدمها قائلة
-ماهي مامتك عملتها قبل كدا ليه أنا معملهاش كمان. دنت من شفتيه
-هخلعك ياجاسر، سمعتني هخلعك.
توسعت عيناه من كلماتها وكأن كلماتها نزلت فوق رأسه كمطرقة ثقيلة اخترقت عظامه. فتراجع بجسده بعيدا عنها وبانفاسًا بدأت في التسارع يواليها ظهره. انتفض قلبها بألمًا على مظهره، ودت لو هرولت تختفي بأحضانه ولكن كيف بعدما فعل بها ما فعله. نظرت لكفيه الذي يكورهما بغضب يكاد أن يمزق أوردته. ظل دقائق يسحب انفاسًا ويطردها بهدوء.
-طلاق مش هطلق، ولو بنت صهيب اعملي اللي قولتي عليه، واعرفي من اللحظة دي انك كسرتي قلبي، واعمليها يابنت صهيب وشوفي هعمل فيكي ايه.
خروج من البيت مفيش، شغلك ممنوعة منه، وجهزي نفسك من بكرة هننقل بيت تاني، وهعرفك ازاي توقفي قدامي وتقولي هخلعك، حبيت اه، عشقتك اه، موت فيكي اه. بس عند رجولتي ادوس عليكي يابنت عمي، واطلع قلبي من صدري وادوس عليه، ورغم كدا برضو هتقعدي معايا حتى لو غصب عنك زي مابتحاولي تبيني كدا. مش عايزك تختلطي بجواد. ودا أمر
قالها توجه للخارج دون أن يستدير إليها.
تحركت خلفه ولكن توقفت متراجعة وعقلها يصفعها بقوة على ماقاله لها
بعد قليل وصل إلى مكان يتجمع به الخارجين عن القانون. انتشر بقواته حتى حاصرهم من جهة وجواد من جهة أخرى حتى تم الإمساك بالجميع
وصل لمركز الشرطة وولج لمكتب باسم بناءً على طلبه.
-حضرتك طلبتني يافندم. توقف باسم متجها إليه
-حمدالله على السلامة، ومبروك ياحبيبي. اومأ له قائلاً
-شكرا لحضرتك يافندم. آلامه قلبه من حديثه فاقترب يحتضنه من أكتافه.
-بقيت حضرتك ياجاسر، استدار متحركًا لمكتبه وجلس عليه يسحب نفسًا ثم تحدث: -باباك جالي وقالي على اللي حصل. رفع نظره لباسم
-الكلام مابقاش له أهمية، لو تسمحلي تعبان ولازم اروح لو مفيش أوامر تانية
أشار له بيديه للخروج بعدما علم أن الحديث حاليا لايجدي أهمية
استقل سيارته متجها للمشفى. ولج للداخل بعدما أذن له يونس
توقف يونس يستقبله
-مصدقتش لما قالت انك برة
ابتسم له يحيه.
-عامل ايه يادكتور. جلس يونس وأجابه: -الحمد لله. اخبار مدام جنى ايه دلوقتي، بقالها شهر مش كدا
أومأ برأسه ثم استند على مكتبه قائلاً
-يونس. اومأ منتظر حديثه
ايه رأيك في التحاليل والاشاعات اللي بعتها
تراجع يونس قائلاً: -مش هخبي عليك ياجاسر، لازم مرحلة علاج علشان الموضوع مايتكررش، بس دا مش معناه أنه مرض. إن شاءالله هكتبلها على علاج فترة وكله هيكون تمام.
نقر جاسر على المكتب فتسائل: -هو فيه دوا يوقف حمل بعد علاقة حصلت. ضيق يونس عيناه متسائلاً: -تقصد ايه؟
حمحم جاسر قائلاً: -عايز دوا يايونس يمنع حمل، يعني مثلا لو حصل علاقة ومأاخدتش مانع حمل، فهمت قصدي
هز رأسه متفاهمًا
-طبعا فهمت رأيك، بس دا مبيكونش تأكيد. ممكن تكون البويضة اتلقحت بالفعل، والعلاج يعمل تشوه.
قاطعه جاسر
-عايز حاجة تمنع دا. صمت يونس لفترة ثم أردف: -تمام. بس زي ما قولتلك ممكن متكونش ضامن.
مسح على وجهه يرجع خصلاته للخلف قائلاً
-شوفلي حاجة موثوق فيها الأول، ثم طالعه وأردف: -وعايز حاجة تمنع الحمل للأبد، يعني ماينفعش تحمل بعد كدا
ذهل يونس ينظر إليه بصدمة
-بتقول ايه. ليه؟
بمنزل جاسر
انتهت من إرتداء ثيابها واتجهت للأسفل. قابلتها عاليا
-إنتِ خارجة. اومأت لها قائلة: -مشوار نص ساعة وراجعة بإذن الله
سلام علشان متأخرش.
وصلت بعد قليل لمنزل فيروز. سحبت نفسا وصعدت للأعلى قابلها أحد الضباط
-حضرتك محتاجة حاجة يافندم
نظرت إليه متسائلة: -إنت مالك، أنا طالعة لشقة مدام فيروز. توقف أمامها قائلاً: -ممنوع يافندم. أشارت بسبباتها
-لو مامتحركش من قدامي هتصل بالشرطة، قول للي موقفك هنا أوامره متمشيش عليا. قالتها وتحركت للأعلى
رفع هاتفه وقام الاتصال بجواد.
كان يجلس بجوار صهيب بغرفة العناية، ينتظر إفاقته، تحرك للخارج بعدما استمع لرنين هاتفه
-أيوة يابني
-مدام جنى جت هنا ياباشا وطلعت لمدام فيروز
اتسعت حدقتيه يسب جاسر بداخله ثم أردف: -اطلع وراها متسبهاش لوحدها. قالها وأغلق: -حمار ياجاسر حمار. ياترى ناوية على ايه يابنت صهيب
بالأعلى فتحت فيروز تنظر إليها بصدمة. دفعتها جنى وولجت للداخل
-هتفضلي تبحلقي كدا، وسعي وبعدين اتصدمي بعدين.
تحركت فيروز خلفها وابتسامة ماكرة تجلت بملامحها قائلة: -شكل جسور قالك اللي حصل بينا، بس ياترى قالك كدا ندمان ولا خاف انك تعرفي مني مثلا
جلست تضع ساقًا فوق الأخرى تطالعها بإشمئزاز: -لا ياروحي قالي أنه ندمان وعايز يروح يحج علشان ربنا يسامحه على المصيبة اللي عاملها، ماهو اللي يتجوز شيطانة زيك لازم يحج سبع مرات يشيل ذنوبه
رغم كلماتها التي احرقتها إلا أنها ضحكت بصخب تصفع كفيها.
-مين اللي قالك كدا ياجنجون، مش يمكن هو كان عاجبه الموضوع وعمل حوار تأنيب ضمير مش اكتر. دنت تنحني لها هامسة: -قولتلك قبل كدا، جاسر دا ملكي انا وحبيبي أنا ومستحيل أتنازل عليه وهو كمان بيحن متقوليش لا. وتقنعي نفسك بكدا، . جلست تضع ساقًا فوق الأخرى مثلها بقميصها القصير حتى ظهر جسدها أمام جنى التي طالعتها مشمئزة وهتفت.
- جنجون انا وجاسر بينا كيميا حبيبتي متقدريش تفهميها. تراجعت واستأنفت وهي تغرز عيناها بمقليتها
-يعني زي ماانا محتاجه هو بيحتاجني ممكن ملقاش عندك اللي عندي، وخصوصا اللي زي جاسر دا أفهمه من نظرة عينيه. ولو بيحبك زي مابتوهمي نفسك مكنش بات في حضني امبارح وعيشني ليلة ألف وليلة كأنه كان محروم.
ارتعش داخلها من كلماتها التي شقت صدرها. نهضت من مكانها واقتربت منها ونظرات نارية ودت لو خرجت من عيناها لتحرقها فهتفت محذرة إياها
- أسمعيني ياسلطعون البحر، انا مجنونة وبشهادة أطباءمصر كلها هتقربي من جوزي هشربك سم فيران. وحياة جسورة عندي مستعدة اقت. لك ومخدش يوم واحد فيكي. اقتربت تلف خصلاتها حول معصمها وجذبتها تهمس لها.
-جاسر مش جوزي بس، دا كل حاجة حلوة ومرة في حياتي، فهو لو كان غلط واتجوزك، اهو صحح الغلط، أما تحاولي تقربي بقذارتك وتعملي شو هحرقك اقسم بالله أموتك ومايرفليش جفن. جذبتها من خصلاتها بقوة حتى صرخت فيروز. تتحرك بها ببهو الشقة، لتصل لغرفتها، دفعتها بقوة حينما توقفت تنظر لفراشها، وتخيلات تضرب عقلها لينشق قلبها ويدمي بصمت دون نزيف. نظرت فيروز لنظراتها وهتفت مستشفية للحزن الذي تجلى بملامحها.
-هنا امبارح كان معركة ياجنجون كان نفسي أصورهالك، بس مخبيش عليكي الحاجات دي اخدت عليها من جاسر
كتمت صرخاتها بداخلها ورسمت ابتسامة قائلة: -أيوة ماانا عارفة ياروحي، علشان كدا جاية احرق أي حاجة جوزي يلمسها بعيد عن حضني. لم تستوعب فيروز ماقالته سوى بعد خروج جنى لزجاجة من حقيبتها واقتربت من الفراش تسكبها صرخت فيروز متجهة إليها لكي تمنعها
أشارت لها.
هتقربي هدلوقها عليكي، وحياة جاسر عندي اقلبها عليكي وأولع فيكي ومتهزنيش شعرة. ابتسامة واسعة وأشارت على نفسها
-مش قولتلك مجنونة. سكبت الزجاجة بالكامل وهي تستمع لطرقات بالخارج.
-عارفة لو حاولتي تفتحي الباب هحبسك في الاوضة قبل ماتوصلي للباب. أخرجت القداحة وبدون تفكير ألقتها على الفراش حتى اشتعلت النيران بالفراش بالكامل، هنا انسابت عبراتها وهوت بمكانها ترتفع شهقاتها بخروج فيروز كالمجنونة لباب شقتها تفتحه ولكنها توقفت مستمرة عندما وجدته يقف بطوله المهيب أمامها
-فيه ايه مالك. أشار عليها.
-مش هتسيبك من القرف دا وتخرجي بقمصان النوم، استمع لطرقات على باب الغرفة فتسائل: -مين جوا، اشتم لرائحة الحريق
-ايه النار دي. أشارت تبكي وجسدها يرتجف
-جنى حبست الراجل اللي كان بيحرسني، ودخلت ولعت في الاوضة جوا.
-انعقد لسانه وانحشر الكلام بحلقه، ناهيك عن نفسه الذي انحبس بصدره ونبضاته تتسارع، وكأنه أصيب بجلطة شُلت أعضائه ولم يستطع التحرك. ارتجفت خلاياه بالكامل وعيناه على الغرفة التي ملأت بالدخان، تحرك بخطى متعثرة رغم خطاه الواسعة الا أنه شعر بطول المكان. تحرك للداخل وقف مصدوما وهو يراها تجلس بمنتصف النيران وعيناها تسكب الدمع بالدمع. هرول إليها يحملها ويخرج بها رفعت نظرها وعيناها الدامية إليه وهمست له.
- هنا دبحتني ياجاسر.
↚
وقف صلبًا متجمدًا بعدما اردفت جملتها، أغمضت عيناها ووضعت رأسها بصدره. تحرك بها بسيقان مرتعشة كادت أن تحمله، توقفت فيروز أمامه
-جاسر أنا ماليش دعوة، وصلت سيارة إلاطفاء. فتحرك دون أن يعري لحديثها إهتمامًا، وصل لسيارته ووضعها بهدوء يعقد حزام الامان حولها وعيناه تراقب عيناها الممتلئة بدموع الوجع
استدار للجهة الأخرى من باب السيارة استمع لصوت فيروز التي تهرول بحالة مزرية.
-جاسر هتسبني كدا وتمشي. حدجها بنظرة مشمئزة يشير لذاك الرجل
-اتولى أمرها يابني شوفلها حظيرة حيوانات ارميها فيها
جحظت عيناها تطالعه: بخذلان. اقتربت منه تجذب ذراعه
-والله ياجاسر، عايز تسبني وتمشي بعد مامراتك ولعت في شقتي
صفعة قوية على وجهها، ثم جذبها من خصلاتها يهمس بفحيح أفعى: -تعرفي أنا كرهت نفسي بسببك يافيروز، أحقر شخصية قابلتها بحياتي
دفعها بقوة كادت أن تسقط لولا ذراع الرجل الذي استندت عليه.
انسابت عبراتها وحدجته بنظرات متألمة قائلة: -ليه علشان انت حقي، حقيرة علشان عايزة حقي منك ياحضرة الظابط
أشارت بسبباتها وصاحت بغضب تطالع جنى بنظرات نارية
-إنت أحقر مني عارف ليه، علشان بدوس على الكل علشان نفسك وبس، شوية معايا وشوية معاها، اوعي تفكر انك ملاك، انت لو شخص كويس مكنتش دخلتها في صراع بينا، بس انت. صفعة قوية اسقطتها ارضًا، ثم انحنى يزمجرا بنبرة تحقيرية.
-عارفة أنتِ ماتساويش جذمتي، وانا قولتلك قبل كدا ماتخرجنيش عن تربية ابويا وخليني معاكي ابن ناس لكن انتي متستهليش
سحبها من خصلاتها يجرها ثم أوقفها وهي تصرخ حتى تجمع بعض المارة حوله، دفعها فسقط يركلها ببطنها
-إنتِ ايه غير إنك واحدة حقيرة، التقط أنفاسه بصعوبة يشير للرجل:
-البت دي خدها احبسها بتهمة الزنا، وانت اكيد شاهد على كدا
دفعها بقوة حتى خارت تبكي وتضرب على الأرض
-مش هسيبك ياجاسر، سمعتني والله ماهسيبك.
ارتدى نظارته واتجه بنظره لجنى ثم أشار إليها مشمئزًا
-ياريتها ولعت فيكي، كانت عملت معروف، لكن أنتِ ربنا رحمك للمرة المليون ياريت تحمديه على كدا
تحركت سريعا تمسك ساقيه
-جاسر متعملش كدا فيا افتكر لحظاتنا الحلوة مع بعض.
دفعها بساقيه. ثم استقل السيارة، جلس محاولا عن نوبة غضبه، يريد أن يحرق كل مايقابله، من صمت تلك التي كأنها غائبة عن الوعي، نهضت متجهة إلى جنى وضربت على باب سيارتها: -جوزك دا أحقر شخصية عارفة ليه، لانه لو فعلا بيحبك زي ما بتقولي مكنش جالي امبارح، وتلاقيه ألفلك قصة كعادته، واسأليه ليه رجع جه النهاردة مع أنه ميعرفش انك هنا، رمقته بنظرة انتصار قائلة: -علشان يعيد ليلة امبارح. ترجل من سيارته كالمجنون مرة أخرى متجهًا إليها يرفعها من عنقها يضغط عليه حتى كادت تلفظ أنفاسها الأخيرة.
توقف الرجل بينه وبينها محاولا خلاصها
-لو سمحت يافندم. مينفعش كدا، كل هذا والجميع يراقبون مايحدث بصمت
جذبها الرجل منه واتجه بها سريعًا للسيارة، توقف يلتقط أنفاسه بصعوبة، اتجه إلى جنى ومازالت غائبة عم يصير حولها
اتجه لسيارته يشير للتجمع
-ياله كل واحد يمشي من هنا
. قالها ثم استقل بجوار تلك الحاضرة الغائبة. امال إليها يدير وجهها إليه
-جنى! وضعت رأسها على نافذة السيارة ولم ترد عليه.
احتوى كفيها يجذبها ويحاوطها بذراع ويقود السيارة بالأخر
وضع رأسه فوق رأسها هامسًا
-عارف مهما اتكلم مش هقدر أدواي جروحك، بس لو دا ريحك خلاص أنا مش زعلان
أطبقت على جفنيها تستمع إلى حديثه وتعاظم الألم بداخلها فهتفت: -مين قالك انا عند فيروز؟
صمت لبعض اللحظات، ثم أجابها وعيناه تدقق النظر بمقلتيها
-محدش قالي؟
اعتدلت تطالعه وعيناها ترسل استفهامًا لوجوده
اتجه بنظره للخارج لا يعلم لماذا يحدث معه كل هذا.
-كنت عايزها علشان موضوع مهم
ابتعدت وابتسامة ساخرة تجلت بملامحها، هزت رأسها متمتمة: -أنا ليه بسأل اصلا؟
زفر بحنق ثم التفت إليها: -لو هتصدقي كلام فيروز يبقى أنتِ بتغلطي في حقي وبعدين
-ازاي تخرجي من البيت من غير ماتعرفيني
التزمت الصمت تنظر من نافذة السيارة، أغمضت عيناها بعدما فتحت نافذة السيارة تتلقى نسمات الهواء لتريح أعصابها.
تابع سيره دون الضغط عليها حتى وصل إلى منزله. ترجل مستديرًا إليها يبسط كفيه إليها
أزاحته بهدوء تبتعد عنه ثم هتفت: -انا همشي لوحدي، لازم أسند نفسي بنفسي مبقتش محتاجة حد
قالتها وتحركت متجهة للداخل. خطى إلى الحديقة يجلس أمام المسبح وقام بإشعال سيجاره، يدخن بشراسة كأنه يريد إحراق نفسه كإحراق رئتيه
ثم رفع هاتفه.
-فيه واحدة جاتلك النهاردة باسم فيروز الناجي، عايزك ترحب بيها اوي و هبعتلك دوا يتحط في اكلها وشربها.
توقف الآخر
-فيروز مين اوعي يكون اللي كانت مراتك
نفث تبغه بعدما سحب كم منه، ونظر للبعيد قائلاً: -إنت قولتها اللي كانت مراتي
-وياترى قضية حق وحقيقي ولا
-تفتكر يامعاذ هعمل حاجة كدا وكدا، المشكلة ان القضية جت بعد انتهاء الأدلة فهمني، البت دي اذتني اوي وعايزك توجب معاها
هز رأسه رافضا حديثه: -بس دا غلط ياجاسر، حياتنا الشخصية حاجة والقانون حاجة، بلاش نستخدم سلطتنا لمصالح شخصية.
مسح على وجهه بغضب كاد أن يقتلع جلده قائلاً: -بلاش تتكلم عليا في الحتة دي يامعاذ، لو زي ما بتقول كنت زماني خلصت منها من زمان
اومأ معاذ متفهما ولكنه تحدث مسترسل حديثه لإقناعه: -جاسر مهما حصل بدل مفيش إدانة حرام
-معاذ نفذ اللي قولتلك عليه، وتأكد دي خطوة متأخرة كان المفروض اتعملت من زمان
تنهد صديقه متسائلاً: -وياترى ياحضرة الظابط ايه هي القضية اللي ضميري يخليني اعمل كدا.
-زنا. قالها جاسر بكل برود، هب فزعا من مكانه
-أكيد بتهزر ياجاسر، لا لا مستحيل أعمل حاجة زي كدا، انا ليا اخوات بنات واللي ماردهوش على اخواتي مستحيل اقبله بدل انا ممسكتهاش متلبسة مستحيل سمعتني
تأفف جاسر بضجر: -إنت عبيط يابني. يعني هقولك اعمل كدا وانا مش متأكد. صمت للحظات وأردف: -بلاش اتكلم اكتر من كدا بس صدقني عمري ماادخل حد ظلم ابدا.
سحب نفسا وزفره متسائلاً: -وياترى مين الزاني اللي كان معاها ياحضرة الظابط ماهو بدل فيه زانية يبقى لازم، بتر حديثه عندما أردف: -أنا. صعق بحديثه وكأن هناك صاعقة صفعته بقوة حتى ارتد للخلف هامسًا إثر صدمته
-بتقول ايه اتجننت؟
-معاذ الموضوع مش زي ماانت متخيل، قص له ماصار
فجلس هاويا يوزع نظراته على الغرفة بذهول
-أكيد بتهزر، ايه دا. معقول!
ابتسم جاسر ساخرا من نفسه وحاله وأجابه: -المهم اعمل زي ما قولتلك.
-طيب فيه مشكلة ومقدرش اعملها
صمت جاسر عندما علم مايؤل إليه فأجابه بعد فترة: -اتصرف شوف حد من الولاد المتخصصة للقضايا دي. قالها وأغلق الهاتف
عند جنى
صعدت لغرفتها قابلتها عاليا وهي تحمل بعض الكتب متجهة للمكتبة التي توجد بغرفة مكتب جاسر
-جنى اتأخرتي ليه. صدمت من حالتها المزرية، عيناها الباكية وخصلاتها المتناثرة. سحبت كفيها تجلسها.
-هعملك ليمونادا. نهضت تهز رأسها رافضة: -لأ ياعاليا، أنا تعبانة هاخد شاور وانام
تصبحي على خير. اومأت عاليا دون حديث وعيناها تراقب صعودها، فجلست حزينة على حالتها. استمعت لرنين هاتفها، طالعته بنظرات متألمة ثم رفعته
-أيوة. على الجانب الآخر كان يقف بأحد الأماكن المرتفعة أعلى صخرة ثم تحدث مردفًا
-عاملة ايه؟
ارتجف جسدها من صوته الهادئ حتى سحبت نفسًا طويلا: - ياسين. اردفت بها بهدوء مما جعله يجلس منتظرًا حديثها بلهفة عاشق على غير حالته
-عايزة انزل شغلي. أنا كنت اشتغلت شهر قبل الجواز مترجمة في إحدى الدارات، ودلوقتي كلموني. لو سمحت بلاش تحرمني من شغلي ومستقبلي
وخاصة اننا مش دايمين مع بعض
لا يعلم لماذا اعترته نوبة خوف من حديثها، هل من حديثها عن فراقهما أم عن ثقته المهزوزة بها!
سحب نفسًا وزفره على مراحل قائلاً: -هشوف لما اجي لازم اشوف الشغل الأول وبعد كدا احكم
نهضت من مكانها وهدرت بغضب؛
-أولًا مالكش حق ترفض، احنا مش متجوزين حق وحقيقي، علشان تتحكم فيا كدا، واسمع انا هنزل الشغل واعمل اللي تعمله
صمت للحظات ثم تلفظ بشدقيه بغلظة
-اعمليها وشوفي هعمل فيكي ايه. قالها وأغلق الهاتف دون شيئا اخر.
دقائق وهو جالس بمكانه ينظر بشرود بنقطة وهمية ثم تحدث: -ياوليك مني لو اتأكدت من كلام الحقير ابن عمك
بألمانيا
بعد خروج صهيب من غرفة العمليات اتجه إلى غرفة العناية التي يحجز بها
جذب مقعد وجلس بجواره لبعض الدقائق يتذكر ماضيهما وصبيتهما، اقترب يمسد على خصلاته التي اختلط بها الشيب.
وبأمر مشدد من الأطباء كان يحجز بالعناية ويتدلى بصدره صمامات موصولة لارتفاع النبضات ويوضع على وجهه جهاز التنفس الصناعي، والكثير من الأجهزة التي توصل بجسده
تنهيدة طويلة متعبة ومهمومة بحالته، وضع كفيه على كف أخيه يحاوره بقلب مثقوب بالألم والحزن معًا:.
-زعلان منك أوي ياصهيب، ورغم زعلي مش قادر اعاتبك يابن ابويا وامي، انت مكنتش مجرد اخ بس، كنت توأم روحي اللي كان بيفهمني من نظرة عينيا. جواد هان عليك تعمل فيه كدا
انكمشت ملامحه بألم تبدل حزنه لابتسامة حنونة: -لكن دلوقتي خلاص مش زعلان، المهم تقوم بالسلامة وبعد كدا نتعاتب ونشوف اللي له حق عند التاني ياخده
بالخارج كانت تجلس بجوار نهى.
-يعني الدكتور مقلش جديد. تسائلت بها غزل تزيل عبراتها ثم رفعت نظرها إلى نهى تترجاها بعيناها
-قولي إن صهيب كان كويس قبل العملية يانهى. احتضنتها نهى تبكي بنشيج
-صهيب تعبان اوي ياغزل مبقاش عندي امل أنه يعيش كتير
اخرجتها غزل فزعة تطالعها بصدمة.
-اسكتي يانهى، ايه اللي بتقوليه دا، اتجننتي، صهيب هيقوم وهيرجع احسن من الأول، انا قلبي عمره ماخاني، صهيب مش مجرد صديق، لا كان صديق واخ واب وكل حاجة، لو قولتي كدا هزعل منك، والله العظيم هزعل منك. قالتها ونهضت تهرول للمرحاض
أما مليكة التي تجلس بأحضان حازم وتبكي بصمت. حاوطها حازم بذراعه.
-مليكة ممكن تبطلي عياط، مش معنى كلام الدكتور أنه خلاص هيموت، وبعدين بلاش تبيني قدامهم، جواد قالي مش عايز حد يعرف، غلطان
علشان قولتلك
اعتدلت تنظر إليه بعيناها الباكية
-ياحبيبي. يعني هو تعبان اوي ياحازم. نهض عندما وجد خروج جواد من غرفة العناية بعودة غزل
-جواد فيه جديد؟
هز رأسه متجهًا للمقعد عندما شعر بألمًا يشق صدره
حاوط غزل بذراعيه حينما وجد دموعها
-طيب بتعيطي ليه، اومال لو مش دكتورة، أشار بعينيه على نهى.
-إنتِ هنا علشان تقويها مش علشان تضعفيها، صهيب كويس وهيقوم إن شاءالله، دا اخويا وعارفه، مستحيل يسبنا. قاطع حديثهم وصول سيف وميرنا
-جواد! قالها متلهفًا، حتى استدار إليه بجسده. نهض جواد عندما وجد لهفته وخوفه الشديد
احتضن الإخوان بعضهما البعض
-اهدى اخوك كويس، كل الحكاية عايز
يدلع علينا. قالها بقلبًا منفطر يئن بالوجع على صديق روحه قبل أخيه
تحرك سيف جهة العناية.
-عايز اشوفه. اومأ له جواد ثم جلس يضع رأسه بين راحتيه
ربتت غزل على ظهره قائلة:
-جواد إنت كويس؟
اومأ دون حديث معتدلا ثم نصب عوده وتوقف مردفًا: -غزل هتمشى شوية ولو فيه جديد عرفيني، نهضت من مكانها تقف أمامه
-حبيبي إنت كويس مش كدا، وشك مخطوف ليه، جواد إنت مش مخبي عليا حاجة
لثم جبينها واستدار متحركًا دون حديث
بأحد الأماكن القريبة والهادئة كان يسجد لربه داعيا الله بسجدته.
اللهم اني استودعتك والدي فاحفظه ياأرحم الراحمين.
إلهي أذهب البأس ربّ النّاس، اشف وأنت الشّافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا، أذهب البأس ربّ النّاس، بيدك الشّفاء، لا كاشف له إلّا أنت يارب العالمين، اللهم إنّي أسألك من عظيم لطفك وكرمك وسترك الجميل، أن تشفيه وتمدّه بالصحّة والعافية، لا ملجأ ولا منجا منك إلّا إليك، إنّك على كلّ شيءٍ قدير.
انتهى بعد قليل من صلاته ممسكًا مصفحه الذي اهدته إياه زوجته، ذهب بذاكرته لذاك اليوم
فلاش
تحركت سريعا بعدما ودعها بعينيه. أدار المقود للتحرك ولكنه توقف عندما وجدها متجهة إليه مرة أخرى. ترجل من السيارة مستئذنا عمه واتجه إليها
توقفت أمامه وعيناها متأججة بالبكاء فبسطت يديها
دا مصحف صغير لما تبقى عاجز ومضايق يبقى اقرأ فيه
قالتها واستدارت تدلف للداخل. رفع المصحف وقبله ثم استنشق رائحته وهو مغمض العينين.
خرج من شروده على رنين هاتفه، امسكه وتحرك للخارج
-جنى!
عند جنى قبل قليل
ولجت لغرفتها وانتزعت ثيابها وعيناها تدفع الدمع بالدمع، وشهقاتها بالارتفاع، حتى شعرت بتوقف قلبها
هوت على الفراش تضع رأسها بالوسادة تمنع بكائها حتى لا تستمع إليها عاليا
دقائق ولم تستطع السيطرة على نوبة بكائها، حتى استمعت لخطواته ودلوفه للغرفة.
تحرك إليها بوجه شاحب عندما وجدها بتلك الحالة إلى أن وصل إليها ثم جلس بجوارها على الفراش. حاوطها بذراعه يجذبها لأحضانه فكلما يستمع لبكائها ينشطر فؤاده حاول الاستجماع
قائلا بثقل اللسان وكأن لسان شُل
-جنجونة قلبي مش كفاية بكى، حبيبتي بتوجعي قلبي والله ماقادر اتنفس ياعمري
رفع وجهها يحتويها بين راحتيه
-جنى إنتِ مش مصدقاني مش كدا:
رفعت كفيها الهزيل بسبب حالته تدفع يديه و تبتعد بنظراتها عنه.
-تعبانة وعايزة ارتاح لو سمحت، ممكن تمشي، هاخد شاور وانام، قوم روح اوضتك
لم يكن مصدومًا من حديثها فحرر نفسًا يزفره بقوة حتى لافح وجهها دقق النظر بمقلتيها: -جنى اللي حصل غصب عني، مش برضايا، مستحيل أعمل حاجة زي كدا
اعتدلت وازالت دموعها: -جاسر بتحبني أد ايه
ابحر بعيناه على وجهها الذي أصبح لوحة من الألم والحزن معا قائلا بنبرة شجية: -بحبك اكتر من روحي ياجنى، ولو عندك شك في كدا يبقى ماينفعش اقول حاجة تانية.
دنت تحتوي وجهه وتضع جبينها فوق جبينها واهتزاز جسدها بشهقاتها
-وأنا بحبك اكتر من روحي بس بتوجع اوي ياجاسر، حبنا وجع وبس، مبقتش قادرة اقاوم
لمست وجنتيه ومازالت على حالتها.
-طلقني ياجاسر مش هقدر اعيش معاك بالوجع دا، أنا موجوعة منك اوي، وانت كل مدى بتوجعني اوي طاقتي خلصت، فلو سمحت لازم نفترق، مش عايزين نوصل لمرحلة الكره، أنا ممكن اكرهك بعد عمايلك دي، بقولك ولاخر مرة طلقني يابن عمي، خليني اعرف اعيش انا معاك بقيت بموت، ولو مطلقتنيش ياجاسر هعمل زي ما قولتلك إنت مسبتليش حل تاني
تراجع يطالعها بصدمة، لا يعلم أي جرم ارتكبه ليعاقبه رب العالمين بهذا الوجع.
اغمض عيناه وشعر بأنه طائر بترت اجنحته، لا يعلم كيف عليه الهروب من قفصه، فتح عيناه وطالع صمتها الحزين
عايزة تطلقي بجد، وكلامك عن الخلع مكنش مجرد كلام بضيقيني بيه يعني
ممكن تعمليها، ممكن تكسريني بجد، إنتِ مش مصدقاني، مش واثقة في حبي
تراجعت مستندة على الفراش واردفت.
-جوازنا من الأول كان غلطة، وزي ما فيروز قالت انت حقها وانا ماليش حق فيك، خلاص لحد هنا وانتهينا لسة ناقص ايه علشان توجعني، مفيش اوجع من اللي عملته
نهض من مكانه متجها للمرحاض دون حديث، دقائق معدودة وخرج يرتدي لبس الحمام الخاص، متجها إلى غرفة الملابس، خرج قائلاً: -قومي غيري هدومك علشان ننام
رفعت رأسها للأعلى تنظر إليه مدهوشة
انحنى يجذبها من فوق الفراش، ثم نزع ثيابها وسحبها للمرحاض.
-خدي شاور دافي يروق اعصابك، أنا برة مستنيك ومتتأخريش إياكي تتأخري عايزين ننام. فاهمة كلامي
صدمة شلت جسدها تطالعه بذهول ثم اقتربت منه مضيفة عيناها
-تقصد ايه، انا بقولك مش. لم يدعها تكمل حديثها فأشار بسبباته محذرا
-كلمة كمان وهنسى انك حبيبتي صدقيني وقتها ماتلوميش غير نفسك اتفضلي خدي شاور وتعالي علشان ننام
استدار يشير للفراش.
-هتنامي معايا هنا وفي حضني هسمع كلمة طلاق تاني مش هرحمك سمعتيني ولا لا. انا مخنتكيش، انا كنت ضحية ومش فاكر حاجة
انعقد لسانها ولم يعد لديها طاقة للحديث، فاستدارت تخطو بضعف متجهة للمرحاض وعقلها يصفعها من هذا برب العالمين!
جلس على الفراش وانفاسه تتسارع يعلم مايفعله خطأ ولكن كفي لابد لها أن تخرج تلك المعوقات من رأسها
انهارت حصونه من حالتهما التي توصلا إليه. لمح دفترها المزين فجذبه فوجد مخطوطاتها.
ما بيننا اكبر بكثير من أن يكتب متمردا.
قاسيا
ووحدي الهالكه، بعشقك اللاذع لأوردتي
هنيئا لك ملهمي.
أجل فانك جنوني وشغفي
وعشقك ينازع روحي من أجل البقاء.
ابتلع غصة مسننة جرحت حلقه من كلماتها اللاذعة لقلبه، فألقى الدفتر واتجه للشرفة يشعل سيجاره يحرقها كنيران صدره الملتهبة. هامسًا لنفسه
-مستحيل أتنازل عنك ياجنى، عارفك مجروحة بس مش هسيبك لنفسك
بالداخل. نظرت لنفسها بالمرآة بعدما نزع ثيابها ولم يتبقى سوى ملابسها الداخلية. دقائق تطالع نفسها تبكي بصوت مرتجف حتى جفت دموعها.
نزعت باقي ثيابها بغضب تزيل عبراتها بعنف: -أنا مش هفضل ضعيفة كدا، لازم أفوق لازم اشوف حل
دلفت البانيو الذي يمتلئ بالمياه الدافئة
جلست تغمض عيناها تحاول أن تنسى هذا اليوم الذي ارهقها، تعيد ترتيب أفكارها، تحاول جاهدة أن تحد حلا لسوء الوضع الذي تدهور بينهما، تريد أن تخرج من قوقعته، نعم اردات فلتفعل. أطبقت على جفنيها متألمة كلما تذكرت ما ذكره وماحكته تلك الخبيثة
فتحت عيناها عندما استمعت لهمسه.
-ساعتين بتاخدي شاور، ايه محتاجة مساعدة، قالها وهو يحرك أنامله على ظهرها مما أصابها بقشعريرة لذيذة، توقفت اعضائها ولم تستطع إبعاده، حتى انحنى يقبل جيدها يهمس بأعذب الكلمات
انهارت حصونها وضعفت بحضرته، فأوقفها جاذبا مأزرها وهو يخبرها
-اتأخرتي ليه استنيتك كتير، وأنتِ عارفة إني عايزك، هنا فاقت من خضم أحاسيسها فهدرت به بغضب:
-ابعد عني، تعبانة وعايزة ارتاح.
ارهقه حزنها. جذبها بقوة لتصطدم بصدره هامسًا بصوت جعله متزنًا
-ألف سلامة عليكى من التعب، بس عايزك بردو. حاولت دفعه ولكنه سحبها وسط شهقاتها المرتفعة فتوقف بمنتصف الردهة يدفعها بقوة على الجدار حتى اصطدمت به ثم حاوطها بذراعه
-عايزة توصلي لأيه، صرخ بها حتى انتفضت لصراخه ترجوه بعيناها، ولكن كيف له أن يعفو بعدما طعنته بخنجر الغدر، كلما تذكر كلماتها هخلعك . انتي مراتي ومن حقي ووقت مااحتاجك تكوني جاهزة.
أطبقت على جفنيها وانسابت عبراتها قائلة: -بكرهك. كطير مكسور الجناح اقترب من ثغرها
-بس أنا بحبك وطول ماأنا بحبك هتفضلي هنا لو عايزة ترتاحي موتيني. اقتربت تقبله وتهتف من بين قبلاتها
-أنا مش عايشة علشان أموتك.
أحس بالدوار وكأنه تلقى ضربة قوية لتفقده اتزانه مع شحوب وجهه. دنت أكثر بعدما أصابت هدفها
وقامت بنزع مأزرها وأشارت على نفسها
-ودلوقتي أنا جاهزة. لم ترحمه واقتربت ترفع نفسها تهمس بجوار أذنه.
-شوفت دكتور التشريح وهو بيشرح الجثة، اهو انت معايا كدا كل مرة، أنا الجثة وانت دكتور التشريح. برودة اجتاحت جسده وهو يرجع بخطواته للخلف وهي تقترب منه
-ايه الجثة مش عجباك ولا خايف منها
نهاية الفلاش
خرج من شروده على رنين هاتفه
-أيوة يابابا
زمجر جواد غاضبًا: -هتفضل لحد إمتى متهور ومابتفكرش، قولتلك متقولش لجنى وحضرتك زي الاهبل رحت قولتلها.
-بابا. سحب نفسا وتحدث بصوت مرتفع بعض الشئ.
-اسمعني كويس ياجاسر، جنى دلوقتي في حالة خطرة، ممكن تأذي نفسها ومحدش حاسس بيها، دي لسة تحت العلاج، انت مجنون يابني، فين مخك ياحضرة الظابط مش ممكن فين عقلك.
-بابا ممكن تسمعني
سحب جواد نفسًا متنهدًا بألمًا منتظر حديثه: -مكنتش هقدر ابص في عينيها وانا بخدعها، مش هقدر اخدها في حضني وانا مخبي عليها حاجة كبيرة زي دي.
أطلق جواد صوتًا اعتراضيا خرج من بين شفتيه: -وياترى تقبلت ياحضرة الظابط، الموضوع صعب يابني، هو مجرد كلمتين وخلاص، ادهالي اكلمها
نظر من باب سيارته على وأجابه: -أنا برة. توقف جواد متصنما يتمتم مذهولا
-برة! إزاي مش فاهم، سايب مراتك في حالتها دي وبرة
ارجع فورا ياحضرة الظابط ولا اقولك خليك برة لحد ما ترجع تلاقيها موتت نفسها
قالها جواد وأغلق الهاتف، يضغط عليه حتى كاد أن يهشمه بكفيه.
عند جنى بعد خروجه هوت على الفراش بالبورنس تتذكر حديثهما، أطبقت على جفنيها تحاول أن تلملم مشاعرها التي بدأت تضعف مرة أخرى على خروجه بتلك الحالة
نهضت تجذب هاتفها وتهاتف أخيها
-عز!
جنى عاملة ايه؟ تحركت لغرفة الملابس لتحضر منامة لنومها ظنا أنه لم يعد إليها مرة أخرى بعدما فعله
-أنا كويسة، بقولك عايزة تكلملي يعقوب هنزل الشغل من بكرة مكانك وانت خليك في مجموعة الألفي انا زهقت من القعدة.
صمت عز حتى لايريب لديها امره، فتحدث بعد لحظات من الصمت
-حاضر. انتي عاملة ايه وجاسر
-كويسين، بابا رجع من السفر ولا لسة
ملس على خصلاته وابتلع حزنه بداخله حتى لايقلقها قائلاً: -هيرجع قريب، انا سافرتله اغير جو حبيبتي، ومعايا شوية شغل مع عمو سيف في تركيا، يعني اسبوع وارجع
توقفت عما كانت تفعله.
-مسافر! سافرت ياعز من غير ما تقولي، طب ليه، مش انت سامحتني ولا لسة زعلان زي بابا، انزلقت عبرة واختتق صوتها فتحدثت بنبرة يملؤها الشجن: -بابا وحشني اوي، مستعدة اجي ابوس جذمته بس يسامحني، انا محتاجة لحضنه اوي ياعز.
آه حارقة منع خروجها من دموعها وآلامها التي غرزت بصدره، فرغم ماشعر به، مسح دموعه وابتسم قائلاً: -بابا مايقدرش يزعل منك ياجنجون كتير، يومين وهتلاقيه بيكلمك ياحبيبتي، خدي بالك من نفسك، انا سبتلك المفتاح مع روبي لو حبيتي تروحي بيت بابا
هزت رأسها سعيدة وكأن كلمته البسيطة انستها أحزانها فهتفت كطفلة تتلقى قالب حلوى.
-الصبح هروح هناك علشان ريحة بابا وماما وحشوني اوي. شكرا يازيزو. اختك بتحبك اد الدنيا دي كلها
ابتسم بدموع، يضع كفيه على فمه حتى يمنع شهقته، أردف: -وعز بيعشق جنته اد الكرة الارضية، قالها وأغلق هاتفه سريعا ينظر بدموع الحزن على ماأصابهم
بحي الألفي.
جلست تقى بجوار ربى يشاهدون صورهم جميعا، كانت تقلب الصور بقلبًا ينتفض اشتياقًا لتجميع العائلة من جديد. توقفت على صورة تجمع فتيات العائلة بزفاف غنى، هناك من السعادة التي حفرت بالقلوب قبل الشفاة، هناك أخرى وهي تحتضن جاسر ويقبل وجنتيها، وأخرى وعز يحملها ويدور بها، وأخرى وهي تحتضن جنى والسعادة تلمع عيناهما
انسابت دموعها تنظر إلى تقى.
-فين دا كله ياتقى، شوفي بقينا فين، أشارت على عز واردفت: -بقى اغرب راجل عني. ثم تلمست صورة جاسر واردفت: -بقى بينا بحار ومحيطات، توقفت على صورة جنى وانسابت عبراتها بكثرة تتمتم: -وشوفي توأم روحي اللي كنت بقول مستحيل نتفارق، بقينا منعرفش عن بعض حاجة
قطع حديثهم طرقات على باب الغرفة
دلفت الخادمة
-الاستاذ جواد تحت يادكتورة وبيقول عايز تقى وكمان عايز حضرتك.
أزالت عبراتها واردفت: -قومي ياتقى انزلي لاخوكي. ثم اتجهت بنظرها للخادمة
-قوليله تعبانة وهنام.
انحنت تقى تلثم وجنتيها
-نامي يامامي كويس علشان تجبلنا البيبي كويس. ابتسمت ربى وهزت رأسها بإبتسامتها الجميلة.
بقسم الشرطة
ولج للداخل متجها إلى غرفة صديقه
-ابعت هاتها يامعاذ
توقف معاذ متجهًا إليه ثم صمت لبعض اللحظات وهتف: -خرجتها ياجاسر. طالعه بصدمة مذهولا
-بتقول ايه؟
ابتلع معاذ ريقه واجابه: -جواد باشا أمر بكدا، ومكنش ينفع احبسها
جز على شفتيه السفلية كاد أن يمزقها
-بابا! كور قبضته يعض عليها محاولا السيطرة على غضبه، ثم استدار متجهًا للخارج توقف معاذ أمامه
-جاسر رايح فين!
تحرك ولم يعريه إهتمام.
وصل إلى المنزل الذي كانت تقطن به، ولكنه لم يجدها، نظر لأثار الحريق التي ملأت المكان، فتحرك للداخل يبحث عن أي شيئا ربما يصل لشيئا يطفأ نيرانه الداخلية، ولكن كأنه يبحث عن ماءًا أصبح سراب بصحراء جافية
اتجه للخارج بخطى متعثرة وجسده يتثاقل بالألم، وصل بعد قليل إلى منزله. صعد لغرفتهما، وجدها تعدل من وضعية الفراش، توقف لدى الباب ونظراته تعانقها بندمًا. خطى إلى أن جلس على الفراش يواليها ظهره.
توقفت عما تفعله وتحدثت بنبرة جيليدية: -اوضتك مش هنا ياحضرة الظابط.
اغمض عيناه ولم يتبقى لديه طاقة لمواجهتها، فرد جسده بثيابه وحذائه على الفراش قائلاً: -اطفي النور عايز أنام. تحركت إليه كالمجنونة ثم توقفت أمامه
-هتطلع من الاوضة ولا اطلع انا. جذبها بقوة حتى سقطت فوقه، ولف ذراعيه على جسدها.
-كلام كتير مش ناقص، دماغي وجعاني وعايز أنام، هتتنيلي تخلعي الروب اللي أنتِ لابساه دا وتيجي تنامي جنبي من غير ماأسمع صوتك، سمعتي ولا لأ
هزة عنيفة أصابت جسدها بقشعريرة من أنفاسه القريبة ناهيك عن جذبه لرأسها ليقرب ثغرها من خاصته يهمس لها بعيونًا تلقيها بعتابًا.
-اخرك معايا موتي، فخليكي شطورة ونامي بدل مااتجنن عليكي. قالها ثم رفع ذراعه الآخر يرجع خصلاتها التي انسابت حول وجهها ويجمعها على جنبًا مقتربًا من حناياها إلا أنها لكمته بصدره تعتدل ولكنه دفعها لتسقط على الفراش يحاوطها بذراعه.
-أنا بحاول اكون هادي معاكي لكن بتتغابي وأنا ماليش خلق، قولتي اللي عندك وأنا قولت اللي عندي، هتفضلي كدا لحد اخر يوم في عمري. دنى منها يداعب أنفها كأنه لم يفعل شيئا، هامسًا بأنفاسه الحارة
-وحشتيني ياجنون، وحشتيني بجد جسور ماوحشكيش
دفعته بقوة حتى سقط على الفراش ونهضت سريعا تشير بسبباتها وتصرخ
-اسمعني كويس علشان كدا انتهت واتقفلت خلاص، انت مبقتش تهمني، عارف ليه لانك
خاين، وكذاب أشارت بيديها على الباب.
-اطلع برة من اوضتي واياك تقرب مني تاني، علشان ماتخلنيش اقرف منك أكتر من كدا. برة
صرخت بها كالمجنونة. تدفعه بكل ما يقابلها
-بكرهك ياجاسر، بكرهك. بررررة
اقترب منها ولم يهتم بالأشياء التي تلقيها عليه، خطى إليها بسرعة يجذبها بقوة من ذراعيها
-اسمعيني كويس ياجنى، لو انتي مجنونة فأنا أجن منك، ومتفكريش لما تعملي كدا هسمع كلامك، جذب خصلاتها يلفها حول كفيه يقربها منه يهمس بجوار أذنها.
-تليفون مني وأخليكي طول عمرك في مستشفى المجانين، والدليل بتاع النهاردة وتوليعك في شقة فيروز، فبلاش تخليني وحش، طلاق اسمعه منك تاني هكرهك فيا بجد، ودلوقتي تخلعي البتاع دا وتنامي زي الشاطرة هدخل اخد شاور لو خرجت ولقيتك كدا هجننك الجنان الصح.
برودة اجتاحت جسدها تنظر إليه مذهولة حتى شعرت بإنسحاب أنفاسها فتراجعت تهز رأسها بدموع عيناها قائلة: -بكرهك. بكرهك، قالتها واستدارت متجهة لغرفة الملابس تصفع بابها خلفها وارتفعت شهقاتها
تعالت أنفاسه وانشق صدره لما صار، تمنى لو تزهق روحه لرب العالمين، اليوم نعتته بالكره، يالله ماهذا الألم الذي يشق صدري، حقا لفظتها، حقًا استطاعت نبذها لي وكرهها، كلا جنى
تحرك متجها إليها.
-جنى افتحي الباب. دفع الباب بقدمه بقوة حتى أفزعها، ففتحت الباب وجدها بدلت ثيابها لبيجامة أكثر احتشامًا مسحت دموعها، وتحركت للخارج توقف أمامها معتذرًا
-جنى أنا. دفعته بقوة اكتسبتها من غضبها، وتحركت دون حديث متجهة للخارج
وقف ينظر لخروجها بشرود. اتجهت لغرفة أخرى وقامت بإغلاقها، دلفت للداخل وبدأت تثور ذهابًا وايابًا.
-أنا تعمل فيا كدا ياجاسر، انا غبية بس ملحوقة يابن عمي. وحياة حبي لأقهرك زي ماقهرتني، قالتها وهي تزيل عبراتها بعنف تصرخ لنفسها
-كفاية بقى، ايه هتفضلي كدا، دا واحد خاين كان لازم تعرفي من أول ماباعك
هوت على الفراش تعض ندما على أناملها تهاونها معه، ظلت لساعات طويلة جالسة بمكانها دون رد حتى غفت بمكانها
مرت عدة أسابيع وظل الحال كما هو عليه بينهما سوى من ذهاب عاليا لحي الألفي وتبقت لوحدها.
استمعت لصوت سيارته، فخرجت من المطبخ متجهة للأعلى حتى لا تقابله، ولكنه دلف بخروجها. توقف يطالعها بإشتياق، هرولت من أمامه الأعلى حينما وجدته متجها إليها. دلفت تغلق الباب خلفها وتوقفت خلفه، تضع كفيها على صدرها تهمس
-لسة بدقله، أغمضت عيناها وخانها قلبها بالأشتياق إليه تمنت ولو تلقته بأحضانها، تمنت لو استنشقت رائحة عطرة الغائبة الحاضرة، اشتاقت حد الجنون. استمعت لطرقات الباب.
-جنى افتحي الباب. ازدادت ضربات قلبها بعنف حتى كادت أن تتوقف، لحظات مميتة وهو يتحدث بالخارج
-جنى افتحي الباب وحشتيني، ايه رأيك نروح حي الألفي، مش انتي كنتي عايزة تروحي، هوت خلف الباب وانشقت وجنتيها بعبراتها، نبرة صوته اذهبت عقلها وضعفت قلبها، وضعت كفيها على فمها تمنع بكائها. حينما أردف
-جنجون. جاسر ماوحشكيش ياروحي، أنتِ وحشتيني.
لم يحرك لها ساكن وظلت كما هي، حتى استدار وتحرك لغرفته.
استندت على باب الغرفة تغمض عيناها، ظلت فترة من الوقت ثم اعتدلت متجهة لغرفة رسمها
بحي الألفي
تجمع أوس وربى وياسمينا وياسين مع عاليا على طاولة الغداء
رفع أوس عيناه لياسين
-هترجع امتى ياياسو!
اتجه بنظره لعاليا قائلاً: -عندي اسبوع هنا وأسبوع في الإسماعيلية
اومأ له متسائلًا: -شوفت جاسر. وضع الشوكة والسكين ثم تراجع
-بيدور على فيروز زي المجنون، متعرفش ليه عايز يوصلها
قطب أوس مابين حاحبيه متعجبًا
-فيروز تاني!
ألقى المحرمة بعنف وتحدث بفظاظة
-جاسر مش هيسكت غير لما يموت أبوه
مط ياسين شفتيه ثم قام بتقطيع اللحم قائلاً: -شكلها المرة دي عاملة مصيبة كبيرة
ابتسم أوس ساخرًا
-على أساس أنها مكنتش بتعمل مصايب، اتجه بنظره لياسمينا
-ياسمينا بكرة خدي روبي وروحوا زوزو جنى اطمنوا عليها، انا مبكلمش الأتنين
قاطعته ربى
-مش ملاحظ ياأوس انك مكبر الموضوع، كل مرة بقولهم اعذار انك مش فاضي تفتكر جاسر مش هيعرف
نهض أوس ينظر بساعته.
-فيه اجتماع بعد ساعة وبما إن عز لسة هيرجع بكرة فأنا ويعقوب هنحضره، وانت ياياسين بكرة افضى شوية لازم كلنا نحضر مجلس الإدارة بغياب بابا وعمو صهيب
نهضت عاليا توزع نظراتها عليهم
-بعد إذنكم أنا شبعت هطلع اوضتي. أمسكت روبي كفيها
-استني نقعد شوية في الجنينة، من وقت مارجعتي وأنتِ قافلة على نفسك
ابتسمت لها تومأ برأسها
-خلاص تمام. هروح أعمل قهوة للجميع. قالتها وتحركت للداخل.
-عرفت تختار ياياسين اردفت بها ربى. قاطعتها ياسمينا
-فعلا. عمو جواد كان قلقان لتكون زي فيروز بس الحمد لله.
ابتسامة ساخرة بداخله وهو يحدث حاله: -عملتلكم غسيل دماغ. هز رأسه ينظر بشرود للامام ثم نهض متحركًا متجهًا إليها. دلف للمطبخ يشير للخادمات بالخروج. ثم تحرك إليها كانت تواليه ظهرها تسبح بخيالاتها تفكر بشيئا، مما جعلها لم تشعر بسكب القهوة، رفعت الإناء من فوق النار سريعا ولم تراعي سخونته، حتى ألقته تصرخ تنفخ بكفيها، استدار للثلاجة يحضر منها الثلج متجهًا إليها. سحب كفيها بعنف.
-بتفكري في ايه مخلي عقلك مش فيكي. احتضن كفيها وعيناه تفترس ملامحها. ارتجفت من ملامسة كفيها، نزعت كفيها تدفعه بغضب
-ابعد عني. قالتها واستدارت تضعها تحت المياه، تحرك إليها يضع الثلج بقوة أمامها حتى تقاطرت المياه على وجهها مردفًا
-خسارة في واحدة زيك. المفروض أحرقها مش ادويها، يارب تتحرقي كلك على بعضك
تحرك للأعلى دون حديث آخر. جحظت عيناها تنظر لخروجه متمتمة بذهول
-الكائن دا هيدخلني مشفى المجانين.
بعد فترة صعدت إلى الغرفة. استمعت لصوت المياة بالمرحاض. تنهدت بألم كفيها تنفخ بها، ثم جلست على الفراش وقامت بفتح الكريمات تضعها موضع الحرق
ذهبت ببصرها لسلاحه الموضوع على الكومودو. ابتسمت تغلق أنبوبة الكريم ثم اتجهت إليه تمسكه قائلة: -الله دا مسدس حق وحقيقي، بدأت تكتشفه وتوجه على الحائط كأنها تتدرب عليه.
أمسكته وبدأت تتلاعب به
خرج يجفف خصلاته وجدها تتلاعب بسلاحه، ألقى المنشفة.
-ارمي اللي في ايدك ياماما دي مش مصاصة
وجهته عليه وابتسمت بخبث
-عارفة بيعمل كدا. قالتها وضغطت على زناده فخرجت طلقته متجه الى الحائط لتخترقه، بجوار وقوفه، هبت تضع كفيها على أذنها تصرخ
-أنا قتلته قتلته. هرول أوس المتجه لغرفته. أما ذاك الذي تسمر بوقوفه يطالعها بصدمة مع طرقات على بابه. هرولت إلى الباب تصرخ
وهي تردد قتلته، قتلت اخوك
ضيق أوس عيناه ينظر لياسين مستفهما عن ماحدث.
-ارتفعت ضحكات ياسين وهو يلطم كفيه ببعضهما، يشير إليها
-اعمل ايه متجوز واحدة مجنونة. سحب أوس كم من الهواء يزفره بقوة يسبه بداخله
-إنت بتضحك يالا. انا قولت ايه اللي حصل يامتخلف. رمق عاليا بنظرة ساخطة
-ياريتك قتلتيه. قالها وتحرك للخارج
توسعت عيناها تنظر إليه بصدمة
-إنت لسة عايش. خطى إليها بخطى سلحفية، تراجعت للخلف
تهز رأسها
-هتعمل ايه، استنى بس هفهمك.
حاوط جسدها بينه وبين الحائط، وانحنى يهمس لها بهسيس: -عارفة لو عملتيها تاني هعملك فيكي ايه يابلقيس، اهتز جسدها من قربه
تضع كفيها على صدره تبعده
-ياسين وسع لو سمحت، متفقناش على كدا. غرز عيناه ببحر عيناها
-وأنا اتفقت معاكي على ايه ياست بلقيس
رفعت سبباتها تشير إليه ساخطة
-احترم نفسك مين بلقيس دي، انحنى يلافحها بأنفاسه متمتم بهمس خشن
- دي ملكة مملكة سبأ، عرفاها.
دفعته بقوة غاضبة بعدما فهمت مايقصده. تراجع بجسده يقهقه عليها ثم استدار يغمز لها
-هروح اخد شاور يابلقيس، واتوضا تاني شكل وضوئي ضاع
ضربت أقدامها بالأرض
-بارد ودمك تقيل
بإحدى القصور العصرية. نهضت من مكانها تبحث عن قطتها
-شيري. ظلت تتحرك إلى أن خرجت من غرفتها واتجهت تبحث بارجاء القصر. قابلتها الخادمة، اوقفتها متسائلة: -شوفتي القطة بتاعي، كان هنا
قاطع سؤالها يعقوب
- اعدي الطعام لسيدتك
اومأت الخادمة.
-تحت امرك ياباشا. قالتها الخادمة وتحركت. اقتربت منه وعيناه تفترس ملامحها الجميلة، لأول مرة يراها بثيابها المنزلية التي تتكون من بنطال فوق الركبة، وكنزة بحمالا رفيعة باللون الاحمر لتظهر بياض بشرتها باستفاضة، ناهيك عن خصلاتها الشقراء المموجة وعيناها التي تشبه موج البحر.
-فين قطي يايعقوب. خرج من رسمها بزرقته واقترب.
وبروده المعتاد أشار عليها هو يرمقها بهدوء مستفز
-ذهب. لم يعد لديه مكانا بيننا
جحظت عيناها تطالعه بصدمةثم ألقت مابجوفها دفعة واحدة
- انت اللي مالكش مكان جنبي، واتفضل رجعني
توقف يضع كفوفه بجيب بنطاله وخطى إليها بخطوات متمهله ونظراته تحاصرها
-تريثي عزيزتي، فلدينا متسع من الوقت لأكون بجانبك، وليس بجانبكي فقط، إنما بأحضانكي اتمتع بترياق عشقك وروعة جسدك.
تسمر جسدها وكأن اعضائها توقفت عن العمل. ولم تشعر به حينما حاوطها بذراعه يجذبها بقوة لصدره
-اهدئي ولا تخفي فعيناكي تلقي تعويذة عشقكي حتى لو تصنعتي التدلل، ارجعي لصبيتك عزيزتي واعلمي أنكي بين احضان يعقوبك
ابتلعت لعابها بصعوبة عندما اخترقت رائحته رئتيها، ولفحت أنفاسه عنقها، وزلزت كلماتها كيانه، نزعت نفسها من بين ذراعيه.
-يعقوب انت قولت هتديني وقت، ابعد، وزي ما قولتلك، مفيش جواز غير لما عمو جواد يكون موجود. قالتها واستدارت سريعا حتى لافح شعرها وجهه، فتوقف مغمض العينين وابتسامة عاشقة تزين ملامحه، مرددًا
-سأنتظر جميلتي، سأنتظر حتى ينفذ الصبر من ضلوعي
بعد اسبوع عاد جواد بصحبة صهيب والبقية، تحرك متجها لمنزل ابنه.
ولج للداخل. هرولت إليه، توقفت على بُعد خطوات منه تطالعه بإشتياق يضرب بعنف قلبها، كأنه حبيبها وليس ابيها، نعم تراه ابيها الروحي الذي تعتبره أكبر مكسب بدنياها بعد والدها واخيها. توقف يطالعها بصمت يرى نظراتها الضائعة النادمة. طأطأت رأسها للأسفل مبتلعة غصتها
-أهلا ياعمو، نورت البيت. فتح ذراعيه إليها قائلا: -وحشتي عمو ياجنجون. رفعت نظرها وتلاشى جسدها حتى شعرت بأنها ستفقد وعيها حينما فتح ذراعيه.
فهرولت تلقي نفسها بأحضانه وتبكي بشهقات مرتفعة تردد من بين بكائها
-وحشتني اوي ياعمو، أوي
احتوى وجهها يطبع قبلة أعلى رأسها
-عاملة إيه حبيبة عمو
ابتسمت من بين بكائها
-كويسة الحمدلله، ودلوقتي أحسن بكتير
سحب كفيها متجهًا بها إلى الأريكة، دقائق وخرجت الخادمة بعصيره
وضع الكوب وعيناه تحاصره ثم تسائل
-عاملة إيه مع جاسر؟
ابتسمت وأجابته: -الحمد لله كويسين، صمتت متسائلة
-بابا وحشني أوي مش ناوي يرجع.
احتضن كفيها يربت عليهما
-بابا رجع النهاردة، يومين ولا حاجة يبقى روحي زوريه
نظرت إليه بسعادة
-بجد! يعني هو هيرضى
هيرضى حبيبتي، ابدأي إنتِ بس.
جنى كنت عايز اتكلم معاكي في حاجة
تطلعت إليه تنتظر حديثه
قص لها ماصار بتلك الليلة، فركت كفيها تبتعد بنظرها
-أنا وجاسر كويسين متقلقش.
استمع الى هاتفه فأجاب
-سيادة العقيد باسم انضرب بالنار يافندم. هب فزعًا من مكانه، متجهًا للخارج، هرولت للخارج خلفه.
-عمو فيه ايه، جاسر كويس. استدار إليها: -جاسر كويس حبيبتي، أشار على دخوله بسيارته، فاتجه جواد إليه، صعدت إلى غرفتها مع مشروبها، ولجت للداخل وتنهيدات بأنفاسًا ناعمة
نهضت متحركة تجلس بشرفتها مع موسيقاها المفضلة تتذكر حديث جواد عن مافعلته فيروز. ابتسامة تجلت على محياها هامسة لنفسها
أعلمك الأدب شوية ياجسور، وبعد كدا أشوف هعمل ايه
توقفت بالشرفة تتدندن مع أم كلثوم، وترتشف قهوتها بهدوء.
استمعت لخطواته خلفها، استدارت برأسها ثم رجعت مرة أخرى تنظر أمامها وتستمع لأغنيتها، أغلق الاسطوانة واقترب منها
-ليه مقولتيش لبابا لما سألك
احتضنت كوبها ومازالت تنظر أمامها، وضع كفيه على كتفها
-جنى. بكلمك
ارتشفت قهوتها ثم وضعت الكوب على الطاولة
-هو أنا قبل كدا كنت اشتكيتك علشان دلوقتي اشتيكك.
لفت الفنجان بأناملها تنظر له ثم رفعت نظرها إليه: -جاسر إنت قبل ماتكون جوزي وقبل ماتكون حبيبي فأنت ابن عمي، مهما نعمل في بعض، بس فيه اللي يربطنا اقوى من أي حاجة. ابتسمت على ذكريات. دُفنت مع مرور الزمن ثم أردفت: -مينفعش اشتكي من قلبي الا إذا كان قلبي تعبان، فلو تعبان بيروح للدكتور علشان يتعالج، وللأسف يابن عمي انت قلبي ومينفعش اتعالج منك. هيكون عيب في حق الحب اللي كان بينا، بلاش نظلم اللي بيحبوا ياجاسر، خلي الحب برئ، انا ممكن يكون غلطت قبل كدا، بس اتعاقبت، والعقاب كان قاسي اوي، سواء منك أو من ربنا، ودلوقتي انت غلطت واكيد هتتعاقب، حررت انفاسًا على دفعات.
الوقت اللي هروح اشكيك فيه ياجاسر، اعرف وقتها إن مبقاش ليك قيمة عندي.
اقترب منها يحتضن كفيها
-حتى بعد اللي عملته فيكي. ابتسامة حزينة شقت ثغرها
-حتى بعد اللي عملناه في بعض. قالتها وتوقفت
-أنا تعبانة وعندي شغل الصبح، اتفقت مع عمو جواد اعمل شغل خاص بيا، وهنزل يوم مع عز. بعرفك علشان مترجعش تقول ماقولتش ليه، تصبح على خير. تحركت متجهة للخارج فأوقفها
-جنى. استدارت منتظرة حديثه، ابتلع ريقه.
-هنفضل بعيد عن بعض لحد إمتى، احنا كدا في حكم المطلقين، هنفضل كدا
أدمعت عيناها مردفة: -لحد ماأخد حقي كويس يابن عمي، لازم اكون مرتاحة، متنساش أنا اتخنت مهما كانت حالتك بس اتخنت
جذب ذراعها بعنف: -ليه مُصرة على الجنان دا، ليه مش عايزة تديني فرصة أخيرة وتنسي اللي حصل. قالها وهو يجذبها لأحضانه:
جنى أنا مسامحك في اللي عملتيه، مش قادر على بعدك. رفع ذقنها يتعمق بالنظر بعيناها.
بحبك ومش قادر أعيش من غيرك، أغمضت عيناها تنعم بهمساته، ولكنها فاقت من خضم أحاسيسها المختلطة بالحب والوجع ثم دفعته بقوة اذهلته تمسح شفتيها من اقترابه
-ابعد عني ياجاسر، بدل ماأموت نفسي واريحك وعلى فكرة انت مابقتش تعنيلي، قالتها وتحركت من الغرفة سريعا
باليوم التالي
خرجت من غرفتها متجهة للأسفل
توقف أمامها
-عندي شغل وهسافر اسكندرية لمدة يومين، طبعا عارفة قصدي ايه.
تحركت للأسفل دون أن تعري إهتمام لحديثه. استمعت لرنين هاتفها
-روبي حبيبي عاملة ايه وحشتيني
اعتدلت روبي على فراش المشفى
-جنى أنا هولد بالليل. توقفت على الدرج وارتجف جسدها، حتى شعرت بأن سيقانها لم تعد تحملانها، فجلست بجسدًا خاوي ورغم ماشعرت به إلا أنها ابتسمت: -ربنا معاكي ياروحي، ويقومك بالسلامة، هبقى عمتو. توقفت عن الحديث ثم هتفت
-عز يعرف ياروبي. انخرطت بالبكاء تضع كفيها على أحشائها.
-أنا خايفة، بابا وماما معايا برة، قولت لازم اكلمك
ابتسمت من بين آلامها وتحدثت
-هكلملك عز، بس إياكي تعمليلي رضوى الشربيني يادكتورة، هزعل منك وحياة ربنا، هو عنده اجتماع دلوقتي كان مكلمني من نص ساعة، وصدقيني لو عرف هتلاقيه عندك دلوقتي
أزالت رُبى عبراتها وأردفت: -خليه يجي ياجنى، مش هدخل العمليات لحد مايجي، لازم يكون معايا. أطلقت جنى ضحكة حزينة.
-والله ياروبي عايزة اضربك على بتعمليه دا، واسكتي انا هعيط يامتخلفة. ابتسمت ربى بوجع، فتسائلت من بين أوجاعها: -فين حبيبي ياجنى عايزة أكلمه. أرجعت جنى خصلاتها للخلف تتنهد بحزن
-عرفيه علشان يكون معاكي هو كمان، متزعليش مني مش هقدر أكون موجودة، بلاش الكل هيكون موجود، بس أكيد هجي ازورك علشان ازور حبيب عمتو.
كان يقف خلفها يستمع لحديثها بقلبًا منفطر، اقترب ثم حمحم، نهضت سريعا متجهة للأسفل تصيح على الخادمة.
-منيرة. وصلت العاملة إليها
-نعم يامدام.
-اعمليلي جهزي الفطار للبيه، واعمليلي كابتشينو وهاتيه الجنينة.
تحركت للخارج امسك رسغها
-رايحة فين.؟
نظرت أمامها: -رايحة الجنينة ولا دي ممنوعة.
-اه ممنوعة. استدارت ترفع عيناها المتألمة إليه
-طيب ياريت تعرفني حدودي علشان ماتخطهاش ياحضرة الظابط
ضغط على ذراعيها بقوة آلامتها قائلا
-مالكيش حدود عندي غير أوضة نومك وقلبي وبس
تنهيدة عميقة تأكل ضلوعها، ثم رفعت عيناها مقتربة منه، تطالعه لبرهة.
-حاضر ياحضرة الظابط، فيه أوامر تانية، هطلع اوضتي واقفل على نفسي، ومش هخرج غير لما ربنا ياخد روحي، بدل دا هيريحك
بقلب مهشم وأعين ماتت بها الحياة، اقترب يجذبها من خصرها بقوة وارتدى قناع البرود
-مفكرة لما تدعي على نفسك هتصعبي عليا، وأسامحك واخدك في حضني
فاق الألم حدود الوصف، فاقتربت مثله حتى اختلطت أنفاسهما.
-لأ ياحضرة الظابط مش محتاجة اصعب عليك، يمكن تصحى مرة تلاقيني مت مثلا، فبتالي مش مستنية اصعب على حد. قالتها وتحركت سريعا وعبراتها تدفق عبر وجنتيها لأول تشعر بقهرها منه. كور قبضته، وابتلع جمراته الحارقة من كلماتها ثم صعد إليها. دفع الباب وتحرك للداخل
وجدها تجلس تنظر بشرود
احتضن كفيها ثم رفعهما يلثمهما قائلا
-آسف، نفسي تسامحيني أوي حبيبي
-جاسر عايزة ارجع حي الألفي، مبقتش
عايزة افضل معاك.
اعتدل بعدما وجد عنادها فأردف دون جدال
-لا. اللي عايزك يجيلك. نهضت من مكانها
-أنا هروح اقعد هناك لو حسيت نفسي مش مرتاحة هرجع
بلاش تفكرني غبي ياجنى، مكانك معايا
توقفت واقتربت منه
-بس مش عايزة افضل هنا، هتمشيني ولا اعمل حاجة تزعلك
وريني أخرك ياست المهندسة قالها وتحرك للخارج أوقفته الخادمة، فاستدار
-الفطار جاهز ياباشا
ارتدى نظارته.
-طلعيه للمدام وخلي بالك منها كويس، فيه واحدة هتوصل النهاردة اسمها حنان، دي هتكون للمدام بس. أشار بسبباته
-عينك على المدام لحد ماتيجي مرافقتها إياكي تغيب عنك
هزت رأسها بالموافقة. فتحرك مغادرا
بعد عدة ساعات، هبطت للأسفل بعدما أخبرتها العاملة
-فيه واحدة اسمها حنان تحت البية جايبها مرافقة لحضرتك
ضيقت عيناها مرددة.
-مرافقة ليه إن شاءالله. أشارت لها بالخروج، ثم أمسكت هاتفها: -يعني ايه مرافقة دي، شايفني طفلة ولا عجوزة ومحتاجة مرافقة
مسح على خصلاته، يرجعها للخلف قائلًا
-او يمكن مجنونة وممكن تأذي نفسها
-تكرم يابن عمي. قالتها وأغلقت الهاتف ثم ألقته بقوة حتى تهشم
تراجعت بجسدها على الفراش تحتضن نفسها داعية الله بسريرتها.
-يارب انزع حبه من قلبي. قالتها مطبقة الجفنين وعبراتها تهبط بصمت. أزالت عبراتها بقوة ونهضت من مكانها، ثم اتجهت إلى مرحاضها، خرجت بعد دقائق معدودة ثم اتجهت إلى مرحاضها
ارتدت فستانا باللون البنفسجي، وحجابا باللون الأبيض، ووضعت بعض من اللمسات التجميلية الخفيفة. دلفت مرافقتها مع منيرة
-مدام جنى دي حنان، حضرتك اتأخرتي فحضرة الظابط قالي اطلعهالك
ابتسمت لها وحيتها
-اهلا بيكي حبيبتي، شكلك صغيرة.
اجابتها حنان: -اه لسة آخر سنة في كلية فنون جميلة
واو فنون جميلة، دي عشقي، قسم ايه
-ابتسمت حنان واقتربت منها بعد خروج منيرة
-قسم نحت. نظرت لأنعكاس صورتها بالمرآة
-بس أنا شغالة جنب الجامعة يعني وكدا. توقفت جنى أمامها
-ربنا يوفقك، لو احتجتي حاجة عرفيني، ووقت ماتكوني فاضية تعلميني فن النحت
-ياخبر أبيض. اكيد دا انا ليا الشرف اكيد
تحركت للأسفل وخلفها حنان متسائلة.
-حضرتك خارجة، أصل منيرة فهمتني أن حضرتك مبتخرجيش غير يومين بس
توقفت على الدرج واستدارت إليها
-انا نازلة اشتري شوية حاجات، بتحبي الشوبينج
صمتت حنان ثم تحدثت: -معنديش وقت اساسا للشوبينح. ربتت على كتفها
-من النهاردة هنعمل كل يوم شوبينج ايه رأيك
صممت تطالعها بإبتسامة لطيفة حتى تركتها جنى متجهة للأسفل
-منيرة. خرجت منيرة تنظر إليها بأستغراب
-مدام جنى حضرتك خارجة ولا إيه. أشارت لها
-هاتي تليفونك، تليفوني اتكسر.
أخرجت هاتفها قائلة
-فيه تليفون في المكتب يامدام. جذبت الهاتف ثم أشارت لها
-خدي حنان خليها تفطر، واعمليلي قهوة
-طيب اعملك حاجة تاكليها، حضرتك مفطرتيش. تحركت للخارج قائلة: -اعملي اللي بقولك عليه وبطلي رغي يامنيرة. دلفت غرفة مكتبه
-عاليا اجهزي هعدي عليكي، عايزة اعمل شوبينج، وحضرة الطاووس عاملي خايف عليا وجايب مرافقة
قهقهت عاليا عليها وهي تضع الأطباق على طاولة الطعام.
-عسلية ياجنجون وانتي بتقولي حضرة الطاووس، والله له حق يموت فيكي يااميرة
جلست على المقعد. وبشق الأنفس استطاعت أن تتحكم في دموعها ثم أجابتها
-وأنا بعشقه ياعاليا، وبدعي له في كل صلاة ربنا ينزع حبه من قلبي
-ليه بس حبيبتي، مش قولنا هنرجعه راكع ايه اللي حصل تاني
سحبت نفسًا عندما شعرت بإنسحاب أنفاسها
-بعدين ياعاليا. اجهزي علشان شوية ونتقابل. هو ياسين عندك.
قهقهت عاليا: -طفشته ياجنجون، فرحانة فيه اوي والله. ابتسمت جنى قائلة
-مجنونة والله يابنتي ابن عمي له الجنة. هقفل بقى سلام
عند جاسر بمكتبه يضع بعض الصور المتعلقة بالقضية أمامه
-جاسر الواد دا خطر اوي، وأيده طايلة
رجع بجسده للخلف: -بس طبعا مش طايلة زي الشرطة. يعني إيه تسائل بها معاذ
توقف متجها لمبرد المياه وجلب كوب يرتشفه ثم اتجه لصديقه: -لازم نوقع الشلة دي في بعض، ولو واحد وقع هنوصل للي عايزينه.
نهض معاذ، وتسائل
-برضو مش فاهم. جلس يشعل سيجاره وهتف: -يعني احنا عارفين ميعاد تسليم الشحنة، وطبعا هنقبس عليهم ونقول لواحد منهم بعد مانطفشه هو اللي بلغ، بالتالي مش هيسكتوا في حين حد يكون مراقب
هز رأسه قائلا
-برافو ياحضرة الظابط. بتر حديثه متسائلا
-العقيد باسم عامل ايه النهاردة. جمع جاسر أوراقه يضع على مكتبه بتريبها المنسق ثم أجابها
-هيروح النهاردة إن شاءالله. الحمد لله الطلقة ماأصابتش الأعضاء الحيوية.
-الحمد لله تمتم بها معاذ، ثم تحدث: -يادوب هبعت للراحل بتاعنا ونشوف هنتحرك إمتى.
بعد عدة أيام
دفع الباب وولج إليها وغضبه الضاري يريد إحراق مايقابله
-انتِ كلمتي بابا علشان تروحي حي الألفي. نظرت للأسفل تومئ له
-عايزة اشوف بابا وكمان ابن اخويا مش من حقي. اصابه الجنون فاقترب يضغط على فكيها بقوة آلامتها
-لو ناوية على حاجة صدقيني مش هرحمك سمعتيني، جذبها بقوة حتى ارتطدمت بصدره.
-طلاق دا موتي ياجنى، حطيها حلقة في ودنك، اعرفي يوم طلاقك هتاخدي شهادة وفاتي معاكي. ضغط على خصرها بغضب والغيرة تعمي بصره وبصيرته، فكأنها تحولت لنيران تحرق أحشائه، فدنى يقبلها ويرتوي من شهد رحيقها الذي اُمتنع عنه أكثر من شهًرا
ظل يسبح بعسل ريحقها الذي مهما اقتنص منه لم يصل لنهايته، فيالها من روح تعذب بعذاب الحبيب، فصل قبلته يمرر أنامله على شفتيها بعنف.
-قدرك قدري يابنت عمي، خليكي متأكدة من كدة، اجهزي علشان عز وجواد تحت، إياكي تقربي منه
كانت تستمع إلى كلماته التي كانت كالجمرات تلهم صدرها، من هذا بحق السماء. تحرك للأسفل وكأنه يتحرك فوق نيران غضبه، فكلما تذكر اتصال والده يصابه الجنون
قامت بتغير ثيابها لفستان من اللون الأبيض يزركش بالورود الوردية، وحجابًا بنفس اللون، نظرت لنفسها بالمرآة وابتسامة خبيثة تجلت على ملامحها.
-غيران ياجسور، طيب والله لأخلي الغيرة تولع فيك، اصبر ياجاسر، أمسكت أحمر الشفاه اللامع ووضعته فأصبحت ملفتة بطريقة تزهل العقول
هبطت الدرج بخطواتها الأنثوية الهادئة كان يجلس يواليها ظهره ولكن لخطواتها إيقاع موسيقي على قلبه
توقفت أمامهم
-مساء الخير. توقف عز يضم إخته
-جنجون حبيبة قلبي وحشتيني. اختفت في أحضان أخيها
زيزو وحشتني
نهض جواد مهللا: -اخيرا جنجون هتنور حي الألفي. استدارت إليه بإبتسامتها الجميلة.
-ميرسي ياجواد. قالتها وهي تطالع ذاك الجالس الذي يبتعد بنظراته متصنع البرود. امسك عز كفيها
-يالة حبيبتي واعملي حسابك هتباتي النهاردة معانا
-ياريت. قالتها سريعا، هنا رفع نظره اليها، وزع نظراته بعشوائية مجنونة على جسدها من فستانها لحاجبها لذاك الروج الذي أطاح كل صبره، فهب من مكانه. يسحبها من كفيه
-عز روح مفيش خروج بكرة هجبها انا
توقف عز يطالعه بصدمة.
-إنت بتقول إيه يابني، تحرك بها للأعلى يدفعها بقوة للداخل. اقترب منها ونيران غضبه تعميه
-ايه اللي إنتِ لابساه دا، وايه الروج دا
دنى بخطوات مميتة
-تمام يامدام أنتِ اللي جبتيه لنفسك قالها وهو يقوم بنزع قميصه يلقيه بعنف ونظراته تخترق وجهها الذي شحب وجسدها المرتجف
تحدثت بشفتين مرتجفتين
-جاسر. اوعى اللي بتفكر فيه، لم يدعها تكمل حديثها فاقترب منها.
-ليه المدام مش مراتي، المدام اللي مانعة نفسها عن جوزها أكتر من شهر
هزت رأسها تطالعه بذهول
-جاسر ابعد لو سمحت. متعملش كدا، جذبها يحاوطها بذراعه
-ليه ياجنجون أنتِ مش عايزاني، لمس ثغرها بخاصته مغمض العينين وهمس بصوت سحب قواها بالكامل
-جاسر مش وحشك ياجنى، مش حرام تموتيني كدا. تعمق النظر بعينها التي اغروقت بالدموع لصعفها بقربه، ومازال على حالته.
-خلاص كرهتي جاسر ومبقتيش عايزاه. انسابت عبراتها وارتجفت شفتيها ولم تعلم بماذا تجيبه. عانقها متناسيًا كل شيئا صار بينهما. تلاشت قواها بحضرته كعادتها ولكنها هبت فزعة تدفعه وتحركت للمرحاض
كور قبضته محاولا السيطرة على أعصابه حتى لا يثور عليها
باليوم التالي
ولج إليه سريعا متسائلًا: -ايه ياراكان عرفت مكانها
أشار له بالجلوس
-كانت في بور سعيد، وان شاءالله خلال ساعات هتكون في القاهرة
جلس يرجع خصلاته للخلف بعنف.
-البت دي لازم أوصلها قبل مابابا يوصلها
طالعه راكان مستفهما: -ليه ياجاسر عملت ايه، هو مش انت بعدت عنها وبعدين ايه اللي رجعها
توقف يجمع اشيائه
-هعرف اوصلها وهجبها بنت المجرمين دي، توقف راكان يناديه
-استنى يابني، قولت كلمتين ومشيت
-ابعد عنها احسنلك بدل بعدت مادورش وراها. استنى بس هنشوف دي لوح بيديه: -بكرة هجيلك لازم نخلص من الموضوع التاني.
بحي الألفي وخاصة بجناح ياسين
علي أغنية ياحلو صبح ياحلو طُل.
كانت تدندن مع الأغنيةوهي تجمع خصلاتها بوشاح قصيرًا، وتعقده كالفيونكة، حقًا جميلة كطائر بلبل يغرد فوق الأشجار
استيقظ على صوتها الكرواني الذي اخترق مسامعه. اعتدل يرجع خصلاته للخلف ويهندم ثيابه من أثر النوم متجهًا للخارج. توقف على باب المطبخ يراقب حيويتها وهي تدندن. ابتسامة تجلت بمعالم وجهه فظل واقفًا لبعض الوقت. وضعت كفيها تشهق بصدمة بعدما احترق البيض تردد.
-دلوقتي هيصحى ملك الهكسوس ويقولي. ياريتك قليلة ادب بس لا وفاشلة كمان. يخربيت تقل دمه، نفسي احطله سم فران وارتاح منه
خطى بهدوء ومعالم الغضب تجلت بملامحه بعدما استمع لحديثها. انحنى يهمس بجوار أذنها
-أنا ملك الهكسوس يابقليس
هبت فزعة تسمي الله تضع كفيها على صدرها
- سلامًا قولا. لم يدعها تكمل فوضع اصبعه على شفتيها واقترب ينظر لبحر عيناها.
-بصي يابلقيس، لسانك هيطول هقصهولك، خليكي عاقلة علشان نعرف نعيش الكام شهر دول بسلام
دفعت كفيه وأشارت مزمجرة مع تساقط عبراتها ولا تعلم لماذا
-بص يااسمك ايه، انا اقول واعمل اللي عايزاه، ومحدش له حاجة عندي، ولو مفكر انك هتذلني كل شوية بجوازك مني فأنا اصلا مش معترفة بيك زوج ياحبيبي.
ألقت مابشدقيها بانفاسها المتسارعة، تطالعه بصمت تنظر ما سيفعله، ولكنها ذهلت مما فعله عندما استدار يمسك البيض المحروق يأكل منه قائلا
-حلو طعمه مش بطال كفاية انك تعبتي وكسرتي البيض اهو على ادك. ، متنسيش الكمون علشان بيفتح النفس. قالها واستدار متجهًا للمرحاض وهو يدندن
-ياحلو صبح ياحلو طل. توقف لدى الباب يغمزلها بعينيه
-هو الحلو صبح ولا أنا مااخدتش بالي
توسعت عيناها متجمدة. فابتسم وتحرك مما جعلها تتمتم.
-مين دا. معقول دا اللي اسمه ايه اللي متجوازه. عضت على أصابعها
-الراجل دا مش مظبوط شكله بيرتب لحاجة. ولا يكون عجبه البت بتاعة امبارح، انا ازاي نسيت صح. تحركت اليه غاضبة ودفعت باب المرحاض تصرخ به
-إنت ازاي تحضن البت امبارح قدام الكل، لا وعاملي محترم وعقد الدنيا كلها طلعتها عاليا وانت بتعمل نمر قدام الكل، ليه ياحلو
توقف ينظر لدخولها بصدمة بعدما نزع ثيابه، لحظات لم تستوعب ما فعلته حتى تحمحم قائلا.
-اطلعي برة ياعاليا. عيب عليكي تشوفي الحاجات دي
توسعت عيناها كاتساع مابين السموات والأرض تصرخ تضع كفيها على عيناها
-قليل الادب، انا كنت عارفة انك مش محترم
تأفف بضجر على تلك المجنونة، دفعها للخارج: -ربنا يعوض عليا عوض الصابرين. خرجت منتفضة الجسد حتى وصلت للفراش بساقين مرتعشة هوت ساقطة على الفراش ورعشة بسائر جسدها. تضع كفيها على وجنتيها.
-ايه اللي حصل دا، معقول، دخلت عليه من غير هدوم ياهبلك ياعاليا. استمعت لرنين هاتفها برقم غير مسجل. فتحت الخط وأجابت
-أيوة
لولو حبيبتي وحشاني ياعمري ايه ياروحي اتأخرتي عليا ليه، مفكرة لما تغيري رقمك مش هوصلك يالولو
هبت من مكانها فزعا تتمتم اسمه
-خالد! بخروج ياسين من المرحاض
توقف متجمدا عندما استمع لأسمه يردد من فمها
بمنزل صهيب
فتح عيناه وجدها تجلس بجواره تحتضن كفيه وعبراتها تنساب بصمت.
-حبيبي يابابا، كدا برضو تتعب ومتقوليش
-جنى. أردف بها بتقطع. نهضت تحتضنه وتبكي بشهقات مرتفعة
-الف سلامة عليك ياحبيبي ياريتني انا، رفع كفيه بتثاقل يضعه على خصلاتها
-وحشتي بابا ياروح بابا. دفنت رأسها بصدره بعيدا عن جرحه
-وانت ياحبيبي وحشتني اوي
اعتدلت بعدما استمعت لحديث جاسر بالخارج
-تمام جهز القوة وانا عشر دقايق واكون عندك. أشار إليها
-نادي عليه عايزه قبل مايمشي. هزت رأسها وخرجت إليه.
-كلم بابا عايزك، نظر بساعة يديه قائلاً
-اجهزي علشان نتحرك، لازم اوصلك قبل ما اروح شغلي
أمسكت ذراعيه تترجاه
-سبني هنا الليلة. هز رأسه بالرفض
-قولت اجهزي، تحرك متجها للداخل
صهيوب قالولي عايزني
أشار بعينيه له بالجلوس
- جنى حزينة ليه يابن جواد
قطب جبينه متسائلًا: -مالها جنى ماهي كويسة، تلاقيها زعلانة بس علشانك، احنا كويسين ياصهيوب، نهض ينظر بساعة يديه
-لازم اتحرك يادوب اوصلها علشان عندي شغل مهم.
-جاسر. توقف مواليه ظهره. اعتدل صهيب مستندًا على فراشه قائلاً: -بص لعمك ياحضرة الظابط، وقولي ايه اللي حصل بينك وبين بنتي
استدار بجسده واجابه بهدوء: -عمو أنا عندي شغل، احنا كويسين جنى زعلانة علشان حضرتك، وبابا كان معاها يعني لو فيه حاجة كانت قالتله
بعد إذن حضرتك قالها وتحرك هاربًا من أمامه
وصل بعد قليل لمنزله
-انزلي، ياسين هيجيب عاليا قبل مايسافر، اتمنى ياجنى تفضلي حكيمة
زي اليومين اللي فاتوا. بتر حديثه.
-أيوة ياجاسر لقينا مكان فيروز. أشار لها بيديه بالنزول. ثم تحرك بالسيارة سريعا
ظهيرة احد الأيام.
ولجت إليه بعدما غاب عنها منذ يومين. رسمت قناع بارد على وجهها يعكس نيران الأشتياق، ورغم ما فعله إلا أنه سيظل ساكن القلب والجروح. دفعت الباب ودلفت للداخل تبحث بأرجاء الغرفة عنه، ولكن تسمرت بوقفتها عندما وجدته مازال نائمًا، خطت ببطء إلى أن وصلت إليه، توقفت تطالعه بإشتياق لفترة من الزمن، ثم امالت بجسدها بهدوء تضع كفيها على خصلاته. تهمس له
-جاسر. ولكنها دنت منه فزعة عندما وجدت إصابته.
-جاسر. فتح جفونه وكأنها تراود أحلامه فهمس بإرهاق
-جنى. ملست بأناملها على وجهه وانسابت عبراتها
-ايه دا إنت مضروب بالنار، من امتى. حاول أن يعتدل ولكن إصابته لم تساعده، ضمت كتفه تساعده على الأعتدال. انسابت خصلاتها على وجهه، رفع رأسه إليها حتى أصبح بأحضانها بالكامل أغمض عيناه يتنعم بقربها، ود لو أحتضتنها حتى تذوب عظامها. وضعت الوسادة خلفه، ثم مسدت على خصلاته.
-كدا مرتاح، ازاي تتصاب ومتقوليش، شوفت وشك عامل ازاي، فتشت بعيناها بلهفة على جسده تبحث عن إصابة أخرى، انبثقت دموعها تبكي وفجأة ضمته تضع رأسها بصدره
حاوط جسدها النحيل بذراعه السليم هامسًا بإرهاق: -اشش، اهدي ياقلبي أنا كويس قدامك دي إصابة عادية مفهاش حاجة، خرجت من أحضانه تحتضن وجهه
-بتوجعك مش كدا، مش عارف تتحرك اهو، حتى منزلتش تصلي الفجر. حاوطت عنقه تضع رأسها بحناياه.
-أنا غبية كان المفروض اعرف إن فيك حاجة، آسفة، يارب خدني
ضمها بقوة وكأن دعوتها ستتحقق طبع قبلة رقيق بعنقها حتى شعرت بها فرفعت رأسها مرة أخرى تطالعه بعتاب وألمًا، هنا فاقت ورجعت لأرض الواقع فابتعدت عنه قليلا
-هروح أعملك حاجة تاكلها، بما أن حضرتك طردت منيرة علشان تعاقبني
جذب كفيها يشير بعينيه.
-تعالي هنا، مش عايز اكل، عايزك جنبي. ارتجف قلبها من همسه وتعبه، أمسكت كفيه بيديها الأخرى تبعده ولكنها امسك يديها الأثنين بقبضته
-جنى أنا تعبان والله تعبان ياحبيبة جاسر. انسابت عبراتها بعدما تذكرت ماصار بينهم فاقتربت منه تربت على كتفه
-ارتاح لحد ماارجعلك. شبك أنامله بأناملها
-بعيد عنك مفيش راحة
-رفعت ذقنه
بجد ياجاسر. مرر أنامله على وجنتيها
-بجد ياروح جاسر
ابتسامة جميلة ظهرت بعيناها، ثم تذكرت إصابته:.
-إنت اتصبت في شغل ولا إيه. أغمض عيناه متراجعا بجسده، يجذبها لأحضانه
-لأ. فيروز ضربتني بالنار
اعتدلت مذهولة
-ايه. ليه ايه اللي حصل
اعتدل جالسًا يشير لثيابه
-هاتي الهدوم دي لازم أخرج دلوقتي، عندي قضية مهمة
احتضنت كفيه تهز رأسها
-لا مستحيل اسيبك تمشي كدا. انت تعبان، وبعدين ليه فيروز ضربتك بالنار
داعب أنفها بأنفه
-باخد حق حبيبتي، ملست على وجنتيه
-تعرف عايزة اموتها دلوقتي، دي كانت ممكن لا قدر الله الرصاصة.
وضع إبهامه على شفتيها ودنى منها
-ياريتها موتتني علشان متوجعش من بعدك. فاقت من حربها ونهضت بعدما فقدت السيطرة على نفسها
-هروح اعملك حاجة تاكلها. وتقولي ازاي وصلتلها وعملت ايه علشان تضربك كدا.
-جنى لازم امشي ماينفعش، لو ليا عمر ورجعت هحكيلك أما بقى لو ربنا بيحبك يبقى يرجعوني في تابوت.
أصيبت بشلل بخلايا جسدها من حديثه، وأحست بوجع يغزو اضلعها حتى لم تقو على التنفس. ورغم ذلك نهضت تلقي ملابسه وتحدثت بنبرة متحشرجة: -خد هدومك ايه، ترجع ولا مترجعش، يبقى روح للست فيروز تعالج جروحك، قالتها وتحركت سريعا خرجت شهقة متجهة سريعا لغرفتها. جلست بالشرفة ورغم برودة الجو القارصة إلا أن نيران خوفها عليه تلتهم صدرها، وضعت رأسها تستند على الطاولة.
نسمات عليلة تلفح وجهها لتفتح عيناها على خطاه للأسفل متجهًا لسيارته وهو يتحدث بهاتفه
-ساعتين بالكتير وهنتحرك. فرد قائلا
محمد رسول الله. هبت فزعة على كلماته ونادت باسمه، رفع رأسه لشرفتها، وجدها تستدير إليه هابطة إليه بقدمها العارية ومنامتها القصيرة، هرولت تبكي بشهقات مرتفعة حتى وصلت إليه تلقي نفسها بأحضانه
كدابة انا كدابة متصدقنيش، رفعها من خصرها يدفث رأسه بخصلاتها. لكمته بكفيها.
اياك تجيب سيرة الموت تاني سمعتني. محدش هياخدك مني
آهة حارة كانت أبلغ من أي تعبير عما يشعر به، ليعصرها بأحضانه ويدور بها وضحكاته تملأ السماء وكأن هناك احتفالا ربانيا لتسقط رحمة رب العالمين وتغزو الأرض بأمطارها. حاوطت عنقه تضحك من بين بكائها تضع جبينها فوق جبينه مع لمسات كفيها
فليحيا العشق اللاذع ملهمي.
تسابقت أنفاسه مع أنفاسها، وتوقفت الكلمات فوق الشفاة ولم يتبقى سوى نبض القلوب. انزلها يحاصرها بذراعه مرددا
فليحيا العشق اللاذع ملهكتي
احتوت وجهه وتاهت بعيناه
-جاسر أنا مسمحاك، هنبدأ صفحة جديدة، بحبك يابن عمي
امال ملتقطًا ثغرها
روح جاسر. وضع جبينه فوق خاصتها وتنهيدة حارة بكم الاشتياق
-جنى وحشتيني اوي اوي حبيبي. وحشني ضحكتك
حاوطت خصره تضع رأسها بصدره: -وانت كمان ياجاسورة. ارتفعت ضحكاته يشير لنفسه.
-يعني مطر وكلام حلو طب والله لازم ادفى النهاردة. قالها غامزا
رفع ذقنها
-ادخلي من المطر وان شاءالله ساعتين وراجعلك ياحبيبة جاسر
رفعت نفسها وطبعت قبلة على وجنتيه
-هستناك. ابتسامة هائمة بعيونًا لامعة
-هغير رأيي كدا
بغرفة ربى كانت تجلس تقوم بإرضاع رضيعها وتلمس على وجنتيه مبتسمة
-شوفتي يامامي شبه عز اوي
مسدت غزل على خصلاتها
-يبقى الصبح خديه عند جده هيفرح بيه اوي. رفعت عيناها تهز رأسها
-من غير ما تقولي ياماما.
شوفتي عمو صهيب رغم تعبه بس جالي المستشفى
غمزت غزل قائلة: -لا شوفت عز وهو كان هيموت عليكي، وماارتحش لما دخل العمليات
استمعت لطرقات على باب الغرفة
ولج عز بهيئته الخاطفة يوزع نظراته عليهم
-أيهم وحشني فلو ينفع اشوفه. توقفت غزل تلكزه بكتفه
-ادخل ياحضرة المهندس، قال الواد مؤدب، من إمتى اتربيت اصلا
أشار بيديه وهتف بضحكاته.
-والله بنتك ربتني احسن تربية، خطى متقدمًا إليها يحمل مجموعة من الزهور، وبيديه علبة من الشيكولاتة.
دنى يطالع ابنه وعيناها تلتمع بالسعادة
وضع الذي بيديه أمامها: -جبتلك شوية حاجات عرفت أنها بتزيد اللبن، مش عايز الاستاذ ايهم يتعب مامي، لازم تهتمي بصحتك ياروبي لو سمحتي. اتجهت بنظرها لوالدتها بابتسامتها السعيدة. فرفعت ابنها تشير بعينيها
-طيب خد ابنك تعبتي، شقي أوي مش مبطل عياط.
تحركت غزل للخارج تترك لهما مساحة خاصة بيهم
جلس وهو يطالع ابنه بنظراته الحنونة يمسد على شعره الناعم رفع نظره لربى التي تحتضنهم بنظراتها
-روبي الواد دا شبه مين. بسطت كفيها إليه قائلة: -ممكن تيجي تقعد جنبي وحشتني، طالعها بصمت ونظراته العاشقة تحتويها فنهض من مكانه، جلس بجوارها ورفع ذراع يحاوطها به، وذراع آخر يحمل طفله. طبع قبلة مطولة على جبينها
-عاملة إيه حبيبتي. وضعت رأسها على كتفه.
-مش حلوة من غيرك ياعز، عايزة ارجع بيتي. لملم خصلاتها ورفع ذقنها ينظر لرماديتها
-بيتك جوا قلبي ياروح قلبي، خفي وبعد كدا هننقل بيت لوحدنا، أنا بجهزه دلوقتي. دنى يهمس لها بعض الكلمات التي جعلت وجهها لوحة من السعادة
بالصباح بمنزل جاسر.
فتح عيناه يطالع تلك القابعة بأحضانه، أخيرًا رضيت عنه بعد أكثر من شهرين جفاء، انحنى يعدل خصلاتها على جنبًا فظهر ذراعها العاري. مرر أنامله عليه وعلى عنقها، ابتسم وسعادة الدنيا تملك روحه، وهو يرى اثار ليلتهما.
فتحت عيناها بإرهاق
-صباح الخير. جذب رأسها على صدره
-صباح العشق، رفعت كفيها على وجهه
-ايه الابتسامة الحلوة دي. تعرف ضحكتك حلوة اوي.
اعدل رأسها على ذراعه واضعًا رأسه بالقرب منها: -علشانك عيونك حلوة، فشيفاني حلو
هزت رأسها بإبسامتها الجميلة
-لا بجد، ضحكتك حلوة اوي، والغمزات دي بعشقها
اعتدل سريعا يحاصرها بذراعه
-اثبتي. قهقهت بصوتها المرتفع الذي اخترق قلبه وجعله كالفراشة فأمال يدفث نفسه بصدره بأنفاسه المرتفع.
بعد عدة ساعات وخاصة وقت الظهيرة
ولجت الخادمة إليها
مدام جنى فيروز برة عايزة تقابل حضرتك، لا تعلم لماذا شعرت بتوقف نبضها وانتابها رعشة مخيفة، فأشارت الخادمة
-خليها تدخل. طالعتها عاليا
-جنى دي فيروز اللي كانت متجوزة جاسر، كأن لا يوجد احد سواها، قلبها ينبض بعنف، وارتعاشة بسائر جسدها
حتى ولجت فيروز وابتسامة متسعة على وجهها قائلة
-اتقابلنا تاني ياجنجون.
ابتسامة باردة بملامح جامدة تطالعها بصمت حتى تحدثت فيروز
-فين جاسر، جاي افرحه واقوله مبروك هيكون أب بعد سبع شهور
برودة اجتاحت جسدها بالكامل، وتحجرت عبراتها بمقلتيها، شهقة خرجت من فم عاليا.
ابتلعت جنى ريقها ف
قهقهت بصوت مرتفع ورسمت البرود على ملامحها، وجلست تضع قدم فوق الأخرى، ثم امالت تجذب حبة من الكريز
-بتقولي انك حامل من جوزي صح قالتها وهي تطالعها بنظرة نارية على برودها.
-ايه مش مصدقة، ولا ايه. قالتها فيروز
جذبت محرمة ورقية ومسحت فمها ثم نصبت عودها
-مش موضوع مصدقة ولا لأ، موضوع اني واثقة في جاسر، بصي هو بعيد عني أهو، بس ميعملهاش
ولو على قصدك الليلة إياها، وحياتك ياحبيبتي لو بعتيلي الفيديو نفسه هقولك مستحيل. مش مصدقاكي
رغم انهيارها الداخلي إلا أنها هتفت تشير على الكريز
-تاكلي كريز علشان البيبي إنما انتي وصلتي الشهر الكام. قاطعتهم الخادمة.
-مدام جنى حضرة الظابط جه برة وبيقول لحضرتك اطلعيله
رمقت فيروز بنظرة خبيثة مبتسمة ثم اتجهت لعاليا
-نادي على حضرة الظابط يالولو
قولوا ام ابنك جوا.
↚
قبل ذهاب فيروز لمنزل جاسر بعدة أيام
جلس بمكتبه يتابع قضيته مع بعض المتهمين، نهض متجها إليهم يوزع نظراته الأختراقية، وصل لأحدهم يدقق النظر بعينيه ثم تراجع وجلس
يسحب سيجاره ويشعله ومازالت عيناه على ذاك التي توقف بتوتر، نفث سيجاره ومازالت عيناه تخترق جسده المنكمش ثم تسائل: -مين فيكم عبده الحمش. تحرك أحدهم للأمام وهتف: -أنا يافندم. مط شفتيه وهز برأسه وتسائل وهو ينظر لتلك المحروزات.
-كنت واخد الحاجات دي فين يلا. ابتلع الرجل لعابه رافعا رأسه بزعر
-والله ياباشا دي كانت مجرد تفاريح كدا لواحد صاحبي في فرحه، حتى اسأل الواد سفينة اهو. هز الآخر رأسه
-أيوة ياباشا عبده بيقول الحق، نصب طوله وتوقف يهز رأسه ساخرا فاستطرد بتهكم
-عريس. اممم، 20ك بانجو غير ازايز الخمرة، مط شفتيه وتحرك حولهم حتى بث الرعب بقلوبهم، ثم فجأة توقف أمام الثالث يضربه بقوة على كتفه
-وإنت يافؤش إيه رأيك في الكلام دا.
تمتم بتقطع يهز رأسه
-أيوة ياباشا بيقولوا الحق، لكمة قوية بوجهه، ثم امسكه من ياقته وبدأ يلكمه، فيما تباعد الآخرين عنه، طبق على عنقه متسائلاً: -بتوزع مخدرات على شباب الجامعة، وجاي توقف قدامي وتقولي تفاريح عريس ياروح امك، فين باقي المخدرات ياله، هموتك. شحب وجه الرجل بقوة مما جعل يرفع ذراعيه قائلا.
-هقولك. دفعه بقوة في الجدار حتى شعر بتكسر عظامه، فهوى على الأرضية. جلس جاسر مرة أخرى على مقعده يلتقط أنفاسه مزمجرا من تحت أسنانه
-مين الديلر بتاعكم، عايز كل معلومة معاكم، أصل اقسم بالله مفيش واحد فيكم هينجى من تحت ايدي. قطع حديثه صوت هاتفه
-أيوة. قالها، فنهض سريعا قائلاً: ابعتلي اللوكيشين. قالها وأغلق الهاتف
ثم صاح على الشرطي.
-خدهم يابني احبسهم لحد ماارجع، ولا ابعتهم لجواد يحقق معاهم، توقف يشير على ذاك
-دا احبسه لما ارجعله، قالها وتحرك للخارج بعدما جمع اشيائه. وصل بعد قليل لأحدى المباني السكنية، هبط من سيارته متجهًا للمكان المنشود
دقائق وقام بالطرق على باب المنزل، فتحت الباب وإذ بها تتسمر بوقفتها وارتجف جسدها حينما وجدته يقف أمامها بطوله المهيب يخلع نظارته الشمسية
-اهلا مدام فيروز.
حاولت غلق الباب إلا أن قدمه سبقتها ووضعها يمنعها، ثم ولج للداخل يدفعها بقوة حتى هوت على الأرضية تتأوه. تراجعت بجسدها بعدما وجدت حالته فأشارت بسبباتها
-هصوت وألم عليك الناس، وأقولهم انك بتهجم عليا. انحنى يجذبها من خصلاتها
-كنتي فين ياحيوانة، حاولت الفكاك من قبضته وإزاحة كفيه إلا أن ضغط بقوة عليها يجذبها لتقف بمواجهته.
-قولتلك ابعدي عني علشان بعدك رحمة، لكن عملتي ايه، حتة حشرة مفكرة نفسها هتقدر بألعايبها تهدم حياتي، جذبها يقربها يهمس بفحيح
-هخليكي تتمني الموت يافيروز
انسابت عبراتها من شدة آلامها قائلة من بين بكائها: -جاسر لو سمحت شعري. ضغط بقوة حتى صرخت بأعلى صوتها يجز على نواجزه
-جاسر مين ياحيوانة هتصدقي نفسك، اسمي حضرة الظابط.
بكت بصوت مرتفع قائلة من بين شهقاتها: -لو سمحت ياحضرة الظابط ابعد عني أنا آسفة. دفعها بقوة بعيدا ينفض كفيه كأنها عدوى، ثم أشار محذرا
-اقسم بالله لو حاولتي تقربي وتلعبي ألعابك القذرة انت والحقيرة أمك هدفنك حية، وقد أعذر من أنذر
استمع لطرقات الباب، هرولت لفتح الباب ظنا أن هناك من ينقذها، ولكن توقفت عندما وجدت أحد الرجال ببنية ضخمة قائلاً: -جاسر باشا، كلم حضرة اللوا.
ذهل جاسر ينظر للرجل بصمت، لحظات فقط؛ حتى استوعب ماحدث
-ازاي تاهت عني دي، تمام ياجواد باشا
أشار للرجل بالخروج، ولكنه ظل متوقفا، فتحرك جاسر إليه
-قولتلك امشي من قدامي
اجابه الرجل
-آسف يافندم، وظيفتي حمايتك
قطب جبينه يشير على نفسه، ثم آشار عليها: -تحميني من دي، لوح بيديه
-قول لجواد باشا اطمن. ثم استدار برأسه إليها
-لازم اخلص من الماضي وادفنه وهو حي. لم تنتظر كثيرا إذ سحبت سلاح الرجل توجه بوجه.
-هموتك لو قربت مني، واسمع كلام الباشا، اقترب منها وهي تشير بالسلاح
توقف الرجل أمامه
-جاسر باشا لو سمحت، دفعه بعيدا عنه واقترب إليها بخطى سلحفية مميتة وعيناه تلقي سهامًا نارية
-ياله موتيني، لو بنت امك فعلا. تراجعت تشير بكفها مهتزًا
-جاسر هموتك ابعد، لم يفصل بينهما سوى خطوة واحدة، ليخطر بباله شيئا، رفع قدميه ليركل السلاح ولكن قطعه الرجل عندما وجد جديتها ليرفع سلاح جاسر بمهارة.
إلا أنه ركل بقدمه السلاح بإطلاقها الطلقة اتجاه الرجل بدفع جاسر السلاح لتستقر الرصاصة بكتفه. تراجع ممسكا كتفه، فيما سقط السلاح من يديها تتراجع خوفًا. اتجه الرجل إليه سريعا. أوقفه بيديه
-أنا كويس، ثم اتجه بنظره يرمق تلك التي توقفت ترتجف بجسدها من فعلتها فهمست بتقطع
-مكنتش ناوية اموتك، هو كان هيضربني جت فيك بالغلط.
اقترب يجذبها من خصلاتها يضربها بقوة بالجدار.
-إنتِ شيطانة ولازم اموتك، هرول الرجل إليه وحاول خلاصها من قبضته
إلا أنه دفع الرجل متناسيا إصابته ونزيف ذراعه، طبق على عنقها يهمس بنبرة شيطانية: -اسمعيني ياحيوانة، هتيجي قدامي وتلعبي لعبة عليا هموتك، اقسم بالله أموتك. والتالتة تابتة ياللي حرمتك من العيال افتكري كلامك كويس
تركها يطالعها مشمئزا
-ازاي كنت متخلف وحبيت واحدة في يوم زيك. اقتربت منه وصاحت وهي تلكمه بصدره.
-إنت ايه، اهم حاجة نفسك دوست عليا علشان بتحب بنت عمك، مش هسيبك ياجاسر، سمعتني مش هسيبك
لف شعرها حول قبضته يجذبها بعنف
-طب قربي ومترجعيش تبكي، انا كنت ابن ناس لآخر لحظة. قالها يدفعها بقوة حتى سقطت تبكي
. أشار للرجل بالتحرك للخارج، متجها خلفه، توقف لدى الباب يرمقها شرزا
-اي غلط هدفنك ومالكيش دية، سمعتيني، اشوفك بالغلط في طريقي هعرفك قيمتك.
تراجعت حتى خرج بجوار الرجل، وهرولت تغلق الباب خلفهم، هوت خلف الباب، تضع كفيها حول أحشائها وابتسامة خبيثة على وجهها
-اصبر عليا ياحضرة الظابط لو مخلتكش تندم، نظرت لتلك الكاميرا التي صورت كل شيئا، وانتصار السعادة على وجهها
-يبقى اقف قدامي كدا وانكر. تذكرت زيارة والدتها منذ أكثر من شهرين
جلست أمام والدتها المسجونة
-ماما انا تعبت، ندمت اني رجعت من سويسرا، يارتني فضلت برة احسن
دنت والدتها تهمس لها.
-اسمعيني كويس واعملي اللي بقولك عليه، أنتِ الوحيدة اللي تقدري تطلعيني من هنا، طبعا جاسر مايعرفش انك رجعتي، فتحركي قبل مايعرف وياخد حذره
ضيقت عيناها تنظر لوالدتها بتيه، فتسائلت وعلامات الاستفهام تتجلى على ملامحها قبل وجهها
-قصدك ايه يعمل حذره. نظرت حولها ثم اردفت: -لازم تخلي جاسر يقرب منك يافيروز، لازم بأي طريقة، حاولي تفكري بحاجة، الموضوع دا لو تم حياتك هتتغير وأنتِ حاطة رجل على رجل.
نظرات فقط محيرة تحاول استيعاب حديث والدتها، فتسائلت بحاجبين معقودين: -تقصدي ايه ياماما!
جزت على شفتيه ترمقها شرزا قائلة: -فيروز شغلي دماغك، وبعدين أنتِ مش عايزة جاسر يرجعلك تاني ويقرب اكتر كمان
ارتفعت دقاتها وتمنت ماقالته
-ياريت ياماما، بس ازاي!
رفعت سحر حاجبها وابتسمت متنهدة.
-شديه وبعد كدا اعملي اللي يخليكي اقرب من جنى حتى، لازم تخليه خاتم في صباعك، بس فكري ومتنسيش أن جواد الألفي وقت مايعرف انك رجعتي مش هيرحمك
قصدك ايه ياماما مش فاهمة
لكزتها بقوة وصاحت مستهزئة.
-فيروز مش عايزة غباء، ركزي شوية، لازم تسحبي جاسر للسرير، وبعد كدا اضربي ضربتك يابنت سحر، اطلعيله بولد ولا فيديو، اتصلي اسامة هيساعدك بس لازم تضحكي عليه بأي حاجة، ولو محصلش اللي خططيله اهو اسامة هيكون وقتها نفذ مهمة حضرة الظابط، بس المهم توصليه للسرير فهمتي يابنت سحر
خرجت من شرودها تبتسم متمتمة
-عايزة أشوف وشك ياحضرة الظابط لما تعرف اني حامل.
عند جاسر
خرج متجهًا إلى أحد العيادات الخاصة لإخراج الرصاصة، توقف أمام الرجل
-بابا لو عرف بلاش اقولك هعمل ايه، امشي من قدامي، وعينك على البت اللي فوق
-تحت امرك ياباشا، قالها الرجل وتحرك من أمامه.
بعد فترة عاد إلى منزله وجد السكون يعم المنزل، صعد للأعلى متجهًا لغرفته، توقف لدى الباب، يود لو يدلف لغرفتها يشبع روحه من رؤيتها، ويرتوي من عسل شهدها، تحرك داخل غرفته عندما اشتدت آلامه، وحان وقت ادويته، خطى للداخل ولكن ساقه خانته ولم يعد لديه قدرة للوقوف، حاول خلع حذائه ملقيا نفسه على الفراش دون أخذ علاجه، غفى سريعا لعدم نومه منذ يومين.
بعد عدة ساعات
استيقظت من نومها بعد طرق عاليا عليها. فتحت عيناها بإرهاق
-ادخلي ياعاليا، ولجت عاليا بخطوات متمهلة تتابعها
-جنى ياسين تحت همشي، حبيت اعرفك. اومأت لها قائلة: -خلاص حبيبتي، هتروحوا حي الألفي يعني، دنت تجلس على الفراش
-جاسر جه متأخر، هتفضلي قافلة على نفسك كدا، مش ناوية تصلحوا اللي بينكم، مع إنك محكتيش بس شكله صعب
اعتدلت على ظهر الفراش قائلة.
-إحنا كويسين حبيبتي، روحي مع ياسين، هو رجع من اسماعيلية إمتى، دا لسة كنتي من يومين في حي الألفي
ابتسمت تقلده
-انزلي انا تحت. معرفش ايه اللي رجعه، ملحقتش اشم نفسي قالي هيقعد اسبوع في اسمياعلية، بس شكلهم طردوه
ضحكت جنى بصوت مرتفع قائلة: -مالكيش حل والله، على العموم روحي معاه واكيد هيرجع العريش قريب.
-تعرفي لما كنت في حي الألفي الاسبوع اللي فات كنت حاسة اني غريبة اوي، خلاص اتعودت على بيتي، رغم عمري مااتمنيت أخرج منه بس شوفي
-لكزتها ترفع حاجبها ساخرة
-والله، يعني نرجعك حي الألفي ونفركش الشبكة بتاعة حضرة الظابط
انزلي لياسين ومتنسيش وقت مايمشي تعالي
نهضت مبتسمة واجابتها
-معرفش مبقاش يقعد زي الاول، وممكن يرجع اسماعيلية، يارب ينقلوه السلوم ياشيخة
ابتسمت جنى ابتسامة حزينة واطلقت تنهيدة.
-ربنا يحببكم في بعض ياعاليا، انا حبيتك اوي، وياسين يستاهل واحدة جميلة زيك.
انا احب ملك الهكسوس دا. ارتفعت ضحكات جنى تهز رأسها
-مفيش فايدة فيكي، بس على فكرة ياسو شخصية ياماما، يعني تحمدي ربك لو عبرك اصلا. دا كان بيحب بت زي القمر بس النصيب
دا يتحب والنبي بلاش تكرهيني في الحب، بتر حديثهما رنين هاتفها، فتحركت سريعا للأسفل قائلة: -هنزل ليلقيني بسهم من قوس مسمم.
ظلت تبتسم على حديثها، سحبت نفسًا عميقا تتلمس سلساله، شعرت برجفة بسائر جسدها للأشتياق له، فنهضت متجهة لغرفته بعد ماانتابها أصوات كثيرة داخلية تحسها للذهاب إليه
ولجت للداخل تبحث عنه وجدته مازال غافيا، تحركت إليه، توقفت أمامه تنظر إليه بإشتياق. مسدت على خصلاته
ولكنها توقفت فزعة من حرارته المرتفعة
-جاااسر!
باليوم التالي.
عاد مساءً بعد عمله، ولج للداخل توقف متسمرًا على ملاكه التي تنتظره، بطلتها الجميلة، خطى بعدما انهارت حصونه بحضرتها. دنى يخطو بخطوات متمهلة وعيناه ك فنان مبدع يرسمها بأدق تفاصيلها. اقتربت بإبتسامتها بسط كفيه إليها فاقتربت حتى تشابكت القلوب قبل الكفوف. خلل أنامله بأناملها الرقيقة يقربها إليه: -أنا مبحلمش مش كدا، وضعت رأسها بأحضانه. تغمض عيناها تستمع إلى دقات قلبه العنيفة.
-جاسر. اتأخرت قولت ساعتين وعدى 4ساعات ينفع كدا
وضع رأسه فوق رأسها يستمتع بهمسها الناعم باسمه. حاوطها بذراعه السليم يدفث رأسه بخصلاتها يسحب عبيرها
ويهمس بدقاته التي تقرع داخل صدره
-جنى سامحتيني، صدقتي اني مخنتكيش صح. خرجت من أحضانه تعانقه بعيناها
-أنا عارفة إن مفيش حبيب يخون حبيبه، تفتكر بقى فيه عاشق هيخون
دنى من ثغرها ينثر عشقه المترنم عليها، ويرتوي بشهد حياته، فصل ترانيمه المقدسة لديه لسعادته بالحياة.
يعانقها برماديته
-عاشق بجنون ياروحي، وغصب عني، وحياة ربي غصب عني، مستعد ادوس على النار ولا أني اتسبب في دمعة أو وجع لروحي. داعب أنفها يهرز رأسه
-جنى إنت روحي وحياتي وكياني
سحبت كفيه واتجهت للأريكة حتى جلس يحاوطها بذراعه، لفت ذراعيه حولها وتراجعت بجسدها تستند عليه
-احكيلي بقى، ليه الزفتة دي ضربتك بالنار. امسك كفيها ورفعه يلثمه قائلا: -هنقضي الليلة نحكي على شخص مالوش لازمة.
استدارت تدفن وجهها تستنشق رائحته بوله تهمس اسمه كعصفور كناري يشدو بأعذب الالحان
-جاسر، صمتت لبعض الوقت ثم استأنفت: -مش عايزاك تخبي عليا حاجة، ليه رحت لها تاني، رفعت نظرها تحاوره بعيناها تترجاه أن يقص لها ماصار
احتوى كفيها بين راحتيه وانحنى يقبلهما ثم رفع عيناه التي تجلى بها معالم الحزن قائلاً: -خايف ياجنى، خايف تجيلي بمصيبة، فيروز ورا اللي عملته دا حاجة كبيرة، بتخطط لها.
قطبت مابين جبينها غير مستوعبة حديثه
-حبيبي ممكن توضحلي أكتر. تراجع مغمض العينين ثم تحدث بصوت هامس: -جنى مش عايز اوجعك لو سمحتي، على عيني ياروحي ازعلك
ضغطت على كفيه من جهة وعلى شفتيها حتى لا تنساب عبراتها، من حالته فيبدو أن هناك مايؤلم روحها، ابتلعت ريقها بصعوبة، حتى شعرت بأشواك تخربش جوفها، فهمست بتقطع بعد فترة
-جاسر. رفعت ذقنها تتعمق النظر بعيناه.
-اهم حاجة عندي انك مخنتنيش، وأهم حاجة إن جنى روحك، وانا طمعانة في أكتر من كدا، عايزة جنى ماتبعدش عن بالك ثانية، يعني حياتك بتساوي جنى
صمت لبرهة ونظراته تحاصرها ثم باغتها بسؤالا: -بتتكلمي جد ولا بتهزري، يعني مش عارفة انك بالنسبالي ايه
حركت أناملها على قميصه برقة وتحدثت بدلال: -تؤ. تؤ، اثبتلي، ارتفعت ضحكاته وهو يرفعها لاحضانه
-مفترية يابنت صهيب، رفعت عيناها للأعلى تطالعه من فوق أكتافها.
-والمفترية بنت صهيب مين اللي عمل فيها كدا
رفع حاجبه ساخرا
-قصدك انا!
-جاااسر. قهقه بصوت مرتفع يضع رأسه بصدرها قائلا من وسط ضحكاتهم: -والله مظلوم وانتِ مفترية ياروحي
مسدت على خصلاته قائلة
-عيني في عينك كدا.
اعتدل يسبح ببنيتها، يمرر إبهامه على وجنتيها مستسلما لسطوة عشقوه التي بدأت تقرع بصدرها بقوة من يقترب منه يستمع إليه
فعلت مثله ورسمت ابتسامة مردفة تدفن وجعها داخل صدرها.
-سمعاك. تمدد على الفراش متخذًا ساقيها وسادته، ثم احتضن كفيها:
-بقالي شهرين بدور عليها، من وقت اللي حصل، علشان عارف انها اكيد بتخطط لحاجة، بس ايه هي معرفش
مسدت على شعره تستمع له بإهتمام
-إحنا مش هنخلص منها ياجاسر، هنفضل كدا بسببها. أغمض عيناه متنهدًا وأجابها: -آسف ياجنى، حاولت بس فشلت، عارف اني فشلت اسعدك وخليتها تدمر حياتك، لكن عايزك تتأكدي بتمنى أنها تموت وارتاح من نقطة حياتي السودا.
ازاي كنت عايش مع حية ياجنى. انحنت تحتضن وجهه وتتعمق بعينيه
-بتحبك ياجاسورة وليس على العاشق حرج، انت شايفها حية أو شيطان وهي شيفاك اكبر مخادع، متنساش انك خدعتها. كان يطالعها بصمت ينظر لجمالها الطفولي، حقا اسقته من العشق حتى سكر رفع ذراعيه يجذب رأسها وهو مازال على حالته لينثر عشقه الطاغي على ثغرها الذي اعتبره ملجأ للامه هاتفا من بين أنفاسه.
-هتموتيني بحبك يابنت عمي. أغمضت عيناها لتسلل بداخلها رجفة عشقه الضاري، داعب وجنتيها مما جعلها تفتح عيناها بإبتسامة خجولة. اعتدل يجلس أمامها ثم طأطأ رأسه، لابد له من إخراج مكنون مايطبق على صدره، رفعت ذقنه تحاوره بعيناها: -مش ناوي تقول مخبي ايه، قول ياجاسر ووعد مني مش هزعل منك.
-جنى أنا خايف يكون حصل بيني وبين فيروز حاجة، وغيابها الفترة دي كان مجنني، كنت عايز اسجنها علشان ادلها دوا يمنع الحمل لو حصل تقارب
شهقة موجعة خرجت من نياط قلبها قبل شفتيها، وانسابت عبراتها رغما عنها بقوة اذهلته تضع كفيها على شفتيها وكأنها تلقت طعنة مؤلمة لتنزف روحها قبل جسدها
-حمل! قالتها بعينن متسعة. وجسد ينتفض بقوة.
كور قبضته ونفرت عروقه عندما وجدها بتلك الحالة المعذبة لروحه
جذبها بقوة يضمها وكأنه يعصرها بداخله لتبكي بصوت مرتفع قائلة:
-هموت ياجاسر، حاسة قلبي هيوقف
لا مستحيل. لا كدا كتير، مستحيل
انزلقت دمعة تحرق وجنتيه وهو يشدد من احتضانها، وكأنه يريد إدخالها لصدره، طبع قبلة مطولة على رأسها مردد من بين قبلاته:
-آسف ياروحي، آسف دا مجرد خوف جوايا ياجنى، مش عارف اعمل ايه لو دا حصل.
هزت راسها كالمجنونة تتراجع بعيدا عن أحضانه
-لا مستحيل، أولا أنا واثقة إنك ملم. ستهاش قالتها بتقطع وبكاء مرتفع
ثم رفعت عيناها الباكية إليه
-صح ياجاسر، اكيد قلبك وقفك، عمر حبيبي مايعملها، اقتربت منه بعدما وجدت إنسياب عبراته بصمت. عانقت خاصته بثغرها تنثر قبلاات متقطعة مع بكائها الذي ادمى روحه لتنزف دون دماء.
ثم طالعته تحتضن وجهه تبتلع كم الاهات التي تذبحها دون رحمة قائلة: -حتى لو. فيروز استئصلت الرحم يعني مستحيل تحمل
بمقلتين متقدتين من قعر جهنم وكأنه تحول لشخص آخر
-الحيوانة ضحكت عليا، مفيش حاجة حصلتلها.
صفعة قوية نزلت فوق جسدها كضربة سوط يشتعل بنيران متقدة
فأومأت قائلة: -يبقى هي عملت دا كله علشان تقول انها حامل
آآه، صرخت بها، مما جعله يضمها يحبسها بداخل أحضانه.
-حبيبتي اهدي. ضم رأسها يمسد على خصلاتها، وكم آلمه ماتشعر به، فهتف مسترسلًا: -دا مجرد تفكير مش أكتر، مش متأكد سحب نفسًا واستطرد يحثها أن تنظر إليه
-بصيلي جنجون. رفعت عيناها الدامية بمياه حزنها ووجعها. لمس وجنتيها يطالعها بآلام قلبه.
-آسف. مفيش غير الوجع اللي قدمتهولك، حاولت اسعدك ومعرفتش، للأسف لسة بدفع تمن الغلطة الوحيدة اللي عملتها لما فكرت ابعد عن حضنك، انا لسة معرفش ايه اللي هيحصل بس أنا مبقتش اتحمل وجعك بجد، بتقهر ياجنى لما بشوف دموعك دي واللي بيوجع أكتر بكون أنا السبب فيها
رفع ذقنها بأنامله، يزيل دموع عيناها
-لو حصل حاجة بيني وبينها، مش هقدر اجبرك عليا بعد كدا.
أغمضت عيناها ونيران تأكل احشائها بالداخل، حبيبها عشقها. لا لا ستنهار حتما هذه المرة، يالله ماأصعب هذا الشعور. شعور الاختناق جعلها مترنحة، فتحت عيناها تطالعه بصمت مريب، حاله كالذي كبر اعوامًا عديدة فوق عمره، سحبت نفسًا لتبعد تلك الغصة التي منعت تنفسها ثم دنت منه حتى اختلطت أنفاسهما تضع كفيها على صدره تتلمس موضع قلبه.
-دا باسمي صح ياجاسر، انت وعدتني قبل كدا، هيفضل باسمي لحد ماأموت، أنفاسه تعالت حتى شعر بتوقف قلبه، عندما شعر بالعجز عما تفكر به، كادت روحه تنسحب من خلاياه ينتظر بلهفة قلب عاشق ممزق حديثها، ولكن اذهلته واعادت نبضه لينتظم عندما انحنت تقبل موضع نبضه.
-دا ملك لجنى الجاسر، طول ماهو بينبض ليا مستحيل اتخلى عنه، عرفت انك كنت مغلوب على أمرك لكن قرب مجرد نظرة أو حديث تاني صدقني حتى النبض دا مش هيشفعلك عندي حتى لو اضطريت اخلع قلبي وادوس عليه. لو حاولت تقرب وتلعب عليا بموضوع حملها دا، رفعت عيناها تترجاه بعيناها
-جاسر قلبي بيوجعني. جذبها يضمها بقوة يربت على ظهرها يضع رأسه بتجويف عنقها.
جاسر وحياته كلها فداكي ياقلب جاسر، سامحيني ياجنى، سامحيني علشان كل يوم بوجعك يوم اقوى من اللي قبله
وضعت كفيها على فمه
-اسكت خلاص دا نصيبي وراضية بيه، وإن شاء الله مفيش حاجة هتحصل، لو حاولت تقرب مني تاني مش هرحمها انا اتحملت مافيه الكفاية
احتضن وجهها واقترب يطبع قبلة حنونة على جبينها هامسًا بنبرة متوجعة: -آسف. آسف على كل حاجة
حاوطت جسده تنعم بأحضانه.
-كفاية مش عايزة أسمع حاجة عن الزفتة دي، عايزة انسى قولتلي ايه لو سمحت
رفع ذقنها يمرر إبهامه على ثغرها يرسمها بنض قلبه، ثم دنى يتذوق شهده، ليثبت ملكيته ويتعمق بعشقه، مع همساته العاشقة لها، ليأخذها لعالم برحلة لا يسمع بها سوى الأنفاس ونبض القلوب، عالم خالي من الحقد والكره، عالم ملئ بالسحر تمتزج به المشاعر بالروح ليثبت كل منهما كم عشقه للأخر.
بعد رحلة من سحر العشق التي وصلت لبر الأمان، تغفو على صدره يعبث بخصلاتها البنية التي تشبه عيناها، سحب نفسًا مطولا، يحرك أنامله يرسم بها ملامح وجهها البهي بحنو وعشق، تتدلى بعشقها له كبارعة بالية
ابتسامة من وسط احزان قلبه وهو يراها مبتسمة بنومها كأنه يروادها أحلامه. انحنى يهمس بجوار أذنها
-مش مسمحولك تحلمي بغيري مهلكتي
تراجع يدقق النظر لعبوثها وتململ نومها تهتف بنبرة متحشرجة بالنوم.
-نام ياجاسر بقى. ارتفع صوت ضحكاته
ليرفعها تتوسد ذراعيه، قائلا بعدما اقترب من أنفاسها يستنشقها: -طب انام ازاي وجنيتي طيرت نومي، قالها وهو يمرر أنامله على عنقها
فتحت نصف عيناها بإرهاق هامسة مابين النوم واليقظة: -نام يامفتري، وابعد ايدك عايزة انام، ولا أقوم اروح انام في أوضة تانية
جذبها يدفثها بأحضانه يضغط عليها بقوة
-لازم اعاقبك على بعدك عن حضني، رفعت كفيها على وجنتيه هامسة له.
-كنت زعلانة منك، ازاي انام جنبك وانا زعلانة، ارجع خصلاتها من فوق وجهها
-بعد كدا مش مسمحولك تنامي بعيد عني حتى لو زعلانين من بعض، سمعاني ياجنى، زعلانة تزعلي جوا حضني بلاش تعاقبيني بالوجع دا.
فتحت عيناها بعدما استفاقت تطالعه بحنو وعشق
-كنت موجوع وانا بعيدة...
تنهد وتنهيدة حارة وآه مؤلمة بكم عذابه ببعدها
-كنت بموت مش بتوجع بس ياجنى، دنت منه تهمس بجوار شفتيه
-كنت عايزاك تتوجع زي مابتوجع ياجاسر، عايزة أحس إنك باقي عليا
جذبها من عنقها بعنف، مقتحما حصونها...
خرج لشرفته بعد فترة، اتجه بنظره لنومها، ثم امسك هاتفه بعدما اشعل سيجاره
-عملت ايه؟
-من وقتها ماخرجتش ياباشا، بس ابن عمها جه زارها من نص ساعة ولسة فوق. حك ذقنه جالسًا بهدوء مريب لبعض اللحظات بسيارته
-بقولك اسمعني كويس تعمل ايه، اكيد هتطلب دليفري عايزك تعمل اللي اقولك عليه ومش عايز غلطة واحدة، ويبقى قولي ابن عمها مشي بعدها بقد ايه
حمحم الرجل متوترا
-بس ياباشا دا صعب. زمجر متحدثًا
-عارف لو بابا عرف يبقى اترحم على نفسك. اتصرف ونفذ اللي بقولك عليه
قالها وأغلق هاتفه ينظر أمامه قائلا.
-دوقي من عمايل ايدك ياحيوانة، وحياة وجع قلبي ودموعي مراتي وقهرتها لأوريكي ايام من جحيم.
ظل واقفا لبعض الدقائق مغمض العينين يتذكر ماصار بينهما منذ فترة قليلة، ابتسامة بسعادة داخلية وشعور الراحة مسيطرا عليه. استمع لصوت تواشيح الفجر، فتح عيناه مرددا خلفه، ثم استدار متجها للداخل للأغتسال وخرج بعد قليل يفرد سجادة صلاته ليقيم ركعتين شكر للواحد القهار، على ماوصل إليه من فضل نعمه. دقائق وهو بين الحي القيوم يناجيه ويشكره على نعمه.
اللهمّ لك الحمد كلّه، ولك الشكر كلّه، وإليك يرجع الأمر كلّه علانيّته وسرّه، فأهل أنت أن تحمد، وأهل أنت أن تعبد، وأنت على كلّ شيءٍ قدير. اللهمّ لك الحمد حتّى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرّضا. اللهم لك الحمد كالذين قالوا خيراً ممّا نقول، ولك الحمد كالّذي تقول، ولك الحمد على كلّ حال
ظل متضرع يناجي ربه.
اللهم إنا نسألك من النعمة تمامها، ومن الرحمة شمولها، ومن العافية دوامها، ومن العيش أرغده، ومن العمر أسعده، ومن الإحسان أتمه، ومن العمل أصلحه، ومن العلم أنفعه، ومن الرزق أوسعه.
استمع لصوت اذان الفجر. ظل يردد حمده وشكر فضله على نعمة الاسلام.
ثم نهض متجها لزوجته
-جنجون حبيبة قلبي، الفجر أذن ياروحي، قومي خدي شاور وصلي هنزل المسجد. اومأت له تجذب الغطاء. جذب الغطاء ملقيه على الأرض ليكتشف جسدها با هبت فزعة.
-ايه دا ياجاسر والله زعلانة منك
أشار إليها على المرحاض
-هخليكي تزعلي بجد ياروحي، الفجر أذن. صلي ونامي براحتك. نهضت بعدما جذبت روبها وتحركت لمرحاضها دون حديث.
صباح لاح بالأفق بنور ربه، داعبت أشعة الشمس عيناها، حتى وضع كفيه يهرب من اخترق الضوء لجفنيه. فتح جفونه بتملل، مسح على وجهه يرجع خصلاته للخلف، شعر بثقل رأسها على صدره وخصلاتها تغطي وجهها بالكامل
ابتسامة مغرمة زينت ثغره حتى شعر برجفة السعادة التي تخترق كيانه، اعدل من نومها، ثم اعتدل متجها للنافذة ليغلق الغرفة حتى لا تيوقظها.
ثم اتجه إليها مرة أخرى يطبع قبلة حنونة على جبينها يدثرها بالغطاء لبرودة الجو، انحنى يهمس لها عندما شعر ببركان عشقه لها قائد للأنفحار
-حبيبي عندي شغل مهم، نامي وارتاحي وهحاول متأخرش
فتحت عيناها بإرهاق تجذب عنقه ثم قبلته وأغلقت عيناها ذاهبة بسبات نومها. جلس لبعض الدقائق بجوارها عندما فقد السيطرة على ابتعادها، يتشرب ملامحها الجميلة هامسًا لنفسه.
-معقول ياجنى حياتي مبقتش ليها طعم من غيرك، اليوم اللي بتبعدي عني فيه مبيكونش محسوب من أيامي
هتفت من بين نومها
-وأنا كمان ياجسور، ارتفعت ضحكاته يلكزها
-إنتِ صاحية يابت وبتضحكي عليا، فتحت الجميلة عيناها مبتسمة تهتف بدلال اشعل رغبته
- اه ياحبيب جنى كنت بسمع لحبيبي عندك مانع
وضع ذقنه على ذراعها
-حبيبي اللي بيضحك على جوزه.
وضعت كفيها على عينيها: -جسور انت مش جوزي بس انت الحياة، ممكن بقى تيجي لحبيبتك وتنام شوية علشان عايزة أنام بحضنك، الجو برد وعايزة حضنك يدفيني
تمدد بجوارها يجذبها لأحضانه، يمسد على خصلاتها
-آسف حبيبي صحيتك، نامي ياله انا عندي شغل مهم، وهعدي على عمو باسم.
استدارت إليه
-هو لسة تعبان. هز رأسه بالنفي وأجابها.
-لا. اتحسن بس للاسف طلق حياة بعد اللي حصلي عنده وقاعد لوحده، هي لما عرفت ماسبتوش وبابا بيحاول يقنعه يرجعها. ذهب بذاكرته لذاك اليوم
-مجبتش جنى معاك ليه ياجاسر، والله زعلت. جلس بعدما خلع جاكتيه الشتوي واجابها
-جنى تعبانة لما تخف هجبها إن شاءالله، أشارت له بالدخول
-لا لازم اروحلها انا، اطمن عليها، ادخل جوا الجو هنا برد، باسم دقايق وينزل لسة راجع من الشغل. اومأ لها وتحرك للداخل.
فاق من شروده على لمسة كف جنى
-جاسر. رحت فين
زفر مختنقا على ذاك اليوم الذي اعتبره يومًا مأسويًا فرفع نظره إليها
-حياة فعلا مظلومة، مكنتش تعرف اللي فيروز هتعمله، بدليل زعلت علشان أنتِ مرحتيش وكمان قالت هتيجي تزورك يعني نيتها مكنتش وحشة
اعتدلت تحتضن وجنتيه
-جاسر لازم ننسى اليوم دا لو سمحت، اليوم دا امسحه علشان أنا بجد بتعب جدا منه
نهض متجهًا للمرحاض هاربًا من نظراتها الحزينة
بحي الألفي وخاصة بغرفة ربى.
نهض من مكانه يوضع طفله في مهده
-نامي دلوقتي ياروبي، حاولي تنامي حبيبتي علشان ماتتعبيش. دثرها بالغطاء ثم انحنى يطبع قبلة على جبينها هامسًا: -ربنا يخليكوا ليا. نصب عوده يغلق الإضاءة، وخرج متجهًا لمنزله
مرت الساعات ثقيلة عليه وهو يتقلب بفراشه، فنهض متجها لشرفته يستنشق بعض الهواء حتى يهدأ من لوعة إشتياقه وعشقه.
زفر الهواء المكبوت بداخله مرة واحدة وارتفاع وهبوط صدره جعل ثورته الحارقة تتخطى ثباته ثم اتجه يحمل هاتفه متجهًا إلى معشوقته. ولج للداخل وجد جواد جالسًا بمكتبه يعمل على جهازه، طرق على باب الغرفة فسمح له بالدخول
-مساء الخير ياعمو. خلع نظارته الطبية وأشار له بيديه
-تعالى حبيبي. تحرك متجها إليه ثم توقف أمام مكتبه
-معطل حضرتك. ترك الجهاز بعدما اغلقه
-لو مش فاضي افضالك حبيبي. اومأ برأسه.
-حبيبي ياعمو، نهض جواد متجهًا إليه يربت على كتفه ثم أشار إليه بالجلوس
-أكيد جاي علشان مراتك مش كدا. جلس أمامه يطأطأ رأسه للأسفل بخذي
-عارف حضرتك زعلان مني، بس والله ياعمو أنا كنت محروق أوي على جنى، وربى وقتها كسرتني، رفع رأسه يطالع عمه وعيناه يرتسم بها الاسف الشديد
-عارف إني مستهلهاش، زي ماانا متأكد مش هقدر أعيش من غيرها ياعمو.
هز جواد رأسه ساخرًا ثم رجع بجسده يضع ساقًا فوق الأخرى يشبك أنامله يطالعه، ثم مط شفتيه
-قولتلي إنك مش عارف تعيش من غيرها، نهض عز عندما فهم ما يشير إليه فجلس على عقبيه يحتوي كفيه
-عمو جواد لو سمحت بلاش تحرمني من مراتي وابني.
انحنى جواد يدقق النظر بعينيه وأردف: -ليه انا اللي قولتلك اعمل غبي ومتخلف، انا اللي قولتلك اكسر قلبها بدل المرة 3مرات، انا اللي قولتلك احلف على مراتك بالطلاق علشان عند وبس. لكزه بإصبعه برأسه
-فين دماغك ياحضرة المهندس العبقري، ماسك شركة كبيرة عريضة وتحت ايدك آلاف من الناس بيسترزقوا وانت فاشل في حياتك، امتى هتقدر تسيطر على غضبك وتفرق بين حياتك الخاصة وحياتك الاجتماعية.
اعتدل بجلوسه يتكأ بجسده على المقعد ونظراته تخترقه ثم زفر بغضب وأشار بسبباته واستأنف حديثه مستاءً
-رغم انك دوست عليها قدامي الا خلتها تروح معاك وتصونك في ضعفك وحزنك، لكن انت عملت ايه
نهض ونصب جسده وغضبه ينفر بعروقه.
-عاملتها وكأنها مش موجودة، محبتش اخواتها يدّخلوا في حياة اختهم، أوس جه ووقف قدامي وقالي اختي مش يتيمة يابابا علشان عز يعمل فيها كدا، استدار إليه يرفعه من جلوسه واستأنف: -جاسر اللي يعتبر اخوك وصديق عمرك اللي جيت ومسحت بكرامته الأرض قدامنا جالي ووقف زي وقفتك كدا وقالي انا متنازل عن حقي يابابا، سيبه يغلط فيا ويعمل كل اللي عايزه، بس عند ربى ومش هرحمه، انا متنازل عن نفسي بس اختي كرامتها فوق راسي وهو داس عليها، لكمه جواد بصدره حتى تراجع للخلف.
-ورغم كدا مخلتش حد يدخل في حياة اختهم وقولتلهم لما اموت اعملوا اللي عايزينه، انت عملت ايه
انحنى يغرز عيناه بعين عز وشرارات تريد إحراقه. يضغط على كتفه
-روحت عملت لعبة خايبة الاهبل مايعملهاش طفل علشان ايه توجع جاسر
ضغط على فكيه يرمقه بنظرات نارية متحدث بهسيس
-ليه ياباشمهندس علشان قال ايه جاسر اتجوز أخته. دفعه جواد على المقعد عندما فقد سيطرته على غضبه وبدأ يدور في الغرفة يمسح على وجهه بعنف.
-إنت ياعز، انت تكسر ربى، ليه يابني دا انا السعادة مكنتش سيعاني لما قولتلي بتحبها، وشوفت الحب دا وقولت مستحيل يزعلها في يوم من الأيام دا هيكون سندها لو حصلي حاجة، هيفديها بروحه، لكن ايه اللي عملته، ولا حاجة، اول ما حصلت عليها وانت بتذلها. أشار ملوحًا بيديه وهتف بنبرة حادة.
-لا فوق، دي بنت جواد الألفي يالا، عندها بدل الاخ تلاتة وبدل الأب اتنين يعني متفكرش أنها وحيدة وملهاش سند، وروح اسأل ابوك وقوله ربى بنتك ولا لا، اقترب يغرز عيناه به
-لو قالك كلام غير دا هطلع اشلها من فوق واوصلها لحد عندك
جلس على مقعده محاولا السيطرة على أنفاسه التي شعر بإنسحابها من المكان، مما جعله يفتح زر كنزته الشتوية مطبق الجفنين. اتجه عز إليه سريعا.
-عمو جواد مالك. أغمض عيناه يسحب نفسا ويطرده بهدوء قائلاً بصوت متقطع: -أنا كويس يمكن علشان اتعصبت شوية، فتح عيناه يطالعه ثم تحدث: -سبني لما اروق من ناحيتك ياعز وتحسسني انك هتصون وقبل ما تتكلم في حاجة الكلام اللي سمعته من فترة لربى، انا فعلا مكذبتش عليها، كان لازم أشدها علشان لما تثبت حبك ليها تكون مستعدة من غير ضغطوطات، لكن اقسم برب العزة ياعز لو حسيت مجرد احساس انك هتغدر بيها وقتها انا اللي هرفع قضية خلع مش طلاق.
أشار بيديه للباب: -روح دلوقتي وتعالى الصبح شوف ابنك، دا اللي عندي دلوقتي، استدار متحركًا والام الفراق كحمل جبال فوق ظهره قائلا
-حاضر ياعمو، هسمع كلامك واحترامه اكيد، اسبوع ياعمو واحد وبعد كدا هاخدها بيتي بعد إذنك. تحرك بعض الخطوات إلا أن جواد أوقفه فاستدار إليه. نهض جواد متجهًا إليه ثم توقف أمامه.
-عايزاها تروح لأخوها الكبير، وتستأذنه، انا بعد كدا ماليش دعوة بمشاكل حد، ليها اخ كبير دا اللي ترجعله، علشان هو هيكون كبير العيلة من بعدي وحضرة المهندس العظيم عارف حقيقة صحة عمه، يعني ممكن الصبح أو في أي وقت يقولك عمك تعيش انت، اقترب عز منه يحتضنه ومعالم الحزن سيطرت عليه قائلا بنبرة متحشرجة بالبكاء المختنق: -بعد الشر عليك ياحبيبي يارب أنا وانت لا. ربت على ظهر يمسد عليه بقوة.
-مفيش حد دايم يابني الدوام لله وحده، المهم ياحبيبي متزعلش مني، لازم احفظ كرامة بنتي، فلازم تتعب ياعز، روح لجاسر وقوله عايز ارجع مراتي
اعتدل يزيل دموعه قائلا: -لا ياعمو، هروح لجاسر علشان يرجع هنا، مبقاش ينفع يبعد أكتر من كدا، وزي ما حضرتك لسة قايل كبير العيلة، ومينفعش كبير العيلة يكون برة العيلة.
اومأ له جواد قائلا: -تفتكر هتقدر تقنعه ياعز، انا مقدرتش، ابتسم عز من بين وجعه يهز رأسه بالايجاب: -لو انا مقدرتش فيه اللي يقدر ياعمو
ابتسم جواد عندما فهم ما يشير إليه فتحدث والراحة تخترق روحه.
-عايزكم كدا دايما ياعز، اوعى تتخلى عنه، أو هو يتخلى عنك، تكونوا سواسية وتاخدوا معاكم جواد، القوة في الاتحاد ياحبيبي واللي يغلط توقفه بالعقل مش بالبلطجة يابن صهيب، وتأكذ ياعز عمر القرارات العصيبة مابترفع بلد، لازم تفكر وتوزن الكلام مليون مرة، ربنا ميزنا بالعقل ياحبيبي
جلس يرتدي نظارته مرة أخرى يشير بيديه
-عطلتني عن شغلي. اقترب منه عز متسائلًا.
-عمو جواد حضرتك مش هتعمل العملية. رمقه بنظرة اخرصته فأشار محذرا: -لو حد عرف ياعز اعرف وقتها مستحيل اسامحك، اياك حد يعرف، ولا حتى والدتك سمعتني. خليك راجل مع عمك يابن صهيب متخليش نظرتي فيك تنزل
امال بجسده يستند على المكتب وأردف: -بس بيجاد يعرف، مااقتنعش بكلام الدكتور وهو اللي عرفني مش الدكتور زي ما حضرتك فاهم
-روح دلوقتي ياعز، بيجاد مستحيل يتكلم، هو راجع بكرة علشان سبوع ابنك وكمان فرح ياسين.
جذب عز المقعد وجلس عليه بجواره
-عمو جواد مش هتحاول مع بابا تاني يرجع حي الألفي
تنهد جواد بألم وشعر بنخز بصدره ثم رفع نظره إلى عز: -سيبه شوية ياعز، بلاش تضغط عليه، وقت مايحس أنه عايز يرجع هيرجع، بكرة هروح اشوفه واتكلم معاه تاني. تذكر شيئا فأردف متسائلاً: -هو ريان المنشاوي مازروش ولا إيه
نهض عز من مكانه وأجابه
-اه من يومين، همشي محتاج حاجة. توقف مستديرًا.
-عرفت ولادك كلهم لازم يكونوا موجودين في اجتماع مجلس الادارة، وكويس إن بيجاد راجع متنساش أنه له نسبة برضو
-ماشي هكلمهم، ياسين هنا هقوله يعرف جاسر، واوس عارف طبعا
اومأ برأسه وتحرك قائلاً: -تصبح على خير
-وانت من أهله قالها جواد متنهدًا، ثم رجع لعمله، قام برفع هاتفه
-عملت ايه فيه جديد؟
-لا يافندم، من امبارح ومفيش جديد غير إن ابن عمها بيعدي عليها كل فترة والتانية
-وجاسر؟
-لا ياباشا من وقت ماكان هنا امبارح مرجعش ومعملش حاجة. توقف ثم تحدث قائلا
-فيه حاجة يافندم حضرة الظابط قالي معرفكش، بس من وظيفتي لازم اقولك
-استمع إليه بتركيز حتى استمع لحديثه
-حضرة الظابط اتصاب بكتفه، هو راح للدكتور وخرج الرصاصة، الرصاصة في مكان مش خطير، بس لازم حضرتك تعرف
اومأ جواد متفهما، فأكمل الرجل حديثه الذي جعل جواد يهب فزعا من مكانه
-إنت بتقول ايه، وانت عملت زي ما قالك.
صمت الرجل لبرهة واجابه: -دي أوامره ياباشا واسف كان لازم انفذها. مسح على وجهه وتحول وجهه للوحة من الغضب بنفور عروقه وتحول عيناه التي ألهبت بنيران جهنم، حاول السيطرة على غضبه فتحدث متسائلا
-عملتها كام مرة
-مرتين؟ متعملهاش تاني سمعتني. قالها وأغلق الهاتف يلقيه بقوة على المكتب وتحدث مزمجرا
-وبعدين معاك يابن جواد ليه يوم عن يوم عايز تلوث نفسك
هوى على مقعده، يضع رأسه بين راحتيه، وانفاسه تتسارع داخل صدره.
ولجت غزل إليه تطالعه بصمت ثم اقتربت حيث جلوسه
-جواد! رفع رأسه ينظر إليها ثم أشار إليها
-تعالي حبيبتي. تقدمت حتى استندت على المكتب امامه
-مش كفاية شغل، ياله علشان ننام، روبي نامت هي وابنها فقولت نرتاح احنا كمان وتريح نفسك
نهض من مكانه وسحب كفيها
-أنا هلكان فعلا ياغزل وعايز انام كتير. حاوطت خصره
-الف سلامة على حبيب غزل المهمل في صحته
ابتسم يسحبها متجهًا لغرفته
بمكان بعيدًا خارج مصر.
كانت تجلس بأحضانه أمام المدفأة وكفيه يمسد على بطنها
-عامل ايه حبيب بابي. وضعت رأسها على كتفه مبتسمة
-تعبانة اوي يابيجاد، المرة دي صعبة عن حمل سفيان
طبع قبلة على رأسها يضمها بقوة لأحضانه
-معلش حبيبي، هانت كلها كام شهر وترتاحي
ابتسمت من بين أوجاعها
-كام شهر، بتصبرني يعني. استمعت لمربية طفلها
-مدام. سفيان عايز حضرتك. نهض بيجاد بعدما وضع وشاح ثقيلا على كتفها.
-خليكي مرتاحة هشوفه ورجعلك. اومأت بابتسامة ضعيفة، ثم اتجهت لهاتفها تهاتف والدتها
-مامي. اخباركم ايه
كانت تجلس أمام مرآة الزينة فردت قائلة: -إحنا كويسين ياقلبي، اخبارك ايه وأخبار حبيب نانا إيه
-قصدك اللي جوا ولا اللي برة
ابتسمت غزل ونظراتها من خلال المرآة على جواد الذي يجلس متراجعا على الفراش مغمض العينين فتحدثت: -اللي جوا واللي برة، ياله متتأخروش علينا، وجدو كمان وحشهم اوي. نهضت غزل من مكانها قائلة.
-أيوة حبيبتي بابا صاحي دلوقتي. مسدت على رأسه
-كلم ياجدو ام سفيان. ابتسم وهو يحذبها بين ذراعيه مجيبا على ابنته
-غنونة بابا. انسابت دموعها تهمس له
-بابا وحشتني اوي ياحبيبي. اعتدل متسائلا
-غنون بتوجع قلب باباها وبتعيط ولا ايه. شعرت بوجود بيجاد جنبها فإجابته بعدما أزالت عبراتها
-لا ياحبيبي، وحشتني، روبي عاملة ايه، وجاسر يابابا لسة مرجعش حي الألفي.
-كلنا كويسين ياحبيبتي، وبعدين ماانتِ بتكلمي مامي على طول وعارفة الاخبار. ابتسمت تنظر لبيجاد وهتفت
-طول عمرك جواد الألفي ياحضرة اللوا
مبروك الحفيد التالت عقبال الرابع والخامس إن شاءالله
أطلق ضحكة خافتة ثم انحنى يطبع قبلة على رأس غزل
-كفاية عليكوا كدا يابابا، علشان تعرفوا تربوه مع اللي جاي، قولي للحلوف اللي جانبك اتهدا يالا
قهقه بيجاد يخطف الهاتف من يد غنى.
-طول عمرك قارش ملحتي ياحمايا، معرفش بتغير مني ولا ايه، يعني مش كفاية عليك غزالتك، عينك من مراتي
ارتفعت ضحكات جواد يغمز لغزل
-شوفتي الحلوف بيقول ايه. ثم استأنف حديثه: -إنت هترجع بكرة ولا لا ياحيوان.
-تدفع كام وانا ارجع!
اممم. تمتم بها جواد فأردف بنبرة رخيمة لا تقبل الجدال
-غنى تكون في مصر بكرة علشان فرح اخوها، ومتنساش اختها ولدت، واياك اسمع نفسك. قالها وأغلق الهاتف
لكمته غزل بصدره.
-حرام عليك ياجواد، ليه قارشه كدا
تمدد على الفراش يغلق عينه يجذبها لأحضانه
-نامي يازوزو متبقيش هبلة زي الحلوف دا.
بمنزل حازم
كان يجلس أمام المسبح يتحدث بهاتفه، اقتربت منه تقى تضع كفيها على كتفه
-جواد ممكن نتكلم لو فاضي. اغلق الهاتف واومأ لها يشير للمقعد
-اتفضلي ياحبيبتي
جلست تقى تفرك كفيها ثم رفعت عيناها
-عايزة اروح ازور جنى وماما رافضة، فإيه رأيك تقولها. ذهب بذاكرته لذاك اليوم وابتسامة زينت وجهه وهو يتذكرها بثيابها وشفتيها المطلية، أغمض عيناه يستغفر ربه، ثم هرب بنظره لأخته وتحدث.
-هقولها ياتقى، بس انا مينفعش اروح معاكي، شوفي ماما أو كلمي عز
نهضت واقتربت منه تلثم وجنتيه
-شكرا ياحبيبي. قالتها وتحركت سعيدة من أمامه. ظلت نظراته على خروجها حتى اختفت من مكانه
تراجع بجسده يضع يديه خلف عنقه يتذكر لحظاتهم مع بعضهما البعض
تنفس بحزن يهمس لنفسه
-وبعدهالك ياجواد هتفضل تفكر فيها لحد إمتى دي بقت مرات اخوك، لازم تبعد عن الوجع دا.
كور قبضته واغروقت عيناه بالدموع هاتفا: -ليه ياجنى توجعي قلبي وتخليني اتعلق بيكي وأنتِ بتحبيه، ولا هو اللي لعب بمشاعري.
شعر بأقدام خلفه استدار ينظر فوجده عز. أشار إليه
-بتعمل ايه يابني دلوقتي مجنون، فيه حد يركب عجل في الجو دا
اتجه إليه يربت على كتفه
-جه في بالي اركب عجل دلوقتي ايه حرام. وضع كوبه الحراري أمامه على الطاولة، فامسكه جواد
-بتشرب ايه دا. جذبه عز قائلاً: -سم تشربه، اهو ارتاح منك.
قهقه جواد قائلاً: -ياريت بس اشرب انت شوية وأنا بعدك علشان نموت مع بعض
تراجع عز يرفع قدميه فوق الطاولة يرتشف مشروبه قائلاً: -ماتيجي نعمل اي حاجة زي زمان. القعدة وحشة ياخي
اقترب جواد يستند على مقعده ثم دقق النظر بعينيه
-هو انت روبي كرشتك وجاي تقرفني، تعالى نروح نسرق التوت
قطب عز جبينه
-نسرق توت. نهض جواد يرمقه بسخرية
-قوم ياباشمهندس نام، عندنا شغل والساعة اتنين ياحبيبي. امسك عز هاتفه يشير إليه مشمئزا.
-هتصل بالأهبل التاني اللي فعلا بيفهمني مش حلوف زيك، قام برفع الهاتف وظل يهاتفه لبعض الوقت
عند جاسر، كانت تغفو بين أحضانه، بسط يديه جاذبًا إياه يرفعه وتحدث بنبرة متحشرجة إثر النوم: -أيوة. ضحك عز بصوت مرتفع
-دا الحنين نايم، واحنا هنا بنشرب اعشاب
-عز! فيه حاجة
حك عز ذقنه يطالع جواد
-محتاجك يازميل وحشتني ياجسورة
تهكم جاسر مبررا.
-إنت ماوحشتنيش، مراتي بس اللي بتوحشني، وامشي شوفلك لعبة العب بيها عايز أنام. قال وحشتك. قالها وأغلق الهاتف
نظر عز للهاتف جاحظا عينيه
-شوفت الواد قال ايه، يخربيتك يابن جواد. قهقه جواد يضرب يديه ببعضهما ثم ربت على كتفه بقوة
-قوم يازيزو روح ياحبيبي، خد المخدة في حضنك ونام. نهض عز واتجه إليه، ولكنه هرول يضحك بصوت مرتفع
-خلاص ماتتحولش هنروح نسرق توت
توقف عز يضع كفيه بخصره.
-على اخر الزمن ياعز شوية حلاليف يلعبوا بيك، الواد دا بيقول نسرق توت يعني ايه. يقصد نخترق الأجهزة ولا ايه يخربيت غبائه
بقصر المنسي
طرقت على باب جناحه ثم ولجت للداخل وجدته يقوم بعمل رياضيته، وزعت نظراتها على الجناح بأكمله، توقفت أمام صورة تجمع العائلة. تلألأت عيناها بالعبرات اقتربت تتلمسها، فشعرت بذراعه يحاوط جسدها
-ماذا تفعلين هنا جنيتي؟
أزالت عبراتها تشير على الصورة
-لسة محتفظ بيها.
أدارها إليه حتى أصبحت بمقابلته
-لماذا تبكين صغيرتي؟
تراجعت بعيدا عن ذراعيه
-مجليش نوم فجيت اقولك عايزة ارجع شغلي من تاني وعمي جواد رجع من اسبوع وسأل عليا في المستشفى، وهيزعل اوي لما يعرف سبت المستشفى من غير ما أقوله واشاركه زي كل مرة
قاوم صدع كلماتها التي ازعجته فأشار بسبباته محذرا.
-انه ليس له الحق فيما أفعله معكي، نعم أنني احترمته لوقوفه بجانبك، ولكن لابد له أن يعلم أنني عدت وامرك يهمني أكثر من أحد. أخبريه انتي وافقت على وجوده بحياتك لتوقفه معكي بغيابي فقط. أخبريه عن موعد زفافنا، يكفي مرور ذاك الوقت
-وهيا اخرجي من غرفتي، ولم يوجد لديك عمل بعد آلان، عملك هنا بغرفتي وسط أحضاني ماليس سوى ذاك. هيا اخرجي آلان
شعرت بقبضة تعتصر فؤادها ويحترق ألما على كلماته النارية، فاقتربت منه.
-إنت ليس سوى ابن عمي ليس إلا. انا حرة ونسيت اقولك يابن عمي أنا مرتبطة بشخص تاني. لكمته بصدره واهتاجت صارخة
-جاي بعد 15 سنة توقف قدامي ببجاحة وتقولي انا حقك، كنت فين لما دفنت ابويا وحيدة، كنت فين لما كنت بتعب ومابلقيش اللي يقولي هوني على نفسك، الراجل اللي بتقول عليه مش من حقه، هو اكتر شخص له الحق فيا. قالتها واستدارت متجهة لغرفتها سريعا.
بغرفة ياسين قبل عدة ساعات
توقف يستمع إليها بذهول، ارتبكت تتراجع للخلف وهي تشير للهاتف
-دا. دا. اقترب منها يرمقها بنظرات نارية
-دا عشيقك الحقير صح. دفعته صارخة
-اخرص. انت ازاي تتجرأ وتقول كدا، أصابها الذهول واخترقت كلماته روحها لتنزف بصمت.
-من اول مرة اتقابلنا فيها وانت نظرات شك واتهام وبس، سألت نفسك مرة واحدة انا ممكن اعمل كدا ولا لا، واحدة عارفة معالم دينها، وبتخاف ربها ممكن تنزل الانحطاط دا، لا طبعا سمعت انت وكريم ونفذت حكم الاعدام. ازاي انتوا ظباط اه ازاي
واحد عديم الاخلاق عرف يلعب بيا، وانتوا حكمتوا عليا. عمري ماهسامح حد فيكم، انا بكرهكوا كلكو
أخرجت كل مايؤلمها ونظرت إليه بنظرات معاتبة تنخرط ببكاء مرير.
-شوف التليفون وبعدين اتهمني براحتك، دا رقم رن عادي معرفوش
فكرت جنى لأنها كل شوية بتغير رقم، واكيد سمعتني
اكتفت بإيماءة تتراجع للخلف وتنساب عبراتها بقوة
-طلقني مبقتش طياق انت انسان مريض، مريض بالعند والتكبر، زي مايكون الكون كله تحت امرك، مستحيل افضل على ذمة شخص ذيك
ظلت تبكي بشهقات
-بكرهكوا كلكوا، قالتها وولجت لغرفتها تغلق الباب خلفها بقوة.
جلس على المقعد وانفاسه تتسارع داخل صدره حاول تهدئة نبضات قلبه التي صخبت بقوة
نهض يثور كالأسد المفترس يحطم كل مايقابله
-حقيررررة. استمعت لصراخه بالخارج أطبقت على جفنيها متألمة
-ليه ياياسين تعمل كدا، وضعت كفيها على صدرها هامسة
-يارب اصلح حالي، يارب خدلي حقي من كل من اذوني. تمددت تتكور بوضع الجنين حتى غفت بمكانها
بمنزل جاسر.
خرج من مرحاضه يقف أمام المرآة يصفف خصلاته بعدما ارتدى ملابسه، جمع اشيائه الخاصة يضع سلاحه بخصره، كل هذا وهي تراقبه بعينان تفيض ولعًا بعشقه. استدار متجهًا إليها
-همشي جنجون وساعتين هرجع اويكي حي الألفي
هبت من مكانه متناسية ماترتديه.
-بجد ياجاسر يعني هنروح حي الألفي، انا بحبك أكتر واحد في الدنيا، قالتها بطفولية، وقف ونظراته تخترق جسدها الذي لا يستره سوى منامة شفافة تصل أعلى ركبتيها، دنى بخطوات سلحفيه ومازالت نظراته تخترقها، توقفت عن الحديث تنظر إلى ماينظر إليه، جحظت عيناها، تلقيه بالوسادة ثم هرولت للمرحاض.
-أنا كنت عارفة إنك قليل ادب، غبية ياجنى سايبة الرجالة المحترمة كلها ورايحة تتجوزي ابو عين زايغة، أغلقت باب المرحاض تعض على أناملها تبتسم بخبث عندما استمعت لطرقاته على الباب
-مش عجبك عايزة تتجوزي راجل محترم. ، طيب انا قليل ادب، افتحي الباب يابت
وضعت كفيها على فمها تمنع ضحكاتها ثم هتفت من خلف الباب
- اه انت قليل ادب واقف تبصبصلي، ركل الباب بقدمه.
-عارفة لو مش ورايا شغل صدقيني كنت اعرفك ازاي ابصبصلك يامؤدبة
صفقت بكفيها تبتسم بسعادة ثم تحدثت: -روح شغلك ياحبيبي اتأخرت، واقفل رماديتك دي علشان محطلكش فيها ملح يابن جواد
تحرك وهو يطلق صفيرًا قائلا: -ماوعدكيش ياجنجون قولتلهم ينقلوني قضايا الاداب المخدرات دي كلها مجرمين بس الاداب فيها ستات حلوة. لم يكمل حديثه عندما استمع لفتح باب الحمام، تخرج منه كالمجنونة
وصلت إليه تلكمه بصدره صارخة به.
-ستات ايه يابو عين زايغة يابتاع الاداب، طب والله لأعلمك الادب اهو مفرد اداب، ظلت تلكمه كالمجنون تصرخ به، وصوت ضحكاته التي ارتفعت بالمكان يرفعها لاحضانه يدور بها يدفن رأسه بخصلاتها
- اخيرا خرجتي ياروحي، شوفتي عرفت اخرجك. حاولت التملص من أحضانه
-وسع يارخم يابصباص يابتاع الاداب
ألقاها على الفراش ومازالت ضحكاته تزين وجهه، حاوطها بذراعه.
-أنا بصباص ياجنجون، وقليل ادب وعايزة تتجوزي واحد مؤدب. طيب هبص اهو. قالها وهو يوزع نظراته على جسدها، يمرر أنامله، وضعت كفيها على وجهها تغمض عيناها
-بس بقى ياجاسر، عيب كدا، والله هعيط، ياله امشي بقى.
اقترب من وجهها يزيل كفوفها يهمس لها
-لازم اصالح جنجونة قلبي الأول وأعرفها أن عنيا مش شايفة غيرها، وبدعي من ربنا لو حاولت في مرة اشوف غيرها ودا اللي مستحيل يحصل علشان مفيش اجمل منها في الدنيا كلها، ربنا يصبني بالعمى ياروحي
قالها وهو يدنو يطبع قبلة بجانب شفتيها واستأنف همسه.
جاسر بيعشق جنته، مش محتاج لحد تاني انتي اخترقتي القلب وتربعتي على عرشه ياروحي ومفتاحه يخصك وحدك قالها وهو يفترس ملامحها الجميلة ثم اعتدل وأشار عليها
-هبلة نسيت أنها كانت طول الليل كدا في حضني، اجهزي حبي فرح ياسين اخر الأسبوع هخليكي تباتي كمان ليلة هناك. قالها واستدار سريعا للخارج يحاول السيطرة على نفسه من طلتها التي أضعفت كيانه وزلزلت دواخله.
هبت من فوق فراشها
-جاسر!
توقف يواليها ظهره، تحركت إليه ثم أدارته إليها ترفع نفسها تطبع قبلة بجانب شفتيه: -هتوحشني اوي، مش عايزاك تفكر في أي حاجة غير مراتك حبيبتك، ومش عايزة ابات بعيدة عنك
مسد على خصلاتها ثم استدار وتحرك
ارتدى نظارته متجها لسيارته يتحدث بهاتفه: -جهز القوة جالي إشارة بالمكان، هعدي اجيب إذن نيابة
باليوم التالي عند ياسين.
خرج من شركة الاتصالات يتحدث بهاتفه: -كريم ابن عمك هموته سمعتني، توقف كريم متسائلاً: -فيه ايه ياياسين؟
-الحقير لسة بيكلم اختك ياكريم، صدقني أنا بحاول أمسك نفسي معاها علشانك، هي متلزمنيش، لسة جاية من شركة الاتصالات دلوقتي، بيكلمها وبيبعتلها رسايل بس اختك بتمسح الرسايل، انا بحاول امسك نفسي ياريت تكلمها وتفهمها أنها متجوزة.
شعر كريم بغصة تختنقه، حاول الهدوء فأردف: -هزورها ياياسين، لازم نتكلم مبقاش ينفع وخاصة بعد موضوع حفلة جوازكم دي، مش عايز حد يشك، واتعامل ياياسين على انك عريس ياخي وهشوف خالد
لكم القيادة بعنف صائحا: -أنا مش عريس ياكريم سمعتني. قالها وأغلق الهاتف يقود السيارة بسرعة جنونية حتى وصل للنيل توقف ينظر بحزن يقبع داخل صدره ذهب بشروده لذاك اليوم الذي جعله بلا نبض
فلاش: خرج من كليته وقام بمهاتفتها.
-لي لي. انا جايلك حبيبتي. نهضت من جوار أصدقائها ترجع خصلاتها للخلف بفعل الرياح
-جاي دلوقتي. ابتسم والسعادة ترتسم بعينيه قائلاً: -اطلعي برة قدامي دقيقتين بس
توترت مرتبكة فتحدثت بتقطع:
-بس. أنا، يعني عندي محاضرة دلوقتي مينفعش ياياسين. مازالت الابتسامة تزين وجهه.
-مش هأخرك، اطلعي ياله وحشتيني. أغلق الهاتف يطلق صفيرًا ثم فتح هاتفه على الموسيقى الهادئة مبتسمًا بحبور، وصل بعد قليل مترجلا من سيارته متجها إلى وقوفها، ولكنه توقف عندما وجدها بتلك الثياب مرة أخرى. اقترب إليها يرمقها بنظرات تود إحراقها. توقف أمامها صامتًا وعيناه تحكي الكثير والكثير.
ابتلعت ريقها بصعوبة وهتفت: -ياسين لازم نتكلم. أشار بيديه للتحرك. ترجلت من سيارته متجهين لكافيه على النيل. جلست بمقابلته تطالعه فترة من الصمت ثم تحدثت
-أنا آسفة على اللي هقوله بس لازم تسمعني للآخر
وصل النادل لمشروباتهم
-عايزة كولا لو سمحت. قالتها بهدوء
ثم اتجهت بنظرها لياسين الذي هتف
-قهوة مظبوطة لو سمحت. قالها ثم اقترب يستند على الطاولة منتظر حديثها.
-ياسين انا مش هقدر اتجوزك، فكرت كويس مستحيل اقدر اعيش في مصر، عرفت من بابي إن الظباط مابيسافروش وحياتكم بتكون مقيدة اوي، حقيقي آسفة ياياسين مش هقدر اكمل معاك وكمان انت بتقول ماينفعش نرتبط طول ماانت في الكلية، ومينفعش نتقابل، حياتك غير حياتي، انا متعودة على الحياة في امريكا، هيكون صعب اوي اقدر اتأقلم على الحياة هنا. صمتت تنتظر حديثه، ولكنه ابتعد بنظره بوصول مشروباتهم. استمعت لرنين هاتفها امسكته تنظر إليه ثم نظرت الى ياسين فتحدثت قائلة: -سوري ياياسين لازم ارد.
-أيوة ياحسام. نظرت بساعة يديها وأجابته: -تمام هستناك قدام الكلية بعد ربع ساعة، لا خلصت محاضراتي. اوكيه
حمحمت متوترة تطالعه: -دا حسام ابن شريك بابي، دكتور في جامعة بأمريكا، ونزل إجازة واتعرفنا على بعض في بارتي لريان ابن عمو عمر. واتقدملي وانا وافقت
نهض من مكانه ملقيا بعض النقود على الطاولة، ثم ارتدى نظارته الشمسية
قائلاً: -ألف مبروك، اتمنى لك السعادة. قالها واستدار سريعا.
خرج من شروده وآه حارقة خرجت من أعماقه
-ليه مكتوب عليك الغدر ياياسين، فوق وماتخليش حتة بت زي دي تلعب بيك. شغل مقود السيارة متجهة لمنزله
وصل بعد قليل لغرفته
دفع الباب وبحث عنها بعينيه. اقترب حيث جلوسها بالشرفة، تضع رأسها فوق ركبيتها تنظر للخارج بعينين خاوية من الحياة. انحنى لمستوى جلوسها.
-ايه البرنسيسة عاجبتها القعدة، اجهزي يا. صمت للحظة يرمقها بإزدراء: -مش عارف اقول ايه. مدام ولا آنسة، رغم اني اشك من كلمة آنسة دي. رفعت نظرها إليه وأجابته بروح محترقة وقلبا يتمزق ألمًا
-إنت إنسان مريض كلك عقد عايز تروح لدكتور نفسي، ابتسامة ساخرة تجلت بعينها وتحدثت متهكمة تغرز عيناها بعينيه النارية
-حتى الدكتور النفسي مش هيقدر يعمل معاك حاجة، احسنلك تشوف شيخ يطلع عفاريتك.
ضغط على فكها بقوة: -عرفت أنه بيكلمك ياحقيرة، ومن زمان مش من دلوقتي، بس ياترى الأمورة بتروح تقابله. ضغط بقوة يتحدث من بين أسنانه: -عندك جرأة توقفي قدامي وبتتبجحي
حاولت الابتعاد قائلة: -ابعد عني متلمسنيش
-انتِ ايه ياشيخة رغم اللي أنتِ فيه بس لسانك اطول منك
ضغط على خصلاتها
-تدخلي زي الشاطرة تعمليلي اكل، وتكوي الهدوم، وبعد كدا أشوف هعمل فيكي ايه.
دفعته بقوة وتحدثت بعينان تطلق سهامًا مشتعلة: -قولتلك مليون مرة بطل الهمجية اللي انت فيها دي، انا هنا مش الخدامة بتاعتك، ولأخر مرة هقولك طلقني لو فعلا راجل، مع إني أشك. سحبها بقوة خلفه يجرها من خصلاتها متجها للداخل، فقد أخرجت شياطين الجحيم القابعة بداخله.
-هعرفك انا راجل ولا لأ يامؤدبة يابنت الناس المحترمة. توقفت متراجعة تمنعه بضراوة. جذبها بقوة فلقد أظلم قلبه الحالك واحترق بنيران الغدر والخيانة يدفعها بغضب على الفراش
-دلوقتي هعرفك انا راجل ولا لأ
هزت رأسها وتسابقت عبراتها ضربات قلبها مذهولة من تحوله
ياسين متعملش كدا، انت عارف اخر جوازنا ايه من فضلك ماتخلنيش اكرهك
ضغط على كتفها بقوة آلامتها.
-ليه ماشبهش الحيوان اللي بتكلميه، انحنى مقتربا من ثغرها ابتعدت تدفعه وتبكي تهتف من بين بكائها
-ابعد ياياسين.
ضغط على ثغرها بخاصته كالمنتقم من حبيبه، إلى أن صمتت مقاومتها.
تراجع مبتسما بسخرية: تؤ مش حلوة. طعمها وحش. قرص وجنتيها وتحدث مشمئزًا: -متخافيش مش هقرب منك لان مفيش حاجة تشدني، أشار عليها مستهزئا
-إنتِ على بعضك ماتحركيش فيا حتى نظرة. ادخلي اجهزي علشان اليومين اللي قبل الفرح دول تروحي عند جاسر.
اهو حتى اطمن انك تحترمي نفسك.
اقترب وحاوطها بذراعيه ينظر لدموعها
-بلاش دموع التماسيح دي، سبيها لليلة دخلتنا، دنى حتى اختلطت انفاسهما
-اجهزي ياعروسة فرحنا بعد يومين ولازم نعمل دخلة بلدي، ودا أمر ياروح ياسين. قالها مبتعدا يطلق صفيرًا وتحرك للخارج
-هستناكي تحت، على الله تتأخري هطلع واقدم الدخلة على طول
اهتز جسدها حتى شعرت بإنهيارها وعدم قدرتها على الوقوف، فهوت جالسة تضع أناملها على شفتيها
تهمس لنفسها.
-هو باسني ولا أنا بتخيل، وضعت كفيها على وجنتيها لتشعر بلهيبها
-الواد دا هيموتني بسكتة قلبية. بس وحياة ربنا ماهرحمك ياحضرة الظابط
ظلت بمكانها لبعض الوقت تفكر بشيئا ثم نهضت من مكانها متجهة لغرفة ثيابها
بعد عدة ساعات وخاصة وقت الظهيرة
ولجت الخادمة إليها
مدام جنى فيروز برة عايزة تقابل حضرتك، لا تعلم لماذا شعرت بتوقف نبضها وانتابها رعشة مخيفة، فأشارت الخادمة
-خليها تدخل. طالعتها عاليا.
-جنى دي فيروز اللي كانت متجوزة جاسر، كأن لا يوجد احد سواها، قلبها ينبض بعنف، وارتعاشة بسائر جسدها
حتى ولجت فيروز وابتسامة متسعة على وجهها قائلة
-اتقابلنا تاني ياجنجون.
ابتسامة باردة بملامح جامدة تطالعها بصمت حتى تحدثت فيروز
-فين جاسر، جاي افرحه واقوله مبروك هيكون أب بعد سبع شهور
برودة اجتاحت جسدها بالكامل، وتحجرت عبراتها بمقلتيها، شهقة خرجت من فم عاليا.
ابتلعت جنى ريقها ف.
قهقهت بصوت مرتفع ورسمت البرود على ملامحها، وجلست تضع قدم فوق الأخرى، ثم امالت تجذب حبة من الكريز
-بتقولي انك حامل من جوزي صح قالتها وهي تطالعها بنظرة نارية على برودها
-ايه مش مصدقة، ولا ايه. قالتها فيروز
جذبت محرمة ورقية ومسحت فمها ثم نصبت عودها
-مش موضوع مصدقة ولا لأ، موضوع اني واثقة في جاسر، بصي هو بعيد عني أهو، بس ميعملهاش.
ولو على قصدك الليلة إياها، وحياتك ياحبيبتي لو بعتيلي الفيديو نفسه هقولك مستحيل. مش مصدقاكي
رغم انهيارها الداخلي إلا أنها هتفت تشير على الكريز
-تاكلي كريز علشان البيبي إنما انتي وصلتي الشهر الكام. قاطعتهم الخادمة
-مدام جنى حضرة الظابط جه برة وبيقول لحضرتك اطلعيله
رمقت فيروز بنظرة خبيثة مبتسمة ثم اتجهت لعاليا
-نادي على حضرة الظابط يالولو
قولوا ام ابنك جوا
ولج جاسر ونظراته عليها.
-ايه حبيبي مش هنروح حي الألفي
تحركت جنى من أمام فيروز لتظهر لجاسر
قطب جبينه متسائلًا: -ايه اللي جابك هنا يابت. اتجهت جنى إليه ثم اقتربت منه تحتضنه
-حبيبي وحشتني. طوقها بأحضانه يطبع قبلة على رأسها وعيناه على تلك الواقفة
-البت دي جاية هنا ليه. طوقت ذراعه واتجهت إلى فيروز تشيرا عليها مشمئزة
-الاستاذة جاية ومفكراني هبلة وهصدقها، وبتقولي أنها حامل. قالتها وهي ترفع عيناها المتألمة إليه.
لف ذراعه يحاوط خصرها يهمس بجوار أذنها
-جنى! أغمضت عيناها واجابته
-أنا هطلع اوضتي ياجاسر، هستناك فوق. تحركت بعض الخطوات. فجذبها لأحضانه
-5دقايق واكون عندك.
-أنا قولت لمنيرة تجهزلها أوضة في الجنينة جنب أوضة الكلب ياحبيبي
قالتها وتحركت للأعلى تنادي على منيرة
-جهزي الغدا يامنيرة، لغيت الرحلة
اتجه إليها تراجعت بخطواتها للخلف
-اسمعني ياجاسر، والله انا حامل ولو مش مصدقني خدني للدكتور
جنى، صاح بها جاسر.
توقفت عن تحركها اجهزي ياقلبي هنروح حي الألفي، قالها بدخول أحد الرجال يشير على فيروز
-خد المدام دي احبسها في أوضة الجنايني، ممنوع تخرج من باب الاوضة. اقترب وابتسامة على وجهه
-شوفتي انا جبتك لحد عندي إزاي، بتقولي الولد ابني صح
اقتربت منه تغرز عيناها به
-اه ابنك ولو مش فاكر عملت ايه في الليلة إياه افكرك، استدارت برأسها لجنى قائلة
-طبعًا مش هقولك على جوزك حبيبك بيكون حلو ازاي ياجنجون، صفعة قوية على وجهها.
-إنتِ واحدة ذبالة، هستنى من واحدة وهي بتخطط ازاي تخلي راجل. استغفر الله العظيم. اقتربت منها ترمقها بإستحقار
-اسمعيني يافيروز، لأن زمان سكت لك
انا متأكدة من جوزي، والله حتى لو جبتي لي فيديو وقولتلي دا جاسر. مش هصدقك، واحنا هنطلع ولاد أصول معاكي وأنا بوعدك يافيروز
لو دا ابن جاسر هخليه يعترف بيه
قالتها واستدارت للأعلى
-جنى، صاح بها وهو يجلس على مائدة الطعام يجذب محرمته ثم هتف.
-ايه مش هتتغدي معانا علشان ترحبي بمدام فيروز وابنها
تجمد جسدها، فضغطت على ردائها
ثم تراجعت لمائدة الطعام ورسمت ابتسامة
-أكيد ياحبيبي، هو احنا هيجلنا أعز من فيروز، قالتها وهي تجذب مقعدًا بعنف ثم جلست عليه
تشير إليها: -اتفضلي يامدام. دا حتى بعزم عليكي ومتخافيش انا مش زبالة زي ناس علشان احطلك حاجة في الأكل، وزي ماوعدتك. رغم ما يشعر به من كلماته إلا أنه سحب كفيها يطبع قبلة عليه.
-تسلم ايدك حبيبتي. عملتي الأكل اللي بحبه. ارتجف كفيها من ملامسته، فحاولت سحبه الا أنه تمكن منه حتى جعلها تطعمه بيديها
صرخت فيروز الذي تطالعهم بحالة جنونية
-جاسر. أنا جاية أقولك أنا حامل وانت قاعد تهزر مع المدام
لم يعريها أهتمام فأمسك بعض قطع اللحم يطعمها مبتسمًا ثم رفع رأسه إليها.
-مش إنتِ قولتي اللي عندك وأنا سمعت ومراتي طلبت من منيرة تجهزلك أوضة في الجنينة، يبقى تروحي عليها وتستني ردي. وآه مينفعش تقعدي معانا
-منيرة!
نعم ياباشا. أشار على فيروز
-روحي مع محمد شوفي المدام محتاجة ايه، وخديلها اكل أصلها حامل
بعد قليل خرجت منيرة ببعض الطعام إليها أوقفها جاسر
-فين العصير يامنيرة. ألقت الملعقة وتوقفت بغضب تنظر لعاليا.
-مالك ياعم الحنين عصير ايه انت صدقت نفسك ولا ايه المدام مش حامل ياحنين
انحنى يطبع قبلة بجانب شفتيها هامسا
-جنجونة الشرسة حبي
ثم أخرج من جيبه عبوة يفرغها داخل العصير، ثم أشار لمنيرة
-خليكي معاها لما تشربه مع شوية نصائح يامنيرة ومتنسيش اللي قولتلك عليه
اومأت مبتسمة قائلة
-حاضر ياباشا
ضيقت جنى عيناها تنظر إليه بريبة
-جاسر انت بتعمل ايه، أشار لعاليا.
جوزك جه برة ياله عندنا حنة الليلة ياجنجون، خلي بالك من العروسة ياروحي
بعد عدة ساعات
ارتدت فستانا من اللون الاحمر وجلست أمام غنى التي قامت برسم حنتها ببراعة
-تعرفي انك قمراية ياعاليا، تستاهلي حضرة الظابط يضحي علشانك
طأطأت رأسها بحزنًا مع دخول غزل إليهم
-بسم الله ماشاء الله حبيبتي. طالعة زي القمر. والدتك ووالدك برة واخوكي.
نهضت تحمل فستانها تتحرك إليهم بقلب ينبض بالأشتياق رغم حزنها منهم. نهض ياسين ينظر لجمالها الخارق الملفت بردائها الأحمر وخصلاتها المموجة ناهيك عن لمساتها التجميلية التي انارت وجهها فجعلتها أسطورة ملكية
اقترب منها متلاشيا وجود الجميع توقف أمامها نظرت للأسفل بخجل من نظراته التي افترستها، اقترب يطبع قبلة مطولة على جبينها هامسا لها.
-ياريت الجمال كل حاجة ياعاليا، حاولي تمثلي قدام الكل أننا بنحب بعض، أنتِ أستاذة في كدا
لكزت جنى جاسر
-ايه رأيك. رفع حاجبه متسائلا: -مش فاهم
همست بجوار أذنه
-نقربهم من بعض ياجسور، مالكش في العواطف خالص
انحنى يهمس لها
-ليا في حبك بس ياجنجون، اقترب عز يقف بينهم
-وسع يالا. عايز اختي انت مابترحمش نفسك. تحرك للخارج دون حديث
يمسك هاتفه
-راكان!
اجابه راكان.
-اذن النيابة جاهز من الصبح ياجاسر، بس بقولك لازم تفكر كويس هتعمل ايه. وضع يديه بجيب بنطاله متحدثًا
-البت عندي وجاية وعاملة حوار بس كنت مرتبله
ضيق راكان عينيه متسائلا: -تقصد ايه؟
-راكان انا هأجل الموضوع شوية لبعد فرح ياسين، وان شاءالله وقت مانرجع
هكلمك على طول
-تمام ياجاسر، بس إياك تقتل البت انت هتضرر اكتر واحد. بتر حديثه عندما شعر بوجود جواد خلفه فأغلق الهاتف
-سامعك ياباشا. قالها جاسر وهو ينظر للبعيد.
-متحاولش تقرب من البنت ياجاسر البت عاملة فيديوهات وموزعها يااهبل، اللي طولته اخدته، بس معرفش واصلة لحد فين.
بعد عدة ساعات
بغرفة ربى
ولج إلى الغرفة بهدوء كانت تتشبث بمهد طفلها تهزه وهي تغفو. ظل للحظات يتابعها بعينيه لبعض الوقت حتى تحرك بخطوات بطيئة وعيناه ترسمها حتى وصل إليها، انحنى ثم حملها بهدوء. فتحت عيناها، ابتسمت تهمس اسمه، ضمها لصدره كطفل رضيع
-روحه وقلبه. وضعها بهدوء على الفراش، يمسد على خصلاتها وهي تغرق بسباتها مبتسمة، انحنى يطبع قبلته الدافئة على جبينها، ثم اقترب بجوار أذنها.
-بحبك فراشتي. فتحت عيناها بين النوم واليقظة هامسة تجذب عنقه
-وأنا بحبك أوي، كفاية بعد. وضع رأسه بأنفاسه الحارة تضرب عنقها
-وحشتيني حبيبي. رفع رأسه وتقابلت نظراتهما اللتان ازداد بريق العشق بهما منذ فراقهما. همست بإسمه تملس على وجنتيه
-امتى هتغفرلي ذنبي وتصك غفراني. تنهد بغرام يحي القلب وهو يمرر أنامله بين خصلاتها مقتربا يلثم وجنتيها
-مقدرش. مين اللي قال القلب يقدر يعذب حبيبه.
جملة أحيت روحها فرفعت ذراعيها تحاوطه وتحتضنه بقوة
-بحبك ومفيش غير قلبي. بتر حديثها بمعزوفة سيمفونية على ثغرهما لتعقد علاقة روحانية بدقات القلوب. بعد فترة استمع لبكائها بين أحضانه. هب فزعا معتدلا
-ايه اللي حصل. رفرفرت بأهدابها تبكي بنشيج مرير
-ايه اللي عملناه دا، حرام عليك لكمته بصدره وارتفعت شهقاتها
-احنا مطلقين. ربنا ينتقم منك. قالتها وهي تلكمه بصدره
جذبها لأحضانه يتمدد على الفراش.
-نامي ياروبي، دي بوسة بريئة ياروحي
اعمل ايه في حضرة اللوا المفتري رفض ارجعك تاني
نهضت تستند على صدره تدقق النظر بمقلتيه
-عز انت رجعتني لعصمتك صح، ماهو اكيد مش هتدخل وتبوسني كدا
جذبها بقوة
-هضيع الساعتين اللي سرقتهم من جواد على فهمك ياروحي. اتكأ على الوسادة يمرر أنامله بخصلاتها يبعدها عن وجهها
-أيوة رجعتك قبل ولادتك بشهر، نامي علشان بكرة اليوم طويل، متخافيش هكون مؤدب، وبطلي كلام لو جواد قفشني هنا هيدفني.
وضعت رأسها بصدره تحاوط جسده واغمضت عيناها مبتسمة فاخيرا تستمتع باحضانه الدافئة
ولج للداخل يبحث عنها، كور قبضته فكلما تذكر حديثها مع غنى يصاب بالجنون. استمع إلى رذاذ المياه بالداخل، اتجه للشرفة واشعل سيجاره ينظر للخارج. التوت زواية فمه مبتسمًا على ماتفعله به جنيته. جلس يرفع أقدامه فوق الجدار ينفث تبغه وابتسامة على وجهه كلما تذكر غيرتها المجنونة، ذهب بذاكرته ليلة أمس.
-واقف بتعمل إيه عندك ياحضرة الظابط. تحرك بعدما ابتسم للفتاة معتذرا واتجه إليها
-كنتي فين، كنت بدور عليكي. رفعت حاجبها ساخرة، ثم جذبته من زر قميصه
-عيونك الحلوة دي ياجسورة هشيلها من وشك لم نفسك، دفعها بقوة على الجدار، يحاوطها بذراعيه
-عايز اعرف هتعملي ايه في عيوني ياجنجون، يرضيكي تشيلي عيوني اللي بشوفك بيها
دنت تتلاعب بزر قميصه، ثم رفعت نفسها تهمس له.
-استهبل ياحبيبي، جنى مبقتش الهبلة العبيطة. ضغط على خصرها يجذبها بقوة حتى اختلطت أنفاسهما
-تفتكري الهبلة لما كبرت عرفت جوزها بيحبها اد ايه، علشان جاية تشك فيه، لا وكمان عايزة تعميني
ارتجفت شفتيها من أنفاسه القريبة
-جاسر ابعد الناس تشوفنا هيقولوا ايه. لامس وجنتيها بخاصته يهمس
-هيقولوا مهلكته بتغير عليه وزعلانة وهو بيصالحها، مش أنتِ بتغيري عليا ياجنجون
تاهت بقربه ورائحته التي اسكرتها فهمست.
-اوي، بغير عليك اوي ومش عايزاك تشوف غيري. داعب وجهها يستنشق أنفاسها
-وحبيبك مش شايف غيرك وبس
خرج من شروده على صوت خطواتها، رفع نظره كانت تقوم بتجفيف خصلاتها بالمنشفة، ثم ألقتها على المقعد وجلست أمام طاولة الزينة، خطى إليها بخطى سلحفية، رأت صورته بإنعكاس المرآة، فاستدارت تطالعه بذهول
-بتعمل إيه، مش المفروض انت في الشغل. لف المقعد وحاوطها بذراعيه ينظر لأنعكاس صورتهما.
-وحشتيني مقدرتش اصبر. نظرت له من فوق أكتافها
-بتهزر صح. وضع رأسه على كتفها ومازالت نظراته عليها
ازاي تسمحي لنفسك تخلعي هدومك قدام حد يامدام
لفت رأسها تنظر إليه بذهول
ايه اللي بتقوله دا اتجننت، جز على أسنانه ينظر لفتحة مأزر الحمام، ثم حرك أنامله ابتداء من عنقها حتى وصل لفتحة صدرها، كانت تتابع حركة أنامله بقلب مرتجف
-جاسر بتعمل ايه عيب كدا، أدار المقعد يرمقها بسهام الغيرة النارية
اومال إيه دا؟
قالها يجذب رابط مازرها حتى ظهر جسدها بالكامل امامه.
شهقت تلملم المأزر.
ايه اللي بتعمله دا، اتجننت
جز على أسنانه وتحدث غاضبا بعدما ظهرت تلك الشامات أمامه
-هو انتي لسة شوفتي جنان، دا انتي نهارك اسود النهاردة، رايحة تكشفي نفسك قدام حد غيري يابت
تراجعت بالمقعد تحاول الابتعاد من قبضته بعدما علمت بنيته
ولكنه كان الأسرع، فجذبها بقوة.
-هعرفك ازاي تتجنني تاني يابتاعة الشامات. تراجعت برأسها تنظر لعيناه التي تحولت للونها الداكن
هتعمل ايه. تسائلت بها بتقطع
-هرسملك شامات مش تنسيها طول عمرك مش أنا أولى يام كنان
تحركت مسرعة إلا أنه جذبها بقوة يضمها لأحضانه يهمس لها
-وحياة جنى عندي لازم أعملك شامات أحسن من دي، وضعت رأسها بصدره خجلا من مقصده هامسة بتقطع وهي تتشبث بقميصه
-جاسر عيب ايه اللي بتقوله دا، ضغط على خصرها حتى تأوهت.
-ولما هو عيب روحتي قعدتي قدام غنى تعمل الحاجات دي ليه. قالها وهو يمرر أنامله على فتحة صدرها
ابتلعت ريقها بصعوبة وحاولت الحديث ولكنه منعها عندما وضع إبهامه على شفتيها يهز رأسه
-هتتعاقبي ياجنجون. صمت بالنظرات بينهما حتى قطعته
-أنا حبيت اغير واعملك حاجة كويسة، وانا بعمل دا لنفسي
-جنىىىى. قالها وهو يجز على نواجزه ومازال يضغط على خصرها بقوة قائلا بعيون ترمقها بسهام الغيرة.
-انتي ممكن أكون فرحان بكدا، اتجننتي، تكشفي جسمك قدام حد علشان تبسطيني. تلألأت عيناها بطبقة كرستالية
-جاسر والله كنت بعمل كدا علشانك، وكمان دي اختك مش حد غريب. وضع رأسه بحنايا صدره بأنفاسا لهيبية كادت تحرقها هامسًا
-مين قالك انا مش مبسوط بيكي كدا، رفع رأسه وتقابلت النظرات بعتاب عاشق
-بموت في كل حاجة فيكي على طبيعتها، عمر الحاجات دي ماتحركني.
هتستهبلي يابت، شوفتك مع غنى وسمعتها وهي بتقولك ارسملك الحنة في الامانات ياجنجون، اقسم بالله. وضعت كفيها على شفتيه
-بتقول ايه يامجنون
قهقه عليها يجذبها لتجلس بأحضانه
-بابا عرف أن فيروز عندي، وعارف حاجات اكتر من كدا
تنهدت متألمة تسحب نفسًا ثم استدارت
-جاسر ايه رأيك نسافر يومين مع ياسين، بجد محتاجة ابعد عن كل دا
احتضن وجهها ينظر لعيناها الحزينة.
-حاضر. جهزي نفسك بعد الفرح هنسافر، بس مينفعش برة مصر، خلينا في شرم اكتر. نهضت من مكانها واتجهت لغرفة ملابسها
-هروح اشوف بابا، هيبات هنا، توقفت مستديرة تطالعه بصمت. اقترب منها يلثم جبينها قائلا
-باتي معاه ياقلبي، اومأت مبتسمة ثم تحدثت
-هتبات هنا ولا تروح بيتنا، اتجه للمرحاض يهز رأسه
-لا مش هبعد عنك هنام هنا يمكن تغيري رأيك وحضني يوحشك.
توقفت ونظراتها على دخوله للمرحاض، أمسكت ردائها وهوت جالسة على المقعد وانسابت دموعها تهمس لنفسها
-ليه السعادة محسوبة عندي بالدقايق
بعد يومين
صفقت بيديها كالأطفال
قول والله، تأفف بضجر ينظر لعاليا، شوفي وخليكي شاهدة علشان بتزعل لما بقولها مجنونة
رفعت نفسها تحاوط عنقه
-خلاص ياباشا مصر، عرفت انك مابتضحكش عليا. حاوطها وتحاوطها متحركًا جهة الشاطئ فتوقفت تنظر لعاليا الصامتة
-واقفة ليه ماتيجي. هزت رأسها وابتسمت.
-لا هستنى ياسين، روحوا انتوا واحنا هنحصلكم
جذبها من كفيها وأسرع قائلا
-البت دي بتفهم، لكزته بذراعه
-اتلم احسنلك، وياله عايزة اطير الطايرة. توقف يطالعها بنظرات مبهمة فدنى يجذبها لأحضانه، يضع جبينه فوق جبهتها
-طيب ماتيجي تطيرني مش احسن
قطبت جبينها متسائلة
-وانت هطير ازاي، عندك جناحين ولا هتعمل عباس بن فرناس
دنى بأنفاسه غامزا بعينه
-لأ طيراني من غير أجنحة ياجنجون، طيران بقلبي ياروحي.
ابتعدت بعدما استمعت لصراخ ياسين على عاليا، استدار جاسر ينظر إليه بصدمة، ولم يستوعب مايراه، إذ اسرع نحوه يصرخ به
مر اسبوعًا اخر
بغرفة مكتبه بالشركة ولج إليه راكان
-اخيرا عرفت اوصلك يابني
نهض من مكانه يضيق مابين حاجبيها
-فيه حاجة ولا إيه
وضع صورة أمامه
-تعرف الواد دا
امسك الصورة وأومأ برأسه
-أيوة. دا ابن عم فيروز ليه
وضع اسطوانة امامه قائلا.
-لقيت دي عنده، الواد دا شوفته مع أمجد مرة، خليت حد يجبلي اخباره، عرفت أنه بيتردد على شقة طليقتك اللي هي اصلا وخداها في مكان بعيد بس اللي عرفته أن جواد الألفي وراها خطوة بخطوة معرفتش عايز منها ايه، بس لما حد قالي انك كنت عندها، وكمان جواد بيراقبها يبقى اكيد فيه حوار
رجع بجسده على المقعد واشعل سيجاره
-اه وراها حوار بس شخصي، يهمني انا بس، ضحك راكان ساخرا يشير الاسطوانة.
-أيوة ماانا عارف، شوف دي وانت تتأكد أنهم بيرتبوا لمصيبة
-عارف. قالها جاسر ببرود
-راكان عايز اعمل حاجة علشان نعرف ندخل بين مهربين سينا
-تقصد ايه؟
قص مايخطر بذهنه، ولكن قطع حديثه رنين هاتفه. نهض معتذرا
-أيوة ياباشا. فيه ايه يامنيرة
-مدام فيروز عمال تصرخ ياباشا
-سبيها لحد ماارجع، لو حد قرب منها هموتك
-فيه ايه.
دي فيروز. عندي حابسها علشان اخد حقي منها
المهم هتساعدني!
دا خطر جدا ياجاسر!
تراجع يتكأ بجسده ينظر إليه.
-مش خطر ولا حاجة ياراكان بس عايز تخطيط صح
حك راكان ذقنه ثم تسائل
-حضرة اللوا ميعرفش أكيد. نهض متجهًا للمبرد وجلب قنينة مياه متجهًا إليه
-اجبلك تشكوليت. جحظت أعين راكان فنهض من مكانه متجها للخارج
- هيعرف ياجاسر وحياتك عندي ليعرف. تحرك متجهًا إليه يقهقه
-مش هتعملها ياراكان مش من قيمك صح يابن البنداري. خرج الآخر يغلق الباب خلفه بعنف يسبه، فتحدث قائلا.
-خلعت الباب ياحضرة المستشار ودا عهدة ابن الألفي. فتح راكان الباب يرمقه بسخرية
-ليه مش دي شركتكم يالا خليتها عهدة. قهقه بصوت مرتفع بدخول عز ملقيا السلام
-خير يابن عمي اتجننت ولا إيه. جز راكان على أسنانه قائلا
-لا دا من نومه بين نسوانه الاتنين اتجنن
توقف جاسر يرمقه بنظرات نارية، فيما نظر عز مستفهما
-يعني ايه!
↚
مساء يوم الحناء
ولج لغرفتها كانت تخرج بروبها الحريري لتستعد لتجهيزها، رأته غنى فنهضت مبتسمة وهي توزع نظراتها بينهما: -حبيبتي هروح أشوف سفيان وراجعة، أومأت وهي تفرك بكفيها دون حديث. اقترب يضع أمامها صندوقًا كبيرًا ثم أشار: -الفستان دا إلبسيه في الحفلة، وآسف أنا الحاجات دي مكنتش أعرفها.
قالها واستدار متجهًا للمرحاض، جلست بجوار العلبة تفتحها بهدوء. أخرجت ذاك الرداء الحريري الأحمر. انساب برونقه اللامع الذي يبهر الأنظار
مررت أناملها وابتسامة حزينة تجلت على ملامحها
-وبعدهالك ياعاليا، لحد إمتى الدنيا هطوح فيكي، لسة ناوية على إيه معايا يادنيا.
أغمضت عيناها وانسابت عبراتها بصمت، خرج من المرحاض وجدها بتلك الحالة. كور قبضته بعدما تيقن أن هناك ماتخفيه، ولج لداخل غرفة الملابس، وأخرج قميصه الأبيض، وبعض اشيائه الخاصة وولج مرة آخرى ليتجهز، مازالت بمكانها، استنشقت رائحة عطره التي اخترقت رئتيها، فاستدارت برأسها وجدته يقف أمام مرآة الزينة يصفف خصلاته، ظلت تراقبه لبعض الوقت حتى ارتدى ساعة يديه، طالعها من خلال المرآة.
وجدها شاردة به، ولكن سكونها احزنه، لم يتعود على سكونها. فتحدث بمشاكسة: -عارف إني حلو، قالها غامزًا لها، أفاقت بعد حديثه، فنهضت متجهة إليه تعقد ذراعيها أمام صدرها واردفت متهكمة: -عارفة انك مغرور، اقتربت منه وحركت أناملها على قميصه بجرأة منها ونظرت لسواد عيناه قائلًة: -حلو أوي ومن كتر حلاوتك دمك واقف وبيطبق على صدري ياحضرة الظابط. انت ماهو إلا واحد مغرور شايف نفسه معرفش على إيه، بس أقولك حاجة. انزل بغرورك شوية التواضع لله ياعم الحنين، ثم اتجهت لفستانها وأشارت عليه.
-وفستانك مش محتاجاه، هلبس من عندي. قالتها مستديرة، أطبق على ذراعها يطحن ضروسه ضاغطًا على كل عصبًا ثم دنى حتى اختلطت أنفاسهما قائلًا: -الفستان يتلبس واگيد
هنتكلم يابلقيس، هنتكلم واعرف كل مايحوي المكنون، لكن تأكدي لو شكوكي بمحلها هزعلك أوي.
أزاحت كفيه ففتح بعضًا من روبها الحريري الذي ترتديه من حركتها، ذهب بصره رغم عنه. تراجعت سريعًا تغلقه، اتسعت حدقتيها عندما اقترب منها، يجذبها بقوة حتى اصطدمت بصدره العريض، وانحنى بأنفاسه الحارة.
-متخافيش اوي وتفكري نفسك انثى بحق وحقيقي، أشار إليها مشمئزًا واستأنف ماقسم قلبها: -اللي زيك ميعجبنيش. تراجع بجسده ينظر لعيناها المذهولة من حديثه الذي أصبح كخناجر مسمومة شقت صدرها، لقد تجرأ على طعنها بأنوثتها فزاحته بقسوة وأشارت إليه متوعده إياه بداخلها، مردفة لكي تحفظ كرامتها التي دعس عليها: -زيك كدا، انت برضو من الرجالة اللي متهزنيش. قالتها وتحركت مهرولة من أمامه بعدما لمحت شرارة كلماتها على ملامحه.
أطاح كل ماطالته يديه يزأر بغضب
-هعرفك ياحيوانة ازاي مهزكيش
ابتسمت بعدما استمعت لصراخه بالخارج قفزت من سعادتها
-يبقى اسمع صوتك تاني ياحضرة الظابط. نظرت لنفسها بالمرآة
-قال أنا وحشة، هعرفك مين اللي متهزش حضرة الظابط
بفيلا صهيب جلست بأحضان والدتها تتسامر معها بالحديث، وبالجانب الآخر يستمع إليها صهيب. رفع كفيه يمسد على خصلاتها البنية.
-حبيبتي ربنا يسعدك، عايزك تنزلي الشغل مع اخوكي يابنتي، لحد مافارس يرجع خلاص كلها شهرين ويساعد عز
استدارت إليه: -وحشني أوي من يوم فرحي مشفتوش. أمسكت نهى بعض الفواكه وبدأت تطعمها فتسائلت: -جنى فيه حمل ولا حاجة.
ابتعلت الفاكهة بغصة تؤلمها، ووضعت كفيها تلقائيا على احشائها حتى ترقرقرت عبراتها.
-لا ياماما. الدكتور قال لجاسر لازم نأجل الحمل شوية، بس أنا رفضت الحبوب وبطلتها من وراه، انا عايزة بيبي ومش معنى إن ربنا مأردش مرة يبقى خلاص مفيش أمل، ربنا عقبني ياماما على اللي عملته
نهضت نهى تسحبها من كفيها ثم اتجهت بنظرها لصهيب؛
-عايزة جنى هقعد معاها هنبات هنا ياصهيب مينفعش نمشي يوم فرح ابن اخوك.
-استني يانهى.!
توقفت تطالعه متسائلة: -محتاج حاجة. رفع كفيه مردفًا: -ساعديني هتمشى شوية في الجنينة برة. هرولت إليه جنى تساعده حتى نهض، واستدارت تضع وشاحًا ثقيلا حول عنقه
-الجو برد برة حبيبي. ابتسم يمسد على خصلاتها ثم تحرك
-خلصي مع بابا وتعالي برة. أومأت متحركة لغرفتها. جلست نهى تشير إليها بالجلوس
تمددت تضع رأسها على ساق والدتها التي بدأت تمسد على خصلاتها.
-مالك ياحبيبة ماما، عيونك حزينة ليه، متقوليش علشان بابا، بابا كويس وصالحك اهو، ورجعتي تاني في حضنه
انسابت عبراتها تطبق على جفنيها، تشعر بأنين بنياط قلبها، تعض ندمًا لما حدث أزالت عبراتها ورسمت ابتسامة قائلة: -ليه بتقولي كدا ياماما، بالعكس أنا سعيدة قوي في حياتي.
زمت نهى شفتيها مستاءة من رد ابنتها.
-هتخبي على ماما ياجنى، اعتدلت جالسة تحتضن كفيها: -ست الكل عايزة تعمل حما ولا ايه على جوزي، صدقيني ياماما أنا كويسة وسعيدة قوي مع جوزي، دا جاسر عارفة يعني ايه، يعني بالنسبالي الحياة لجنى، تفتكري بعد ماربنا جمعني بحبيبي هكون حزينة ياماما
رفعت والدتها ذقنها متسائلة: -ايه اللي حصل علشان تسقطي ياجنى.
جاسر عمل فيكي حاجة!
هزت راسها سريعًا بالنفي وأجابتها بنبرة حزينة: -ربنا ماأردش ياماما، قولتلك غلطت وعاقبني. ضمتها لأحضانها تمسد على خصلاتها فارتفع بكائها
-نفسي أسعده أوي ياماما، عايزة اجيب له ولد، هموت لو معرفتش اجيب ولاد لجاسر، الفكرة بتموتني.
احتضنت وجهها تزيل عبراتها تضع كفيها على فمها: -اشش ايه اللي بتقوليه دا، أن شاءالله ربنا هيكرمك ياقلبي وهتجيبي بدل الولد اتنين وتلاتة، قولي يارب يابنتي، ومتتسرعيش واسمعي كلام جوزك والدكتورة خايفين عليكي
تراجعت تستند على ظهر الأريكة ترفع ساقيها تضع ذقنها اعلها وتنظر للبعيد بنظرات خالية تتذكر فيروز.
-أنا ميهمنيش صحتي قد ما يهمني أسعده ياماما، انا كويسة والحمد لله، اهم حاجة دلوقتي اكمل بيتنا واجيب بيبي يدفي حياتنا، رفعت نظرها لوالدتها تكبح غلالة دموعها المؤلمة تهتف بأنين نياط قلبها: -ماما جاسر يستاهل كل حاجة حلوة، ولو ربنا ماأردش ومعرفتش اجيب ولاد هتنازل عن حياة جنى علشان هو يعيش، مستحيل احرمه من حقه، واعيشه ألم الفقد دايمًا ياماما. اعتدلت نهى، وتوقفت هروح اجبلك حاجة سخنة تدفي معدتك وابعدي عن كلامك العبيط دا، وتأكدي مستحيل جاسر يوافق على حاجة هبلة زي دي، فكري في سعادتك وحياتك بالتفاؤل والخير يابنتي ومش معنى انك سقطي مرة يبقى هتسقطي كل مرة، لا ياحبيبتي. كله نصيب.
-ماما متنسيش أننا ولاد عم وممكن حملي يكون دائمًا مشوه
-ليه وعز وربى مش ولاد عم. دا اختبار يابنتي ولازم تكوني قده
قالتها وتحركت إذ تنصدم بذاك الذي يتوقف أمام الغرفة يستمع إليها وقلبه ينتفض بألمًا على حزنها ووجعها. أشار لنهى بالصمت، فاستدارت تنظر إلى جلوسها، وجدتها تغمض عيناها مستندة برأسها على الأريكة. تحركت نهى متوقفة أمامه
-واقف كدا ليه يابني، جذب رأسها يطبع قبلة على جبينها.
-جعان ياحماتي على رأي الواد بيجاد، عايز اتعشى ممكن
ربتت على كتفه مبتسمة: -وياترى نوع العشا ساعة ولا ساعتين في المطبخ. كانت نظراته على زوجته فهمس لها
-جنى ماأكلتش. قالتلي اكلت مع ربى وغنى وهما قالولي أنها ماأكلتش كانت مع تقى بيشتروا حاجات للفرح، فجيت علشان تاكل، وعارف أنها هترفض، فاعمليلي عشا من اكلها اللي بتحبه، مش تمثيل والله ولا زحلقة ياست نهى.
تحركت مبتسمة قائلة: -لا طلعت حنين يابن جواد. تحرك إلى معشوقته، وجدها مازالت كما هي. جلس بجوارها، فتحت عيناها بعدما استنشقت رائحته
-جاسر!
جذب رأسها مازحًا.
-لأ. خياله ياجنجون. قالها وهو يجذبها لتجلس بأحضانه. رفعت رأسها وطالعته تلمس وجنتيه وابتسامة عاشقة تلمع بعيناها
-اوعى تقولي معرفتش تنام من غيري.
انحنى يخطف كرزيتها ثم جذب ثمرة من الموز الذي يوضع أمامها، يضع جزء منه بفمها وجزء اخر بفمه قائلا: -لا ياروحي جعان، والكل نزل الجنينة وأنا لوحدي فوق فقولت اجي لمراتي حبيبتي علشان تأكلني
اعتدلت حتى أصبحت بمقابلته
-حبيبي انت جعان اقوم اعملك اكل، وضع قطعة من الموز بفمها، مرة أخرى ثم أجابها
-حماتي بتعملي، نفسي احس ان ليا حما ياشيخة ايه، . خليها تعمل اكل لما ادلع على بنتها شوية
رفعت كفيها على وجنتيه هامسة.
-كنت هروح أبات في حضنك على فكرة مكنش ينفع ابات بعيد عنك، قالتها وهي تقترب منه، فكان من أول المرحبين بدعوتها، ليجذبها بعد دقائق لأحضانه يتمدد على الأريكة وتغفو بأحضانه يمسد على خصلاتها يتذكر حديثها مع والدتها.
-جنى ليه بطلتي الحبوب اللي الدكتور قال عليها. اعتدلت بنومها على ظهرها تنظر إليه
-سمعت كلامي مع ماما. مرر أنامله على وجنتيها
-زعلان منك ياجنجون، حاجة تخصنا ومامتك عرفتها قبلي. أغمضت عيناها.
محاولة أن تسيطر على عبراتها فهمست بتقطع
-حبيت افضفض مع ماما ياجاسر. فرد جسده يرفعها على ذراعه
-جاسر بس اللي تفضفض معاه، بدل حاجة تخصنا وبس. انا اكتر واحد عارف ايه اللي المفروض اعمله
-جاسر! همست بها وضع سبباته على فمها
-ولا كلمة ياجنى، صحتك عندي اهم من أي حاجة، الدكتور قال 4شهور تتعافي فيهم وتمشي على العلاج. يبقى تستني زي ما قال.
رفعت كفيه ووضعتها على أحشائها مردفة: -حبيبي نفسي يكون فيه هنا حاجة مشتركة بينا، نفسي اسعدك اوي
جذبها بقوة لأحضانه يعصرها قائلاً: -نفسي تفهمي إنك اغلى حاجة عندي، لو ربنا ماأردش يبقى خلاص، كفاية عليا أنتِ.
أخرج وجهها يحتضنه: -جنى صدقيني أنا مابفكرش في الولاد، لو جم الحمد لله ولو مجوش برضو الحمد لله اهم حاجة عندي انك في حضني
تمسحت بصدره كقطة أليفة قائلة بنبرتها الباكية: -أنا بحبك أوي ياجاسر، ونفسي اسعدك اوي مش عايزة حاجة تكون نقصاك.
اعتصر فؤاده من حديثها المؤلم، فتحدث: -وأنا مش عايز السعادة اللي هتوجعك ياجنى افهمي. حبيبتي كل حاجة قدر ومكتوب. استمع الى رنين هاتفه فأجاب: -أيوة يابيجاد. على الجانب الآخر تمدد بيجاد بجوار عز وجواد
-انزل يالا. كلنا تحت، هربت على فين، توقف متجهًا للنافذة يلوح بيده إليهم
-نص ساعة وهننزل، اغلق الهاتف ومازال ينظر للخارج. تحركت بخطوات متمهلة حتى وصلت تطوق خصره من الخلف تحاصره بذراعيها.
جذب الستائر، يشدد من ذراعيها متنهدًا، ثم تحدث بنبرة شجن: -هزعل منك اوي بعد كدا لو سمعتك بتقولي عيال وغيره، استدار إليها وعانقها بنظراته يرفع ذقنها بأنامله يمررها على ذقنها
-جنى كل حاجة في الدنيا نصيب، وقدر ومكتوب، يعني لو ربنا أراد بالأطفال هيجوا من غير حتى تفكير، ولو ماأردش والله لو لفيتي العالم كله
رفرفت بأهدابها تمنع دموعها تسحب نظرها بعيدًا عنه
-ونعم بالله! انحنى يطبع قبلة بجانب شفتيها هامسا.
-إنتِ اكبر نعمة ياقلبي، مش عايز طمع كفاية عليا إنتِ. اقتربت تضع رأسها على صدره وارتسمت إبتسامةعريضة على محياها، تحاوط خصره: - بحبك قوي ياجاسر قوي
عصرها بأحضانه يرفعها من خصرها، يضع جبينه فوق خاصتها يبتسم بعيونًا عاشقة هاتفًا: -دا اللي عايزه، ليه ولاد تحبيهم أكتر مني، مش عايز ولاد يشاركوني فيكي، سمعتيني، واياكي تعملي حاجة من ورايا. ارتفعت ضحكاتها، تحتضن وجهه.
-لا طبعا هحبهم اكتر علشان إنت ابوهم، تحرك بها يهز رأسه بالرفض
-برضو بتعترفي انك هتحبيهم اكتر مني
استمعوا الى طرقات على باب الغرفة، وصوت والدتها
-اطلعي حبيبتي مع جوزك اتعشوا. انزلها تطالعه بإستفهام: -هو إنت جعان فعلا، ولا دي اشتغالة.
سحب كفيها يجذب وشاحها قائلاً: -ميت من الجوع، قابلهما صهيب الذي يدلف للداخل يستند على عصاه. طالعهما بعيونًا سعيدة ثم تحدث: -طبعا جيت تاخدها، كنت عارف انك مش هتسبها. وصل لمائدة الطعام يجذب مقعدها، ثم غمز لصهيب: -ابعد عينك عني ياصهيوب، العين فلقت حياتي وحياتك، مراتي اولى تنام في حضني.
جلس بمقابلتهم وأردف مشاكسًا: -البت هتنام معايا الليلة، وانت اخبط دماغك في الحيط، نزلت بنظرها للأسفل خجلًا عندما قال: -هو حضنك هيدفيها ياراجل ياعجوز، ماتتكلمي يابت وتسكتي ابوكي، دا حتى النوم بيبص فيه.
وصلت نهى تجذب مقعد وتجلس بجوار جاسر حينما وجدت مزاحهم وسعادة ابنتها واهتمامه بها وهو يطعمها بيديه. ربتت على كتفه قائلة: -ابعد عنهم ياصهيب، هو كدا كدا عنده شغل برة القاهرة هيغيب يومين وهيجبها عندنا مش صح ياجاسورة
وضع قطع الستربس بفمها، ثم رفع حاجبه ساخرًا: -محصلش يانهنهو، انا قولت كدا. أوقفت يده التي تطعهما واردفت غاضبة: -جاسر إنت قولت هتجبني هنا
-كلي ياجنجون وبطلي رغي ياقلبي.
قالها وهو يرمقها بنظرات مبهمة. نهضت متحدثة: -شبعت انت مش كنت بتقول جعان ماأكلتش حاجة، هروح اجبلك السلطة ماما نسيتها
رفع حاجبه ساخرًا ينظر لصهيب قائلاً: جينا لقمصة النسوان الرخمة، هاتي ياختي السلطة وكل اللي جوا
ضحكت نهى عليه تلكزه
-خف على البت يالا، نهض يمسح فمه قائلاً: -والله بنتك اللي تقيلة يانهى، أشار عليه صهيب.
-ساعدني ياجاسر اطلع اوضتي، تحرك متجها إليه، وصل بعد قليل يساعده بالتسطح، دثره بالغطاء، ثم انحنى يلثم جبينه يربت على صدره: -حاسس بإيه؟
أشار له بالجلوس. جلس بجواره على حافة الفراش ثم تحدث: -إحنا كويسين، وجنى كويسة متخفش عليها، ربت على كفيه
-أنا حافظك اكتر من نفسك يابن جواد، ومهما ترسم انك كويس تبقى اهبل.
ابتعد بنظره، متحدثًا: -ليه حضرتك مكبر الموضوع ياعمو، انا قولتلك احنا كويسين، نهض متنهدا يزفر أنفاسه ببطئ
-إحنا هنسافر كام يوم مع ياسين لشرم، عارف الجو برد، بس احنا محتاجين نبعد شوية، جنى لازم تغير جو ياعمو، وبلاش كل شوية تحسسونا اننا مش مبسوطين. قالها وتحرك ولكنه توقف عندما هتف صهيب.
- انت عارف غلاوتك صح، بس مش اغلى من بنتي ياجاسر لو قولت غير كدا يبقى بضحك عليك يابن جواد، انا سبتهالك قبل كدا لما غلطت في حقك، بس اعمل حسابك يابن اخويا لو انت غلطت فيها انسى في يوم من الأيام اخليك تقرب منها، لو مصدق نفسك دي جنى ومقتنع انا مش مقتنع، بنتي حزينة ياجاسر، زي ماانا شايف حزن في عينك بتخبيه على عمك، فاسمعني يابني انا مش هقرب منكم واقولكم ايه هي مشاكلكم بالعكس أنا فرحان من انكم الاتنين بتحاولوا تفهمونا انكم مبسوطين. وهسيبها ياجاسر، يمكن لسة شايلين من بعض، مش هقولك بنتي مش غلطت، لا غلطت وغلطت قوي كمان، ربنا يسعدكم ياحبيبي.
اومأ برأسه وتحرك للخارج يحاول الهروب من براثن شك عمه، وصل حيث جلوس الجميع، فتوقف يضع كفيه بجيب بنطاله
-الجو برد قاعدين كدا ليه، تمدد بيجاد يشير للأرض
-اقعد من زمان ماتلمناش كدا، رفع بصره بإتجاه جواد الجالس بالشرفة وتحدث: -ماتيجوا نضايق حمايا شوية. هوى جاسر بجواره
-لا. بابا تعبان ومش وقت هزارك ياخفيف، وزع بصره بالمكان
-فين أوس. أشار له بيجاد.
-واقف مع عز بيتكلموا عن شغل، واسمه يعقوب المنسي كان بيكلمهم عن الاجتماع
اعتدل متكأ على ذراعه يطالعه متسائلا:
-من زمان متكلمناش، لسة زعلان مني، وضع كفيه المتشابكين تحت رأسه مردفًا: -خلاص الموضوع انتهى، بس عايزك تعرف اصعب وقت عدى عليا من يوم مااتولدت، اللي قهرني منكم انتوا شوفتوا حالتي وكنتوا عارفين هي فين وساكتين، ربت بيجاد على ساقيه.
-متزعلش متنساش انك السبب في دا كله، هز رأسه يبحث بعينيه عليها متسائلاً: -فين البنات.؟
أشار بيجاد للأعلى وأجابه
-راحو يسهروا مع العروسة ياسيدي، مراتي عاملة حمى عليها
ابتسم يهز رأسه فنهض بيجاد بوصول عز وأوس
-ماتيجوا نلعب جاميز، ايه رأيكم، وضع عز قطعة من الكيك يلوكها يهز رأسه بالموافقة
-تمام الساعة لسة واحدة، هطلع اغير وانزلكم، ثم لكز أوس يشير بعينيه على جاسر الذي ينظر السماء بصمت.
-جاسر! قوم غير علشان نلعب باسكت
-تؤ. ماليش مزاج، بسط أوس كفه
-قوم يابني ياله، وهنكلم ياسين ينزل هو كمان. نهض متزمرًا
-مش عايز ألعب. دفعه عز
-ياله يالا خايف تتغلب. تحرك للأعلى وهو يسبهم
بالأعلى بغرفة عاليا تجمعت الفتيات يتسامرن على طفولتهن، بترت ربى الحديث عندما وجدت الحزن مرتسم على ملامح غنى فصفقت بيديها
-بقولكم ايه، انا لسة والدة من شهر، وخايفة اكرش عايزة ارقص ياختي منك ليها، بدل مابقى بكابوظة.
نهضت تبحث عن هاتفها، فلم تجده فأشارت برأسها لغنى
-فونك فين ياغنون
فتحت عيناها بإرهاق تستند بظهرها على الأريكة
-تحت ياروبي، تحركت متجهة لغرفة أخيها
-هشوف تليفون جنى كدا، قالتلي هتغير واتأخرت. تحركت تقى بجوارها
-خليكي ياروبي لو تعبانة هشوفها انا
ابتسمت لها وغمزت بعينها
-لا. عندها بدلة رقص عايزة اجبها
اعتدلت غنى بجلوسها مدهوشة
-بتهزري صح!
رفعت كتفها للأعلى.
-ههزر ليه، مفيش غيرنا، وبعدين لو تشوفي رقصها ياغنون تقولي صوفنيار تقعد تصقفلها
هزت راسها بالرفض
-حبيبتي مينفعش، دي بتكون جوا اوضتها ماينفعش تتلبس برة عيب
توقفت للحظة ثم غمزت لعاليا
-خلاص نروح احنا هناك
اوقفتها غنى
-روبي ممكن تكون عندها في بيتها اتهدي. تحركت روبي وهي تسحب عاليا، لا ياقلبي جنجون حاجتها اللي هنا انا اللي رتبتهم
أشارت لتقى قائلة: -اسحبي ام العيال القلبوظة دي شكلها هتخلينا ننام جنبها.
ضحكت الفتيات.
فهتفت غنى، خلاص روحي أنتِ شوفيها ليكون اخوكي هناك وبعدين عرفينا
عند جنى خرجت من مرحاضها بلبسها الخاص، هبت تقفز تسمي الله
-إنت جيت. تسطح على الفراش
-لا. انا لسة مجتش شوفيني تحت تحت كدا
انحنت تلكمه بصدره
-بس يارخم دا رد. رفع نظره لهيئتها فجذبها بقوة حتى سقطت فوقه تصرخ
-سبني ياحضرة الظابط المتهور لأعورك
-نفسي. ضيقت عيناها متسائلة:
-نفسك في ايه. همس بجوار وجهها.
-نفسي تعوريني ياجنجون، وعايزة عاهة مستديمة
ملست على وجهه بحب تسبح بالنظر
-بعد الشر عليك ياحبيبي مش حرام الوش الحلو دا اعمله عاهة مستديمة
مرر أنامله يقرص وجنتيها
-انتي اللي جميلة اوي حبيبي، تعرفي نفسي لو خلفنا اجيب بنت اوي علشان تبقى شبهك
ابتسمت تضع رأسها على صدره تستمع إلى دقات قلبه العنيفة
-إن شاءالله حاسة ربنا هيجبر بخاطرنا، ربنا رحيم اوي ياجاسر. رفعت رأسها تدير وجهه إليها.
-مالك! بابا قالك حاجة ضيقتك؟
رفع كفيه يعدل خصلاتها مبتسمًا
-هيقول ايه، مفيش حاجة، سألني جنى عاملة معاك ايه مريحاك ولا لا
لكمته ضاحكة بصوت اخترق جدار قلبه لتلمع عيناه بالسعادة يجذب رأسها
ينثر ترانيم عشقه المقدس لكريزتها
لحظات واستمع لطرقات على الباب فهبت من مكانها بعدما استمعت لربى
-افتحي يابت ياجنجون عايزة اعملك حفلة الليلة. وضعت كفيها على وجنتيها التي شعرت بإحتراقها.
-ينفع كدا، أقابلهم ازاي، تحرك إلى باب الغرفة، فاستمع لحديث ربى
-هاتي حضن يابت جبتلك الش. ولكن قطعت حديثها عندما وجدته يقف أمامها بطوله المهيب يستند على الباب يشير بيديه
-كملي كملي ياأم لسانين. وضعت كفيها على وجهها تفتح عين من تحته
-جاسر إنت هنا
رفع جانب وجهه بشبه ابتسامة قائلا
-لا. هناك، إنتوا كلكوا كدا. اقتربت غنى منه تحتضن وجهه
-عامل ايه حبيبي مقعدناش من وقت ماجيت، سحب كفيها يضرب ربى على رأسها.
-لو سمعت صوتك ياشبر وأقطع إنتِ هرميكي من البلكونة. تحرك وهو يحاوطها من أكتافها
-تعالي ياحبيبة قلبي، وحشتيني. نظرت لثيابه
-شكلكم هتلعبوا باسكت، أومأ برأسه وهو يهبط للأسفل وهي تجاوره حتى وصل للحديقة. جلس على أريكة توضع أمام مشتل لورود والدته، ثم أشار لها على ساقيه، تمددت تتوسد ساقيه
-من زمان مانمتش على رجلك. ملس على وجنتيها
-آسف ياغنى، عارف انا جرحت اوي اليوم إياه، بس قلبي كان محروق أوي.
اعتدلت تجلس بمقابلته تحتضن كفيه وانسابت عبراتها: -جاسر.! شوف انت توأمي اهو، لكن بعتبرك اب مش اخ، بحبك قوي وبزعل قوي عليك، نفسي تبقى احسن واحد في الكون
رفعت كفيها على تمرره على وجهه كأنها تنحته قائلة: -أنا تعبت قوي ياجاسر وانت زعلان مني تعبت لدرجة كرهت مصر كلها
جذبها لأحضانه يلثم جبينها هامسًا لها.
-أنا اللي آسف ياقلب اخوكي، آسف علشان زعلتك مني، أزال عبراتها يحتضن وجهها: -بصيلي. رفعت رماديتها المبتلة ببكاء حزنها فغرز عيناه بها.
-أنا كنت هموت من القهر من نفسي علشان بدل مااحميكي رميتك، اتمنى تسامحيني ووعد مني اخر أول مرة هعيشك الذل دا. وان شاءالله هكونلك انت وروبي نعم الاخ ونعم السند واحنا تحت أجنحة بابا. رفعت ذراعها تطوق عنقه تبكي بصوت مرتفع جعل قلبه يتألم فهتف معاتبًا: -ينفع كدا ياغنى. هو أنا ناقص.
احتضنت كفيه تربت على كفيه
-أيوة بقى، مالك هتخبي على اختك. استمع نداء أوس.
-ياله ياجاسر. أشار له بالموافقة ثم نهض: -أنا كويس بعدين نتكلم. وصلت الخادمة
-جاسر بيه حضرة اللوا مستنيك في مكتبه
قطب مابين حاجبيه: -بابا! نهضت غنى تربت على كتفه
-شوف بابا، وأنا هروح لبيجاد واقوله انك هتتأخر.
بغرفة ملحقة بمنزله
جلست تتناول طعامها تتحدث بالهاتف وصوت ضحكاتها مرتفع
-حبسني في أوضة في الجنينة، بس صدق. تفتكر صدق فعلا ولا ناوي يلعب
أجابها الآخر.
-فيروز. جاسر ميهمنيش، ركزي في شغلك اهم حاجة، وموتي على حملك علشان دا الحل الوحيد حاليا. احنا بنحاول نخترق النظام وعارفة لو نجحتي ووصلتينا للمطلوب، حياتك هتتغير
وضعت الفاكهة بفمها تلوكها بإستمتاع ثم هتفت
-متخفش على الحمل، انا بخاف عليه ناسي أن دا ابن جاسر ولا إيه، قالتها بضحكة مرتفعة
أجابها الآخر.
-أيوة هو دا بالظبط، وبالنسبة لمراته لازم تزعزعيها وتبعد عنه بأي طريقة، واسمعيني لازم تخليه يجبلك شغالة على قدك، ولو رفض هدديه بالسديهات، ومتنسيش اخوه ظابط الحربية هيسكت لما يعرف الموضوع هيضر اخوه، سمعاني، متعرفيش مراته ممكن تعمل حاجة علشان تسقطك، مش عايز الولد ينزل قبل مانوصل للمطلوب
-راكان البنداري؟
تسائلت بها. نفث تبغه واجابها.
-وراه بالخطوة، عرفنا مكان مراته في ألمانيا، وحامل، الخيوط كلها في ايدنا، لازم الصفقة تتم على خير. نضرب ضربتنا في الوقت المناسب، نشغل بيها راكان وجواد، علشان كدا بقولك. جاسر فرصتنا الوحيدة
-تمام. كل حاجة هعملها زي ماطلبت، وهفضل ساكتة لحد ما يرجع، ومش هعمل حاجة تضايقه، وهقنعه زي ما اتفقنا
-برافو فيروز، والدتك هخرجها قريب
سلام، سلام
قالتها ونهضت متجهة تنظر من النافذة تستنشق الهواء تضع كفيها على احشائها.
-وحشتني قوي ياجاسر، وحياة حبي اللي حبتهولك لأعمل اي حاجة علشان ارجعك لو وصلت اقتل مراتك. ابتسمت عندما تذكرت كلمات جنى لو ابنه هخليه يعترف بيه
هنشوف ياجنجون. بكرة نشوف، كلها شهر ونعمل التحاليل، بس يارب الأندال دول يكونوا قد كلامهم
عند جاسر
. تحرك للداخل. دلف إلى مكتب والده بعد السماح له بالدخول
بالداخل كان يجلس متراجعًا على مقعده مغمض العينين.
-بابا حضرتك عايزني، نهض من مكانه يشير إلى الأريكية.
-تعالى ياحبيبي عايزك في موضوع مهم. تحرك يجلس بجوار والده. نظر تحت أقدامه ينتظر حديثه
صمت جواد لثواني يقاوم سيطرة غضبه حتى سحب نفسًا وزفره ببطئ
وتحدث هاتفًا: -إنت مصدق نفسك، عجبك اللي بتعمله
مسح جاسر على وجهه بعنف يهز رأسه قائلا
-ابراهيم قالك صح. ولجت الخادمة بمشروبات دافئة مردفة بهدوء: -الدكتورة راحت عند الباشمهندس حازم ياباشا، قالت شوية وهترجع
أشار إليها بالخروج. اومأت بالطاعة وخرجت.
استدار يرفع كوب مشروب والده
-اتفضل حضرتك. أخذه ونظراته تحاصره. ارتشف بعضه ثم تحدث: -سامعك ياجاسر، ليه عملت كدا، ليه اخلاقك وقيمك تنزل بيهم دي تربيتي حبيبي. اختنق من إصرار والده
زفرة مختنقة فما يشعر به نيران تحرق احشائه، فداخله يغلي كالمرجل. تراجع بجسده للخلف يهرب ببصره من والده
ارتشف جواد مشروبه مرة أخرى قائلا
-اشرب علشان تدفى. رفع كوبه وأجاب والده
-أنا دفيان يابابا، الحمد لله أنا كويس.
ابتسم جواد وأجابه مشاكسًا: -الحب مدفيك يابن جواد
أطلق ضحكة خافتة يضرب على ركبتيه: -اوي ياباشا، حضرتك مجرب وعارف
مط جواد شفتيه يهز رأسه ساخرًا
-أيوة ماهو باين يابن جواد، شوفت نظراتك هتاكل البت في الحنة، طب كان فين من زمان، وايه شوية الاعصار اللي عملتهم علينا يالا.
زم شفتيه يضغط عليها: -استاذك ياباشا والله مش واخد بالك من غزالتك لما قالت لي كأن جواد الألفي بيتكرر قدامي. دنى بجسده يغرز عيناه بعين والده قائلاً: -بس فيه إختلاف كبير بينا ياحضرة اللوا، اولا انت كنت بتهرب لسراب وتخنق قلب امي، لكن أنا كنت بموت علشان غيري يعيش
اغروقت عين جواد بدموع الندم، فرغم كلمات ابنه البسيطة إلا أنها نزلت على قلبه كسوط من نيران تلهمه.
جذب جاسر كف والده ورفعه يقبلهما عندما وجد شحوب وجهه فتحدث بنبرة هادئة مسترسلًا: -بابا أنا مش زعلان لاني كنت السبب في كدا، انا ماوجهتش يابابا عملت زي النعامة دفنت راسي وسبت حبيبتي لغيري يتلاعب بيها، مفيش حد السبب في الوجع دا غيرنا احنا الاتنين، انا استاهل وهي تستاهل، وادينا بندفع تمنه يابابا للأسف
ربت على كتفه قائلًا: -ربنا هيعوضك بالعوض ياحبيبي، وبكرة هتلاقي السعادة اللي هتبكي من جمالها.
ابتسم واختتق صوته: -اقولك حاجة يابابا، رغم إن حبيبتي في حضني والسعادة محاوطني من كل الجهات الا انا عامل زي الديب وهو نايم بفتح عين واقفل التانية، علشان مقومش من النوم والاقي السعادة دي هربت من بين ايديا، بابا أنا اسعد راجل في الدنيا وفي نفس الوقت بتوجع وجع محدش يقدر يستحمله
اقترب جواد من جلوسه يرفع ذقنه.
-ابن جواد الألفي ميططيش راسه، دايما راسه مرفوع مفيش قوة تهزه، هو اللي يهز الجبل، نهض جواد من مكانه وتوجه للشرفة واستأنف حديثه
-بس مع دا كله اوعى تنسى قيمك واخلاقك، عايزك تفكر في خطواتك بدينك وقيمك قبل عقلك حبيبي، استدار ونظراته تخترق وقوفه.
-عارف فيروز زبالة ومتستهلش انك تلوث نفسك علشانها، مش دي اللي ضيع اخلاقك، مش ابن جواد اللي ينزل لمستوى واحدة شغالة مع مافيا علشان ياخد حقه، تاخد حقك بعقلك النضيف ياحضرة الظابط
استند جاسر على الجدار ينظر للخارج بحزنا قائلاً: -بابا اللي كنت خايف منه حصل، دي جاية وبتقولي حامل
قهقه جواد واستدار يستند على الجدار يراقب الشباب وهو يلعبون ثم أجاب بوجه خالي من التعبير
-وانت رأيك ايه، الواد ابنك ولا لا.
أطبق على جفنيه بحسرة واجابه بروح تنزف قائلاً: -لو قولتلك مش عارف. ضرب جواد على السور الحديدي ببطأ، كأنه بيانو ومازالت نظراته الخاوية بالمكان
-يبقى هتضطر تستنى لما تعرف اد ايه ثقتك بنفسك يابن جواد، استدار برأسه.
-اول مرة أعجز عن رد فعل غصب عني، متكتف ياجاسر، انت كتفت ابوك ومبقاش عارف يفكر يطلع من المصيبة دي ازاي، البت طلعت أحقر مما توقعت، شغالة مع مافيا تجار الاسلحة، من وقت ماطلقتها، وطبعا لما باسم شك فيها حاولوا يصفوه
-عرفت. قالها بنبرة جيليدية. اقترب جواد يتعمق بالنظر من أثر حديثه: -يعني إيه؟
اعتدل ينظر لوالده مستندا على السور يعقد ذراعيه
استرسل بنبرة حزينة وعينين منكسرة.
-عارف يابابا أنها اشتعلت مع الراجل اللي اسمه الجارحي دا، بس مفيش ادانة، أوراقهم كلها سليمة، اچنس عربيات وشغل من تحت لتحت، زرعت واحد بينهم قولت يمكن اوصل لحاجة
جلس جواد يشير إليه: -اقعد وفهمني عرفت دا كله ازاي ومنين. اتجه ينحني وبلع استفهام والده، فحاول أن يخرج من حالته، رفع رأسه ينظر له:
-مابلاش تلعب معايا يابو الجود، ابنك لعيب ومحترف ماهو ابن جواد برضو
رفع جواد حاجبه ساخرا.
-لا ياراجل، قولي غير كدا، يعني كنت بتلعب مع ابوك يالا
رفع أيده يضربهما ببعضهما يضحك بصوت مرتفع
- لا بس لعيب ياحضرة اللوا وارفعلك القبعة، بس ابنك اولى بلعبك وقفشك
حك جواد ذقنه وهو يرمقه بنظرات مبهمة
-عرفت امتى يابن جواد.
-يوم الحريق، بعد مارجعت الشقة لقيت شيكات باسم تميم الجارحي وشوية سيدهات كدا الهبلة مسكاه عليه
-سديهات من انهي نوع بالظبط، حاجة تدينه.
ارتشف من كوبه يشير لوالده اشرب اعشاب ست الدكتورة وخلي بالك من صحتك ياحج، وبلاش تقنعنا انك كويس ومش محتاج للعلاج يابابا، حضرتك بضرنا كلنا
ضيق جواد عيناه يبتعد عن نظرات ابنه: - تقصد ايه يالا، هي جنى طيرت عقلك
تحدث بعينان تهيم عشقًا
ومال جنجون هنا بس. ربت على ركبتيه
-كله هيعدي ويبقى ذكرى.
وضع كفيه على صدره واجابه.
-قلبي وجعني عليها يابابا، مبقتش لاقي اعذار ولا دوا ادويها
ربت على كتفه وابتلع غصته.
-عارف ياحبيبي انك قدام اختبار صعب، المشكلة مبقتش في جنى لأنها بتحبك ومجرد ماطبطب عليها وتاخدها في حضنك هترضى بكلمة تربط على قلبها، والبنت بعدها عنك بيموتها، اختنق بشهقه بآنة متوجعة وكأن أحد يلف حوله حبلا من نيران.
فرفع بصره وعيناه تحجرت بمياه العشق الضاري
-خايف من قلبة عمك مش كدا. مسح جواد على وجهه، يزفر الهواء بقوة واتجه بنظره إليه
-طبعا لسة قدامنا وقت، وممكن البت دي تخطيطها مانوصلوش.
اومأ متفاهمًا: -للأسف يابابا، معرفش بتفكر في ايه، وليه رجعت، كنت هموتها واخلص منها بس حضرتك ورايا بخطوة
أطلق صوت معترض أخرجه من اتفه يشير إليه محذرًا.
-ودا اللي هما عايزينه، انا هقولك حاجة مهمة المفروض مكنتش تعرفها، بس من واجبي اعرفك علشان تعرف انت بتعمل ايه
دقق النظر يستمع إلى والده بتمعن
-الادارة اختارتك في القضية دي، وعلى أساس كدا اتنقلت اسمياعلية، عايزين ظابط وجه جديد يدخل حدود المحافظة، وبما انك أظهرت شجاعتك اخر قضية انت وجواد فالادارة اختارتكم، ماشي ياحضرة الرائد
التمعت عيناه بسعادة مرددًا
-رائد! بتتكلم بجد يابابا، يعني اترقيت
فرد ذراعيه.
-امري لله هعاملك زي الطفل واقولك تعالى في حضن ابوك
ارتفعت ضحكاته وهو يضم والده بسعادة، مسح والده على ظهره
-ألف مبروك يا حبيبي ودايما من نجاح لنجاح. ابتسم لوالده يرفع كفيه يقبلهما ثم ضمهما قائلاً والسعادة تقفز من محجريه: -ربنا يخليك ليا ياأحسن اب في الدنيا، بس برضو البركة في حضرتك اللي دلتني على أول الخيط
لف جواد كفيه حول عنقه يهزه.
-أنا معملتش حاجة، أنا ابني مش محتاج مساعدة من حد، ومتفكرش تفتيشك انت وراكان بعيد عن عيني انا بس كنت عايز اشوف ابني بيفكر ازاي وهل هينجح ويستاهل وظيفته ولا يقولوا عليه دخل الشرطة واسطة
-آآه طويلة أخرجها من جوفه بسعادة ولمعت عيناه قائلاً: -يااااه يابابا اخيرًا، القضية دي كانت بالنسبالي تحدي، رغم قلق عمو باسم بس حضرتك لما قولتلي اجري ورا حسك البوليسي ودافع بعقل الظابط، ورمتلي خيط، دا اللي فوقني.
ربت على ساقيه قائلا: -إنت شاطر ياجاسر، ولما بتحط حاجة في دماغك بتوصلها، بس بهدوء مش تهور. أشار بأصابعه
-تلاتة حاجات خليك دايما فاكرهم، دول يعتبروا النجاح
أول حاجة ايمانك بالله واصرارك للنجاح. ثانيا الثقة بالنفس لازم تثق في نفسك وتقنعها انك اقوى من اي حاجة وتقدر تعدي صعوبات وعقوبات.
تالت حاجة انك تفصل مشاعرك عن عملك. اوعي قلبك يلين لشخص مهما كان حالته مع المجرمين اللي انت بايدك وبتصميمك وبعقيدتك سلمتهم، حياتك الشخصية بعيد كل البعد عن حياتك العملية مهما كانت هتوصلك لنجاح، اياك ثم إياك تاخد حد من أهلك كبش فدا علشان توصل لدليل أو نجاح، لانك هتخسر خسارة متتعوضش، وهي ثقة اللي حواليك فيك. فهمت كلامي ياحبيبي
اومأ برأسه مبتسمًا، ثم غمز بعينيه
-شكل حضرتك وصلت لتفكيري يابو الجود.
أفلت جواد ضحكة خافتة ثم تحدث: -ابعد عن طريق فيروز ياجاسر، هتأذي نفسك واللي بتفكر فيه هيدخلك في جحيم
ارتشف باقي كوبه ثم وضعه على الطاولة
-اخر ضربة ياحضرة اللوا ياتصيب ياتخيب
هز رأسه بالرفض قائلاً: -دا خطر يابني، اولا على حياتك ثانيا على بيتك، لازم تفكر وتشوف النتائج الأول
نهض من مكانه ينظر بشرود وأجابه
-عمرك اتخيرت بين شغلك وماما، نهض جواد يطالعه بتدقيق لعله يصل لمرحلة تفكيره فتسائل.
-جاسر ناوي على ايه، اوعي اللي فهمته هتخسر ومش هتعرف تعوض اللي تخسره، المرة دي الوجع هيكون شديد صدقني مش هتتحمل، ولا حد هيرحمك، وزي ما قولتلك من شوية علشان تنجح ابعد حياتك الشخصية عن حياتك العملية
استدار لوالده يضع كفيه بجيب بنطاله
-بابا حضرتك كنت شغال في المخابرات. قهقه جواد بدخول غزل، فرفع ذراعيه يربت على كتفه
-انزل اغلب العيال دي زي زمان، شايف بيجاد عامل عليهم كماشة.
رفع حاجبه ساخرا وتحدث: -دا بقى علشان تنفرد بغزالتك ولا علشان متجوبش على سؤالي
حاوط كتفه يشير لغزل التي توقفت على الباب تطالعهم بذهول
-دي خيانة على فكرة، تقعد مع بابا من غير ماما
قطب مابين جبينه مضيقًا عيناه وابتسامة ساخره تجلت بملامحه ينظر لوالده فتحدث مسترسلا: -قول لست ماما انا كبرت ومبقتش الواد اللي هتضحك عليا بكلمتين خليها تقول الكلمتين اللي بتلف عليهم
لكزته بكتفه، تبعد ذراع جواد عنه.
-طب امشي يابن جواد، ثم اتجهت بنظرها لزوجها تحدثه موبخة إياه
-دا كله قاعد معاه، وانا اللي مستنية منك تليفون تقولي اتأخرتي ليه يازوز، مكنش العشم
طبع جاسر قبلة على وجنتيها: -ماما الغيورة، بقيتي جدة ياحجة غزل ارحمي الراجل، دا هيفطس مننا
أشار له جواد بالخروج.
-ياله شوف هتعمل ايه، واقعد مع اخوك وعقله، البت دي نضيفة، انا مش عارف امسكه وكل مااجي اتكلم معاه يقولي مشغول، أهلها طيبيبن وكلنا شفناهم النهاردة واقفين ازاي مكسورين
اقترب من والده يغمز بطرف عينه
-طب مش هتقولي عرفت ايه عليها علشان تخليني اقنع ياسين، ماهو لازم اعرف علشان اقنعه، ابنك تور كبير
أشار له بالخروج بعدما هتف.
-جاسر. بلاش تدخل في حياة اخوك الشخصية، خليه هو يعرف يجيب حقها دا لو بتهمه، أما لو مش في باله يبقى يكون هادي، مش عجبني طريقته معاه، ولولا البنت متربية كانت عرفت تستغل حياتنا مش كدا ولا ايه
فهم ما يشير إليه والده، فأومأ برأسه قائلاً: -هقوله يابابا واوصله الرسالة وهو براحته.
وصل للأعلى أمام جناحه استمع للموسيقى...
قبل قليل.
ولجت ربى تبحث عنها وجدتها تجلس على سجادة الصلاة تنهي صلاتها بالأذكار، اقتربت منها وجلست بإنتظار انتهائها. نهضت جنى وقامت بنزع إسدالها، تقطب جبينها
جيتي ومشيتي مع جاسر أنتِ وغنى
ثم اردفت:.
-قاعدة كدا ليه، فيه حاجة ولا إيه، مش كنتي بتقولي هنسهر مع عاليا
كانت نظرات ربى مسلطة عليها بصمت، فدنت تلكزها بكتفها
-بت مالك.!
نهضت ربى وتوقفت أمامها
-عايزين نرجع ايام زمان ياجنجون، زمت جنى شفتيها متهكمة واتجهت لغرفة ثيابها قائلة بتزمر: -البت دي اتجننت ولا إيه، ولا شكل بعد عز هيسها
ضربت على كتفها وهي تخرج ثيابها
وصاحت بصوت مرتفع
-عايزة نرقص ياجنى، واتلمي بقى، من امتى العقل دا ياختي.
استدارت تغلق خزانتها تطالعها بذهول، ثم وضعت كفيها على وجنتيها
-والله شكلك عيانة يابنت عمي، روحي لابنك ياروبي زمانه مزهق ماما ياحبيبتي
إزاحتها بقوة تبحث عن شيئا ما واخيرًا، أمسكت شيئًا بيديها ترفعه للأعلى
-كنت عارفة هلاقيها هنا. نظرت للذي تمسكه بذهول وحاولت تجذبه: -أكيد اتجننتي، ايه دا، عايزة اخوكي يطلقني، طيب استني مااتبسط ياختي شوية. قهقهت ربى بصوت مرتفع.
-وايه اللي يعرفه، وبعدين ناسية زمان، ياله انا كمان هروح اجيب بدلتي ونشهيص البت عاليا، صعبانة عليا والله من وقت ماياسين خرج من عندها معرفش قالها ايه دخلت لقيتها بتعيط. تنهدت جنى بحزنًا لأنها تعلم حقيقة زواجهما، فربتت على كتف ربى وتحدثت بإستحسان مبتسمة
-تعالي ننسيها بس بلاش بدلة الرقص دي، بجد لو جاسر عرف هيزعل وانا مقدرش على زعله
جذبت كفيها وجلست تحدثها بإبانها لكي تقنعها.
- شوفي حفلة الحنة كانت ضيقة اوي علينا، ومكنش فيها غيرنا يعني مالحقناش نفرحهم، فاحنا هنعمل حفلة خاصة بيها معانا، دلوقتي هجبهم جناح جاسر هنا، قولي ليه
علشان عندي مينفعش، اخوكي ممكن ينطلي في أي وقت ويقولي ابني ومش ابني وهيعمل عبيط، مع أنه مع مامتك، بس انا حفظاه، أما هنا حتى ولو جاسر طلع صدفة مثلا احنا اخواته، انا وانتي وغنى، طبعا عاليا بحجابها وكمان تقى، وبعدين اخويا محترم ياختي مش زي عز اخوكي.
لكنها جنى ترفع حاجبها ساخرة
-مين دا اللي محترم، جاسر!
والله أنتِ شكلك طيبة متفكرنيش ياختي. لكزتها ربى تغمز لها
-طيب ماتفكريني انا وتقولي اخويا عمل ايه خلاه مش محترم، ابتعدت ببصرها وتوردت وجنتيها فتحركت من أمامها متجهة للداخل قائلة: -روحي هاتي البنات وانا هروق الدنيا دي. انحنت تغمز لها
-بتهربي ياجنجون، بس اعملي حسابك هنرقص، ومتخافيش اللي مش محترم مش جاي بيلعب باسكت تحت، وطبعا قدامهم للفجر.
بعد قليل تجمعت الفتيات بغرفة جنى، وبدأت بتشغيل الموسيقى. نهضت غنى تصفق وتمسك كف عاليا لكي تراقصها
مرددة خلف الأغنية
بنت الجيران. إلى أن توقفت غنى متعبة، لا انا مش قادرة، هقعد اتفرج، غمزت لربى
-ياله ياحلوة منك ليها، خرجت جنى وهي ترتدي تلك البدلة التي جعلت غنى تهب من مكانها.
-يخربيتك ياروبي، انتِ ناوية على ايه، توقفت ربى وهي تشير على نفسها ببدلتها الطويلة حتى الكاحلين مفتوحة الجانبين، مستديرة الصدر. اقتربت تقى تطلق صفيرًا
-أنا كمان عايزة ألبس زيكم، اقتربت غنى لجنى
-اتلمتي على القردة ولبستك دي، طب والله تاخدي العقل يابت، ياله عايزة حركات ودلعات، استمعت لطرقات على باب الغرفة. هرولت للداخل تصرخ
-جاسر جه. هرولت جنى للداخل، بينما فتحت غنى الباب.
-دي ياسمينا. تحركت ياسمينا وهي تصفق. بنت الجيران، وبدأت الفتيات يحتفلون. توقفت ربى فوق الطاولة وبدأت تتراقص أمام جنى على الموسيقى. جذبت غنى ربى
وتحدثت
-اتهدي ياروبي براحة ياماما بطنك لسة مفتوحة، ثم رفعت نظرها لجنى التي تتمايل مع بجسدها الممشوق مع الموسيقى فتحدثت: -بت ياجنى والله لو جاسر مسكك بترقصي كدا قدامنا ليولع فيكي. أطلقت ضحكة ناعمة وهي تتمايل بحركاتها وكفيها على خصلاتها.
توقفت ربى مرة اخرى تتراقص بجوارها وهي تتندن مع الأغنية
جذبت غنى عاليا تشير إليها
-البنتين دول هيعلموكي الاحترام كويس، ابعدي عنهم، ثم لكزت ربى تصيح بها
-براحة ياغبية بطنك، ثم غمزت على جنى التي تتراقص مع نفسها وكأن لايوجد سواها بالغرفة بتلك البدلة الشفافة التي تصل إلى الركبة وتظهر جمالها بسخاء، غمزت غنى لروبي عندما لمحت ذاك الذي توقف ينظر لزوجته جاحظ العينين مردًا لنفسه وهو يبتلع ريقه بصعوبة.
-مين دي، دي جنى الطفلة البريئة، جز على أسنانه وهو يرى تحركاته التي أشعلت النار بجسده وهو يرى فتحة تلك البدلة وفتحة صدرها، تحرك سريعا عندما فقد سيطرته على نفسه، كور قبضته يجز عليها بأسنانه ليخرج غيظه حتى لا يعود إليها ويجعلها مضغة بين فكيه
بالأعلى بعد تحركه، نهضت غنى متجهة لباب الغرفة لتغلقه، ثم أوقفت عاليا الصامتة.
-قومي ياعروسة إنتِ صدقتي كلامي. انحنت تهمس لها، كنت بقول كدا علشان ربى تبطل رقص وجسور يشوف مراته وهي بترقص فهمتي اللعبة. ياله بقى عايزة العيون الحلوة دي تضحك، يابنتي أنتِ فرحك بكرة
هوت جنى على الفراش تمسك بطنها وتضحك بصوت مرتفع بعدما دفعتها ربى
-ايه يامرات اخويا ماصدقتي، كنتي صايمة يابت ولا إيه
نظرت إليها مردفة بنبرة هادئة بعض الشئ بعدما صمتت عن الضحك.
-تعرفي مارقصتش من اخر مرة معاكي، يوم فرحي، فاكرة اليوم دا
لكزتها ربى عندما وجدت الحزن تجلى بعينيها فاستندت على الفراش بذراعيها: -المهم دلوقتي ايه ياجنى، شوفي إنتِ فين يابنتي، فاكرة قولتيلي ايه يوم الولادة
-امسكي في السعادة بايدك. طالعت عاليا التي تتراقص مع تقى بخجل وتحدثت بإبانة.
-أهم حاجة تكوني سعيدة، لازم تكوني سعيدة لو هتسرقيها، وضيفي حالتي أنا وعز، انا ندمانة اوي. نفسي نرجع زي زمان وابننا يتربى بنا، بس شوفي ايه اللي بيحصل. اقتربت منها تغمز بعنيها
-الواد بيعشق البعيدة والبعيدة منكدة على الواد. تنهيدة عميقة حررتها بأنفاسها قائلة
-وأنا اموت من غيره ياروبي، اخوكي بعشقه مش بحبه، ودا اللي بيوجعني
نهضت ربى تمسك كفيها.
-قومي غيري علشان ننزل تحت شوية مفيش مطر والشباب تحت نتلم زي زمان. اومأت لها دون حديث تراجع حديثها
بالأسفل جلس جواد حازم يدخن سيجاره يشاهدهم وهو يلعبون كرة السلة، جلس أوس بجواره بعدما ارتشف بعض المياه قائلاً
-مش ناوي تقوم تلعب شوية
هز رأسه رافضا وهو ينفث سيجاره.
-لا ماليش مزاج، ذهب ببصره لجناح جاسر الذي خرجت بشرفته الفتيات ولكن لم تكن معهن. نزل ببصره للأرض بحزن، هب أوس من مكانه يرفع قدمه على المقعد الذي بجواره
-عينك يابن عمتي، دي فيها رقاب وخيانة. جحظت عيناه ينظر مدهوشًا
-ايه اللي بتقوله دا. لا طبعا ومش معنى قولتلك اني حبت جنى أوي يبقى لسة بفكر فيها.
ارتعاشة أصابت أوس بالحزن من آثار وجعه الذي ظهر على وجهه غربت على ظهره
-آسف! بس لازم تسمعني كويس، انا مش هتهوان بنظرة لمرات اخويا، انت اخويا وابن عمتي على راسي من فوق، بس نظراتك فضحاك، انا ممكن اسامح مرة، بس معتقدش لو جاسر مكاني هيسامح. انحنى بجسده يهمس بجوار أذنه.
-جنى بتموت في واحد اسمه جاسر الألفي ولو خيروها بين جاسر وبين حياتها هتختاره ياجواد، ربت على كتفه واستأنف: -متزعلش مني، بس لازم اعرفك اللي بتعمله خيانة ومهما تحاول تداري بس أنا فاهم النظرات دي كويس
شعر جواد بإهتزاز الأرض من تحت قدميه، واغروقت عيناه بالدموع فنهض متجهًا لمنزله يهرب من بشاعة ظن أوس به، وصل جاسر يجذب قنينة المياة من يد أوس وهو يصيح على جواد.
-رايح فين يالا، لسة هنبدأ الحفلة، ابتلع جواد ريقه وحاول أن يتحدث بإتزان قائلاً: -هاخد شاور عرقت كنت بعمل رياضة، هوى على الأرض يفرض جسده ينظر لبيجاد الذي هوى بجواره
-مبروك الخسارة ياحضرة الظابط. تهكم جاسر يضع يديه على وجهه
-دا انا لسة يادوب بمسك الكرة وقولتو فنشنا هتستهبل، وصل عز إليهم يشير للخادمة.
-حطي الصينية هنا، واطلعي لجنى قوليلها كلمي بابا عايزك دلوقتي. اومأت الخادمة بطاعة، اعتدل جاسر عندما تذكر رقص معشوقته، أيعقل أنها مازالت ترقص تلك الجنية، قطع حديثه مع نفسه خروج الفتيات تضحك متجهين إلى جلوسهم، نهض أوس قائلاً: -ياسمينا فين منزلتش ليه؟
أشارت غنى مجيبة
-مسك صحيت وقالت هتشوفها وتنزل، جلست بين جاسر وبيجاد، وامسكت محرمتها الورقية تمسح وجهه زوجها.
-قوم خد شاور علشان العرق دا. تسطح جاسر يدفع بيجاد واتخذ ساقيها وسادة قائلاً: -قوم استحمى قرفتنا، مسدت غنى على خصلاته تنظر لياسين
-شوفت مراتك لو محتاجة حاجة، رفضت تنزل معانا، استدار متجها للأعلى
-هشوفها وراجع. رفع بيجاد وشاحها الثقيل على أكتافها
-حبيبتي الجو برد نزلتي ليه، وضعت رأسها على كتفه
-هعمل ايه فوق بس، وصلت الفتيات
ربى وتقى وجنى، أمسكت جنى جاكيتيه ووضعته على كتفه وهو متسطح على الأرض قائلة.
-قميصك خفيف البس دا، هروح أشوف بابا وراجعة، أشار بسبباته بوصول عز وأوس
-اياكي تباتي هناك مفيش مبيت برة حضني بقولك اهو.
طالعته بخجل ثم ابتعدت بنظرها عنه
-جاسر إنت قولت هبات مع بابا، لو سمحت. أشار بيديه
-امشي ياجنى بدل مااقوم اعمل حاجة تزعلك، تحركت سعيدة، راقبها عز حتى ولجت للداخل فلكمه
-ماتتلم يااخويا ولا علشان ساكت هتسوق فيها، أمسكت ربى ذراعه
-بس ياعز، سيبه هو حر مع مراته.
بترت حديثهم غنى متسائلة: -عز هو انت رجعت ربى، قالتها عندما عانق كتفها. اومأت ربى تبتعد بنظراتها خجلا
رفع ذقنها واقترب يلثم جبينها يبحر بعيناها
-تفتكري هقدر اعيش من غيرها
خرجت جنى متجهة لمنزل والدها. وجدت جواد حازم يجلس أمام نافورة المياة التي تفصل المنزلين، اقتربت منه عندما وجدت نظراته للسماء
-جواد إنت كويس؟
اعتدل واقفًا متجهًا إليها
-كويس، رايحة عند خالو. اومأت برأسها.
-أيوة، قاعد لوحدك ليه، مبتقعدش مع الشباب. تحرك يضع كفيه بجيب بنطاله
كنت قاعد معاهم، استمعت لأصوات ضحكاتهم فالتفت تطالعهم بإبتسامة، تهيم بزوجها عشقًا وهو يتقاتل مع عز وترتفع أصوات ضحكاتهم
استدارت عندما استمعت لسؤاله
-بتحبيه اوي!
نظرت للأرض بخجل ورغم خجلها إلا أنها اردفت: -بعشقه ياجواد، لحاجة بسيطة رفعت نظرها إليه وتحدثت بعيونًا لامعة.
-حياتي هو بس، اول دقة قلب له، اول وجع لقلبي منه، وأول نبض لجنين ليا منه حتى لو ربنا ماأردش، بس كلي هو ياجواد ويوم مايحاول يبعد عني أو انا ابعد عنه اعرف وقتها هيكون قلبي ميت هكون مجرد شخص بلا روح
دنى ولم يفصل بينهما سوى خطوة واحدة.
-ليه خبتي الحب دا كله، وليه حسستيني انك بتحبيني. هزت رأسها وتكورت عبراتها مردفة: -أنا معملتش كدا، انت قربت في الوقت اللي كنت مفكرة المشاعر دي اخوية، معرفش إنها مشاعر حب وعشق، اكتشفت قربي منك ماهو الا حب اخوي، انا عمري ماقولتلك بحبك.
سحبت نفسا ناعمًا وطردته واستطردت حديثها بإمعان: -جواد إنت اللي دبحتني، بس انا مش زعلانة منك علشان وقتها فوقتني من جحيم كنت هدخله وانا وانت كنا هنخسر كتير، امالت تنظر بمقلتيه
-مش هقولك انساني ياجواد، علشان احنا مكنش بينا حاجة اصلا، بس هقولك ابني حياتك ياجواد وحب بجد بكرة هتلاقي الحب اللي يخليك تنسى كل وجع.
بالأعلى كان يجلس يطالعهم وابتسامة بشوشة على وجهه. ربتت على كتفه واردفت بمشاكسة: -فرحان قوي بالدوشة دي.
آآه حررها بأنفاسًا مرتفعة قائلًا: -جدًا ياغزل، ربنا ما يحرمنا جمعتهم ياغزل، ذهبت أبصارهم لتوقف جواد مع جنى، فاتجه بنظره سريعا لجاسر الذي يتوسد ساق غنى متمددًا على العشب، تحرك جواد سريعا للأسفل، في حين استقام جاسر حينما اردفت غنى
-ايه رأيك تعزفلنا شوية على الجيتار أو العود ياجسورة.
ارتفعت أنظاره لرفضه ولكنه لمح زوجته تقف بجوار جواد، هب من مكانه متجهًا إليهما.
عند جنى وجواد
تحدثت تشير إليه بسبباتها
-متحسسنيش اني ظلمتك يابن عمتي، انا من قبل مااتجوز جاسر قولتلك لو اخر راجل مستحيل اوافق عليك
لسبب بسيط يابن عمتي، لأنك متتأمنش على القلب، دوست علشان مصلحتك وبس، خدتني كوبري ورغم كدا جاي توقف قدامي وتقولي ظلمتيني ولعبتي بمشاعري. هي فين مشاعرك دي ياجواد هنلعب على بعض.
قالتها واستدارت إلا أنه أوقفها قائلاً
-جنى مش قصدي تزعلي، دي كان مجرد دردشة عادية
استدارت برأسها ترمقه بنظرة مشمئزة مردفة: -الغلط مش عندك، الغلط عندي أنا، انا اللي فكرتك انسان وجيت وقفت بسألك. جواد انا دلوقتي مرات اخوك، ياريت تبقى مستوعب الكلمة دي، أشارت عليه واستأنفت
-معرفش انت طالع ازاي كدا. قطع حديثهم جواد عندما تسائل: -واقفين كدا. رسمت ابتسامة واتجهت لجواد.
-مفيش ياعمو، دا ابن عمتي كان بيسألني عن حاجة. سحب كفيها وأشار لجواد وتحدث بمغذى
-ابعتلي ماما ياجواد، قولها روحي لخالو. اومأ بحزن ينبع من مقلتيه واستدار متحركًا بوصول جاسر
-فيه ايه، واقفة كدا ليه
رمقه جواد بنظرة اخرصته ثم تحدث: -طلبت منها تناديلي عمتك، فشافت جواد وسألته ايه اجرمت
تحرك وهو يسحبها متجها لمنزل صهيب، ظل متوقفًا وعيناه على منزل حازم الذي ولج إليه جواد منذ قليل.
بعد فترة كان الجميع يجلسون بالحديقة. جلست عاليا تهمس لجنى
-الساعة 3 تعبت وعايزة اطلع ارتاح
قطع حديثهم
وصلت ربى إليه بالجيتار تجلس بجواره
-تعرف انت اكتر حاجةاخدتها من بابا ايه
رفع حاجبه ساخرًا يجذب من بين يديها جيتاره، وكأنه اغلى الأشياء لديه. ظل لدقائق يطالعه بإشتياق، حتى هتف ياسين إليه: -سمعنا يابني يمكن نتلم الليلة ونعرف ننام جتكم الهم، لكزه عز بجنبه.
-بقولك ياعريس الغفلة روح اقعد جنب مراتك مش عايزين نسمع صوتك، انت معملتش حاجة حلوة غير إنك جمعتنا وبس، إنما الخلقة الحلوة دي كلها مشاكل وعايز ارسم على وشك. قهقه الجميع عليه حتى عاليا التي وضعت كفيها على فمها تمنع ضحكاتها، رمقها بنظرة نارية، فالقاه بيجاد ببعض حب الرمان.
دور وشك يالا، البت لسة عندنا، وممكن نرجع في كلامنا، متفكرش نفسك حاجة، انت زي ما قال عز اخرك يشخبطوا على وشك. هتفت غنى بعدما وجدت نظرات ياسين النارية
-بس يابيجاد ماله ياسو ماهو قمر اهو
وضع الرمان بفمها قائلًا: -الواد دا اشك أنه اخوكي اصلا، دا آخره يبيع بطاطا قدام الميادين
ارتفعت أصوات ضحكاتهم فهوت جنى جالسة بجوار ياسين تضع كفيها على كتفه
-دا ياسو احسن جنتل في العيلة، اكيد مفروسين منه. انحنت تهمس له.
-بيضايقوك متسمعش منهم دول مفروسين منك
صرخت عندما ضرب على رأسها
-ماتتلمي يابت، ثم رمق أخيه بنظرات مستاءة
-خدها بالحضن ياخويا وابكوا على الاطلال. توسعت عيناها تشير لنفسها
-أنا ياجاسر. حك ياسين ذقنه عندما شعر بغيرته. فاستدار يغمز لجنى
-جنجون ايه رأيك جوزك يغني واحنا نرقص ماني مور. لم يشعر بنفسه الا حينما وجد جاسر يضربه فوق رأسه بالجيتار
-تعالى ياحيلتها نرقص مع بعض ماني مور. قهقه عز يغمز لبيحاد.
ماتيجي نشارك يابني. بينما اوس الذي صاح
-اتلموا الحاجات دي مفيهاش هزار، ثم رمق جنى بنظرة مستاءة
-الاميرة جنى لمي الدور بدل مابيتك في حضن جوزك، وأنتِ هتموتي علشان تباتي مع صهيب. توسعت عيناها خجلا تبتعد بنظراتها بعيدا عنه، حط بيجاد رأسه قائلاً: -أنا سمعت حاجة غلط صح. قاطعه جاسر عندما بدأ يعزف على جيتاره
حتى صمت الجميع. تشابكت بذراعه تضع رأسها على كتفه هامسة بجوار أذنه.
آسفة حبيبي. اكمل مايفعله وكأنه لم يستمع إليها. حتى ظن البعض أنه سيعذف سيمفونية العشاق ولكن ذهلوا عندما استمع للحن الأغنية
وبنحبك يا دنيا بجد
و مهما تعملى فينا
بنصحى بشوق يفوق الحدّ
و نحضن بكره بإيدينا
و آه من بكره و عمايله
و آه م اللى الزمن شايله
و آه من حلم عالى لفوق
و لسه الكف مش طايله
يا دنيا دبت أنا فيكى
و توهتينى في عنيكى
أموت لو عشت من غيرى
و أعيش لما أموت فيكى
با ارض الخوف يا لامانا
أمانة تسيبى جوانا.
براءة طفل كان عايز يشوف الصبح ويانا
وجنب الشوك يعيش الورد
يرجع قلبنا لينا
و بعد التوهة جزر و مد
نلاقى نفسنا لينا
لم يستطع تكملتها فهب من مكانه للداخل، هرولت خلفه
فتسطح بيجاد قائلا: -يخربيت العيلة النكدية دي، كان مالي ومالها، حتى يوم الفرح ينكدوا. لكمته غنى
-بتقول ايه ياحبيبي
رفع نظره للأعلى
-بقول مابلاقيش السعادة الا وأنا في حي الألفي ياحبي، حتى اسألي ياسين اللي بيعمل فرحه بعد جوازه ب3شهور، ولا بلاش دي.
اسألي عز اللي بيدخل زي الحرامية أوضة مراته كل ليلة، ولا بلاش دي
اسألي حضرة الظابط على مصايبه التي لا تعد ولا تحصى
نهض ينفض ثيابه وأشار على نفسه
وليه تسألي دول كلهم ياحبي اسأليني انا هتروح فين يابيجاد بكرة الصبح هقولك هروح مستشفى المجانين. والله سؤال محيرني وهموت واعرف إجابته
الراجل اللي قاعد فوق دا، ازاي لسة عايش لحد دلوقتي، دا انا هموت في عز شبابي بقهرتي
رفع كفيه للسماء
-يارب نجني من عيلة المجانين دي.
نظر لنظرات ياسين لعاليا قائلاً
-إنت متأكد يابني انك عريس. انا مش متفائل، غنى لازم نهرب بعيالنا. الواد دا شكله بيرتب لمصيبة مش فرح.
جذب زوجته يلوح بيديه
-تصبحوا على خير. نهضت عاليا قائلة
-أنا كمان هدخل انام.
ذهب الجميع ولم يتبقى سوى عز وربى
وضعت رأسها على كتفه متسائلة: -تفتكر ايه اللي حصل مع جاسر، هو مخبي علينا حاجة ياعز
كان ينظر بشرود وبدأ صدره يعلو ويهبط بأنفاسًا مرتفعة، فتوقف يحاوط جسدها، حتى توقفت حاوط خصرها متحركًا للداخل
- تعالي ارتاحي ونامي كويس عندنا فرح، تلاقيه اتأثر بشوية المشاكل اللي عدت عليه
بالأعلى بغرفة ياسين.
خرجت من المرحاض ترتدي بيجامة حريرية واتجهت إلى غرفة أخرى، تسطحت عليها وهنا انهارت باكية بعدما انفردت بنفسها اخيرا اختلت لتتذكر الأحداث المأسوية التي من المفترض أن تكون افضل ايامها
تراجعت تحتضن نفسها كالجنين تتذكر مقابلتها بأهلها
فلاش
ولجت غزل مبتسمة
-ماشاء الله ياعاليا طالعة زي القمر. بتر حديثهم جنى
-وأنا كنت وحشة ياانطي غزل، لا زعلانة ولازم تقوليلي مفيش غيرك القمر
ضربتها ربى على رأسها.
-اخرسي يابت، قمر بالستر. سحبت غزل كف ياسمينا وعاليا، وجنى توزع نظراتها بينهم واردفت بحبور
-أنا سعيدة اوي، ربنا رزقني باحلى بنات ربنا يسعدكم دايمًا
خرجت عاليا بجوار غزل. نهض ياسين متوقفًا عندما رمقه والده لمقابلة عروسه، فيما توقف نادر بجوار كريم يتجهون خلف صابرين والدة عاليا
اقترب ياسين يمسك كفيها الذي شعر ببرودته، فرفع نظره إليها يهمس لها.
-اهدي مش هاكلك. لم تشعر به وكأنه لم يكن، كانت نظراتها على والدتها التي ضمتها بإشتياق تبكي بصوت مرتفع
-عاااليا. رسمت ابتسامة تبتعد بنظرها عن والدتها
-اهدي ياماما، ايه هو أنا كنت هربانة، دا حتى انا متجوزة احسن راجل في الدنيا. قالتها وعيناها تتعمق بمقلتيه
ضغط على كفها، فابتعدت بنظرها إلى والدها تنظر إليه بعتاب على ما فعله بها.
تحركت بشموخ وثبات بجوار ياسين، حتى وصلت لوالدها انحنت تنظر للأرض، رفع ذقنها ولثم جبينها
-ألف مبروك يابنتي
أومأت برأسها مبتسمة
-شكرا. قالتها بهمس وتحركت إلى أن وصلت لحفلة الحنة التي تقيمها البنات
خرجت والدتها خلفها تهمس بإسمها، وجهت نظرها لياسين ثم لغزل التي تحركت بعدما ربتت على كتفها
تركت كف ياسين واقتربت من والدتها
تهمس بجوار أذنها
-عاليا ماتت من يوم ماوافقتي على جوازتي ياماما.
تسمرت صابرين بوقوفها تنظر لتحركها بقلبًا ام ينزف، ربت كريم على كتفها
-معلش ياماما، بكرة تنسى، ياسين كويس ياماما ممكن هي مضايقة علشان طريقة الجواز
استدارت له
-مالقتش خالد لحد دلوقتي. هز رأسه بالنفي: -مالقتوش، أبوه بيقول سافر مع مراته
تحركت خلفها مرددة
-لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
فاقت من شرودها عندما استمعت لطرقات على باب الغرفة
نهضت تجلس على الفراش، وازالت عبراتها.
-ادخل. ولج للداخل وجلس بمقابلتها
-عاليا لازم نتكلم، من بكرة حياتنا هتتغير
حدجته برفض تام قائلة: - احنا عمرنا ماهنتفق ياياسين، لا إنت هتنسى حقيقة جوازنا، ولا أنا انسى اهانتك ليا
ضغط على كل عصب بداخله وحاول ألا يتعصب. شهيق وزفيرًا على عدة مرات، مبتعدًا لتلك الكرة النارية التي تقبع بداخل صدره، فتراجع بجسده على المقعد.
-تمام. احنا لازم نتكلم، لسة قدامنا تسع شهور هنقعدهم مع بعض، لازم تحكي لي ليه ابن عمك قال كدا، أنتِ فعلا. صمت ولا يعلم لماذا ذاك الأختناق الذي سيطر عليه
رفعت فيروزتها إليه وتعلقت عيناهما للحظات ثم أشارت على باب الغرفة
-اطلع برة عايزة انام، إنت مش حقك تسألني عن حاجة
اشتعلت نظراته بشكل مخيف مما جعلها تتراجع بجسدها تتحدث بتقطع
-إحنا اتفقنا كل واحد يفضل في حاله، لا أنا من حقي اسألك ولا انت من حقك تسألني.
ثارت زعابيب غضبه، ثم فزع ناهضًا متجهًا للخارج.
تناولت هاتفها وأخذت تفتش في شيئا ما. وضعت كفيها على فمها تمنع شهقاتها. أغمضت جفونها محاولة السيطرة على آلام قلبها النازفة. دفع الباب ودلف كالثور الهائج انحنى يضغط على فكيها بقوة آلامتها يتحدث من بين أسنانه: -لازم تحكيلي كل حاجة، انا بقالي شهرين بحاول اوصل للحيوان دا مش عارف اوصله، الواد دا عمل ايه فيكي، وليه أنتِ ساكتة ومبتتكلميش، مظلومة ولا لا. قالها بصوت مرتفع.
تلعثمت بتقطع وخرجت الحروف من بين شفتيها بتقطع وكأن هناك مايعوق تنفسها
ابتعد عنها يرجع خصلاته بعنف كاد أن يقتلعها. دفع المقعد بساقيه. بلعت غصة ترتجف وتحدثت بنبرة مبطنة بالبكاء
-عايزة ارتاح أخرج برة لو سمحت.
افترسها بملامحه الغاضبة، فتراجع يهز رأسه قائلًا: -تمام كوين عاليا. اقترب خطوة وحدجها بنظرة نارية يشير بسبباته محذرًا إياها: -اسمعيني كويس انا مبكررش كلامي، الليلة دي بقيتي قدام العالم كله مراتي، الأول كنت بقول الموضوع بينا وكدا كدا محدش يعرف إنك مراتي غير القرايب، ماهو أنا مش معروف بينكم، بس طبعا بكرة الدنيا كلها هتعرف، غير زمايلي في الشغل. على الله، على الله تغلطي أو تسوئي سمعتي، بلاش اقولك هعمل ايه.
كانت تستمع إليه بأعين مرتجفة محاولة إستيعاب مدى القسوة والإهانة
فأشارت له بالخروج: استدار للخارج يصفع الباب خلفه
بغرفة أوس
تجلس أمام مرآة الزينة تنظر لزوجها الذي يشرد بنظراته، وضعت مرطبها على كفيها وتسائلت وهي تطالعه من خلال المرآة
-مالك ياأوس. نهض من مكانه متجهًا إليها، ثم انحنى يطبع قبلة مطولة على وجنتيها
-كنتي جميلة اوي النهاردة ياياسو. توقفت بمقابلته ورفعت أناملها على كنزته مبتسمة.
-النهاردة بس ياأوس، مراتك وحشة ولا إيه احتضنها يضمها لصدره بحنان
-لا ياحبيبي إنتِ اجمل بنت شافتها عيوني، احتضن وجهها يلثم جبينها ثم أردف: -باباكي مش هيحضر الفرح ولا إيه
استدارت تزيل روبها الحريري متجهة لفراشهما
-بابا مسافر حبيبي، كلم عمو جواد واعتذر. جذب كفيها يديرها كراقصة باليه
-ايه الجمال دا، خايف عيوني تحسدك حبيبة أوس. دنت منه وحاوطت خصره.
-أنا حبيبي اجمل راجل في الدنيا. رفعت أناملها على صدره وغمزت بعينيها
-هنقضي الليلة في الكلام. ارتفعت ضحكاته وهو يضمها بقوة يرفعها من خصرها يضع وجهه بخصلاتها الحريرية
بمنزل حازم جلس جواد بمقابلة مليكة وحازم الذي يجاوره جواد. سحب نفسا ثقيلا عندما شعر وكأن هناك مايطبق على صدره، فهو قد استمع لجزء من حديث جواد وجنى.
حمحم حازم ينظر بنظرات متسائلة لمليكة عن حالة جواد. رفع نظره أخيرًا إليهم: -حازم عايز اقولك حاجة ومتزعلش مني، اتجه بنظره لجواد وأغمض عيناه للحظات فتحدث بهدوء اكتسبه من حالة آلالام قلبه.
-جواد اخو جاسر ياحازم عايزك تفهمه الحتة دي وتربيه على كدا، علشان انا النهاردة لأول مرة يحسسني بفشل تربيته. قالها وتوقف مترنحًا حتى شعر بتشوش الرؤية ولم يعد لديه القدرة على الرؤية، فتوقف للحظات مستندًا على الجدار. نهض حازم سريعًا
-جواد إنت كويس؟
اومأ برأسه وتحرك بخطى ضعيفة
-كويس ياحازم. استدار حازم وتضجرت ملامحه بالغضب.
-عملت ايه وخالك ماله. أما مليكة التي احتوت رأسها بين راحتيها، وانسابت عبراتها رغما عنها رددت: -واقف يعاتب جنى ياحازم، جاي بعد مالعب بمشاعرها واتجوزت جاي يعاتبها، ونسي أنه واقف قدام مرات اخوه. فاض غضبها فرفعت نظرها مشمئزة تشير عليه
-ليه! ليه تعمل كدا، من قلة البنات!
صاعقة زلزلت كيان حازم مما جعله يهز رأسه رافضا كلماتها
-لا ابني محترم ومتربي مستحيل يوقف مع واحدة متجوزة ويهين نفسه.
نهض من مكانه، يخطو للداخل بخطوات متعثرة وكأنه يخطو فوق لهيبًا من نيران
اقترب من مليكة مذهولا
-إنتِ إزاي متقوليش حاجة زي دي. أطبقت على جفنيها وانسابت عبراتها ترفع أكتافها
-الكلام دا من شوية لسة، كنت خارجة بالصدفة سمعته. ودخلت لما شوفت جواد جاي
بدأ يثور حول نفسه كلأسد الجائع
-ابنك عايز يوصل لأيه يامليكة، صاح بغضب حتى وصل صوته إليه. تسطح على فراشه يغمض عيناه وأنين قلبه يشعره بالعجز. وضع كفيه على صدره.
-ليه مش قادر تنساها، لدرجادي حبتها اوي، لازم تفوق ياجواد، بتخسر نفسك.
بغرفة جاسر قبل قليل.
ولج للغرفة متجها لمرحاضه هروبا من لحاقها به. دقائق تنتظره بالخارج في حالة من التوتر والألم. نزعت حاجبها تلقيه ارضًا، وتحركت إإليه بعدما عزمت أمرها. فتحت الباب بهدوء تبحث عنه بكابينة المرحاض، ولكنه غير موجود استدارت تبحث عنه وجدته يجلس على حافة البانيو ومازال بثيابه. اقتربت منه وضعت كفيها على كتفها. رفع عيناه الباكية إليها. اتجهت حتى توقفت أمامه تحتضن وجهه تزيل عبراته وتدنو تحتضن خاصته بعشق وكأنها تسحب آلامه. أطبق على جفنيه متلذذًا بقبلتها الناعمة، تراقص قلبه من فعلتها، حاوط جسدها يتولى ترانيمه يتذوقها وكأنها ملجأ من الجحيم الذي يشعر به، ظل لفترة لم يشعر بها ينعمان بقربهما متناسيًا الزمن والمكان. حملها واتجه للخارج ومازال ينثر عشقه الروحي وغذاء قلبه إلى أن وصل لفراشهما. وضعها بهدوء يعانق عيناها الجميلة برماديته، رفع أنامله يمررها على وجنتيها مما جعلها تغلق عيناها مستمتعة بلمساته، دنى يضع جبينه فوق خاصتها يسحب أنفاسها هامسًا بنبض قلبه.
-أنا تعبان قوي حبيبي. رفعت كفيها تحتضن وجهه تبحر بعيناها وهتفت
-ينفع تكون تعبان وجنتك جنبك، كدا تزعلني ياجاسر، لدرجادي مش عارف قد إيه وجعك بيوجعني. بتر حديثها وهو يغزو بخاصته. لحظات معدودة من الوقت ولكن ممدودة بنبض، فراشات لذيذة وفرحة للقلب قبل العين عندما تجد سعادتك بجانب من يعشقك ويسحب حزنك دون كلل أو ملل
استمع لرنين هاتفه ولكن لم يعريه إهتمام. لمست خصلاته وهتفت.
-شوف مين بيتصل بيك متأخر كدا. سحب نفسه مجبرًا ورفع هاتفه للأيجاب، في حين هي اعتدلت واتجهت سريعا لغرفة الملابس تختلي بنفسها تحاول أن تسحب أنفاسها التي شعرت بإنسحابها من حالته
جلست للحظات تأخذ شهيقًا بهدوء وتزفره على مراحل. استمعت لحديثه بالخارج.
-اي حاجة ابعتها لجواد، وبطل استظراف بتتصل بيا تلاتة الفجر علشان تقولي مسجون انتحر، يارب يموتوا كلهم، أردف بها غاضبًا بعدما انتشله ذاك الأقبح من لحظاته السعيدة.
ابتسمت على غضبه ورسمت صورته بعقلها. نهضت تنتقي شيئًا مناسبًا لتلك الليلة، ابتسمت برضا على تلك المنامة الوردية وقامت بنزع ثيابها وارتدتها على مهلًا تعطيه فرصة للأختلاء بنفسه حتى يخرج من حالة حزنه، تقدمت من مرآة الزينة وتجملت بلمسات خفيفة، شعرت بألمًا أسفل بطنها ارجعته لميعاد عادتها الشهرية، حزنت على ماشعرت به، نهضت بعدما أنهت ماكانت تفعله، وتحركت للخارج. كان واقفًا بالشرفة، يدخن سيجاره، اتجهت للفراش تعدل من وضعيته. ثم خرجت إليه بعدما سحبت وشاحها همست اسمه فاستدار يطالعها بعيونًا عاشقة قائلًا بعدما رأى ماترتديه.
-هشرب سيجارة ياقلبي، خليكي الجو برد. تحركت إلى وقوفه
-هتفضل تحرق في صدرك كدا، معرفش ازاي اصلا شربت البتاعة دي
استدار ينظر للحديقة التي سكنت تمامًا بعدما كانت تعج بضحكاتهم
-عادي ياجنى، لقيت نفسي عايز اشربها. اقتربت حتى توقفت أمامه تستند على السور الحديدي خلفها
-لا مش عادي، انت بضر صحتك، لو مش خايف على نفسك خاف عليا
رفع ذراعه بعدما ألقى سيجاره وحاوط أكتافها متحركًا للداخل.
-زي ماانتِ طلعتي برة بهدومك دي والجو برد، تحركت تزم شفتيها غاضبة: -ليه بتربط دي بدي، البتاعة دي غلط يبقى لازم تبطلها، مفيش غيرك انت وجواد بس اللي بتشربوها
تجولت أبصاره على جسدها بعدما ألقت الوشاح ارضًا وتورد وجهها غضبًا، دنى منها وجلس بجوارها على الفراش يمسد على خصلاتها: -الغضب دا كله علشان شربت سيجارة.
سحبت نفسًا قوية عندما شعرت أنها أوشكت على البكاء، فهي تشعر أنه يخفي شيئا مريبًا.
احتضنت كفيه وتحدثت بأنفاسًا متثاقلة: -مش عايز تقولي مالك!
انحبس النفس بصدره، وتسارعت نبضاته حينما شعر بإحتمال فقدانها
رفع أنامله يزيح خصلاتها للخلف، ثم رفع ذقنها يمرر إبهامه على شفتيها
-مفيش حبيبتي، شوية الأيام اللي عدت بس، دنت تضع رأسها بصدره ولفت ذراعيها تحاوط جسده
-إن شاءالله الجاي أحسن، دمغ خصلاتها بقبلة مطولة. نهضت متجهة إلى مكان نومها
-ايه مش هنام ولا إيه؟
تسطح على الفراش يطالعها غامزًا: -الجميل هيبات في حضن جوزه ولا إيه، مكنتيش بتقولي هتباتي مع بابا
انحنت تحاوطه بذراعيها بوضعه المقلوب واردفت بمشاكسة
-ايه اروح انام في حضن ابويا، لو مش عايز. رفع ذراعه يجذبها بقوة حتى هوت فوقه تصرخ به
-غدار يابن عمي. وضع رأسه بجوار رأسه ممسكًا وجنتيها.
-بلاش الكلمة دي ياجنجون، عمري ماكنت غدار. هبت سريعًا تهز رأسها قائلة: -لا ياحبيبي مش قصدي، إنت عارف انا بهزر. استندت على ذراعه وعانقته ببنيتها
-انت عارف بهزر صح. كانت نظراته صامتة، نظرات تحاوط وجهها
فقط. زمت مابين حاجبيها
-ايه مراتك حلوة!
-اوي اوي. قالها وهو يحتضن كفيها يلثمه بقبله حنونة دافئة.
ابتسم عندما تذكر شيئًا. ابتسمت على ابتسامته ورفعت كفيها تتلاعب بخصلاته، ثم اقتربت منه تدفث وجهها بعنقه: -وراها ايه النظرات دي. اعتصرها بأحضانه: -وراها عشق كبير اوي، أخرجها ينظر لمقلتيها إنما مراتي الحلوة عايزة تتعاقب
ضيقت عيناها تشير على نفسها
-اتعاقب! ليه ياحبيبي علشان بحبك اكتر واحد في الدنيا
ارتفعت ضحكاته يدفن رأسه بصدرها.
-اسكتي ياجنى أنا بمسك نفسي بالعافية عنك. مسدت على خصلاته وتنهيدة عميقة مردفة بصوت يملؤه الشجن
-صدقني ياجاسر انت اكبر حب في حياتي، وخلاص مبقتش عايزة حاجة، مش عايزة غير الراحة والسعادة
نهض يسحبها من كفيها
-أيوة السعادة دي بقى عايز اشوف أثرها الليلة، توقفت بعدما جهلت معنى حديثه.
اقترب ولف ذراعيه حول جسدها يضمها هامسًا لها
شوفتك بترقصي ياجنى، وضعت كفيها على وجهها وتوردت وجنتيها
-مش أنا دا روبي.
جذبها متجهًا لغرفة الملابس يبحث عن شيئا ما، وهنا وقعت عيناه على ماأراد. استدارت سريعًا إلا أنه أحكم قبضته قائلًا: -هتستهبلي طب والله لأعملك قتيل هنا.
لابسة بدلة رقص يابت ومش همك حد، دا أنتِ معملتهاش وأنتِ معايا، رايحة تترقصي قدامهم
تشبست بعنقه تهز رأسها واطلقت ضحكات ناعمة
-والله روبي اللي أصرت انا اصلا مابعرفش ارقص. ضغط على خصرها بقوة فصرخت مما جعله يبتلع صراخها يعاقبها بطريقته الخاصة.
تركها بعد فترة يدفعها على الفراش.
أطفي النور عايز أنام. ظلت متوقفة للحظات حتى صاح بها بعدما أزال كنزته وتسطح على فراشه، أغلقت الأضواء واتجهت لتلك المنامة التي أخرجها ودلفت لغرفة الملابس. خرجت بعد دقائق معدودة وخطت حافية القدمين وقامت بفتح هاتفها على موسيقى مناسبة للرقص، بعد إغلاقها للزجاج الجناح بالكامل. واتجهت للأنارة الشموع الخافتة وبدأت تدندن مع الأغنية تتراقص بتمهل في بداية الأمر خجلا، ظلت نظراته على وجهها البرئ، لم يعتريه رقصها مثل مااسعده مافعلته لإرضائه. تناست خجلها بعدما وجدت نظراته البريئة إليها، وبدأت تتحرك بحركات متناسقة لرقصها الهادئ كما صورته عيناه. نهض من فوق الفراش واتجه لهاتفها بعد فترة واغلقه، ثم حملها متجهًا لفراشهما يهمس لها.
-دا كله مش في بالي حبيبي، كفاية اهتمامك بيا، بس متعملهاش تاني قدام حد مهما كان حتى لو اخواتي نفسهم
حاوطت عنقه تدفث نفسها بصدره العاري مطبقة الجفنين تنعش روحها برائحته الرجولية.
راق له فعلتها، بل اشعرته بنبضه المثير داخل صدره، تبعث له قشعريرة من براثن أنفاسها الناعمة، وضعها محيطًا جسدها بنظراته الوقحة قائلا
-بقى القطعة الصغيرة دي تطلع كل المواهب الحلوة دي.
دفعته عاجزة عن الرد بوقاحته خاصة عندما عبث باناملها بجسدها، وضعت رأسها بالوسادة مبتعدة من نظراته وهمسه الوقح كما نعتته به
قهقه بصوت مرتفع يغمز لها
-كويس ياروحي إنك قفلت الازاز، علشان محدش يسمع. هبت فزعة تطالعه مذهولة
-ليه ناوي تعمل ايه هتصوت ولا ايه
ضرب كفيه ببعضهما وهو يجذبها ومازالت ضحكاتهما مرتفعة بعدما أخرجته من حالته. غمز بطرف عينه قائلا
-لا حبيبي قصدي صوت شخيري هيوصل لبابا تحت.
دفعته متذمرة ونهضت تطفئ الشموع واتجهت لفراشهما
-معرفش انا ليه منمتش عند ابويا، اهو كنت زماني باكل رز ولبن. قالتها وتسطحت فوق الفراش تبتعد بجسدها عنه وهي تتمتم غاضبة
مازالت ابتسامته تزين ثغره. فاقترب يجذبها لأحضانه
-طب ينفع تنامي جنبي بالبتاعة اللي أنتِ لابساها دي، طيب اسكت اازي
-جاااااسر. صاحت بها وهي تلكزه متمتمة: -نام ياحبيبي عندنا عرس بكرة.
حرك أنامله مرة أخرى فدفعته تضحك
-اتلم بقولك اهو.
رفع حاجبه ساخرًا ينظر إليها
-لو متلمتش هتعملي ايه، لو مفكرة انك هتروحي عند صهيب تبقي عبيطة انا كنت مستحيل اسيبك تنامي هناك، وياله نامي بقتي رغاية ليه كدا. قالها وأغمض جفونه متمصنع النوم
اقتربت تضع رأسها على صدره لتغفو سريعا كأن هذه قلعة آمانها لتجعلها بذاك الآمان
رفع ذراعيه يحاوطها وابتسامته العاشقة على وجهه لينام بنبضه الهادئ قرير العين ملهم الحواس.
بالصباح فتحت الجميلة عيناها وجدت نفسها محاصرة بجسده، دنت من أنفاسه تستنشقها بإستمتاع، رفعت أناملها تخللها بخصلاته متمتمة
-ينفع كدا نفسك كله سجاير، دفثت نفسها وهتفت بصوت خافت: -رغم كدا بس بعشقها منك، ربنا ما يحرمني منك ولا من ريحتك ياحبيب قلبي. فتح عيناه يستمع إليها بقلبًا ينبض عشقًا
عصرها بأحضانه مطبق الجفنين
-صباح العشق مهلكة روحي. تمسحت بصدره
-صباح العشق على حبيب جنى. أخرج رأسها يرسمها برماديته.
-عندنا فرح النهاردة، ومهلكة جوزها العيون هتبقى عليها، اي روج هاكله ياجنجون، الفستان ضيق هولعلك فيه، ضحكتك تخرج من شفايفك بلاش اقولك هعمل ايه خليها مفاجأة
خرجت من بين أحضانه: -دي اسميها غيرة ياجسورة ولا حب تملك. اعتدل يحاوط جسدها يفترسها بملامحه
-الاتنين ياجنجون، اغلطي وشوفي هعمل ايه
ضحكت تغمز له
-عايزة اغلط علشان اعرف هتعمل ايه.
لم يدعها تكمل حديثها حينما أطبق على ثغرها. فاق من لذة عشقه على صوت طرقات الباب. تراجع برأسه
فصاح غاضبا
-إحنا مش موجودين. طرقت ربى بصوت مرتفع
-جاسر انزل لبابا تحت، قال مش موجودين الساعة اتنين ياحبيبي، قوم وقوم البت اللي جنبك دي. دفعت الباب بقدمه وتحركت سريعا تطلق ضحكات مرتفعة. نهض متجها اليها، بهروب جنى للمرحاض. فتح الباب يبحث عنها وجدها تهبط الدرج تلوح بيديها.
-صباح الورد ياجسور
جز على شفتيها واجابها
-صباحك مالوش شمس ياشبر ونص. قالها متراجعا يبحث عن جنيته، ارجع خصلاته للخلف بعنف يتمتم
-هربتي ياجنى
بعد عدة ساعات
كانت قد أنهت زينتها، أزالت عبراتها التي تزحف على وجنتيها
انحنت تطبع قبلة على وجنتيها
-ممكن تبطلي عياط، كل شوية هنعدل. اقتربت غنى منهما
-هي بتعيط ليه ياجنى، اومال لو مش بقالك كام شهر معانا، ولا زعلانة من جوازك، زوت حاجبيها.
-لا طبعا دا انتوا بتحبو بعض. انحنت جنى تهمس لها
-عاليا حاولي تتحملي الساعتين دول، كدا الكل هيشك
استمعوا لطرقات على باب الغرفة. ولجت صابرين والدتها تنظر إليها بدموع الفرح
-ألف مبروك يابنتي. ابتسمت لوالدتها تهز رأسها وعيناها على غنى. دلفت ربى
-يالة ياعروسة اخوكي برة يسلمك لعريسك، نهضت بردائها الأبيض وخصلاتها الحريرية التي يزينها تاج مممزوج بفصوص كالألماس. خرجت لأخيها بصورة تبهر العينين.
طالعها كريم بعيون حزين، لثم جبينها
-مبروك ياعاليا. هزت رأسها وتعانقت بذراعه ترفع فستانها وتتحرك بجواره، كأنها تتحرك على جمرات من لهيبا
كان ينتظرها باسفل الدرج بهيئه الجذابة. بدلته الكلاسيكية السوداء وقميصه الأبيض. بدأت الموسيقى بظورها. تركها كريم لتهبط على تلك النغمات وحولها الحوريات الصغيرات من الجوانب. أطفالا بفساتين بيضاء يحاصرونها بنزولها. وأغنية طلي بالأبيض.
استدار يطالعها بعيونه الصقرية، راقبها من رأسها لقدمها يحدث نفسه كيف لملاك مثل هذا أن تفعل كل هذا
وصلت إليه بجوار أخيها الذي توقف أمامه يهمس له: -عارف الحمل تقل عليك، بس وعد مني جميلك دا هشيله على راسي طول العمر. ازاحه من طريقه، يقف أمام تلك الحزينة ورسم ابتسامة باهتة هامسًا لها رغم حزنه القابع بصدره.
-معملتش حاجة للجمايل ياكريم، دي مراتي، مش مستني حد يقولي فيها حاجة. تقابلت نظراتهما للحظات، فقوس ذراعه لتطوقه. بهدوء مميت لروحه حركت كفيها تطوق ذراعيه تقترب منه ليتحرك بها اتجاه الحديقة المزينة. أوقفته جنى تغمز لعاليا
-فين البوسة ياعريس، انا مش هتنازل عليها علشان الصورة
جذبها جاسر من ذراعها
-اتهدي يابت. نزعت ذراعها منه وتوقفت أمام ياسين
-لازم بوسة على الخدين، وإلا هعترض. اقتربت غنى تقف بجوار جنى.
-أنا مع جنجون عايزين بوسة كبييرة الكل يحسدها
رفعها جاسر من خصرها ينظر لبيجاد
-لم مراتك يابني، انا خايف العريس يطفش مننا. ولكن أوقفه عندما استدار يطبع قبلة مطولة على جبينها لتصفق جنى وتشير بيديها كالأطفال
-روبي صوري. لم تكمل حديثها عندما وجدت الذي يجذبها ويثبت رأسها أمام الجميع بتصوير روبي للمشهد، ويقتنص قبلة جامحة، جحظت الأعين بوصول جواد عندما تأخر العروسين فصرخ به
-جاسر!
هب فزعًا يفصل قبلته. يدفن رأسه بحجابها
-جالك الموت ياتارك الصلاة
قهقه بيجاد بصوت مرتفع يغمز لجواد
-علمناهم الشحاتة سبقونا على الابواب. اشمعنى انا. جحظت أعين جواد وهو يرى عز يجذب الكاميرا من يديها. وانا يعني أعور
-ايه العيال قليلة الادب دي، كل واحد يلم نفسه. أشار على جاسر
-ادخل مع أوس شوف الناس اللي جاية لو لمحتك جنب مراتك، تحرك حتى وصل إليه يهمس بجوار أذنه.
-خلاص ياحج جواد، انا فاكر انك كنت خربها متجيش عليا وتعملي أمام مسجد، دي مراتي على فكرة
طالعه جواد مصدوما من وقاحته، ثم أشار لبيجاد
-وراه يامنحل. غمز له مردفًا
-حبيبي ياحمايا والله، عيالك عندك ابعد عني، انا جنب مراتي، قالها وهو يجذب كف غنى ويتحرك يطلق صفيرًا
تحرك عز سريعًا إلا أنه قبض على تلابيبه
-رايح فين. خليك مع ياسين لحد مايطلع بعروسته. مسح على أنفه.
-كويس مهمة سهلة. أشار لياسين بالخروج بجوار عروسه. فيما امسك كف جنى يحاوط أكتافها قائلا
-ازاي تسيبي الواد دا يعمل فيكي كدا يابت، ايه انفلتي خالص. طأطأت رأسها للأسفل مبتلعة ريقها بصعوبة وتحدثت بتقطع: -والله. ياعمو هو يعني
تحرك بها يشير إلى والدها.
-عند باباكي واقعدي، إياكي ألمحك واقفة جنبه، فيه ناس مهمين في الحفلة ياجنى اعقلوا. رسمت ابتسامة وتحركت سريعا من امامه، استدار يرمق ربى التي تقف تفرك كفيها تهرب من نظراته
-روحي شوفي ابنك ياست الدكتورة، معرفش ايه الجيل المزفت دا، مفيش خجل خالص، اهم حاجة عندهم. أستغفر الله العظيم. قاطعت حديثه مع نفسه صوت غزل
-جواد إنت فين، فيه ناس بتسأل عليك، تحرك للخارج مبتسمًا كلما تذكر مافعله ابنه.
بفيلا يعقوب المنسي قبل قليل
دلف لجناحها دون طرقه على باب الغرفة، اعتدلت تصرخ به
-يعقوب ازاي تدخل كدا، افرض كنت من غير هدوم، أشار للخادمة
-ضعي هذا واخرجي
وضعت الخادمة ذاك المغلف وخرجت
أشار عليه
-هيا ارتديه، سانتظركي بالأسفل، هناك عشرون دقيقة لكي تنهي زينتك
اقتربت منه كالقطة الشرسة وأشارت غاضبة
-اسمعني يايعقوب، انت هنا ابن عمي وبس، ومش معنى اني موافقة اقعد معاك يبقى راضية.
سحبها من كفيها بهدوء، واجلسها على الفراش، ينظر بساعته
-هيا جميلتي لقد مر من الوقت خمسة دقائق لا تلهين كثيرًا
اعتدل ناصب عوده وتحرك للخارج
اذا كنتي تودين أن تحضرين حفل الزفاف فهيا تعجلي جميلتي، حتى نصل بوقتنا المحدد
بعد قليل ترجلت من سيارته، اتجه يعانق ذراعها ويلج للحفل المقام بحديقة حي الألفي. رأته جنى من بعيدًا. فأشارت لوالده
-يعقوب وصل يابابا. قابله علشان جاسر ميزعلش، استدار يطالعه وجد أوس يرحب به.
نهض بهدوء متجهًا إليه. سحبت نفسًا وزفرته تنظر لعاليا وياسين اللذان يتراقصان ورغم قربهما إلا أن هناك الكثير من المسافات بينهما. شعرت بأحدهما يضع كفيه على كتفها ثم انحنى
-تعالي نرقص حبيبي. اومأت ونهضت متجهة بجواره، بعدما وجدت غنى وبيجاد يتراقصان بجوار ياسين وعاليا
عند عاليا وياسين
كانت تتمايل بجوار بهدوء وابتسامة حزينة تنبع من عيناها. اقترب منها.
-شاطرة يابلقيس. ممتازة في التمثيل اللي يشوفنا يقول بيحبوا بعض بقالهم سنين
ابتسامة ساخرة على وجهها فدنت منه ورفعت ذراعيه تحاوط عنقه
-أيوة طبعا ياحبيبي، هو مش احنا بنحب بعض ولا إيه، وانقذتني ياياسو
هزة عنيفة أصابت جسده. ابتعد بنظره عنها وحاول الصمود أمام أنوثتها الطاغية التي ظهرت بإستفاضة تلك الليلة
انتهت حفلة الزفاف بعد فترة. توقف بجوار والده
-هسافر اسبوع شرم مع ياسين وعاليا
ربت على كتفه.
-حاول متتأخرش علشان البلوة اللي في البيت دي.
اقترب منه ولكزه بكتفه
-البت دي لازم تبعدها عن بيتك، مش عايز عمك يعرف حاجة عن الموضوع دا دلوقتي، متحطنيش في موقف صعب حبيبي
ابتعد بنظره عن والده
-بابا مضحكش عليك انا خايف وعاجز، مش عارف هعمل ايه لو البت دي فعلا حامل ولا بتلعب لعبة حقيرة زيها.
-متفكرش في حاجة دلوقتي ياجاسر، اتبسط مع مراتك. انا فرحان طول ما انتوا فرحانين. عايزك تقرب من ياسين وتشوفه بيفكر في ايه، عرفت أنه بيدور ورا ابن عم مراته. انا مش معترض ياحبيبي أنه يعرف الحقيقة بس دا لو هي تهمه، اما لو ناوي يطلقها، ياريت مايحطش نفسه في مشاكل
عندها اخوها وابوها، فاهمني ياجاسر
وصلت جنى إليهما
-جاسر ماتخلينا نبات هنا، ليه مصر نرجع الليلة. حاوطها حتى أصبحت بأحضانه يلثم جبينها أمام والده.
-إحنا هنسافر دلوقتي حبيبي. أشار جواد لعز الواقف بجوار يعقوب
وصل إليه فهمس له
-اجهز مع روبي. اسبوع عسل على حسابي يابن صهيب
ارتفع ببصره لعمه
- حضرتك بتتكلم جد، يعني وافقت أننا نرجع لبعض
ربت على كتفه يشير على ابنته
-ياله بسرعة. قبل عمه وتحرك سعيدًا
وصل الجميع بعد فترة
ولجت تحمل فستان زفافها وابتسامة ساخرة عندما وجدت تزيين الغرفة لإستقبال عروسين. خطت للداخل بعض الخطوات، إلا أنه توقف أمامها.
رفعت عيناها تطالعه مستغربة وقوفوه. ابتسامة ساخرة تجلت على ملامحه، يشير لفستانها
-مش المفروض العريس يخل. ع العروسة الفستان ولا الخوزعبلات دي جت عليا واتلغت
توسعت عيناها وشعرت برجفة بكامل جسدها حتى لم تعد سيقانها تحملنها، فاستندت رغمًا عنها على كتفه
ارتفعت ضحكاته غامزًا لها
-دا علشان قولت أخل. عك الفستان اومال لو قولت هاتي بو. سة هيغمي عليكي
تراجعت بجسدها للخلف واهتز جسدها من قربه.
-ياسين احنا متفقين، ايه نسيت انا محركش فيك حاجة هترجع في كلامك، اقترب منها حتى اصطدمت بالفراش خلفها. أحست بالدوار يحاصرها. ابتلعت ريقها
-أنا مستحيل اسلمك نفسي واخليك تلمسني سمعتني.
أشعلت كلماتها جحيم غضبه فنزل بجسده ينزع تاجها المزين خصلاتها وتحدث بفحيح
-عرفت مكان حبيب القلب وخلال أيام هجيبه راكع قدامي، ووقتها هعرفك قيمتك ياعاليا.
اعتدل مبتعدًا. وولج للداخل يطيح بكل ما يقابله. ارتعش جسدها من تحوله. ظلت لدقائق تحاول أن تسيطر على نفسها. وصل إليها
-قومي غيري عايز انام، عشر دقايق والاقيكي قدامي. نهضت بفستانها متجهة للداخل، حاولت نزعه ولكنها لم تقو، هوت على الأرضية تبكي بشهقات. استمع لصوت بكائها، ألمًا تسلل بداخله فنهض إليها وجدها تجلس على الأرضية تبكي
توقف أمامها. نظرت إليه، بسط كفيه.
-قومي مينفعش تعيطي بالليل، انحنى يساعدها بالوقوف. ثم ادارها يفتح زر فستانها واستدار للخارج دون حديث
بمسافة قليلة
الهدوء يغلف المكان سوى من نبضات قلوبهما، اخيرا استكانت القلوب. تغفو بسلام بأحضانه يعبث بخصلاتها مستنشقًا رائحتها. رفع رأسها
-روبي نمتي حبيبي. هزت رأسها تدفن نفسها بأحضانه
-زيزو تعبانة عايزة انام شوية قبل ماايهم يصحى. انحنى يقبل شفتيها بعشق للحظات حتى غفى.
هناك على سطح الفندق يجلس عاشقان آخران ينظران للقمر الذي يختفي لبعض الوقت خلف السحب
كانت تجلس بأحضانه يمدها بدفئ العشق. وضع ذقنه على كتفها يمرر كفيه على أحشائها
-بطنك لسة وجعاكي. هزت رأسها بالنفي. رفعت رأسها قليلا فقابلت وجهه القريب. رفعت أناملها تلمسه
-أنا فرحانة أوي ياجاسر، بس جوايا احساس وحش حبيبي. طبع قبلة على ثغرها وأشار للقمر.
-القمر ظهر تاني اهو، شوفتي معايا قمرين. كانت نظراتها صامتة. رمقها بجانب عينيه. فتنهد قائلا
-جنى عايزين نعيش الوقت اللي احنا فيه وبس، . مش عايز نفكر في حاجة تانية ممكن حبيبي
فكت حصاره ونهضت
-ياله ننزل عايزة انام، اليوم كان متعب غير السفر. نصب عوده وحاوط جسدها متجهين للأسفل
بعد شهر.
عادت من عملها تشعر بألمًا يفتك بجسدها. ولجت لمرحاضها وانعشت نفسها بحمام دافئا، ثم اتجهت للواحد القهار، لقضاء فرضها، استمعت لرنين هاتفها، نهضت بتكاسل
-جنى باباكي عندك. ضيقت عيناها متسائلة
-لا ياعمو، بابا مجاش، فيه حاجة
-لا حبيبتي. قالها وأغلق الهاتف
حاولت مهاتفة زوجها فمنذ امس لم يهاتفها. استمعت لطرقات على باب غرفتها
-الباشمهندس صهيب تحت يامدام
نهضت للأسفل، وتركت هاتفها بالأعلى. وصلت حيث جلوس والدها.
-بابا حبيبي. صفعة قوية على وجهها
ذهلت مما فعله والدها وانسابت عبراتها
-بابا فيه ايه. دلفت فيروز بجوار عز
-بابا جبتها. هنا شعرت بإنسحاب أنفاسها ودوران الأرض تحت أقدامها.
همست: -فيروز. اقتربت فيروز إليها
-قولتي لو الولد هيكون ابنه هتتنازلي وتخليه يعلنوا ويعترف بيه
هنا وضعت كفيها على احشائها، وألمًا يفتك بها. هزت رأسها
-مستحيل جوزي يعمل كدا
اخرصي. صاح بها صهيب ثم أشار لعز.
-خليهم يجمعوا كل مايخصها. كدا خلصت، ثم أشار إلى فيروز
-مبروك عليكي، احنا اللي دخلنا بالغلط
ثم اتجه بنظره الى ابنته
-قدامي على العربية. هزت رأسها تتراجع للخلف
-مش هسيب بيت جوزي يابابا، انا مش هسيب جاسر
اقترب يضغط على ذراعها
-عايزة ترخصي نفسك اكتر من كدا، عايزة اكتر من كدا، جوزك جاب ولد بالحرام ياباشمهندسة. وصل جواد توقف متسمرًا من ذاك المشهد، حينما وجد صهيب يضغط على ابنته.
-صهيب صرخ بها جواد. اقترب منه وأبعده عن جنى
-ايه اللي بتعمله دا
أشار إليه بتحذير
-ابعد عن ولادي ياجواد، دي بنتي ومالكش تدخل بينا، مش عايز منك غير ورقة طلاق بنتي، وابنك مبروك عليه طليقته وابنه. عز صاح بها صهيب
-ياله البيت دا مالناش فيه حاجة. استدارت جنى مبتعدة عنه وتوقفت خلف جواد
-مش هسيب جاسر يابابا، دا جوزي ومستحيل اتخلى عنه، انا عارفة الموضوع دا من زمان، ثم أشارت على فيروز.
-إنت متعرفش الحقيرة دي عملت ايه
قلبت فيروز نظراتها بملل تنادي على الخادمة
-منيرة، طلعي شنطتي فوق في أوضة جاسر، ثم اقتربت من جنى وأشارت على بطنها
-ماهو مش هيسيب مرات ابنه خلاص
صفعة قوية من جنى على وجهها ثم جذبتها من خصلاتها
-إنتِ شيطانة، عارفة يعني ايه شيطانة، احكي لبابا عملتي ايه ياحقيرة في جوزي
جنى صرخ بها صهيب
-مالوش لأزمة الكلام. استدار لجواد
-ابنك يطلق البنت ياجواد لو فعلا بتعبرني اخوك.
ثم جذب جنى من ذراعها. اتجهت ببصرها لجواد مترجية أن ينقذها ولكنه ابتعد ببصره عنها. توقفت أمام والدها
-بابا لازم تسمعني، الموضوع مش زي ما حضرتك فاهم
-امشي يابنت صهيب. استمعت إلى سيارة جاسر بالخارج، هرولت إليه
ترجل من سيارته، وجدها تهرول إليه
توقف متصنم وهو يرى صهيب بجوار عز وحقائب. بخروج والده وفيروز
هنا أطبق على جفنيه وشعر بأن هناك من غرس خنجرًا بروحه.
جاسر. قالتها وهي تحتضنه، رفعها من خصرها يضمها بقوة يستنشق رائحتها
بوله وإشتياق
-حبيبي وحشتيني. اتصلت بيكي من شوية. احتضنت وجهه وانسابت عبراتها
-بابا عايز ياخدني عرف موضوع فيروز. وصل صهيب إليهما
-اسمع ياجاسر، انت لحد دلوقتي كنت ابني. لحد كدا وكفاية يابني. رفع بصره إلى فيروز واستأنف بروح محترقة
-عيش مع ابنك يابني، انا كنت معاك اب قبل كل حاجة، لحد هنا وكفاية ياجاسر.
تشبثت به جنى تبكي بشهقات. بعينين هالكتين وقلبًا ينزف بصمت نزع جنى من أحضانه، ونظراته على والده الصامت
-جنى. روحي مع باباكي.
أحست بالدوار يلف بها، وكأنه طعنها بخنجر سام، برودة اجتاحت جسدها أوصالها فارتجفت متراجعة
-بتقول ايه؟
آلمه قلبه على حالتها وكأن آلام العالم حفرت بقلبه. انسابت عبراتها قهرًا من ردة فعله، وماهناك ماحطم قلبها إلى أشلاء وتمنت أن تزهق روحها حينما اقترب من فيروز ينظر إليها.
-ابدأي حياتك مع واحد يقدرك اكتر مني يابنت عمي، اسمعي كلام ابوكي
مع كل حرف نطقت به شفتيه هناك دموع كالشلال تحرق وجنتيها، قلبها يحترق وينزف دون دما حتى شعرت بعدم قدرتها على الوقوف
طالعه عز بصمت، ثم تحدث
-مبروك عليك حياتك يابن عمي، ومبروك علينا موت اختي. قالها متجهًا إلى جنى التي تحركت معه بلا روح وكأن العالم انهار حولها ولم يعد لديها قدرة للعيش به.
فتح باب السيارة سقط حجاب اسدالها كسقوط قلبه بين ساقيه عندما وجدها تدلف السيارة دون نظرة وداع، هنا انهارت حياته. ينظر لوالده بكم الآلام الذي يشعر بها
ربت جواد على كتفه هاتفًا
-غلط يابن جواد واللي خفت منه حصل. ذهب ببصره لفيروز وأردف
-لعبتها صح بنت المجرمين
وضع بكف والده جهاز صغيرا
-بابا محتاجك قوي. ضمه لأحضانه يشير لمنيرة
-خدي الحقيرة دي من قدامي
رمقت جواد بنظرات مستهترة ثم اقتربت منه.
-ورجعت تاني ياحضرة اللوا
اومأ لها وابتسامة ساخرة على وجهه
-أكيد يابنت سحر، ولازم اعملك حفلة ترحيب. رغم نظراتها القوية إلا أنها ارتعشت من قوة حديثه
سحب ابنه متجهًا إلى المسبح
-اللي بتحاول تعمله دا هيدمرك يابني، حاول ترجع على اللي ناويه ياجاسر.
اغمض عيناه
-بابا حضرتك وعدتيني، متتخلاش عني. وضع كفيه على رأسه
-معاك ياحبيبي أكيد، ربنا يوفقك وتعرف توصل لحاجة. انا فخور بيك، بس جنى ياجاسر حرام البنت تتوجع كدا. هز كتفه
-أنا بموت اكتر منها يابابا، بس لازم نبعد كفاية الحياة عمال توجع فينا
بمكانًا اخر
توقفت تتلفت حولها بخوفًا، ترجل من سيارته يطلق صفيرًا.
علوش حبي القديم، اقتربت منه حتى تصفعه على وجهه ولكنه قبض على كفيها، يجذبها حتى أصبح ظهرها بأحضانه، هناك من وصل بتلك اللحظة ووجدها بتلك الحالة. ترجل من سيارته سريعًا يصرخ باسمها
-عاليااااااا.
↚
قبل ذهاب صهيب وخاصة قبل عدة أسابيع
أنهت صلاتها، ثم نظرت حولها تبحث عنه، ظنت أنه خرج خارج الجناح المقرر المكوث به تلك الأيام. اتجهت لمرحاضها وانعشت نفسها بحمامً دافئً
نظرت حولها تبحث عن ملابسها تذكرت أنها وضعتهم على الفراش.
أخرجت رأسها تنظر للخارج. حمدت ربها بعدم وجوده، هرولت سريعا بتلك المنشفة التي تحيط جسدها، متجهة لغرفة ثيابها، ولج من الشرفة بعدما أنهى اتصاله، فإذ به ينصدم بتلك النارية التي سقطت بين ذراعيه. صرخت تغمض عيناها. حدجها لفترة وهي مغمضة العينين، ثم انحنى يهمس لها.
-دراعي وجعني، لو عجبك مستعد اجرهولك. هبت فزعة متراجعة للخارج. تتشبث بالمنشفة، هنا فاق على طلتها بتلك الهيئة، اقترب منها وعيناه تخترقها بوقاحة فغمز قائلاً: -طبعا أنا في حالي السما اللي بتحدف نسوان حلوة بالفوط
أشارت محذرة إياه: -ياسين لو قربت هصوت وألم عليك البيت. اقترب بخطوات سلحفية مرددًا بتسلي: -ياريت يابلقيس، اهو أحس معايا انثى في شهر العسل
جحظت عيناها مما تفوه، فدفعته بحدة.
-قليل ادب، لا وعامل مؤدب ومحترم. حجزها خلف الباب وهي تتشبث بمنشفتها بجسد مرتجف، فهتفت بتقطع: -ياسين عيب كدا، انت محترم، اكيد مش هتعمل حاجة وحشة
انحنى رافعًا حاجبه بسخرية: -دلوقتي محترم. من ساعتين كنت ملك الهكسوس. هزت رأسها ولم تقو على الحديث، وضع أنامله على المنشفة فارتجفت تهز رأسها بعنف
فأطلق ضحكة قائلاً: -كنت بلم الفوطة يابلقيس، أصلها توقع وتفكري نفسك انثى بحق وحقيقي وترجعي تقولي كلام محصلش.
اغروقت عيناها بالعبرات قائلة: -مستفز وبارد. جذبها بقوة حتى اصطدمت بصدره
-يابت إنتِ تحت ايدي وبرضو لسانك متبري منك، لولا كريم كنت عرفت اقص لسانك اللي زي فردة. صمت ثم دفعها متراجعًا للخلف
-جتك نيلة في عيون القطط دي. تحرك للخارج ولكنه توقف مذهولا عندما اردفت
-أكيد مش هعجب اشكالك، علشان اشكالك عايزين زي ليليان مش كدا
استدار إليها وكأنها حولته لشيطان وداخله حمم بركانية تريد الانفجار للتو.
تحرك إليها كعاصفة تتعثر برياحها الهوجاء، تراجعت بجسدها والخوف سيطر عليها حتى كاد أن يلتهم دواخلها كالتهام النار لسنابل القمح
حاوط جسدها ونيران تخرج من مقلتيه، قائلاً بنبرة مميتة لحالته
-بتقولي إيه؟
ابتلعت ريقها بصعوبة، ثم ابتعدت بنظرها عنه.
-مقولتش حاجة. ضغط على اكتافها، حتى شعرت بغرز أنامله بلحمها يهزها بعنف: -لو جبتي الأسم دا على لسانك تاني. قسمًا بربي لأقطعلك لسانك، وحسابي مش معاكي، حسابي مع اللي خانت الأمانة وفكرتك بنأدمة وحكتلك.
رفع كفيه يجذب رأسها يقربها منه حتى اختلطت انفاسهما، وشعرت بملامسة شفتيه لوجهها مما جعل سيقانها هاوية، فاستندت على صدره متألمة: -ياسين شعري. اقترب اكثر ولم يهتم بحالتها يهمس لها بأنفاسه التي حرقت جانب وجهها
-ابعدي عن حياتي الخاصة علشان ماأقلبش عليكي، زبالة. قالها ثم ألقاها بعنف حتى سقطت على الأريكة ودموعها تنساب بقوة وعيناها الباكية تخترق عيناه
ارتعشت ملامحها واحست بدموعها تكوي وجنتيها فأردفت:.
-أنا مش زبالة، وكفاية بقى، مش معنى أنا ساكتة يبقى كل شوية إهانة، انت اللي ليك عندي الاحترام، حاول تكون ابن ناس محترم، وكمل جميلك زي ماصاحبك طلب منك. أما عن حياتك متهمنيش لانك على بعضك مايهمنيش ياحضرة الظابط، انا وانت قابلنا بعض في ظروف مش محسوبة، انا عليا بعد كدا احترمك، وانت عليك بعد كدا تحترمني. قالتها ونهضت متجهة لغرفة الملابس تبكي بشهقات مرتفعة.
كور قبضته عندما آلامه دموعها، نعم كان قاسيا لحد اوجعه قلبه عليها.
جلس على الفراش محاولا السيطرة على غضبه والتفكير بشيئا يؤل إلى مصالحة الموقف بينهما. دقائق حتى خرجت وهي ترتدي بيجامة من الحرير الاسود، تاركة خصلاتها للعنان، اتجهت للأريكة وفردت جسدها تواليه ظهرها بعدما جذبت غطاءً تندثر تحته، تختفي من نظراته التي تحاوطها.
مرت قرابة الثلاثون دقيقة ومازال على وضعه، اتجه للشرفة وأغلق بابها خلفه حتى لا تتسرب البرودة إليها.
ظل جالسًا بها حتى إذن الفجر، فاتجه لقضاء فرض ربه
بمكانًا آخر وخاصة بغرفة جاسر.
كانت تتوسد صدره، فتح عيناه على صوت هاتفه لصلاة الفجر. مسح على وجهه يستغفر ربه، ثم ارجع خصلاته للخلف متذكر ربه، حتى ينفك عنه الشيطان. ابتسم عندما وجد ملاكه وخصلاتها تغطي وجهها بالكامل، لملم خصلاتها بأنامله مما ظهر وجهها البهي إليه وابتسامة عاشقة تنير وجهه
جذبها حتى أصبحت بأحضانه، وذكريات ليلة الأمس لم تفارق مخيلته
مرر أنامله على وجهها مقتربًا يتنفس أنفاسها وهو يهمس: -جنجونة جاسر، قومي حبي الفجر أذن.
رفرفت بأهدابها تهمس من بين نومها
-سبني شوية ياجاسر، لسة مشبعتش نوم. داعب أنفها حتى فتحت عيناها
مبتسمة
-حرام عليك عايزة انام، ميتة نوم
مرر أنامله يقرص وجنتيها
-قومي ياكسولة الفجر اذن، قومي خدي شاور حبيبي علشان تلحقي تصلي الفجر
دفثت نفسها بأحضانه: -خليني شوية كمان وهقوم. تأفف من طفوليتها، فنهض ورفعها بين ذراعيه
-اهو دا بقى شغل العيال، هزت ساقيها.
-خلاص ياجاسر هنزل والله. لم يستمع لحديثها واتجه إلى الحمام يضعها بداخل البانيو نازعا قميصها بعدما فتح المياة حاوطت خصره تختبأ بأحضانه
-خلاص هكمل انا، روح إنت. لثم جبينها واستدار متحركًا
-هدخل الحمام التاني خلصي علشان نصلي جماعة. هزت رأسها ثم جلست بالمياه لتنتعش بدفئها فالطقس شديد البرودة بتلك الليلة
بعد فترة.
كان يؤم بها الصلاة حتى قضى فرض ربهما، وكعادتهما على خطى والديهما، جلس بجوارها يسحبها لأحضانها مع التسبيح والأذكار. غفت من إرهاقها على كتفه، نهض بعدما أتم ذكر ربه الصباحي، متجها إلى فراشهما، ليدثرها بعدما أزال إسدالها، اتجه لهاتفه وقام بمهاتفة أحدهما
-آسف يامنيرة، صحيتك بدري.
اعتدلت قائلة: -ولا يهمك ياباشا، فيه حاجة. وضع كفيه بجيب بنطاله ونظر شاردًا ثم هتف: -ممنوع حد يدخل البيت وأنا مش موجود، فيروز اكلها يروحله بمواعيد، مع الدوا اللي قولتلك عليه. وخاصة في العصاير والحليب
هزت راسها متفهمة: -عملت كدا ياباشا والله حتى هي طلبت مني لبن وعصائر مغلفة، بس أنا رفضت وقولت لها أوامر حضرتك مينفعش نخالفها.
هز رأسه قائلاً: -فيه حد زارها. وضعت كفيها على رأسها تتذكر ثم تحدثت: -أيوة ياباشا دا واحد اسمه ايه أسامة
اومأ برأسه عدة مرات ثم أغلق هاتفه
-ناوية على ايه يافيروز الكلب. استدار عندما استمع لصوت زوجته
-جاسر الجو برد بتعمل إيه عندك!
تحرك مبتسمًا، ثم غمز لها
-شوفت واحدة أجنبية إنما ايه ياجنجون تفتح النفس
اعتدلت على الفراش تستند بذراعيها على الوسادة
-شوفت ايه يااخويا.
نزل بذراعيه يحاوطها وهو يوزع نظراته عليها هامسًا بالقرب من وجهها
-شوفت واحدة أجنبية حلوة. دفعت ذراعيه حتى سقط على وجهه فوقها وارتفعت ضحكاته
-يامجنونة. لكمته بظهره
-قوم يابتاع الاجنبيات روح كمل بصبصبة، يابصباص ياقليل الادب.
استلقى بظهره ومازالت ضحكاته الرجولية تصخب المكان. ابتسمت على ضحكاته، فاتكأت بذراعيها بجانب رأسه، ثم رفعت كفيها تخلل خصلاته قائلة: -حلوة وعجباك الأجنبية ياجسورة. بتر ضحكاته ولمعت عيناه بالعشق، يجذب رأسها حتى تلاحم وجهها بوجهه يهمس بجوار أذنها: -مفيش اجمل من جنجونة جاسر، ثقي أن عيوني دي مش شايفة غيرك. قالها يطبع قبلة مطولة على وجنتيها، استدارت لعيناه القريبة من وجهها.
-وانا كمان مش شايفة غيرك، أغمض عيناه مستمتعا بكلماتها التي عزفت على لحن نبض قلبه. وضعت رأسها بجانب رأسه وابحرت فوق وجهه تتلمسه بحب: -كنت زمان اسمع عن العشق والعاشق والمعشوق، قرأت قصص كتيرة، فكنت اقول مفيش حاجة كدا، ايه الفرق بين العشق والحب. رفعت كفيها ومررتها على وجهه كأنها تنحته واسترسلت.
-حتى لما كنت بشوف عز وربى، اقول لدرجة دي فيه حد بيتعلق بحد كدا غير تعلق الاب والأخ. ابتسمت بوجع ونظرت لعيناه واكملت: -مكنتش فاهمة مقولة ومن العشق ماقتل لحد مافهمت مشاعري ناحيتك، كنت لما تقعد جنبي احس قلبي هيخرج من صدري، ولما بشوفك بتضحك يبقى نفسي اخبيك ومخليش حد يشوفك غيري، اقولك سر
شعر بتجمع دموعه تحت اهدابه من كلماتها البسيطة، ورغم بساطتها إلا أنها اشعرته بنبض قلبه العنيف باسمها.
استندت بذقنها على كتفه ومازالت تتلاعب بخصلاته: -في مرة كنت عندكم وطنط غزل طلبت مني اصحيك علشان العشا، كنت انت اليوم دا راجع من الشغل وزعلان معرفش ليه. طلعتلك الاوضة ودخلت حتى مخبطش ولا عملت مهرجان دخولي اوضتك، علشان اشوفك وانت نايم واشبع من قربك شوية من غير ما حد يحس بيا، انسابت عبراتها بقوة فاعتدلت تمسح دموعها، هب معتدلا يجذبها لأحضانه، يمسد على خصلاتها هامسًا لها: -اشش. ليه الدموع دي. رفعت نظرها إليه: -الليلة دي مستحيل انساها، لأنها اول ليلة قلبي اتكسر فيها، دخلتلك وكنت غرقان بالنوم، قعدت جنبك شوية، انا عارفة نومك خفيف محاولتش اعمل اي صوت علشان متصحاش واشبع من قربك شوية، لاني حسيت اخر فترة انك بتبعد قوي، مكنتش اعرف دا بسبب موضوع جواد. احتضنت كفيه واغمضت عيناها. قعدت على ركبتي وفضلت ابصلك ومعرفش ليه، عمري ما توقعت مشاعري دي تبقى مشاعر حب علشان من صغرنا واحنا متعلقين ببعض. قربت وبوستك على خدك. هنا تذكر تلك الليلة. ظلت تطالعه بصمت حتى أردف: -لما سألتك وقولتلك حلمت أنك بوستني، وقتها قولتي يبقى استغطى حلو ياخفيف، هو انت مجنون علشان ابوسك. عانقته ببكاء واردفت: -معرفش وقتها اني كنت بحبك قوي، مفهمتش مشاعري خالص، كل اللي فهمته في الوقت دا انك غالي قوي، ولما صحيت وفضلت اخترعلك حجج واقولك انت بتحلم، ورغم أنه حقيقة بس اقنعتك ويومها نزلت وعرفت الكل بحبك لفيروز، ورغم انك كنت قايلي في فرح بيجاد وغنى، إلا انك تقول لعمو وتقنعه وتخيره بينك وبينها وقتها بس حسيت أن روحي ضاعت مني.
وضعت رأسها بصدره وبكت
-صعب ياجاسر، صعب قوي انك تشوف حبيبك مع حد تاني، دا الموت ارحم
ضمها بقوة وتراجع على فراشهما يجذبها لأحضانه، وبدأ بتأسفه بطريقته الخاصة حتى غفت بأحضانه وهي تتشبث بصدره
باليوم التالي
جلس بجوارها يتناول طعام الإفطار. كان يتفحص هاتفه على الأخبار، وهي تطعمه بيديها. سئمت قائلة: -ممكن تسيب الفون وتاكل بقى. امسك يديها التي بها الطعام واكله بتلذذ
-كدا شبعت حبيبي، هاخد قهوة.
نهضت تجذب منه سجائره، عندما وجدته يشعل إحداها
-مفيش سجاير غير لما تاكل كويس، وكمان لازم تخففها البتاعة، متخلنيش ادعي على اللي كان السبب، وليه مدعيش عليه، ربنا ياخده اللي كان السبب في الزفت دا.
وضع إبهامه على ثغرها: -اشش متدعيش عليها، بعد الشر عليها من الموت. قطبت مابين حاجبيها متسائلة: -ليه إن شاءالله هي مهمة قوي كدا. امسك كفيها حتى نهضت وجذبها تجلس فوق ساقيه، وبدأ يطعمها قائلاً: -اه مهمة قوي، وبحبها قوي قوي، ومقدرش اعيش من غيرها، رمقته وهتفت بخفوت: -أنا السبب ياجاسر، صح!
انا اللي خليتك تشرب السم دا. اقترب يطبع قبلة بجانب شفتيها: -إنتِ روحي ياجنى، وليا نصيب اشرب منها سواءانتي السبب ولا لا
يعني انا صح. امسك المحرمة واقترب ليزيل بقايا الطعام، لمعت عيناه وهو يرى اثار المربى على شفتيها.
فجذب رأسها سهوًا منها، ليعانق كرزيتها بخاصتها يعزف لحنه الأثير بها ينسيها مااحزن قلبها منذ الأمس وذكرياتها التي اوجعت قلبه. لم يتركها سوى احتياجهما للتنفس. لكمته بقوة وانفاسها تتسارع، نهضت من مكانها مبتعدة عنه، تضع كفيها على صدرها تطالعه بغضب متصنع
-ايه عايز تموتني. رفع حاجبه الأيسر ساخرًا
ليه الجميلة مش عجبها البوسة، ولا بتقول كدا علشان تضيقني وابوسها تاتي.
وبعدين بدوق المربى، حد قالك كلي مربى تين. توقف يغمز لها
-أنما مجبتيش فروالة ليه، علشان عارفة مبتحسس منها ومينفعش ادقها من الشفايف الحلوة دي فبتغريني ياجنجون
وصلت إليه تلكمه بصدره
-اسكت ياجاسر بقيت مستفز وبارد قوي. نهض ينظر لقميصه الأبيض، الذي ظهر به اثر للكمتها، وأشار عليه
-ينفع كدا، كرمشتي القميص، واحنا في مكان كله اجانب، عايزة
يقولوا عليا ايه مش شيك ومستهتر.
ضربت أقدامها بالأرض متجهة لحجابها، وقفت أمام المرآة
-هسكت ياجاسر، بدل مازعلك. قهقه عليها وهو يحتضنها من الخلف
-حبيبي الغيور الشرس، لثم وجنتيها
-زعلانة علشان البوسة ولا زعلانة من كلامي
لكزته بصدره حتى تراجع للخلف يضحك
-اتلم ياجاسر
حملها يدور بها بالغرفة واضعًا جبينه فوق جبينها قائلا
-عايز تشكوليت ياروحي، الحاجة من هنا طعمها غير. قهقهت بصوت مرتفع عليه ثم لكمته
-منحرف، فين عمو جواد يجي يسمعك.
انزلها بهدوء يضمها بقوة من خصرها
تعالي ننزل على الشط، بتخوفيني ببابا، عندك ياقلبي مبسمعش غير دقاته
وصل للشاطئ، وجدوا عاليا تتحرك على الشاطئ بنظرات تائهة معذبة
عاليا. صاحت بها جنى فاستدارت إليهما.
وضع كفيه بخصره قائلا
-ايه رأيكم نطير طيارة، عارف جنجون بتحب اللعبة دي
صفقت بيديها كالأطفال
قول والله، تأفف بضجر ينظر لعاليا، شوفي وخليكي شاهدة علشان بتزعل لما بقولها مجنونة
رفعت نفسها تحاوط عنقه.
-خلاص ياباشا مصر، عرفت انك مابتضحكش عليا. حاوطها متحركًا جهة الشاطئ فتوقفت تنظر لعاليا الصامتة
-واقفة ليه ماتيجي. هزت رأسها وابتسمت: -لا هستنى ياسين، روحوا انتوا واحنا هنحصلكم
جذبها من كفيها وأسرع قائلاً
-البت دي بتفهم، لكزته بذراعه
-اتلم احسنلك، وياله عايزة اطير الطايرة. توقف يطالعها بنظرات مبهمة فدنى يجذبها لأحضانه، يضع جبينه فوق جبهتها
-طيب ماتيجي تطيرني مش احسن.
قطبت جبينها متسائلة: -وانت هطير ازاي، عندك جناحين ولا هتعمل عباس بن فرناس
دنى بأنفاسه غامزا بعينه
-لأ طيراني من غير أجنحة ياجنجون، طيران بقلبي ياروحي
بالأعلى بغرفة ياسين. توقف بالشرفة بعد نزول عاليا لجاسر وجنى وأمسك هاتفه يهاتف احدهما
-أيوة وصلت لإيه؟
اجابه على الجانب الآخر.
-الواد نزل مصر ياباشا من يومين، وكمان، صمت للحظات قائلاً: -كان موجود بفرح حضرتك، وخرج من الفرح على شقة لواحد صاحبه، عرفت أن الشقة دي بيتردد إليها من وقت للتاني
هز رأسه وتسائل: -بيروح الشقة مع حد ولا مع نفسه
اجابه الرجل
-لا ياباشا لوحده، بس فيه حاجة كمان
صمت ثم أردف: -قبل الفرح بيوم كان واقف قدام البيت ومدام عاليا نزلتله وقفت معاه دقائق.
اغلق الهاتف ونظر للخارج ووجهه عبارة عن الغضب ممزوج بالألم. أطبق على جفنيه يضغط بقوة على شفتيه حتى لا يصل إليها ويحطم عظامها. لحظات ولم يستطع السيطرة على غضبه كل ماتوصل إليه خيالاته صورها مع ذاك الحقير. هبط للأسفل سريعًا يبحث عنها وجدها تجلس على الشاطئ بإنتظاره. نهضت متجهة إليه
-جاسر وجنى هينزلوا البحر، وانا مبحبش انزل قدام حد غريب، بقولك كدا علشان متفرضش رأيك عليا.
اقترب منها وعينين كجمرتين من جحيم جهنم، وداخله يحترق كالمرجل
جذب رسغها يرفع هاتفه أمام نظراتها: -ايه دا يامحترمة، كنتي وافقة معاه ليه. ايه بتتفقوا تتقابلوا ازاي
اشتد من ضغطه حتى شعرت بتقطع لحم رسغها من قسوة ضغطها. ارتجف جسدها تهتف بتقطع
-ياسين بتوجعني. زمجر بغضب وارتفع صوته وهو يجذبها من خصرها بقوة ضاغطًا تخترق أنامله وتستبيح خصرها بآلامًا حتى انسابت عبراتها متألمة.
-ياسين. ظل يضغط ونظراته كنيران تلتهم سنابل القمح، ودّ لو أحرقتها
انحنى بطوله يهمس بفحيح
-ايه يامحترمة، مكنتيش متوقعة اعرف انك زبالة. حاولت دفعه ولكنه كان كالصخرة لم يتزحزح انش واحداً
همس قائلاً: -الليلة هنكمل جوازنا ماهو لازم ادوق، مش من حقي
رفعت كفيها حتى تسقط على وجنتيه، إلا أنه امسكها بعنف يصيح بغضب
-اتجننتي يابت، اوعي تفكري انك بنت حق وحقيقي، انا مستنضفش اقرب من واحدة ذيك، اقرف.
استمع جاسر وجنى لصرخات ياسين. توقف جاحظًا عيناه مما رآه من أخيه وكلماته. وصل إليه جاسر يبعده عما يفعله بعاليا. دفعه بقوة
-ياسين اتجننت! استدار لعاليا التي تبكي بشهقات تملس على ذراعيها من آلامها.
-آسف ياعاليا، ياسين لما بيكون عصبي مبيعرفش بيعمل ايه. استدارت متحركة بخطوات متعثرة ودموعها تفترش الأرض. أمامها. أشار لجنى بعينيه أن تلحقها، ثم جذب ياسين الذي أنفاسه كنيران تحرق من يقترب منه، جلس على الشاطئ يشير إليه بالجلوس
-اقعد ياياسين، ينفع اللي عملته دا
كور قبضته كاد أن ينزع أوردته
أشار له بغضب: -بقولك اقعد، نسيت نفسك ولا ايه؟
جذب من أمامه سجائره وقام بإشعال أحدهما، حاول جاسر توقف إلا أنه أشار محذرًا إياه: -اخويا الكبير على راسي، لكن حياتي الشخصية مش مسموح لحد يدخل فيها، سمعتني، قالها وتحرك يسير على الشاطئ. ظل بمكانه فترة من الوقت حتى شعر بأحدهما يضع كفيه على كتفه، ثم جذب أحد المقاعد
-بتعمل ايه لوحدك فين الباقي
تراجع على المقعد يطالعه بإبتسامة ساخرة: -صح النوم ياعريس الهنا، ايه دا ياراجل، دا نسيت انك معانا.
رفع عز أقدامه فوق الطاولة ورفع كفيه على خصلاته يرجعها للخلف وهو يطلق صفيرا، وعيناه على أمواج البحر
دفع جاسر ساقيه بغضب: -ماتتلم ياحيوان، رافع رجلك في وشي
غمز عز إليه متلاعبًا بحاجبيه: -مالك ياعريس، مضايق ليه. نهض جاسر متأففًا ثم امال بجسده: -أنا عريس على طول ياحمار، الدور والباقي على الاهبل اللي كان واخد اشغال مؤبدة. قالها غامزا بإحدى عينيه وتحرك يضع كفوفه بجيبه وهو يطلق صفيرًا.
مساء اليوم خرجت جنى وهي ترتدي رداءً من اللون الأبيض به فراشات بنفس اللون، وحجابًا باللون الفيروزي، ثم قامت بوضع القليل من اللمسات التجميلية بأحمر شفاة نبيذي اللون، نظرت لنفسها برضا انثوي، ثم رفعت هاتفها وهاتفته: -إنت فين اتأخرت ليه؟
أجابها وهو يتحرك بجوار ياسين عائدًا للفندق الذي يقيمون به. توقف أمام جناحه
-ياسين زي ما قولتلك لازم تهدى ومتتكلمش معاها لحد مانرجع ونعرف ايه الحكاية بالظبط.
اومأ متفهمًا، يربت على كتفه وأردف بنبرة متأسفة: -آسف ياجاسر اتعصبت عليك الصبح
لكزه بكتفه وأشار بعينيه: -المهم متزعلش عاليا البنت مظلومة زي ماقولتلك، بس وراها ايه هنعرفه، اديني اسبوع بس اتشخلع شوية يابن جواد وبعد كدا نعرف
أطلق ياسين ضحكة خافتة وتحرك متجهًا لغرفته توقف عندما صاح جاسر.
-هننزل الحفلة وانت إلحقنا، كلمتين حلوين يامتخلف. قالها وهو يفتح باب غرفته يطلق صفيرًا عندما قابلته رائحتها الأنثوية برائحة الياسمين، كانت تقف بالشرفة تنظر لأمواج البحر المرتفعة، حاوط جسدها من الخلف حتى أصبحت بأحضانه بالكامل، يضع رأسه بحجابها يستنشق عبيرها العبق هامسًا بأنفاسًا ملتهبة: -وحشتيني ياجنتي. أغمضت عيناها تستمتع بهمسه، تضع كفيها فوق كفوفه المتشبثة بها، متراجعة بجسدها وابتسامة عاشقة تنير وجهها المستدير، دقات عنيفة أصابت قلبها وأصبحت كالهلام عندما قام بنزع حجابها، يديرهأ إليه. طاف برماديته على ملامحها حتى توقف على ثغرها، مرر إبهامه عليه وحاول الصمود إمام فتنتها الطاغية، ثم جذب رأسها ليعاقبها على تلك الحمرة التي جعلتها أيقونة لجذب اي رجلٌ آخر، أصابت عقله بالجنون، وجعلت صدره كحمم بركانية، ظل للحظات يعاقبها بأسلحته الفتاكة، لا يعلم أن ماعلى العاشق عقاب سوى البعد، دنت منه تستقبل عقابها بقلبها العاشق رغم ماشعرت من آلام شفتيها التي سحقها، تراجع بجسده يجذب منشفته متجهًا لمرحاضه وهو يتحدث غاضبًا: -وعد المرة الجاية هخرجها بالدم ياجنى. جلست بعدما فقدت دفئ أحضانه وأصبح جسدها خاوي كالصحراء الجرداء، وضعت كفيها على صدرها علها تهدأ من دقات قلبها العنيفة التي كادت أن تخترق ضلوعها، فردت جسدها على الفراش وابتسامة عاشقة على وجهها تضع كفيها على شفتيها متذكرة قبلته العنيفة، همست لنفسها: -بتغير ياجسور، ظلت ابتسامتها على وجهها حتى شعرت بخطوات أمام المرآة، اعتدلت بجلستها تطالعه بصمت، ثم رسمت الحزن على وجهها واردفت.
-ينفع كدا، هنزل إزاي دلوقتي
رمقها من خلال المرآة واجابها بفظاظة: -متنزليش خليكي علشان بعد كدا تبقي محترمة ومتعرضيش نفسك للعيون.
توسعت عيناها مذهولة من كلماته حتى نهضت متجهة تقف خلفه تطالعه بغضب خرج من مقلتيها: -ايه اللي بتقوله دا، دا ملمع مش روج وبعدين احنا رايحين حفلة والكل هيبقى حاطط مكياج، انا يدوب بس حاجة بسيط. استدار إليه بقوة جسدية غاضبة: -متعصبنيش ياجنى، وتخليني ارجع القاهرة حالا ويبقى بنكدك. عقدت ذراعيها على صدرها: -يبقى احسن، يالا نرجع مصر مش احسن من تحكماتك الغير مقبولة.
تحرك بخطوات بطيئة وعيناه تخترق جسدها بالكامل، بثت الرعب بداخلها، فتراجعت للخلف تهز رأسها
-إنت هتعمل إيه، أنا بهزر ياجسور. لحظات فقط وحرب الأعين بينهما حتى اقتربت منه تعانق رقبته، تتلاعب بزر قميصه المفتوح وتحدثت بدلال علها تخفف حدة غضبه: -خلاص مش هتحصل تاني، انا عملت كدا علشان اعجبك، ثم رفعت سبباتها أمام عيناها وتحدثت بتحذير.
-علشان كمان العيون دي لو شوفتها بتبص على أي واحدة هعميهالك، وبعدين لابس قميص خفيف ومفتوح كمان في الجو البرد دا ليه
انزل كفيها بهدوء عندما أعجبه لعبها وهتف بنبرة جيليدية: -حران عندك مانع
مطت شفتيها تضغط بأسنانها بعنف حتى كادت أن تدميها، فك شفتيها عندما لاحظ ماتفعله بها
-مش ملكك على فكرة علشان تعملي كدا.
جذبت زر قميصه بقوة حتى أصبح بكفيها، لم يكفيها ذاك حتى أمسكت مبرد أصابعها لتشقه، ثم رفعت حاجبها.
-حلو كدا ياحبيبي، عايزة اشوف عضلاتك الحلوة دي
ضغط على خصرها، يجذبها بقوة
-عايزة ايه ياجنى؟ ارتحتي كدا بدل مرتاحة خلاص
أبعدت كفيها من فوق صدره تطالعه بحزن: -زعلانة منك على فكرة.
جلس بمقابلتها ثم رفع ذقنها بأنامله يمرر إصبعه على شفتيها المتورمة.
-آسف! إنتِ السبب، حذرتك قبل كدا ياجنى ومفيش فايدة فيكي، ليه دا، بتقولي علشاني ازاي. أشار على نفسه واسترسل بإبانة: -حبيبتي علشاني يبقى في اوضتنا، انا كدا مش راجل لما اشوف الرجالة بتاكل مراتي بعيونها، وبعدين دينك ياجنى من امتى وأنتِ بتخرجي متبرجة كدا.
رفرفت بأهدابها هي تعلم أنه على صواب. اقترب يحتضن وجهها: -اسمعيني كويس انا مستحيل أقبل على مراتي حد يشوف جمالها غيري، ومش معنى اني بسكت في بعض الأوقات بس دا علشان بنكون عيلة في بعض، رغم أنه غلط برضو بس مبحبش اكسر فرحتك بلمة اخواتي جنبك، لو ليا خاطر عندك وحياة جاسر بلاش توجعيني من الناحية دي.
همست بشفتين مرتجفتين: -إحنا طول عمرنا بنحط ميكب في المناسبات ياجاسر، وكمان فيروز كانت بتحط على طول وانت ساكت، مش دي كانت مراتك واسمك برضو
نهض من مكانه وجلس بجوارها يجذبها لأحضانه ممسكًا كفيها حتى خلل أنامله بكفيها وتحدث بنبرة لا تجيد الجدال.
-اولا الأول مكنش ليا حكم عليكي، دلوقتي إنتِ مراتي، حتى قبلها تفتكري يوم فرح عز عملت فيكي ايه من فستانك الضيق، أما فيروز اول جوازنا كانت ماشية كويس، سبتها لما تعبت منها وبقت متهمنيش كان مجرد وقت وهطلقها، يعني أنتِ غيرها اوعي في يوم تقارني نفسك بيها
لفت ذراعيها حول خصره: -آسفة متزعلش مني، أخرجها من أحضانه ينظر لشفتيها بأسفًا ثم نصب عوده يشير لقميصه الذي نزعت إحدى زرايره وشقته.
-ينفع كدا قميص غالي تعملي فيه كدا
نهضت بعدما ذكرها ثم جذبت ياقته قائلة: -القميص دا مش هيتلبس وبعد كدا هتلبس على ذوقي يابو زراير مفتوحة، كان لازمته ايه الكام زرار اللي تحت دول، لا ياحبيبي افتحه كله
قهقه عليها يجذبها لأحضانه: -حبيبتي الغيورة، جنجون جوزها اللي بتغير عليه. رفعت رأسها تعانقه بعيناها
-متكنش مغرور يابن عمي، دا منظري قدام الكل. تراجع متجها للخزانة.
-تمام يابنت عمي ممكن اعرف مسموح لي ألبس ايه. تحركت خلفه تجذب تلك الكنزة الشتوية الثقيلة بوشاح رجالي جذاب، ثم قامت بنزع قميصه بالكامل، تلكزه بغضب
-لا والراجل لابسه من غير حاجة تحته، ازاي مش بردان معرفش. كانت عيناه ترسم غضبها بإبتسامة خلابة، ناعمة جميلة حتى يغضبها، ودٌ لو افترسها كما يفترس الأسد غزالته، فاق من تأملاته بها على وضع وشاحه حول عنقه.
-كدا خلصنا، لم نفسك يابن جواد علشان انا مجنونة ومن زمان مااخدتش الدوا
لف ذراعه وارتفعت ضحكاته يداعب أنفها بأنفه
-طب الدوا لما كنت بعيد ياقلبي، دلوقتي ليه الدوا وأنتِ في حضني
لكمته بصدره بغضب محموم يندلع من مقلتيها: -شمتان فيا وبتتريق ياجاسر. وضع جبينه فوق جبينها يهز رأسه هامسًا لها: -ابدًا وحياتك ياروحي، عايز أكدلك اني دواكي زي ماانتِ دوايا وسبب سعادتي.
تراجعت تجذب حجابها متجهة للمرآة
-استعد ياحبيبي بدل مفيش حفلة نخرج شوية على الشاطئ، اهو كفاية حرمتني من عمرو دياب
جذب بالطوها وجمع أشيائها: -يارب تسكتي علشان تروحي بعقلك يابنت عمي. ابتسمت ترمقه من خلال المرآة
-على فكرة بحبه وانت عارف
-لا مش عارف وبلاش تستفزيتي، وحياتك كنت ناوي اخليكي تحضري له حفلة في القاهرة بس انسي
-جسور حبيبي مهونش عليه
-لا تهوني ياقلبي ياله. قالها بعدما جمع أشيائه.
انتهت ثم اتجهت تقف بجواره يضع بالطوها فوق أكتافها
-البسي ياقلبي بدل ماتاخدي برد وتبقى إجازة منحوسة
بغرفة عز
كان يلاعب طفله وهو يضم إحدى أصابعه بكفيه
-ايهم حبيب بابي مؤدب وهيفضل مع النانا لحد مابابي ومامي يرجعوا
رفع الطفل ساقيه بالهواء وارتفع بكائه
ضحك عليه بصوت مرتفع حتى وصلت ربى إليهما
-عملت ايه في الواد ياعز. حملته تضمه تمسد على رأسه: -باااااس حبيب قلب مامي، بابي وحش متسمعش كلامه.
اقترب منها مضيقًا عيناه: -مين دا يابت اللي وحش، والله اخدك انتِ والبورص دا احطكم طعم للسمك
ضمته لأحضانها وهي تضحك عليها
-مالك بس يازيزو دا حتى ابنك شبهك نرفوز. جذبها بقوة حتى أصبحت بأحضانه، ينادي على مربيته: -خدي أيهم سكتيه. حملته من أيدي ربى المحاصرة بذراعه
استدارت له بعدما خرجت المربية: -ايه اللي عملته دا، الواد عايزني، ولازم يرضع. كان يطالعها بصمت، حاولت أن تبتعد عنه إلا أنه شدد من احتضانها.
-أنا جايبك هنا علشان نتفسح ونقضي يومين حلوين، مش علشان البورص اللي جوا. مربيته معاه، وبعدين أنتِ لسه مرضعاه، هو الواد دا مفجوع، ولا غيران مني
ضربت كفيها ببعضهما تضحك بصوت مرتفع آثر قلبه فانحنى يهمس لها بعض الكلمات لتستدير إليه تعانقه وترسمه برماديتها بعشق: -وأنا كمان بحبك قوي ياعز، وحياتي مالهاش معنى من غيرك
غمز بعيناه قائلا بهمس أمام وجهها
-مشفتش الحب دا ليه ياقلب عز
بغرفة ياسين قبل قليل.
ولج للغرفة وجدها تجلس تنظر للبحر بملامح حزينة، وعيناها تزرف الدموع بصمت، آلامه قلبه على حالتها فاقترب حتى توقف خلفها شعرت به فاعتدلت بجلستها دون حديث، جذب المقعد واتجه يجلس بجوارها.
-آسف. قالها بصوته الرزين، ثم سحب نفسًا وأكمل: -أنا ماليش حق اسألك، عارف جوازنا مجرد وقت، بس اضيقت قوي أنتِ المفروض شايلة اسمي، كنت اتمنى تحترميني شوية، لكن غلطت للأسف، كريم كان دايمًا يحكي عليكي ويقول فيكي أشعار. رفع عيناه يطالعها للحظات ثم استأنف: -تعرفي كان نفسي اشوف البنت اللي رسمتها في خيالي من كلماته، لكن صدمتيني يوم فرحك، غير أفعالك اللي اكدتلي أن البنات مالهمش أمان، واو بالأصح مفيش حب صادق. بعتذر مرة تانية، بس رجاءً خليكي محترمة الراجل اللي شايلة اسمه. قالها وتوقف.
أمسكت كفيه ورفعت نظرها إليه وهتفت: -الموضوع مش زي ماانت متخيل، انا عملت حاجة كبيرة غلط وصححتها وخالد لما عرف اتجنن وكان جاي وهددني لو مخرجتلوش هيدخل الفرح ويفضحني قدام العيلة، خوفت عليك انت مالكش دخل أن سمعتك وسط الناس الكتيرة دي تبقى وحشة، خرجت وهددته وعرفته انك عارف كل حاجة علشان كدا مشي
نظر لكفيها الممسوك بكفيه ثم نظر إليها: -عاليا ايه اللي بينك وبين ابن عمك.
تركت كفيه ونظرت للخارج قائلة: -اللي يخصك عرفته ياياسين، ليك تحاسبني وأنا على ذمتك ودلوقتي قولتلك هو كان جاي ليه
أومأ برأسه وتحرك دون حديث متجهًا للداخل بصعوبة حتى لا يضغط على عنقها ولم يتركها سوى بلفظها لأنفاسها الأخيرة
عند جاسر بالأسفل كان
يتوسد ساقيها على شاطئ البحر يحتضن كفيها. مسدت على خصلاته
-جاسر ناوي على ايه مع فيروز، أغمض عيناه يطبق عليها بقوة ثم هتف.
-حبيبي ممكن منتكلمش في الموضوع دا، احنا جايين ننسى كل حاجة. خللت أناملها بخصلاته: -فاهمة ياجاسر، بس بابا حاسس ان فيه حاجة، وخايفة يعرف قبل ميعاد التحليل، مش عارفه وقتها ممكن يعمل ايه.
التزم الصمت لبعض الوقت بملامح متصلبه، ثم اعتدل يجذب سجائره وبدأ ينفثها بشراسة. لم ينطق ولكن نظراته الخرساء إليها زلزلت كيانها، شعر بها فجذب رأسها يلثم جبينها، يحاوطها بذراعه حتى اجلسها بأحضانه: -عايزك تتأكدي من حاجة مهمة قوي. تراجعت برأسها على صدره تستمع إليه بعناية، فك وشاحها من حول عنقها ورفعه لأنفه يستنشقه ثم ردد بنبرة متحشرجة حزينة: -عارفة ريحتك دي مستعد ادخل جوا نيران حروب علشانها، تأكدي مهما يحصل سواء مني أو من فيروز أو من عمي، أو من الدنيا كلها. إنك اغلى من روحي، ومحدش يقدر يعمل حاجة فيهم علشان يبعدك عني، بس وقت ماانا اللي ابعدك اعرفي اني مت ياجنى.
استدارت إليه سريعا تضع كفها على شفتيه
-اسكت. مش عايزة اسمع حاجة، ايه اللي بتقوله دا
ابتسم بوجع فتسائل: -طب اختاري موتي ولا بعدك عني يامهلكة جاسر
انسابت عبراتها تهز رأسها ثم احتضنته
-ليه ياجاسر، ليه تعمل فيا، عايز توجعني وخلاص. انسى كاني مقولتش حاجة
احتضن وجهها وعانق عيناها يهاتفها مترجيا
-وأنا بقولك علشان خاطر جاسر عندك لازم تختاري، وقبل ماتختاري اعرفي اختيارك دا بعده حاجات كتيرة.
شهقت تضع رأسها بأحضانه تبكي بنشيج: الاتنين واحد ياجاسر. ضمها بقوة يضع رأسها بخصلاتها
-لا حبيبي الاتنين مش واحد. يالة ياجنى اختاري
حاولت أن تخرج من أحضانه إلا أنه عصرها كالتحام اللحم للعظم مش هسيبك غير لما تختاري
لكمته بقبضتها بقوة على ظهره وصرخت به حتى استمع اليها عز وربى المقتربين منهما واردفت.
-هبعد. هبعد، لا موت لا، كفاية وجودك حتى لو من بعيد. قالتها ببكاء مرير. وصل عز متلهف ينظر إليهما بدقات عنيفة من بكائها
هنا نهض وحملها غامزًا لعز
-مالك يالا اختك بتدلع عليا، وانا كمان عايز ادلع. قالها وتحرك وهو يحملها متجهًا للشاليه الخاص بهما
توقف يشير لروبى بذهول
-شوفتي اخوكي البارد، يخربيته مستفز، هو عمل ايه ولا قال للبت ايه خلاها تنهار كدا
قهقهت ربى تضرب كفيها ببعضهما.
-ماتيجي نعمل زيهم ياابو أيهم. دنى منها وفجأة حملها بين ذراعيه متجها بها للبحر
-أنا هوديكي للحوت الازرق ياكلك ياحبي.
ضحكت كالأطفال متجهين لذاك الذورق الصغير للتجول بالبحر.
مرت عدة أيام فيها البعض ينثر السعادة الروحانية بحياته، والآخر يعض ندما على ماتفوه وماصار له من أحداث. عاد الجميع إلى منازلهم
ترجل ياسين من سيارته يبسط كفيه إليها ورسم ابتسامة أمام الجميع، قابله جواد بالأحتضان.
-مبروك ياوحش، يارب اسمع خبر حلو بعد كام شهر. قالها جواد وهو يغمز لأبنه أمام الجميع، توردت وجنتيها عندما وجدت أنظار الجميع عليهما، فيما انحنى جواد يهمس له: -عارف البت لو اشتكت منك هعجنك في بعضك كدا، اتلم سمعتني. اخبارك كلها عندي، وقول للخايب اللي بيراقب ابن عمها يرجع
رفع نظره لوالده ثم اتجه لوالدته التي ضمته بحنان أموي.
-ألف مبروك ياحبيبي بالرفاء والببنين إن شاءالله. هز رأسه ثم ابتسم لياسمينا التي هتفت
-مبروك ياحضرة الظابط. عقبال لما نفرح بظابط صغنن. ضحك الجميع، سأله جواد
-جاسر فين؟
بسط كفيه لعاليا وهو يهتف
-راح بيته، بيقول مش هيرجع هنا دلوقتي. جز جواد على أسنانه ينظر لغزل بغضب: -شوفتي عمايل ابنك، دا قالي هيرجع على هنا. سحبت ذراعيه ودلفت للداخل.
-سيبه براحته واهدى ابنك زيك بلاش تحسسني أنه ابن البطة السودا، توقف ينظر إليها مذهولا: -الواد دا شبهي ياغزل، دا افشل عيالك
لكمته بصدره تضحك
-متقولش افشل بس ياجواد، دا علشان حنين وطيب، هو الطيب في الزمن دا فاشل، اتجهت بنظرها لياسين الذي يصعد بجوار عاليا بصمت
-شوف سيدي الرجال، اللي عملي سبع اللي، اقتربت منه.
-جواد البنت شكلها مريح قوي، حاول تقعد معاه وتفهمه انا سمعته مرة بيشتمها وحش قوي بس محبتش ادخل، علشان خاطري حاول تفهمه
استمع لسيارة جواد حازم بالخارج. تركها متجهًا إليه
-جواد! توقف ثم استدار إليه، نزع نظارته ثم توقف أمامه
-نعم ياخالو. سحبه من كفيه ثم تحرك لمكتبه
-تعالى عايزك في موضوع مهم
بمنزل جاسر.
توقفت السيارة بحديقة المنزل، كانت تغفو على كتفه، فتح باب السيارة بهدوء يحملها، ثم اتجه للداخل بعدما تحدث للسائق: -روح لبابا زمانه محتاجك، وابعتله سلامي. توقف الرجل
-حضرتك مش هتروح حي الألفي ياباشا، هز رأسه بالنفي وتحرك وهو يحمل جنى. استمع لصرخات فيروز
-حمدالله على السلامة ياحضرة الظابط
رمقها مستخفًا، تحركت خلفه كالمجنونة تطالع جنى بنظرات نارية توقف بعدما وصل لباب المنزل واتجه بنظره.
-رجلك هتخطى لداخل البيت دا هكسرلهالك، إياكي تستهوني بكلامي، قالها واستدار ثم صاح
-مكانك برة مش هنا. فتحت جنى عيناها تنظر حولها، والى احضانه، تملصت من بين ذراعيه
-جاسر نزلني، شايلني ليه. نزلت وهي تحاوط عنقه تستند عليه: -وصلنا. ابتسم ثم انحنى يلثم وجنتيها
-لا لسة. احنا هناك. لكمته بقبضتها الصغيرة
-بس يارخم. حاوط خصرها وصعد للأعلى وهو يحادث منيرة
-منيرة جهزي حاجة خفيفة لمدام جنى وطلعيها فوق.
بعد شهر وخاصة بشركة الألفي الاجتماع العائلي
جلس أمام راكان وتحدث بعض الوقت.
ثم سحب نفسًا مكملا: -أنا لازم اعمل التحاليل دي في مستشفى البنداري لسببين، اولا ممكن يكونوا عاملين حسابهم في مستشفى الألفي ومعرفش ايدهم واصلة لفين، ثانيا علشان التحاليل دي توصل ليونس بسلام حتى لو هم وصلوا لحد يبقى فيه عينه تانية مع يونس، مقدرش اخاطر بحد عندنا، ومقدرش احكي حاجة لماما، حتى لو حكيت لماما تاخد بالها، اولا امي مابقتش بتروح المستشفى زي الأول، ثانيا ممكن زي ما قولتلك أنهم يكونوا واصلين لحد، ماهو اللي يخطط لكدا يعمل اي حاجة.
اومأ راكان يحك ذقنه ثم تسائل
-الفلاشة فين؟
أشار لنفسه قائلاً: -معايا، وهبعتلك منها نسخة والتانية لابويا، انا معرفش ناويين على ايه.
استند راكان على المكتب يطرق بأنامله على سطح المكتب: -طب اسمعني كويس، وافهم هقولك ايه، بدل جابوا سيرتي وعرفوا طريق مراتي، يبقى خلينا نلعب زيهم، اه هما مبيضين ورقهم بالكامل، بس دايما اللص بينسى حاجة وبيوقع بالغلط حتى لو بسيط. انا محتاج فيروز ياجاسر، مش عايز احرق كرتها دلوقتي، وزي ماانت مخطط بالظبط، هنوهمها باللي عايزين يوصلوله.
الشحنة دي جاية بمكانك. تمام قوي دا في مصلحتنا، بس الأخطر أنهم يخترقوا بيتك أو بيتي، يبقى لازم نسبقهم بخطوة، عارف اللي هطلبوا صعب بس لازم منه...
أشار بيديه وتحدث مؤكدًا: -حماية مراتك دي اول حاجة تحطها في اعتبارك وزي ماحضرة اللوا قالك افصل الخاص عن العمل، فيروز لازم تقتنع انك مصدق الواد ابنك، وان شاءالله مش هيكون ابنك، دا في حالة واحدة أنها هتعرف جنى
تراجع جاسر بجسده واشعل سيجاره.
-جنى عارفة كل حاجة ياراكان.
جحظت أعين راكان مرددًا
-يخربيتك ازاي تقولها حاجة زي كدا، ودي متقبلة عادي كدا
نفث دخانه محترقًا برمادها ثم شرد قائلا
-سيبك من حياتي الخاصة وعايز منك خدمة مهمة. اولا مينفعش أظهر يونس في الموضوع، خليه مفاجأة، ثانيا لازم تشوفيلي طريقة ادخل عشهم. فكر بحاجة بس إياك بابا يعرف
قهقه راكان بصوت مرتفع
-إنت حمار يابني، ابوك دلوقتي عارف انك قاعد معايا وبتتفق كمان.
ابتسم رغمًا عنه يتلاعب بسيجاره
-أيوة فعلا ازاي نسيت جواد الألفي
توقف راكان قائلا
-احمد ربنا انت عندك نعمة اب فيه بيحسدك عليها
توسعت ابتسامته يتذكر حديث والده
-اكيد، وخاصة لو واحد زي جواد الألفي
جذبه يجلسه مرة أخرى ثم قام بفتح جهازه وأشار إليه
-شوف كدا. نظر راكان بشاشته. مط شفتيه يهز رأسه
-مُصر!
اومأ له وأجابه
-جدا. جدا!
بس دا خطر جدا ياجاسر!
تراجع يتكأ بجسده ينظر إليه
-مش خطر ولا حاجة ياراكان بس عايز تخطيط صح.
حك راكان ذقنه ثم تسائل: -حضرة اللوا ميعرفش أكيد. نهض متجهًا للمبرد وجلب قنينة مياه متجهًا إليه: -اجبلك تشكوليت. جحظت أعين راكان فنهض من مكانه متجها للخارج
- هيعرف ياجاسر وحياتك عندي، وزي ماقولتلك هو عارف دلوقتي كل حاجة
-أنا بوصله اللي عايز يعرفه
-اممم. بس اكيد لازم يعرف.
. تحرك متجهًا إليه يقهقه: -مش هتعملها ياراكان مش من قيمك صح يابن البنداري. خرج راكان يغلق الباب خلفه بعنف يسبه، فتحدث قائلاً: -خلعت الباب ياحضرة المستشار ودا عهدة ابن الألفي. فتح راكان الباب يرمقه بسخرية: -ليه مش دي شركتكم يالا خليتها عهدة. قهقه بصوت مرتفع بدخول عز ملقيا السلام
-خير يابن عمي اتجننت ولا إيه. جز راكان على أسنانه قائلاً: -لا دا من نومه بين نسوانه الاتنين اتجنن.
توقف جاسر يرمقه بنظرات نارية، فيما نظر عز مستفهما
-يعني ايه!
تلاعب بحاجبه يشير لعز
-ألبس يامعلم، وجاوب. قالها وتحرك ملوح بيديه
أشار جاسر لعز
-تعالى هاتلي الورق اللي محتاج توقيع عندي شغل مهم
اقترب عز منه يدقق النظر بعينيه متسائلاً: -راكان يقصد ايه؟
ارجع خصلاته للخلف وهز رأسه للأعلى
-دا موضوع بعدين احكي لك.
مرت عدة أيام أخر وتم أخذ عينه لتحليل الحمل DAN. خرج من مشفى البنداري ونظراته على الطريق من مراقبته ثم توقف أمامها: -دلوقتي هترجعي على بيتك لحد ما نتيجة التحليل تظهر. مرت ايامًا آخرى إلى أن جاء موعد النتيجة
تحرك بجوارها لداخل المشفى، دلف لأخذ النتيجة بجوارها. توقفت تعقد ذراعها
-ايه ياحضرة الظابط، صدقتني
اقترب يضغط على ذراعها
-إنتِ أحقر بني آدمة قبلتها في حياتي.
حقيرة. قالها بصفعة على وجهها حتى توقفت الممرضات يطالعونهم
جذبها يجرها خلفه، حتى وصل بها للخارج
-دلوقتي مش عايز اشوف وشك، تروحي شقتك لحد ماتولدي وعيني عليكي. قالها واتجه لسيارته وانفاسه مضطربة، ثم رفع هاتفه
-ايه يايونس، نفس النتيجة
تراجع بجسده يستمع إليه بإهتمام ثم قام بتشغيل المحرك وهو يهاتف راكان
-كل حاجة حصلت زي ما توقعت بالظبط. جهز نفسك للخطوة التانية
علي الجانب الآخر.
-أنا مش موافق ياجاسر، ورأيي زي ماحضرة اللوا قال
-راكان انت متقوليش اعمل ايه، دي قضيتي وانا حر، وزي ماسيادة العقيد حط ثقته فيا يبقى محدش له يمنعني
عند فيروز
ترجلت من سيارتها أمام منزل صهيب، وخطت بخطوات واثقة، ثم ألقت ورق التحليل امامه
-دا إثبات ان بنتك ماهي الا مرحلة في حياة ابن اخوك. جلست تضع ساقًا فوق الأخرى وتحدثت.
-لو بيحبها مش هيجي يقضي عندي ليالي صح ياباشمهندس، قولتلك قبل كدا، هو مع جنى علشان لقاها ميتة فيه وكمان جوازة جاتله لحد عنده ومفيش مانع يقضي وقت حلو، أقنعت نفسك أنه بيحبها
-خلصتي كلامك. أشار للباب ثم هتف
-اطلعي برة بيتي، نهضت من مكانها.
-بنتك هتفضل رخيصة عارف ليه لأنها قبلت تخطف راجل من مراته، ومش بس كدا، حاولت تولع فيا، لما عرفت أنه بيروحلي، اتجننت ياحرام لما اكتشفت أنه مبيحبهاش، نزلت بجسدها تنظر بمقلتيه: -الحق مش عليها، الحق عليك لانك عارف ان بنتك مريضة بحب جاسر، وخليتها عنده يتذلل بحبها، وضعت كفيها على أحشائها.
-انا دلوقتي حامل ياحضرة المهندس العظيم، ومن حق ابني أنه يعيش في حضن ابوه، فياريت تخلي عند بنتك كرامة وتبعد عن جوزي، اكيد بعد قربه مني من غير عقد بينا تعرف قد ايه هو بيحبني، دا حتى مهموش حلال وحرام
وضعت التحاليل
-اتاكد بنفسك، دي عينة من حملي، وابن اخوك عندك، لف معامل مصر كلها ولو عايز برة معنديش مشكلة.
-تشاو ياحضرة الدكتور العظيم، بس مش عيب تبقى نفساني وسايب بنتك مريضة، هو باب النجار مخلع. قالتها بضحكة صاخبة ثم تحركت بخطوات واثقة مثلما دخلت
ارتفعت أنفاسه يهز رأسه
-مستحيل جاسر يعمل كدا، لا. لا مستحيل. امسك الورق يعيده للمرة المليون. شعر بنغزة بصدره وانسابت عبراته
-ليه يابني كدا، انا مكسور من غير حاجة. امسك هاتفه وقام مهاتفة جواد
-ابنك عمل علاقة في الحرام مع فيروز ياجواد.
هب فزعًا من نبرة صوته فتسائل: -إنت فين يا صهيب. فتح صهيب زر قميصه عندما شعر بإختناقه، وانسابت عبراته: -ابنك خان بنتي ياجواد، دبحتو البت ياجواد، تحرك جواد سريعا للخارج
-صهيب اسمعني لو سمحت، انت فاهم غلط
-ابنك دبح بنتي وموت عمه ياجواد
. قالها وأغلق الهاتف
رفع جواد هاتفه ليحاكيه عدة مرات ولكن دون جدوى، اسرع بسيارته متجهًا إليه يهاتف جاسر الذي كان بإجتماعًا مغلقا.
تحدث باسم يشير لبعض المناطق المفترض يتم تسليم بها شحنة السموم
-هنا هتتحرك مع فريقك، ومن الناحية التانية جواد، مش عايز حد يعرف انتوا رايحين فين. ممنوع اخبار تتسرب
كل واحد فيكم يشوف هيعمل ايه علشان يوصل لمكانه دون خسارة في الأرواح. جالنا اخبارية أن فيه شحنة هيروين مع إحدى سيدات أصحاب البيوتي سنتر. داخلة على شكل مكياجات، جواد عيونك مصحصحة في المطار، مع فريقك ثم أشار لجاسر.
ركز في الطرق الصحراوية تفتيش اي عربية وركز في عربيات الخضار والأطعمة سامعني ياجاسر
-تمام يافندم، إن شاءالله هتكون قد المسؤلية
أشار لهم بالخروج
-واثق فيكم ابطالي، ومتأكد انكم هتوصلوا.
بعد فترة
وصلت جنى إلى منزل والدها وأنياب الألم تنهش بها كحيوان مفترس ينهش بفريسته. توقفت السيارة أمام المنزل الجديد الذي ابتاعه والدها منذ فترة
استدار عز إليها ثم قام بفتح الباب بهدوء ينظر لوالده بأسى على وضعها.
امسك كفيها يساندها بذراعها. ترجلت من السيارة تخطو معه كالذي فقد الحياة لا يشعر بشيئا. قابلتهما نهى على باب المنزل. توسعت عيناها من حالة ابنتها
-مالها اختك ياعز؟ ثم التفتت خلفها تبحث عن زوجها متسائلة: -فين جاسر!
كأن اسمه أعادها مرة أخرى لأرض الواقع، فنظرت لوالدتها بنظرات متألمة ضائعة كحالها الآن. همست لها: ماما خديني في حضنك. قالتها ببكاء، هزت نهى رأسها مذهولة تفتح ذراعيها وتوزع نظراتها بين صهيب الذي ألقى نفسه على أول مقعد قابله
بكت بنشيج مردفة من بين بكائها.
-سحبوا روحي ياماما، بابا وفيروز موتوا بنتك. زوت مابين حاجبيها غير مدركة حديث ابنتها. ضمتها تجذبها متجهة للأعلى بعدما وجدت جلوس عز بصفو حزينًا يضع رأسه بين راحتيه منحني بنظراته للأسفل
قطع حزنه صهيب عندما أردف: -من بكرة تشوف محامي يرفع لأختك قضية طلاق، انا متأكد جاسر مستحيل يطلقها، هو حب يريحني مش أكتر، وكام يوم هينط ويقول مراتي.
اعتدل بجسده ينظر لوالده بذهول ثم تمتم بعدم رضا لما يعلمه من عشقهما قائلاً: -ايه اللي حضرتك بتقوله دا يابابا، مستحيل طبعا اعمل كدا، وقبل ماتقنعني اقنع نفسك، عايزنا نوقف ضد بعض في المحاكم، دا عمو جواد يموت فيها. نهض من مكانه واقترب من جلوسه
-حضرتك متأكد من كلام فيروز، مايمكن بتلعب لعبة زبالة كعادتها
نهض صهيب متجهًا لغرفته، ثم توقف يطالعها قائلاً: -عز اختك هتتطلق من جاسر سواء كلام فيروز حقيقة أو لا.
نهض عز يدقق النظر بوالده عله يعلم لما سبب إصراره على طلاقه رغم معرفته بعشق ابنته لجاسر. توقف أمامه ولحظة من صمت اللسان، ولكن هناك حوار العيون يفشي بالمكنون، هز رأسه.
-بابا حضرتك مخبي حاجة عليا، ماهو مش معقول عايز تموت جنى. اقترب من والده وأردف بلين الحديث حتى يصل مايفكر به والده عله يجد حلا فأردف بهدوء: -ليه جاسر وافق على انك تاخد جنى بسهولة، وليه عمو جواد كان هادي ومتكلمش، ومين اصلا عرفك موضوع فيروز، وليه طلبت مني اروح معاها تعمل التحاليل. بابا الاسئلة دي.
ربت على كتفه وإجابه: -علشان الولد ابن جاسر ياعز زي ما عرفنا، عمك مقدرش يعمل حاجة لأن ابنه اهم من اختك، فكر في ابنه وزي ماانت عارف فيروز مش هتسكت، وطبعا جواد مش هيضحي بمستقبل ابنه علشان عيون اختك
نهض عز متجها للأعلى حتى وصل لغرفتها، قام بطرق الباب لعدة دقائق ثم دفع الباب خوفًا من يصيبها مكروه
وجدها تتسطح تضم نفسها كالجنين. تحرك إلى أن وصل اليها، جلس على الفراش يمسد على خصلاتها
-جنى حبيبتي عاملة إيه؟
انسابت عبراتها مردفة
-عايزة انام ياعز، ممكن تسبني انام
جلس على ركبتيه أمام فراشها يمسد على خصلاتها بحنو قائلا
-احكي لي ياجنى ايه اللي حصل خلى جاسر يعمل كدا، ازاي قدر يخونك. اعتدلت تضع كفيها على فمه
-اسكت ياعز ماتكملش، جاسر مش خاين، ولا عمره كان خاين. هو انا اللي هقولك عليه
اعتدل يجلس بجوارها، ثم ضمها لأحضانه: -احكيلي ياجنى، سامعك.
ازاي مخنكيش وفيروز بتقول الولد ابنه، مش هي اللي بتقول التحاليل ياجنى، انا اخدت التحاليل في كذا معمل ونفس النتيجة
مسحت دموعها ثم رفعت نظرها لأخيها: -علشان دي شيطانة اهم حاجة تهدم حياتنا وبس، استغلت كل الطرق الحقيرة علشان توصل لهدفها
جلست امام أخيها تستعطفه بنظراتها وعينيها الباكية.
-عز انا متأكدة أن جاسر مظلوم، ارجوك فهم بابا، عرفه ازاي يقدر يقسى علينا كدا. انا مقدرش اعيش بعيد عنه، والله ماهقدر. قالتها بنشيج مرتفع
ضمها يربت على ظهرها، وصلت نهى بكوب من الليمون تطالعها بصمت ثم اردفت: -قوم ياعز سبني مع اختك شوية. لثم جبينها وهتف
-هوصل حي الألفي اطمن على روبي كانت تعبانة من امبارح وراحت عند الدكتور مع طنط غزل ومعرفش عنها حاجة، وهجبها لو كانت كويسة.
ربتت نهى على ظهره قائلة: -حبيبي روح ارتاح، الدنيا ليل مينفعش ترجع تاني، اختك كويسة، انا معاها، وبوسلي ايهم ويبقى الصبح هاته، بلاش تيجي الليلة تاني. مسدت على خصلات ابنتها متسائلة: -مش كدا ياجنى. اومأت برأسها تترجاه بعيناها ألا يتركها بمحنتها، انحنى يلثم جبينها: -هجيلك الصبح ياقلبي. قالها وتحرك ونظراته تحاصرها حتى وصل لدى الباب، توقف للحظات وتنهد بألمًا عليها.
أطبقت على جفنيها حتى تحرك للخارج مهرولا، هروبًا من حالتها التي شقت قلبه لنصفين
بمنزل جاسر
ولج للداخل يبحث عنها كالمجنون، وجدها تجلس تتناول المثلجات، وصل إليها بخطوة واحدة وجذبها من خصلاتها بعنف للخارج، يلقيها بقوة حتى سقطت على الأرضية. انحنى بجسده، يرمقها بنظرات لو تحرق لأحرقتها كاملا: -البيت دا نضيف، فيه ريحة مراتي، أنتِ مكانك هنا جنب مكان الكلب اللي بيحرص البيت.
جلس على عقبيه متناولا خصلاتها يرفع رأسها يشير لعينيه
-عايزك تفتكري الوش دا كويس، وادعي مايكونش اخر وش تشوفيه على الدنيا
هزت رأسها رافضة كلماته مردفة بقهر: -ليه ياجاسر؟
مفيش حد حبك قدي، ولا فيه حد اتمناك قدي.
ضغط على فكيها حتى شعرت بتحطيمها، حاولت دفع كفيه إلا أنها حولته لشيطان مارد. همس لها بهسيس مرعب.
-قولتلك بلاش تخرجيني عن تربية ابويا، لكن اللي زيك ميستهلش غير انك تترمي زي الكلبة كدا. لآخر مرة هقولك الجنين دا لازم ينزل
دفعته كالقطة الشرسة متراجعة بجسدها بعيدًا عن قبضته وصاحت بغضب: -على جثتي ياجاسر، الواد هيجي وهتعرف بيه إلا إذا هفضحك في الدنيا كلها وبالدليل.
اصابه الجنون وكاد أن يخنقها ولا يتركها سوى أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، تراجع للداخل يصيح بصوت كالرعد
-منيييرة. خرجت سريعًا الخادمة متسائلة.
-أيوة يابيه. أخرج مفتاح بيته وأشار إلى المنزل.
-البيت دا تقفلي كل الاوض اللي فيه، وتغطي الفرش، خلاص مش عايزه، ومن بكرة ترجعي لبيتك وقبضك هيوصلك كل شهر. استدار يرمق الأخرى بإحتقار قائلاً: -للأسف البيت دا ذكرياته بقت زفرة، قالها وصعد للأعلى. ولج لغرفته توقف على الباب يوزع نظراته على تلك الغرفة التي كانت تعج منذ يومين بضحكاتهم ونبضات قلوبهما العاشقة، خطى بهدوء وكأن الغرفة أصبحت كثلاجة للموتى، بعدما كانت تحتضنهم بدفئها. وصل لتختهما يتحسسه بانامله وهناك ذكريات تلاحق عقله وتصفعه دون رحمة. ذهب ببصره إلى تلك القطعة الموضوعة التي توضع على جانب الفراش، رفعها لأنفه يستنشقها بقوة وكأنه يستمد منها التنفس الذي انسحب من رئتيه. أطبق على جفنيه هامسًا بنبرة متألمة.
-سامحيني ياجنى، عارف اني كسرتك، غصب عني يانبض قلبي. نهض متجهًا لغرفة ثيابها، فتح تلك الخزانة التي أصبحت هاوية من محتوياتها. هنا شعر بسقوط قلبه بين ساقيه، وضع رأسه على الخزانة وانسابت عبراته يدعو الله بسريرته
- ربي إني مغلوب فانتصر
بحي الألفي وخاصة بغرفة جواد
أنهى صلاته، وجلس لبعض الوقت على سجادة صلاته، يدعو الله بسريرته، بإستودعاه لأولاده
نهض بساقين هلامتين وجلس بضعف شديد، يمسد على صدره من شدة آلامه.
ولجت غزل بمشروبه. انزل يديه ورفع نظره مبتسمًا
-تعالي يازوزو
تحركت ونظراتها تخترق جلوسه حتى وصلت إليه، وضعت المشروبات على طاولة دائرية، ثم رفعت رأسها تطالعه بصمت لفترة. ضيق مابين حاجبيه وتساءل
-بتبصي كدا ليه؟
رفعت إحدى حاجبيها ثم تسائلت: -مخبي عليا ايه ياجواد، ومتفكرنيش عبيطة ومش ملاحظة إنك بتحاول تكون كويس، وفين الاشاعات اللي المفروض عملتها. مخبي عليا ايه ياجواد وياريت ماتستغباش عقلي.
جذب رأسها يضمها لأحضانه
-مفيش حاجة يازوز انا بس مضايق علشان جاسر وجنى
خرجت من أحضانه تنظر إليه بلهفة
-مالهم. اتخنقوا تاني، العيال دي مش عايزة تهدى، دول بيعشقوا بعض
تراجع بجسده على الأريكة ممدًا على الأريكة، أشار بعينيه على اقترابها بجواره. تحركت حتى حاوط أكتافها بذراعيه
-فيه موضوع كنت مخبيه عليكي من فترة، كنت عايز أتاكد مش اكتر
سحب نفسًا وطرده يطالعها بنظرات متألمة
-فيروز حامل!
زوت حاجبيها تهز أكتافها.
-واحنا مالنا ماتحمل ولا تموت حتى. صمتت تضيق عيناها ثم تسائلت
-ازاي حامل هي مكنتش استئصلت الرحم
تنهد بحزنٍ، فيبدو أن زوجته لم تعي كلماته، كل ما أصاب عقلها استئصال الرحم. احتوى كفيها قائلاً: -زوزو ركزي وحياة ابنك، انا دماغي سايحة لوحدها
لحظات تهز رأسها متراجعة بجسدها بعيدًا عنه
-مستحيل اللي انت عايز توصله دا، ابني مش غبي. نهضت وكأن كلماته كانت طاغية لإستيعاب ما يشير إليه.
دارت في الغرفة تمسح على وجهها بعنف تكاد تقتلع جلده
-لا. جاسر مستحيل يعملها، ابني مش شاذ ياجواد، متقنعنيش أنه يعمل حاجة زي كدا، وأنه يرجعها، لا ويضحك علينا ويعمل مسرحية أنها مابتخلفش علشان يوصل لايه
هزت رأسها تدور كالذي أصابها الجنون تضع كفيها على صدرها.
-ابني مايعملش كدا، لا. فيه حاجة غلط، جاسر بيحب جنى، ليه يرجع فيروز، وكمان تحمل، دا لو ناوي يموت جنى مستحيل يعمل كدا، دا لو حقيقي يبقى الواد دا مش تربيتنا. توقفت عن الحديث
-لا. البت دي كذابة، لا جاسر بيحب مراته، لا جاسر مش خاين
أغمض جواد عيناه متراجعًا برأسه حتى تنهي صدمتها، استدارت بجسدها إليه، تصيح به
-جواد! فتح عيناه يطالعها بصمت، اقتربت منه.
-اوعى تفكر اني هصدق بنت المجرمين دي، حتى لو ابنك نفسه جه قال كدا. ابني مايعملش كدا، سمعتني
زفر بقوة حتى شعر بالاختناق، فأشار إليها بكفيه: -ممكن تقعدي وبطلي جنان، انا دماغي لفت مني، مبقتش مستحمل، حاسس بصخرة بتقفل على بيتي ياغزل، مش مستني كلامك المجنون دا
رفرفت بأهدابها ومعالم الحزن تجلت على وجهها، فجلست بصمت
رفع نظره إليها، حاملا بنظراته جبالًا من الوجع والحزن الذي سكن احشائه.
-وبعدهالك ياغزل، صدقيني حبيبتي انا مش متحمل اي ضغط
طأطأت رأسها للأسفل
-خلاص ياجواد، اقنعني أن إبنك حقير وانا هقولك اه
شعر بالاسى على ما توصلت إليه، فبسط كفيه إليها: -تعالي يازوزو، تعالي حبيبتي جنبي هنا واسمعي كلامي كويس.
جلست بجواره، فضمها لأحضانه، وآهة عميقة أخرجها من قيح آحزانه. رفع خصلاتها التي تمردت على وجهها من فعل حركاتها العصبية، ثم اعتدل يحتوي كفيها قائلاً: -اسمعيني كويس، مش عايزك تقاطعيني، قام بقص ماصار لجاسر من أفعال فيروز حتى وصولها إلى منزل صهيب بالتحاليل التي تؤكد أبوية جاسر لولدها
جحظت عيناها وترقرقت الدموع بها فأردفت بنبرة متحشرجة بالبكاء.
-حبيبي يابني، دا كله يحصله وأنا معرفش، وازاي حياة تسمح لفيروز تعمل فيه كدا
ارتفع صوت بكائها على ماأصاب ابنها، ضمها يمسد على ظهرها
-غزل. افهمي كلامي كويس، الموضوع مش موضوع ولد تلبسه لجاسر بس، الموضوع أكبر من كدا، فيروز مش لوحدها، عايز منك تهدي لحد ما نعرف هي واللي معاه ناوين على ايه مع جاسر وجواد
-جواد! قصدك جواد حازم.
هز رأسه وأردف: -مرقبين تحركاته كلها، واللي خايف منه، أنهم يحاولوا يضغطوا عليه بتقى أخته. جواد وجاسر استلموا قضية كبيرة ومين اللي ماسك القضية دي راكان البنداري، طبعا راكان العوباني وبيلاعبهم كلهم وهو حاطط رجل على رجل، أما جواد وجاسر دول لسة في أول حياتهم متعلموش كتير، فلازم احاصر الكل، عايزك تهتمي كويس بداخل البيت، مفيش خدامة تدخل بيتي من غير أصلها وفصلها، عينك تحرص البنات كويس، لحد ما أشوف آخرة لعبتهم ايه.
ارتجف جسدها تبكي بقلب ام
-مش كنا ارتحنا من وجع القلب دا ياجواد، ليه تدخل جاسر وجواد في دايرة الوجع والخوف دي
رفع كفيها يلثهما ثم احتضن وجهها.
-زوزو حبيبتي دا واجبهم وشغلهم، مينفعش نقول لا، انا مدخلتش عرفت زي زيهم، مينفعش ابعد ابني واشيل حد تاني، بدل دخل المجال دا مجبور يعمل كل مايمليه عليه وطنه، دي مخدرات وأسلحة ياغزل. يعني موت، اللي مش تموته المخدرات تموته الاسلحة، ابنك عند ربنا هو الحامي، لا خوفنا هيحميه ولا عدم تأدية واجبه هيحميه، وقولتها زمان وهقولها تأتي.
-ابنك مكتوب له كل حاجة من وقت ماربنا رزقنا بيه، كنتي تتخيلي أنه يحب جنى كدا، ولا يطلق فيروز، خلي عندك ثقة بدينك وإيمانك القوي، اعرفي كل حاجة قدر ومكتوب
احتضنته تبكي بنشيج على ماأصاب قرة عينيها
-غصب عني ياجواد، جاسر لو حصله حاجة هموت بعده، كفاية عليا جاسر واحد، مش متحملة التاني.
رفعت كفيه تقبله وتنظر إليه تترجاه بعيناها: -وحياتي عندك ياحبيب عمري خلي بالك عليه، اوعى ياجواد عيونك تنزل من على ابنك، هو طيب اوي ومكنش له في الشرطة بس اعمل ايه نصيبه ياحبيبي
ضمها لصدره يربت على ظهرها
-مش عيوني بس عليه ياغزل، قلبي وكل ماامتلك حرسينه، واللي ربنا كاتبه انا راضي بيه، انا استودعت ولادي كلهم عند الذي لا يغفل ولا ينام
شهقة خرجت من نياط قلبها بنبرة باكية
-اه ياحبيبي. وطبعا صهيب اخد بنته.
علي بعد بعض الأمتار بالأعلى وخاصة بغرفة ياسين
أنهت عملها، رفعت ذراعيها تتمطأ بخروجه من المرحاض. نظر إليها وابتسامة لاحت على ملامحه
نهضت تجمع اشيائها وأغلقت جهازها قائلة
-بكرة بعد الشغل هعدي على جنى، من وقت مارجعنا من شرم ماشفتهاش
كان متوقفًا أمام المرآة يصفف خصلاته، ثم وضع بعض عطوره ينظر إليها من خلال المرآة.
-ترجعي على هنا الأول، وبعد كدا نروح مع بعض، مفيش خروج لوحدك، وآه العربية بالشوفير هتوديكي وترجعك
نهضت بعدما ألقت دفترها
-مش كفاية انك خلتني اشتغل في شركتكم، ايه لزوم الشوفير، انا بتخنق مبحبش اللي مراقبني في الروحة والجاية.
أنهى مايفعله، ثم استدار يرمقها بنظرة مبهمة مردفًا.
-اسمعيني كويس، عايزة تشتغلي بشروطي كان بها مش عايزة براحتك، اشربي من البحر. قالها وخرج من الغرفة يصفع الباب خلفه بقوة حتى انتفضت بمكانها.
جلست بمكانها حزينة، تتذكر بعض الساعات الوحيدة التي تمنت أن تكون حقيقية، ولكن كيف بعد أفعاله التي شطرت قلبها. احتوت رأسها بين راحتيها...
ظلت لفترة بمكانها تعيد ذكرياته معها، ثم نهضت قائلة
-أنا ياياسين تعمل فيا كدا، طب وحياة ربنا لاعرفك ازاي تقرب مني.
وصلت إلى غزل قائلة
-طنط غزل عايزة اقولك حاجة وخايفة من ياسين
طالعتها تشير إليها
-عمل ايه ياحبيبتي
وضعت كفيها على احشائها ونظرت للأسفل
-أنا حامل وعايزني أسقط البيبي، وصل إليهما توقف وهزة عنيفة أصابت جسده فتحرك إليها
جذبها من رسغها وهو يطالع والدته بإبتسامة مزيفة
-ماما عايز عاليا، قالها وتحرك يضغط على رسغها حتى وصل إلى غرفته يدفعها بقوة داخل الغرفة
-كنتي بتقولي ايه لماما تحت يابت.
تراجعت بجسدها بعيدًا عنه تتمتم بكلمات متقطعة
-بقولك ايه ارحمني من حصارك دا، وانا مش هتكلم ضغط على قبضته بقوة، وتراجع حتى لايصفعها على وجهها، ثم استدار للخارج.
صفقت بيديها تقفز فوق الفراش
-بموت في غضبه ابن الألفي، استنى بس لو مخلتكش تلف حوالين نفسك ياحضرة الظابط.
بعد فترة صعد لغرفته وجدها تشاهد التلفاز وبجوارها بعض المكسرات رمقها بنظرات صامتة لبعض الوقت ثم هوى على الفراش بجوارها يتلاعب بخصلاتها. ارتجف جسدها وحاولت الابتعاد إلا أنه أردف وعيناه تغرز بعيناها قائلاً
-جهزي نفسك ياروحي، علشان هنروح للدكتور
ضيقت مابين حاجبيها متسائلة: -دكتور ليه هو انت عيان
نهض يعبث بخزانته ثم هتف
-لا مش المدام حامل وعايزة تطمن على البيبي
هبت فزعا متجهة إليه.
-إنت مجنون، حامل ازاي، مفيش حمل
جذب رأسها يثبتها وتبسم غامزًا
-ليه مش جوزك ياحرام عايز ينزل البيبي، من حقي اطمن على البيبي يابقليس
دفعته بقوة مع اهتزاز جسدها من قربه
-أنا مش هتحرك معاك في مكان، وبطل هبل ولو على طنط غزل هنزل افهمها واقولها مفيش حاجة حصلت بينا اصلا.
خطى إلى أن حجزها بالجدار يحاوطها بذراعيه، وانحنى برأسه يهتف بالقرب من وجهها: -كدا بتعيبي في جوزك ياروحي، عايز تطلعيني قدامهم مش راجل.
رفعت كفيها على صدره تبعده عندما لافحت أنفاسه وجهها وضعفت بحضرته فهمست بتقطع
-ياسين ابعد لو سمحت، مبحبش كدا
عانق بحر عيناها وتناسى مابينهما، فسحر بجمال عيناها وعبيرها الذي اخترق رئتيه فهمس بتقطع: -ليه ياعاليا، ليه قربي بيوترك كدا
توردت وجنتيها واهتز قلبها برعشة حتى سارت بكامل جسدها، رفعت نظرها إليه وسبحت بملامحه الرجولية الجذابة.
صمت متأملا ارتجاف شفتيها، ود لو تذوقهم ليكتشف مذاقهم.
خمدت ثورته من جهتها وتناسى مابينهما، صفع عقله مقتربًا من كرزيتها، أغمضت عيناها تاركة له نفسها. وضع رأسه بخصلاتها يسحب عبيرها يتلذذ برائحتها
همست بتقطع بعدما فقدت سيطرتها
-ياسين ابعد لو سمحت. رفع أنامله بخصلاتها وهمس دون وعي
-تعرفي إنك حلوة قوي، وشدتيني قوي
ابتلعت ريقها بصعوبة، تهمس بتقطع وهي تستند بذراعها على صدره.
-وانت كمان شكلك راجل قوي، بس عصبي. ابتسم بخفوت، ثم حمحم متراجعًا يجمع اشيائه ليهرب من فتنتها التي سيطرت على رجولته
-أنا خارج عندي مشوار مهم، ممكن ساعتين ولا حاجة، وبعد كدا هعدي على عمو صهيب نحاول انا وأوس في موضوع جاسر، نامي ممكن اتأخر
تحرك لبعض الخطوات ثم استدار إليها
-عاليا. رفعت رأسها تنظر حديثه، فاشار على الفراش
-نامي على السرير مالوش لزوم نومك في الاوضة التانية مش هاكلك.
طأطات رأسها للأسفل تبتعد من نظراته
تحرك سريعًا
جلست لبعض الوقت تبتسم بحالمية هامسة لنفسها
-ايه اللي بيحصلك ياعاليا، أنتِ سلمتي قلبك مرة وخذلك بلاش تحلمي بياسين دا لسة بيحب حبيبته
هوت بجسدها على فراشه تستنشق رائحته تغمض عيناها
-شكلك حبتيه يابنت نادر. استمعت لإشعار إحدى الرسائل. تناولت هاتفها وإذ بها تنهض سريعا، تجذب اسدالها متجهة للأسفل تنظر حولها حتى خرجت من الباب الخلفي للحديقة
عند ياسين.
توقف أوس يربت على ظهره قائلاً
-بابا قال خليه لما يهدى من ناحية جاسر، عمك مكسور مش فاهم حاجه يومين وبعد كدا هتكلم معه. وصل جواد حازم يوزع نظراته بينهما ثم تسائل
-اي اللي سمعته دا، صحيح جنى وجاسر هيطلقوا، ازاي بعد الحب دا كله
نفض أوس قميصه ونظر لداخل عيناه
-جواد حبيبي لو البحر ميته خلصت، جاسر وجنى مش هيسيبوا بعض، حتى لو بعدت المسافات فيه تلاحم في القلوب، دنى يتعمق بعينيه وأكمل.
-جاسر مستحيل يتخلى عنها، ولو فرضنا طلقها صدقني مجرد كلام قدام عمه، بس اتأكد اللي هيقرب منها هيدفنه. نصيحة اخوية يانمس. قالها وتحرك وهو يزفر بقوة، ثم رفع هاتفه يحاكي أخيه
عند جاسر ارتدى ثيابه ونظر لهاتفه الذي أعلن رنينه
-نعم ياأوس
-من الآخر كدا، كل الكلام الهلس دا انا مش مصدقه، والله لو مليون تحليل، فخليك شطور كدا وثق من نفسك، البنت دي محبتهاش ياحضرة الظابط وقولتلك الكلام دا من زمان.
-أنا رايح لمراتي ياأوس
-غلط ياجاسر، بلاش دلوقتي
رفع قنينة عطره ونثر الكثير منها مبتسما عندما تذكر حديثها ثم أجاب أخيها
-مراتي وحشتني ياأوس، ومش هتنازل عنها، وانا عرفت بابا. سلام
عند عاليا خرجت متجهة إليه، وجدته واقفا مستندًا على سيارته يدندن. وصلت إليه وهو يضحك
-لولو حبي القديم. رفعت كفيها لتصفعه، ولكنه جذبها بقوة حتى أصبحت بأحضانه يهمس لها.
-اسمعيني كويس، صورك الحلوة معايا، وحلو قوي جوازك بالصعلوط بتاعك اهو الفضيحة تسمع اكتر، ياتجيبي ورق المصنع زي ماسرقتيه، ياإما تتنازلي عن كل نصيبك ومش بس كدا فوقيهم 10مليون من جوزك المحترم، إنما هو قربلك ولا لسة، عرف انك ولا مؤاخذة مش بنت
لكزته تصرخ به
-هموتك ياخالد.
قبل قليل تحرك بعد حديث أوس، أوقفه جواد قائلا
-إنت مزعل مراتك، شوفتها من شوية طالعة من الباب الخلفي.
تحرك سريعا متجهًا للباب وجدها بأحضان ذاك المدعو. صرخ باسمها حتى انتفضت تدفعه بقوة، هرب متجها لسيارته
-مستنيكي يالولو، اوعي تتأخري عليا ياروحي. تحرك بالسيارة حتى توقف بجوار ياسين وغمز له
-الصراحة فرسة خسارة اني ضيعتها، بالهنا على قلبك فضلاتي
ركض متجهًا إليه بعدما غرزه بخنجر بارد بصدره، تراجعت بجسدها مرتعشة تهتف بتقطع.
-ياسين اسمعني هقولك كل حاجة. سحبها من كفيها دون حديث. لقد زهقت روحه عندما طعنته برجولته للمرة التي لا تحصى، لم يعد يتحمل حقارتها كما انتابه عقله، والشك نهش بجسده كحيوان مفترس، قابلته غزل متوقفة أمامه
-كنتوا فين؟
تسائلت بها بعدما وجدت ملامح ابنها العابسة. تحركت عاليا تتشبث بكفيها
-حضرتك كنتي طلباني، آسفة اتأخرت عليكي
قالتها عاليا حتى تنقذ نفسها من براثن جيوش غضبه الظاهرة بملامحه.
فهمت غزل ماتؤل إليه عاليا، فجذبت كفيها قائلة: -أيوة حبيبتي تعالي عايزاكي ضروري
جذبها بقوة وسحب عيناه بعيدا عن والدته
-آسف ياماما، محتاج مراتي دلوقتي
أغمضت عاليا جفونها بإستسلام لقدرها معه. صعد بها سريعا بعيدا عن والدته
وصل لغرفته ثم دفعها بقوة على الفراش واقترب منها كالمجنون
-ليه! عملت فيكي ايه لدرجة دي أنتِ حقيرة
نهضت مقتربة منه وحاولت الحديث الا أنه دفعها بقوة يصرخ بها
-حقيييييييرة. توقفت تصيح به.
-ياسين اسمعني، صفعة قوية على وجهها ثم قام بنزع ثيابها مقتربا منها كالمجنون
-ايه مش حقي، قولي حقي ولا لا
جذبها من خصلاتها يرفع رأسها
-إنتِ مراتي يافرسة، عايز اشوف الفرسة اللي الغريب بيتمتع بيها
-ياسين. ضغط على فكيها بقوة حتى شعرت بتحطمها
-اسمي مش اسمه منك يازبالة، وياله اجهزي، دخلتنا الليلة. ولا شكل الأمورة مش فارقة، ماهي مدورها
رفعت كفيها تصفعه ولكنه دفعها.
-بجحة وقليلة ادب. أنتِ ايه لو منك أدفن نفسي بالتراب
انسابت عبراتها تهز رأسها: -بكرهكوا كلكم. قالتها وتحركت للداخل خرجت بعد دقائق وهو يثور بالخارج يحطم كل ما يقابله حتى أصبحت الغرفة شظايا محطمة. خرجت بنامتها القصيرة الشفافة المخصصة لتلك الليلة ثم تحركت تقف أمامه قائلة: -أنا جاهزة. رفع رأسه يطالعها بضحكات مرتفعة ثم أشار عليها.
-مكنش له لزوم دا كله، بلاش تحسسيني انك عروسة بجد. أغمضت عيناها حتى لا تتذرف عبراتها وضغطت على منامتها متجهة تجلس على الفراش
-لو خلصت اهانة انا جاهزة، بس قبل اي حاجة اعتبر من الليلة دي قطعت كل الخيوط اللي بينا
نهض يمسح على وجهه ابتسامة ساخرة على وجهه حتى وصل اليها.
-ليه هي الحلوة مفكرة بينا خيوط
كور قبضته محاولا ألا يصفعها، وسحب نفسًا ثم.
جلس بجوارها ونظر إليها بملامح متفحصة، رفع أنامله يمررها على وجهها وهتف
-اعرفي انك أحقر واحدة قابلتها في حياتي. انسابت عبراتها بقوة حتى أصبحت كالشلال، بعدما انشق قلبها فلقد خانها ونبض قلبها له.
-بلاش إهانات لو سمحت، رفعت عيناها الغارقة بدموع الألم والخذلان.
-إنت عايز حقك، وأنا جاهزة، هتحاول تقلل وتكلمني بطريقتك دي، هموت نفسي وأريحك. احنا بينا إتفاق شهور ونطلق، وطبعا حقك وجميلك تاخد حقك مني ودلوقتي أنا جاهزة ياحضرة الظابط
جذبها بقوة وغرز عيناه ببحر عيناها
هاخد حقي ياعاليا، ومش بس كدا، هعرفك بعد كدا ازاي تحترمي الراجل اللي اسمه.
-ياسين لو سمحت، أنا قدامك ووافقت أكون مراتك
اقترب منها ومازالت نظراته تخترقها.
-وياترى لعبة ايه اللي بتحاولي تقنعيني بيها، خايفة افضحك ماهو انتي مفضوحة ياروحي. أغمضت عيناها تهز رأسها ورددت بتقطع
-بس مكنتش منتظرة منك دا، تقابلت الأعين حتى رفعت كفيها على وجنتيه لأول مرة
-حبيت فيك رجولتك وكرهت فيك شهامتك ياحضرة الظابط، لو قلبي ضعف قدامك مرة فأنا بتأسف لنفسي.
ارتجف قلبه من كلماته حتى نزف قلبه واقترب منها يحتضن خاصتها لأول مرة، لأول مرة يتذوق نعيمها، لأول مرة يشعر بجمال النبض الذي عزف رغما عنهما ولكن هناك نقطة فاصلة، جعلته متراجعًا ينظر إليها بذهول قائلا
-إيه دا؟
تراجعت تجذب الغطاء على جسدها، تواليه ظهرها:
-اطلع برة. اخدت حقك، برة مش عايزة اشوف وشك. قالتها بشهقات
ظل للحظات ينظر لها، ثم تحرك للمرحاض وكأنه يخطو فوق النيران.
دلف للداخل وعيناه كجمرتين، هز رأسه بغضب. نظر لنفسه بالمرآة
-ليه! من إمتى وأنت كدا
لكم المرآة حتى تناثرت حوله ونزف كفيه، هوى على الأرضية ودموعها تحرق روحه. جز على كفيه وصاح بغضب
-متخلف وحيوان
عند جاسر.
ولج لمنزل عمه يبحث عنها بعينيه وجدها تجلس بشرود بمكانها المخصص، خطى إلى أن توقف خلفها، يرسم كل انش بها، يومان فقط شعر بهما كسنوات من عمره. توقف خلفه صهيب قائلاً: -كويس انك جيت، كنت لسة هكلمك، هنا استدارت تطالعه بحزن، ورغم الآلام قلبها النازفة منه، إلا أنها توقفت متجهة إليه، تحرك بعض الخطوات ولم يعير لحديث عمه أهمية. وصل حيث وقوفها هامسًا بقلبًا منتفض: -وحشتيني. انسابت عبراتها واقتربت منه. فرد ذراعيه ينتظر إحتضانه، لحظات من الصمت المريب بنظرات العتاب الأليم، ورغم حزنها ووجعها من تخليه عنها، إلا أن القلب هنا له تحكمات تصفع مايقابله ويحرمه من نبضه، احتضنته تبكي بشهقات مرتفعة.
-ليه. ليه تعمل فيا كد؟
ضمها بقوة يعصرها بأحضانه كأنه يستمد من ذاك الحضن قوته للحياة
-جاسر. صاح بها صهيب
أغمض عيناه يستنشق عبيرها يهمس لها
-جنى سامحيني. بكت بصوت مرتفع تهز رأسها تهمس بتقطع
-ماتسمعش كلام بابا ياجاسر، بابا مضايق متسمعش كلامه
احتضن وجهها ينثر ترانيم عشقه بثغرها ثم همس لها
-محدش هيقدر يفرقنا ياحبيبة عمري، صرخ صهيب بصوت مرتفع.
-أنا بكلمك يابن جواد، ايه مفيش احترام يالا. حاوط كتفها متحركًا إلى عمه
-مراتي كانت وحشاني ياعمو، مستخسر فينا لحظات اشتياق
أشار لجنى
-ابعدي عنه ياجنى. رفعت نظرها لزوجها تهز رأسها
-بابا ممكن تسمعنا. أشار بسبباته مهددا إياها
-لو مبعديش عنه. يبقى انسي أن ليكي اب، ياأنا ياهو، اختاري يابنت صهيب.
ثم أشار إليه: -وانت يابن جواد، لو باقي على الأخوة اللي بيني وبين ابوك ارمي عليها يمين الطلاق. انا مستحيل اسيب بنتي على ذمتك يوم واحد بعد خيانتك ليها
اقتربت جنى منه ثم انحنت ترفع كفيه تقبلهما تنظر إليه بعيونًا راجية: -بابا. اسمعني. صفعة قوية على وجهها
-ادخلي جوا. إلى هنا وحياتكم انتهت. خلي عندك كرامة البيه المحترم عنده ولد في الحرام وياعالم متجوزها ولا لا.
عمو ممكن تسمعني: -الطلاق اللي عايزه بس الطلاق يابن جواد، لو انت ابن جواد فعلا طلق بنتي، أنا مبقتش عايزك
وصل جواد إليهما توقف أمام جاسر، يجذب كف جنى
-اسمعي كلام بابا ياجنى، ثم جذب ابنه وتحرك دون حديث
-حبيبي تعالى عايزك. توقف أمام والده
-مش هسيب مراتي يابابا، تحرك لوقوفها وضمها لأحضانه بعدما وجد بكائها، أخرجها من أحضانه يزيل عبراته ثم اقترب يدمغ جبينها بقبلة حانية.
-جنجونة قلبي بطلي عياط، يالة ياقلبي هنرجع بيتنا. احتضنت ذراعيه
-جاسر اوعى تتخلى عني، مش هقدر اعيش من غيرك. همست بها بتقطع
كان يطالع أخيه الذي يهرب بنظراته، تحرك جاسر يحتضن خصرها إلى أن توصل لباب المنزل فهتف صهيب
-ابنك لو خرج ببنتي ياجواد اعتبر كل اللي بينا انتهى. ارتفعت شهقات جنى تحتضن ذراعه بقوة، علمت أنها النهاية، عمها ماذا سيفعل، ايختار سعادتهما على حساب والدها
أطبقت على جفنيها وهمست اسمه.
-جاسر ياله بينا مش قادرة اتحمل اكتر من كدا، كفاية عذاب
رفع نظره لوالده الذي هز رأسه ثم هتف جواد وعيناه على صهيب
-لو طلعت بيها ياجاسر يبقى انسى انك ابني، هنا شعر بتذلذل الأرض تحت قدميه فاستدار لوالده يهز رأسه بحزن قائلا
-ليه يابابا، ليه دا كله. اقترب منه وجذب ذراع جنى المتشبثة به
-كل شئ قسمة ونصيب يابابا، لثم جبينها يحتضن وجهها
-حبيبة عمو تعرفي أن عمو بيحبك قوي، هزت رأسها رافضة حديثه.
-لا ياجنى. بحبك وعلشان بحبك خليكي في حضن باباكي. قالها ثم اتجه لجاسر يجذبه بقوة متحركًا بجواره. صاحت باسمه
-جاسر! توقف مستديرًا إليها
-ليه! تحرك لسيارته سريعا وقادها بسرعة جنونية حتى شعرت بتوقف قلبها فهوت على الأرض تبكي بشهقات مرتفعة، وصل عز الذي ترجل من سيارته سريعا متجهًا إليها
-جنى! رفعت نظرها إلى أخيها.
-اختارهم هم ياعز، رغم اني اخترته، بعت الكل واشتريته وهو باعني واشتراهم. قالتها وهي تشعر بغمامة سوداء تحاصرها فابتسمت من بين بكائها مرحبة بها فهوت بين ذراع أخيها
بعد عدة أيام
اقترب من جلوسها وهي لا تحرك ساكناً مجرد انفاسًا متألمة تخرج من صدرها، اتجه لوالدها بنظراته الحزينة ثم رفع كفيه يمسد على خصلاتها. لكنها صارت كما هي صمت لبعض اللحظات ومشاعره تجمدت وكيانه يترجح بين الوجود والتلاشي. ولكن كفى وكفى.
انحنى يهمس بأذنها بعدما أزاح خصلاتها
إنتِ طالق
أطبقت على جفنيها وانسابت عبراتها. هذا ماعشقته عشق حد الوجع، هذا كيانها الذي ضعف بوجوده، قلعتها الآمنة التي انهارت بحوزته. هذا وهذا. عشق نادر وهجر بغفران نقي. ياالله كم هو مؤلم ذاك الشعور الذي تعجز عن وصفه مفردات جميع اللغات.
قشعريرة سارت بجسدها واختلجت كيانها انسابت عبراتها بمرار يتساقط من محاجرها، فنزلت برأسها تضعها على ركبتيها دون حديث. ظل متجمدًا بمكانه لبعض الدقائق يتابعها بأنين صامت. توقف والدها يربت على ظهره فاستدار متحركًا بخطوات ضعيفة متهالكة وكأنه متجهًا جهة الموت، دعاها بسريرته
ربي اختنقت روحي فازهقها
فتح باب سيارته ورفع رأسه للأعلى ينظر إليها نظرة وداع.
تعانقت نظراتهما الخاوية من الحياة، حتى ارتجفت شفتيها تهمس اسمه بتقطع
لاحت ابتسامة يكسوها الحزن ممزوج بالوجع ثم همس أسمها وينظر إليها نظرة أخيرة ممزوجة بالاشتياق، فكيف يشتاق إليها الآن وهي مازالت بحوزته، نظرة يدفعها العديد بالنظرات إلى أن وصل لنظرته الأخيرة بتنهيدة تجمع الكثير من المشاعر
فهل ستكون نظرة وداع ابدي
أما هناك ماسيكتبه القدر.
↚
بجناح ياسين
خرج من مرحاضه، توقف يتطلع إليها، التزم الصمت وسار بعض الخطوات، حمحم، لتناظره ولكنها، مازالت على حالتها التي تركها بها، تقدم خطوة إليها ولكنه تراجع مرة أخرى، ولج لغرفة الملابس بملامح جامدة وغصة تمنع تنفسه من حالتها، أخرج قميصًا باللون الأسود، امسكه ينظر إليه لعدة لحظات، ثم قبض عليه، عندما شعر بليلته كلونه.
آهة طويلة كانت ابلغ ما يشعر به. ارتدى ثيابه سريعًا واتجه إليها، اقترب من الفراش وتحدث
-عاليا!
أغلقت جفونها بوهنًا شديد، وصوته كهواجس تفتت قلبها، اليوم فقط تيقنت من عشقه، ضغطت فوق شفتيها كيف لها أن تحب جلادها، كيف نبض قلبها لمعذبها، خمس شهور بجواره تمنت بعدها ألا يجري العمر بها
استمعت لهمسه مرة أخرى باسمها، شهقة خرجت من أجواف مرارة الألم.
لم تستدير إليه ولم تعريه إهتمام، اقترب منها وجلس على عقبيه يرسمها بعينيه الصقرية
-عاليا لازم نتكلم، أردف بها بصوتًا هادئ رغم النيران التي تقبع بصدره
-طلقني!
آلمه حالتها خاصة بعدما وجد اثار مافعله به، أطبق على جفنيه مكورًا قبضته، ابتلع غصته وتحدث: -أنا وعدت كريم هنفضل متجوزين فترة.
لجمت بصاعقة حديثه ورغم ماشعرت به اعتدلت تجذب الغطاء واشارت إلى باب الغرفة: -اطلع برة مش عايزة اشوف وشك، كلكم مقرفين، كلكم. صرخت بها مما جعله اعتدل متجها يجذب أشيائه الخاصة وهرول للخارج كالمطارد
ارتفع صوت بكائها بنشيج تضع كفيها على أذنها كلما تذكرت حديثه الموجع لقلبها
خرج ياسين سريعًا متجهًا لسيارته، قابله عز يدقق النظر بحالته
-ياسين مالك فيه حاجة؟
استقل سيارته دون حديث وتحرك من أمامه. ظل يراقب تحرك السيارة إلى أن خرجت من البوابة
تجولت انظاره إلى شرفة عمه التي حاوطها الظلام، علم أنه قد يكون غافيًا، تحرك إلى منزله مرة أخرى. ولج للداخل وجد زوجته تجلس تداعب طفليهما. انحنى يطبع قبلة على رأسها
-مساء الحب ياقلبي
رفعت رأسها تنظر إليه بإبتسامة باهتة، ثم أشارت على طفلها
-شوف ابنك شوية، لما اخليهم يحضروا العشا، اتأخرت قوي.
امسك كفيها وجذبها حتى أصبحت بأحضانه: -أكلت مع جنى حبيبتي، لو جعانة اكل معاكي تاني
خرجت من أحضانه وتسائلت بنبرة حزينة: -عز لسة عمو مُصر على طلاقهم، انا مش متحملة الفكرة نفسها، ازاي جنى وجاسر هيقدروا
جلس عز بقلب مثقوب الهموم والألم بآن واحد ثم أجابها بنبرة متحشرجة بالحزن: -أنا خايف على جنى قوي يارُبى، جنى بتحب جاسر بجنون، أول مرة مفهمش بابا ليه مُصر على الطلاق.
فرد جسده يتوسد ساقيها وأغمض عيناه هاتفًا: -بيقولي عايز يعالجها، تخيلي بابا مفكر جنى مريضة بحب جاسر
مسدت على خصلاته بحنو وبدت على ملامحها الحزن
-حبيبتي جنى اتعذبت كتير، وجاسر مش هيسكت ياعز، انا خايفة من مواجهة بابا وعمو بسبب جاسر وجنى مبقتش فاهمة حاجة.
مسح على وجهه بغضب ثم اعتدل جالسًا: -نفسي اعرف ليه جاسر مخبي إن الواد مش ابنه، وكمان ساكت على فيروز ليه يارُبى هتجنن، من وقت ماعرفت نفسي ادخل جوا دماغه دي، وليه عمو سايبه يعمل اللي عايزه، وازاي قدر يبعد جنى عنه، اكيد فيه حاجة كبيرة
-ازاي الولد مش ابنه ياعز، للأسف الولد ابنه
بتر حديثهم صوت بكاء طفلهما، اعتدلت ربى متجهة إليه تحمله بأحضانها تربت على ظهره تقوم بتهدئته مع هزها الحنون له حتى غفى مرة أخرى.
جالت بنظرها إلى زوجها الذي اتجه إلى الشرفة
وضعت طفلها بمهده، ثم صاحت على مربيته
-خُديه، طلعيه اوضته وخلي بالك منه، ثم اتجهت إلى زوجها الذي وقف شارد يتطلع للخارج بنظرات تائهة مكسورة
وضعت كفيها على كتفه
-عز! استدار إليها
-ايه رأيك ننقل عند بابا كام يوم ياروبي، انا مش هرتاح هنا واختي هناك تعبانة وحزينة، خايف عليها، خايف تعمل في نفسها حاجة
اقتربت حتى توقفت أمامه واحتوت كفيه تربت فوقهما.
-حاضر ياحبيبي، بكرة نجهز حاجتنا وننقل فترة هناك، بس مش هقدر ابعد عن هنا كتير، وكمان متأكدة أن عمو صهيب مش هيتحمل يشوف حزن بنته، بكرة نعرف ايه اللي خلى جاسر عمل كدا. رغم عارفة ومتأكدة أنه روحه في جنى يبقى أكيد فيه حاجة اكبر من حبه ليها، ممكن يكون حد بيهدده. هزت رأسها رافضة حديثها
-حتى لو حد بيهدده برضو مش منطقي أنه يبعد عنها، مش عارفة أفكر ياعز بجد.
تنهيدة عميقة بوخز يرافق أنفاسه وهو ينظر للخارج يتذكر تلك الأماكن التي كانت تعج بضحكاتهم وسعادتهم منذ أيام. استمع ل رنين هاتفه، رفعه مجيبًا على والده: - عز . تعالى لي، جاسر طلق جنى
هزة عنيفة أصابت جسده حتى أحس بقبضة تعتصر صدره قائلاً: -ايه! وجنى عاملة ايه؟
اجابه على الجانب الآخر صهيب: -تعالى لأختك ياعز. قالها وأغلق الهاتف
رفع عيناه لزوجته واغروقت بالدموع
-أنا رايح لأختي ياربى، جاسر طلقها.
شهقة خفيضة خرجت من فمها تهز رأسها مرددة بدموع عيناها
-جاسر! ياحبيبي يااخويا
تحرك عز متجهًا إلى سيارته بخطوات متعثره، داخله نيران تحرق العالم بأكمله، كور قبضته يضغط بأسنانه
-وآهه. صرخ بها يخرج عصارة آلامه وحزنه الذي تسرب بداخله
تحرك بالسيارة ونظرات ربى عليه، توجهت ربى سريعًا إلى والدها
-بابا. صرخت بها، كان غافيًا بالأعلى بعدما تناول إحدى ادويته. خرجت غزل من غرفة مكتبها بلهفة الى ابنتها.
- ربى مالك حبيبتي. واقفة كدا ليه!
ارتفع نشيجها وهوت على الأريكة
-جاسر طلق جنى ياماما
سقطت الأشياء التي تحملها من يديها، وزاغت عيناها بالمكان
-يعني ايه؟ صهيب كسر ابني!
استيقظ جواد على صوت ربى وحديث غزل
وضع كفيه على وجهه يغمض عيناه مرددا: -ليه ياصهيب كدا، ليه مُصر انك تكسر الولد. اعتدل جالسًا على فراشه، يمسح على وجهه وحزن العالم قبع بداخل صدره، جذب هاتفه وهاتف ابنه
عند جاسر.
بعد نطقه لتلك الكلمة التي شقت صدورهما، رغم بساطتها إلا أنها كفجوة بركانية اتلهمت قلوبهما حتى أصبح رمادًا
استقل سيارته بسرعة جنونية، من يرى سرعتها يزعم بطيران اطرها ظنا من قائدها الانتحار لا محالة، ظل يقود دون هدى، حتى وصل لأحدى الاماكن المرتفع بجانب القلعة
ترجل من سيارته بأنفاسه المحترقة، نيران فقط كل ما يشعر به، ناهيك عن شعوره بإختتاقه بطوقٍ من نيران.
هوى على الأرضية الترابية بركبيته وصرخة عالية بآهة كادت أن تبتر احباله الصوتية، صرخات مرتفعة تشق لها الصدور، حتى انسابت عبراته بقوة، يبكي بشهقات كالطفل الذي فقد والديه
استند على سيارته برأسه يحتضن ركبتيه، ودوترك لدموعه الانسياب، وكل ما يراه حالتها التي فتت قلبه لشظايا، اطبق على جفنيه بقوة حتى شعر بتمزقها.
وضع كفيه على صدره متألمًا من تلك الوخزات التي تساحب أنفاسه وكأنها خناجر مدببة. دقات عنيفة تقتلع صدره وهو يهمس باسمها
-جنى! سامحيني
أغمض عيناه متذكر حديث والده بعد
فلاش باك
بمنزل صهيب
-جاسر لو طلعت من الباب دا إنسى انك إبني، استدار مذهولًا من ردة فعل والده قائلا
-بابا بلاش إنت كمان لو سمحت، مراتي مش هتنازل عنها. احتضنت جنى ذراعه بقوة تختبأ خلفه بعدما تحرك صهيب إليها ينزعها من جاسر.
توقف أمام عمه يشير بيديه: -عمو اللي بتعمله مش صح، انا مكنتش في وعي، لو سمحت بلاش تهدم حياتنا
ربت صهيب على كتفه: -حياتك مش مع بنتي ياابني، جاسر ابعد عن بنتي حبيبي، انا النهاردة عايشلها، بكرة ياعالم، بلاش اتركها في الدنيا ذليلة ياحبيبي
تراجع يحتجزها خلفه
-ليه ياعمو، ليه تقول كدا، انا بذل جنى!
-جاسر! اكيد انت عارف أنا بحبك صح وعلشان خاطر عمك اللي بيحبك اثبتلي حبك لبنتي لو إنت بتحبها، بنتي مش بتحبك زي ماانت متصور، بنتي مريضة بيك
استمع لصوت بكائها وهي تحتضن خخصره، فذهب عقله وصاح بغضب وصوت مرتفع بوجه عمه
-أنا راضي بكدا، محدش له دعوة
اقترب منه صهيب يحدجه.
-راضي بإيه يابن جواد، راضي بنتي تفضل مذلولة بحبها ليك، راضي تفضل حزينة العمر كله وهي شايفة حبيبها مع واحدة تانية، اعقل ياجاسر وابعد عن البنت، وزي ماكنت راجل معايا واتجوزتها لما طلبت منك، خليك راجل وطلقها
-مستحيل!
انا مستحيل اذلها دي حبيبتي وروحي ومراتي. ضمها لأحضانه يلثم فوق رأسها.
-عمري مافكرت اوجعها، بس حظنا كدا، والله ماخنتها ياعمو، ولا أقدر اعملها دي بنت عمري قبل ماتكون بنت عمي، بلاش تكسريني بمراتي ياعمو لو سمحت.
-جاسر إنت اتجوزت بنتي باتفاق ودلوقتي أنا اللي بطلب منك تطلقها، انت دلوقتي ليك ابن ياحبيبي، وبنتي مش يتيمة علشان تفضل مكسورة طول حياتها
-صهيب. صاح بها جواد مشيرًا إليه
-بلاش غلط يابن ابويا، مش ابن جواد اللي يذل ست، لو دي تربيته كان أولى أنه يذل فيروز مش مراته.
التفت صهيب إليه وتحدث دون جدال: -جواد عايز بنتي، وحقي، انا مش مرتاح ياجواد، طول ما فيروز في حياة ابنك انا مش مرتاح، وبنتي مش هترتاح، انا كنت حاسس فيه حاجة من زمان بس كدبت نفسي، ودلوقتي لو سمحت لو ليا خاطر عندك خليه يطلقها
اقترب جواد من صهيب وتوقف أمامه
-النهاردة يابن حسين الألفي هأكدلك أن خاطرك فوق خاطر ابني، بس اعرف انك السبب في اللي هيحصل بعد كدا
جاسر! هتف بها جواد.
-مستحيل يابابا مراتي مش هطلقها. اقترب جواد من وقوفهما
واتجه إلى جنى المتشبثة به
-جنى عارفة عمك بيحبك صح، وبيحبك كتير كمان، زي مابحب جاسر بالظبط
هزت رأسها رافضة حديثه، تحتضن ذراع جاسر بقوة مردفة من بين شهقاتها
-مش عايزة أطلق ياعمو، عايزة أعيش مع جوزي. اتجهت بنظرها لوالدها
-بابا لو سمحت. جاسر مظلوم، وأنا عارفة بموضوع الولد من زمان.
صاعقة قوية نزلت فوق رأسه فاقترب منها بغضب، يجذبها بعنف: -كفاية إهانة وذل يابنت صهيب، ايه فين كرامتك، بقيتي معدومة الكرامة، راضية بكدا ليه، دي تربيتي ليكي، رفع نظره لجواد
-ترضى لبنتك كدا، رد عليا تردلها الإهانة وتكون معدومة الكرامة كدا
اخر كلام عندي ياجواد، ابنك يطلق بنتي وانا هعرف اعالجها كويس
جذب جواد جاسر بقوة.
-حاضر ياصهيب، هنعملك اللي يرجع كرامة بنتك. خلي عمك يعالج بنته من مرض حبك ياجاسر زي مابيقول
. توقف جاسر يوزع نظراته بينهما حتى استقرت على زوجته التي بأحضان والدها ثم استدار وتحرك مهرولا للخارج وخلفه جواد
تركت والدها وتحركت خلفه تبكي بصوت مرتفع، حتى قابلها عز الذي ولج بسيارته بخروج جواد وجاسر
وصل إلى حي الألفي. استدار برأسه إليه: -انزل حبيبي لازم نتكلم. هز رأسه بالرفض
-بابا أنا تعبان وعايز ارتاح.
ربت على كتفه وهتف
-اعمل زي ما قولتلك ياجاسر هتريح الكل ياحبيبي، شهر واحد، عمك يراجع نفسه، وانت كمان تكون خلصت قضيتك ورجعت، واتخلصت من فيروز، امسك العصاية من النص ياجاسر وراضي جميع الأطراف
أشار على صدره وهتف بنبرة حزينة
-ودا يابابا، وجعه اعالجه ازاي، ازاي هقدر انام ومراتي بعيد عني، ازاي هرتاح وانا عارف انها تعبانة
-اقعد معاها وفهمها، فهمها انت ناوي على ايه.
تراجع بجسده ينظر لوالده: -بابا لو سمحت عايز افضل لوحدي ممكن!
-جاسر!
-بابا! لو سمحت
ترجل جواد من سيارة ابنه
-شوف هتعمل إيه وأنا معاك، بس اي خطوة هتعملها لازم تقول لجنى عليها ياجاسر، بلاش تعمل حاجة وتسبها كدا
أومأ برأسه واستدار بسيارته
متجها لمكتب راكان، وصل بعد قليل
-فاضي!
أشار بيديه بعدما أغلق جهازه المحمول
-ايه اللي رماك عليا
أخرج من جيبه فلاشة وتحدث: -عايز اعرف مين دول من غير ما أظهر في الصورة.
وضع راكان الفلاشة بجهازه وقام بتشغيلها للحظات، ثم نزع نظارته الطبية وتحدث بصوته الرخيم: -دول مجمعين الكل. تمام هشوفلك مين دول، وتقريري هيكون عندك
اقترب متكأ على مكتب راكان
-فيه معلومة مش متأكد منها بس حستها طعم علشان يعرفوا انا براقبهم من خلال فيروز ولا لا
استمع راكان بتركيز ثم تسائل: -ليه عايزين الولد دا، السؤال دا اللي مفروض تشغل بالك بيه.
تنهيدة عميقة أخرجها بأنفاسًا ثقيلة ثم أجابه: -علشان اكتب على فيروز، وبعد كدا اضطر اوافق على شروطهم بعد طبعا ماتورطني دا اللي قدرت أوصله
-دا ايه الغباء دا؟
-مش مقتنع ازاي تورطك وهي عارفة قوة جواد الألفي، لا الموضوع اكبر من كدا
-ممكن عن طريقها يهربوا مخدرات
ضيق راكان عينيه متسائلاً: -تقصد ايه مش فاهم؟
-معندكش قهوة ولا إيه؟
ضحك بصوت مرتفع قائلاً: -لا كريم يابن الألفي. قالها واستدعى الساعي لطلب قهوته.
فتح الجهاز مرة أخرى واستمع بإهتمام ثم رفع رأسه يضرب كفوفه ببعض
قائلاً: -ياولاد الكل، ب، هي وصلت لكدا
اشعل سيجاره يهز رأسه، ثم نفث تبغه ينظر لراكان
-فهمت اللعبة!
نهض راكان متجهًا إليه ثم جلس لمقابلته: -يعني الولد يكون خيط الارتباط اللي يربطوك بيه، وبعد كدا يزقوا فيروز بادمانك علشان يحركوك زي ماهم عايزين
نفث تبغه يهز رأسه ثم هتف
-اعتبره حصل
طالعه راكان بذهول.
-أكيد مجنون، لا طبعا، تبقى غبي وعبيط. دول عندهم الغلطة بموتة، وعايزين مركزك ياغبي
وصل الساعي بقوتهما، ووضعها أمامهما
ارتشف بعضها ثم أشار بيديه
-اقولك سر ولازم على أساسه تركز
اومأ راكان متفهًا
-وصلوا لمراتي، ومش بس كدا، صوروها، وحطلوها حاجة في القهوة، تفتكر بعد ما عملوا كدا هسكت
برقت أعين راكان، وشعر بصدمة مما جعله غير قادر على التفوه وهو يستمع معاناته
-ودا حصل إزاي؟
انت مش مأمن بيتك كويس ياجاسر!
ابتلع ريقه الجاف بصعوبة
-جنى فتحت جاليري بقالها فترة، انا مخونتش اللي معاها وللأسف اللعب كله في الجاليري دا
مسح على وجهه بعنف حتى لايضعف أمام راكان فهز رأسه
-القضية دي عمري كله ياراكان، ومكنش ابن جواد لو مركعتهمش واحد واحد
هز رأسه رافضا حديثه
-جاسر دي مخاطرة وانت لما قولت الفكرة الاول قولتلك بلاش دا كان مجرد انك تدخل وسطيهم، اما اللي بتقوله دا صعب لا مش صعب دا موت، ممكن تشوف حد تثق فيه.
ارتشف باقي قهوته، وطالعه بحزنًا لون ملامحه وامتزج بنبرته الرخيمة
-بابا ميعرفش علشان افضل اثق فيك دي حاجة، الحاجة التانية ياحضرة المستشار مراتي امانة عندك، انا عارف بابا مراقب خطواتي محتاج منك تشوشر عليه شوية لحد ما ادخل عشهم.
طالعه بنظرات خرساء لبعض الوقت ثم نهض من مكانه متجهًا لمقعده
-مش موافق، وأول مايحسوا انك بتضحك عليهم أول واحد هيضروه ابوك، ثانيا مراتك هتكون ضحيتهم بلا منازع، وانت لسة قايل وصلولها
-أنا وجنى هنطلق!
-نعم يااخويا، دا انت أهبل وعبيط يالا، ملعون الشغل اللي يعمل فينا كدا
قوم روح يالا مش عايز غباوة
اقترب ينظر لمقلتيه.
-بلاش إنت اللي تقول كدا، ايه ناسي نورسين ولعبك عليها، دا حتى لسة موضوع الفرح مالي الجرايد
هز رأسه موافقه الرأي ثم تحدث بإستبانة: -بص ياجاسر، الموضوعين مختلفين، انا كانوا خانقين جدي وابويا بورق مهم، وانا راجل قانون مكنش ينفع اقابلهم بالبلطجة. يعني ابويا كان اكتر واحد هيتأذي، متنساش أنهم مدخلينه في كل أعمالهم القذرة بألعابهم القذرة.
ولولا رحمة ربنا مكنتش عرفت، انت ليه عايز تعمل كدا علشان تقوي نفسك وتبينلهم انك ابن جواد بجد، بس دا هيدمر حياتك، فكر كويس قبل اي حاجة
توقف جاسر يضع سلاحه بخصره وحمل هاتفه قائلاً
-غلطان ياحضرة المستشار، بعمل كدا علشان وطني اولا مش علشان اثبت اني ابن جواد، علشان ولادك وولادي فيما بعد، علشان اللي يغلط يعرف أن البلد فيها قوانين تعاقب.
انحنى يستند بذراعه على المكتب وغرز عيناه بمقلتيه وأردف: -علشان عدل ربنا، كل ظالم وله نهاية، وكلكم راع ومسؤل عن رعيته ياحضرة المستشار، مش علشان خايف على مراتي بس أو اعيش سعيد، اسيب شوية مهربين وتجار أسلحة يدمروا شباب لمستقبل أمة، انزل الشارع وشوف الولد لسة مكملش خماستشر سنة وبيحشش ياراكان، غير قضايا الاغتصاب في الاطفال، غير الأسلحة اللي بقت في العشوائيات. ايه ياراكان ماتخلي حد غيرك يقولي الكلام دا.
لو تفتكر قبل موضوع جنى أنا كنت مقرر. بس الصراحة منكرش عمو صهيب صعب عليا، حاولوا مرة يغتصبوها بسببي والمرة التانية عايزين يموتوها بسببي برضو، أي أن كان انا ولا بابا، بس السبب واضح.
راكان دول وصلوا لاخت جواد، عارف معنى دا ايه، معناه أنهم سابقينا بخطوة، انا مش هستنى لما اقوم الصبح اشوف اختي أو مراتي أو بنت عمي على مصيبة. وانا مش هستسلم عايزين يموتوني يموتوني، بس برضو مش هعمل اللي عايزينه.
استدار متحركًا ثم توقف مستديرًا
-صدمتني النهاردة للأسف، لاني اكتشفت أن قضيتك خاصة بعيلتك مش بوطنك، قالها وتحرك سريعًا من أمامه بخطوات مهرولة كالذي يهرب من مستقبل حسم له
بعد عدة أيام
استيقظ على صوت هاتفه
-أيوة ياعمو!
-جاسر ناوي على ايه ياحبيبي، احنا اتفقنا ياجاسر مش كدا، مش مستعد أضحي ببنتي لو سمحت
-خلاص ياعمو، هعملك اللي حضرتك عايزه، اتمنى تقدر تحافظ عليها ياعمو، ومتندمش
تنهد صهيب بألمًا.
-سامحني يابن اخويا، معنديش غير بنت واحدة، عارف ظلمتك بس غصب عني وانا مش متحمل اشيل جواد هم فوق همه، خليهم مفكرين زي ما اتفقنا
-حاضر ياعمو، لكن مراتي لو حصلها حاجة وهي عندك مش هسامحك
-جاسر مش هتبقى مراتك، انا خيرتك وانت اخترت، وانا كمان من حقي اختار بنتي واخاف عليها
وانت شوفت يابن جواد اتعمل فيها في وسط بيتك وكمان وسط حراستك، مش هتحمل بنتي يعملوا فيها حاجة.
انا ضاع مني جنى قبل كدا ياجاسر، سامحني يابني دي نور عيوني، وعلشان تقدر تحافظ على بنت عمك، عارف بضغط عليكم انتوا الاتنين بس صعب بعد اللي شوفته اسكت ياجاسر
آلامه قلبه على صوت عمه الحزين، فهتف قائلاً: -اتأكد ياعمي لو مش خايف عليها مستحيل اسبها، وحياة وجع قلبي دا لأدفعهم التمن غالي، وحياة جنى عندي ماهرحمهم.
-حبيبي بلاش. ابعد عن الناس دي مؤذية، بلاش تخليني اقول لجواد ياجاسر، انا لسة عند وعدي، لو سمحت خاف على نفسك، ابوك مش حمل وجعك يابني
احس بألم حاد بكامل جسده والألم يخترق روحه كلما تذكر ما فعلوه بزوجته دون وعيها، فتابع بنبرة يرجوها التوسل
-حضرتك وعدتني ياعمو، وعدتني بابا مش هيعرف حاجة
-مش موافق ياجاسر. صرخ بها صهيب
ثم تحدث بصوت مرتعش.
-اسمعني حبيبي، كل اللي عليك هتننازل عن القضية دي وتبعد، وهم حرين مع الباقي، مش مجبر يابني، زمان كانوا هيقتلوا ابوك، حبيبي اسمع مني واعملهم اللي عايزينه.
صمت للحظات متسائلا: -هم عايزين ايه
-عمو لازم اقفل دلوقتي وهعدي عليك بالليل، وامانتك جنى ياعمو، اعرف اني اتخليت عن روحي علشان روحي تبقى سعيدة، وعلشان متجيتش تقولي ضيعت بنتي، بنتك هتبقى في رعاية ربنا اولا ثم في رعايتك
-في آمان الله ياحبيبي.
خرج من شروده على رنين هاتفه. بأيدي مرتعشة مرر أنامله على اسمها الذي أنار فوق شاشته بصورتها
نعم محبوبة قلبه، رفع الهاتف وبصوت جعله متزنًا
-جنى!
شهقات فقط تصيب اذانه، شهقات وصلت لآذانه كصوت رعد اصابه بالصمم. حاول الحديث ولكنه كالذي أصيب بشلل ولم يعد يتحكم بحروفه
لحظات من الصمت المريب بشهقاتها التي اخترقت صدره كالسهام القاتلة فهمس بتقطع
-حبيبتي بلاش توجعي قلبي، جنى خلي بالك من نفسك.
همست بتقطع: -خيرتني ياجاسر، خيرتيني بين بعدك وحياتك، نسيت اقولك يابن عمي الاتنين واحد عندي
ساحت دموعه على وجنتيه يستمع لحديثها الذي مزق روحه. استرسلت بصوت متقطع: -شايف جنى هتعرف تعيش بعيدة، ليه عملت كدا، ليه موتني بايدك ياجاسر
-جنى! همس بها
نهضت من فوق فراشها صارخة كالمجنونة.
-اخررررص مش عايزة اسمعك، وعدتني مش هتسبني ومع أول مشكلة رمتني، وعدتني بالسعادة ومشفتش منك غير الوجع. انا بكره نفسي قوي علشان وثقت فيك، بكره نفسي علشان بحبك، بكره قلبي اللي مش عارف يوقف عن النبض باسمك، ليه بحبك الحب دا كله
ليه ياجاسر، ربنا يسامحك يابن عمي
ربنا يسامحك.
-جنى اسمعيني. عمو عنده حق، مش هتحمل وجعك ياقلبي، انا افتكرت الليلة اياها، وكنت متأكد الولد ابني، مش عايز اوجعك، عيشي حياتك ياجنى وانسيني
-بكرهك ياجاسر، بكرهك علشان انت كذاب، سمعتني، بكرهك علشان بتضحك عليا. هوت بركبتيها على الأرض
جز على قبضته يكتم شهقاته وصوتها الممزق لقلبه، حاول ألا ينهار أمامها فهتف بصوت جعله متزنًا
-عملت الصح، مش هينفع نكمل مع بعض.
قاطعته هادرة تزيل عبراتها بعنف: -جاسر تعالى خدني، كفاية بقى، انا قولت يومين وهترجع تاخدني، مش ترجع تموتني، حبيبي بيتنا وحشني، مش قادرة اعيش بعيدة، انا هسامحك بس متوجعنيش كدا. انا بعشقك ياجاسر
انفاس حارقة فقط تخرج من جوفه، وترجيها وعشقها له الذي بعث قشعريرة بجسده، ود لو أمامه الان لحطم عظمها بأحضانه
سحب نفسًا قويًا لتثبيط بكائه الذي تجلى بصوته.
-مقدرش ازعل عمي ياجنى، مقدرش اوجعه، ومقدرش افرق بين ابويا وبين عمي، مش عايز بعد السنين دي كلها وابويا بيبني العيلة اهدمها علشان نفسي، زمان اتخليت عنك علشان عيلتي ودلوقتي بتخلى عن قلبي وسعادتي علشان عيلتي، وأنتِ كمان لازم تعملي زيي، احنا مش لوحدنا ياجنى، لازم نضحي
استمعت لطرقات على باب غرفتها
-جنى افتحي الباب ياماما، ياله ياجنى
صرخت بقهر شق قلبه وانزفه.
-بكرهكوا كلكوا، مش عايزة اشوف حد. سمعتني ياجاسر، بكرهكوا كلكو وانت اول واحد. قالتها هاوية على الأرض وتساقط هاتفها تبكي بنشيج
دفع عز الباب حتى كسره، وولج إليها بقلبًا مذعورًا خوفًا من أن تضر نفسها
وجدها جالسة على الأرضية تحتضن ركبتيها وتبكي بنشيج. احتضنها بقوة
-جنى حبيبتي، خلاص ياقلبي. تشبثت بعنقه تبكي بمرار الألم.
-خدني من هنا ياعز، مش عايزة اشوف حد، ابعدني ياعز. اقتربت والدتها تجذبها ببكاء ام منفطر قلبها على فلذة كبدها
-حبيبتي اهدي ياقلبي، أن شاءالله كله هيكون حلو. ضربت على صدرها تصيح ببكاء
قلبي مولع نار ياماما، عملت ايه في الدنيا دي علشان اتغدر من الكل
ليه كلهم دبحوني ياماما، بنتك عايزة تموت وترتاح. صرخت بقوة تبكي بصوت مرتفع قائلة
-ياااااارب. ضمتها نهى تمسد على ظهرها.
-حبيبتي يابنتي. اهدي حبيبتي بكرة كله هيعدي. نهضت. بدأت تحطم في كل مايقابها
-بكرهكوا كلكم. سمعتني يابابا، بكرهكوا كلكم، حتى جاسر بكرهوا، مبقتش عايزة أعيش في الدنيا الظالمة دي. خلاص تعبت مبقاش فيا حال، وعلى لحظة ذهب عقلها جذبت مقصها تقطع شريانها، صرخ عز يشير بيديه
-حبيبتي اهدي، خلاص هعمل اللي أنتِ عايزاه جنى ياقلبي بلاش تعملي كدا، هتموتي كافرة، فين ايمانك.
تراجعت للخلف ودموعها تنساب كزخات المطر.
-مبقتش عايزة الدنيا دي مبقتش عايزاها ياعز
ظل يهدئها بيديه ملوحًا:
-عايزة تسبيي عز ياجنى، هونت عليكي، مش بتحبي اخوكي
قالها وهو يتجه إليها بخطوات بطيئة
-جنى ياقلبي، هعملك كل اللي إنتِ عايزاه، سيبي المقص
هب جاسر فزعا بعدما استمع الى أحاديثهم وقاد السيارة بسرعة جنونية
كان يقف على باب الغرفة يطالع أفعالها بصمت ومحاولات عز مازالت مستميتة حتى وصل إليها وجذبها من كفيها.
احتضنها يطالع والده بنظراته الحزينة. مسد على خصلاتها
-اشش. اهدي حبيبتي، تحرك بها إلى الفراش. وساعدها بالتسطح قائلًا: -ماما. سبيها ترتاح، تحركت نهى إليها
-سبني مع اختك ياعز!
-ماما! طالعته بغضب
-قولت سبني مع اختك، ايه مبتسمعش، اقفل الباب وراك. قالتها وتحركت حتى تمددت بجوارها على الفراش تمسد على خصلاتها
رفعت رأسها تضعها بأحضانها
-جنى حبيبة ماما، ايه رأيك تتكلمي مع ماما.
هزت رأسها رافضة وهمست بنبرة متحشرجة باكية: -ماما عايزة أنام، لو سمحتي، انحنت نهى تلثم جبينها
-نامي ياروح ماما. انا معاكي، عايزة أقولك كل حاجة في الدنيا دي نصيب يابنتي، مش عايزاكي تكوني ضعيفة
شهقة خرجت من جوفها تضع كفيها على فمها
-موجوعة قوي ياماما، حاسة بنار بتحرقني ومش عارفة اطفيها، الوجع دا هيفضل كدا.
استندت نهى على ذراعيها ومازالت تداعب خصلاتها بحنو اموي قائلة: -حبيبتي حاسة بيكي، بس مش دي اخر الدنيا، عارفة انك بتحبي جاسر، بس النصيب وقف لحد كدا، ربنا مش رايد انكم تبقوا مع بعض
أطبقت على جفنيها وصوره أمام ناظريها
-ماما! عايزة اموت انا تعبت مبقتش متحملة. قالتها وهي تغلق عيناها بوهنٍ.
وضعت كفيها تقرأ بعض الأيات القرآنية حتى غفت وآثار دموعها على وجنتيها. أزالت نهى عبراتها تبكي بصمت على حال ابنتها الوحيدة
استمعت إلى صرير سيارة بالأسفل علمت بوصول جاسر، نهضت تجذب غطائها عليها
-ربنا يصبرك يابنتي ويحنن قلب ابوكي عليكي. قالتها وتحركت للأسفل بعدما تيقنت من نومها.
ولج جاسر للداخل يبحث عنها كالمجنون
-جنى فين ياعمو، عملت في نفسها ايه
توقف عز بعدما وجد حالة والده الرثة
قاطعته نهى.
- نامت ياحضرة الظابط. وياريت تمشي من هنا قبل ماتحس بوجودك
ذهب ببصره لصهيب الشاحب، ثم اتجه لنهى
-عايز اشوفها ياطنط نهى لو سمحتي
طالعته للحظات بصمت موجع ثم أشارت له بالصعود
-نهى! هتف بها صهيب الذي رجع بجسده للخلف مغلقًا عيناه بآلم يتسرب بصدره قائلًا: -بنتك مطلقة، يعني بقت محرمة على ابن عمها.
استدارت متحركة متجهة إلى غرفة ابنتها بعدما وجدته يأكل درجات السلم بخطواته غير مكترث لحديثهما، دفع الباب وولج للداخل. تسمر بمكانه وكأن الأرض تسحب من تحت أقدامه وهو يرى وجهها الشاحب وعبراتها التي تنسدل على وجنتيها بمنامها. خطى للداخل، همست نهى تجذبه من ذراعه
-جاسر مينفعش. أخرجها، وأغلق الباب خلفه واتجه لملاكه الغافي. علم من حالة نومها أنها فاقدة للوعي
جثى على ركبتيه أمامها مقتربًا من وجهها.
-جنجونة قلبي. سامحيني ياجنة حياتي. مرر كفيه المرتعش على وجهها يزيل عبراتها ووضع رأسه بجوار رأسه يتنفس أنفاسها مطبق على جفنيه يهمس لها
-قلبي بيحترق ياجنى، عايز ادمر الكون كله، أنا ضعيف قوي قوي، ياريت افوق من ابشع كوابيسي، قوليلي اعمل ايه وانا مخنوق بسياج من نار، دنى حتى وضع جبينه فوق جبينها وآهه حارقة بنيران عذابه.
-بموت بصمت يابنت عمي، حبيبك بيموت بصمت، سامحيني واعرفي مستعد احرق الكون كله علشان اشوف ابتسامة من عيونك، مش عايز أعيش العمر كله مقهور عليكي وعلى عمو، افديكي بروحي ياأغلي من روحي
اقترب حتى لامس ثغرها بخاصته
-مبقاش ليا حق فيكي، لا لا يعني مبقتيش ملكي، آآآه. قالها بشهقة خرجت رغمًا عنه، هب من مكانه يطالع نهى التي توقفت تبكي على ماصار إليهما. أشار عليها يزيل عبراته بقهر.
-فوقيها مغمى عليها، عيونك ماتنزلش من عليها ياطنط لو سمحتي
سحب كفيها باسطًا إليها عطرها
-فوقيها، سحب عز ذراعه
-جاسر لو سمحت. نزع نفسه منه
-ياله ياطنط نهى طمنيني عليها، قربت نهى قنينة العطر من أنفها وحاولت إيفاقتها ولم تتحكم في عبراتها، استمعت لهمسها باسمه
-جا، سر. آه.
استدار متجها للخارج يتخبط بخطواته، بمقلتين كالشلال وقلب يتهشم من الوجع يحاصره وخزات تشحذ روحه كبلور تهشم بقوة إعصار، حالة انهيار تامة تملكت منه، توقف يلتقط أنفاسه لعل يسحب بها خليطًا من الهواء الممزوج برائحتها العبقة أزال عبراته بظهر كفيه، توقف صهيب أمامه وانسابت عبراته رغمًا عنه
ألقى نفسه بأحضانه وارتفع صوت بكائه
-مش قادر ياعمو، انا بندبح ياعمو ليه بيحصل معايا كدا، ياريتني مُت ولا اتوجعنا م كدا.
ربت صهيب على ظهره، ثم أخرجه من احضانه، يحتضن وجهه
-حبيبي أنا آسف، بس غصب عني، والله يابني غصب عني، مش حمل تعب تاني
أزال عبراته وهز رأسه
-تمام ياعمو، بكرة ورقة طلاقها هتكون عندك. قالها وخرج متجهًا لسيارته
استمع الى رنين هاتفه
-أيوة ياياسين!
-جاسر إنت فين، انا في بيتك
قاد سيارته قائلاً: -في الطريق، قالها وتحرك متجهًا إليه
وصل بعد قليل، وجده جالسًا أمام المسبح، تحرك حتى هوى على المقعد.
-عامل ايه؟ مش المفروض تسافر بكرة العريش
تراجع بجسده ورفع رأسه ينظر للسماء
-عاليا!
اشعل سيجاره وبدأ ينفثها قائلًا: -مالها!
اعتدل بجسده قائلاً: -طلع ابن عمها بيضحك علينا، البنت مظلومة، يعني معملش فيها حاجة ومقربش منها ياجاسر.
-طب ما دا معروف يابني، انت لسة واخد بالك من الموضوع دا. توقف يطالعه لبعض الوقت ثم تحدث: -استنى هي عاليا حكتلك ولا عرفت ازاي! ابتعد ببصره عنه، ثم اتجه يجذب منه سيجارته ينفثها بغضب حتى أصبح صدره محترق كرمادها
ظلت نظرات جاسر تحاوطه حتى توقف واتجه للمسبح
-عايز اعوم شوية، بما إن مراتك مش هنا ماتيجي نغطس شوية
مازالت عيناه متسلطتان بقوة تحاوطه، ثم رفع ذقنه
-مردتش عليا، عرفت منين؟
ألقى هاتفه وقام بنزع قميصه وقفز بالمسبح دون حديث
ابتسامة ساخرة تجلت بملامح جاسر فنهض متجهًا للداخل، استمع لرنين هاتفه رفعه مجيبًا
-أيوة يابابا!
-حبيبي تعالى عايزك
-آسف تعبان وهنام، ياسين هنا على فكرة
مسح جواد على رأسه بإرتجافة يديه فهمس بصوت مجهد
-تعالى مامتك مقومة الدنيا حريقة هنا من وقت ماعرفت انك طلقت جنى
ذهب ببصره لياسين الذي يسبح كمحارب للمياه، فأجاب والده
-حاضر، نص ساعة واكون عند حضرتك.
صعد غرفته وهوى بجسده على فراشه، تجولت عيناه بالغرفة الجديدة التي شعر ببرودتها كجثة الموتى، فرد جسده وذراعيه ثم همس لنفسه: -هتتحمل الوجع دا ازاي ياجاسر، إزاي هتقدر تعيش بالطريقة دي، قبض بكفيه على الفراش ونهض معتدلًا يفتح جهازه المحمول يشاهد بعض المشاهد التي أرسلت لعمه للضغط عليه
مشهد خلف مشهد لزوجته، توقف ببصره على أحدًا ما، جذب هاتفه سريعًا
-جواد!
اجابه على الجانب الآخر
-أيوة ياجاسر، إنت كويس.
-كويس. اسمعني كويس عايزك تعمل زي ماهقولك بالظبط
قص له المطلوب. نقر جواد على مكتبه ثم أجابه: -مين قالك كدا، ماهو لازم نتأكد، وبعدين هو مش أهبل علشان يقرب من ظابط
ارجع خصلاته بعنف وصاح به: -لا عملوا أكتر من كدا، اسمعني وركز كويس، انا وجنى أطلقنا دلوقتي وعلاقتي بعمو بصهيب مش كويسة، فأنت هتعمل اللي طلبته من غير كلام.
زفر جواد متأففًا وهتف بنبرة اعتراضية: -بقولك دي بعيدة عن الشغل، مستحيل يحطوها في دماغهم وبعدين زمان خبر طلاقك نزل في كل الصفح ياحبيبي مالوش لزوم اللي هتعملوا، بلاش تضيع وقت على الفاضي على الولد دا. ومستحيل يضر جنى أو غيرها، يارب ترتاح
-اعمل اللي طلبته وريحني ياجواد لو سمحت.
مسح وجهه بجانب كفيه وهتف بملامح ممزوجة بالحزن والألم: -جواد انا واثق في ذكائك، لازم تجبلي الولد وتعرفلي تبع مين بالظبط، وخليك ورا البت الكاستمر كمان
-تمام. هشوف هعمل إيه وارد عليك.
نهض متجهًا لخزانته وقام تبديل ثيابه، استنشق رائحتها العالقة بقميصه، وضعه بالخزانة واغلقها مستديرا بظهره عليها، دقات عنيفة كادت تصيب صدره بذبحة صدرية كلما تخيل أنها لم تعد ملكه، استدار يضرب بكفيه على الخزانة وآهات مرتعشة كحال جسده حتى استمع لرنين هاتفه مرة آخرى
اتجه إليه بحالة مزرية يطالعه، ثم رفعه وأجاب
-قول.
-الولد وقف شوية قدام الحي دقايق والمدام خرجت، معرفش قالها ايه خلاها تضربه، هو طبعا ماسكتش وحاول يرد عليها في الوقت دا حضرة الظابط وصل وشافها، صمت للحظات وتحدث: -سمعت بيقول كلام مش كويس
زي ايه. تسائل بها جاسر!
حمحم الرجل وقص عليه مااستمع إليه
-عايزه، تجبهوله من تحت الارض، الصبح الاقيه عندي في البيت. قالها وأغلق الهاتف، ثم هاتف أحدهم
-عاملة ايه واخبار البيبي.
ابتسمت بسعادة على سؤاله فنهضت من مكانها قائلة: -معقول إنت بتسأل عن ابننا، وضع سلاحه بخصره وأجابها متهكمًا: -طبعا، الاول مكنتش متأكد، دلوقتي لازم اطمن، تحرك للأسفل ومازال يهاتفها
-خلي بالك منه، انتِ متهمنيش اللي يهمني اللي في بطنك. قالها وأغلق هاتفه هامسًا: -حقيرة، شيلتيني ذنوب سنين لسة معشتهاش ياحقيرة. تجول ببصره يبحث عن ياسين. صاح بصوته
-ياسين!
خرج من المطبخ وهو يحمل كوب كاستر يتناول منه.
رمقه بصمت حتى اقترب منه قائلًا: -مراتك مدلعاك ياسيدي، حتى وهي طفشانة منك مظبطاك حلويات
ضيق عيناه واقترب منه ونظراته تحاصره
-إنت عامل إيه يالا. جلس وبدأ يلوك من الكاستر، يهز أكتافه
-مقولتليش هترجع جنى إمتى، صمت رافعًا بصره إليه
-هو ليه عمك صهيب مقتنع إن الولد ابنك، هو ميعرفكش ولا ايه
جذب منه الكوب وصاح على الخادمة
-منيرة!
هرولت إليه: -نعم ياباشا!
أشار لها على الكوب ثم هتف: -دخلي دا، وروحي مش هرجع الليلة، وقت مااعوزك هتصل
-ومدام جنى ياباشا مش هترجع
ابتعد ببصره عنها واجابها: -لأ. مدام جنى مبقتش هترجع، خدي حاجتك معاكي، انا مش هرجع حاليا على البيت
نهض ياسين بعدما غادرت منيرة واقترب منه: -جاسر! اوعى تكون
قاطعه وهو يجذب مفاتيحه ونظارته
-اطلقنا، كل واحد راح في طريقه
-يخربيتك. قالها ياسين هادرًا
بدأ يثور حوله، يضع يديه على رأسه مذهولًا.
-ايه اللي عملته دا؟
-دبحت البت اللي بتموت فيك، غبي غبيييييي. صاح بها
تحرك ولم يكترث لصياحه، وتحدث: -رايح حي الألفي، لو حابب تروح، لو لا يبقى اقفل على نفسك كويس للحرامي يخطفك يابن جواد
توقف يراقب تحركه مذهولًا، يهز رأسه مستنكرًا مافعله: -يالهوي عليك ياجاسر، ناوي على ايه
هرول خلفه وجذبه من ذراعه
-ناوي على ايه، ماهو ماقنعنيش بعد الحب دا كله تطلقها، دا البت مريضة بيك، ولا إنت.
جاسر مبتردش ليه، عارف عمو صهيب ضغط عليك، بس مكنتش تسمع منه، كان شوية وهيهدى
نزع ذراعه ثم فتح باب سيارته
-لو خلصت نمشي.
توقف أمامه بعدما أغلق باب السيارة
احتضن أكتافه
-اسمعني ياجاسر لو سمحت
عارف عمك مصدوم وحقه، وعارف أنه ضغط عليك، وكمان فيروز، بس جنى ذنبها ايه. اقترب منه وتعمق بنظراته عله يكتشف مايخفيه أخيه.
-أنا مش مصدق أنها هانت عليك، ولو بتفكر أنه طلاق لفترة تبقى غبي، لأنها وقتها مش هتسامح هتشوفك كسرتها
ابتسم بسخرية لم يستطع مدارتها وأشار بيديه: -قولي لو مكاني هتعمل ايه وابوك بيخيرك بينك وبينه، وعمك بيخيرك بينه وبين ابوك. قولي لو مكاني هتتحمل تهدم اللي ابوك بيبنيه سنين علشان سعادتك، مفكر هتبقى سعيد تبقى اهبل ياياسين.
السعادة الحقيقية لما تشوف اللي حواليك سعيد، حبيتك نفسها لما تلاقي نفسها منبوذة من الكل علشان فكرت في نفسها، هتكره حياتها معاك
بلاش تقول كلام وانت مش فاهم حاجة
لكمه بصدره وصاح بغضب أعمى
-لا هكون مرتاح علشان اخترت سعادتي، هعرف اتنفس وانام كويس وحبيبتي جنبي، هقدر اقاوم الصعوبات وهي بتقويني، قلبي هيبقى مرتاح وانا شايف صباحي بيها، مش علشان غيري يعيش مرتاح انا اموت.
-غلط. صرخ بها جاسر. قبض على ذراعيه يهزه بعنف
-غلط ياحضرة الظابط اللي بتفكر فيه، سعادة العيلة هي سعادتك اللي بتقول عليه دا مينفعش، انت مش عايش لوحدك، حق ابوك عليك تريحه، حق امك عليك تبقى شايفة سعادة ولادها وهم حواليها مش مطرودين من العيلة، حق اخوك عليك لما تبقى كبيره اول حد يفكر يلجأله انت مش يبقى غرقان ياياسين. ودا اللي بعمله دلوقتي
ضرب على صدره وهتف بنبرة مكتومة.
-نصيبي كدا، نصيبي اتألم علشان اشوف غيري سعيد، نصيبي ابقى كبير جواد الألفي علشان استحق اشيل اسم جواد الألفي، نصيبي يكون ليا اخوات بيحبوني وانا لازم احبهم، نصيبي يكون ليا عيلة وقت مااقع الاقي اللي يسندني، مش لما اقع اكون وحيد
عرفت ليه رضيت بكدا، مش انا اللي افرق الأخ من اخوه، ولا احزن امي واخليها كل ليلة نايمة ودموعها على خدها. اقترب ونظر داخل مقلتيه.
-فوق ياياسين واعرف احنا تربية مين وقت ماتحس بكسرك هتلاقي اللي يقويك. قالها واتجه إلى سيارته قائلا
-اركب عربيتك وتعالى ورايا، ولينا قاعدة مع بعض.
بالأسكندرية
ولجت نغم بقهوة زوجها إلى غرفة مكتبه
-حبيبي نشرب قهوة ولا مشغول
أشار لها بيديه
-تعالي يانفم. تحركت بقدحين من القهوة حتى وصلت إلى طاولة دائرية بشرفة مكتبه، وجلست تنتظره، أنهى مايفعله ثم رفع هاتفه
-جواد. جبتلك قرار البت دي.
استمع جواد إليه بإهتمام ثم تحدث: -ريان انا عارف الحاجات دي كلها، عايز شغلها اللي برة، وكمان ايه علاقتها بفيروز، اتقابلوا في روسيا فعلا ولا هنا في مصر. أنا ممكن ادور واجبها من دقايق بس مش عايز أظهر في الصورة فهمتني
حك ريان ذقنه وصمت يستمع إليه ثم تحدث: -دا بقى عايز يوسف علشان هو اللي يعرف يوصلها بحكم أنه مسافر انجلترا والبت دي اكتر مكان بتتردد عليه هناك.
نهض جواد من مكانه وتحرك إلى نافذة غرفته بعدما استمع لصوت سيارة ابنه وتحدث
-لا ماينفعش يوسف هنا، فيه واحد تاني هيعرف يجيب قرارها
-ليه البنت دي ياجواد بالذات فيه حاجة يعني
تنهيدة عميقة محملة بالهموم المثقلة ثم أجابه
-بعدين ياريان، نسيت اباركلك ياجدو، بلغ سلامي للولاد، وان شاءالله في اقرب وقت هجيب غزل ونيجي
-ليه حاسس انك مش عايزني اعرف حاجة ياجواد
هز جواد رأسه.
-ابدا. طبعا انتوا هتكونوا هنا الجمعة لخطوبة الولاد، ولا غيرت كلامك مع حازم
جلس ريان بجوار نغم وابتسم يجيبه
-إن شاءالله ربنا يتمم اللي فيه الخير
آمن جواد على حديثه قائلاً: -اللهم آمين
طالعته نغم متسائلة: -فيه حاجة ماله جواد؟
ارتشف قهوته يهز رأسه قائلا: -مفيش دا بيعتذر عن عدم وجوده سبوع قصي، عنده مشاغل
دققت النظر بزوجها ثم نهضت وبدأت تقوم بعدل بعض اللمسات الخفيفة لكتفه.
-كتفك لسة واجعك ولا ايه، . ابتسم عليها فجذب كفيها يقبلها: -نغم جاسر طلق جنى، ارتحتي كدا، جواد مش عايز غنى تعرف وهي لسة والدة علشان متزعلش على اخوها ويأثر عليها، فقالي افهم بيجاد يقولها اي حاجة علشان متضغطش أنها تسافر القاهرة. كدا عرفتي ياحبي، بلاش بقى شغل الأطفال دا
زوت مابين حاجبيها متذمرة.
-ايه اللي بتقوله دا، انا كنت عايزة اطمن علشان اول مرة غزل ماتحضرش قلقت مش اكتر، بس استنى هنا هو جاسر دا بيلعب ولا ايه، شوية يتجوز دي ويطلقها وشوية دي ويطلقها، الواد حقيقي مش قادرة أفهمه
نهض ريان بعدما أنهى قهوته وأشار إليها بالخروج
-حبيبتي روحي المطبخ شوفيهم خلصوا احتياجات السبوع ولا لا، وابعتيلي بيجاد، روحي ياقلبي اشغلي نفسك بدل ماتشغلي دماغي.
زمت شفتيها ثم اقتربت منه تتلاعب بزر قميصه وتحدثت بنبرة أنثوية: -دا ليا ياريان، خلاص نغم بقى حديثها تقيل على قلبك
-نننننغم. بقيتي جدة ياروحي سبيني اشوف شغلي، وحضري نفسك علشان هنسافر القاهرة الأربع
رفعت نفسها تطبع قبلة على وجنتيه
-عارفة انك مخبي حاجة عليا، هسيبك لحد ماتيجي تحكيلي. قالتها وتحركت للخارج
جلس على مقعده ونظر بشرود حوله يتذكر حديث جواد، لا يعلم لماذا انتابه شعور الخوف على أحفاده. همس لنفسه.
-ليه دايما رجال الشرطة حياتهم مهددة بالخطر، دا جزاة اللي عايز البلد دي تبقى نضيفة، ياترى الضربة هتجيلك منين ياجواد، امسك قلمه يطالع شاشته على تلك البنت التي أمامه
-إنتِ ايه حكايتك وليه بتحفري ورا جاسر. ولج بيجاد إليه
-ريو باشا ماهذا الهدوء المستغل، اين نغمتك. هل فلسعتها لكبر سنها، وبحثتُ عن شبل صغنن
القاه بالقلم الذي بيديه
-بقيت اب لطفلين يابغل ولسة مفيش احترام
قهقه بيجاد بصوت مرتفع يضرب كفيه ببعضهما.
-اللي غيران مننا يعمل زينا، قالها غامزًا لوالده، ثم جذب مقعدًا وهتف
-بقولك ياكبير، بدل طلبتني يبقى غرقان وعايز اللي يوصلك الشط بأمان، بس اسمعني انا كل خطوة ليا بدولارات كتيرة
ارتفعت حواجبه ثم تسائل
-خلصت مسرحيتك يابغل.
اقترفت شفتيه ابتسامة ثم رفع كفيه
-اينعم لماذا طلبكم المكوث أمامكم سيدي القاضي
تأفف ريان ثم نصب عوده وتوقف
-اسمعني يابيجاد وبطل هزارك الاهبل دا. حماك اتصل واعتذر مش هيحضر السبوع.
هب فزعًا من مكانه وتسائل بإستفسار: -ليه! تعبان ولا ايه؟
جلس راكان يضع ساقًا فوق الأخرى واستأنف حديثه: -أيوة بالظبط كدا، عايزك تقول لغنى باباكي تعبان، علشان تصرخ وتعيط وتقول لازم اروح اشوف ابويا مش كدا
اختتم ريان حديثه بعيونًا يملؤها الاستنكار من أفعال ابنه
جلس بيجاد بمقابلته بعقل مشتت مما جعله قائلا
-بابا هو حضرتك عيان!
-استغفر الله العظيم يارب، لا وبيقولي بيجاد هيتصرف، دا حلوف يتصرف ازاي.
اقترب منه وأشار بيديه
-اسمعني يابيجاد كويس وشوف هتعرف تقول لمراتك ايه علشان متزعلش.
ارتسم الألم داخل مقلتيه ثم نهض من مكانه والغضب والحزن تجلى بملامحه
-لا الموضوع كبير، عمو صهيب ماياذيش بنته بالشكل دا، ايه اللي حماي مخبيه، استدار ينظر لوالده
-حضرتك مخبي عليا حاجة
أشار لجهازه على فتاة يبدو عليها انها من أصول أجنبية. ضيق عيناه متسائلًا: -مين دي؟
مسح ريان على أنفه، ثم سحب نفسًا وطرده.
-البت دي في ورقها انها بنت تاجر قماش من اسكندرية، راحت لجنى على أنها ترسمها لأنها بتعشق رسومتها، بما أن جنى ليها صفحة على الانستا وبتعرض لوحتها عرفت توصلها بسهولة، الكلام دا من فترة بسيطة، قربت من جنى وبدأت تروحلها الجاليري كتير.
-وبعدين؟ ايه المشكلة
نقر ريان على مكتبه وتعلقت عيناه بأعين بيجاد: -البت دي طلعت على علاقة على رجل اعمال فيروز بتشتغل معاه
هز بيجاد كتفه
-ودي فيها ايه.؟
مسح ريان على وجهه بعنف ناظرًا لابنه: -فيه يوم البت دي كانت عند جنى في البيت بعد ماكانت معها في الجاليري وقعدت ساعتين كاملين، واختارت وقت سفر جاسر لاسماعلية، وكمان وجود ياسين في بيت ابوه، جواد عارف بوجودها وكلم جنى وقتها قالتله معايا شغل ياعمو هكلمك لما اخلص وبعدها تليفونها اتقفل ساعتين
استند بيجاد على مكتب والده غير مستوعب مايدور بذهنه.
-قصدك ايه يابابا، أن البنت دي تكون عملت حاجة في جنى، طب ازاي وجنى عندها شغالين، وكمان جاسر عنده كاميرات دا ظابط غير عمو جواد ازاي عرف انها في بيت بنته وسابها
دا كله حلو يابن ريان
-جنى دايما بترسم عند حمام السباحة ودي مفهاش كاميرا، أما جواد ازاي سابها، هو مسبهاش كان بيحفر وراها بالفعل بس كل ما اللي ظهر بنت جاية سياحة لمصر ومن اصول مصرية بنت تاجر قماش، ابوها سمعته طيبة ووووو
ضيق بيجاد عيناه متسائلا.
-بابا هو حضرتك عايز توصل لايه
-مش أنا اللي عايز اوصل، دلوقتي البت دي اختفت واخر مرة كانت مع جنى في بيتها، بس المصيبة اللي اتعرفت بعدها أن البنت دي مش بنت الراجل اللي دخلت بيه مصر، فهمت يابغل
-اوبااااا. يعني جاسر طلق جنى تهديد منهم
-لا. قالها ريان، ثم استأنف قائلا
-صهيب ميعرفش دا كله، هو بس عارف موضوع الولد، ولا حتى جاسر، اللي بيدور جواد، هو ضغط على ابنه لما حس فيه حاجة غلط.
مش مقتنع ياحضرة المنشاوي، وبقولك اهو دا اللي عمو جواد عايز يفهمولنا، فيه حاجة في النص ودي مع حمايا بس. قالها واستدار قائلًا
-هنزل القاهرة حالا، لازم اعرف ايه اللي بيحصل هناك
-بيجاد انت مجنون، هتسيب مراتك، هقولها ايه
-خرج يشير بيديه
-قولها راح شغل، وآه الراجل التاجر دا لازم نعرف هو فين في اسكندرية، واشمعنا الراجل دا بالذات ياحج منشاوي، حمايا مش عبيط علشان يبعد ويقولك دور، اكيد بيرسم لحاجة.
قالها بيجاد وخرج متجها لزوجته بالأعلى.
ولج الى غرفته وجدها استيقظت، اسرع إليها يساعدها بالنهوض
-رايحة فين حبيبتي. أشارت لحمام
-هروح اجهز زمان بابا وماما على وصول، يرضيك بابا يقعد يقولك عامل في البت كدا
قهقه عليها يضمها لأحضانه، ثم لثم جبينها
-غنون انا اتصلت بحمايا دلوقتي وقولتله ميجيش، علشان احنا الاسبوع الجاي نروح نقعد كام يوم هناك، ايه رأيك وكمان داخلين على العيد الكبير اهو علشان نقضي العيد معاهم
ابتسمت بسعادة.
-بجد يابيجاد، يعني هننزل القاهرة
رفع حاجبه ساخرًا
-يخربيت سنينك يابيجاد، اللي يسمعك يقول حابسك، دا إنتِ يوم هنا وتسعة وعشرين يوم هناك
عانقته تضع رأسها على صدره
-ربنا مايحرمني منك ياأجمل جوز في الدنيا
احتضن وجهها وغمز بعينيه
-طيب مفيش بوسة لاجمل راجل في الدنيا، دنت منه إلا أنها ابتعدت عندما استمعت إلى صوت ابنها. تراجعت تنظر بمهده قائلة
-قصي صحي، هشوفه.
زفر متأففًا: -قصي.! روحي ياختي لقصي.
ضحكت بنعومة وهي تحمل ابنها
-دا حبيبي، شبه بابا قوي، صح
تحرك لمرحاضه قائلا
-اهو الواد دا خانقني من وقت ماعرفت أنه شبه حمايا. توقف مستديرًا إليها
-غنون عندي شغل مهم حبيبي، وممكن اتأخر لو احتجتي حاجة كلميني ينفع، أما لو مش عايزة خلاص بلاش
مسدت على رأس ابنها مبتسمة ثم رفعت عيناها لزوجها: -بالتوفيق ياحبيبي، وبعدين عمو ريان وطنط نغم هنا، متشغلش بالك
بالقاهرة.
وصل جاسر إلى منزل والده، ظل بالسيارة لبعض الوقت. استمعت غزل لسيارته التي كانت تنتظر وصوله على أحر من الجمر. هرولت إليه ثم توقفت تطالعه
ظلت نظراته على والدته لبعض الوقت، حتى فتحت ذراعيها إليه مع إنسياب عبراتها، ترجل من السيارة وعانقها بنظراته الحزينة حتى اقترب منها جذبته لأحضانها مع تأوهاتها المؤلمة مماتشعر به، عصرته بأحضانها تمسد على ظهره.
-حبيبي! أغمض عيناه، كم هو شعور مريح وانت تجد راحتك بضمة من والدتك، كانك تضم العالم باكمله، هنا راحة ربانية لم يعلمها سوى من فقدها. ربي ارحم كل اب وام
عانقته بشدة وارتفعت شهقاتها: -حبيبي عامل ايه؟
شعور قاسي عندما تشعر بالعجز عن الرد، دمعة انبثقت من عينيه، يحبس أنفاسه داخل صدره وهو يتراجع بعيدًا عن أحضان والدته، رسم ابتسامة وهمس بصوت متقطع: -كويس حبيبتي. الحمد لله، رفع نظره لوالده الذي خرج على صوت غزل إليه بالشرفة، استدار جواد واتجه لداخل غرفته حينما فقد رؤية غاليه بذاك الضعف.
وصل ياسين بسيارته يوزع نظراته بينهم، ترجل من سيارته بخروج أوس وربى من المنزل. هرولت ربى إليه تبكي بصوت مرتفع: -جاسر! استدار إليها برأسه مبتسمًا
-بتعملي ايه هنا ياشبر ونص. ألقت نفسها بأحضانه تلكمه بكتفه: -أنا مش شبر ونص ياحضرة الظابط، حاوطها بذراعه يرفعها وهو يضحك بصوت مرتفع
-طب شبر ونص، وياريت شبر ونص، دا شبر وأقطع. ضحكت بصوت مرتفع تعانقه قائلة.
-راضية والله راضية بدل دا هيسعدك ياحبيب اختك. بتر ضحكته على حديثها ثم انزلها بهدوء يطبع قبلة على جبينها وهتف
-أنا كويس حبيبتي ياله هاتي ايهم لخالو، جذبته غزل من ذراعيه تدفع ربى بعيدًا: -ابعدي عن اخوكي ياروبي
توقف ينظر لوالدته مستفهمًا: -ماما أنا كبير وواعي مافيه الكفاية، ومش أول واحد ولا اخر واحد يطلق
قالها بنبرة حزينة واتجه للداخل يربت على كتف أوس هامسًا.
-أنا كويس. ضغط أوس على كتفه: -عارف انك كويس، ومتأكد إنك هتبقى احسن، مش ولاد الألفي اللي ينكسروا
اومأ بإبتسامة حزينة وتحرك للداخل
سحبته غزل للأريكة وجلست بجواره
-قولي ياحبيبي ايه اللي حصل معاك، عمك صهيب ضغط عليك علشان تطلق مراتك مش كدا
احتوى كفيها يلثهمها: -ممكن ماتتعبيش نفسك، أنا كويس، وعمو شايف أن دي راحة بنته وحقه لو سمحتي ياماما، مش عايز اتكلم في الموضوع دا. نهض من مكانه فهتفت هادرة.
-ليه خايف على بنته، هو صهيب تايه عن تربية اخوه، اقتربت منه تنظر إليه
-حبيبي أنا مقهورة عليك، قولي ايه اللي حصل علشان عمك يصر على الطلاق، انا مش غبية لاني عارفة صهيب اكتر واحدة، مستحيل يهدم بنته غير لو فيه حاجة كبيرة
-ماما. ماما حبيبتي لو سمحتي سبيني عايز ارتاح
لمعت عيناها بالاعتراض
-وياترى هترتاح يابن غزل، دنت تلكزه بكتفه وهدرت به.
-ازاي توافق تطلق مراتك، ايه عايز الكل يشمت في تربيتي يقول ضعيف وقدروا عليه
-غزل. صاح بها جواد الذي هبط بصعوبة درجات السلم يشير إليها: -سيبي الولد، خليه يرتاح، ثم اتجه ببصره لابنه
-اطلع ارتاح ياجاسر دلوقتي والصبح نتكلم. قبل رأس والدته قائلاً: -أنا كويس ياست الكل، ولو زعلانة على طلاقي فدا نصيبنا وانتهى
-كذاب يابن جواد. استدارت لجواد وأشار له
-مكنش غزل ياجواد اللي معرفتش ايه سبب الطلاق دا.
وصل جواد إليها واقترب منها
-فيه اكتر من ابنك يبقى له ولد من الحرام يادكتور، خلي عز يجي يوقف قدامك ويقولك اسف اصلي محستش بنفسي، شعورك وقتها ايه
توسعت عيناها بذهول وأردفت بتقطع: -يعني الولد ابن جاسر فعلا ياجواد، استدارت إليه تحدجه بنظرات حزينة.
-يعني الولد طلع ابنك بالفعل، طب ليه ماسقطوش، دا ابن حرام وانت مكنتش حاسس. تحرك إلى غرفته بخطوات متعثرة يريد الاختلاء بنفسه فقط. صعد لغرفته يود لو يراها تنتظره بإبتسامتها.
علي بعد بعض المسافات ولج لغرفته وجدها تغفو فوق الفراش بهدوء، تحرك للمرحاض بخطوات متمهلة حتى لايوقظها من غفوتها.
وصل بعد قليل إليها نظر لفراشه الذي تغفو فوقه والى نومها، جلس على عقبيه أمامها، ظل يدقق النظر بها يرسمها بعينيه، مرر أنامله على وجهها يرفع خصلاتها الذهبية من فوق عيناها.
حرك أنامله على وجهها بالكامل حتى وصل لشفتيها المكتزة، مازالت اثاره عليها. هب سريعًا متجهًا للداخل بعدما فقد سيطرته على نفسه وتحرك مشاعره لتقبيلها. ولج لغرفة أخرى وهو على الأريكة يمسح على وجهه بعنف
-ايه الضعف دا، من امتى وأنت ضعيف كدا، امسك هاتفه وهاتف صديقه: -كريم لازم نتقابل
اجابه كريم
-إنت مش هتسافر بكرة العريش يابني
-هقابلك بعد ساعة في الكافيه. قالها وأغلق دون حديث.
صباح اليوم التالي استيقظ على رنين هاتفه
-جاسر باشا الواد عندك في البيت.
-تمام. قالها ونهض متجهًا لقضاء فرض ربه
قابلته غزل وهي تعد طعام الإفطار: -حبيبي الفطار جاهز. تناول شطيرة من الجبن ثم اقترب يقبل يديها
-صباح الفل ياست الكل، انا عندي شغل لازم امشي دلوقتي
أمسكت كفيه وتحدثت بحنو اموي.
-اقعد أفطر حبيبي. رفع عيناه إليها وتخيل زوجته وذهب بذاكرته: -جاسر ممكن تفطر وتبطل شرب الزفت دا، هزعل منك بجد. جذبها لأحضانه يحاوطها بذراعه يضع ذقنه فوق رأسها يحتضنها
-حبيبتي كفاية بس اشوفك كل صباح دا لوحده يشبعني. خرجت من أحضانه ترفع ذراعيه تلفها حول عنقه.
-طب علشان ابتسامتي الحلوة دي، حبيبي هيقعد يفطر معايا علشان حبيبته نفسها تتفتح وتفطر. قالتها وهي تشب على أصابعها تطبع قبلة بجانب شفتيه قائلة بمشاكسة: -ودي عربون الصباح الحلو، ولما تفطر هتلاقي حاجة اجمل
قاطع ذكرياته الأليمة صوت والدته تضع كفيها على كتفه
-حبيبي رُحت فين. ارتدى نظارته وهرول للخارج سريعا دون حديث
ظلت تطالع خروجه بتلك الحالة حتى جلست على المائدة تضع رأسها بين راحتيها تبكي قائلة؛.
-ليه ياصهيب، ليه تعمل في الولاد كدا
بالأعلى بغرفة ياسين جمع اشيائه بحقيبته، ثم اتجه لجلوسها جذب مقعدٍ وجلس بمقابلتها
-عاليا لازم نتكلم
وضعت رأسها على ركبيتها
-عايزة امشي من هنا، وديني عند جنى، ومفيش مكان هيجمعنا تاني لحد مانطلق
اومأ متفهمًا ثم تحدث: -لازم تحكي لي ايه اللي حصل وليه الواد دا قال عليكي كدا
طالعته متهكمة ثم أشارت عليه مشمئزة.
-كان ممكن في الأول احكي لك، بس دلوقتي انا مابكرهش قدك، اقتربت من وجهه وحدجته بنظرات ساخطة.
-انت وخالد شبه بعض، الفرق اللي بينكم أن شيطانه ظاهر للقدامه، أما إنت خبيث مفكر نفسك ملك والكل لازم يقول امين. انا بكرهك ياياسين حتى بكرهك اكتر من خالد، هو صورني عريانة، وانت استبحت روحي ودبحتها، النتيجة انكوا واحد. قالتها ونهضت متجهة للحمام تضع كفيها على فمها تمنع شهقاتها، فتحت المياه وجلست بملابسها تبكي بشهقات مرتفعة، وصلت إليه بالخارج مزقت نياط قلبه. هب من مكانه يجذب حقيبته بعدما وضع لها بعض الأشياء على الكومودو.
عند جاسر دلف للداخل وجده ملقي على الأرضية، أشار بعينيه للرجل
-قومه. رفع خالد نظره إليه متسائلاً: -إنت مين وأنا بعمل ايه هنا، انا هبلغ عليكم شكلكم عصابة
جلس على المقعد أمامه ثم اشعل سيجاره ينفثه بوجهه وتحدث بنبرة فظة مخيفة: -فين الفلاشة اللي عليها صور عاليا يالا
تراجع بجسده مرتجفًا وهتف.
-عاليا مين.! جذب جاسر عنقه يهمس له بفحيح: -اسمعني يالا، مبحبش اعيد كلامي مع الزبالة كفاية ليك الفخر انك قاعد قدامي وبتتكلم ودا شرف لصعلوك زيك
ابتسم خالد ساخرًا وتسائل: -وياترى الحلو مين؟
حك ذقنه ثم مسح على أنفه ينقر على ظهر مقعده وعيناه تخترقه: - الحلو امم! قالها جاسر زامًا شفتيه ثم نهض وعلى حين غرة قام بإطفاء سيجاره بعنقه، صرخ خالد فانحنى يهمس له.
-جاسر الألفي، احفظ الاسم دا كويس علشان اجلك إن شاءالله
تراجع خالد وارتفعت ضحكاته
قصدك اخو عريس البت اللي بتموت فيا. صفعة قوية مما جعله يسقط من قوة صفعته
جذبه من خصلاته يدفعه بالحائط بقوة
وزمجر غاضبًا: -فين الفلاشة يالا. مش هعيد كلامي تاني. وصل إليه الرجل
-جاسر باشا الدكتور وصل
قربه إليه من خصلاته وهمس بجوار أذنه: -هخليك بعد كدا لما تشوف بنت تمشي من الشارع التاني، ومش عايز الفلاشة.
ركله بقدمه حتى سقط يصيح على رجُله
-جهزه للدكتور. زحف يتشبث بساقيه
-هعملك اللي انت عايزه بس بلاش تعمل كدا وحياة اغلى حاجة عندك
دفعه بقدمه بقوة يشير إلى الرجل
-فهّم الدكتور هيعمل ايه، قالها وهو يجمع اشيائه
صرخ خالد قائلًا: -الفلاشة عندي في المكتب وكل الصور في الخزنة، ورقم الخزنة هقوله لك
أشار للرجل بالتوقف
-استنى يااشرف، خد اللي بيقول عليه وهاتهم، وبعد كدا اشوفه صادق ولا بيلعب بينا.
اقترب خالد منه ذليلا قائلاً: -والله مابكذب ياباشا. تحرك للخارج ثم أشار للرجل بالخروج قائلاً: -قدامك عشرين دقيقة وتكون هنا، لازم امشي.
مرت الأيام ثقيلة على الجميع حتى مر قرابة شهر والحال كما هو عليه.
عند جنى حبست نفسها بغرفتها وأصبحت جسدًا بلا روح بعينين هالكتين ظللت ببحر دموعها التي لم تجف، وقلب يتهشم من الحزن والخذلان، تنظر لهاتفها تود لو تستمع لصوته الحنون، ليته يعلم كم إشتياقها له، ليته يعلم كم نبضات قلبها باسمه
ليته يعلم كيف تأن روحها كوتر آلته الذي قُطع بسبب ماتلاقته من عذاب بعده، حتى أصبحت لا تشعر سوى بتلك الوخزات التي تضرب صدرها وينخر عظامها نخرًا.
احتضنت نفسها كالجنين. ولج ابيها يطالعها بحزن اختلج روحه اقترب يمسد على خصلاتها
-جنى! هتفضلي كدا يابنتي. لم تطالعه وكأنه لم يكن موجودًا. ظل لدقائق ثم استدار متحركًا للخارج، قابلته نهى
-هروح أشوف عز شكله تعبان
أشار بكفيه إليها حتى وصلت إليه
-عز جاي في الطريق، ابتلع ريقه وهتف
-جاسر كمان جاي يطمن عليها، انا رفضت بس عارف أنه مش هيسكت، هطلع ارتاح شوية. قالها وتحرك من أمامها بجسد خاوي من الحياة.
وصل جاسر بعد فترة، ولج للداخل متلهف بحث عنها بمكانها ولكنه لم يراها. هرول للداخل، قابلته نهى تعقد ذراعيها
-فين جنى ياطنط نهى، عايز اطمن عليها
اقتربت منه وهدرت به تلكزه بصدره:
-النهاردة بس اقدر اقولك انت خسارة فيك حبها، لما عمك طلب تطلقها ووقفت قدامه، فرحت وقولت تستاهل حب جنى ياجاسر، يومين بس ياجاسر ورجعت وطلقتها، ازاي قلبك قدرت يطوعك وتنطقها يابني، ازاي قدرت توجع قلبها كدا.
بنتي بتموت بسببكوا، انا مش مسمحاك ياجاسر، سمعتني مش مسمحاك على وجع بنتي ودلوقتي بقولك امشي من هنا ماعندناش اللي بتسأل عليه، جاي بعد شهر تسأل، ريح نفسك ياحضرة الظابط بنتي مش عايزة تشوفك
قاطعهم وصول عز الذي هرول عندما وجد والدته بملامح غاضبة أمام جاسر
-ماما في ايه؟
أشارت على جاسر: -قول لابن عمك يبعد عن بنتي، هو طلقها وكل واحد راح لحاله
استمعو لصوت حذائها خلفهم، هبطت تجر حقيبتها.
اقترب منها يقف أمامها يرسمها برماديته، لقد اشتاق إليها حد الجنون، كيف مُنع من احتضانها اليوم وتحطيم عظامها، حاوط وجهها وعيناه تبحر بملامحها كقبطان سفينة متمكن من الابحار، حتى دنى من وجهها هامسًا لها بقلبًا متلهف بالأشتياق
-جنى وحشتيني
انزلت كفيه وتراجعت متوقفة بجوار عز: -عز أنا همشي من هنا، مش عايزة اقعد هنا. ثم استرسلت تبتعد ببصرها عنه
اشتريت بيت في مكان بسيط، حبيتك تعرف بس مش اكتر.
اقترب صهيب الذي وصل على حديثها الذي نزل على رأسه كصاعقه، جذبها من ذراعها بحنو ابوي
-عارف انك زعلانة مني، حبيبتي بكرة تعرفي عملت كدا علشان بحبك
رفعت عيناها تطالعه بحزن وهتفت بصوت ضعيف: -بابا أنا مش زعلانة منك، لو سمحت سبني مع نفسي، احتضنت ذراع عز ثم ابتعدت ببصرها للبعيد قائلة: - لازم ابني نفسي بعيد عن الكل، لازم الاقي جنى اللي ضيعتها من سنين في وهم
اقترب منها ثم توقف أمامها.
-جنى عاملة ايه، عايز اتكلم معاكي
استدارت بعيدًا وتحركت تجر حقيبتها
-كويسة ياحضرة الظابط. كتر خيرك، انا مش عايزة اتكلم مع حد.
-أنا مش موافق ياجنى
رفرفت بأهدابها تمنع نفسها من احتضانه فابتعدت وهدرت بصوت مرتفع
-محدش له دعوة بيا، أنا كبيرة مافيه الكفاية
منع تحركها يضغط على ذراعها: -جنى!
دفعته بقوة، انت مالكش دعوة بيا، سمعتني، انا هبني جنى لو حدها. اقتربت منه تلكزه بكتفه.
-اخر واحد له حق يتكلم معايا، ثم رفعت نظرها لوالدها
-جنى القديمة ماتت، وزي ما حضرتك قولت، عالجي نفسك منه، انا هعالج نفسي من نفسي. قالتها وارتدت نظارتها وتحركت بعض الخطوات ثم رجعت إليه تطالعه بعيناها الذائبة: -مبروك ياجاسر ورقة الطلاق وصلتني، عقبال ماتوصلك ورقة وفاتي
حاول الثبات بصعوبة فلقد مزقته اربا، استدار ينظر إليها وداخله يحترق غضبًا من ظروفه
ربت عز على كتفه ثم تحرك خلفها وهو يشير لوالده بالهدوء.
ظل لدقائق يطالع إختفاء السيارة حتى اقترب منه صهيب
-جاسر!
التفت إليه ينظر إليه بقلبًا يئن وجعًا
-مش زعلان منك ياعمو، قالها وتحرك سريعًا من أمامه.
مرت عدة آيامًا آخر سريعا، هناك من تغير حاله للأفضل وهناك من اتعبته الحياه من عشقًا لاذع يقبض نبض قلبه
توقف بشرفته يرتشف قهوته السادة التي أصبحت مشروبه المفضل مثل حياته. استمع الى طرقات على باب غرفته.
-جاسر باشا مدام فيروز جت تحت، اومأ برأسه وأشار إليها بالخروج. فتح هاتفه للمرة التي لا يعلم حسابها ليهاتف سارقة قلبه
تجلس بغرفة مكتبها تشاهد بعض التصميمات على جهازها بتمعن، استمعت لرنين هاتفها، طالعته وكأنها تنتظر تلك النغمة التي تعيد لروحها رونقها، والنبض لقلبها، مررت أناملها على صورته التي اشتاقت إليها كثيرًا
لمعت عيناها بالدموع عندما فصل الرنين واختفت صورته من أمامها.
آه خفيضة خرجت من جوفها محملة بكم الوجع والاشتياق معًا، تذكرت تلك الأيام الماضية التي فقدت تنفسها من فراقه، تراجعت بجسدها تغمض عيناها تحاول أن تنظم ذاك النبض الذي اخترق صدرها بالأشتياق. استمعت مرة أخرى لهاتفها ابتسامة لاحت على ثغرها ظنا أنه ولكن ذهبت خيباتها عندما وجدتها عاليا، سحبت نفسًا وزفرته بهدوء
-أيوة ياعاليا!
علي الجانب الآخر اردفت
-جنجونة فينك ياحبي.
تنهيدة مثقوبة بالألم اجابتها.
-خارجة من الشركة ورايحة حي الألفي
قفزت بسعادة
-قولي والله!
ابتسمت جنى عليها ونهضت تحمل حقيبتها
-اه ياقلبي لازم أودع العيلة، انا هسافر على طيارة عشرة بالليل
توقفت مصدومة تهز رأسها برفض
-لا ياجنى وحياة جاسر عندك بلاش تعملي كدا
تحركت حتى وصلت سيارتها واستقلتها
-لولو سامحيني ياقلبي، لازم ابعد عن مصر. صمتت لبعض اللحظات وتسائلت بقلب يئن من فراقه
-جاسر في حي الألفي ياعاليا
ابتلعت غصتهاواجابتها.
-جاسر عند ياسين بقاله يومين، معرفش ليه، بس ياسين بقاله فترة منزلش
اومأت جنى متفهمة ثم تحركت بسيارتها. وصلت بعد قليل إلى حي الألفي. ولجت إلى منزل حازم ببداية وصولها، قابلها جواد على باب المنزل
-جنى!
ايه الزيارة الحلوة دي
حيته بابتسامة ثم تسائلت: -عمتو مش هنا. هز رأسه
-خرجت مع تقى وطنط غزل يشتروا شوية حاجات لخطوبتها، أنتِ عارفة حفلة خطوبتها اتأجلت لحد مافارس يرجع ودا شرط خالو جواد.
استدارت متحركة ثم تحدثت: -هروح أشوف عمو.
-جنى؟ توقفت منتظرة حديثه، اقترب حتى أصبح أمامها: -ليه اطلقتي إنتِ وجاسر
-ميخصكش ياجواد اسفة، حاجة بيني وبين جوزي
دنى خطوة ونظرها إليها بإبتسامة ساخرة
-جوزك! ايه ياجنى مفكرة هقولك بطلي جنان، لا انا هقولك فوقي جاسر طلقك
هاجت عيناها من حديثه فاقتربت منه ونظرت لداخل مقلتيه.
-دا خيالك المريض اللي بيوهمك بكدا، اللي بينا مش ورقة ولا كلمة بتتقال يابن عمتي، أشارت على قلبها
-دا بينبض علشانه وبس، ومش معنا الورقة اللي بينا ضاعت، هقولك ضاعت بس ياجواد ومصيرنا نلاقيها وروحي تتلائم بروحه تاني
قالتها وتحركت بجسد مرتجف من قوة المشاعر التي هاجمتها من مجرد حديثها عنه، توقفت تمسح عبراتها، لحظات تسحب نفسا طويلا وولجت للداخل وجدت جواد يخرج من منزله:.
تجمد جواد بوقوفه عندما وجدها أمامه، همس اسمها
-جنى! تحركت إليه تلقي نفسها بأحضانه
-وحشتني ياعمو، وحشتني قوي
قبل جبينها يحتوي وجهها بين راحتيه
-روح عمك عاملة ايه. هرولت إليها عاليا
-جنى. تركت عمها مستديرة إليها
-لولو وحشتيني. ضمتها عاليا بمحبة ثم قبلتها على وجنتيها
-زعلانة منك، وكمان زعلانة قوي، عايزة تسافري والله هزعل
-تسافر فين؟ تسائل بها جواد
اقتربت منه.
-جاية اودعك ياعمو، مابقتش عايزة اقعد في مصر، هروح فرع الشركة اللي برة، واهو عز وأوس يرتاحو من السفر شوية
-باباكي موافق!
هزت رأسها بالموافقة: -الاول كان رافض بس خلاص لازم ابدأ من جديد
جلس جواد ونظر للبعيد يهز رأسه
-حقك يابنتي، ربنا يوفقك
اقتربت تطبع قبلة على وجنتيه
-عمو شكله زعلان مني
ربت على كفيها
-لا حبيبة عمو. ربنا يوفقك
أمسكت كف عاليا وتحركت للداخل
-هشوف ياسمينا
اومأ برأسه، فتحركت للداخل.
بعد قليل وصل جاسر وجد والده جالسًا بملامح وجمة ووجه شاحب، اقترب منه
-وحشتني ياحضرة اللوا
-رفع نظره إليه
-حمد الله على السلامة ياحبيبي، عامل ايه واخوك
جذب المقعد وجلس أمامه
-كويس، بس مش هيرجع الايام دي، دنى من والده
-بابا تعرف عيلة في العريش اسمها عيلة التميمي
رفع عيناه مستفهمًا
-مش فاهم سؤالك
نهض من مكانه وتحدث مشاكسًا
-لا دا شكل الدكتورة مش مرعياك ياحضرة اللوا
انا هطلع اخد شاور، عريس بقى ياحضرة اللوا.
دقق النظر إليه ثم تسائل: -لسة مُصر على اللي ناويه
اومأ له
-اه ومتحاولش لأني مش هسمع كلامك
استدار متحركًا للداخل، فأغمض جواد عيناه هامسًا له
-جنى هتسافر ياجاسر. تجمد جسده وأحس بوجع يغزو اضلعه وكأن أحدهم شق صدره لنصفين. فاستدار لوالده
-مسافرة فين ومين قالك!
اشغق والده عليه كثيرا فنهض متجهًا يقف أمامه
-جاسر رجع مراتك ياحبيبي وأنا هتصرف مع صهيب
-لا يابابا، انا مش هرجع جنى، طرقنا اختلفت ربنا يسعدها.
-وأنا بقول كدا برضو يابن عمي
أصيب بشلل بكامل جسده وهو يستدير إليها ببطئ. نغمة صوتها ياالله لقد اشتاق اليها حد الجحيم
اقتربت منه رغم كلماته التي طعنها بها برمح مشتعل وتوقفت أمامه
-عندك حق يابن عمي، طرقنا اختلفت
ولازم كل واحد يعيش بحريته، ويختار اللي يسعده
اشتعلت حدقتيه كجمرات ملتهبة، واقترب منها يجذبها بغضب: -يختار ايه ياختي. ابتسامة لاحت على وجه جواد، فتحرك مبتعدا، يشير لعاليا.
أما هو جذبها بقوة حتى اصطدمت بصدره، ودنى من وجهها يود أن يصهرها بقبلاته، تحكم بنفسه وهو يضغط على خصرها
-طيب يابنت عمي مش لما تحضري فرح ابن عمك النهاردة
كلماته فتتها لشظايا وارتجف قلبها قائلة: -مبروك يابن عمي بالرفاء والببنين، ولا ليه ماهو انت عندك البنين
نزل بجسده يضع رأسه بحجابها
-لسانك هيتقص ياجنجون، ارتجف جسدها بقوة تدفعه بغضب.
-ابعد ياجاسر مينفعش كدا متبقاش مجنون. رفع رأسه ونظر لعيناها القريبة هامسًا بأنفاسًا لاهثة: -جنى أنا بموت، بلاش تموتيني اكتر
نزعت نفسها منه، ثم تحركت إلى سيارتها دون حديث آخر.
تحركت وعيناها تنساب بقوة على وجنتيها، ارتفعت شهقاتها، استمعت لرنين هاتفها، أزالت دموعها وتوقفت بجانب الطريق
-أيوة ياماما
-جنى باباكي تعب ونقلنها المستشفى حبيبتي، ضغطه والسكر على والدكاترة طلبوا متابعته
-أنا جاية حبيبتي
مساء اليوم وصلت فيروز لمنزل جاسر
ولجت للداخل بإبتسامتها، تشير للعاملة
-حطي الشنطة هنا. نظر بساعة يديه
يتذكر حديث يونس بالأمس وهو يتابع معها حملها.
-الجنين توقف نبضه بالفعل، بكرة بالكتير هتلاقيه نزل، وكمان لو جابت احسن دكتور في العالم محدش هيعرف أنه بفعل فاعل
-المهم اللي بعده يايونس
لو قصدك على الرحم متخافش كله تحت السيطرة، المهم متجبهاش عندي ارميها في أي مستشفى علشان ماانقذهاش قالها بضحكة
نهض من مكانه واتجه للخارج حيث جلوسها مبتسمة
خرج من شروده على حديثها
-حبيبي المأذون مجاش ليه. اقتربت تحتضن ذراعيه.
-سعيدة قوي ياجسور وكمان مبسوطة علشان خرجت ماما، ووعد مني هتغير علشانك ياحبيبي
ابتسم ساخرًا وابتعد عنها، ثم جلس يضع ساقًا فوق الأخرى
-اقعدي يافيروز علشان الوقفة غلط عليكي. استمع الى صوت والدتها بجوارها تلك الفتاة التي يبحث عنها والده منذ شهرين
-مين دي يافيروز، تسائل بها جاسر بخبث
اقتربت منها تضمها قائلة: -دي شيري ياحبيبي بنت أنكل ناجي كانت مسافرة بقالها عشرين سنة، ونزلت مصر.
اومأ متفهما ثم نظر بساعته يصيح على أحد رجاله
-شوف المأذون اتأخر ليه
قطع حديثه، صرخات فيروز تحتضن بطنها وتصرخ بصوت مرتفع والدماء تنسدل من بين ساقيها، رفعت نظرها لوالدتها مذهولة
-ماما. إلحقيني شكلي بسقط، لا، جاسر إلحق ابنك
جلس يضع ساقًا فوق الأخرى وتحدث
-خليه ينزل ياروحي، مش يمكن دا انتقام. اقتربت منه متألمة
-تقصد إيه ياجاسر، نهض من مكانه
-مبروك ياقلبي شكلي هكون أب الليلة قبل جوازنا.
اه صرخت بها حتى وصلت سيارة الإسعاف التي طلبتها والدتها
توقفت أمام الطبيب
-الولد دا لازم يجي يادكتور مهما يحصل. تحرك الطبيب لغرفة العمليات، جلس متهكمًا ونظرات سحر تحرقه، اقتربت منه
-ايه السبب في نزيفها
نصب عوده متوقفًا
-ليه هي بنتك كانت قاعدة معايا، اسأليها شوفيها عملت ايه، هي كانت متحكمة بنفسها أصلها بنت. صمت للحظة ثم انحنى يهمس لها
-بنت مجرمين وسحر بتاعة السجائر
قالها وتحرك لتلك الفتاة. دنى منها.
-قولتيلي اسمك ايه. فركت كفيها تنظر لسحر لتنقذها، اقتربت منها سحر ولكن توقفت مستديرة عندما أردف الطبيب
-المدام اللي جوا عايزاكي يامدام
تحركت سريعا اليها، بينما توقف جاسر يجذب تلك الفتاة لخارج المشفى
-لو سمعت صوتك هعمل منك كفتة، أشار لأحدهما
-وصلها لسيادة العقيد، اقترب منها
-صورتك حلوة ياشيري، بس عارفة شعرك الاصفر احسن
قالها واتجه إلى الداخل، وصل لتلك الغرفة التي يوجد بها فيروز، استمع لصرخاتها.
-ابني مات ياماما، ايه اللي حصل
أمسكت الطبيب
-عايزة اعرف ازاي الجنين مات يادكتور سمعتني
عند ياسين امسك هاتفه وكرر اتصالاته بها
-نظرت لتلك الشاشة، ثم امسكته وأجابت
-نعم، بتتتصل ليه
-هرجع بعد يومين جهزي نفسك علشان هتزوري اهلك
اعتدلت بجلوسها مع خفقان قلبها
-ليه! بابا كويس وماما
تنهد بحزن وأجابها
-كويسين متخافيش، حبيت اعرفك علشان تعملي حسابك في شغلك، لانك هتقعدي شوية هناك
توقفت وانسابت عبراتها رغم عنها.
-إنت مخبي عليا حاجة ياياسين
أغمض عيناه متأثر بهمسها باسمه فأردف دون وعي منه
-متخافيش هم كويسين خلي بالك من نفسك، وبلاش تنامي معيطة وشك بيورم
ابتلعت ريقها ثم حمحمت مردفة
-هقفل عندي شغل
-عاليا، همس بها، صمت تستمع إليه
-أنا آسف، ابتسمت بسخرية ثم تحدثت
-مفيش داعي للأسف ياحضرة الظابط
اومأ برأسه قائلاً
-خلاص كلها كام شهر وترجعي لحضن ابوكي، ولا كأنك عرفتيني في يوم من الأيام
هزة عنيفة جعلت جسدها يرتعش من حديثه.
-إن شاءالله هقفل، سلام
نظر أمامه بشرود يشعر بآنين تذكر حديث جاسر له
-الواد مصورها وكان طالب منها توقيع من ابوها وحاجات تانية، عشمها بالحب وزي ماانت عارف البنت كانت صغيرة واتعلقت بيه وضحك عليها لحد ماصورها وهددها
زوى حاجبه متسائلا: -إنت عرفت إزاي دا كله
امسك تفاحته ينظر إليها ثم غمز لها
-هي قالتلي. القاه بالوسادة بوجهه
-بارد ورخم
تسطح جاسر على العشب يقهقه عليه
-ايه ياملك الهكسوس الصنارة غمزت ولا ايه.
تسطح بجواره وتنهيدة عميقة خرجت من جوفه: -أنا قفلت قلبي ياجاسر مبقاش ليا مزاج في حاجة
-مط جاسر شفتيه ثم هتف
-يعني الفرسة دي هتضيعها
هجم ياسين عليه وهو يقهقه بصوت مرتفع
بعد مرور عدة أيام ولجت للداخل تصرخ به
-جاسر، هقتلك سمعتني، اكيد انت السبب في اللي حصلي، وقف أمامها يضع كفيه بجيب بنطاله وأطلق صفيرًا
-مبروك يامدام فيروز، التالتة تابتة وقضاء ربنا عادل. اقتربت منه تجذبه من قميصه.
-إنت السبب صح، انا فقدت الأمومة بسببك صح. انحنى يهمس لها
-اه انا اللي نزلت الولد، وانا اللي دمرتلك امومتك اصلك متستهليش ليه يبقى في امهات زبالة زيك في الدنيا
ثارت غاضبة واقتربت منه محاولة صفعه. جذبها من خصلاتها، صفعة تلو الأخرى فلقد نجحت بإخراج وحشه الكامن، واشعلت نيران صدره بجيوش غضبه. ف جذبها من خصلاتها يجرها خلفه حتى وصل بها لحديقة منزله.
-خد البت دي ارميها في أي زنزانة مقرفة، واعملها قضية، ركلها بقدمه ثم بصق عليها
-اتجننتي ياحقيرة علشان اتجوزك. نهضت متألمة فمازالت تئن من عمليتها، ثم توقفت
-يبقى اعمل فيا حاجة وطليقتك الأمورة هتكون على كل صفحات الميديا. جن جنونه واقترب منها كاد أن يحرقها بنيران غضبه
تراجعت عندما توقف الرجل أمامه
-جاسر باشا، بتستفز حضرتك. أشارت عليه.
-الأول كنت بحوش عنك الموت علشان بحبك لكن دلوقتي اشرب بقى يابن جواد، خليهم يصفوك علشان استمتع بجثتك
دفع الرجل كالمجنون وتحرك إليها ولكنه توقف عندما وجد سيارات جيب سوداء تحاصر منزله
ترجل بيجاد من سيارته وهو يتحدث بهاتفه
-خلاص ياغنى هروح اجيبه من قفاه، وهنزل خبره بالجرايد. مطلوب القبض على مطلق مُز نرجعه لمراته
والله موتي هيكون على ايدك أنتِ واخوكي.
توقف وهو يرى ملثمون يهرولون إلى منزل جاسر. غنى اقفلي وصلت هكلمك بعدين
-عمو جواد إلحق جاسر، فيه مجرمين محاصرين بيته
هب فزعًا من مكانه ثم اغلق وهاتف باسم
-دقيقتين بس والاقي قوة عند ابني في بيته سمعتني ياباسم، هموتك لو حصله حاجة
تحرك سريعا لسيارته استمع لرنين هاتفه عدة مرات
-ايه ياراكان مردتش اعرف اني مشغول
-التميمي هرب من السجن ياحضرة اللوا، وجاسر متحفظ بيه، اسف لاني شاركته في كدا، كان لازم اقولك.
-آآه، صرخ بها جواد وهو يقود سيارته كالمجنون.
↚
ظل يقود السيارة بسرعة جنونية يضرب المقود بعنف، حتى كاد أن يحطم معصمه، امسك هاتفه وتحدث: -بيجاد ايه الوضع عندك، متدخلش جوا البيت مهما يحصل تمام
توقف أمام سيارته يصور بهاتفه فأجاب جواد: -عمو مين دول وليه جايين لظابط، ايه الموضوع!
تعاظم غضبه، وحاول الحفاظ على ثباته الأنفعالي بشق الأنفس فتحدث بهدوء اكتسبه من محنه: -كلم جاسر خليه يسيب البيت فورًا قبل مايوصوله. بيجاد بتصل بيه مابيردش عليا، حاول توصله بس من غير ما تدخل جوا سمعتني
اومأ متفهمًا ورد قائلاً: -تمام. قالها وأغلق وقام بمهاتفة جاسر
قبل قليل عند جاسر
اقتربت منه تزيل عبراتها
-يعني الحمل انت السبب في نزوله.
نفث تبغه يشير بيديه إليها ببغض: -ليه حد قالك قاتل، انا مكنتش بشوفك غير لما بتقولي عايزة تروحي للدكتور، وأنتِ اللي بتحجزي عنده، وأنتِ اللي اصريتي على الدكتور دا، زي ماأصريتي تقعدي في بيت لوحدك وتختاري شغالينك مش كدا، انا بقى هوصلك ازاي
اقتربت منه تنظر لعيناه لعل تجد صدق حديثه: -ازاي طول الوقت وكل حاجة تمام وفجأة يحصل نزيف والولد يموت وكمان يستأصلوا الرحم، ريح قلبي لو سمحت.
ارجع ظهره للخلف مستندًا على مقعده هاتفًا:
-حد قالك اني دكتور نسا، مسألتيش الدكتور ليه؟ قالها بصلف ونظراته تشيعها بإشمئزاز
-اشمعني اليوم اللي نويت تتجوزني فيه الحمل ينزل ريح قلبي!
لم يرد عليها للحظات وظلت نظراته تطيل بمحاصرتها ثم نصب عوده وتحرك إلى وقوفها: -اريحك ازاي يعني يامدام!
زم شفتيه مستنكرًا ثم تابع: -زي ماانتِ ريحتيني، ابدألك منين لما كنت راجل معاكي وغدرتي بيا بدل المرة تلاتة واربعة، امال بجسده يحرقها بسهام نارية ترسل لعيناها وهدر غاضبًا: -لو عليا كنت عايز اموتك إنتِ كمان، قالها وهو يجذب هاتفها ويلقيها حتى تهشم ثم دعس عليه، ضاحكًا بسخرية.
استدار يشير إليها: -عبيطة يابت، جاية تسجليلي، هبلة رغم كان ممكن اعمل كل حاجة عيني عينك وابرأ نفسي إلا انا محبتش كدا، قولت برضو عيب تكون ابن جواد الألفي وتقل بأصلك، وكمان تعلمها الدرس على أصوله.
اقترب وحدقها بنظراته النارية ودار حولها قائلاً: -دلوقتي أقدر اقولك مسرحيتي انتهت والمخرج رفع الستارة ولازم اصقف لنفسي، قالها وهو يصفق بيديه يشير لنفسه فخرًا ثم جلس يضع ساقًا فوق الأخرى وبدأ يشعل سيجاره واخبرها مستهزئًا: -حطيتي منشط درجة اولى في القهوة مع استخدام الحقارة واستغلالك لحياة مرات باسم وخدتيني بيتك بمنتهى السفالة وحاولتي بقذارتك تخليني اعمل معاكي فاحشة اللي انا لحد دلوقتي متأكد اني مستحيل اغضب ربنا واكيد حماني من قذارتك.
لف خصلاتها حول معصمه وجذبها بقوة وهمس لها بصوته الفظ: -أنا في قلبي واحدة بس، واحدة مسيطرة على جاسر بكل كيانها، ثم تابع بنفس النبرة مع ارتفاع دقاته العنيفة يسب نفسه مئات المرات وهو يخبرها: -كل ماكنت بقرب منك كنت بتخيلها، تخيلي يافيروز، يعني كل مرة كنت بكون معاكي كنت بتخيلها مكانك.
رمقته بإحتقار واقتربت منه محاولة صفعه، إلا أنه قبض على عنقها
-ايدك ياحقيرة، لحد دلوقتي بتعامل معاكي كست.
دفعها بعيدًا عنه
-ايه مالك متفاجأة ماانتِ كنتي حاسة
-طلعت زبالة قوي ياحضرة الظابط
ابتسم بسخرية ثم تحدث متهكمًا: -من عاشر القوم ياختي، حاولت انضفك بس نقول ايه ديل الكلب
وصلت إليه ترمقه بإحتقار: -وأنا اللي كنت مفكرة انك نضيف، كنت مع مراتك وبتتخيل واحدة تانية، يعني احساسي كان صح.
اومأ لها بابتسامة بلهاء وأكمل: -طبعا. اومال مفكرة كنت هقرب منك إزاي وانا قلبي مع واحدة تانية، ومش اي واحدة دي روحي. مسح على أنفه ثم رفع حاجبه واستأنف: -هو انا ماقولتلكيش اتجوزتك علشان اهرب منها، اه صح نسيت اقولك كمان انا اتجوزتك لما لقيت واحدة رخيصة بترمي نفسها عليا، وفي نفس الوقت مبقتش متحمل ابعد عن جنى فكان لازم ابعد. وضع إبهامه على ذقنه يدور حولها: -تبعد ازاي ياجاسر، تبعد ازاي وماتخليش حد يشك فيك. أيوة.
قالها وهو يلطم كفيه ببعضهما ثم غمز قائلاً: -قصة حب جديد تتمثل بشكل متقن، من جهة اهو انضفك واخد ثواب ومن جهة تانية معملش مشكلة في العيلة وولع في اللي يقرب من حبيبتي فكان لازم اوافق على أي واحدة تترمي قدامي.
مط شفتيه يهز رأسه وأشار عليها: - الحمد لله شهر واحد لقيتك دايبة والهوا رماكي، ولو ملحظتيش رغم انك عملتي لعبة هبلة الا انا وافقت على علاقتنا. امال بجسده ينظر لعيناها المذهولة فأكمل بإستخفاف: -لانك مفرقتيش. واحدة حلوة بترمي نفسها عليا، وانا عايز اهرب من حبي اعمل ايه اهو استمتع شوية بجمالها ولو مشي الحال مفيش مشكلة هاخد ثواب أما إذا انقلب السحر اطلقها، ودي سهلة مش صعبة.
شهرين بس يافيروز وعملتي اللي اتمنيته من أول ماقربت منك وقرفت من نفسي
دفعها بقوة ينظر إليها مشمئزًا، ثم أشار على نفسه: -استغلتيني ياحقيرة، مكنتيش فيرجن وعملتي عملية علشان قذارتك
هزت رأسها بدموعها قائلة: -والله غصب عني والله خدرني، كنت هقولك بس خوفت
-اخرصي مبقتش عايز اسمعك أو اشوفك قدامي، ياله اطلعي برة بيتي واياكي اشوفك قدامي تاني
-وحقي!
حقك! قالها مذهولا ثم نهض من مكانه: -احمدي ربنا انك عايشة لسة، احمدي ربنا اني وعدت ابويا بس مالمسكيش كفاية اللي حصل لك اكتفيت بحق مراتي ووجعها، طالعها بنظرات محتقرة
-رغم اني كنت عايز اكتر بس كفاية اوي، أنا رحيم برضو، طول عمري رحيم.
جن جنونها تطالعه مذهولة
-يعني إيه؟
انت تعمل فيا كدا، طب ليه، انا حبيتك أكتر واحد في الدنيا
انحنى بجسده وغرز رماديته بفيروزتها هامسًا بفحيح: -وأنا مكرهتش قدك، ايه كنتي مفكرة هفضل اسامح، واتعامل معاكي بتربيتي. ضغط على فكيها حتى شعرت بتحطيمها فبكت محاولة الفكاك من قبضته، اشتد من قبضته
-معملتش فيكي ربع حقارتك، ودلوقتي كل واحد اخد حقه يامدام.
اعتدل يشير لأحدهما: -خدها ارميها في أي زنزانة معفنة زيها، اصلي نسيت اقولك يامدام
-فيديوهاتك كلها عندي، استندت على كفيها معتدلة وتحركت حتى وصلت إليه: -مش بالسهولة دي ياحضرة الظابط
كنت ببعد موتك علشان بحبك، بس بعد اللي عملته البادي أظلم.
لحظات واستمع إلى أصوات بالخارج، جذبها من خصلاتها ودفعها بقوة لأحد الرجال: -اتحفظوا عليها، وكلوا ياخد مكانه. تحرك ينظر بشاشة مراقبته، وجد بعض الملثمين وعددهم ليس بالكثير يحاوطون المنزل. وزع بصره عليهم، رفع سلاحه يشير للرجل الذي أمامه.
-خد مكانك ولف من ورا. اومأ برأسه بطاعة وتحرك، أما هو تحرك بحذر يتحدث بجهازه: -جواد فيه حد اقتحم بيتي. كان عائدًا لمنزله. توقف فجأة حتى احتك إطار السيارة بالارض واندفع للأمام كادت سيارته تنقلب
لحظات حتى فاق مما عليه فتسائل سريعًا: -مين دول أنا في الطريق قريب منك، خد بالك من نفسك، وهكلم عثمان بسرعة.
اغلق الهاتف وتوقف بمكانًا بعيدًا عن الأعين: دلف شخص ضخم البنية يشير بسلاحه بكافة الأرجاء، إلا أنه جذب رأسه بخفة يلفها حتى لقي مصرعه سريعًا، ثم أشار للرجل الذي بجواره لأخفائها.
ولج اخران بنفس البنية، أطلق رصاصة كاتمة للصوت ولكن تفادها بمهارها، واصاب الآخر ودارت معركة بين اربعتهم، حتى انتصر بها جاسر ورجُله، تحرك للخارج بعدما بقي القليل منهما، مع دعم وصول جواد بذاك الوقت. دارت مناوشات بينهما، ولكن هنا تفوقت الكثرة فسحب أحدهم جواد الذي يراقب أحد الأشخاص وهو يقاتل جاسر بضرواة فأطلق رصاصته فوقع صريعا قبل إصابة جاسر. ولم يشعر بذاك الرجل الذي سحبه على حين غرة يضع سلاحه برأس جواد.
-ارمي سلاحك ياحضرة الظابط، توقف جاسر ينظر لجواد بهدوء، تراجع الرجل يجذب جواد للخارج
اقترب أحد الرجال متسائلًا
-فين عزيز التميمي؟
ضيق جواد عيناه يطالع جاسر الذي وقف عاجزًا وهو يراه يسحب جواد أمام عينيه، دوروا كويس
اقترب الرجل من جاسر و ركله بقدمه فتراجع للخلف: -تمام سيبه!
اتجه بنظره لجواد فتعلقت نظراتهما للحظات ثم انحنى كلاهما بنفس التوقيت.
جاسر الذي التقط سلاحه من الأرض بلحظة وأطلق رصاصته، وجواد الذي تفادى طلقة جاسر، ودفع الرجل الاخر بقوة، حتى القاه صريعًا
استمع لصوت شجار بخلف المنزل. أشار لجواد بالتحرك للخلف، ودلف للداخل لأخذ فيروز إلا أنه توقف عندما وضع أحدهم يضع سلاحه برأسه.
-لا ذكي يابن الألفي، جذبه يدفعه بقوة إلا أن قوة جاسر دفعته بقوة حتى تراجع مما جعله يطلق رصاصة مرت إليه بخدش بكتفه، وصل الرجل وسيطر عليه، يدفعه أمامه بقوة يضع السلاح برأسه
-امشي قدامي هتعمل حركة هفترتك دماغك، انتظر جواد حتى يظهر ولكنه وصل بجواره رجلين من المسلحين أغمض عيناه وفقد الأمل بعدما حاصرهم عددًا لا بأس به
زفر متأفف وتحرك بهدوء يفكر بطريقة تخرجهما من ذاك المأزق.
زم شفتيه ينظر بكافة الأرجاء، لمح بيجاد يتسلل بجوار الجدار، حك ذقنه وعلم بوصول والده، تزحزح متراجعًا ينظر للرجل
-عارف جريمة اقتحام بيت ظابط ايه؟
تهكم الرجل ينظر بساعة يديه يشير لأحدهم
-اتأخرنا خمس دقايق، لازم نتحرك زي ما نعمان باشا أمرنا.
دفعه جاسر برأسه، متراجعًا للخلف يركل الاخر، وفعل مثله جواد، دارت معركة أخرى دون اسلحتهما ولكن توقفوا عندما أطلق أحدهم رصاص بساق جواد، فتوقف جاسر عن خنق الرجل متراجعًا للخلف يبحث بعينيه عن بيجاد يدعي الله الا ينكشف امره.
نظر الى رجل آخر وصل بيديه سجائر من النوع الفاخر الكوبي، يشير لرجاله
-ابتعدوا يامتخلفين. اقترب من جاسر
ثم حدجه يتفحصه بنظراته
- فين التميمي؟
خرج الرجل يجذب فيروز من ذراعها.
-دي كانت جوا ياإحسان
ضيق عيناه يطالعها بغموض ثم أشار بأبهامه: -خدوها على العربية شكلها حد مهم عند حضرة الظابط
تهكم بسره قائلًا: -مهمة قوي!
تحرك الرجل بفيروز، ثم اقترب الرجل يشير بسلاحه على رأس جاسر.
-مش هكرر سؤالي؟ قالها وهو يشد من سلاحه، إلا أن توقف جواد خلفه بجوار باسم بعد محاصرة المكان: -نزل سلاحك يالا، انت مين ياصعلوك تهجم على ظابط، قالها جواد وهو يصفعه بقوة على وجهه بعدما حاصرت قوات الشرطة الجميع سوى من بعض القلة المنتظرين بالخارج.
حاول الرجل الهروب الا أن جواد حازم جذبه من ياقته وظل يصفعه عدة مرات حتى خارت قواه وهوى على الأرضية، فيما اسرع جاسر للخارج يبحث عن فيروز التي استقلتها السيارة وهرولت سريعًا
توقف يمسح على وجهه بعنف يسبها لقد كان على وشك اهلاكها
تحرك باسم بقوته بالخارجين عن القانون، فيما أشار جواد لبيجاد
-خد جواد يابيجاد المستشفى مصاب
أومأ له. ساعده بيجاد حتى وصل لسيارته
بعد مغادرة الجميع خطى حيث جلوسه.
-قوم وريني طولك ياحضرة الظابط
ابتلع ريقه بصعوبة حينما رواده الشك بمعرفة والده ماينتويه
نصب عوده وتوقف أمامه: -نعم؟
رفع كفيه وكادت أن تسقط لصفعه، إلا أنه كور قبضته يدفعها بقوة بالحائط
ثم اتجه إليه وثار بغضب يجذبه من ياقته: -قولي اعمل فيك ايه، عايز تموت نفسك ياحمار، ليه يابني تعمل كدا، انت عارف مين التميمي دا.
-دا راجل معرفناش نمسك عليه حاجة ورغم شكنا فيه، وزي ماانت شوفت كدا. طلع من اخر قضية أقل حاجة اعدام، ليه تخطفه ياغبي
-بابا. أشار جواد بسبباته قائلاً: -اخرص مسمعش صوتك، لكزه بصدره على أثره تراجع للخلف قائلا: -ياحمار فكر قبل ماتعمل حاجة، دول عندهم الموت والخطف زي المية عندنا
لو مش خايف على نفسك خاف على اللي حواليك. ايه مش خايف على اخواتك ومراتك.
-بابا اسمعني لو سمحت، انا عملت تحرياتي وعرفت أنه بيتاجر في السلاح والله كنت خلاص هوصل للدليل بس ابن الحرام عرف وموت الراجل، مكنش قدامي غير اني اخطفه واهدده
-غبي. غبي يابن جواد، لانك بكدا فتحت العنين عليك، دول ليهم عيون زي الرز في كل مكان وبدليل اهو وصولك خلال ساعتين وكمان انقذوه ومش بس كدا ممكن يعملو لك قضية يامتخلف.
سحب نفسًا وزفره يطالع والده: -متخافش مفيش حاجة ضدي، انا اللي مشيته، يعني مخطفتوش ولا حاجة، كان مجرد تحقيق بسيط، وعلشان اعرف ليه قتلوا الراجل
-والله؟ قالها جواد مستهزئًا، ثم هتف متسائلاً: -اومال جولك ليه، يلعبوا معاك خلاويص
-لا حضرتك، علشان انا رجعته بمزاجي، وخليتهم يوصلوله بمزاجي برضو، ومتسألش ليه علشان مش هقول لحضرتك
كور قبضته يلكمها بالمنضدة أمامه.
-إنت عايز توصل لايه يالا، بقولك ممكن يضرو اخواتك ومراتك
هز كتفه للأعلى وتسائل: -ليه اخواتي متجوزين وعندهم اجوازهم مش قليلين. وانا طلقت جنى علشان أبعدها، واعرف الاعبهم كويس
جن جنون جواد فدفعه بقوة حتى كاد أن يسقط على ظهره، فهدر به غاضبًا
-متخلنيش اتغابى عليك ياجاسر، سمعتني هتغابى بجد وممكن توصل أني ارفضك من الشرطة خالص، قالها واستدار للخارج متجها لسيارته يصيح به بغضب.
-اقفل بيتك وتعالى ورايا، قال طلق مراته علشان يلعب معاهم، لا ياحبيبي تعالى العبك أنا.
مش عايز تأخير. توقف جواد واستدار يطالعه: -نضف جرحك بدل ماامك توقع من طولها
هوى على مقعده بعد خروج والده، استمع الى رنين هاتفه، رفعه
-إيوة ياراكان
-عامل ايه؟
قص له ماصار، وهو يرجع خصلاته للخلف يرتشف بعض قطرات المياه
-اخدوا فيروز.
اومأ راكان متفهمًا، ثم تحدث: -أنا اللي عرفت سيادة اللوا، آسف ياجاسر كان لازم يعرف علشان انا عملت تحريات كاملة الناس دي فعلا خطرة، وبقولك ابعد عن اللي بتفكر فيه
اغلق الهاتف يلقيه متأففًا
-غبي ياراكان. صعد للأعلى لتبديل ثيابه
بمنزل صهيب
جلست بجوار والدها تحتضن كفيه
-لسة حاسس بتعب
ابتعد ببصره عنها يسحب كفيه
-أنا كويس وعايز انام.
توقفت تطالعه بصمت للحظات ثم تحدثت: -بابا أنا هفضل مُصرة على رأيي، لازم اختار حياتي انا، حياة جنى اللي الكل بيتحكم فيها، انا تعبت كفاية بقى اللي بتعملوه فيا
اقتربت من والدها وانسابت عبراتها رغمًا عنها
-متفكرش ان بنتك مرتاحة وسعيدة، بالعكس اللي قدامك دي بتحاول توقف وتسند نفسها، اتحديت نفسي مش علشان حاجة من اللي حضرتك قولتها علشان ابني جنى من حطام اجبرتوه عليها.
وضعت كفيها على صدرها وحاورته بعينين باكيتين
-قلبي مش ملك حد غيره، ومهما تعمل وتحاول معايا خلاص حياتي انتهت على كدا يابابا، أنا مبقتش لاقية جنى البريئة اللي مكنتش عايزة غير حبيبها، حضرتك اتحكمت وهو نفذ
اعتدلت تزيل عبراتها واسترسلت بقلبًا بات خاويًا من النبض: -حاضر يابابا وعد هعملك اللي حضرتك عايزه وهبعد عنه بس دا علشاني في الأول لأنه كسرني لما ضعف قدامك انت وعمو، كان نفسي يختارني انا.
بس طلعت عبيطة، ماهو اكيد هيختاركوا، ماهو أنا حظي كدا لازم اكون التانية في كل حاجة
امسك كفيها واحتضنهم يربت عليهما بحنو ابوي وتحدث بهدوء: -حبيبتي افهميني انا مش عايز ضعفك دا، عايزك تكوني قوية، جنى حبك لجاسر لغى شخصيتك، فيه واحدة عاقلة تبقى عارفة جوزها كدا وترضى.
تنهد بعمق ورفع عيناه الحزينة إليها: -جاسر غالي عليا قوي دا ابني التاني، بس عمره ما هيكون في غلاوتك حبيبتي، وانا شايف علاقتكم مريضة وأنتِ متضررة اكتر
أزالت عبراتها تهز رأسها قائلة: -خلاص يابابا، الكلام مبقلوش لازمة، انا قررت ومش عايزة اسافر غير برضاك طبعًا، سبني ارتاح لو سمحت
-برضو ياجنى، لسة مصرة على السفر.
اومأت له قائلة بتأكيد: -اسبوع كمان يابابا، لولا تعب حضرتك، وطبعا طنط مليكة لما عرفت زعلت قوي، وأنا على قد مش عايزة احضر، لكن لازم منه
اومأ متفهمًا وغمغم يروادها
-طب وجاسر؟
ابتسامة ساخرة تجلت على شفتيها قائلة: -ماله؟
لو قصدك أنه بيحاول يرجعني تبقى غلطان، أنا كمان مبقاش ليا نفس احارب علشان شخص رماني
-بس هو مارمكيش، هو عمل اللي انطلب منه.
طلعت والدها مستنكرة حديثه، فعقبت بتردد: -قصدك عمل اللي حضرتك هددته بيه؟ ولا علشان ضعفه واول حل ريح الجميع غيري. هو مفكرش فيا، ودا في حد ذاته سقط في نظري
هز رأسه رافضا حديثها: -علشان خايف عليكي. استدارت متحركة للخارج بعدما وجدت لا جدوى من حديثهما: -آسفة عندي ميعاد بعد إذنك
جنى!
توقفت على بُعد بعض الخطوات منتظرة حديثه، حمحم بصوت مجهد
-هتعملي ايه لو حاول يرجعك!
استدارت تنظر إليه بذهول فهمست بتقطع: -متخافش يابابا، بينا اسوار كتيرة عايزة سنين. قالتها وتحركت للخارج سريعًا، قابلتها نهى تضمها لأحضانها بعدما استمعت لحديثهما: -بابا خايف عليكي حبيبتي
وضعت رأسها بأحضانها تبكي بشهقات
-أنا تعبانة ياماما، بحاول اكون قوية بس انا ضعيفة قوي، امبارح قابلته عند عمو جواد.
خرجت من أحضان والدتها وانسابت عبراتها بقوة تشير على قلبها: -قوليلي ياماما هفضل اتعذب كدا، هيفضل في قلبي بالطريقة دي، قوليلي على حاجة تكرهني فيه ياماما، رغم اللي عمله ولكن لسة بحبه، بحبه قوي
مسحت نهى دموعها تحتضن وجهها.
-لو أي ام مكاني هتقولك دوسي على قلبك علشان كرامتك، بس انا مش هقولك كدا، علشان عارفة ومتأكدة أنه بيتعذب زيك كدا، روحيله ياجنى، بلاش تبني اسوار اكتر من كدا يابنتي، بكرة تندمي، ابوكي مش قادر يعرف أن حبك صافي مش مرضي زي ماهو فاكر
-نهى! صاح بها صهيب الذي خرج من غرفته ليخرج لإستنشاق بعض الهواء ولكنه ذهل من حديث زوجته.
تراجعت نهى تنظر الى ابنتها ثم توجهت إلى صهيب: -قبل ماتتكلم انا ام ياصهيب ومش مرتاحة، عجبك قعدتها في بيت لوحدها، على الأقل مع جاسر بكون مرتاحة
-اقترب منها يرمقها بنظرات مبهمة ثم اتجه الى ابنته
-أنا اه طلبت منه الطلاق وهو وافق ومتمسكش بيكي، ولو راضية بإنعدام كرامتك اسمعي كلام والدتك، قالها وتحرك للخارج دون حديث آخر
جمعت اشيائها وتحركت بعد تقبيل والدتها.
بعد شهر آخر وخاصة اليوم المقرر بحفل خطوبة تقى ابنة حازم ومالك المنشاوي.
هبطت للأسفل، توقف يحتضنها
-صباح الورد
هزت رأسها مبتسمة ولفت ذراعيها حول خصره: -صباح الورد ياحبيبي
نظرت حولها تبحث عن ربى فتسائلت: -هي ربى مجتش معاك!
سحبها من كفيها متحركًا للأريكة وتحدث: -لا ياقلبي، بتجهز علشان خطوبة تقى، وغنى جت والبيت فيه دوشة
اومأت متفهمة، فركت كفيها فاحتواهما متسائلًا: -النهاردة هنتكلم جد بقى مش كدا.
اومأت له قائلة: -طبعا حبيبي.
رفع ذقنها ينظر لعيناها
-باقي اسبوع في عدتك عارفة معنى الكلام دا ايه!
هزت كتفها وضغطت على شفتيها حتى لاتنساب عبراتها
-عز الموضوع انتهى خلاص، وانت قولت بعتلك ورقة الطلاق، يعني باعني قوي ياعز، مبقتش عايزة اتوجع خلاص
-وانتِ كدا مش موجوعة ياجنى، مرر أنامله على خصلاتها
-حبيبتي لازم تعرفي عايزة ايه قبل ماعدتك تخلص.
ابتلعت غصة بحلقها ثم قالت بتجمد: -أكيد بتهزر، عايز مني أنا اللي ارجعله ياعز، . سحبت نفسًا متنهدة وهتفت
-أنا قررت بعد الخطوبة اسافر وابني حياتي وقولت كدا لبابا.
-وبابا وافق؟ تسائل بها عز
-وبابا يرفض ليه بس، بدل هكون مرتاحة، المهم سيبك مني وقولي
اخبارك ايه مع ربى؟
توقف يشير إليها بيديه: -قومي اجهزي، العيلة كلها متجمعة مينفعش متكونيش موجودة وكمان فارس هيوصل بعد ساعتين
توقفت أمامه: -مش عايزة احضر ينفع.
احتوى كتفيها ورد مستنكرًا: -لا ماينفعش، لازم تكوني موجودة، ومش بس كدا، لازم تظهري للكل انك قوية ومفيش حاجة تهزك
-مش هقدر ياعز صدقني، انا مش قوية زي مابتحاول تقنع نفسك
-جنى اختي مش ضعيفة، وهتحضر الفرح وهي سعيدة وقوية
-حاضر ياعز هحضر علشان أبين لبابا اني مش مريضة بحب جاسر، قالتها مع دمعة غادرة انبثقت من عينيها.
أزال دموعها بحنو
-أنا كنت مع جاسر امبارح. رفعت نظرها تنتظر حديثه بشق الأنفس
ضمها لأحضانه حزينا على حالهما متذكرًا حديثه منذ يومين: -جنى عاملة ايه ياعز
امسك ثمرة التفاح وبدأ يلوكها بهدوء دون اجابه.
-بسألك على فكرة.
رمقه عز متسائلاً: -عايز من جنى ايه ياجاسر، مش انت طلقتها وارتحت، بتسأل عليها ليه.
تسطح على الفراش واغمض عيناه وشعور الاشتياق يحرق روحه فهتف له: -كلمها ياعز عايز اسمع صوتها وحشتني قوي لدرجة عايز اقوم ارحلها حالا، لولا وعدي لعمي صدقني هقوم ارحلها
شعر بنغزة أصابت قلبه من نبرة صوته الحزين، امسك هاتفه وقام بمهاتفتها
كانت غافية استيقظت فأمسكت الهاتف وأجابت بصوت متحشرج من النوم
-زيزو. عامل ايه حبيبي!
اقترب جاسر يخطف الهاتف من ايدي عز يستمع لصوتها الذي جعل قلبه كالفراشة، أشار لعز بالحديث.
-عاملة ايه ياجنجون واخبار البنت اللي جات تساعدك في البيت ياقلبي
اعتدلت من نومها وأجابته: -كويسة حبيبي، زُرت بابا في المستشفى ولا لا
-اه ياقلبي، قوليلي اخبارك ايه، وناويتي تسافري امتى؟
اعتدلت تنظر بساعتها
-الساعة اتناشر، قوم نام علشان شغلك، انا هقوم اصلي القيام واقعد ارسم شوية وبكرة نتقابل
أشار له جاسر بمواصلة الحديث وأشار على كاميرا الهاتف.
-جنجون افتحي الكاميرا عايز اشوفك واطمن عليكي. ابتسمت تجمع خصلاتها وفتحت الكاميرا
-كدا اطمنت، ابتسم يشير إليها فهتف: -صح النوم ياكسلانة، رفع نظره لجاسر الصامت يستمع إليها بدقات قلبه العنيفة، جذبت مأزرها تهاتفه: -اطمنت عليا قوم بقى نام. صمتت للحظة تدقق النظر بصورته، فهمست بتقطع: -إنت في اوضة جاسر ليه؟
صمت مذهولا يطالع جاسر الذي ابتسم ساخرا عليه، فجذب الهاتف من كفيه
-جاي ياخدني بحضنه ياجنجون.
ارتفعت دقاتها بعنف حتى شعرت بإصابتها بذبحة صدرية وهي تراه أمامها بتلك الهيئة، ذهب بصرها لإصابة ذراعه
-جاسر دراعك ماله. لمس ذراعيه قائلاً
-مفيش نمت نومة غلط
توقفت ناسية ماترتديه أمام أبصاره التي اخترقت جسدها يرسم تفاصيلها قائلة: -اتصبت ازاي؟
حمحم عز وهو يجذب الهاتف من كفيه
-روحي صلي ياقلبي ومتنسيش تقفلي التكييف هدومك خفيفة، قالها عز بمغزى
هنا فاقت تنظر لنفسها بصدمة، فأغلقت الهاتف سريعًا.
عند جاسر تسطح يشير لعز بنبرة باردة: -قوم روح عايز انام
رفع حاجبه ساخرًا: -دلوقتي عايز تنام، ربت على كتفه بقوة
-ناوي على ايه، بابا لسة مفكر انك بعت ورقة طلاق جنى
أغمض عيناه يهز كتفه
-لو قولتلك مش عارف هتصدق
-لا. قالها عز وهو يجذبه يعدل من جلوسه
-جاسر باقي اسبوع وشهور العدة تخلص ولسة مرجعتهاش، خلاص كدا ناوي فعلا تطلقها وتبعد عنها، هتقدر
وضع كفيه خلف عنقه وأجابه.
-مش عايز ازعل باباك، جحظت أعين عز، فدنى منه يلكزه بكتفه: -أكيد بضايقني، امال بجسده يستند على فراشه ونظر لداخل مقلتيه: -طب ليه حوار الطلاق المزيف دا، وليه تتصل بيها وتشوفها كدا لما ناوي تطلقها
-نعم طلاق مزيف؟ قالها جاسر بإستنكار
اومأ عز برأسه واستطرد قائلاً: -اومال ايه ياحضرة الظابط، طب ليه قولتلي أفهم بابا انك بعت ورقة طلاق جنى عندي في المكتب.
اعتدل جالسًا وأجابه بفظاظة: -ممكن تسبني عايز انام، ياله روح لمراتك وابنك
اعتدل عز يهز رأسه مغمغمًا برفض: -خايف لتخسر يابن عمي، انت مشفتش جنى دلوقتي عاملة ازاي، ولا سيرتك عندها بقت ازاي
أشار له بالخروج
-عز ابنك بيعيط ياله شوفه. تحرك عز يسبه، ابتسم جاسر ساخرًا
-اهبل قال متعرفش سيرتك عند جنى، امسك هاتفه يضغط على شفتيه
-هشوف سيرتي عند جنجون ايه
قبل قليل.
نهضت من فراشها واتجهت للمرحاض، أنعمت نفسها بحمامًا منعش، توقفت أمام المرآة تصفف شعرها لاحت ذاكرتها بما كان يفعله معها، تحركت إلى هاتفها عندما علا رنينه بالغرفة
طالعته بإبتسامة ساخرة: -كنت عارفة يابن عمي مش هتعديها.
ازدادت ابتسامتها عندما كرر رنينه مرة أخرى
جلست تضع ساقًا فوق الأخرى ثم رفعته وضغطت بهدوء: -مردتش من الأول اعرف مش عايزة اكلمك، هو انت مش لسة مكلمني.
نهض من مكانه واتجه إلى شرفته: -متعليش صوتك ولما اكلمك ترد عليا سمعتي يابت ولا لا
-بت لما تبتك يااخويا
-خوا لما ياخدك ويجبك عندي باختي، إياكي بعد كدا تقفي قدام حد بلبسك دا
-اووووه حضرة الظابط المشكلنجي، وبصفتك ايه ياحلو
نفث تبغه في الهوا يستمتع بحديثها ثم هتف بهدوء عميق: -بصفتي طليقك. احرقتها كلمته كفى أيها الغبي كيف لك أن تنطقها، باليتك تشعر بنيران تلك الكلمة التي أطلقتها كالسهام النارية لتخترق روحي.
قست عيناها وتراجعت للخلف محاولة السيطرة على غضبها أمامه، فتحدثت بهدوء رغم حربها النارية: -طليقي، سمعتني. يعني مالكش حاجة عندي، انا رديت عليك في وقت زي دا علشان انت ابن عمي قبل ماتكون طليقي ياطليقي. ودلوقتي أنا مش فاضية. بتر حديثها وهو يهتف
-جنى لازم نتكلم
زاغت أبصارها بالمكان وضعفت مقاومتها فجلست تسحب نفسًا لعلها تستطع محاورته
-قول بسرعة عايز ايه، أنا مش فاضية.
-عايزك تنقلي بيتنا، انا تركته من يوم مامشيتي، ومبقاس لازمني، انقلب هناك علشان دايمًا تفتكريني
توقفت وقد أغضبها حديثه: -إنت عايز مني ايه ياجاسر، خلاص ابعد عني انت مش. طلقتني، مالكش دعوة اقعد فين ولا أعمل ايه، انا حرة نفسي، لا انت ولا غيرك له دعوة بيا
قالتها وأغلقت الهاتف، تلتقط أنفاسها التي تسارعت حتى شعرت بهبوط وارتفاع صدرها
القت الهاتف تبكي بشهقات مرتفعة
-دا أكرهه ازاي ياربي، ياربي كرهني فيه.
هوت على فراشها بقلبًا يئن من فراقه. نهضت مستغفرة ربها تردد مع نفسها: -جنى أنتِ وعدتي نفسك هتتغلبي على فراقه
مرت قرابة الساعة وانتهت من صلاة القيام ثم اتجهت لمرسمها الصغير التي اعتمدته للهروب من فراقه واستحوازه الكامل عليها
استمعت لرنين هاتفها رفعته مبتسمة
-لسة صاحية.؟ ابتسمت عاليا بحزن وأجابتها: -أنا تعبانة قوي ياجنى
استمعت جنى إليها بإهتمام فتسائلت: -مالك ياعاليا؟
نظرت حولها بحزن، فروحها تتخبط في كل الاتجاهات بالألم والحزن والخذلان، تحدثت بتقطع؛
-جنى ياسين راجع بكرة
هزت جنى كتفها ثم تسائلت: -وايه يعني لما يرجع يابنتي، هو هيفضل مسافر، دا بقاله أكتر من تلات شهور، عاليا اللي حصل حصل، اي حد مكان ياسين كان عمل اكتر من كدا، غلطي وانا حاولت افهمك انك تحكي له.
سحبت نفسًا قويًا، لتتوقف عن نوبة البكاء التي اعترتها فتحدثت: -اقوله ايه ياجنى، وهو أول ماجابني وبيعاملني زي الحيوانات، دا حتى مهنش عليه يعرف اسمي، تخيلي قعدنا شهر وهو بيكلمني وانا معرفش اسمه حتى.
بدأت جنى تخطط رسمتها بقلمها وهي تحادثها فأجابتها: -سيبك من دا كله ياعاليا، من اول ماابن عمك رجع يهددك وأنتِ متجوزة، فهمتك أن ياسين دلوقتي جوزك ولازم يعرف، معرفش ليه اخدتي الموضوع أنه هيذلك، حبيبتي دول ولاد عمي واعرفهم اكتر من نفسي، دا ممكن يموتوا نفسهم للغريب، تخيلي بقى مراته
أغمضت جفونها تبكي بصمت وهتفت.
-جنى ياسين تمم جوازه مني، وأنا حامل دلوقتي. سقط قلم الرسم من ايدي جنى وتوقفت تستمع إليها بذهول: -بتقولي ايه، امتى دا؟
ارتفعت شهقاتها وشعرت بوجع حاد يضرب صدرها
-من تلات شهور، قبل مايسافر بيوم ودلوقتي متصل بيا وبيقولي هرجعك لأهلك. توقفت عندما شعرت بعدم تنفسها
-مش عارفة اعمل ايه ياجنى، أنا وياسين مستحيل يجمعنا مكان واحد ابدًا
تحركت جنى تتنهد متألمة على ماأصابهم، ثم سحبت نفسًا تزفره ببطئ.
-عاليا لازم ياسين يعرف بالحمل
-مستحيل ياجنى سمعتيني، الحمل دا مش لازم يكمل، الشخص دا مستحيل اكمل حياتي معاه
عاليا ممكن تهدي دلوقتي خلينا نفكر نحل الموضوع ازاي، انا آسفة بجد بس أنتِ كدا بتتجاوزي حدك، لازم جوزك يعرف
صرخت وتحدثت بمرار
-وأنا مش عايزة البيبي دا، الراجل دا بكرهه سمعتيني.
-خلاص طب زعلانة ليه انك هترجعي لاهلك، بسيطة اهو اطلقي ياعاليا وعيشي لابنك ربنا بعتلك هدية غيرك اتحرم منها، ياريت انا اكون حامل، هتندمي سمعتيني هتندمي في وقت مفيش بكى على الندم
اخذت عدة انفاس وهي تحاول أن تصمت من وصلة بكائها.
ابتلعت غصتها وتحدثت بهدوء: لازم تساعديني ياجنى، الأول عايزة اشوف هكمل الحمل ولا لا، بس حقيقي انا مش عايزة البيبي دا.
صدمت جنى من حديثها، فحاولت تهدئتها قائلة: -طب اسمعيني كويس. بلاش تعملي حاجة دلوقتي لما نشوف رد فعل ياسين معاكي ايه لما يرجع
-الراجل دا متجبيش اسمه انا مش عايزة اشوفه ولا اسمع صوته.
حاولت جنى التفكير بشكل متزن. صمت قليلًا ثم أخبرتها: -خلاص حبيبتي نحضر الخطوبة بكرة وبعد كدا نفكر مع بعض تمام...
المهم اوعي تعملي حاجة لبيبي حرام دا نعمة كبيرة قوي.
أزالت عاليا عبراتها بعنف ثم اجابتها: -تمام بس لو قولتيله هزعل منك
هزت جنى رأسها تؤكد لها انها لم تفعلها
أنهت مكالمتها فجلست والحزن يأكل صدرها لا تعلم ماذا ستفعل بهذة المعضلة
استمعت إلى إشعار رسالة عبر الواتساب. وجدته معذب قلبها. قطب مابين حاجبيها مترددة عن الصورة التي ارسلها، ظلت مترددة لفتحها، ترى ماهذه الصورة التي أرسلها لها. ظلت لدقائق ثم مررت أناملها وفتحتها اخيرا
وجدت صورة زفافهمًا. ويدون تحتها.
-اقسم لكِ إنكي حبي الأبدي
بل حبي الأعمى والبصير
اطلب منكِ العفو والغفران
رفرفت بأهدابها تتلمس بأناملها الرقيقة صورته. ظلت لدقائق تحدق بها حتى شعرت بإنفطار قلبها بالأشتياق
ثلاث اشهر وهما مفترقان، ثلاث اشهر من جحيم الاشتياق، ماذا سيفعل بي قدري اتجاهك معشوقي
استمعت إلى رسالة أخرى، فتحتها وإذ به.
-فستانك هيوصل الصبح لو عايزة تحضري الحفلة متلبسيش غيره، لو هتغيره يبقى متجيش احسن، دا مجرد كلام مش تهديد، وقبل ماتتبجحي وتقولي بصفتك ايه هقولك بصفتي أبن عمك اللي بيغير عليكي
قامت بحظر رقمه حتى تهدأ من نوبة الغضب التي تملكت منها. نهضت تفتش بفساتينها حتى لمعت عيناها بدهاء ورددت مع نفسها
-تكرم عيونك حبيب جنى، بس كدا
مرت الليلة سريعا إلى أن جاء موعد حفل الخطوبة
بحي الألفي.
وصل ياسين متجهًا لوالده ووالدته اولا
ضمته غزل بإشتياق أموي تلكمه بخفة بصدره قائلة: -تلات شهور ياياسين، ايه يابني دا لو مسافر برة مصر كنت هشوفك أكتر
قبل رأسها معتذًرا بأسى: -كان فيه مناورات كتيرة ياماما الفترة دي وبابا عارف شغل الحربية مش كدا ياحج جواد
هز رأسه دون حديث، ثم اتجه بنظره لغزل متسائلاً: -عاليا فين ياغزل؟
تسائل بها وعيناه تجلد ابنه بصمت. ربتت على كتفه مبتسمة ثم ردت قائلة: -راحت لجنى، قالت هتيجي معاها على الحفلة على طول
أشار لياسين قائلًا: -اطلع خد شاور وريح من السفر شوية
تحرك للأعلى وهو يمسك هاتفه محاولًا مهاتفتها عدة مرات
عند جنى وعاليا
خرجت من المسبح تطالع تلك المنكمشة فاتجهت تجلس بجوارها
-ماتنزلي تعومي شوية، هتلاقي نفسك احسن وتنسي أي حاجة.
رفعت عيناها الذابلة وتسائلت: -تفتكري وصل دلوقتي، خايفة افتح فوني الاقيه بيتصل وأنا مش عايزة صدام معاه حاليا
ربتت على كتفها ثم أمسكت ذراعها
-قومي معايا ياعاليا، ياله تعالي نرتاح شوية وبعد كدا نجهز، علشان اقولك ناوية اعمل ايه في حضرة الظابط البارد
ابتسمت بخفوت عليها ثم لكزتها
-والله جاسر دا عسل يابنتي ونعمة كبيرة قوي، معرفش ايه اللي وصلكم لكدا، بس اللي متأكدة منه أنه بيحبك قوي.
اعترى قلبها برجفة سارت بجسدها بالكامل فرفعت بُنيتها التي تكورت عبراتها قائلة بهمس: -وأنا بعشقه وقلبي بيوجعني على بعده قوي ياعاليا، تعرفي بدعي ربنا أفقد الذاكرة علشان متألمش بحبه كدا، صعبان عليا نفسي قوي ياعاليا، صعبان عليا قلبي المكسور والمجروح منه
مسدت عاليا على خصلاتها تهمس لها بكلماتها الحانية، ثم هتفت: -جنى جاسر بيحبك ودي مفروغ منها، وزي ماقولتي باباكي غصب عليه واجبره.
أشارت لها بالصمت تبتعد بأبصارها قائلة: -ممكن منتكلمش في الموضوع دا، أصل عمرك ماهتفهميني فبلاش نتعب بالكلام
اومأت لها متفهمة ثم نهضت متحركة للأعلى
بحي الألفي
كان الجميع يعمل على قدمًا وساق، وصل ريان المنشاوي بأسرته، كان بمقابلتهم جواد، وسيف الذي وصل اليوم من تركيا وحازم. دقائق وصل صهيب حيث وقوفهم، اقترب سيف يضمه بإشتياق ثم تحدث مؤنبًا إياه.
-كدا ياصهيب ارجع حي الألفي متكنش موجود، ربت على ظهره ثم اتجه لريان: -ألف مبروك يابو عمر، عقبال ما تشيل ولادهم. ابتسم ريان بمحبة
-الله يبارك فيك، وحشتني والله لمتنا، لكن عاذرني طبعا
تحرك جواد للرد على هاتفه: -أيوة يابني، اجابه على الطرف الآخر.
-زي ماحضرتك طلبت ياباشا، المدام بتاعة التجميل جت وقعدت ساعة ومشيت، وفتشناها كويس جدًا، صمت الرجل لحظات وتابع: -فيه طرد كبير جه لمدام جنى، مكتوب عليه ابن سعادتك، فدا مقدرناش نفتشه ياباشا
هدر به هاتفًا: -حتى لو مكتوب عليه مني شخصيا لازم تفتشه وتتأكد من مين، خليك عندك لحد مايوصلوا هنا
تحدث الرجل سريعًا.
-متخافش ياباشا حضرة الظابط مغرق الجنينة أمن كمان، ومفيش ناموسة بتعدي غير لما بتتفتش، علشان كدا كان عندهم خبرية بوصول الطرد دا
اغلق جواد الهاتف يسبه مرددًا: -بقوله ايه الغبي بيحاول يقنعني، شعر بوضع أحدهم يديه على كتفه، استدار له مبتسمًا: -نورت بيتك ياصهيب. وضع صهيب كفوفه بجيب بنطاله: -منور بيك ياجواد، عايز نتكلم بعد الحفلة، لازم نتكلم
ربت جواد على كتفه واومأ له مقتربا منه يهمس بجوار أذنه.
-مفيش كلام بينا طول ماانت حاكم على العيال بوجع القلب يابن ابويا، قالها جواد واستدار متجهًا حيث جلوس ريان
بالأعلى عند العروس
انهت زينتها، ساعدتها غنى بالوقوف لتلقي نظرة أخيرة عليها. ابتسمت برضا قائلة: -ايه رأيك ياروبي، لون الروج دا احسن ولا اللي هي حطاه
دنت تقيمها ثم ابتسمت قائلة: -طالعة زي القمر ياتقى، ربنا يسعدك ياقلبي. امنت البنات، ثم نظرت ربى بساعة يديها وتحركت تهاتف زوجها.
-فين جنى ياعز اتأخرت ليه اوعى تقولي مش جاية والله هزعل اهو
أجابها على الطرف الآخر بعدما انسحب من جوار بيجاد وجاسر: -حبيبتي زمانها جاية، انا كلمتها وقالت قدامها نص ساعة، راحت عليها نومة
استمعت لطرقات على باب تقى فأنهت المكالمة واتجهت تنظر لوالدها الذي ولج مبتسمًا، يفتح ذراعيه: -حبايب بابا الاتنين هنا، اقتربت ربى تقبله على وجنتيه
-أحلى اب في الدنيا حبيبي، ثم اتجه إلى وقوف غنى التي اختبأت بأحضانه.
قائلة: -ومفيش بوسة لغنون بابا
طبع قبلة على رأسها، ثم اتجه إلى تقى
-ماشاء الله حبيبة خالو، فتح ذراعيه لتحتضنه، ضمها بحنان بدلوف مليكة مبتسمة، وصلت إلى وقوفهم، ثم اقتربت من جواد تقبل وجنتيه
-ربنا يخليك لينا ياحبيبي، ضم رأسها
مبتسمًا وتحدث: -ربنا يخليكي لاولادك حبيبتي يارب
عروستنا خلصت علشان تنزل تحت المعازيم وصلوا. فركت كفيها بخجل، رفع ذقنها ينظر لعيناها.
-كبرتي ياجميل وبقيتي عروسة قمر، اتجه ببصره لمليكة وتحدث: -شوفتي بعد كام شهر إن شاءالله هتبقي جدة
دلف جواد يطرق على الباب مبتسمًا: -فين عروستنا ياجماعة تنزل لعريسها
قالها مقتربًا منها وهو يدندن
يادبلة الخطوبة عقبلنا كلنا
صفعه جواد على عنقه بخفة قائلاً: -عقبالك يابغل. رسم ابتسامة أمام جواد يهز رأسه قائلاً: - إن شاءالله ياخالو.
بعد قليل هبطت العروس بفستانها الذهبي، وحجابها الأبيض الذي جعلها أميرة متوجة على قلبه، اقترب منها مالك مبتسمًا يحتضن كفيها.
-ألف مبروك ياتقى، نزع كفيهما عز يغمز له
-دي خطوة ياصعلوك مش كتب كتاب.
قهقه الجميع عليه وهو يجذب تقى متجهًا إلى سيف: -اتفصل ياعمو جبتهالك اهي
امسك سيف الميكرفون ثم هتف
-اللي عايز عروستنا يجي يطلبها مني
اسف ياباشمهندس بس لازم انا ارضى عن ابنك.
ضحك ريان يشير بيديه: -عندك العريس خد الضمانات، تحرك مالك بعدما أشار عليه سيف بالتقدم حتى وصل لعروسه ودعاه بالجلوس بجوارها هامسًا
-هتمسك أيدها هلغي الخطوبة
بسط كفيه لتقف متجهة معه إلى مكان رقصهما
توقف الجميع يطالعهم بحبور، اقترب منها
-ليه باباكي رفض نكتب الكتاب ياتقى
نظرت للأرض بخجل تهز أكتافها بعدم معرفة
ابتسم لها قائلا
-بوصيلي طيب بدل ما اعمل حاجة غلط. رفعت نظرها متسائلة هتعمل ايه.
وضع بيجاد كفيه على كتفه: -منور ياعريس، فيما تحرك حمزة أخيه من الجهة الأخرى غامزًا: -من حقي ارقص مع عروستك ياملوك
جذبه بيجاد من ياقته
-روح العب يالا. ثم تراقص بحاجبه لمالك
-عد الجمايل هتلاقيها عند بيجاد وبس
وصلت غنى إليه فحاوط خصرها متراجعًا: -مراتي جت دا اللي هيبعدني عنك بس
هناك بركانًا هادئ كان ينظر بساعة يديه، جلس أوس بجواره
-مش هتقوم تبارك للعروسة.
هز رأسه بالنفي ثم تحدث: -مش دلوقتي، لمح سيارتها تدلف من البوابة، حتى اتجهت متوقفة أمام منزل والدها، ترجلت عاليا تحمل رادئها الذي يشبه لون العشب، أما جنى فترجلت تتهادى بخطواتها مبتسمة، تبسط كفيها لعاليا، تحركت الفتاتان بوصول ياسين إلى الحفل. توقفت تطالعه وتعلقت نظراتهما للحظات، بحر عيناه يرسمها. اقترب منهما بعدما استعاد بروده، أغمضت عيناها محاولة السيطرة على دقاتها التي بدأت تخترق صدرها وكأن أنفاسه مازالت تلاحقها منذ تلك الليلة، شعرت ببرودة تجتاح جسدها عندما جذب كفيها يقربها منه متجهًا لمكانًا بعيدًا عن الزحام، مكانًا خالي من المدعوين، نزعت كفيها بهدوء وارتجفت شفتيها وهي تطالعه: -ايه بتشدني كدا ليه؟
قالتها بخفوت. وضع كفيه بجيب بنطاله ونظراته تخترق جسدها ثم هتف
-عارفة برجوعي ايه اللي خلاكي تروحي عند جنى
فركت أصابعها تهرب من نظراته التي استطالت عليها كأنه طبيب يفحص مريضه. بسط كفيه يرفع ذقنها لتتقابل نظراتهما، فتحدث بصوته الأجش: -مش المفروض كنتي تستني رجوعي
انزلت كفيه بعنف وأشارت له.
-ماتحاولش تقرب مني تاني ياحضرة الظابط، واياك تلمسني، اه مكنتش عايزة اشوفك، ولولا الخطوبة مكنتش هتلاقيني هنا دلوقتي، انا قررت اقعد مع جنى مش متحملة وجودك في حياتي
هز رأسه وأشار إليها للدخول للحفل قائلا بصوته الجليدي
-بعدين نتكلم دلوقتي ندخل قدام الكل متنسيش أننا متجوزين قدام الناس
لف ذراعيه حول خصرها وآمال بجسده يهمس لها
-ماله الحجاب لما يتلبس، يعني جاية مع جنى ومش مكسوفة انك ماشية بشعرك، دينك يا هانم.
لا تهتم بحديثه بل
خارت قواها بسبب كفيه الذي أحست بأنه نيران على جسدها، ناهيك عن أنفاسه التي ضربت وجنتيها
ارتعش جسدها وهو يجذبها حتى التصقت بجسده متجهًا إلى ريان
-عمو ريان حبيبي أخيرًا شوفناك
ضمه ريان بإبتسامة حنونة: -حضرة الظابط اللي اتجوز من غير مايعزمني. أشار على عاليا التي توردت وجنتيها عندما اشتد من ضمها وهو يطالعها.
-عاليا مراتي. دقات عنيفة لكلايهما ضربت صدرهما من مجرد كلماته التي للأول مرة ينطقها بتلك العذوبة
أومأ ريان برأسه قائلا بصوته الهادي العميق
-نورتي حي الألفي يابنتي
-ميرسي ياعمو شكرًا لحضرتك. اتجه ياسين بنظره الى نغم وأشار عليها
-طنط نغم المنشاوي، طبعا والدة العريس. توقفت نغم مرحبه بيهما ثم انسحب معتذرًا وهو يتحرك بها ليصل لوالده ووالدته. لمعت أعين غزل عندما وجدتهما بهذه الطلة. أشارت بيديها لعاليا.
-ايه الجمال دا يالولو، ثم غمزت لياسين قائلة بمشاكسة: -اوعى لحد يعاكسها ياحضرة الظابط.
رفع حاجبه ساخرًا ثم أجابها
-طب احرسيها ياغزول، بعد اذنك. قالها وتحرك يبحث عن أخوته وجد أوس بجوار ياسمينا يحمل ابنته التي غفيت فنهض قائلاً: -هطلع مسك فوق ياقلبي. طبعت قبلة على وجنة ابنتها وأومأت برأسها. امسكه من ذراعه متسائلاً
-فين جاسر؟
وزع بصره بين الأرجاء واجابه.
-كان هنا من شوية، شوف جنى فين هتلاقيه. قالها وتحرك يحمل ابنته. قطب مابين حاجبيه مرددًا
-ادور على جنى!
تحرك يبحث عنه، ظهر أمامه صهيب بجواره عز وفارس
-اوووه الاستاذ الكبير وصل. قالها ياسين وهو يضمه بإشتياق
-عامل ايه يالا. حدجه غامزًا له
-لا دا انت حلويت يابن الألفي.
رفع فارس حاجبيه مترفعًا بغرور: -أنا احسن واحد في العيلة دي.
اومأ ياسين ساخرًا: -أيوة عارف طبعًا انك افشل واحد في العيلة. قالها وهو يضحك يقف خلف صهيب الذي قهقه عليهما. امسك ذراع عمه يشير لفارس الذي وصل إليه يشاكسه، ثم أشار عليه
-ابنك عامل شعره ليه كدا، هو هيمشي في شارع محمد على ولا ايه
ابتسم صهيب وأجابه: -اه وانت لم النقطة، ثم أشار على فارس
-بعد الفرح هيروح يشيل الهبل دا.
توقف ياسين بجواره وتحدث: -لا متخافش هيشلوه في الجيش غصب عنه، وهوصي عليه اخليه أربعة وعشرين ساعة واقف على المدرعة
ابصره فارس ساخرًا
-ليه اتكونش وزير الدفاع واحنا منعرفش، انا مش هدخل الجيش، انا هدخل دنيا على طول، فيه بت برازيلية هتنزل مصر قريب اتفقنا نتجوز
صفع ياسين كفيه ببعضهما يشير لعز الصامت.
-ايه يازيزو هتشهد على عقد جواز الرقاصة والطبال. تحرك عز ولم يكترث لحديثه يبحث عن أخته التي اختفت فجأة. قابلته ربى تحمل طفلها
-بدور عليك. حمل ايهم متسائلاً: -شوفتي جنى، ثم التفت بالأرجاء يبحث عن جاسر، وتسائل: -فين جاسر؟
هزت كتفها بعدم معرفة، ثم أمسكت ذراعه وترجته بعيناها: -وحياتي عندك سبهم لو مع بعض، بلاش توجعهم أكتر ماهم موجوعين.
احتضن رأسها يلثمها ثم أجابها: -عايز اطمن هي معاه ولا لا مش أكتر، ولكن توقف عن الحديث عندما وجدها تقف بجوار جواد ويعقوب
فتحرك متجهًا إليهم، ذهبت ببصرها لتحركه ثم رددت بحزن: -لما جنى هنا طب فين جاسر. كانت نظرات صهيب على ابنته، هدأ داخله بعدما شاهد رؤيتها لجاسر
قبل قليل
ترجلت من سيارتها تحتضن كف عاليا واتجهت لداخل الحفل، قاطع تحركهما وصول ياسين. تركتهما واتجهت لوالدها الذي ضمها بحنان ابوي.
-اتأخرتي ليه يابنتي. اتجهت تحتضن والدتها وردت قائلة: -نمنا وراحت علينا نومة، قومنا على اتصال عمو جواد. ذهب ببصره لجواد الجالس بجوار ريان ويعقوب
أشار عليه وتحدث: -روحي سلمي على عمك، وكمان اتفقي مع يعقوب على موضوع السفر
أمسكت كفيها نهى وهتفت بعدم رضا
-صهيب يعقوب ايه اللي تكلمه في شغل النهاردة. ربتت على كتفها تشير على جواد وسيف
-سلمي على عمامك وتعالي جنبي هنا، بلاش يعقوب ياجنى، همست بجوار أذنيها.
-بلاش قلبت جاسر عليكي، الحبيب مابيوجعش يابنت صهيب يارب تكوني فاهمة كلامي
هزت رأسها تنظر لوالدتها
-مستحيل اعمل اللي حضرتك بتقوليه، مش من طبعي ياماما، وبابا ميقصدش اللي في دماغك. نظرت لوالدها الذي توقف مع أحد المدعوين يرحب به، ثم تحركت بعض الخطوات فوجدت الذي يقف أمامها.
مرر أنظاره على هيئتها من قدمها وعيناه تبحر على ذاك الرداء الناعم كنعومة جسدها، يحتضن قوامها الرشيق ليظهر منحنيات جسدها الأنثوي أمام اعينه بإستفاضة للأعمى قبل البصير. اللعنة عليك ياجنيتي اتريدين بذهاب عقلي وتحولي للجنون، اقترب منها ومازالت نظراته متجمدة على جسدها، حتى تحولت عيناه لقسوة أراد أن يحرقها بها، جذبها بعنف لتصطدم بصدره يضغط على رسغها.
-خمس دقايق بس تطلعي فوق تغيري الفستان اللي هولع فيه أن شاءالله لو شوفته بعد خمس دقايق، اقسم بالله لو مطلعتيش غيرتيه دلوقتي لأقطعهولك واعرفك ازاي تكسري كلامي.
نزعت كفيها بغضب، واستشعرت بتجبره وحقيقة حديث والدها بتملكه لها فنظرت حولها حتى لا تجذب الانظار إليهما وتحدثت بخفوت: -إنت ابن عمي وبس، مش من حقك تقولي ألبس ايه، حتى وجودك في حياتي قبل جوازنا انا مسحته، اللي قدامك دي مطلقة مش أكتر، واحدة كانت مستعدة تبيع الدنيا علشانه، بس هو باعها في اول موقف يبين مدى حبه.
ابعد عني ومالكش دعوة بيا وحاجة أخيرة متفكرش انك بكدا هتخليني ارجعلك أو احن واشفعلك، دنت منه وغرزت عيناها برماديته قائلة: -أنا حرقتك ياجاسر زي ماانت حرقت ذكرياتنا، ودلوقتي بقولها وانا مقتنعة بيها مش مجرد كلمات من لساني بس
انا ندمت اني حبيتك، والله ندمت، والله ندمت يابن عمي، ودلوقتي لو تسمح يابن عمي عديني وخلي عندك شوية كرامة ومتحاولش تقف قدام واحدة مش قادرة تتحمل وجودك قدامها.
أحس بالدوار يلف بجسده، وكأنه تلقى ضربة هشمته حتى فقد اتزانه وحفرت آلام من قلاع حصينة لتهدم روحه. أي جرم ارتكبه ليتحطم فؤاده على من عشقها وارتوى بعشقها، جرمه أن يحميها من الأيدي البغيضة التي لا تعرف للرحمة مجال.
تراجع بعض الخطوات للخلف حتى تسير من أمامه فكأنها أشعلت كتلة نارية ووضعتها بصدره وتحركت بكعبها العالي لتنخر عظامه من شدة آحتراقه بلهيب العشق الضاري. رفع نظره لعمه وتلاقت اعينهما للحظات مما طأطأ رأسه بأسى فاستدار متحركًا تاركًا المكان بأكمله.
وصلت الى جواد ويعقوب بجسد مرتجف، وقلبًا ينزف من الألم على أحست به من وجعه الذي تجلى على ملامحه من قساوة حديثها، تمنت لو التفتت إليه لتعانقه تربط على قلبه الذي تحطم وتفتت حتى أصبح رمادًا
جذبها فارسها يحملها ويدور بها
-جنجون قلبي وحشتيني
ضربته على رأسه
-بس يافاشل، لسة فاكر. جذبها جواد من كفيها و
قبل جواد رأسها مبتسمًا، رفعت نظرها ليعقوب.
-ازاي حضرتك. ابتسم لها ورفع كفيه ليحيها، ذهبت ببصرها تبحث عنه ولكنه كالذئبق الذي تبخر ولم يعد موجودًا. هزت رأسها ليعقوب متأسفة: -فين كارمن مجتش معاك!
تسائلت بها بصوت خافت: -لديها بعض الأعمال، كيف حالك
-كويسة الحمد لله. وصل سيف إليهم
-جنجون عاملة ايه؟
-اهلا عمو وحشتني، فين البنات؟
أشار لوقوفهما بجوار زوجته
بمكان آخر خارج حي الألفي.
وضع رجلُ بعض الصور أمام رجل يبدو عليه الشيب، فتحدث بنبرة فظة: -اسمه جاسر جواد الألفي، ظابط مكافحات عنده تسعة وعشرين سنة كان متجوز بنت هاشم الناجي، طلقها من سنة تقريبًا دون معرفة السبب فيه بيقول لأنها اتبعت اسلوب امها وفيه اللي بيقول علشان سقطت الحمل من وراه، المهم مفيش سبب واضح، اتجوز بنت عمه قدام الناس علشان حبها بس الحقيقي علشان تعرضت لاغتصاب من هاني العتال وسمعت أن امجد الشربيني في الموضوع، البنت اتحجزت في مستشفى الأمراض العقلية لفترة وبعدها بفترة اتعملهم فرح، وبعد فترة حصل خلاف بينهم والبنت هربت لتركيا لفترة ورجعت وكانت حامل وسقطت الحمل ومن وقتها حصل خلاف كبير بين العيلة.
أخرج صورة أخرى ووضعها امامه
-دي بنت عمه ودي طليقته، هو دلوقتي طلقها برضو بسبب خلاف مش واضح بس اللي وصلنا له انه مبقاش عايزها وكان متجوزها يستر عليها مش اكتر
هز الرجل رأسه وهو يطالعها بتدقيق ثم رفع يديه إليه
-معاك صور ليهم مع بعض.
هز رأسه بالنفي قائلاً: -دول مابيتقبلوش حاليا غير في المناسبات. اه ياباشا فيه حاجة مهمة، قبل الجواز كانت تربطهم علاقة اخوية، يعني البنت مش حبيبته ولا حاجة، وبعد طلاقها قاعدة في بيت لوحدها، وجواد الألفي عامل كرديون أمني عليها، البيت في كمبوند قريب من بيت ابن عمها، بس متأكدناش دا صدفة ولا لا، أصله نقل قبل ما تشتري البيت دا بشهر تقريبا
-طب ليه الواد مش في الألفي
-لسة هنعرف ياباشا.
تراجع بجسده ومازالت نظراته على صورة جنى رفع الآخر كاسه يرتشف ماحرم الله وهو يجذب صورتها من يد والده: -حلوة مش بطالة، بس البنت اللي كانت عنده احسن
طالعه والده مستنكرًا حديثه ثم تحدث: -كفاية عليك البت التانية يانعمان، وبعدين اعتقها البت بسمع صراخها طول الليل.
أطلق ضحكات مشمئزة ونهض يضع مشروبه مرة أخرى وهتف: -البت حلوة قوي، معرفش الظابط دا عبيط يطلقها، بس ايه ياباشا تستاهل الصراحة، وكفاية بس الفيديوهات اللي هتوصله، علشان لو فكر يتنادل يبقى نرد عليه ماهي كانت طليقته برضو.
أشار والده بالصمت ثم نظر لذاك الرجل: -اسمعني ياسالم وفتح عقلك، الظابط دا بدل نكش ورانا يبقى عنده معلومة أكيدة، عيونك ماتفارقوش، ومش بس هو كمان بنت عمه، الموضوع دا وراه حاجة وطلاقهم في الوقت دا مش مقنع بيه، ممكن بيبعدها عن الأعين
اومأ الرجل بطاعة وخرج دون حديث آخر، ثم اتجه إلى ابنه المدعو نعمان.
-عايزك تفصص البت دي وتعرف اخبار اكتر عن الظابط دا، ولو بتحبه هنكرهها فيه ولو بتكره هتقولك كل حاجة دون رفة جفن
وضع الكأس على المنضدة يلفه ثم هتف
-بالليل كل حاجة هتكون عندك ياباشا
-بس مقولتش ليه الواد الظابط دا حجزك فترة وفي الاخر سابك يقصد ايه من الحركة دي
مازالت نظراته على صورة جنى فهتف:.
-هنعرف يانعمان، بس الواد دا مش سهل، وشكله بيخطط لحاجة، لو اللي بفكر فيه صح يبقى الواد دا خطر جدا، المهم عايز منهك تحرك يزن وخليه يرجع هنحتاجه الايام الجاية وخاصة اللي زي يزن دا يموت في الأشكال دي وبميلش
جذب صورة جنى التي بيديه ومرر أنامله عليها ثم رفع نظره لوالده: -تفتكر جواد الألفي هيخليك تقرب من ابنه ياتميم باشا
قهقه بصوت مزعج قائلا.
-هيقلب في دفاتره، بس وقتها هيكون ضربنا ضربتنا، هو اكيد ميعرفش اللي بيحصل. قالها نعمان ببساطة
أما تميم نظر للخارج: -يبقى متعرفش مين جواد الالفي، دا كان مسمينه اسد الداخلية، المهم شوف هتعمل ايه في الشحنة الجديدة
بالحفلة بحي الألفي
وصل جاسر إلى والده
-أنا همشي يابابا محتاجني في حاجة
-هتمشي دلوقتي لسة بنت عمتك مالبستش الدبل.
جالت أبصاره بالمكان وهو يشعر بالاختناق قائلًا: -بابا مصدع وعايز ارتاح، وكفاية ياسين وأوس هنا.
-ماينفعش ياجاسر، انت الكبير ولازم تكون موجود، وبعدين حتى مهنش عليك تباركلهم، خليك لما يلبسوا الدبل وبعدين امشي
استمع لضحكات يعقوب خلفه، فاستدار يطالعه بصمت كان واقفًا بجوار عز وأوس، اتجه ببصره لوالده قائلاً: -البارد دا بيعمل ايه هنا
امال جواد برأسه غامزًا، اوعى لتكون غيران يابن جواد.
نفث سيجاره ثم اتجه بنظره لوالده
-هغير من دا ياابو الجود، طب شوف حد حلو. قهقه جواد يشير بعينيه على وقوف جنى بجوار هنا وربى ثم هتف: -مراتك واكلة الجو العائلي، ضيق مابين حاجبيه وهتف: -ازاي تخرج بالفستان دا يابن جواد مبقتش قادر تحكم
تعالت أنفاسه حتى وصلت لزروتها فنظر لوالده: -حضرتك نسيت أنها طلقيتي مش مراتي يعني حكمها لابوها وأخوها
اومأ رأسه يدقق النظر بعينه ساخرًا.
-أيوة طبعا، بدليل كنت هتضربها اول ماوصلت، جذب ذراعه يهمس له: -مش على ابوك يالا، . توقف عن الحديث عندما وصل ريان إليهما
-حضرة الظابط عامل ايه؟
-الحمد لله ياعمو شكرًا لحضرتك. تذكر جواد شيئا فتسائل
-هو راكان البنداري مجاش ليه، انت مابعتلوش دعوة
حك ذقنه يرمق والده بنظرات مبهمة ثم تحدث قائلًا: عمل حادثة وفي المستشفى، ومش بس كدا فقد الذاكرة
ذُهل جواد فاستمع إليه بإهتمام
-ازاي وامتى الكلام؟
من اسبوع تقريبًا، مراته كانت مخطوفة وحوار كبير
توقف عز بجواره قائلًا: -جاسر عايزك. استمع الى صوت يعقوب
-هل تسمحين لي بتلك الرقصة جميلتي. ذهبت أبصار الجميع إلى جاسر الذي توقف متصنمًا، منتظر ردها.
رفعت غنى التي كانت متوقفة بجوار جنى نظرها لأخيها ثم اتجهت إلى يعقوب قائلة: -جنى هترقص مع جاسر ياباشمهندس، رفعت نظرها إليه وتقابلت نظرات العتاب، فاستدارت متحركة إلى أن ربى جذبتها مع سيا وتحركوا إلى وقوف تقى وقاموا بتغيير الموسيقى
لتبدأ البنات بالرقص
ظلت البنات فترة تتراقص بأغانيهم الشعبية. إلى أن وصل عز يجذب ربى
-ايه يابت اتجننتي روحي شوفي ابنك ياهانم. ضغط على خصرها يهمس لها بغضب.
-مبقاش عز لو مشفتش المواهب دي طول الليل
افلتت ضحكة ناعمة قائلة: -تؤمر ياحبي، بس سبني شوية. جذبها وتحرك بها بعيدًا
-ياله يابت قال شوية
بينما تماسكت غنى وعاليا أيديهما وبدأن يتراقصن، جذبت غنى عاليا التي توقفت بصمت، تذكرت جنى حملها فهمست لغنى
-سبيها علشان ياسين مايقلبش عليها.
أما ذاك الذي توقف بعيدًا ولكن نظراته تحترق حركات جسدها، ود لو اقتحم مجمع الفتيات ذاك وشق ثيابها التي جعلتها أيقونة من الجمال الأنثوي الخارق
ظل ينفث سيجاره حتى اختفى خلف رمادها فصدره يحترق كمرجل جف ماؤه، دقائق من الصمت المريب ولكن هناك انفاس تحرق الكون هو يتلفت حوله ليبحث عن أعين ترى تمايل جسدها بتلك الطريقة، ورغم أن المكان لا يوجد به سوى الفتيات إلا أنه مفتوحًا لبعض الأعين المريضة.
شاهد ياسين يقف وحيدًا فتحرك إليه ولكنه توقف عندما وجد ليليان تقترب منه
-هاي ياسين
التفت بجسده إلى التي تهمس باسمه
ابتسم لها ثم وضع كفوفه بجيب بنطاله يومأ برأسه: -اهلا آنسة ليليان، ولا اقول مدام
اقتربت منه حتى لم يعد يفصلهما سوى خطوة واحدة قائلة: -عامل إيه؟
ابتعد ببصره في الأرجاء محاولا الحفاظ على ثباته واكتساب هدوء، ثم اتجه ببصره إليها: -أنا كويس الحمد لله. تحرك خطوة إلا أن أمسكت ذراعيه.
-ممكن نتكلم. تراجع للخلف ينظر لكفيها المتشبث بكفيه ثم تحدث: -مفيش بينا كلام، بعد إذنك مش فاضي
-ياسين. همست بها، مما جعله يتوقف يكور قبضته داخل جيبه ثم استدار قائلاً
-نورتي الحفلة ياآنسة ليليان. قالها وتحرك فهتفت بخفوت.
-وحشتني. تسمر بوقوفه فاستدار سريعًا يرمقها بنظرات جحيميه قائلا: -بس إنتِ اكتر حاجة بكرهها، ومش بس كدا، حرقت الفترة اللي فكرت فيها بيكي، ودلوقتي حضرتك مرتبطة وانا متجوز، ياريت تحترمي خطيبك او جوزك ميهمنيش، اللي يهمني مراتي وكرامتها، رفع نظره لوقوف عاليا التي نظراتها تحاصرهما فتابع مؤكدًا.
-اللي هناك دي بس اللي تهمني، بعد اذنك بس قبل ما امشي عايز أكدلك انا مبهربش انا بحترم علاقتي بمراتي قدام الناس اولا وقدام نفسي ثانيا
قالها وتحرك متجهايجذب عاليا متحركًا بها بعيدًا عن الأعين.
أما تلك الأعين الرمادية التي تحولت لكتلة من بركان أوشك على الأنفجار تحرك بعدماجن جنونه حينما تخيل أن اخر رأى رقصها بتلك الطريقة، خطى بخطوات جنونية إلى أن اقتحم مكانهم وجذبها بغضب جحيمي امام أعين الجميع هادرًا: -امشي قدامي بدل مااخليكي تندمي
حاوط خصرها وتحرك أمام نهى وغزل
ابتسمت نهى تضع كفيها على فمها: -اتأخرت يابن جواد. لكزتها غزل وهي تبحث عن صهيب ثم امالت لها.
-طيب فكري هتقولي ايه لصهيب لما يرجع ويسأل عليها
رفعت كتفيها تهزهما: -وأنا مالي، هي صغيرة، وبعدين هي مع جوزها
تأففت غزل تلكزها: -جوزها برضو يانهى. اعتدلت تطالعها قائلة: -بلاش دا معايا ياغزل انا عارفة حوار ورقة الطلاق دا، يعني ابنك قال مجرد كلمة مش اكتر، وتلاقيه رجعها هو انا اللي هقولك عليه
تجمدت ابتسامة غزل ثم تحدثت: -بس هو مرجعهاش فعلا يانهى، ومُصر يطلقها بالفعل، مش عايز يرجعها.
ظلت نظرات نهى عليهما إلى أن ولج لمنزل والده ثم اتجهت تطالعها بحزن
-هيرجعها أنا واثقة في كدا، ابنك بيفكرني بجواد زمان ياغزل، وشايفة نظرة الحب اللي ممكن يهد الدنيا علشان حبيبه، ساعات بياخد قرارات غلط بس دا ميمنعش أن جنى في قلبه
مسحت غزل على وجهها ثم استندت بكفيها على جبينها قائلة: -ابني من وقت ماطلقها وهو مش عايش اصلًا بس نعمل ايه في صهيب
عند عاليا وياسين.
جذب كفيها وصعد إلى الأعلى وصل إلى جناحهما، توقفت على باب الجناح قائلة: -أنا مش هبات هنا، قولتلك، مستحيل يتقفل علينا باب واحد، روح كمل سهرتك مع حبك القديم
دفعها بقوة بعدما أخرجت جيوش غضبه
-ادخلي علشان اخوكي هيجي لك كمان شوية ياخدك، متفكريش اني جايبك علشان الحلوة وحشاني، ولما تتكلمي معايا تتكلمي بأدب، اه عرفت انك مظلومة بس مش معنى كدا انك مش غلطانة، انتي متصورة من غير هدوم.
اقترب منها وهي تتراجع للخلف حتى حجزها بالجدار واشتعلت عيناه بنيران لهيبيه كقعر جهنم قائلاً: -ايه مش عايزة تقولي ازاي الحقير دا صورك كدا. أشارت بسبباتها
-اياك تتعدى حدودك معايا، سمعتني، وملكش دعوة، اتصور اتنطط انت مالكش دعوة بيا، وانا مش هروح عند حد، انا هروح لجنى لحد مانتطلق بس هعتب عليك ليه واخويا رماني لواحد زيك
لكم الجدار خلفها محاولا الحفاظ على غضبه منها ثم امال بجسده يتعمق بالنظر بزرقة عيناها.
-إنتِ مراتي، طول مااسمك مرتبط باسمي تسمعي الكلام، مفيش خروج من البيت دا الا اذا عايزة تروحي تزوري اهلك غير كدا لا
قالها واستدار متجهًا للخارج، توقف لدى باب الجناح وهتف: -امسحي الروج دا، استدار بكامل جسده يرمقها بنظرات مبهمة ثم هتف:
-الحفلة خلصت مفيش داعي تنزلي، واجهزي
جلست على الفراش تضع كفيها على أحشائها بعدما شعرت بالألم، انسابت عبراتها تغمض عيناها بألم قلبها الذي بدأ ينبض لهذا الشخص.
-لازم تتخلصي من البيبي دا ياعاليا، مستحيل تخليه يربطك بيه
عند جاسر وجنى
دفعها بقوة داخل غرفته حتى كادت أن تسقط لولا استنادها على المقعد، اعتدلت متجهة إليه تلكمه بصدره
-ازاي تجرني كدا، مفكر نفسك مين.
جذبها من خصرها بقوة يبتر حديثها حتى اختنقت ب انسحاب أنفاسها
لحظات وشحب وجهها لم يرحمها وكل ما يراه أن غيره رآها بتلك الهيئة المميتة لروحه، حاولت التملص حينما فقدت التنفس كاملًا.
تراجع للخلف بأنفاسه المتسارعة، أما هي خارت قواها فهوت على المقعد حينما فقدت القدرة على الحركة، تحاول أن ينتظم تنفسها
اقترب منها وعيناه تمر ببطئ على وجهها الذي بدأ يستعيد دمويته ونطق بصوتًا عميق: -قومي غيري الزفت دا علشان اوصلك.
استعادت نفسها فهبت متجهة للباب توقفت قبل الخروج وهي تهدر به: - البس ولا اخلع حتى، مالكش دعوة، انا هنزل دلوقتي وهروح ارقص كمان علشان اعرفك انك ولا حاجة، انت مين اصلا علشان اعملك خاطر أو اسمع لك، انا حتى مبقتش عايزة اشوفك قدامي، واحد ضعيف مالوش غير كلام وبس، وقت الجد بيهرب ومبيقدرش يواجه، انا ندمانة اني حبيت شخصية ضعيفة، بص حواليك كدا واتعلم من بيجاد وعز وأوس، شوف بيجاد بيعمل ايه لغنى وشوف عز.
وصل إليها بخطوة واحدة
وكلماتها التي أشعلت فتيل غضبه، فلم يشعر بنفسه وهو يجذب ردائها بعنف وغضبه الذي جعل قوته فولاذية ليقوم بشقه لنصفين ثم أشار إليها مستهزئًا: -عايز اشوف جمال خطوات الأميرة، وهي بترقص، ضغط بقوة آلامتها على خصرها، ثم جذب عنقها يقربه إليها
-افتكري قولتلك مش مسمحولك تكوني ملك لغيري حتى لو مت، تفتكري هخلي حد يلمسك وأنا عايش
رفعت عيناها التي تكورت بها الدموع.
تنظر لرادئها الذي شقه، انسابت بغزارة، هل ذاك الشخص الذي تعشقه، استباح جسدها بتلك الطريقة، لملمت فستانها
ثم هتفت ببكاء: -إنت ليه مُصر تموتني ياجاسر، ليه بتعمل كدا، احنا مبقاش بينا حاجة تربطنا ببعض. ابعد عني
افسح الطريق يشيرا للطريق
- الطريق مفتوح يامحترمة، انزلي وارقصي تحت وشوفي وقتها هعمل فيكي ايه، جذبها من فستانها الممزق وهي تحاول أن تلملمه إلا أن قبضته كانت كجمرة تحرق من يقترب منها.
-القرف دا للناس اللي مش متربية، واحدة تلبسه وتنزل بيه تدور على راجل تبيع نفسها له بليلة
رفعت كفيها لصفعه ولكنه أحكم قبضته بعنف على كفيها حتى شعرت بتخدر كفيها
-عارفة لو مش مطلقين كنت عملت فيكي ايه، ارتجفت شفتيها غير قادرة على التفوه كأنها أصيبت بشلل فلم يعد لديها النطق
-ليه تعمل فيا كدا، عملت فيك ايه؟
حاصر خصرها بذراعيه
-علشان عشقي جحيم يابنت عمي، عشقي نار بتحرق اللي يقرب منك.
بكت بصوت مرتفع مما شعر بتساقط دموعها وكأنها كرات ملتهبة تلتهم اعضائه.
جذبها لأحضانه يضمها بقوة، مطبقًا على عينيه. وآه عاشقة خرجت من بين شفتيه من قوة اشتياقه لها
حاولت الابتعاد عنه حينما ضعف جسدها بحضرته وارتجفت بين ذراعيه من أنفاسه الملتهبة لعنقها
نزع حجابها لتنسدل خصلاتها البنية اللامعة على وجهها بعشوائية يدفن رأسه بها يستنشق رائحتها بوله
-جنى وحشتيني. هنا فاقت من سحر جمال لحظاتهما فتراجعت تبكي قائلة: -ليه ياجاسر تعمل كدا، حرام عليك، حرام عليك بتستغل حبي.
تحركت سريعًا لغرفة ثيابها القديمة وهوت خلف الباب تبكي بنحيب هامسة من بين شهقاتها
-اغضب ربنا علشانك ملعون حبك يابن عمي، وملعون قلبي، آه صرخت بها تضرب فوق صدرها صارخة
-أنا بكره قلبي وبكره ضعفي ياجاسر، بكرهك سمعتني بكرهك لانك السبب في شخصيتي الضعيفة.
رغم نعتها له بالكره إلا أنه ابتسم بحبور واقترب من الباب قائلاً: -بس أنا بعشقك يابنت عمي، وزي ماقولتلك مستحيل اخلي حد يقرب منك هحرقه ياجنى. سمعاني، واياكي بعد كدا تلبسي حاجة بالقرف دا، بلاش وقتها اعرفك العملي الصعب بتاعي قالها وتحرك خارج الغرفة
بعد انتهاء حفل الخطوبة
هبطت عاليا بحقيبة صغيرة بها بعض الثياب واتجهت إلى غزل.
-طنط غزل هزور بابا وماما يومين بعد إذن حضرتك، اتجهت بنظرها لابنها وعلمت بهروبها منه، فأومأت لها بإبتسامة: -سلميلي عليهم حبيبتي.
حمل الحقيبة واتجه لسيارته، بحثت عن أخيها فتسألت
-فين كريم. أشار إلى السيارة
-اركبي وهقولك.
تحركت السيارة بهما لبعض الوقت فتوقف بالقرب من منزلها قائلًا: -كريم اتصاب في الجيش، علشان كدا جبتك. شهقت تضع كفيها على فمها متسائلة: -اتصاب قوي، تعبان ياياسين. انسابت دموعها مما جعله يبسط كفيه يزيل عبراتها بحنو، ثم جذبها لأحضانه بعد توقفه بالسيارة
-كويس ياعاليا، هي الرصاصة كانت في مكان مؤثر بس ربنا ستر.
بعد اسبوعً، قبل إنهاء عدتها بأيامًا قليلة جمعت اشيائها واتجهت للمطار. توقفت لبعض الوقت أمام المسؤولين عن مراجعة الجوازات
رفع الرجل نظره إليها قائلا:
ممنوعة من السفر يامدام جنى
انت بتقول ايه اتجننت؟
نعم؟
آسفة حضرتك، بس انا اتصدمت
حضرتك اكيد فيه حاجة غلط، انا جنى الألفي ازاي، لا أكيد فيه حاجة غلط ممكن تراجع كويس
تأفف الرجل ورفع رأسه إلى الجهاز يشير إليها: حضرتك ممنوعة بأمر من الرائد جاسر الألفي.
ارتجف جسدها بالكامل، لحظات صادمة وكأن حروفها هربت ولم يعد لديها القدرة على التفوه، فتراجعت للخلف تجلس على المقعد، عندما شعرت بإرتجاف الأرض تحت أقدامها. مسحت جبينها محاولة السيطرة على دقات قلبها. ثم اتجهت تجمع أشيائها متجهة لمكان عمله.
↚
ممنوعة من السفر. تلك الكلمة التي جعلتها كالمغشي عليها، حاولت أن تستوعبها، فرفعت بصرها متسائلة: -ليه؟
-حضرة الرائد جاسر الألفي يامدام
. أخرجت هاتفها، وهاتفته عدة مرات ولكن لايوجد رد
توقفت تجمع أشيائها، ثم سحبت حقيبتها واتجهت إلى سيارة الأجرة
-وصلت بعد قليل مركز الشرطة الذي يعمل به، توقفت أمام مكتبه
تسأل المسؤل عن مكتبه: -جاسر جوا!
-أيوة يافندم، لسة راجع من شوية.
دفعت الباب وولجت للداخل، وجدته غافيًا على مقعده، شعر بدخولها ورغم ذلك ظل كما هو
توقفت بأنفاسًا مرتفعة تنظر إلى نومه، شعرت بالحزن عليه لوهلة فكرت أن تتركه ولكن عقلها صفعها وولجت للداخل بخطوات متمهلة ترسمه بعيناها، وصلت أمامه وتوقفت لبعض اللحظات، تكورت عبراتها تحت أهدابها عندما تذكرت أنه لم يعد ملكها، اغضبها قلبها على مافعله بها فطرقت بقوة على سطح المكتب.
-حضرة الرائد نايم في مكتبه وبيأمر ويتأمر. فتح عيناه ببطئ
تعلقت عيناه بها لفترة من الزمن وهو يبحر فوق ملامحها التي اشتاقها حد الوجع، وقفت تطالعه بعتاب ظنًا أن باقي لها القليل من الأيام لتكون حرة طليقة دون الألتصاق بملكيته، غبية حبيتي كيف تظنين أنني انتفس دونكي، نظر لوجهها الغاضب منه وشفتيها التي تسبه بحرقة قلبها. يحفظها ظهرًا عن عقب.
جن جنونها عندما وجدت صمته، وكأنه صنم جليدًا لم يهمه امر غضبها وحزنها
لكمته بصدره وصرخت حتى صمت آذانه، فجذب كفيها بقوة مما أدى لسقوطها فوق جلوسه.
اقتربت من وجهه فهمس بأنفاسه التي ضربت وجنتيها دون مجهود منه ل إشياقه الكامن بصدره، ود لو حطم ضلوعها بتلك اللحظة ليرويها من عشقه الثمين، دنى من وجهها المحمر بحمرة لذيذة من غضبها الذي راق له فرسم البرود قائلاً: -صوتك يامدام جنى، نسيتي انك في مركز شرطة مش في حي الألفي
نظرت لمقلتيه وهمست: -جاسر سيب ايدي بتوجعني مينفعش كدا، حد يدخل يقول ايه.
-مش لما اعرف المدام داخلة مكتب ظابط شرطة بدون أذنه وكمان افزعته بنومه الهادي وهو بيحلم بحبيته
ارتجف جسدها بالكامل من هيئته وطريقته ناهيك عن صوته الرخيم الذي زلزل كيانها.
حاولت ابعاد وجهها عن أنفاسه، إلا أنه ضغط بقوة على ذراعها مما جعلها تقترب إليه تلقائيا، حتى تلامست وجوهما، انسابت عبراتها من ضعفها المميت بحضرته، وشعرت بضعف سيقانها التي لم تعد تحملنها، كأنه شعر بها فلف ذراعيه يحاوط جسدها النحيف ووضع رأسه بحجابها يهمس لها
-جاية تعذبي فيا ليه ياروح جاسر.
أطبقت على جفنيها رغما عنها من همسه الذي أضعف الباقي من قوتها، اللعنة عليك ايها القلب الضعيف. همست بتشتت تحاول الفكاك منه
-جا. س. ر ابعد ماينفعش كدا، حرام عليك يابن عمي، رفع رأسه وتعانقت الأعين، فأجابها: -مفيش بينا حرام وحلال يابنت عمي، أنتِ لسة في حكم مراتي، دنى أكثر يهمس بجوار شفتيها: -طول ماانتِ في شهور عدتك
شهور عدتك. اخترقت الكلمة جدار قلبها مما استمدت قوتها ودفعته بقوة.
-ابعد يامحترم، ايه قلة الأدب دي
تراجعت بعدما تركها، مسحت على ذراعيها من قوة تشبسه، نهض من مكانه فتراجعت للخلف تشير بسبباتها محذرة إياه: -لو قربت هصرخ وافضحك هنا، اتجه لثلاجة مكتبه واخرج زجاجة من عصير من المانجو، ارتشف بعضها ثم استند على ظهر المقعد يطالعها: -متخافيش يابنت عمي مش هقرب منك مش علشان تهديدك لا سمح الله، لأني مابخافش ولو مش مقتنعة ممكن اوريكي، أنا مش هقرب علشان لو قربت.
توقف عن الحديث واقترب بعض الخطوات يحاصرها بعيناه
تراجعت بجسدها بعدما اقترب ونظراته التي تحفظها جيدًا فتمتمت بتقطع: -ليه منعتني من السفر، انت مش من حقك، ودلوقتي اتصل بيهم خليهم يفكوا حظر سفري متخلنيش اروح لعمو جواد يتدخل
اقترب منها حتى حاصرها بينه وبين الجدار بذراعه
-بتقولي ايه، هتروحي تشتكيني، طب روحي جيتي ليه لعندي
انحنى يتعمق بالنظر لبنيتها.
-اللي بيني وبينك مفيش مخلوق على وجه الأرض يقدر يتدخل فيه، دي نصيحة مني مش أكتر ياطليقتي
أخرج شيطان غضبها فدفعته بقوة
-اتصل فورا عايزة اسافر، مبقتش عايزة اقعد هنا
امال بجسده مرة أخرى يغمز لها: -ليه، علشان متضعفيش لما تشوفيني
-لا. علشان موجعكش يابن عمي
زوى مابين حاجبيه متسائلا: -توجعيني!
ليه هو أنا متوجعتش مافيه الكفاية، ولا شايفة لسة فيه حتة صغيرة عايزة تقضي عليها، دنى أكثر وغرز مقلتيه بعيناها.
-موجوع بما فيه الكفاية ياروحي
رغم اعتصار قلبها إلا أنها أجابته: بجبروت انثى دُعس على قلبها من عاشق روحها، فاقتربت أكثر حتى اختلطت انفاسهما مما جعلت نبض القلوب كصوت رعد تهتز له الابدان، ولم تهتم لذاك القرب المدمر لروحيهما، رفعت كفيها على صدره تضع كفيها محل نبضه الذي ارتفع حتى شعر بإخترق عظام صدره من قوة نبضه، حركت أناملها بغرور وتجبر الانثى داخلها، وتعلقت عيناها برماديته هاتفة.
-فيه اللي يوجع ياحبيب الروح.
رعشة قوية أصابت كلاهما، ورغم ماشعرت به إلا أنها هتفت
-لما تشوفني ملك لغيرك ياجاسر، وقتها بس هتحس بالألم أضعاف وتتوجع قوي قوي يابن عمي، زمان مقدرتش رغم انك بعتني بس كنت معذور دلوقتي انا بايعني بالرخيص ومستعدة احرق قلبي وقلبك مع بعض علشان تعرف قد ايه انك وجعتني.
شعر بدوار خفيف، كفيل لتحطيم فكها، وشفتيها التي نطقت بتلك الكلمات التي ستصيبه بذبحة صدرية لا محالة. كلمات كالطلقات النارية، اخترقت روحه قبل جسده
أخرجت جيوش غضبه الكامنة بداخله، مما جعله يجذبها بعنف، يلف ذراعيه حول خصرها
-سمعيني يابت بتقولي ايه.
برقت عيناها وتوقف مجرى الدماء بعروقها من تبدل حالته. ابتلعت ريقها بصعوبة تدفعه بقوة: -جاسر ابعد انت اتجننت، زمجر بغضب يضغط على خصرها بقوة يجذبها أكثر حتى ارتطمت بصدره بقوة مما جعله يلف ذراعيه الآخر حتى أصبحت بأحضانه رفع ذقنها: ايه ياروحي نسيتي اللي قولتيه
انطقي. صرخ بها مما ارتجف جسدها بين ذراعيه: -جاسر اتجننت وسع كدا، هو مفيش مجرمين النهاردة حتى سايبنك فاضي كدا.
ابتسم على طفوليتها امال بجسده حتى اعتقدت بتقبيلها فتراجعت برأسها: -ابعد يامجنون.
-لما تقولي كنتي بتقولي ايه؟
ضربته بصدره وهاجت بصرخاتها
-خليني اسافر وابعد عنك بدل مااتجوز غيرك ودا مش كلامي دا كلام عمك والصراحة لو فكرت مما اقتنع فأنت زي الشاطر كدا
بتر حديثها يعاقبها بطريقته، فلقد فاض الكيل وهي تحاول الفكاك من قبضته، قطع جحيم جنته التي وقع بها سماع جواد بالخارج
-جاسر جوا يابني، اجابه الرجل.
-أيوة يافندم. معاه، ولكنه دفع الباب بدفعه لجنى بعيدًا عنه
ابتعدت محاولة الثبات، دلف جواد هاتفًا: -لسة عندك صداع يا. توقف عن الحديث بعدما وجدهما بحالة تنم بقربهما من بعضهما، حمحم واقترب معتذرًا: -آسف فكرتك لوحدك. اتجهت لحقيبتها بعدما سالت قطرة ضعف من طرف عيناها
ظلت نظراته عليها دون حديث. لكزه جواد بعدما طال صمتهم
-فيه حاجة.! ثم اتجه بنظره لجنى
-جنى إنتِ مسافرة النهاردة؟
لم تقو على الحديث، ابتعدت بعيناها المترقرقة بالدموع تهز رأسها. اتجه إلى مفاتيحه وهاتفه ثم أشار لجواد: -جواد انا ماشي، لو فيه حاجة كلمني.
ثم اتجه إليها يجذب حقيبتها قائلًا بنبرة جليدية: -قدامي على العربية. طالعته للحظات وشظايا الألم تقذف من مقلتيها، سحب بصره متجهًا إلى جواد
-يبقى شوف الفيديوهات اللي بعتها عثمان وحضر نفسك
امسك ذراعه وعيناه على جنى متسائلاً: -لسة الصداع تاعبك، وجنى مسافرة ولا ايه!
ربت على كتفه وتحرك قائلًا: -جواد نتكلم بعدين، قالها واتجه للواقفة بجوار الباب ثم سحب كفيها وتحرك بها إلى أن وصل لسيارته، ارتدى نظارته يشير إليها: -اركبي ولا مستنية العريس اللي ابوكي هيبعتهولك
فتحت الباب دون حديث وجلست بجواره تتراجع برأسها تستند على المقعد ونظراته مشتته على الطريق
-عايز توصل لأيه ياجاسر، ليه معذبني معاك، ليه مش عايزني ارتاح.
زفرة حارقة أخرجها يمسح على خصلاته يرجعها للخلف، ثم اتجه بنظره إليها: -عايز وعدك ليا ياجنى
رفرفت اهدابها مستديرة برأسها تحدجه بنظرات معاتبة: -وعدي! أي وعد؟ وفين وعدك ليا ياجاسر. همست بصوتها الحزين
-وعدتني هتسعدني ومش هتبعد عني
انت عملت ايه، اخترت اسهل حل وكسرتني.
خناجر طنعت قلبه ماذا عليه أن يقول لها، استدار ينظر بمرآة سيارته لأحد الأشخاص، ثم قام بتحريك المحرك دون إجابتها يقود السيارة وعيناه على من يراقبه
مرت قرابة النصف ساعة حتى وصل أمام منزلها وتحدث: -انزلي. عندي شغل!
اتجهت بنظرها مذهولة فهمست بتقطع
-مش هتنزل معايا؟
-لا. ، وانسي موضوع السفر دا نهائي، لانك مش هتسافري طول ماانا عايش، واعملي حسابك ياجنى لو شوفتك بتكلمي جنس راجل يبقى ماتلوميش غير نفسك، احترمي وعدك ليا وانا هحترم وعدي، هفضل زي ماانا جاسر اللي بيعشقك ومستحيل افكر في غيرك، السنة اللي كنا مع بعض فيها، كفيلة تعيشني سنين على ذكراها الجميلة، النهاردة كنت عاقل معاكي صدقيني، وتأكدي لو غضبي وغيرتي طالتك هتزعلي جدا، ودلوقتي انزلي قالها وهو ينظر أمامه.
كلمات كالرصاص اخترق صدرها، أغمضت عيناها محاولة السيطرة على نفسها على عدم انهيارها. لحظات مميتة من الصمت البارد منه إلى أن تسائلت: -ليه! عملت فيك ايه لدا كله، ليه تكسر قلبي وعايز تحرق روحي كدا.
استدار يطالعها ثم هتف بهدوء رغم الكتلة النارية التي أحرقت صدره من دموع وارتجاف جسدها: -علشان بعشقك يابنت عمي، وأنتِ رضيتي بعشقي دا، عارف عشقي جحيم بالنسبالك وعارف قدرنا يبعدنا عن بعض بس رغم كدا مستحيل اخليكي ملك لحد أو حد يقرب منك، صدقيني وقتها هوجعك قوي ياجنى، ومش أي وجع، مش عايزك توصليني لكدا، جنى أنتِ ملكي سواء بعدنا أو قربنا أنتِ ملكي، ولو حاولتي تستفزيني تبقي مجنونة لأن غيرتي نار هتحرقك وتحرق اللي يقرب، كفاية عذاب السنين اللي فاتت، طلقتك اه بس مش معنى كدا يبقى اتنازلت عنك، دا مجرد وقت مش أكتر.
بكت بقهر مردفة: -إنت كدا بتكرهني فيك ياجاسر، صدقني أفعالك دي هتخليني اكره اجمل ايام حياتي
دنى بجسده منها حتى ضربت أنفاسه وجهها وهتف دون جدال: -بالعكس يابنت عمي هتعشقيني اكتر واكتر، والايام تثبتلك أن عشق جاسر لجنته متكررش، لأن مفيش حد بيحب حبيبته قدي، وكلامك عن بيجاد وعز هعاقبك عليه، مش أنا اللي اتقارن بحد، وبدل محستيش بقلبي ومستوعبتيش جنون عشقي يبقى تستاهلي اللي هعمله.
هزت رأسها رافضة حديثه تهتف بحزن
-إنت مش طبيعي ياجاسر، انت مغرور وانا بأكدلك بكرة مش هتلاقيني، انا كان ممكن اروح لعمو جواد واحكيله وكان بتليفون منه اسافر، لكن إنت.
بتر حديثها هادرًا بها بنبرة غاضبة: -مكنتيش هتقدري، عارفة ليه. وضع كفيه على صدرها وتابع حديثه: -علشان انا هنا مدفون هنا، وطول ماانا هنا مش هتقدري أو تحاولي تبعديني عنك، ومش بعيد انك فرحانة علشان لغيت سفرك، لا انا متأكد انك فرحانة، دنى أكثر وهمس بجوار أذنها
-لانك عارفة روحك مربوطة بروحي ياروحي. فيه اكتر من كدا إثبات
امال بجسده عليها يفتح الباب يشير إليها بالنزول.
ترجلت من السيارة ومازالت نظراتها الضائعة عليه، استدار إليها يشير للحارس
-خد شنطة المدام طلعها، ثم توقف أمامها يشير إلى منزلها
-بعد كدا متخرجيش من غير الحراسة، والأفضل انك ترجعي حي الألفي قاعدة لوحدك ليه عايزة تثبتي ايه
دنت منه خطوة ولكزته بصدره: -إنت مريض بحب التملك ياجاسر، وانا مش موافقة على كل اللي قولته، واسمعني زي ماسمعتك
دنت أكثر وهتفت بنبرة مستاءة منه ومن نفسها.
-أنا بحل وعدي ليك، عارف ليه يابن عمي لانك كداب ومخادع، دنت أكثر وتعمقت بنظراتها النارية تلقيها لعيناه كرة لهيبية، وأشارت بسبباتها
-تهديدك دا على نفسك، انت طلقتني وخلصنا، سمعتني خلصنا ياحضرة الظابط. ودلوقتي ورقة طلاقي معايا وحتى لو فكرت مجرد تفكير ترجعني انا مش موافقة. شبت حتى وصلت لاذنه وهمست له: -وعدتك اكون طول حياتي ملكك لما كنت جنى الهبلة، ودلوقتي هروح عند ابويا واسمع كلامه.
تراجعت بخطواتها ترمقه بنظرات متشفيه عندما تحولت ملامحه ثم استدارت إلا أنه دفعها بقوة حتى اصطدمت بالسيارة يطبق على عنقها وهو ينظر من خلال المرآة يهمس بفحيح قائلاً: -وحياة ربي ادفنك ياجنى، لو عايزة تكرهيني اعمليها
تراجع بعد لحظات معدودة وهو يرى عبراتها مذعورة مما فعله. تحركت سريعًا وصوت شهقاتها أدمى قلبه وفتته، ظل لدقائق واقفًا وعيناه تتجول بكافة الأرجاء هامسًا لنفسه.
-وبعدهالك ياجنى، عارف بظلمك معايا بس غصب عني، يارب اني استودعتك جميع من أحب. قطع حديثه مع نفسه رنين هاتفه، استدار لسيارته ونظراته على ذاك الشخص وهو يتحدث بهاتفه: -أيوة يابابا
-جنى مسافرتش ليه؟ وانت بتعمل ايه عندها
ابتسم ساخرًا ينظر لحرسه ثم أجابه
-بلاش شغل المفتش كرمبو دا ياحج جواد، استقل سيارته وتحرك بها ومازالت عيناه تراقب ذاك الشخص فهتف مجيبًا والده:.
-جالها مغص ومقدرتش تسافر ايه ياحضرة اللوا هتعترض
-عيارك فلت يابن غزل وعايز تتربى
قهقه بصوت مرتفع قائلاً: -دلوقتي ابن غزل، لما أكون محترم يبقى ابن جواد، ولما اتكلم بأسلوب ضد الباشا يبقى ابن غزل، خليك حقاني ياحضرة اللوا علشان الدكتورة متقلبش عليك
افلتت غزل ضحكة ناعمة وجذبت الهاتف من زوجها
-حبيبي اللي لسانه بينقط سكر، وحشتني حبيبي ماتيجي تتغدى معانا، عاملة لك محشي ورق عنب اللي بتحبه.
-لا. كرهته يامرات حضرة اللوا، قولي لحضرة اللوا يشيل عيونه من عليا بدل مااقدم فيه بلاغ
قهقهت غزل وهي تلكز جواد المنصدم، ثم اردفت بمشاكسة: -حقك ياروحي، واهو بالمرة ابوك يجرب أكل السجن بدل ماهو قاعد يعيب على اكلي
وصل إلى منزله وترجل من سيارته يشير لأحد الرجال هامسًا له ببعض الكلمات ثم دلف للداخل وتابع حديث والدته
-لا ياحضرة الدكتورة في دي حضرتك ظلمتي الباشا، حتى حضرة اللوا مابيكلش غير من ايد غزالته.
اخذ جواد الهاتف وتحدث إليها: -شوفي جهزوا الغدا ولا لا ياغزل، نهضت ترمقه بعتاب: -بطفشني ياجواد، تمام اشبعوا ببعض. قالتها وتحركت للخارج، أما جواد الذي تحدث قائلاً: -جاسر ليه رفضت سفر جنى، ماتخليها تسافرلها شهرين لحد ماعمك يهدى شويه
-ارتشف بعض قطرات الماء وأجاب والده: -ممكن اطلب من حضرتك طلب يابابا.
استمع إليه جواد بإهتمام فتابع جاسر قائلاً: -ماتدخلش بيني وبين جنى لو سمحت، مش عايز حد يدخل في حياتي الشخصية
نهض جواد من مكانه وتحرك لشرفته قائلا بعتاب: -دلوقتي بقت حياتك الشخصية، عايز تبعدني عن مشاكلك ياجاسر
هز رأسه بالنفي وأجابه: -ابدًا حضرتك، أنا بس عايز اللي بيني وبين جنى محدش يدخل فيه مهما اعمل محدش يدخل، مش من حقي يابابا.
-لا مش من حقك يابابا، انت ناسي أنها بنتي يالا، فوق ياجاسر لولا انا اللي فهمت عز بلعبة ورقة الطلاق كنت زمانك مطلقها فعلًا، واعمل حسابك لو صهيب عرف أول واحد هيتأذي انا منه
- اسمعني يابابا، جنى دلوقتي مش من حقك انك تقرب منها أو تدخل في حياتها دا في نظر ابوها، علشان ميضغطش عليك بجد ويجبرك بطلاقها حقيقي عند مأذون
قام بنزع قميصه ملقيه بغضب على الأرضية واجاب والده بعلو صوته إلى حد ما.
-النفس اللي بتتنفسه حقي، وطلاقنا غصب عننا سمعتني يابابا، يعني حتى لو مرجعتهاش طلاقنا باطل، لانكم اجبرتوني على كدا ودا اخر كلام
اللي بيني وبينها محدش له دعوة بيه، لا من بعيد ولا من قريب، ولو سمحت لو طلبت منك اي مساعدة ارفضها، لو سمحت لو فعلا بتحبني، للاسف اول مرة اشوف في عيناها تحدي النهاردة وعارف ومتأكد أنها هتحاول تسافر، ارجوك يابابا بلاش تهد اللي بعمل
-طب إنت رجعتها ياجاسر زي مااتفقنا.
مسح على خصلاته وتنهد بعمق ثم تحدث بإقتناع: -لا يابابا، ومش عايز ارجعها دلوقتي غير لما عمو صهيب يجيلي ويقولي رجعها.
-طب ياجاسر، متنساش انك رميت يمين طلاق رغم مفيش ورقة طلاق بس كدا انت طلقتها ولازم ترجعها قبل ماشهور عدتها تخلص، متفكرش علشان مفيش ورقة طلاق يبقى كدا انك مطلقتهاش
-بابا عايز انام تصبح على خير
بمنزل نادر البسيوني.
جلست بغرفتها القديمة، ولجت والدتها تطالعها بحزن، فمنذ وصولها وهي تنفرد بنفسها، ولم تتحدث مع أحدًا
كانت تتكور بوضع الجنين تنظر بنقطة وهمية، خطت إلى أن توقفت بجوارها، تمسد عليها بحنان أموي: -عاليا هتفضلي حابسة نفسك كدا يابنتي. ايه رأيك تخرجي تقعدي معانا برة، حتى شوفي الورد فتح، ياله حبيبتي اخوكي طلع. ابتعدت بنظرها قائلة:.
-عايزة اقعد مع نفسي لو سمحتي، ممكن تسبيني، وبعدين انا تعبانة وعايزة انام مش عايزة اتكلم مع حد
جلست بجوارها، وعيناها تحتضنها
-يابنتي هتفضلي معقباني لحد إمتى بس، انا مكنش بايدي حاجة، أنتِ شوفتي وسمعتي الناس قالت ايه لولا ياسين كان زمان شرفنا بقى في الأرض.
اعتدلت صارخة: -أنا قولت مش عايزة اسمع حاجة، ولولا أنه تعبان صدقيني مكنتش داخلة البيت دا تاني، ولو سمحتي سبيني في حالي انا عايزة اقعد مع نفسي، مش عايزة اتكلم مع حد.
استمعت الى رنين هاتفها، نظرت إليه وابتسامة ساخرة تجلت بملامحها، فمنذ اسبوع وهي هنا ولم يكف له عناء للأطمئنان عليها، اسبوع ولم تعلم عنه شيئًا هل حقًا عاد لحبه القديم، أمسكت خصلاتها ترجعها للخلف بعنف تكاد تقتلعها، نظرت والدتها للمتصل، ثم نهضت من مكانها. توقف الهاتف عن الرنين فتستطحت مرة أخرى تحتضن أحشائها، تدعو الله أن يخلصها من ذاك الحمل الثقيل كما أحست به.
استمعت لصوت الهاتف مرة أخرى فرفعته وأجابت: -اهلا بحضرة الظابط
نهض من مكانه عندما وجد برود بحديثها فتحدث بهدوء رغم غضبه من أسلوبها
-عاملة ايه؟
صمتت لبعض الوقت تستغفر ربها ثم أجابته: -كويسة الحمد لله، ايه اللي فكرك بيا
دا حتى قولت هتبعت لي ورقة الطلاق علشان تخلص.
-اجهزي ساعة وأكون عندك، هعدي على الشركة انهي شوية اوراق واعدي اخدك، كفاية قوي كدا، مراتي ماتبعدش عن بيتها اكتر من اسبوع، انا عرفت كريم بكدا.
لا تعلم لماذا شعرت بالسعادة تتراقص داخلها، حتى شعرت بفراشة تسري بمعدتها فتوقف لسانها عن الحديث وكأنه أصيب بشلل بسبب مااستمعت إليه ورغم ماشعرت به أجابته بتكبر وتجبر الانثى داخلها:.
-بس أنا عايزة اقعد كام يوم، مستعجل على ايه، قاد سيارته متجهًا لمجموعة الألفي وهتف دون جدال
-عدى خمس دقايق يااستاذة عاليا، ياله سلام. نطق بها ثم اغلق الهاتف
بمنزل عز الألفي
كانت تغفو بجواره على الفراش وهو يعمل على جهازه المحمول، قطع حديثه رنين هاتفه: -عز فينك؟
اجابه من خلال سماعة الهاتف ومازال
يعمل.
-في البيت ليه؟ تحدث الاخر.
-أنا في الشركة بابا أصر انزل الشغل النهاردة، بيقول فيه اجتماع بكرة ولازم نجهزله، ألقى نظرة على زوجته الغافية ثم تحدث: -خلاص يافارس، شوف أوس هيقولك ايه واعمله، بس الساعة تسعة دلوقتي هو فيه حد في الشركة
-أه انا وأوس والسكرتير
تمام شوفوا هتعملوا ايه أنا مرهق شوية وعايز اريح
-اوكيه ياكبير، هعدي على جنى النهاردة
-تمام. قالها عز ثم اغلق معه متجهًا للحديث مع والده
-عامل ايه ياحبيبي.
اعتدل صهيب من نومه واجابه بنبرة متحشرجة من أثر النوم قائلاً: -الحمد لله، وصلت اختك المطار
تذكر حديثها عن منعها لجاسر بالسفر
-عز رحت فين! تسائل بها صهيب
رجع بجسده واجاب والده
-جنى لغت السفر يابابا، قررت ترجع الشغل في الشركة، وكلمت شركة ديكور يصممولها مرسم، ولو سمحت سبها براحتها
سحب نفسًا طويلا وزفره ثم هتف
-عز خلي بالك من اختك حبيبي، عارف انا قسيت عليها وضغطت بالقوي.
بس علشان خايف عليها يابني.
نهض عز من مكانه متجهًا للخارج
-خايف عليها من جاسر يابابا، اومال لو حضرتك متعرفش بيحبها ازاي، طب انا
كنت غبي يابابا وكنت مفكره أنه بيعمل كدا بسبب اللي حصلها
تنهد صهيب تنهيدة عميقة يزفرها بهدوء ثم تحدث قائلاً: -عارف ومتأكد أنه بيحبها أكتر من روحه، بس دا ميمنعش أن فيه حاجات جبرت علينا ياعز
قطب جبينه متسائلاً: -مش فاهم حضرتك يابابا، لو تقصد موضوع فيروز انا متأكد إن جاسر مستحيل يخون جنى.
-عز حبيبي أنا تعبان وعايز أنام ممكن تتصل بأختك وتتطمن عليها، بكرة اخر يوم في عدتها، ومتأكد أنها دلوقتي مستنية جاسر يروحلها وهو مش هيروح
-ليه حضرتك واثق قوي كدا يابابا، مش يمكن يرجع
اعتدل واقفًا وتحرك لتناول دوائه وهو يحادثه: -لانه وعدني ياعز، غير أنه طلقها رسمي يعني مينفعش يرجعها من غير مايرجعولي، وكمان جواد اللي طلب.
اومأ عز يمسح على خصلاته مستغفر ربه بسره، هامسًا لنفسه: -وياترى هتعمل ايه ياجاسر. قالها بشرود آفاق منه على صوت والده قائلاً: -يبقى ابعتلي ورقة طلاقها حبيبي، مش انت بتقول بعتهالك
-تمام. قالها وأغلق الهاتف يلقيه بغضب: -فيه حاجة مش مظبوطة بتحاول تداريها يابابا، ماهو مش مقتنع بحوار
فيروز. استمع لصوت زوجته
-عز! انت لسة صاحي
دلف للداخل ورسم ابتسامة يشاكسها: -معرفتش انام وروبيا نسيت تاخد جوزها في حضنها.
أغمضت عيناها بإرهاق تضرب على الوسادة قائلة: -نام ياعز ياله وبطل دلع
قام بنزع كنزته ثم اتجه إليها يجذبها لأحضانه يملس على وجنتيها: -حبيبي الجو حر صح. لكمته بخفة تبتسم: -بقولك نام. رفع رأسها يغمز لها قائلاً: -بقولك الجو حر ياروبي.
ضيقت عيناها متأففة، لتبتعد عن حصاره ولكنه جذبها بقوة قائلا: -والله مايحصل ابدًا، وعلشان خطوتك دي لازم القميص دا يتغير فورًا، لم تفهم مايقصد سوى عندما جذب منامتها وهي تضحك بصوت مرتفع تضربه بكفها
-خلاص خلاص هغيره.
بعد عدة ساعات بمنزل جاسر
جلس أمام جهازه وهو يتناول قهوته، يشاهدها من خلال الكاميرات المرتبطة بجهازها.
خرجت من المطبخ تحمل كاسة عصيرها المفضل واتجهت تجلس بغرفة رسمها، فتحت نوافذها بالكامل ثم اتجهت ارجوحتها تجلس فوقها ترجع رأسها وتحتضن كوبها
نظرت لهاتفها الذي أعلن رنينه وجدته معذب قلبها، أغلقت بوجهه ثم توقفت من مكانها قائلة: -مش هفضل جنى اللي تبكي على اطلال عذابك يابن عمي، والله لأحرق قلبي دا، كفاية ذل في حبك اللي مأخدتش منه غير العذاب وبس، وادي رقمك. ضغطت تحذره بانفاسها المحترقة.
ظلت تدور بالغرفة دون هدى حتى اتجهت للوحاتها وأخرجت إحداهن تضعها بمكانها قائلة: -لازم تخرجي من الضعف دا، سمعتي لازم ياجنى، دا واحد متكبر ومفكر نفسه حاجة والله لاندمك يابن جواد
قالتها وهي تصرخ تبعثر بألوانها حتى خارت قواها فهوت أمام رسمتها تنظر إليها بتيه. ثم حدثت حالها: -هرسم ايه، دققت النظر لبعض اللحظات ثم أمسكت فرشتها وبدأت تحركها بهدوء تهمس لنفسها
-ارسمي ياجنى حطي همك في الرسم.
بلاش تفكري فيه.
ابتسم على طفوليتها من ووجهها الذي اصبح عبارة عن عدة ألوان بسبب أناملها التي ترجع خصلاتها بسبب غضبها
ظل يرسمها مبحرًا بنظراته فوق وجهها الذي يشبه ضي القمر بحمرة غضبها. استند بوجنتيه على كفيه وبدأ يحرك أنامله باليد الأخرى على ملامحها البهية
رفعت خصلاتها للأعلى تعقدها بقلمها كالعادة، متأففة وقامت بتقليده قائلة:.
-اياكي تكلمي جنس راجل، لا ياراجل، ماشي يابن عمي، هعرفك جنس الرجالة كويس، نظرت للنوافذ الزجاجية المفتوحة ثم قامت بأغلاقها واتجهت ل ريموت التكييف وقامت بتشغيله ثم قامت بإلقاء كنزتها لتظهر بثيابها الشفافة أمام رماديته التي تخترق جسدها، أطلق صفيرا وهو يقهقه عليها
-بتقلديني ياجنجون، بس انا حلو كدا، طيب ياروحي عايزك تقلديني في حاجة تانية، جايلك حالا ياحبي اصبري بس لما الحلوف اللي برة دا يمشي.
استمع لحديثها وهي تمسح على وجهها
- التكيف هيعمل معايا ايه، دا ابن عمي كفاية لوحده يخليني اعيش في
فريزر اقعد فيه من النار اللي جوايا منه، ظلت تحاكي نفسها كالمعتوهة تحرك أناملها دون هدف على اللوحة. حتى توقفت متفاجأة تنظر لما توصلت إليه من رسمتها
ابتسم بزهو يضحك عليها عندما ألقت الفرشاة ونهضت تسب اللوحة قائلة: -وبعدين معاكي، مش كفاية حرقة دمي، ضغطت على أناملها تصرخ ثم دفعت اللوحة بقدمها.
-ليه بيحصل معايا كدا ليه، قالتها ثم هوت تبكي تضع كفيها على وجهها
آلامه قلبه عليها، رفع هاتفه محاولا التخفيف عليها. ولكن جحظت عيناه عندما وجد رقمه خارج نطاقها رفع عيناه اليها، مازالت جالسة بمكانها تنظر بنقطة وهمية
تمددت على الأرضية تحتضن نفسها وانسابت عبراتها بصمت داعية الله بصوتها الباكي
-يارب مش قادرة اعيش كدا، يارب خدني من الحياة دي، انا ضعيفة قوي.
ارتفع صوت بكائها، جمع اشيائه وخرج من باب منزله الخلفي يتحرك بين الشوارع بتيه ليصل إلى منزلها الذي يبعده بعض الكيلومترات
توقف يسحب نفسًا يتلفت حوله ثم ولج لداخل المنزل، قابله أحد المسؤولين عن حمايتها
-فيه حاجة ياباشا، كنت لسة هتصل بحضرتك
توقف منتظر حديثه
-الباشمهدس صهيب جوا، لسة واصل من دقيقتين تقريبًا
زفر بغضب متراجعًا مرة أخرى
بالأعلى قبل قليل استمعت لصوت باب منزلها، وصوت الهاتف. تناولته
-أيوة يابابا.
-افتحي يابابا احنا برة. اتجهت للمرحاض وقامت بغسل وجهها حتى لايظهر بكاؤها، دلف صهيب بجوار زوجته
-عاملة ايه يابابا. ابتسمت له بخفوت وهتفت
-كويسة. دقق النظر بوجهها
-كنتي بتعيطي ياجنى، خرجت نهى بعدما وضعت الطعام الذي جلبته قائلة: -صحيت بابا واصريت نجي نبات معاكي، بدل ماحضرتك عملتي كبيرة وعايزة تقعدي لوحدك
ضمها صهيب من أكتافها ثم اتجه بنظره لنهى
-أنا جعان يانهى، جهزي عشا حلو ناكل مع بعض.
هزت رأسها رافضة: -حبيبي اكلت من شوية، لو حضرتك جعان اعملك حاجة خفيفة
جذب كفيها وأشار برأسه لزوجته التي تحركت بعدما استدعت الخادمة لمساعدتها. خرجوا إلى حديقة منزلها ثم اجلسها بجواره على الأريكة
-قوليلي ليه ماسفرتيش، مش كلمتيني الصبح وقولتي رايحة على المطار وعز وصلك.
وضعت رأسها بحضن والدها: -ليه حضرتك وجعلي قلبي يابابا. تملكه الحزن من هيئتها فأخرج رأسها من أحضانه يضم وجهها: -هو فيه أب ببقى عايز الوجع لولاده يابنتي.
تطلعت إليه بعيناها الحزينة: -عايزة اروح للدكتور اللي حضرتك قولت عليه، انا موافقة يابابا، بدل شايف بنتك مريضة بسبب انها عايزة تعيش مع جوزها وعايز تحرمها من السعادة دي ومصر انك تعيشها الألم والحزن فأنا خلاص موافقة، موافقة اتعالج وتعمل فيا زي ما حضرتك عايز
جذبها لأحضانه بقوة يمسد على خصلاتها
-ايه اللي بتقوليه دا ياحبيبة ابوكي، معقول ياجنى، شايفة ابوكي عايز يتعسك.
أشارت على صدرها وانسابت عبراتها رغمًا عنها قائلة: -دا بيوجعني قوي، والراجل اللي متمنتش غيره اهم حاجة يرضي الكل على حسابي، قولي اعمل ايه وانا حاسة اني مبقتش افرق مع حد يابابا، حتى حضرتك، قررت ونفذت وكأني دمية مش من حقها تعيش حياتها زي ماهي عايزة.
تنهد بصوت مرتفع يجذب رأسها لصدره وآه حارقة بكم الوجع الذي يتسرب بداخله بسبب حالتها قائلًا: -غلطانة يابنت صهيب، انا بدور على سعادتك، وبكرة تعرفي أنك اهم حاجة عند ابوكي.
باتت كلماته تعتصر فؤادها فنهضت من مكانها: -هروح ارتاح تعبانة وعايزة انام بعد اذنك. امسك كفيها، ونهض يحدجها بنظراته ورغم ماشعر بالحزن عليها إلا أنه هتف: -هتتعشي معانا، وتنسي الكام شهر اللي اتوجعتي فيهم اكتر مافرحتي يابنت صهيب، واللي هقوله لازم تنفذيه، رجوع لجاسر مش هيحصل، ودا اخر كلام متخلنيش اغصب عليكي في حاجات تانية تزعلك.
وصلت نهى إليهما باستماعها لآخر حديث صهيب فأردفت بهدوء: -جنى عاقلة ياصهيب واكيد هتسمع كلامك مش كدا ياجنجون
طالت النظر بوالدتها بصمت ثم هزت رأسها قائلة: -أيوة كدا ياماما، يعني انا ليا حياة علشان اتحكم فيها، قالتها وتحركت للمائدة تشير لوالدها
-الاكل جهز لو حضرتك لسة مصر تاكل
خطى إليها وشعر بغصة تمنع ابتلاع ريقه، جلس على رأس الطاولة يشير إليها.
-اقعدي كلي، ولو مكلتيش معانا، اعملي حسابك بكرة الصبح هترجعي معايا على البيت ومش عايز اسمع صوتك
جذبت المقعد قائلة بسخرية: -وعلى ايه يابابا، دا انا هاكل الاكل كله
قالتها وهي تجذب بعض الطعام تضعه أمامها وبدأت تلوكه بهدوء رغم مرارة طعمه بحلقها إلا أنها ابتسمت برضا. هز رأسه بصدمة من حديثها قائلًا: -لدرجة دي بيت ابوكي مبقتيش عايزاه ياجنى
ظلت تأكل بصمت ولم ترفع عيناها إليه.
بفيلا يعقوب المنسي على مائدة الطعام
-كم تريدين من الوقت للإنتهاء من ترتيبات الزفاف
ابتلعت طعامها ورفعت نظرها إليه
-تلات شهور
توسعت عيناه. اللعنة عليكي ياكارمن
اجننتي، ماذا تريدين أن افعل بكِ، لقد بدأ صبري أن ينفذ
-دا اللي عندي لو مش موافق براحتك
ألقى المحرمة ونصب عوده قائلا
-بالتأكيد ابنة عمي، لقد جزعت ولم يعد لدي طاقة لدلالك هذا. لديكي يومين فقط إذ لم تنجزين فتأكدي سأسافر ولم اعد.
بمنزل سيف الألفي
دلفت سنا تطرق على باب والدها
-بابي حضرتك فاضي نتكلم شوية
-أشار لها بالدخول بعدما أغلق جهازه
دلفت وهي تحمل بعض الملفات
-شوف ياسي بابا، دي مناقصات علي لسة بعتهالي بيقول اعملولها دراسة هتكون نقلة حلوة
اخذ منها بعض الأوراق يطالعها بتركيز
ثم وضعها امامه: -طيب حبيبتي هشوفهم وأشوف عز وأوس يراجعوهم.
هزت رأسها وجلست أمامه: -بابي علي كان عايز يعرف هنعمل الدخلة امتى، بقالنا سنتين مخطوبين وهو خلص كل حاجة حاليا، وان شاءالله هيعمل افتتاح للمستشفى اول الشهر
نهض من مكانه واتجه يجلس بمقابلتها
-هشوف ظروف عمامك ياحبيبتي وهرد عليكم أن شاءالله، المهم يبقى شوفي هنا لو محتاجة حاجة قبل مانسافر
-حاضر يابابا، بعد اذنك بكرة هروح ازور جنى عرفت انها مسافرتش، وكمان تقى هتيجي معانا.
اومأ برأسه مبتسمًا: -اتغيرتي كتير ياسنا. اقتربت منه
-عارفة اني تعبتك معايا ارجوك متزعلش مني
ضمها لأحضانه يربت على كتفها: -ربنا يباركلي فيكم حبيبتي
تراجعت تطالعه باستفهام
-ليه جاسر طلق جنى بعد مااكدلنا حبه، هو ايه اللي بيحصل يابابا
ربت على كتفها يشير إليها بالخروج
-اطلعي حبيبتي انا تعبت وعايز ارتاح شوية
اقتربت تغمز له قائلة بطفولية: -بتهرب ياسي بابا. اهرب اهرب ولا يهمك.
قهقه بصوته الرجولي: -اه ياست سنا وياله سبيني عايز اطلع انام.
بقصر التميمي
استمع لطرقات على باب مكتبه وبعدها دلوف ذاك الرجل ذات البنية الضخمة: -جاتلنا بعض المعلومات ياباشا
أشار له نعمان بالدخول، وهو يجلس على مقعده الجليدي الفخم، وهو يدخن سيجاره الكوبي، اقترب الرجل يضع أمامه بعض الأوراق بداخلها بعض الصور قائلًا: -نفذت اللي حضرتك طلبته ياباشا
قاطعهم دخول والده يشير إليه: -قول اللي عندك بسرعة.
أنا راقبته ياباشا زي ما حضرتك طلبت، بنت عمه كانت عنده وبعدين فضلت حوالي نص ساعة وخرج معاها على بيتها وكان في معاها شنطة سفر، بس الغريب أنهم قعدوا في العربية حوالي ربع ساعة وبعدين نزلوا وزي مايكون حصل مشادة بينهم كبيرة لدرجة أنه ضربها
-ضربها، رددها نعمان الذي توقف متجهًا يجلس بمقابلة والده وتسائل: -يعني ايه ضربها!
لوح الرجل بيده وكأنه يمثل مافعله جاسر ثم تابع حديثه: -دا اللي حصل، أما عن بيته له أختين زي ما حضرتك امرت اجبلكم أخباره
-الكبيرة ودي توأم لظابط ومتجوزة واحد من اسكندريه بيكون ريان المنشاوي
-قصدك ريان المنشاوي صاحب جروب المنشاوي العقاري.
أشار على الصور واستأنف موضحًا: -صورته عندك ياباشا، متجوزة ابنه التاني ودا كان طيار بس حاليا فاتح شركة سياحة وماسك الشغل مع اخواته، ومعظم وقته في سويسرا، مبنزلش مصر كتير
رفع التميمي كفيه ليتوقف عن الحديث
-خلاص، مش عايز اعرف حاجة تاني، ابعد عن طريقه
عقد نعمان حاجبيه باستغراب قائلاً بتساؤل: -ليه مش يمكن البنت تنفعنا.
نفث سيجاره وتحدث مقنعًا ابنه: -بلاش نوقع مع ابن المنشاوي يانعمان، انت متعرفوش دا مابيرحمش اللي يقرب من ولاده، متعرفش من كام سنة وقع شركات العفيفي كلها لمجرد أن ابنهم قرب ابنه من شلة بيشربوا، تخيل لو قربنا لابنه أو مرات ابنه، وانا داخل على مجلس الشعب مش عايز شوشرة
انكمشت ملامحه غير راضيًا بحديث والده فتحدث: -يعني خايف من المنشاوي ومش خايف من لوا يابابا، ماتخلي حد غيرك يقول كدا.
حدجه قائلاً: -علشان جواد مالوش في شغل الاقتصاد، هو آخره يسجن ويشتغل بالقانون، وفين لما يوصل للقانون نكون ضربنا ضربتنا، أما ريان معارفه كتير في السوق وله وضعه والكل بيسمع كلامه، متنساش سمعته النضيفة بتخلي الكل يضربله تعظيم سلام، والصراحة انا بفكر اجره في شراكة، تعرف لو قدرنا نشارك إمبراطورية زي امبراطورية المنشاوي هيكون وضعنا ايه
تراجع نعمان يضع ساقًا فوق الأخرى.
وتحدث بتكبر: -الباشا مستقل بينا ولا ايه، دا هو اللي المفروض يخطط ليكسبنا
اسكت يانعمان، بكرة تعرف قصدي ايه
ثم اتجه للرجل متسائلاً: -البنت التانية اخبارها ايه. قالها وهو ينظر بصورة ربى
-دي البنت الصغيرة في امتياز بكلية الطب متجوزة ابن عمها عزصهيب الألفي ولسة مخلفة ولد من اربع شهور تقريبا، وقاعدين في حي الالفي، لكن دي مابتخرجش غير حراسة خاصة من أعلى الفرق.
رفع نعمان صورتها غامزا لوالده: -البت حلوة قوي ياباشا، ماتخطفها.
قولت ابوها عامل كرديون أمني، من امتى
-اللي وصلنا من زمان
اومأ رأسه قائلاً: -لو من قريب يبقى عارف بتحركاتنا، أما لو غير كدا يبقى امان
أشار للرجل بالخروج قائلًا: -هات طليقته لازم اتكلم معاها، اتجه ببصره لنعمان وتحدث مستهزئا
-بدل نعمان ماعرفش ياخد منها حاجة
-لا ياباشا مش نعمان اللي ياخد حاجة غصب عن ست، انا الستات اللي تجري ورايا مش العكس.
قوس فمه يهز رأسه متهكمًا: -اه عارف بدليل بسمع صراخها طول الليل وهي بتهددك لو قربت منها هتموتك. المهم هاتلي الفيديوهات دي علشان ابعتها عربون محبة، وخليها تمشي، مش عايز صداع من ناجي، اكيد الخبر هيرحله في السجن
متأكد بدل الظابط دا بيحفر يبقى وصله ميعاد وصول الشحنة، لازم يكون تحت ايدنا قبل ميعاد الشحنة، اتصرف شوف أي حاجة
زم نعمان شفتيه يلف كاسه بيديه قائلا.
-عرفت أنه وقع الشربيني والعتال، وكانوا بيخططوا يخلوه يدمن
ضيق التميمي عيناه
-الفكرة فائقة الروعة يانعمان، خطط وشوف هتجر رجله في الحتة دي ازاي
وصلت فيروز إليهما. طالعتهم مشمئزة وتحدثت بنبرة تهديدية: -اللي يقرب مني هموته، انا ماليش دعوة، وبعدين انا شغالة مع ناس مهمين لو عرفوا انكم خطفتوتي مش هيسكتوا
-وصلها يانعمان، قالها التميمي، ثم رفع نظره إليها
-احنا آسفين. قالها ملوحا بيديه لتخرج ثم غمز لابنه.
-البت دي مفتاحك للظابط
عند ياسين وعاليا
توقف أمام منزل والدها مستندًا على السيارة ينتظرها. خرجت إليه بجوار كريم. حياه كريم يشير إليه: -ماتدخل شوية، كانت نظراته على تلك التي توقفت تبعد بعيناها عن نظراته، ثم اتجه ببصره إلى كريم
-معلش وقت تاني، عايز ارتاح شوية، كان عندي اجتماعات ياسيدي وانا بتخنق من الشغل دا، وبعدين عملت كام مشوار مع حد عزيز والوقت سرقنا، مش مصدق اوصل السرير.
استقلت السيارة دون حديث، فتحرك بعدما ودع صديقه. جلست بجواره ورائحته اخترقت رأتيها حتى تمنت أن تعانقه لتشبع رئتيها من رائحته
-آسف اتأخرت عليكي
نظرت من خارج النافذ حتى تبتعد عن رائحته التي لم تعد تتحملها، ضعفت من قربه لإستنشاق اكبر كم منه
-عاليا. همس بها ببحته الرجولية، مما جعلها تستدير إليه إراديا إليه مبتسمة.
-نعم. ابتسامة خلابة أنارت وجهه وهو يخبرها مشاكسًا: -وحشني نقارك يا بلقيس. نظرت للأسفل بخجل وتوردت وجنتيها. بسط كفيه يرفع ذقنها غامزًا بعينيه: -اللي يشوفك وأنتِ مكسوفة كدا يقول البت مابترميش صواريخ في وشي
رفعت حاجبها ساخرة: -دا اللي هو انا، وحضرتك بقى بترمي ايه ايس كريم ياحبيبي.
رغم أنها نطقتها بمزاح إلا أن الكلمة اخترقت صدره دون مقاومة لتستقر بشقه الأيسر، ورغم ماشعر به من رجفة إلا أنه أنكرها وتحدث بجدية عن غير ماكان عليه قائلًا: -أنا مش حبيب حد، بترت ابتسامتها تطالعه بذهول ثم اتجه بنظراته التي تحولت لجليد من الصقيع متذكرًا ماضيه: - عارف انك قولتيها بهزار، وممكن مكنتيش تقصدي بس بلاش الكلمة دي بالذات، لأنها مبقتش في قاموسي ياعاليا للأسف، أدار وجهه وطالت نظراته إليها ثم توجه للطريق مرة أخرى بعدما استمع لصوت السيارت حوله، فأردف بمغزى.
-احنا الاتنين اتقابلنا بظروف غصب عننا، وكل واحد عارف آخرة الجواز دا ايه
سحب نفسًا طويلا يزفره ببطئ ثم تحدث بنبرة متألمة: -الشك هيفضل في قلبي للأسف، وانتي كمان مش هتنسي اللي حصلك
-أنا معرفش ليه بتقول الكلام دا، هو انت مصدق نفسك، الكلمة طلعت من غير قصد، اما لو عليك مستحيل تكون حبيب ليا في يوم من للايام، اما موضوع مرضك بالشك دا مايهمنيش ياحضرة الظابط.
توقف فجأة بالسيارة يرمقها بنظرات كالسهام النارية ثم هدرا بها: -انزلي. جحظت عيناها تنظر حولها بخوف، إلا أنها هدأت قيلا بعدما وجدت نفسها أنهم
وصلوا إلى حي الألفي، ترجلت من السيارة تدفع الباب بقسوة حتى شعر بتحطمه. ظل جالسًا يطالع تحركها الجنوني للداخل. قابلتها غزل
-حبيبتي حمدالله على السلامةوحشتيني، اقتربت منها ورسمت ابتسامة قائلة: -حضرتك وحشتيني برضو، البنات فوق. تسائلت بها عاليا
أشارت غزل للأعلى.
-مفيش غير ياسمينا وبتجهز شنطتها هي كمان هتزور أهلها، وربى عز اخدها بيته
اومأت بإبتسامة وتحدثت: -بعد إذن حضرتك. قالتها وتحركت
اوقفتها قائلة وهي تتعمق النظر بها
-عاملة ايه في حملك حبيبتي ومش ناوية نفرح عمو جواد. استمع ياسين لحديثها فتوقف لدى الباب منتظر حديثها
ارتبكت تفرك كفيها تتهرب بنظراتها
-ايه اللي حضرتك بتقوليه دا ياطنط، لا
حمل ايه. مفيش حمل ابدا.
قطبت غزل جبينها مقتربة منها: -ومالك يابنتي كأني بسألك عن حاجة حرام، اولا أنتِ من فترة جيتي وقولتي أن ياسين عايزك تنزلي البييي
اوعي تكوني نزلتي البيبي زي ماطلب منك
ابتلعت ريقها بصعوبة وشعرت بأنسحاب الأرض تحت اقدامها، دلف للداخل لينقذها من حديث والدته
-مساء الورد ياست الكل
استدارت إليه مبتسمة.
-مساء الورد حبيبي، ياله اطلعوا غيروا وهخلي منى تطلعكم العشا، ربتت على كتفه قائلة: -عملت حمام للكل النهاردة وطبعا مش هترفض عشا ماما مش كدا ياياسو.
رفعت عاليا عيناها بذهول، ثم هرولت للأعلى بخجل، ظلت نظراته تطالعها حتى اختفت من أمامه فاتجه لوالدته
-حمام ايه بس ياماما الساعة عشرة بالليل، انا عايز انام
لكزته تشاكسه
-ايه ياحضرة الظابط هو انت مش متجوز يابني طبيعي اي حد متجوز ياكل حمام وانت على طول لا لا
ابتسم ساخر وتحدث: -ليه مكتوب على الحمام للمتجوزين فقط، ولا دا دوا للمتجوزين ياست الكل.
بعد اذنك ياماما، قال حمام ومتجوزين اومال لو تعرفي اللي فيها قالها هامسًا لنفسه وهو متجهًا للأعلى
ظلت تراقبه ثم همست لنفسها: -طب والله لأكلك حمام يابن جواد، الواد دا بيستفزني، شعرت بمن يضع كفيه على كتفها يجذبها لأحضانه ملثمًا جبينها.
-غزالتي واقفة تكلم نفسها. استدارت إليه قائلة: -الحمد لله ياحبيبي ولادك مجنني ولا فيهم واحد بس طلعلك، ايه العيال الباردة دي. واحد مهاجر بعيد مراته وعامل فيها هركليز والتاني فريز وكأن مفيش حد غيره على وش الأرض
والتالت عليه شخطة تقطع الخلف، ايه العيال دي. لا انا لازم اتحجز منهم في مستشفى
قهقه جواد يجذبها متجهًا للأريكة
-مين بس مزعل غزالتي، قالها وهو يجلسها على ساقيه
-مين مزعلك ياروحي.
ضربت كفوفها تهتف بسخط قائلاً: -قول مين مرفعش ضغطك من ولادك ياحبيبي. ابنك الكبير قاعد لوحده ليه ومراته مش معاه ياجواد، قولي لحد امتى جاسر هيبقى ضعيف كدا، قولتلي يومين وهتكلم صهيب ويرجع مراته، عدى شهور ومفيش جديد، والتاني من فترة مراته جت تقولي أنا حامل وابنك عايزني انزل الجنين، والتالت كل شوية يخنق في مراته، مفيش شغل عايزة تشتغلي ربي الولاد، ليه ياجواد هي كانت بتتعلم علشان تقعد تربي الولاد بس.
سيبك دلوقتي من اوس، متأكدة من كلام مرات ياسين، معتقدش أنه يبقى متخلف كدا ويطلب منها جريمة زي كدا
نهضت من فوق ساقيه وتحركت لمائدة الطعام تصيح على العاملة
-خدي العشا طلعيه لياسين وقوليله باباك اللي باعته
نهض جواد مستغربًا غضبها فتحرك حتى وصل إليها
-غزل مالك حبيبتي ممكن تهدي، ياسين مستحيل يعمل كدا انا متاكد من ابني. استدارت تشير للمائدة.
-يعني لما اقف طول اليوم في المطبخ ياجواد علشان اعملكم اكل على مزاجي يبقى كدا اذنبت، المفروض الكل ياكل ويقولي شكرا مش ابنك المستفز اللي بيقولي هو شرط على المتجوزين ياكلوا حمام
نظر للطعام بذهول قائلاً: -حمام يازيزو، والله العيال دول مايستهلوا هاتي ياقلبي وانا اكلك قصدي اكل الحمام.
لكمته تضحك: -إنت بتقول إيه انت كمان، بجد مضايقة من ياسين، مش عاجبني اكله خالص، اخفضت رأسها قائلة: -عايزة افتن عليه بدل هو مسمعش كلامي
رفع حاجبه وأشار بيديه قائلًا بتهكم: -افتني يانانا على مين الفتنة بس لو هتقولي حاجة تسد نفسي عن الحمام بلاش اقولك هعمل ايه في اللي هتفتني عليه
جذبت المقعد وجلست بجواره ثم قامت بسكب بعض الطعام أمامه.
انتظر حديثه ولكنها تهربت، فجذب السكين الذي بيديها واحتوى كفيها.
-قولي ياغزل!
-ياسين بيشرب سجاير. ترك كفيها ثم اتجه للطعام قائلاً: -عارف. نظرت إليه بذهول
-يعني ايه عارف؟ وساكت ياجواد
وضع قطعة صغيرة من اللحم بفمها قائلاً
-يعني ابنك البغل الكبير جه في الحفلة وقعد جنبي يدخن وكأنه ابويا مش انا اللي ابوه، مستنية ايه من الزفت الصغير
-جاسر مبقاش صغير ياجواد
-أيوة ياختي، إنما ياسين ابن البطة السودا لازم يتعاقب وتفتني عليه، ولادك كلهم مش متربين زي ماقولتي يازوزو
بغرفة ياسين.
خرجت بمنامة ناعمة باللون الأسود، رمقها سريعًا ثم استدار متجهًا للفراش قائلاً: -لما أكون موجود ماتلبسيش كدا
جلست آمام مرآة الزينة تخلل أناملها بخصلاتها ثم رفعت الفرشاة وبدأت تصفف شعرها ونظرت من خلال المرآة
-مش من حقك تقولي ألبس ايه وملبسش ايه، بدل مش حرام خلاص اعمل اللي يعجبني. قالتها ونهضت من مكانها بعدما وضعت المرطبات على كفيها ووجهها.
راقبها بنيران تقبع بصدره، نهضت متجهة إلى الشرفة. هب من مكانه يجذبها من رسغها بعنف
-هتطلعي البلكونة كدا، مش شايفة نفسك لابسة ايه
نظرت لنفسها ثم رفعت عيناها له: -ايه لابسة بيجامة محترمة انت اللي شايف كل حاجة بعملها مش كويسة
وضع كفيه على صدرها المكشوف ثم جذب حمالة بيجامته ينظر لعيناها المهتزة
-عايزة توصلي لايه، شايفة دي حاجة محترمة تقعدي بيها مع راجل في اوضة واحدة يااستاذة.
حرك أنامله يجذب تلك الحمالة الرفيعة
دفعت كفيه بقوة وهدرت به
-دا لما اكون ضعيفة واخاف من واحد مجنون زيك، انا مش ضعيفة وليا حرية نفسي، اعمل اللي يعجبني، والبس اللي يعجبني بدل مفيش حاجة تعيب فيا، انت قانونا وشرعا جوزي ياحضرة المحترم، قالتها وتحركت تجزب روبها ترتديه ثم رمقته بسخرية قائلة
-أما لو إنك ضعيف يبقى دا مش اختصاصي ياحضرة الظابط الهمام.
دفعها بقوة على الجدار لترتفع أنفاسها من هيئته تلك واقترب يحاصرها هامسًا بهسيس: -بلقيس خانو ناوية على ايه، اغرائتك دي متهزنيش، حتى لو قعدتي من غير هدوم. قالها بابتسامة باردة مستفزة
لحظات ونيران تحرق صدرها من حديثه، فدنت منه تلف ذراعيها حول عنقه ورفعت نفسها تهمس له.
-غلطان ياحضرة الظابط لانك مريض مش انا اللي افكر بالحقارة دي لشخص مابكرهش قده بحياتي، انا بكرهك ياياسين. قالتها وتحركت سريعًا لتخونها عيناها تذرف دموعها، دلفت لغرفة أخرى، وهوت على الفراش تبكي بصمت تضع رأسها بوسادتها حتى لا يستمع لصوت بكائها. ضربت على الفراش
-غبية ياعاليا ملقتيش غير دا وتخليه.
بالخارج دار بالغرفة كالمجنون يود لو يحطم الغرفة بالكامل، ارجع خصلاته بعنف يصرخ وهو يركل كل ما يقابله وبدأ يثور بالغضب
-حقيييرة. استمعت إلى صرخاته تضع كفيها على أذنها تبكي بصمت
مرت الساعات سريعًا إلى أن جاء ذاك الوقت الذي سيصبح تدميرا لقلبها الهش جلست بشرفتها تنظر لهاتفها العديد من المرات، وضعت رأسها على ركبتيها تنظر بشرود، وصلت عاليا إليها تمسد على خصلاتها
-هتفضلي قاعدة كدا كتير!
اعتدلت تنظر للخارج قائلة: -خلاص ياعاليا انقطع اخر أمل بينا، كنت اتمنى يجيلي ونرجع لبعض
جلست عاليا بمقابلتها
-جنى متنسيش باباكي هو اللي أصر على كدا
هزت رأسها واتجهت للداخل
-محدش قادر يفهمني.
مشفتهوش اخر مرة كان بيكلمني ازاي، دا مش الشخص اللي حبيته ابدا. نهضت قائلة:
عاليا هدخل انام مش عايزاكي تصحيني مهما يحصل. اومأت لها عاليا ثم تحدثت: -أنا هرجع حي الألفي، ياسين مسافر بكرة وطنط غزل زعلانة مني.
تمددت على الفراش دون، طالعتها عاليا بحزن ثم خرجت
باليوم التالي
عند جواد وجاسر
-يعني راكان بقى كويس؟
اومأ له قائلا: -اه يابابا، وتذكر بس هو بيعمل لعبة كدا ولسة هنشوف
نقر جواد بقلمه متسائلا: طب وانت ناوي على ايه، عمك صهيب سافر يراجع مع دكتوره النهاردة ودي لعبت فيها علشانك، روح لمراتك حبيبي ولما يرجع هكلمه تاني
ارتشف اخر رشفة بقهوته ثم وضع فنجانه ونهض مردفًا: -لا مش هرجعها، احنا كدا كويسين يابابا.
يعني ايه يالا مش هترجع بنت عمك، النهاردة اخر يوم في العدة
احتضن كتفه وهتف بصوت أكثر ثباتًا: -جاسر قدامك اربع ساعات بس وجنى مش هتعرف ترجعها تاني، عمك هيعند اكتر
تجمدت الكلمات على شفتيه، فتراجع للخلف ينزل يد والده، وكل مايصغاه له سمعه كلمات عمه
-اوعدني انك ماتحاولش تقرب منها
وريحني بورقة الطلاق يابني
تحرك تاركًا والده حتى لا يضعف أمامه وتنساب عبراته رغمًا عنه.
هدر جواد بصوت مرتفع حتى توقف يواليه ظهره يكور قبضته مما شعر بنخر راحة كفيه من شدة ضغطه. اقترب جواد منه
- طب هو عمك صهيب كلمك تاني، بعد مااتكلمنا
هز رأسه وتحرك سريعًا بخطوات ثابتة رغم حياته التي أصبحت خاوية لا تمت للحياة بصفة، استقل سيارته ورفع هاتفه يحاكيها لآخر مرة ولكن كالعادة تم حظر رقمه.
اومأ رأسه يضرب على المقود بعنف، يهذي بكلماته: -إنتِ اللي جبتيه لنفسك، قاد سيارته بسرعة حتى من يرى سيارته يزعم بطيرانها. وصل لمنزلها في غضون دقائق، طرق الباب لعدة مرات ولكن لا يوجد رد.
ركل الباب بقدمه وهو ينظر لتلك الكاميرا هادرًا بها: -قدامك خمس دقايق لو مفتحتيش الباب هكسره وهدخلك ومش هرحمك، نظر بساعة يديه يشير إليها من خلال الكاميرا
فُتح الباب وطلت منه تهمس له بتقطع
-جاسر!
قالتها حتى هوت بين ذراعيه
حملها سريعًا متجهًا للداخل، وضعها بهدوء على الأريكة يمسد على خصلاتها ثم نهض يجلب لها بعض الأدوية عندما وجد إرتفاع حرارتها
-جنى حبيبتي، قومي خدي الأدوية دي جسمك سخن.
ساعدها بالجلوس وهي بين اليقظة والنوم تهتف اسمه بخفوت
-جاسر. انا تعبانة متسبنيش
حملها وصعد بها لغرفة نومها التي يحفظها ظهر عن عقب، ثم وضعها على الفراش بهدوء وهاتف الطبيب
حاوطت خصره تدفن نفسها بأحضانه: -جاسر أنا تعبانة متسبنيش. مسد على شعرها قائلاً: -أنا هنا حبيبي ارتاحي، أمسكت كفيه ثم أغمضت عيناها هامسة بين النوم واليقظة: -بحبك. ابتسم يمرر أنامله على وجهها
-مالكيش خيار تاني اصلًا ياجنجون.
بعد عدة ساعات كانت تغفو بأحضانه يمسد على خصلاتها بسعادة، كيف يحرم نفسه من تلك الجنة، مجرد وجودها بجانبه حتى بمرضها ولكنه سعيدا، نظر بهاتفه ليشاهد الجميع بأماكنهم
انحنى يخطف كريزيتها يروي اشتياق روحه هامسًا لها: -وحشتيني حبيبي، مجنونة ياجنجون قلبي بتعاقبي نفسك يعني افصلك التكييف دا علشان تحرمي تعاندي يامجنونة.
استمع لرنين الباب. لثم جبينها ونهض يعدل من وضعية ثيابها ثم جمع اشيائه متجهًا للخارج، فتح الباب قابلته ربى بجوار تقى، أشار للداخل
-خليكوا جنبها عندي شغل، ومش عايز اقعد كمان علشان محدش يفهمني غلط. تحركت تقى للداخل بينما اتجهت ربى إليه: -يعني كدا خلاص. لثم جبينها متحركًا دون حديث. طالعت تحركه بحزن
-ربنا يريح قلبك ياحبيبي يارب.
بمكان ينشر به الفساد وتجارة السموم اقتحمت رجال الشرطة وكر المهربين وحاوطت الجميع ودارت معركة عنيفة كانت الغلبة للشرطة
استولى جواد حازم وجاسر على الكثير من تلك الحبوب المخدرة
ضرب كفوفهما علامة على انجازهما فتراقص بحاجبيه
-ايه رأيك يالا انفع ولا لا. لكزه جواد بسعادة
-هتخطف مني الأجواء يابن خالي. رفع كتفه بتفاخر
-أكيد ايش جابك ليا يابني، دا كفاية اسمي تهز له الجبال
قهقه جواد متحركًا لسيارته.
-ياخوفي يابدران نصحى على مصيبة من تخطيطك. امسك ذراعه وهاتفه بجدية
-جواد عينك على اختك، طبعا مش محتاج اقولك المخدرات دي بكام ولا بتاعت مين، خلينا نسحبهم من غير مانأذي حد
ربت جواد على كتفه: -الله المستعان ياحبيبي، اكيد مش هيسكتوا بعد الضربة دي
أشار للعسكرين: -تحفظوا على الجميع، ثم اتجه لأحد المجرمين
-محروس منورنا ياراجل، ليك وحشة
-جاسر باشا انا مظلوم هما بعتوني هنا غلط.
سحبه من كتفه وهاتفه بغلاظة: -هنعرف ياروح امك، دفعه لجواد. الحفل عندك يابص، انا راجع بيتي وانت اتولى المهمة علشان يزودوك نجمة
-ولا. انت رايح فين
أشار إليه قائلاً: -كله تحت السيطرة، مش دا القسم وانت كبيري لازم احترمك ياحبيبي
ياله تحقيق من تحقيقات جواد الألفي ياوحش. قالها واستدار متجهًا لسيارته.
عند جنى فاقت من نومها، استمعت لصوت التلفاز بالخارج ابتسمت بسعادة، بعدما اخترقت رائحته ملابسها، مررت أناملها على شفتيها: -ياترى يامجنون جنى بتعمل ايه برة. نهضت بوهن تخطو للخارج وابتسامة عاشقة تزين وجهها تناديه
-جاسر. نهضت ربى تحمل ابنها واتجهت إليها
-حبيبتي عاملة ايه؟
ضيقت عيناها متسائلة: -فين جاسر ياربى.
حمحمت تطالعه بحزن واقتربت تشير لابنها
-شوفتي ايهم كبر ازاي ياعمتو، بيقولك انا زعلان منك.
نظرات بأرجاء المنزل تائهة معذبة ونبضات قلب عنيفة تصفع قلبها فهمست بتقطع
-ابني تعبانة ومشي، اخوكي سابني تعبانة ومشي، قالتها بدموع الخذلان، فاستدارت لغرفتها تبكي بقهر على قلبًا يعشقه بعدما ألقاها ببحر لجي من العذاب
اتجهت لغرفتها تغلقها خلفها وهوت خلف الباب تبكي بأنين جراحها من معذب روحها، دقائق جحيميه بعذاب العشق اللاذع، طرقت ربى على باب الغرفة خوفًا عليها
-جنى حبيبتي سمعاني. أزالت عبراتها واجابتها.
-هغير ياربى وانزل معاكي. قالتها واعتدلت متجهة لهاتفها وهاتفت والدها: -بابا احجزلي هسافر معاك. قالتها وأغلقت الهاتف تردد
-خليه يمنعني من السفر.
مرت الأيام ثقيلة على كليهما، هي بهروبها المضني لعذابها بالقرب منه وهو بفراقها المعذب لروحه. شهرين تحول فيهم لرجل الصمت الجيليدي
قررت معاقبته وسفرها مع والدها.
اتخذت اقوى أسلحتها لعقابه أشد العقاب. ابتسم ساخرًا فمنذ علمه بعودتها منذ يومين ومكثها بمنزل والدها وعدم خروجها سوى اليوم لعملها، وعودتها في الصباح لمنزلهغ ارجع خصلاته وابتسامة هائمة على وجهه حينما رفرف قلبه من مجرد تخيله لأحتضانها.
توقف أمام مرآته يصفف خصلاته واتجه لعطره ليوزعه ومازالت ابتسامته العاشقة تنير وجهه، ارتدى ساعته التي أهدتها إياه بأحدى اعياد ميلاده، نظر لذاك الصندوق الصغير المزين الذي يحتوي على هديتها، ثم حمله واتجه لسيارته
وصل أمام الشركة بعد قليل و ترجل للداخل بهيئته الخاطفة، صاعدًا لمكتبها، كان يتحرك بخطواته الثابتة وهيئته الخاطفة إلى أن وصل أمام مكتبها متسائلاً: -مدام جنى موجودة جوا.
نهضت من مكانها واجابته بوقار
-أيوة يافندم في اجتماع مع الباشمندس يعقوب
رسم ابتسامة سمجة واستدار كالبركان
دفع الباب بغضب وجدها تجلس أمام يعقوب تضع ساقًا فوق الأخرى بتلك البدلة النسائية التي تظهر مفاتنها بسخاء.
تسلطت عيناه على هيئتها التي اشتاقها حد الجنون، ولا يعلم كيف سيطر على نفسه من عدم جذبها لعصرها داخل أحضانه، رفعت عيناها واحتضنت العيون بعضهما بإشتياق ذائب بالقلوب. صمتت الألسن وتوقفت عقارب الساعة ولم يسمع سوى نبضات القلوب التي اخترقت صدورهما
رددت بشفتيها المطلية باللون الأحمر القاني الذي اخترقتها نظراته ليفترسها
استمع لحديث يعقوب
-مرحبًا سيد جاسر، كنت اتناقش مع ابنة عمك ببعض المهام، اعتذر اقصد طليقتك.
جن جنونه كالذي اصابه مسًا وهو يرى انفراده بملاكه، فهتف دون أن يعري حديث يعقوب أهمية قائلا:
-عايزك، استعادت وعيها من حالة الهيام التي سيطرت على كيانها كاملًا ثم اتجهت إلى يعقوب ببصرها معتذرة
-آسفة يايعقوب ابن عمي دايما مفكر نفسه داخل سجن
-أنا قولت عايزك
قالها بنظرة قاتمة تحمل من التحذير مايكفي لها ثم رمق ذاك الجالس بسهامًا نارية وهو يرى إبتسامته البلهاء لها ود لو يصفعه على فمه ليتساقط صف أسنانه.
توقفت أمام يعقوب معتذرة للمرة الثانية: -آسفة مرة تانية، هشوف حضرة الرائد عايز ايه، ورجعالك
جذبها من رسغها بعنف خارجًا يصفع الباب خلفه بقوة، نزعت ذراعها بقوة اذهلته
-اتجننت. ايه عايزك دي، قالتها وهي تتلفت حولها ترى النظرات عليهما. جز على أسنانه يحاوطها بذراعه بعدما حجزها على الجدار
-دي مقابلتك ليا بعد شهور، دي كلمة وحشتني
رفرفت اهدابها تحاول أن تخرج من سيطرته الطاغية.
-بس إنت مش وحشتني يابن عمي، بدليل. بتر حديثها مقتربًا من شفتيها حتى أصاب جسدها بهزة عنيفة فهمست بتقطع
-جاسر متبقاش مجنون، اكيد مش هتبوسني صح
دنى أكثر لتختلط أنفاسهما
-وحياة الروج اللي فرحان بيه دا هعرفك الجنان صح
-ايه نسيتي اني مجنون ولا ايه ياحضرة المجنونة. ضغطت بكعب حذائها على قدمه حتى تراجع متأوها. المجنون محتاج يتعالج وهنا شركة محترمة. ياله ياحضرة المجنون بدل مااتصل بالعباسية.
قالتها واستدارت تتحرك والكبرياء يعتلي بخطوات انثى دعست على قلبها فلم يجد سوى أنه وصل إليها صائحًا وفجأة دفعها لداخل أول مكتب قابله واقتنص قبلته عقابًا لها على تلك الكلمات وعلى تلك الشفاه المطلية بجحيم عشقه. هدأ قليلا من ضي عشقه ونشب بداخله اشتياق ضاري
مرت دقائق من الاشتياق ناعمة رقيقة بينهما كفراشات تتجول فوق الورد الجوري لتستمتع بألوانه. تراجع يهيم بعيناها عشقًا من ارتجافة جسدها.
جذب كفيها واتجه دون حديث بخطواته الواسعة يفتح باب سيارته قائلاً: -اركبي. توقفت تنظر إليه بحزنًا مبتلعة غصتها التي كانت كالعلقم
-نروح فين يابن عمي، جاسر ابعد عني ليه كل ما احاول اتعالج منك عايز تسحبني تاني
دفعها بالسيارة دون حديث واغلقها بعدما وجدها تحاول النزول وتهتف به غاضبة، ثم استقلها بجوارها يجذبها بقوة لأحضانه بيد ويقود السيارة بسرعة جنونية، بدأت تدفعه وتصرخ به.
-جنى بطلي جنان، هنتعشى مع بعض بس، عيد ميلادك بكرة جيت احتفل معاكي اول واحد مش حاجة
أشارت له مهددة إياه
-نزلني مش عايزة احتفل معاك ياجاسر.
دنى منها ورغبة متأججة بداخله يصمتها عن الحديث بطريقته ولكنه سيطر على نفسه قائلاً: -قولت هنحتفل وهرجعك، من حقي بما اننا هنكون أصدقاء ممكن تسكتي لحد ما نوصل. قطعت السيارة العديد من المسافات حتى وصلت لذاك المنزل الذي يقع بأرقى المناطق الهادئة على نهر النيل يحاوطه الكثير من الأشجار والورود
ترجل من السيارة اولا ثم اتجه إليها يبسط كفيه إليها. نظرت حولها.
-احنا فين وبيت مين دا. شبك أنامله بكفيها الرقيق مستمتعًا بوجودها
ولج لداخل الحديقة المضاءة بأضاءة خافتة ثم اتجه إلى الباب الداخلي يجذب مفتاحه من فوق صندوق قائلا
-المفتاح دا هيكون هنا دايمًا، لو حبيتي في يوم تبعدي عن الدوشة وتيجي ترسمي هنا هتلاقي المفتاح دا
حاوط خصرها وبحر بعيناها هائمًا برماديته: -لو حبيتي تدوري على قلبك برضو هتلاقيه هنا، ماهو معايا.
تلك النبره الشجية التي أرسلت إليها ذبذبات بطعم الخمر الذي يذهب العقل وسحرت بسحره الخالص، حتى خدرت اعضائها وخاصة عندما ضمها لأحضانه يثبتها ينعم بقربها المغذي لقلبه
ولج للداخل. نظرت حولها مذهولة بإستعداده لحفل خاص بهما. قام بنزع جاكيت بدلته وقام بتشغيل موسيقى هادئة مع إشعال الشموع ذات الروائح العبقة، روائح العشق الدفين.
بسط كفيه ليذهب بها لتناول الطعام الذي لم تمسه، ظلت تطالعه فقط ترسمه بإشتياق حتى انسابت عبراتها
-حاولت اهرب منك وسافرت رغم كنت مقررة مرجعش بس مقدرتش، كنت بتراود احلامي، وجعتني قوي يابن عمي
نهض يسحب كفيها واتجه يتراقص بها على نغمات نبض قلوبهما أولا ثم على نغمات موسيقى العاشقين. لف ذراعيه حول خصرها الممشوق ووضع كفيها فوق صدره هامسًا لها: -اسمعي واعرفي انا بتعذب قد ايه.
همسه الضعيف أفقد توازنها حركت كفيها على صدره: -عايز مني ايه ياجاسر، مش انت اللي بعتني. جذبها بقوة يضمها وكأنه يريد انصهارها بين أحضانه قائلاً وعيناه تفترس ملامحها: -أنا اللي موت علشان تعيشي ياجنى، حبيبك كل ليلة بيموت بدل المرة مليون من مجرد يفتكر انك مش جنبه
-علشان كدا طلقتني، علشان كدا حرقتني ببعدك ورمتني.
انحنى عندما ألمه سؤالها وكأنها احرقته بحمرة لتئن روحه، ولمس خاصتها واهه طويلة كانت ابلغ عن أي حديث تعبر عن مدى آلامه القابعة داخل صدره: -جنى إنتِ لسة مراتي، انا رجعتك بعد شهر واحد بس، بعد ماعمي حكم علينا بالموت وطلب مني وعد، وقتها وعدته ماقربش منك وهطلقك دعيتها بنفسي بس شهر ياعمو مش اكتر.
نظرت إليه نظرة اذابته رعبا وهي تدفعه بقوة: -عايزة امشي، مش عايزة اقعد هنا ولا لحظة، ويبقى طلقني وابعت ورقة طلاقي ياحضرة الرائد
اصيب جسده بشلل في خلايا جسده من صدمة حديثها.
بحثت عن اشيائها تذكرت أنه سحبها من المكتب دون أخذ اشيائها، اتجهت للباب هادرة بغضب: -مش عايزة اي مكان يجمعنا تاني مفكرني بكدا هترمي في حضنك، تبقى غلطان يابن عمي، دول خمس شهور جحيمية وانا عايشة فيهم وكأني مش عايشة. ضربت على باب المنزل وصرخت: -افتح الباب دا، أشعلت جسده بلهيب مستعر حتى شعر لو طالتها لأحرقتها، اتجه إليها يجذبها بعنف من ذراعيها.
-بقولك أنتِ مراتي دلوقتي، يعني مفيش خروج من البيت دا، هنبعد عن الكل زي زمان
حاولت الانفلات من قبضته إلا أنه كان المتحكم الأقوى يجرها إلى أن وصل لغرفتهما بالأعلى ودفعها صائحًا بغضب
-عايزاني اعمل ايه والكل بيضغط عليا، عايزة تعرفي عملت كدا ليه، علشان متهدد بيكي يامدام، خوفت لاخسرك كان لازم أرتب كل حاجة
-مش عايزة اسمع حاجة بقولك سمعتني عايزة ارجع بيتي.
أشار إليها مهددا وهدر بغضب:.
. هاروح اجيب الاكل والحاجات اللي مجهزها تحت لحد ماتروقي سمعتي
ضربت قدمها بالأرض وهي تسبه بعدما تركها واغلق الباب خلفه قائلاً: -مجنونة بس بموت في باب المجانين
ابتسامة فلتت منها رغمًا عنها، فتحركت لداخل الغرفة تبحث بعينها عن أي شيئا تفتح به الباب.
وجدت ملابسها بركنًا من الخزانة، وكل مايخصها، ابتسامة عاشقة بقلبها قبل عينها، لمست ملابسه تستنشقه بعنوان عاشقة متمردة، ثم تلمست اشيائه بالكامل ورائحة عطرة تقربها إلى أنفها مستمتعة بعبقها.
كان ينظر بشاشة هاتفه على أفعالها، لم يعد لديه قدره على الاشتياق فلقد فاق العشق حدود الصبر فوضع كعكة عيد ميلادها وبعض الفواكه وصعد يدندن أغنيته المفضلة
كن منصفاً يا سيدي القاضي
ذنبي انا رجل له ماضي
تلك التي امامك الان
كانت لدي اعز انسانة
واحببتها وهي احبتني
صدقاً جميع الهم انستني
صارحتها وقلت مولاتي
كثيره هي كانت علاقاتي
قالت حبيبى دع الماضي وقبلني
بين ذراعيك انا الكل
فانا لي الحاضر والأتي.
كن منصفاً ياسيدي القاضي
تخونني لغتي وألفاظي
إن الذي أمامك الآن
أشبعنى ظلم وحرمان
وصلت إليه بخطوة وعيناها تطلق سهامًا نارية، وضع الطعام فجذبته من قميصه
-إنت هتستهبل ياحضرة الظابط
لف ذراعيه حولها وبدأ يتمايل معها مدنداً أغنيته
ابتسمت على جنونه تلكمه بصدره
-جاسر بطل استفزاز وروحني
-ويرضيكي تموتي جاسر اكتر ماهو ميت ياجنى. نزع حجابها ثم قام بفك زر بدلتها النسائية لينزعها بالكامل.
جذب كفيها قائلاً: -شوفي ايه رأيك في التورتة دي، من امبارح وأنا بعمل فيها. أوقفها أمام الكيك ورفع كفيها بعدما حاصرها بجسده يضع السكين بكفيها
-ياتقطعي التورتة وتتمني أن حياتنا تحلو، ياإما تغرزي السكينة دي في صدري وتريحينا احنا اللتنين
جذبت السكين وتعمقت بعيناه
كانت هائمة بقربه المهلك لروحها، فتحدثت بتقطع.
-مقدرش اوجعك، أطبق على جفنيه ووضع يديه فوق يديها وهتف.
-عايز شمعة تنور حياتنا ياجنى لو سمحتي، انا تعبت، حرك السكين إلى الكيك ثم أشار على الشموع
-اطفي الشمع. انحنت تنفخ به حتى انطفأ بالكامل. مسد على خصلاتها يجذب رأسها لأحضانه بحنان
-كل سنة وانتي في حضني وبس، مش عايز غير كدا
أخرجها ينظر للكيك
قطعيها ودوقيني والله أنا اللي عملها
ابتسمت له وهتفت
-قطعها معايا. أمسكا السكين وقاموا بتقطيعها، تناول قطعها يضعها بفمها
أغمضت عيناها تستمتع بتذوقها قائلة.
-طعمها حلو. مرر إبهامه على شفتيها التي بها آثار من الشيكولاتة، ثم دنى يهمس لها: -عايز ادوق الشيكولاتة بالكريز
استدارت تجذب قطعة تضعها بفمه بعدما علمت بخبث نوايا
-اهي ياحبيبي كريز بالشكوليت والمانجو. امال بجسده ليتناولها ولكنه جذب رأسها ليتناول كرزيته بطريقته الخاصة
دفعته بقوة متراجعة للخلف.
عندما احست بوجع يغزو اضلعها: -أنا لسة زعلانة وموجوعة منك أوي ياجاسر، مش قادرة اسامحك على اللي عملته. خطى إلى أن وصل إليها
وضمها يدفنها بأحضانها
-ألف سلامة عليك من الوجع حبيبتي
جذبها يجلسها بأحضانه، ورفع أنامله يخللها بخصلاتها يضم رأسها لصدره
-جنى سامحيني والله غصب عني
شهقت بصمت تضع رأسها على كتفه، وحرب شعواء بين القلب والعقل.
لم يتركها لعقلها حينما اردف: -جنى وحشتيني قوي حبيبي، أغمضت عيناها بإستسلام لسطوة عشقه، صافعها عقلها بقوة. لاحظ ارتجاف جسدها من أثر حديثها فاستند جبينه فوق جبينها يستنشق عبير أنفاسها
واتسعت ابتسامته يرفع وجهها حلو التقاسيم عندما أغلقت عيناها تهرب من محاصرة عيناه.
-جنى افتحي عيونك، وحشوني، جنى اتأكدي انك اغلى من روحي.
فتحت عيناها ورفعت كفيها تلمس وجنتيه، تاه ببنيتها يعترف لها كم هو المجنون بعشقها، عيناه تحكي الكثير والكثير، ناهيك عن شفتاه التي بدأت تعزف سيمفونية خاصة من ترانيم عشقه الضاري، ضعفت بحوزته وسيطرته فحركت شفتيها تغرد له بكلمات الاشتياق الممزوجة بالعشق ككروان يعزف اعذب ألحان العشق. عشق خاص لهما وحدهما، توقف الزمن من حولهما من جمال اللقاء.
شعور بالهدوء غلف الأجواء حولهما بعدما استكانت القلوب المتعبة من الهجر والاشتياق، تنهيدة محملة بلوعة العشق اللاذع وهو يراها تدفث نفسها بأحضانه ذاهبة بنومها
صمتًا عميقًا محملًا بقوة العشق التي بالقلوب. مسد على خصلاتها واستند على ذراعه يرسمها ك فنان، قمر منير يلمع بسماء عشقه
انحنى يقطف كريزتها هامسًا ببحته الرجولية
-بحبك بعدد نبضات قلوب البشر ياجنة حياتي. ظل لعدد من الدقائق حتى
غلبه النوم فغفى رغمًا عنه.
بعد عدة ساعات استيقظت وجدت نفسها محاصرة بجسده، ابتعدت بهدوء متجهة للمرحاض بعدما فاقت من سحر عشقه. دقائق لم تعلم كيف خرجت وارتدت ثيابها متجهة للخارج سريعا قبل ايقاظه
هرولت تبحث عن مفاتيحه وخرجت من باب البيت تستقل سيارته هاربة سريعا وعيناها تدفع الدمع بالدمع
وصلت لمنزلها بعد فترة وولجت للداخل تلقي نفسها على الفراش تبكي بنشيج.
دلفت عليا على صوت بكائها تنظر إليها بذهول: -جنى كنتي فين وليه بتعيطي.
ألقت نفسها بأحضانها تبكي
-عايزة اموت ياعاليا عايزة اموت، مش قادرة اعيش من غيره ولا قادرة أقرب منه تعبت والله تعبت
-اشش اهدي ياحبيبتي وقوليلي ايه اللي حصل لدا كله، كنتي مع جاسر، انا كلمت ياسين قالي انك ممكن تكوني معاه لما قلقت، معرفش كلمه ولا لا
تمددت على الفراش قائلة: -سبيني لوحدي لو سمحتي
استمعت لرنين هاتفها فاتجهت إليها
-ياسين جه تحت لسة راجع من العريش العصر ومصر اكون في حي الألفي وهو هنا.
أشارت لها بالخروج:
عند جاسر
استيقظ يفتح عيناه بإرهاق، ابتسامة زينت وجهه وهو يهمس
-جنجون فينك. نهض من مكانه يبحث عنها قائلاً: -حبيبي أنتِ في الحمام، دفع الباب بعدما لم يستمع لرد. ظل يجوب الغرف بالكامل واتجه للأسفل يبحث بالمطبخ ولكن تسمرت قدميه وشعر بدوران الأرض كأن نبضات قلبه توقفت عندما نظر للخارج ولم يجد سيارته.
هوى على المقعد دون حركة، كأن أنفاسه سبحت وعالمه انهار حوله فلم يعد لديه قدرة على شيئا. ارتفعت أنفاسه يهز رأسه
-لا مستحيل تعمل فيا كدا، ازاي يعني هي اختارت الفراق الأبدي. ليه ياجنى
نهض وبدأ يحطم كل ما يقابله حتى خارت قواه بالكامل فهوى جالسًا وكيفيه الذي لم يشعر به ينساب دمائه
بعد عدة أيام
خرج ياسين من الحمام يبحث عنها وجد ورقة تحت هاتفه
-أنا خرجت مع جنى بتجهز معرضها.
كور قبضته على الورقة حتى تمزقت يهمس بفحيح
-وربي لأعلمك الادب، بتبلغيني بعد ما تمشي، ماشي. قالها متجها يسحب ملابسه بعنف حتى سقط امامه إحدى الأشرطة العلاجية
امسكه ينظر به ثم تناول هاتفه وقام بوضع اسمه على الهاتف
رعشة قوية أصابت جسده وهو يردد
-اجهاض. دقات عنيفة حتى شعر بتزلزل الأرض تحت أقدامه مرددًا
-يعني هي حامل، حامل ازاي، ومن امتى، معقول ليلة واحدة، ولا يكون
استغفر ربه.
-لا عاليا مش كدا. لا هي مستحيل تكون كدا، آه صرخ بها وهو يلقي قنيه عطره بزجاج المرآة ثم اتجه كالمجنون
وجمع اشيائه واتجه لسيارته كالمطارد
عند جاسر. هاتفه والده
-تعالى على الشركة، لازم تكون موجود، اغلق الهاتف دون رد
زفر جاسر ينظر بهاتفه وقاد سيارته متجهًا للشركة:
-فيه جديد يابني
-أيوة ياباشا، فيروز قاعدة في شقة قديمة بتاعة باباها، صمت لحظات واردف.
-نعمان التميمي جالها امبارح قعد حوالي عشر دقايق ونزل وشكله كان غضبان
نظر للطريق قائلا
-وغيره، تابع الرجل حديثه
-مدام جنى. توقف بالسيارة
-مالها؟ فيه حد بيتردد على مرسمها الجديد، شكله راجل اعمال وتقيل
-يعني ايه وضح؟
-اول مرة كان المعرض مقفول وسأل على الافتتاح وبعد كدا مشي
امبارح وهم بيجهزوا في المعرض شوفته هناك استغربت وجوده، بس
صمت للحظات فصرخ به
-انطق بتنقطني!
-عز باشا كان هناك وشكله عارفه، وكمان حضرة اللوا
-اقفل. قالها جاسر وتحرك بسيارته
-جواد هبعتلك صورة عايز كل حاجة عنه خلال ساعتين
زم جواد شفتيه قائلًا: -والله يابني انا اللي رئيسك مش انت خالص يابن خالي
-جواد اي معلومة لو بسيطة تبعتهالي
هعدي عليك بالليل
بالشركة توقفت بجوار عز وقامت بالتوقيع قائلة: -لازم امشي يازيزو عندي ميعاد مهم وانت احضر الاجتماع، قبلته على وجنتيه وتحركت.
خرجت من الشركة كانت عاليا تنتظرها فهاتفتها: -امشي قدام هتلاقيني بعد الشركة على أول الشارع، مش عايزة المحروس جوزي يشوفني عرفت أنه جاي
قهقهت عليها عاليا وهي تتحرك إليها ومازالت تحادثها. ناداها فارس
فأشارت بيديها له: -هشوفك بعدين سلام.
وصل جاسر أمام الشركة فترجل من سيارته، وصعد سريعًا لمكتب أوس
فين الورق دا، لازم امشي خلال عشر دقايق
نهض أوس قائلاً: -هجيبه من عز وأشوف جنى وفارس مضوا ولا لا.
-ليه هي جنى هنا. تسائل بها
-اه كانت هنا ولسة خارجة، قولتلها انك رجعتها
نفث سيجاره وتحدث: -اه وهطلبها في بيت الطاعة بنت صهيب بس اخلص من القضية
قهقه أوس وهو يتحرك للخارج
-والله اتنين مجانين، بس بحبك وانت مسيطر ياحضرة الرائد
اتجه للنافذة ينظر للخارج وجدها تخرج من الشركة وتهاتف احدهما، كور قبضته يلكم النافذة بغضب حتى تساقط زجاجها، . ولج أوس على صوت التحطيم.
-يعني اليوم اللي هتيجه مكتبي هتكسره، امشي روح مش ناقص جنان
تحرك سريعا متجها خلفها، يريد أن يعلم لماذا خرجت من الشركة دون سيارتها. هرول سريعا وجدها تقف مع عاليا. جحظت عيناه من ضحكاتهما المرتفعة. جز على نواجزه متجها إليهما: -اعمل فيهم ايه الاتنين دول اخرتهم على ايدي، رفع هاتفه يهاتف ياسين
-تعالى لم مراتك، عرفت دلوقتي مين بيقوي البت دي عليا
ضيق ياسين عيناه متسائلًا
-تقصد إيه؟
قام بتصويرهما وأرسل الصورة.
-دي جاية تعمل إيه هنا، انا بحذرك لمها بدل ماانا اللي ألمها
-تحرك بسيارته بسرعة جنونية: -جايلك ياعاليا وياويلك مني
قام جاسر بمهاتفة جنى. نظرت للهاتف بذهول فمنذ ذاك اليوم ولم يحاكيها. لحظات كاعوام مرت عليها وهي ترفع الهاتف وتجيبه
-نعم. انتي فين ومروحتيش ليه بعربيتك. استدارت تنظر لوقوفه أمام سيارته، طالعته بحزن وهي تراه متجهًا نحوهما، . حاولت السيطرة على نفسها حتى. وصل إليها.
-رايحين فين؟ تسائل بها ببرود
دققت النظر بعيناه ولكن تلك النظارة منعت رؤيتها لعيناه فاقتربت منه
-عامل ايه؟
تراجع خطوة ينظر لعاليا قائلاً: -عاليا بلاش تمشوا من غير حراسة، علشان محد ش يضر فيكم. قالها واستدار متجهًا لسيارته، أسرعت خلفه
-جاسر. أطبق على جفنيه يحسب أنفاسًا هادئة ثم استدار إليها
-فيه حاجة؟
-لازم نتكلم نظر بساعة يديه ثم رفع نظره لعاليا قائلا
-مبقاش فيه حاجة نتكلم فيها. قالها وتحرك.
رأت عاليا سيارة ياسين، فجذبت جنى التي توقفت تنظر لذهاب جاسر
-جنى ياله ياسين جه. استدارت متجه لسيارتها وجدتها تنظر من المرآة على سيارته قائلة:
-معرفش دا ايه اللي جابه النهاردة
ابتسمت جنى بمناكشتها
-بيحبك ياقطة، الواد جه زاحف. ارتدت نظارتها متجهة لسيارتها
-اعرفي ياسين هيجي ورانا وانا بتخنق من ولاد عمي فلو جه هنزلك
مطت عاليا شفتيها قائلة:.
-طيب هنروح مشوارنا، بس تعرفي تعومي ونهرب منه، اصلي اشك أنه هيقنع جاسر
قهقهت عاليا بصوتها حتى التفت المارة إليهما فوضعت كفيها على فمها
-وحياة ربنا شكلك ناوية على علقة من ملك الهكسوس هو بيضرب الكل مش بيهمه
استمعت لطرقات على زجاج السيارة. جحظت عيناها تنظر لذاك الذي وضع سلاحه على رأسها، بعدما استقل السيارة بالخلف
-جاي اخطف واحدة، لقيت الاتنين. صلاة النبي احسن، نظر للرجل الذي بجواره.
-انزل سوق العربية، واللي تتحرك منهم موتها على طول، . لكزها بسلاحه انزلي انت وتعالي جنبي هنا
استدارت عاليا كالقطة الشرسة
-دا انت مش بترحم بقى، وعايز فعلا اضربك بالجذمة. دنى يجذب رأسها يهمس لها
-حسابنا لسة متصفاش، ولو عايزة اللي جانبك عايشة تعملي اللي بقولك عليه
نظر بمرآة السيارة معنف الرجل
-امشي بسرعة حضرة الظابط جاي علينا، والله شكلي هدلع على الاخر النهاردة. رمقه خالد بإستخفاف.
-عايز أشوف المحروس اللي نافخلي صدره هيعمل ايه لما يعرف حورية الجنة معايا.
ولا إيه يامدحت معانا جوز كناريا، يذلذلوا الجو. اسحب يامدحت بسرعة، قالها بضحكات مرتفعة
دفعته جنى بقوة تفتح باب السيارة تصرخ بصوت مرتفع
استدار جاسر سريعًا عندما استمع لصراخها باسمه
جاسر.
↚
لكمته جنى بقوة وانتزعت وجهه باظافرها، ثم فتحت الباب تصرخ باسم زوجها
- جاسر.
عند جاسر وصل لسيارته وكأنه يخطو فوق جمرات نارية، كيف له أن يتركها تذهب دون عقاب على مافعلته، اسبوعًا ولم تهاتفه أو تعتذر لما صار، حقا لم يعد يعنيها شيئا، لقد تغيرت كثيرًا وأصبحت أكثر جمالا وتفوقًا، منذ شهرتها بمجالها وأصبح غيورًا بدرجة لم يتخيلها عقله، كور قبضته يلكم باب سيارته ثم فتحها ينظر لياسين الذي وصل إلى الشركة وترجل من السيارة متجهًا إليه ولكنه استدار سريعًا عندما استمع لصرخاتها وكفيها الذي تلوح به. لحظات كالسيف على العنق وهو يرى اندفاع سيارتها وكأن هناك من هجم عليهما، ذهب عقله لتلك العصابة، الذي يراقبونه، استقل سيارته وهرول خلفهم دون حديث، لم يتثنه لياسين التفكير اسرع لسيارته بهبوط عز وأوس من باب الشركة.
تسمر الاثنين على صرخات جنى هرول ياسين وجاسر خلف سيارتها
ظلت السيارة تلاحقهم، نظر الرجل الذي يقود السيارة إلى خالد: -الظابط ورانا ياخالد اتصرف. وضعت عاليا كفيها تحتضن بطنها عاجزة عن شيئا تفعله وهي تراه يضع السلاح برأس جنى
اتجهت بنظرها إليه: -خالد اللي بتعمله دا هيدفعك غالي متنساش أننا متجوزين ظباط
جذبها من خصلاتها يهمس بفحيح.
-مش عايز اسمع صوتك، هاخد اللي بقالي سنين بخططله، كريم هيجي ببيع المصنع والأرض، وجوزك هيجبلي فلوس كتيرة اتجه بنظره لجنى يبتسم بدهاء
-وحضرة الظابط اللي عامل فيها الكنج لازم ادفعه التمن غالي وافش غليلي فيه بعد اللي عمله معايا
نظر خلفه وصاخ مزمجرًا: -اتحرك بسرعة يابني دا هيقطع طريقنا.
دلف من طريقًا حتى يقوموا بأعاقة جاسر من الوصول إليهم. نظر بشاشته ليعلم اين هم من خلال إشارة هاتف جني الذي وضع به ذاك الجهاز منذ عمله بتلك القضية. استمع الى هاتفه
-أيوة ياسين. معرفش عمال يدخلوا شوارع، متخافش هعرف اوصلهم، صرخ به هبعتلك اللوكيشن حاضر
بحي الألفي
-وانت مش شايف انك جنيت عليها ياصهيب
ابتعد بنظره وغامت عيناه بدموع الألم قائلا: -غصب عني ياجواد، معنديش غيرها
هز جواد رأسه.
-أيوة صح غصب عنك، غصب عنك انك تشك في ابني وغصب انك انك تحرقه وتموته بايدك، وغصب عنك انك تخرج من حي الألفي وتعيش لوحدك كانك يتيم، في عز ماكنت محتاجك، غصب عنكم كلكم، حازم اللي كل شوية سفر، وسيف اللي مش عارف يربي بناته هنا في مصر بحجة أنهم اتعودوا على العيشة برة
استمعوا لطرقات على باب المكتب. دلفت غزل وهي تحمل كاستين من العصير.
-محبتش اعملكم قهوة، عصير فريش اهو. قاطعهم هاتف جواد، رفعه قائلاً: -أيوة يابني. أجابه على الطرف الآخر
-فيه حد خطف مدام جنى ومدام عاليا، وحضرة الظابط وراهم وانا كمان، المعلومة عندك ياباشا
توقف جواد ينظر بساعة يديه ينظر لغزل
-غزل لازم اخرج، كان عندي ميعاد مهم ونسيت، اتجه بنظره لأخيه قائلاً: -شوفي ابو عز لو ناوي يتغدى معانا، قالها وتحرك فتوقف صهيب
-جواد لازم نتكلم
-وأنا لازم أخرج حالا، لما ارجع.
تحرك دون حديث رغم محاولة صهيب لتوقفه، استقل سيارته وقام بمهاتفة باسم
-باسم شوفلي تليفون جنى وجاسر فين بسرعة وابعتلي اللوكيشن
توقف باسم متجها لمهندس الالكترونيات
-فيه ايه؟
-حد خطف البنات من قدام الشركة والولاد وراهم، بتصل بجاسر وياسين محدش بيرد والضابط اللي بيراقبهم ضيعوهم ابتعلي تحركاتهم بسرعة
-تمام انا قدام الجهاز اهو هشوف وابعتلك
عند خالد بالسيارة أشار للذي معه.
-ادخل من اول شارع بسرعة، ظلت السيارة تسير في عدة شوارع إلى أن اختفت من أمام جاسر
تحرك خلف تتبع إشارة هاتفها إلى أن وصل إلى مكان عشوائي به الكثير من المنازل القديمة، ترجل من سيارته، يدور حول نفسه، وأمسك الهاتف يتحرك حسب الاشارة.
قام بمهاتفة ياسين
-أنا وصلت في مكان هبعتلك اللوكيشن، خلي سلاحك معاك
دقائق وصل ياسين إليه بجسد مكتظ بنيران قابلة للأنفجار، توقف جاسر يشير إلى إحدى المنازل.
-هندخل البيت دا بحذر منعرفش فيه ايه تمام
اومأ متفهمًا، ثم نظر لهاتفه قائلاً: -بابا اتصل كتير.
-رد عليه ياياسين مش هيسكت، انت تايه عن جواد الألفي. اكيد وصله معلومة
وضع السماعة واجابه
-أيوة يابا. على الجانب الآخر
-أنا بتصل مبتردش ليه ياحيوان
-آسف يابابا مسمعتش الفون، فين الحيوان التاني، قوله بلاش تهور انا في الطريق، متنسوش مراتاتكم مع العيال دول ومنعرفش هم مين وعايزين ايه، سامعني ياياسين.
تحرك جاسر ولم يعري حديث والده، اغلق ياسين مع والده.
ادخل وانا هحمي ضهرك، المهم ادخل بحذر، ولج لأول غرفة ولم يعثر بها على احدً، توقف حينما وجد الهاتف ملقي على باب المنزل، تعاظم الوجع بداخله حتى تجلى على ملامح وجهه، وشعر بإرتفاع نبضه
تحرك ياسين للداخل وبداخله نيران تغلى كالمرجل، ورغم ذلك سيطر على نفسه هامسًا
-هنلاقيهم اهدى، بلاش تهور، تحرك إلى أن وصل أمام غرفة تُسكر بالخارج
دفع الباب بقدمه بقوة وهو يصيح بصوت مرتفع على أخيه: -جاسر، شكلهم هنا.
هرول إليه جاسر وقام بوضع أذنه على الباب لعله يستمع لشيئًا، فهمس: -جنى! استمعت لصوته وكأنه يأتيها صوته من بعيدًا، ربت على ظهر عاليا
-عاليا سامعة جاسر برة، هوت عاليا على الأرضية من شدة آلامها لتغرق بالسواد، هرولت جنى إلى الباب تضع كفيه وتستند إليه تبكي بشهقات
-جاسر!
شعر بقلبه ينشق لنصفين من صوت بكائها، فهمس إليها: -جنى في حد عندك، قالها وعيناه تتفحص المكان جيدًا، يشير الى ياسين.
-خد بالك ممكن يكون فخ، لازم تهدى، اتجه مرة أخرى إلى جنى
-سمعاني ياجنى، هزت رأسها واجابته تزيل عبراتها: -لأ. مفيش غير عاليا ومغمي عليها
اقترب ياسين صائحًا بقلب متلهف:
-ابعدي عن الباب ياجنى. تراجعت سريعا: أما هو فأطلق طلقته حتى فُتح الباب. ، ولج للداخل يبحث بعيناه الصقرية عليهما
هرول ياسين أمامه. تسمر بوقوفه وهو يرى جسدها المسجي على الأرضية ورأيها المجروحة، اسرع يهمس اسمها.
-عاليا. بينما جنى التي توقفت تطالع ذاك الذي يفترسها بعيناه يبحث عن شيئا أصابها. خطى إلى أن وصل إليها يحتضن وجهها ولم يشعر بنفسه سوى وهو يجذبها بعنف يعصرها بأحضانه ليشعر بإعادة روحه التي فقدها منذ قليل، امتص رحيق رائحتها بكل جوارحه لتصل إلى رئتيه وهو يضمها بقوة يريد ادخالها داخل قفصه الصدري، لم تعترض وكأن عقلها ذهب، بل لفت ذراعيها حول عنقه، ليضمها بقوة لأحضانه، يمرر كفيه على جسدها بالكامل كأنه يحسب عظامها عظمًا عظمًا.
شعر بروحه تعانق روحها بعدما شعر بضمها له بقوة، فنزل برأسه هامسًا بأنفاسه المتسارعة
-حد عملك حاجة حبيبتي. هزت رأسها تدفن نفسها بداخله ثم همست بأحضانه: -ضربوا عاليا على دماغها، قالتها ببكاء
أخرجها من أحضانه يحتضن وجهها واقترب يهمس لها
-اهدي ياجنى، عاليا كويسة، ياله لازم نمشي من هنا
استدار لأخيه بعدما حمل عاليا قائلاً: -جاسر لازم دكتور دي مغمي عليها ومش عايزة تفوق. اقتربت منه جنى تربت على كتفه.
-هي اتخانقت وضربت ابن عمها بالقلم علشان كدا اتجنن وخبط دماغها في الحيطة
انكمشت ملامحه متسائلاً: -ابن عمها مين، قصدك مين؟
-خالد! قالتها جنى
حملها وتحرك للخارج ونيران جحيمية تلتهم صدره يود أن يحرقه حيا، وصل للسيارته ووضعها بهدوء، يزيل تلك الدماء.
-عاليا افتحي عيونك، ياله. تعاظم الخوف بداخله وعيناه تبحر على جسدها بالكامل، ورأسها المجروحة، اتجه يبحث بسيارة جاسر عن شيئا لإفاقتها حتى عثر على قنينة من العطر، لحظات وفتحت جفونها متأوهة تضع كفيها على رأسها
-آآه. همست بها بخفوت، ضمه لأحضانه يربت على ظهرها بحنان
-عاليا سمعاني. ارتفع صوت بكائها تلف ذراعيها حول خصره وتهمس اسمه
-ياسين!
مسح على خصلاتها، يهدهدها كطفل رضيع لتسكين بأحضانه قائلاً: -اهدي خلاص كله عدى، اهدي أنا هنا
ماأن استمعت لصوته الحنون بكت بنشيج تضمه بقوة كأنها تستمد الامان منه
تفاقم الوجع بداخله فابتلع جمراته الحارقة قائلاً بنبرته الرخيمة: -عاليا خلاص اهدي انا معاكي محدش يقدر يقرب منك
كأن كلماته كانت دواء لجروح رأسها لتغفو بصدره، شعر بها فقام بفرد المقعد ووضعها به ثم انحنى يلثم جبينها.
-وحياة دموعك وخوفك دا لأقهره، كأنه يرواد أحلامها، فتعلقت بكفيه
-متسبنيش، استمع لطلقات نارية، احتوى وجهها
-حبيبتي هدخل اشوف جنى وجاسر مطلعوش ليه اوعي تنزلي من العربية، أطبقت على جفونها تغمضها، فقام بإغلاق السيارة جيدًا وتحرك للداخل
بالداخل قبل قليل
شعرت بغمامة تسيطر على جسدها فاستدنت على كتفه، إلتفت إليها بعدما شعر بتراخي جسدها
-جنى. حاولت فتح عيناها ولكنها لم تقو فهمست اسمه بخفوت
-جاسر أنا دايخة!
لف ذراعيه حولها بتملك يضمها قائًلا: -ياله نمشي حبيبي، وياترى هتروح فين ياحضرة الظابط. قالها خالد الذي دلف وهو يشير بسلاحه عليه، وكذلك الرجال الذين معه. لم يكن لدى جاسر المقدرة لإخراج سلاحه من جيبه، فتوقف صامتًا وعيناه بكل الاتجاهات
أما خالد الذي اقترب منه وهو يبحث بعينيه عن عاليا، فتحرك إليهما كالمجنون ينظر لجنى بسلاحه:.
-عاليا فين؟ شعر جاسر بتصلب جسده بسببها، وتوقف عقله عن التفكير وهو يرى أربعة من الرجال يحاصرونه، تحدث أحدهم
-ايه ياخالد، جايبنا كلنا علشان دا.
اقترب خالد بنظرات شيطانية
-بص أنا مش عايز اذيك، عايز من عاليا. حاجة وهخليها تمشي، انت اخدت كل مايخصها، عايز اللي يخصني. اقترب ليجذب جنى ولكنه ركله بقوة حتى هوى بعيدًا عن الأرض يصرخ من الألم
اقترب منه الرجال أخفاها خلفه مزمجرًا: -اللي هيقرب ويلمسه هاقطع أيده. ضمته بقوة ودقاتها تضرب صدرها بعنف وهي تراهم يصوبون الأسلحة عليه، أطبقت على جفنيها تهز رأسها هامسة لنفسها.
-لا مستحيل يعملو له حاجة، جذبت جسده من الخلف كأنها تبعده عنهم، شعر بخوفها فهمس لها:
-جنى إياكي تتحركي من مكانك، نظر وعيناها كأنه يطمأنها هنطلع من هنا، حاوطت خصره من الخلف تختبأ خلفه تحاول السيطرة على إعياء جسدها متشبثة به، وقلبها يؤل إليها بالدفاع بروحها عنه، حاولت التحرك لتقف أمامه ولكنه حصر جسده بالخلف، وزع نظراته عليهم وحاول التركيز، استدار برأسه.
-لو عملتي حاجة هزعل منك، إياكي تتحركي من مكانك. ارتفعت دقاته عندما وجد الرجال يقتربون منه هامسًا
-فينك ياياسين!
اقترب منهم وعيناه تحاصر جنى، ولكن الكثرة تغلب الشجاعة. نشبت معركة بالأيدي، وخالد يقف يطالعهم قائلًا: عايز علقة محترمة من غير موت يا جدعان. ظل يقاومهم.
وضعت كفيها على شفتيها تبكي وهي تراه بين تلك الوحوش بيحارهم بمفرده. دنى أحدهم بسلاحه الأبيض ليصيب ذراعيه، صرخت جنى مقتربة منه، اعتدل خالد يصرخ بهم
-باااس. ابعدوا عنه انا عايز الأمورة ولا ايه ايه ياحضرة الظابط، هاتوا البت.
لحظات مرعبة حتى أخرجت جنى سلاحه من جيبه واطلقت على رجلًا مصوبًا سلاحه على رأس جاسر، ثارت جيوش غضب خالد بعدما سقط الرجل صريعًا أمام عينيه، فاقترب منها ولكن جذب جاسر سلاحه بإتجاه سلاح خالد المصوب عليهما
-هموتك لو قربت، قسمًا عظمًا هموتك وانت عارف كويس، ايدك تتمد عليها هقطعها لك. اقترب خالد بضحكاته الشيطانية وكلًا منهما مصوبًا سلاحه على الاخر وناهيك عن الرجال الثلاث.
ارتجفت جنى وهي تراه مقتربًا من جاسر الذي لم يرف له جفن وهو يضع السلاح برأسه
-هاخدها لحد ماتجبلي عاليا.
اقترب خطوة وهو يبعدها بذراعيه
-وأنا هموتك لو لمستها، . تيجي نجرب ياحضرة الظابط.
فجأة استمع الى طلقات نارية، استدار خالد مع ضرب جاسر لأحد الرجال فسقط صريعا، والآخر اصابه ياسين بصدره والثالث اصابه بطلقة برأسه
تراجع يشير بسلاحه.
-اللي هيقرب مني هموته. أطلق جاسر على السلاح الذي بيديه حتى سقط من يديه، ثم أطلق أخرى بساقيه مما جعله يهوى ساقطًا يصرخ من شدة آلامه
وصل عز وأوس للمكان بمعرفة جواد
اقترب جاسر منه يجذبه من تلابيبه يجره على الأرض، ويدفعه بقوة بالجدار، صفحات بكامل جسده كلما تخيل اقترابه من زوجته، قبض على عنقه يهمس بفحيح.
-كنت عايز تلمس مراتي ياحيوان، اقترب أوس سريعا عندما وجد شحوبه -جاسر ماتبقاش مجنون، دفعه بقوة وبيديه الاثنين لطمه على وجهه بقوة على أذنيه حتى هوى كفاقد الحياة، لم يرحمه جاسر فنظر لساقيه التي نزفت بسبب رصاصته فقام بالدعس على ساقيه المصابة قائلا بصوتًا فظ غليظ.
كان المفروض امو، تك من المرة الأولى، بس معلش ملحوقة، منكرش انا غبي علشان سبتك عايش، اللي زيك المفروض يكون تحت الأرض. دفعه ياسين وهو يزمجر بغضب: -إنت لسة هتحكي معاه، جذبه بقوة، حتى توقف وودفعه يلطم رأسه بالجدار بقوة حتى نزفت بكثرة، حاول جاسر فكاكه
-ياسين استنى لازم اخليه يتمنى الموت الاول.
أشار بسبباته له قائلا: - لا دا حقي ومحدش له دعوة، وأنا هعرف ازاي احاسبه بالطريقة اللي تعجبني محدش يقترب مني، هو جاي لمراتي وأنا اولى بيه
-ياسين. صاح بها جاسر
ولكنه تحول لوحش كاسر واتجه يبحث بتلك الغرفة عن شيئًا يطفئ لهيبه الكامنة بصدره، ذهب بصره لذاك المقص الكبير
-والله ماانا سايبك ياحيو، ان. تحرك عز إليه سريعًا بعدما علم بنوايا
-ياسين أهدى متكنش متهور.
-هو أنا مجنون، دا خطف مراتي، عارف يعني ايه يخطف مرات ياسين الألفي، يعني لازم ينسى اسمه حتى
تحرك ولكن توقف أوس وعز أمامه لمنعه عندما تحول وجهه لغضب عارم عندما فقد جاسر قدرته عليه ورغم كثرتهم إلا أنه كان الأسد المفترس يريد اقتناص بفريسته، وصل إليه وقبض على كفيه
-دي لمستها صح ياحقير، ضحك خالد يهز رأسه وهتف
-اه وخلعتها هدومها ولمست جسمها حتة حتة، إنما ايه رأيك البت فرسة مش كدا.
-آآه. صاح بها وهو يدفعه بالجدار بقوة مما أصيب الجميع بالذهول بحالته. امسك أنامله وتحدث بهسيس
-علشان كدا الايد النجسة دي مالهاش لازمة. بهتت ملامح خالد عندما علم على ماينتويه. ابتعد بجسده ولكنه يئن.
لم يعريه صراخ إخوته إلا وهو يقت، لع أنامله. صرخ خالد بصوت كالرعد تهتز له الأبدان. ضغط على فكيه بقوة ثم صفعه عدة صفعات على وجهه مزمجرًا: -عايز مصر كلها تسمع صوتك ياحيو. ان. تشبست جنى بجاسر بجسد مرتجف.
-قوله خلاص ياجاسر والنبي خلاص
استدار يدفن رأسها بأحضانه
-اهدي ياجنى، دا يستاهل، تعالي اوديكي عند عاليا برة
هزت رأسها تدفن نفسها تهمس بنبرة متقطعة مفزوعة
-لا. مش هسيبك. هنا آفاقه عقله لينزل. لأرض الواقع على ما فعلته به، فصاح باسم عز ونظراته عليها
-عز خد جنى من هنا ياله، ثم استدار إليها بعينه
-روحي مع عز، لازم تبعدي عن هنا ياله
احتضنت ذراعيه
-جاسر! أشار لعز قائلًا
-روحي عند عز قولت. بتر حديثهم صوت جواد.
-ياسين. صاح بها جواد، فألقى مابيده ونهض متحركًا بعدما أنهى عمله حتى وصل لوالده
-معملتش فيه حاجة دي قرصة ودن، وقبل ماحضرتك تعتابني الحيو. انات دي ملهاش تعيش
استدار ينظر لذاك الذي يصر. خ من شدة آلامه فاتجه بنظره لجاسر
-سايبلك لسانه، علشان تعرف كرمي بس. رمق والده بنظرة جانبية
-كنت كريم ياحضرة اللوا والغلط عند حضرتك، علمتنا الكرم على اصوله. قالها ثم هرول للخارج.
تحرك جواد ينظر بإشمئزاز لذاك المسجي على الأرض كالذي فقد حياته، ثم رفع نظره لجاسر
-خدوه القسم خليه يتربى، واياك تقرب منه، بحذرك ياجاسر
اتجه إلى جنى التي مازالت متوقفة بجواره وعبراتها تنساب بصمت، ضمها لأحضانه
-إنتِ كويسة ياعمو، فين عاليا
بكت بشهقات بأحضان جواد
-ضربها جامد ياعمو واغمى عليها ياسين اخدها. سحبها وتوجه للخارج مع وصول باسم بأفراد الشرطة.
أشار إليه: -عدت الحمدلله، دا الحيوان ابن عم مرات ياسين، انا مش قولتلك عينك عليه ياباسم
-جواد. جاسر كان متولي الموضوع، وهو اكدلي أنه واخد باله كويس
-خده من ايد الولاد قبل مايموتوه جوا، الواد دا جاب آخره، شوف شغلك معاه، قالها وتحرك للخارج يضم جنى من أكتافها
أشار باسم لأحد العساكر
-هاتوه، ثم اتجه بأنظاره لجاسر
-تعالى عايزك سيبه هتموته ياحمار
ركله جاسر بساقيه بعيدًا وأنفاسه بالارتفاع، ثم أشار للعساكر.
-خدوا الجثث دي، ثم التفت للذي هوى بجسده كالذي فقد الحياة
-الحيوان دا ارموه في زنزانة
جذبه باسم وخرج بيه
-تعرف اخر مشواري الوظيفي على ايدك أن شاءالله، انا مرضتش اقول لأبوك على عمايلك، ماتتهد شوية يالا محدش قادرك، خليت الولد مالوش لازمة مستني يطبطب عليك.
نفض ثيابه يعدل من وضعية ثيابه وكأنه لم يستمع اليه، فتحرك للخارج قائلاً: -لما تنطرد من الشرطة هشوفلك بيت تحرسه أن شاءالله. قالها وتحرك للخارج. ابتسم عز بصمت يربت على كتف باسم
-معلش تربيتك ياحج باسم، حذرتك كتير بس الاخ مسمعش مني
لكمه باسم حتى تراجع بجسده يقهقه.
-عيلة واطية، انا خلاص مبقتش عايز اعرفكم، سايب شغل الدولة كلها وماشي ورا ولاد جواد ومراتتهم، ماتلموا نسوانكم يااخويا منك له، ولا عاملين فيها اسياد البلد
قهقه عز يتراقص بحاجبه ثم رفع يديه
-لسة عايزينك في طلعة تانية ياحج باسم، لما مرات أوس تتخطف
صفعه أوس على عنقه من الخلف
-بس يامتخلف، والله ماحد عايز يتخطف غيرك علشان نخلص منك يابغل
خرج باسم وهو يهز رأسه ضاحكا ثم أردف: -يارب صاروخ للعيلة دي وارتاح منها.
-سامعك يابسوم وهوصي عليك الواد جاسر يظبطك. توقف يطالعه
-هي العيلة ناقصة صاروخ، دي مولعة من غير اي حاجة.
بالخارج قبل قليل
تحرك ياسين بالسيارة متجهًا للمشفى، فتحت عيناها معتدلة بجلوسها تضع كفيها على رأسها: -جنى فين؟
كان يتابع الطريق، بسط يديه يضعها على جرحها
-حاسة بايه دلوقتي
اومأت بعيناها قائلة: -دماغي بتوجعني قوي.
قاد السيارة وهتف: -خلاص هنروح المستشفى علشان نطمن. هزت رأسها رافضة
-لا روحني البيت، هكون احسن. لم يكترث لحديثها واتجه للمشفى، توقف أمام المشفى واستدار إليها.
-انزلي. نظرت للمشفى ثم إليه وهمست بإرهاق: -ياسين بلاش لو سمحت انا هكون كويسة
انحنى وقام بحملها دون حديث، هزت رأسها معترضة ولكنه تحرك بها إلى أن وصل الاستقبال فتلاقها المسعفين على السرير المتنقل
بالداخل عند الطبيب، بعد فحصها وعمل اللازم لحالتها تحركت للخارج معه. توقفت تستند عليه بعدما شعرت بالأغماء فهمست بتقطع
-ياسين. قالتها وجسدها يترنح فتلاقها بين ذراعيه متلهفًا.
-عاليا مالك؟ أغمضت عيناها وانسابت عبراتها رغمًا عنها هاتفة
-أنا حامل!
توسعت عيناه بذهول رغم شكه ولكن الشك شعور والحقيقة شعورًا اخر
ضمها بين ذراعيه عندما وصلت إليه إحدي الممرضات
-سبها يافندم وانا هشوفها
-عايز دكتورة نسا. قالها وهو يتراجع بها ليجلسها على المقعد بملامح واجمة ودقات عنيفة كادت تمزق اضلعه
-ازاي يعني حامل. تسائل بها بأنفاسًا متقطعة.
رفعت عيناها إليه وشهقت تضع كفيها على وجهها ثم اردفت بحزن: -نصيب ياحضرة الظابط، بس عادي لو عايز نخلص منه
لف ذراعه ليحمي جسدها من السقوط قائلًا: -اسكتي ياعاليا، اسكتي مش عايز اسمع صوتك، ولا عارف اعمل ايه معاكي، انتي بقيتي لعنة حياتي
رفعت رأسها تطالع عيناه القريبة وهمست بنبرة متحشرجة
-انا تعبانة وعايزة ارتاح
نهض من مكانه يبسط كفيه إليها.
-قومي خلينا نشوف الدكتورة، ومتفكريش في حاجة غير أن دي نعمة من ربنا، واكيد ربنا مش هيبعت لنا حاجة تأذينا، واياكي تفكري انك تأذيه
-بس أنا مش عايزاه ياياسين، انا مش عايزة حاجة تربطنا ببعض علشان مانشلش همهم
-اخرصي. قالها وهو يرفعها بعنف
-ربنا أراد. عارفة يعني ايه إرادة ربنا
توقفت تستند على كتفه، حاوط جسدها، متجهًا لطبيبة النساء
بعد قليل بغرفة الكشف.
تسطحت بمساعدة الممرضة على فراش الكشف، وضعت الطبيبة السائل وبدأت بتحريكه متسائلة: -قولتي بقالك قد ايه. فركت جبينها
-مش فاكرة قوي بس حوالي أربع شهور
ابتسمت الطبيبة وهي تشير إليها بعدما ظهر الجنين على سطح الشاشة
-ماشاء الله يااستاذة عاليا، أنتِ متابعة مع دكتور قبل كدا.
هزت رأسها بالنفي قائلة: -رُحت مرة واحدة للتأكيد بس. أشارت الطبيبة على الجهاز لتلك النقطة التي كبرت وظهر بعض أجزاء من جنينها، ارتفعت دقاتها عندما قامت الطبيبة بتشغيل النبض لتنظر بدموع عيناها لجنينها، فهمست متسائلة بنبرة متقطعة: -بنت ولا ولد يادكتور. توقفت الطبيبة متجهة بأنظارها لذاك الجالس ويبدو على ملامحه البرود فتحدثت: - عايز تشوف البيبي، هز رأسه بالنفي يبتعد بنظره عن الطبيبة قائلاً: -مش المرة دي. المهم طمنيني عليهم.
نظرت للشاشة مردفة: -كله تمام، ثم اتجهت لعاليا، لسة الجنين مش ظاهر نوعه قوي، بس احتمال من الشكل دا يكون بنت، هنتأكد المرة الجاية
همست قائلة: -بنت كمان.!
اقتربت إليه بعدما أشارت للممرضة قائلة: -ساعديها، ثم تحركت إلى أن جلست أمامه تدون بعض الملاحظات والأدوية.
رفعت نظرها إليه لتخبره: -بص ياياسين الوضع كويس بس الأم ضعيفة ومحتاجة تغذية، وطبعا الحمل عايز اهتمام، وأكيد دكتورة غزل هتهتم بالموضوع. انا كتبتلها على شوية فيتامينات وكمان ياريت تهتم بالأكل الصحي.
مدت يديها بتلك الورقة التي يدون عليها ماقالته. تناولها بكف مرتعش كحال جسده ينظر لتلك التي تتحرك بهدوء ثم نهض وهو يشكر الطبيبة متجهًا إليها. حمحمت عاليا وهي تطالعه وتحدثت: -حضرتك لو عايزة انزل الجنين هيكون فيه خطورة وينفع ولا لا
توسعت عيناه يطالعها مذهولا، وكذلك الطبيبة التي هبت من مكانها تقف أمامها: -ايه يابنتي اللي بتقوليه دا، اتجهت بأنظارها الى ياسين.
-أنا كأني مسمعتش حاجة، سحبها وثورة عارمة داخله يريد أن يقبض على عنقها، شُحبت ملامحها من هيئته فضغطت على كفيه بالأيدي الأخرى
-ممكن تسمعني
-اخرصي، انا اللي استاهل اني بتعامل معاكي على انك بني ادمة، أمشي قدامي لو سمعت صوتك هخنقك وارتاح منك
سحبها بقوة ولم يكترث لتعبها، لقد أشعلت نيرانه الكامنة بصدره وحولته لوحش كاسر.
وصل بعد فترة إلى حي الألفي.
اتجه بها إلى شقته وصرخة جنونية وهو يحطم كل ما يقابله.
-إنتِ ايه حيوانة. اقترب وهو يخرج ذاك الشريط
كنتي جايبة دا علشان تنزلي الحمل، تسرب إلى داخلها شعور الخوف من مواجهته، ورغم ما شعرت به صرخت به.
-أيوة. عايزة انزله، مستحيل اجيب منك ولاد، اجيب ولاد ليه واعذبهم معايا، انت غصبتني على العلاقة دي، اقتربت تضربه بصدره بلاش اقولك أنها محاولة اغتصاب، يمكن الاغتصاب كان ارحم، انت انتهكت جسمي وقتها ياحضرة الظابط. اخدت حقك غصب عني. عملت راجل على ست ضعيفة مكنش قدامها تختار اه ولا لا، زي جوازنا بالظبط
جاي بأي حق تطلب اني اجيب لك ولد
انا مش عايزة اجيب منك ولاد، سمعتني مستحيل.
كلمات رغم أنها مجرد كلمات خرجت من شفتيها إلا أنها احرقته كوقود ليشتعل صدره بلهيب مستعر، ناهيك عن تعاظم الوجع بداخله من كلماتها، فهوى بجسده على المقعد عندما خارت قواه، من كلماتها التي كانت كالطلقات النارية لتزلزل جسده بالكامل
لم تكترث لحالته واقتربت منه هادرة بصوت كالرعد: -أنا مش عايزة الجنين دا سمعتني، مش عايزة حاجة تربطني بأسوء ايام حياتي.
طأطأ رأسه للأسفل عندما فقد النطق وعجز عن الرد، قلبه لم يطاوعه على حديثها وعقله يهزه بعنف أنها لم تكن ملكه بيوم من الأيام
دقائق كالسيف على العنق وهي تطالعه بصمت وداخلها مضطرب من حالته، هل حقًا أراد جنينها، هل حقًا يستطيع أن يداوي جراحه منه وتكون حياتهم طبيعية. أخيرًا خرج عن صمته هامسًا لها: -برئ منك لو حاولتي تأذيه، وهحاسبك قدام ربنا ياعاليا انك تحاولي تقتلي روح بريئة، رفع عيناه إليها أخيرًا.
-الولد هيجي وانا ههتم بيه، لو مش عايزاه انا عايزه، مش علشان منك. هز رأسه وتابع حديثه بقلبًا مفطور من حياة جبر عليها قائلاً: -ممكن يكون عوض من ربنا ليا في حاجات انا معرفهاش، المهم الولد او البنت اللي ربنا رزقني بيه مستحيل اغضب ربنا حتى لو هضطر اكمل حياتي كلها معاكي. نهض بجسد خاوي من التعبير وخطى إلى وقوفها.
-النعمة اللي حضرتك مش عايزها دي غيرك بيدفع الآلاف علشان كلمة بابا أو ماما، وانا مستحيل أتنازل عن ابني. دنى حتى اختلطت أنفاسهم وتعلقت عيناه بزمرديتها
مش هنكر أنه جه بطريقة غصب زي ما حضرتك بتقولي، بس برضو مجاش بطريقة حرام وغضب ربنا
-ابني هيجي وأنا هربيه، بس اعملي حسابك أنه مش من حقك لانك رفضتيه. قالها وتحرك للخارج
انتفض جسدها فهوت تبكي بنشيج مرير وهي تحتضن احشائها قائلة: -غصب عني والله غصب عني حبيبي.
مش عايزة تيجي للدنيا وابوك وامك مش متفاهمين، هتعيش مرار الحياة
بعد فترة وصل الجميع إلى حي الألفي
ترجل جواد اولا بجوار جنى، توقف صهيب الذي كان جالسًا بحديقة المنزل
وسار إليهما: -ايه اللي لمكم على بعض، دقق النظر بأبنته قطع حديثهم وصول عز وجاسر وأوس بسيارتهم خلف بعضهما البعض
وزع صهيب نظراته عليهم حتى توقفت نظراته على جواد
-ايه اللي حصل؟
أشار إلى جنى عندما اقترب منهما جاسر، ويبدوا إصابة بوجهه وذراعه.
-روحي على البيت هتكلم مع عمك شوية وجاي
-بابا هدخل اسلم على طنط غزل، واعمل لعمو فنجان قهوته، قالتها وهي تترجى جواد بعينها فمنذ ركوبها السيارة معه ولم تتوقف عن البكاء مرددة
-كان هيموتوه قدامي ياعمو، لولا ياسين جه في الوقت المناسب. ربت على كتفها
-جنى اهدي هو كويس اهو، أزالت عبراتها
-بس دراعه. شهقت تضع كفيها على فمها كلما تذكرت إصابة ذراعيه.
-حبيبتي دا جرح بسيط ولما يروح هخلي غزل تنضفه، توقف عن الحديث مضيقًا عيناه قائلا
-أو ممكن بنت عمه اللي مش مبطلة عياط عليه تداوي جرحه مش كدا ياعمو، حتى وقتها الجرح هيخف بسرعة. خرجت من شرودها ترفع عيناها لوالدها، أنا بعدها هرجع بيتي، قالتها وهي تنظر إلى جواد الصامت.
-روحي ياعمو اعملي لي فنجان قهوة من ورا طنطتك غزل
توقف صهيب يحتضن وجهها بوصول جاسر وعز إليهم.
-إنتِ كنتي بتعيطي ولا إيه. مفيش دا لوحتي باظت فعلشان كدا اضيقت
قبل جبينها
-ولا يهمك حبيبتي اعملي غيرها ياله ادخلي شوفي هتعملي ايه علشان تررحي. قالها وهو يرمق جاسر الذي هوى على المقعد دون حديث.
. تحركت للداخل متجهة سريعًا لغرفة جاسر، تبحث عن الاسعافات الأولية، بحثت بأماكنها ولكنها لم تعثر عليها، توجهت للمرحاض تبحث بداخله حتى عثرت عليها، قامت بنزع جاكيت بذلتها النسائية، مع حجابها وقامت بإعداد مايحتاجه، لتضعها أمامه حتى لا يتهاون. ولج للداخل بعدما استئذن والده وعمه للصعود لتغير ثيابه
نزع قميصه واتجه لداخل المرحاض بخروجها لتصطدم به. حاوط جسدها.
وضعت كفيها على صدره العاري، تعلقت عيناه بعينها لفترة ثم تجول على جسدها وخصلاتها العشوائية فتراجع بعدما تركها متجهًا للداخل
-فيه حاجة ولا إيه، جاية هنا ليه، وازاي عمو صهيب سابك تطلعي عادي
امسكته من ذراعه
-نضف جرحك، كنت بشوفلك حاجة علشان تحطها على الجرح، ذهبت ببصرها للأسعافات قائلة
-اخدت بالي من جرح دراعك. قالتها وهي تتلمس جرحه بهدوء
انزل كفيها بهدوء واتجه يقف أمام المرآة.
-دا جرح بسيط مش بيوجع، في جروح تانية بتموت، مش حتة جرح زي دا خايفة عليا منه، بلاش تحسسيني اني اهمك
دنت منه وتوقفت خلفه تنظر إليه من خلال المرآة
-غصب عني، مقدرتش انا لسة مجروحة منك
-اطلعي برة عايز اخد شاور. تحركت إلى أن توقفت أمامه وامسكت المطهر تضعه على جرحه قائلة: -هطلع بس انضف جرحك
امسك ذراعيها يلقي مابيديها بعنف عندما انتفض جسده من لمستها.
-ابعدي عني، مالكيش دعوة، انزلي مش عايز حد يشوفك هنا، ليفكروا أننا بنعمل حاجة تغضب ربنا
طالعته بذهول وفرت دمعة فوق وجنتيها لتقول بصوت مرتجف
-بتقول ايه. أشار على باب المرحاض
-برة، اطلعي برة. عايز اخد شاور.
استدارت بخطوات مرتجفة وبدأت تشعر بإحراق روحها من كلماته اللاذعة، حتى توقفت على باب المرحاض ترمقه بنظرات صامتة: طالعها من خلال المرآة ورسم قناع بارد فوق ملامحه حتى لا يشعرها بغليان صدره. أطبق على جفنيه عندما خرجت تغلق الباب خلفها بجسد مرتجف تضع كفيها على فمها. لحظات فقط مميتة لقلبه من نظرة عيناها المتألمة، فخرج سريعًا، ليجدها تتجه بخطواتها الواهنة إلى باب الغرفة تقبض فوق المقبض، ليجذبها بقوة لأحضانة.
ارتفعت شهقاتها بأحضانه، ضمها بقوة وإحساس بضعفه يتعاظم بداخله من وجودها
أطلق تنهيدة حارة من لهيب عشقها اللاذع أحرقت ضلوعه، لينحني يتذوق ترانيم عشقه ليطيب لقلبه من جفائها
لحظات بل دقائق يتذوق عسل شهدها المترنم لقلبه، ثم يحجزها بداخله قائلا بأنفاسه المرتفعة من قربها الجحيمي، ولمسة كفيها لظهره العاري
-ينفع اللي عملتيه معايا
تنعمت بأحضانه تطالعه ببريق عيناها اللامع بعشقه.
-انزل لبابا ياجاسر وقوله انك رجعتني وفهمه أننا منقدرش نعيش بعيد عن بعض، وأنا اوعدك هرمي كل حاجة حتى لو بابا رفض وهجي معاك، بس لازم تبين قدام الكل انك شاريني، مش مجرد أمر من بابا وباباك نعيش كدا
دنت تحتضن وجهه
-حارب علشان خاطري، انا كمان تعبانة من بعدك، بس لازم احس إنك بتحارب علشاني، ارفع كرامتي قدام اهلنا لو سمحت، بلاش نظرة الشفقة اللي بشوفها في عيون الكل عليا
مررت كفيها على وجهه وتابعت مستأنفة.
-حبيبي علشان خاطري نفسي ارجع اعيش في حي الألفي، انا هربت منه ياجاسر علشان لقيت كرامتي انداست فيه بسببك، عارفة انك مغصوب، بس برضو انت محاربتش علشاني ولا مرة من اول جوازنا مرة منك ومرة من فيروز. حسسني بقيمتي لو سمحت
تراجع بجسده للخلف
-مش هقدر ياجنى، باباكي مش هيوافق، وانا مش هقدر افرق بينه وبين ابويا، مش هقدر افكك العيلة من بعضها، مش انا اللي اعمل كدا.
بقلبًا تهشم من كلماته رفعت عيناها الزائغة التي ماتت منها الحياة لتردف بخواء
-هتقدر بس جرب، جرب تاخدني في حضنك قدام الكل وقولهم مش هقدر اعيش بعيد عنها، وقتها هضمك ولو حصلت هتنازل عن الكل زي ماقولت
-مش هقدر. قالها بنبرة متألمة
-بس تقدر تدبحني وتوجعني، تقدر تخليني كل ليلة انام معيطة وروحي مسحوبة مني، تقدر تدوس عليا مش كدا يابن عمي.
اقترب منها ورفع كفيه ليحتضن وجهها.
-إنتِ روحي وحياتي اللي لما بتبعد عني بموت. فيه حاجات أنتِ متعرفهاش
-معرفهاش! قالتها مستنكرة تهز رأسها بدموع القهر منه ثم أشارت على نفسها
-طب ليه رجعتني، وكنت عايز ايه من رجوعنا وانت بتقول نترك الكل ونبعد عنهم كان قصدك ايه
-كنت هرجعك بالسر ياجنى، مكنش حد هيعرف، هنعيش قدام الكل كأننا مطلقين بس حياتنا هتكون لينا لوحدنا بعيد عن الكل.
هناك من الكلمات كالرصاص تؤدي لمقتل الجسد وهناك من الكلمات يكون أثرها صاعقي يدمي القلب دون دماء، ويجلد الروح دون عناء. هكذا وقعت كلماته عليها لتتجه للخارج بجسد خالي من الحياة، تحركت بخطوات مترنحة تستند على الجدار، فلقد ألقاها من سابع سماء لتهبط إلى أرض صلبه لتهتك اعضائها بالكامل.
-جنى! صاح بها واقفًا على باب جناحه. كالطائر مكسور الجناح التفتت إليه وأنفاسها بالتلاشي وكأن الجدران تطبق على صدرها فتحدثت بنظرات متوسلة: -جنى اتكسرت كتير ياحضرة الظابط، وللأسف محدش كسرها غيرك، ياريت تنسى كل حاجة ربطتنا ببعض. رفعت أكتافها للأعلى وأكملت: -هحاول ياجاسر انزعك من قلبي، والله هحاول يابن عمي. قالتها مستديرة لتقف مذهولة عندما وجدت والدها خلفها. وزع صهيب نظراته عليهما.
-كنت عارف هلايقكي هنا، ثم سحبها من كفيها متجها للأسفل
-شكرًا يابن اخويا، دايمًا تحترم وعودك لعمك. عمو. قالها فتوقف صهيب ينتظر حديثه، اما هي ارتفعت دقات قلبها ظنا أنه سينصف قلبها ولكن هوى قلبها حينما استمعت لكلماته
-أنا في شقتي مرحتش لبنتك، هي كانت جاية تاخد حاجة تخصها من هنا، ومن على الباب يعني انا لسة عند وعدي زي ما حضرتك عند وعدك.
أحست ببرودة بسائر جسدها فطالعته بنظرات مبهمة قائلة: -حضرة الظابط عنده حق يابابا، أنا اللي جيت هو مالوش يتلام، متخفش يابابا. احنا بقينا زي السما والأرض مستحيل يتقابلوا. قالتها واتجهت للأسفل سريعًا متجهة لسيارة أخيها واستقلتها بذهول أمام الجميع دون حديث
ذهب جواد ببصره لصهيب الذي خرج بقلبًا متألم من حالة ابنتها
-أوس، عز سبوني مع صهيب شوية.
ارتسم الألم داخل مقلتيه محدقًا بأخيه بوجوم يشعر بقبضة حادة تعتصر صدره لما توصل إليه أولاده
-عايز توصل لايه ياصهيب
قالها بغضب محموم مصوب لأخيه
سحب صهيب نفسًا مثقل بالوجع والهموم.
-جواد فيه موضوع خبيته عليك، بس قبل ماتحكم وتقول رأيك. أنا وعدت جاسر انك متعرفش، بس في نفس الوقت حاسه جبل على قلبي ومش قادر اتحمله، جاسر ابني زي ماهو ابنك، عارف انا كنت اناني بس والله غصب عني وانت عارف لو خيروني بين حياتي وحياة جاسر صدقني هختاره
أطلق زفرة محملة بالوجع، وآهة عميقة أخرجها من جوفه المحترق حينما شعر بتصلب جسد جواد
-مخبي عليا ايه، ومن امتى واحنا بنخبي حاجة على بعض، والموضوع يخص ابني كمان.
عقد العزم على اخبار أخيه كل شيئًا
بكل مايكنه فوق صدره
-قبل طلاق جاسر وجنى بحوالي اسبوعين فيه بنت كانت بتروح لجنى المعرض بحجج أنها ترسمها، البت قربت منها وطبعا عارف جنى طيبة ومتعرفش بخبث النوايا
-غيره ياصهيب عارف الموضوع كله
حدجه صهيب مذهولا فتحدث
-كنت عارف انهم خدروا بنتي وصورها من غير هدوم.
صاعقة نزلت فوق رأس جواد يطالعه بصدمة، حتى فقد النطق للحظات، لحظات كفيلة إلى انسحاب أنفاسه، هو كان يشك بشيئًا فنظر إليه متسائلاً: -ايه اللي بتقوله دا؟
أطبق صهيب على جفنيه
-للاسف ياجواد، دي الحقيقة، وبعتولي الصور دي تهديد أن جاسر يبعد عن القضية اللي بيحفر فيها ياإما
توقف عن الحديث يطالع أخيه بريبة
-هيموتوا جنى بنفس الطريقة اللي موتوا بيها جنى مراتي ومش بس كدا هيموتوه.
شعر بغصة بجوفه فتابع حديثه.
-والله ضغطت عليه كتير، انا فقدت واحدة ياجواد، لكن هو أصر خلاني اخيره بين طلاق جنى وبين القضية دي، وطبعا ابنك زيك بالظبط، قالي هيطلق جنى
ضغط جواد على الكوب حتى غرز زجاجه بكفيه. فأكمل صهيب.
-هددته اني هقولك، بعدها جه وقالي انا اتنازلت عن القضية ياعمو، بس انا مش هقدر اعرض جنى للخطر، مش كل قضية امسكها افضل قلقان، ودا اخر قرار عندي مش عايز اخسرها وانا سألتها قبل كدا تختاري موتي ولا الفراق هي اختارت الفراق، الكلام كان ليا ياعمو أنا هختار أننا نبعد بس مستحيل اعرضها للخطر.
ووعدني أنه هيبعد عن القضية بس من اسبوع كنت عند باسم والموضوع اتفتح قدامي بالصدفة من اتصال حد بباسم وعرفت أن ابنك كان بيلعب عليا وفعلًا بدأ ينخور ورا الناس دي
ابنك بيرمي نفسه ياجواد للتهلكة، متزعلش مني علشان خبيت عليك بس هو قالي أنه خلاص هيبعد، وكمان قولت مستحيل متكنش عارف بس باسم اكدلي أن الناس مجرمة مابيرحموش حد واكيد مش انا اللي هقولك كدا
طالعه لبرهة دون حديث، حتى تحدث صهيب: -جواد ليه مبتردش!
-البنت اللي بتقول عليها دي شعرها اشقر وعيونها ملونة
اومأ صهيب برأسه
هز جواد رأسه دون حديث ثم توقف قائلاً: -أنا تعبان ولازم ارتاح البيت بيتك دا لو انت لسة شايف أننا نستاهل نكون اخوات
توقف صهيب أمامه
-جواد لازم توقف جاسر، صدقني مش هتتحمل يحصله حاجة، عارف طبيعة شغله كدا، بس الضنا غالي
ربت جواد على كتفه قائلاً بلسانًا ثقيل
-متشغلش بالك ياصهيب، بس غلطت، غلطت قوي. قالها وتحرك بجسدٍ مرتجف. صعد إلى جناح ابنه.
لحظات وفتح الباب. قابله جاسر بحالة مزرية. دلف للداخل نظر للغرفة بذهول من الفوضى التي طالتها من تحطيم الاشياء
تحرك إلى الشرفة قائلاً: -تعالى عايزك. تحرك خلفه بعدما جذب قميصه
وقف في الشرفة محاولا السيطرة على آلامه التي سارت بكافة جسده من أفعال ابنه، وضع كلتا يديه بجيوب بنطاله ينظر بشرود للخارج حتى وصل إليه جاسر متسائلاً: -فيه حاجة يابابا!
تنهد بغضب مكورًا قبضته داخل جيبه حتى لايصفعه على وجهه ثم تحدث بهدوء رغم اشتعال صدره
- مش ناوي ترجع جنى لعصمتك تاني، بدل ماانت عايش في الجحيم دا وكمان البت مش متحملة فراقكم، ليه تتعبوا بعض كدا
ابتلع ريقه بصعوبة، عندما ارتاب من نبرة والده الباردة. فحمحم محاولا تجميع الحروف: -ايه اللي حضرتك بتقوله دا يابابا، حضرتك عارف أننا أطلقنا وخلاص ايه اللي فكرك بعد شهرين من طلاقنا خلاص كل واحد راح لحاله.
هز جواد رأسه يردد حديثه: -أيوة فعلًا كل واحد راح لحاله، انا برضو حبيت اسمع منك كدا برضو علشان لما أوافق على جوازها يبقى مظلمتكش
ابتلع حديث والده كجمرات مشتعلة تكوي جوفه بلا رحمة وشعر وكأن انطباق المنزل على صدره فاقترب من والده مهزوز الجسد غائر القوى، مفطور القلب يردد بصوت متقطع: -ايه اللي حضرتك بتقوله دا، مين إن شاءالله اللي يقدر يقرب منها.
سحب جواد نفسًا طويلًا بعدما شعر بآلام كلماته على ابنه ورغم ذلك ضغط على جرحه الغائر قائلًا: -مش حقك توقف قدام سعادتها، انت طلقت وبعدت خلاص مالكش دعوة بيها جالي عريس، فكان من الأولى انك تعرف، غرز عيناه بعين ابنه
-تعرف بس يابن جواد أما حق الرفض والقبول دا لأبوها اولًا ثم ليا حتى هي مالهاش حق الرفض برضو
-بابا ايه اللي بتقوله دا، أكيد بتلعب بأعصابي، علشان حضرتك متأكد مش هخلي حد يقرب منها، مستحيل سمعتني.
ارتسم ضحكة على وجهه
-تيجي نشوف كلام مين اللي هيمشي
-بابا. صاح بها بصوت مرتفع خرج رغمًا عنه فاقترب من وقوفه: -محدش هيقرب من مراتي، ولا حد ليه حق يقف يخيرني ومتزعلش مني بس مش من حقك تضغط عليا، جنى هتفضل ملكي لحد ماأموت
رغم حديثه الذي نخر عظامه إلا أنه أردف: -متكنش ظالم ياجاسر، دا ظلم
-لا مش ظلم، وبكرة حضرتك تعرف مستحيل اكون ظالم لجنى أنا عاشق وبس
جذبه من عنقه يهزه.
-دا جبروت يابن جواد، دا تملك مش عشق ولا حب، حرام عليك اللي بتعمله في البت، لازم تفوق قبل ماترجع تندم
تراجع بجسده ينظر بأرجاء الغرفة يهرب من نظرات والده: -ابعد عننا حضرتك بس وأنا هعرف اتعامل معها، دا اخر كلام عندي
-إنت رجعتها صح ياجاسر، أكيد رجعتها، مستحيل تتكلم بصدر واسع كدا الا إذا رجعتها، ماهو مفيش واحد يحب كدا ويترك حبيبته بعيد عنه
رجعتها يالا.
-حضرتك عايز توصل لأيه بالظبط.
استدار برأسه يرمقه بهدوء: -مين البت روزين اللي حبستها ياجاسر، البت دي حبستها ليه
ذهل من حديثه ففهم لعبة والده فدلف للداخل قائلاً: -بابا عندي شغل مهم لازم أخرج دلوقتي
-اقف عندك يالا ايه مش محترم ابوك، ازاي تسيب ابوك بيتكلم وتمشي
استدار بكامل جسده ورمقه بنظرات نارية مقتربًا منه
-هقول ايه على واحد واقف قدام الكل في الحفلة وجاي يشرب سجاير من غير مايحترم أبوه
فتح فاهه للحديث ولكن أشار له بالصمت.
-ولا كلمة يابن جواد، ولا كلمة كل مرة تثبت لي اني فشلت في تربيتك، لما تعامل ابوك أنه عيل يبقى انا معرفتش اربي. كبرت وبقيت تخبي على ابوك يالا. لا وكمان مرجع مراتك وبتلعب على الكل. انا ياجاسر انا بتلعب عليا
-بابا. أشار له بالصمت
-قولت اخرص، مش عايز اسمع منك ولا كلمة، بكرة تكون اب ولما تحس ان ابنك بيعاملك انك عيل هتحس قد ايه كسرتني يابني
اقترب منه يهز رأسه: -بابا حبيببي ليه بتقول كدا. هزه جواد بعنف.
-طلقت مراتك ليه يالا ورجعتها بالسر، وتقولي مش هترجعها، ضحكت عليا وعملت لعبة مع عمك تطلعوني عيل، لدرجة دي شايف ابوك عيل تضحك عليه
تراجع بجسد مهزوز مردفًا: -ياخسارة يابن عمري ياخسارة، للمرة الكام هتخلي ابوك اخر واحد يعرف حياتك.
ضمه جاسر مردفا بصوت متحشرج: -والله غصب عني يابابا، كنت عايزني اعمل ايه، مراتي وعمي في كفة وشغلي وحياتي في كفة. انا مش خايف على نفسي، بس عمو صهيب ذنبه ايه يعيش فقدان بنته، مكنتش هقدر اعيش يابابا وهما بيحاولوا يقربوا منها، هما عايزني انا، خلاص خليني لوحدي، علشان كدا بعدت عن الكل محبتش اقرب من حد، أما رجعتها في السر ليه علشان مايوصلوهاش ومحبتش يحصلي حاجة وهي مش على أسمي، أنا بحبها قوي يابابا، بس عاجز مش عارف احمي مراتي وهي في حضني.
احتضن وجهه يهزه وهدر به غاضبًا
-غلط يابن جواد، تفكير عقيم انك تفكر بالطريقة دي تبقى غبي، انت ابن جواد الألفي محدش يقدر يهددك أو يكسرك ياغبي، ازاي تعيش الوجع دا ياحبيبي وابوك عايش
-بابا. قالها بنبرة متألمة
- مش هقدر اأزي حد ومش هقدر اتخلى عن شغلي يابابا، دا واجبي اوعى تقول زي عمو
ضمه جواد لأحضانه يربت على ظهره.
-ربنا يحميك ياحبيبي، انا استودعت ربنا فيك، وان شاءالله ربنا يوفقك طول ماانت بتجري ورا الحق ربنا هيوقف معاك.
ضمه من أكتافه ينظر إليه: -عيني حرساك ياجاسر بعد ربنا، وعارف ومتأكد لو ربنا رايد لك بحاجة هتحصل حتى لو كنت في حضني، اهم حاجة اياك تتخلى عن قيمك ودينك، كتاب الله دايما طريقك، وسنته منهجك حبيبي
-ادعيلي يابابا، القضية دي بحياتي.
لثم جواد جبينه يزيل عبراته: -البكى دا للضعيف حبيبي، وأنا ابني مش ضعيف، بكره هروح لصهيب لازم ترجع مراتك قدام الكل بلاش توجع قلبها يابني عيش ايامك متعرفش بكرة مخبينا ايه، اخطف السعادة هي مش هتجيلك لوحدك
غادر جواد غرفة ابنه متجهًا لغرفته
دلف للداخل وجد غزل تنهي صلاتها، جلس على الفراش يستمع لدعائها بنجاة ابنائها، ودعاء الرحمة للمتوفين. نهضت متجهة إليه بعد دقائق: -جواد! مالك حبيبي قاعد كدا ليه.
أشار لها بالجلوس، فجلست ليتمدد على الفراش يتوسد ساقيها، مسدت على خصلاته
-مالك ياابو جاسر؟
أطبق على جفنيه يدعو بسريرته
-ربنا يحفظه ويدوم اسمه في الدنيا يارب، دعى بها بقلبًا ملتاع
-جواد! اردفت بها غزل بعد صمته متسائلة: -مالك ياحبيبي؟
تلقف كفيها يقبلها
-مفيش شوية إرهاق. انحنت بجسدها تلثم جبينه: -هتخبي على غزالتك. استمعت لرنين هاتفها
-ماما. صرخت بها غنى
-مالك ياقلبي. بكت بشهقات مرتفعة.
-الحقيني ياماما. نظرت لجواد بريبة قائلة: -مالك ياغنى بتعيطي ليه. اعتدل جواد مفزوعًا يجذب منها الهاتف
-مالك حبيبة بابا. صمتت وبكائها يصم أذنه
-اهدي حبيبتي.
-بابا أنا حامل. توقف عن الحديث ينظر لغزل ضاحكًا
-هههه، مد كفيه بالهاتف
-خدي بنتك الهبلة قال بتقول حامل، الله يخربيتك يابيجاد
تناولت الهاتف غير مستوعبة مايقوله
-غنى حبيبتي مالك.
استمعت لضحكات بيجاد وهو يجذب الهاتف: -حماتي عاملة ايه، هدي بنتك ياحماتي وعرفيها إن الولد مش ابن حرام.
صرخت تجذب منه الهاتف
-شوفتي ياماما، طلعت حامل وانا معرفش، حامل في أربع شهور
جحظت عيناها تحسب عمر ابنها قائلة
-يخربيتك ياغنى انتي وجوزك المجنون
قهقهت غزل على بكائها
-اسكتي يااخرة صبري. اربع شهور ومتعرفيش انك حامل
خرج جواد وهو يضرب كفيه ببعضهما ثم تحدث: -خلي البغل يجبها هنا لحد ماتولد، يخربيت عمايله
بمنزل عز.
أنهت اعداد المائدة وتوجهت إلى غرفتها لتستعد لحفل زواجهم، انهت زينتها بعد قليل، ثم اتجهت إلى غرفة ابنها، دلفت للداخل
-ايهم حبيب مامي. رفع ذراعيه يصفق مرة ويضحك مرة
-حملته تقبله على وجنتيه، ثم استدعت المربية
-عائشة. أكلتي ايهم
-نعم سيدتي. وضعته بفراشه قائلة: -جهزيه ونزليه شوية لباباه. عشر دقايق وتيجي تاخديه تاني اوكيه
بعد فترة هبطت للأسفل وجدته يجلس. يداعب ابنه. تحركت إلى أن وصلت إليه.
-مساء الخير ياحبيبي. استدار ينظر إليها ثم رجع إلى ابنه ولكنه توقف متراجعًا عندما لاحظ هيئتها. نصب عوده متوقفًا يطلق صفيرًا
-ايه الجمال دا ياروحي. توقفت متزمرة
-ليه هو أنا وحشة ولا إيه!
امسك كفيها يديرها ومازال يطلق صفيرًا
-لا ياحبي دا إنتِ الجمال كله.
أشارت له تسحبه
-ياله نتعشى حبيبي عاملة كل الأكل اللي بتحبه
رفع كفيها يلثمهما ثم أردف: تسلم الايادي والعيون ياحبي. دقيقة اطمن على جنى واجيلك.
اومأت متحركة للغرفة الطعام
امسك هاتفه
عند جنى وصلت بعد قليل لمنزلها، هرولت للحمام تزيل ملابسها بغضب
-لازم أتخلص كل مايربطني بيك ياجاسر، ألقت ملابسها التي بها رائحته بالأرض تدعس عليها وتبكي بشهقات مرتفعة
-ليه. ليه قالتها صارخة تدفع كل ماتطوله يداه على الأرض حتى خارت قواها فهوت جالسة
ظلت لفترة بتلك الحالة حتى تمددت على الأرض تحتضن ثيابها تبكي وتهمس من بين بكائها.
-ياريتك عرفت تداويني يابابا، ياريتك عرفت تداوي وجع قلبي من الشخص الوحيد اللي حبيته. وضعت كفيها على صدرها هامسة لنفسها
-قلبي وجعني قوي يابابا، تعالى ريح بنتك زي ماكنت بتقول
استمعت لرنين هاتفها، ابتلعت مرارة جوفها واعتدلت تزيل عبراتها
-أيوة ياعز. قالتها بنبرة متحشرجة بالبكاء
-جنى ايه اللي حصل أنتِ بتعيطي ليه مشيتي كدا ليه، حتى ماقولتيش
عز انا داخلة اخد شاور ممكن نتكلم بعدين. سلام حبيبي.
اتجه لزوجته التي توقفت تنتظره على طاولة دائرية تعد بها كل ما يحلو
اقترب مبتسمًا وأمسك كفيها يجذبها لأحضانه
-كل عام وأنتِ حبيبتي ياروح عز.
وانت دايمًا معايا حبيبي
قبل جبينها ثم اخرج هديتها قائلا
-ممكن حبيبة عز تقفل الرمادي اللي بيجنني دا وبيخليني مش على بعضي
ابتسامة لمعت بعيناها ترفع كفيها لوجنته: -أنا مش عايزة حاجة أبدًا عايزاك جنبنا بس
انحنى يقطف كريزتها هامسًا من بين أنفاسه الملتهبة بعشقها.
-الغالي والحلو كله لعيون وحبيبة جوزها، لازم اليوم دا يكون مميز حبيبي، وزي ماانتِ عملتيه يكون خاص بينا أنا كمان جبت لك الهدية دي لتليق على شمس حياتي
أغمضت عيناها تبسط كفيها إليه.
-ياله بسرعة هتفتح عيوني. أخرج تلك القلادة من علبتها وأدارها ليصبح ظهرها بأحضانه ثم رفع خصلاتها يلبسها تلك القلادة التي بها قمرًا به حجرًا من الزمرد ينقش حوله اسمها بماء الذهب فتحت عيناها عندما لامست أنامله عنقها، ثم انحنى ليقبله هامسًا
-اتمنى تعجبك. نظرت إليها ثم رفعت نظرها إليها هامسة بنبرة عاشقة
-أنا بحبك قوي
جذبها ليتمايل معها على تلك النغمات قائلا
-مفيش كلمة موجودة تعبر عن مدى عشقي ياروبي.
بعد مرور أسبوعين كانت تتسطح على فراشها تنظر لسقف الغرفة. اخترقت رائحته رئتيها فاعتدلت تنظر لوقوفه مذهولة
-إنت جاي ليه؟ اطلع برة امشي من بيتي
اقترب منها ملقيًا هاتفه ومفاتيحه على الأريكة ثم نزع جاكيت بذلته، وألقى بجسده على الفراش بجوارها
-عايز انام ومعرفتش انام غير لما اجي لك. نهضت من مكانها تشير لباب الغرفة بغضب
-اطلع برة متخلنيش اتصل بعمو جواد دلوقتي حالا
أشار للفراش.
-هتنامي ولا اقوم لك مش عايز صداع، اتصلي ووريني نفسك.
أمسكت هاتفها وقامت بالرنين على جواد
-عمو جواد تعالى خد ابنك من بيتي، بدل مااتصل باابويا. قالتها صارخة بالهاتف: اعتدل جواد يمسح على وجهه بغضب
-خليه يكلمني ياجنى. رمقته بنظرة متشفية
-كلم عمو، نهض من الفراش متجهًا إليها جذبها من خصرها ثم أجاب والده
-بابا نص ساعة وأكون عند حضرتك. قالها وأغلق الهاتف ثم استدار إليها يضغط بقوة على خصرها
-اسمعيني ياغبية.
دفعته صارخة. ابعد عني ياجاسر، وياريت تطلقني بجد، بدل مااعرف ابويا
اقترب ولكن قاطع رنين هاتفه: -عرفنا مكان الولد يافندم، ونزل بشنطة ودخل البيت. هبعتلك اللوكيشن
-تمام. انا في الطريق، قالها وتحرك حتى وصل لدى الباب، ثم تراجع إليها يحتضن ثغرها لفترة رغم محاولتها ثم تراجع
-دا علشان تعملي بطلة وتكلمي بابا، حظك حلو النهاردة لازم اخرج حالا.
هتوحشيني، دي تصبيرة ومتتنفخيش قوي علشان محدش هيقدر ياخدك من حضني غير الموت. قالها وتحرك
توقفت متنهدة تطالع خروجه بقلب منفطر
-حرام عليك اللي بتعمله فيا، جلست على الفراش تحتضن جسدها وتنظر لنقطة وهمية
مرت عدة أيام والوضع هادئ عند الجميع
داخل جناح ياسين.
خرج من الحمام يجفف خصلاته متجهًا لغرفة ثيابه، توقف لدى الباب ينظر بصدمة لتلك التي تتناول الحلويات بشهية، كأنها لم تأكل منذ ساعات طويلة، توقف يطالعها بإستغراب، فهتف بصوتًا غليظ
-إنتِ يامفجوعة، ايه هتاكلي الحيطة اللي جنبك، براحة.
رفعت حاجبها ولم تعريه اهتمام تركت إحدى قطع الحلويات واتجهت المثلجات الأيس كريم وجذبته وبدأت تتناوله متلذذة بطعمه، ألقى الذي بيديه واتجه إليها ينظر إليها مشمئزًا من طريقة اكلها
-بتغظيني صح، عايزة تحرقي دمي
نهضت من مكانها ودنت منه تضع كفيها على كتفه وتحدثت بغنج: -اه ياحبيبي اصلك تهمني، ثم تراجعت للخلف متجهة للشرفة وهي تتحدث: -هو انت عبيط اغيظك ليه وانت مش على بالي اصلا، توقفت مستديرة ترمقه بسخرية.
-اغيظك لما تكون حاجة مهمة، مش حاجة موجودة في الدنيا غير لحاجتين فرد العضلات وطولة اللسان، ودول أساس حياتك. اقترب منها يجذب ذاك الصحن وهتف
-قومي اجهزي علشان ننزل نعرف الجميع بالحمل. توقفت عما تفعله تطالعه بصمت. انحنى يستند بكفيه على الطاولة.
-الولد دا هيجي ياعاليا، انا كلمت كريم وعرفته، وهيجوا النهاردة علشان يباركو لك إياكي تعملي حاجة في ابني هزعلك، نظر لبطنها يشير إليها: بطنك كبرت ومش عايز حد يزعل لما يعرفوا خبينا عليهم. قالها وتحرك
بعد قليل على مائدة الطعام كان جواد يراقب جاسر الذي يتلاعب بطعامه فهتف متسائلا: -باسم عامل ايه ياجاسر، وابنه من فترة مشفتوش.
رفع رأسه واجابه: -كويس يابابا، وابنه كويس الحمد لله، حياة رجعت الحمد لله والحياة بينهم بقت كويسة.
حمحم ياسين رافعًا نظره لوالده: -بابا فيه حاجة عايز الكل يعرفها. اتجه الجميع بنظره إليه. رسم ابتسامة على وجهه وسحب كف عاليا قائلا: -مبروك ياسيادة اللوا جايلك حفيد جديد. ضحكت غزل تضع كفيها على فمها
-مبروك ياحبيبي يتربى في عزك، ثم رمقت عاليا
-كدا ياعاليا انا زعلانة منك علشان سألتك وقولتي لا
ابتلعت ريقها تنظر لياسين
-آسفة ياطنط كان لازم ياسين يعرف الأول
ابتسم جاسر بمحبة.
-مبروك ياابو عتريس يتربى في عزك. قالها وهو يضمه هامسًا له
-قربت من البت امتى يابغل
ثم توقف أوس وقام بمباركته
-طبعا لو جبت ولد هحجزه لبنتي
وصلت ياسمينا بطبق من الحلويات
-أنا بقى عملت دا علشان لولو قالتلي من يومين، فقولت بما اننا كلنا موجودين فنحتفل بيه
ابتسمت عاليا بعيونًا لامعة تضمها
-شكرًا يايايسو، بجد فرحتيني، ثم استدارت لغزل قائلة: -متزعليش مني، هي كانت عندي وكنت تعبانة فسالتني وقتها عرفت من حالتي.
ربتت غزل على كتفها: -مش زعلانة يابنتي، انا كنت شاكة أصلًا من وشك، وهدومك الواسعة، ربنا يسعدكم يارب. قالتها وهي تطالع ياسين.
فركت كفيها تنظر لجواد
-عمو جواد بعد إذن حضرتك ممكن اروح أقعد مع جنى الفترة دي، استدارت لياسين وترجمته
-دلوقتي شغلنا بقى مع بعض، وهي بتكون محتاجني معظم الوقت، غير أنها مشغولة الايام دي وعندها ضغط شغل ومحتاجة حد معاها
ابتسم جواد بمحبة لها ثم اتجه بنظره لياسين.
-معنديش مانع يابنتي لو جوزك وافق
حاوط أكتافها بغيظ، راسمًا ابتسامة: اكيد وبعدين جنى اختي يعني أمرها يهمني، انحنى يهمس لها
إياكي تلعبي بديلك يا بلقيس
. قطع حديثهم دلوف بيجاد وهو يحمل أطفاله معًا
هرولت غزل تحمل منه قصي
-حبيب نانا جه، قالتها وهي تقبل سفيان على وجهه.
وصل لتجمع العائلة: -عاملين ايه أهل الدار. رمقه جواد بسخط قائلاً: -شرفت ياجندوان عصرك، ماشين تجيبوا عيال زي الفران. قهقت غزل وهي متجهة إليه، فطالع بيجاد معرفش هتحمل لك ازاي اليومين دول
قهقه بيجاد ووضع سفيان بأحضانه قائلاً: -روح لجدو ياحبيبي، وعيش حياتك كلها هنا، اتنازلت عنك يالا
قبله سفيان على وجنتيه: -جدو وحشت سفيان قد البحر. قالها وهو يفرد ذراعيه
حمله جواد متجهًا لمكتبه.
-وانت ياحبيب جدو وحشتني قد الدنيا كلها، قابلته غنى
-بابي وحشتني. ضم رأسها بذراع
-عاملة ايه حبيبة بابي، رفع ذقنها
-متزعليش على هدية ربنا ياغنون، دول هدايا من ربنا يابنتي.
اومأت مبتسمة تضع كفيها على أحشائها: -الحمد لله يابابي، نزل سفيان تقيل على حضرتك. ضمه لأحضانه ودلف للداخل: -على قلبي زي العسل، توقف مستديرًا يرمق جاسر الذي ابتعد عن الجميع واتجه للشرفة يدخن سيجاره ثم استدار يشير بعينيه لابنته عليه. هزت رأسها وولجت إليه
باليوم التالي
خرج من قسم الشرطة واستقل سيارته
وهو يتحدث بهاتفه
-ايوة يابابا
-جاسر، عدي على جنى وهاتها وتعالي لي
تمام يابابا بس ليه.
-عايزكم انتوا الاتنين، قالها وهو ينظر بشاشة هاتفه
-جاسر مين بيراقبك
نظر بمرآة السيارة وابتسم بخبث: -دا واحد غبي يابابا، قالها وهو يطلق صفيرًا يستمع للموسيقى متجهًا لمنزله كعادته
بعد فترة خرج من باب منزله الخلفي متجهًا لمنزلها، دلف كعادته لغرفتها يبحث عنها وجد دفترها. فتحه
وجد تدوينها
قُل لمن شغل البال والفكر بأنه بالقلب أيضاً قدفعل
فطيفه أمام العين وعطر سلامه بالكف لم يزل.
كيف لشاغلي أن يترك لي ظنون وألف سبب مفتعل
يتركني لسواد فكر وظلام ليل في ضوء النهار قد إنسدل
أخبره بأن هُناك روحاً تهيم به وفؤاداً بحبه قد أش. تعل
أيا مع. ذبي وسبباً في عذا. بي
يا من ذهبت وتركت في الروح جر. حاً لا يشفي ولا يند. مل
ابتسم بخفوت متجها للشرفة يبحث عنها بالحديقة. ذهب ببصره للمسبح
فتوجه إلى دفترها
امسك قلمها وسطر بدفترها
وبدات سطرا جديد لكِ بورقه بيضاء
لا شريك لاحد بها
اعتزلت العالم اجمع.
بعد أن استكانت رائحة كلماتك في اوردتي
سمعت عنك انكي تنثري العشق
هنا وهناك وانك أصبحتي بطلة متمردة.
قاسية على قلبي ولا تعلمي أن
كلانا دفع ثمن لذاك العشق
أتنسين تلك الليله ذات الشموع السوداء
وازهارا وكؤوس فارغه
نعم لم نآتي وكانت المقاعد خاويه
كلانا اخلف موعد اللقاء
وركب قطار البعاد
وكانت تلك الليله
اخر محطات اللقاء والانتظار
كان وهما ما بيننا
وحدي من تنفس الصعداء بقربك.
وحدي من تسلقت أعالي النبض لتسكنكِ.
وحدي من جاهدت حفاظا عليكِ
ووحدك من وضعتي ذاك العشق
بركان اسود حممه
وضعت به النبض
كانه لحم يتفتت من العظم
رغما عني...
وددت ان اسالكي
لماذا تقرعي باب الذاكره؟
لماذا تلك الرسائل الفارغه
الممتلئه بالزهره الذابله
التي جمعت عطركي بها؟
كنتي دوما تبحثي عن كل من حولك
تجمع كل القلوب لتنالي دهشة القرب
ونسيتي انني داخلك
لن استطيع مقاومه تلك الهفوات
واني عما قريب سأكون وحدي الراحل
فرحت عندما امتلكت تلك القوه.
التي استطعت ان تفطم قلبك عن قربي.
علمت انك كنت قاسية القلب
ووحدي الهالك
لا تندمي ولا همك الفراق
فلماذا الان تبحث عني؟
هنيئا لكي...
تعلمي انكي اجدتي فن الإهمال وهجري كنت اتمنى لكي بقولي
جائزتك الوحيده
انني شيعت جنازه روحي، بالبعد عنكِ
ولكن يامهلكة الروح فإني والله اتعذب بالقرب والبعد معا، فقربي هلاك وبعدك جحيمًا.
فهيا مهلكة الجاسر ارحمي ذاك الضعيف وعانقيني لأشعر بتلك الرجفة التي شعرت بها حينما بدأ بينا اللقاء بإقتناص شفتيكي
هيا معذبتي ومهلكة روحي ضميني لألملم شتات نفسي واهاجم تلك الهواجس لأبتر ذاك البعد الذي يسمى عذاب العاشقين في قاموس الأموات
حبيبكِ وملهمك جاسرك
ترك القلم ووضع الدفتر متجهًا إلى الأسفل
عند جنى.
خرجت من المسبح. قامت بتحرير خصلاتها من فوق غطاء الرأس، وجذبت مأزرها ترتديه، وصلت عاليا إليها تجلس على المقعد تحدجها بنظرات مستاءة
-من وقت حمام السباحة دا ماتعمل وأنتِ تقريبا معظم وقتك مقسماه عليه وعلى المرسم. لا وانحرفتي يابت بالمايوهات دي
قامت بتجفيف خصلاتها. وابتسمت بخفوت ثم سحبت نفسًا
بعيش حياتي زي حضرة الطوفان ما أمر، ضحكت عاليا تلطم كفيها
-نفسي يطب عليكي مرة وانتي كدا
ارتفعت ضحكاتها الأنثوية.
-لأ متخافيش اخر مرة متخانقين يعني مش هيجي لما انا اتصل بيه، حتى لو جه مستحيل يجي هنا، عارف انك هنا. وضعت منشفتها وامسكت مأزرها. نظرت عاليا للمسبح ثم وضعت كفيها على أحشائها:
-نفسي اجرب اعوم كدا، بس زفت الطين بحس عيونه عليا في كل مكان. ، عامل زي العفريت، يخربيت تناكته وريشه المنفوخ
قامت بتقليده.
-إنت يابت لما انادي تكوني هنا. ، واياكي الولد يحصله حاجة، تقوليش اشتراني ابن. بلاش الغلط أهله محترمين. قهقهت جنى تربت على كتفها قائلة بغمزة من عينيها: -والله هو غلبان وانتِ اللي شريرة
تهكمت عاليا تعقد ذراعيها
أيوة انا الشريرة في رواية احدهما، يارب تبطلي عند إنت كمان وتبطلي سباحة، وتفكري ليه جوزك بيعمل كدا وهو هيموت عليكي. اقتربت منها.
-جنى جاسر بيموت عليكي، والكلام اللي قولتيه واللي هو بيعمله بيأكد أنه فيه حاجة أكبر منه.
تنهدت بحزن وأجابتها
-عارفة ياعاليا، عارفة أنه مضغوط عليه بيا، بس بعده مموتني، رميه ليا واجع قلبي قوي ياعاليا، خلاص أنا وجاسر حكايتنا انتهت، حتى مالحقتش افرح بيها. اتجهت بنظراتها للمسبح.
-تعرفي بقيت اهرب بالسباحة رغم مكنتش بحبها ابدا، علشان مفكرش فيه، وكمان عارفة أنه بيراقبني حبيت اعانده لانه مبيحبنيش أسبح خالص من غيره. ، فقولت لما يعرف هيجي واشوفه واشبح روحي اللي هربت مني، المهم المسه واشوفه كويس قدامي، انا تعبانة لا مش تعبانة انا بموت بالبطئ، حكايتنا مش زي أي اتنين بيحبوا بعض وخلاص، دا عشق مؤلم ولاذع قوي ربنا مايكتبه عليكي بجد، اقتربت عاليا تمسد على خصلاتها.
-حبيبتي ماينفعش اللي بتعمليه في نفسك لازم ترجعي لحياتك، وإن شاء الله كله هيرجع أحسن من الأول بس بلاش تدفني نفسك كدا، رفعت خصلاتها للأعلى وجلست تضع ساقيها على المقعد أمامها تجففه
-مبقاش عندي حياة، حياتي انتهت خلاص ياعاليا. استمعت لصوته خلفهما، فاستدارت عاليا، توزع نظراتها بينهما
-اهلا حضرة الظابط. قالتها ثم تحركت تاركة لهما المساحة.
لملمت مأزرها على جسدها عندما اقترب وجلس بمقابلتها، ثم جذب ساقيها من فوق المقعد المجاور ووضعه على ساقيه. نظرت إليه بذهول وحاولت جذب ساقيها إلا أنه الأكثر تمكنًا دنى بجسده يحاورها بمقلتيه ثم نفث سجائره بوجهها
-بتعملي ايه، مش ملاحظة بقيتي سمكة طول اليوم في المية
رمقته بذهول تنظر لساقيها
-سيب رجلي ياجاسر، وبعدين بتعمل ايه هنا، دا حمام سباحة خاص بيا اتجننت افرض عاليا كانت بتعوم دلوقتتي.
افترسته بملامحها الغاضبة ثم تابعت: -عادي تشوفها كدا ايه مبقاش فيه ادب واحترام، انحرافك وصل بيك لكدا. فاض قلبها بالغضب ونيران الغيرة تصفعها بقوة
اتسعت عيناه من هول ماتلفظت به. ورغم ما شعر به جذب مقعدها إليه: -هعتبر دي غيرة مش أكتر، مرر إبهامه على ذراعيها
دفعت ذراعيه بغضب
-ابعد عني، امشي مش مسموح لك تقعد معايا
جذب رأسها يهمس بجوار شفتيها.
-ناسية انك مراتي ياروحي، وليا اعمل حاجات اكتر من القعدة جنبك ولا ايه
-لا ياحضرة الظابط، ايه هتغصبني
-طيب ماتيجي نشوف ياحضرة السمكة هيكون غصب ولا بالمزاج. قالها وهو يدفعها بقوة حتى سقطت بالمسبح، هنزلك ياسمكة علشان نجيب قرموط، قالها وهو ينزع قميصه وقفز بالمسبح. ابتعدت بجسدها بعيدًا عنه، فكيف ايتها الضعيفة أن تقاوم الفريسة أمام قوة المفترس.
وصل إليها يجذبها مقهقهًا عليها كانت كالطفلة التي تهرب من معاقبة والدها
جذب رأسها وتوقف بالمياه يضمها
-وبعدين ياجنى هنفضل كدا. هتفضل حياتنا كدا، قط وفار، انا عملت كدا علشان خايف عليكي، مش عايزك تتأذي بسبب شغلي
-جاسر طلقني بجد!
زفر بغضب ثم حملها واتجه بها لخارج المسبح: -لا كدا لازم تتعاقبي علشان تعبت من عمايلك دي. حاولت التملص من بين ذراعيه إلا أنه سيطر عليها الى أن وصل لغرفتها وهي تدفعه بقوة ولكنه كان كالسد المنيع. انزلها يلهث قائلا.
-بت إنتِ تخنتي ولا إيه، وزنك زاد، ألقته بالوسادة تصرخ بوجهه وكأن كلماته كانت شظايا ليخرج جنونها. قهقه عليها وهو يتفادى ما تلقيه وابتعد عن مرمى كفيها حتى وصل إليها دفعته بقوة على الفراش يسحبها حتى هوت فوقه يضمها لأحضانه بقوة
صمتت بعدما استمعت لضحكاته التي دغدغت مشاعرها، لحظات متناسية مافعله فرفعت كفيها تخلل أناملها بخصلاته المبللة. ضمها بقوة بعدما شعر بحركة أناملها هامسًا لها.
-جنى وحشتيني بلاش العذاب دا، وحياتك عندي بحاول ابعد عنك الأذى
تبًا لك أيها القلب الضعيف. انقلب الحال بينهما ليحاصرها بين ذراعيه يفترس ملامحها بإشتياق
-هنفضل كدا. عجبك بعدنا دا، يعني أنا ما وحشتكيش
ارتجف جسدها بين أحضانه فهمست بتقطع: -جاسر ابعد لو سمحت مينفعش اللي بتعمله دا، دفث رأسه بحنايا عنقها يهمس بأنفاسه الحارقة.
-ولو قولتلك مش قادر أبعد، حبيبك تعبان يرضيكي كدا. لو يرضيكي وفرحان وعد همشي ومش هرجع تاني، هزة عنيفة أصابت جسدها، رفع رماديته يعانق عيناها المهتزة بقربه وأردف: -جنى هتسمعي كلامي، ونرجع لبعض من غير ما حد من أهلنا يعرف
طافت عيناها على ملامحه الرجولية الجذابة، تعشقه حد الجنون، تموت من فكرة بعده ولكن ماذا تفعل وهو يدعس على كرامتها طال صمتها ومازالت عيناها تفترس ملامحه التي تعشقها.
فحتضن ثغرها لفترة وهي ضائعة بتفكيرها وعقلها المشتت إلى أن وصل لنقطة اللا عودة فدفعته صارخة ثم نهضت مهرولت للحمام تغلق الباب خلفها مع ارتفاع شهقاتها من قلبها الخائن بحضرته
اعتدل على الفراش ودقات عنيفة، ولهيب يحرق صدره حرقًا.
دقائق لم يشعر بكم الوقت الذي مر على كلاهما وهو بتلك الحالة حتى نهض من مكانه وأتجه لخزانتها ليخرج ثيابه المحتفظة بها ثم ارتدها وغادر سريعًا من ذاك المكان الذي اعتبره اشواكًا حادة تغرز بكامل جسده
عند فيروز جلست تتفحص هاتفها وجدت الكثير من الأخبار المتعلقة بتلك الفتاة الشابة التي نالت إعجاب الكثير من روعة رسمها، ولوحتها التي دوت شهرتها بالكثير من الأماكن والبلاد. نظرت لصورها وأناقتها التي ظهرت بها.
-ياااه ياجنى، رغم بحاول اشغل نفسي عنك بس جيتي قدامي، جه الوقت اللي لازم نتحاسب فيه، بس ياترى ليه جاسر طلقت بعد الحب دا كله
رفعت نتيجة تحاليلها وابتسامة حزينة تجلت بملامحها
-لازم اخاد طاري منك، لازم احصره، مهما قال للجميع انك مش تعنيله بس أنا اكتر واحدة عارفة قد ايه بيحبك وبيموت فيكي، وزي ماحصرني على نفسي لازم ادوقه من نفس الكاس
اتجهت لمرحاضها وانعشت نفسها، ثم أمسكت هاتفها.
-هنزل دلوقتي ورانا مشوار وفيه حاجة خبرها الباشا بتاعك
-جاسر قوله يوم ماجاسر يطلق مراته يبقى اعرف أنه ميت دا مجرد ملعوب بيلعب بيه علشان يبعدها عن عيونكم
قالتها واتجهت تضع سلاحها بحقيبتها، ونظرت لنفسها بالمرآة وتحركت قامت بمهاتفة أحدهم
-هو فين دلوقتي بعد مانزل مصر
-في النيابة العامة يافندم
اومأت ضاحكة، تضرب كفيها بالسلاح.
-عند راكان باشا، خليهم شوية مع بعض.
وصلت لمنزلها ولكن يوجد الكثير من الأمن يحاصره، بالداخل والخارج
جزت على شفتيها عندما وجدت دخول جواد بسيارته بجوار غزل وكذلك غنى
-اوووف ودول ايه اللي جابهم
استمعت لرنين هاتفها
-أيوة ياماما، أجابتها سحر تئن من الوجع
-فيروز هاتيلي جرعتي يابنتي من أي مكان هموت من الوجع
أغمضت عيناها محاولة السيطرة على نفسها عندما تذكرت تناول والدتها لتلك السموم. صرخت تضرب على المقود بكفيها.
-هموتك ياجاسر وربي لاموتك انت وعيلتك كلها. حيوان قالتها صارخة ثم قادت سيارتها بسرعة جنونية وهي تتذكر تلك السيدة التي ألقاها إليها لتدفع والدته على الإدمان.
مر أسبوعين كاملين ولم يراها بهما، وانقطعت أخباره لديها بعدما ترك القاهرة تاركًا والده بمراقبتها بعدما قص له كل شيئا، اتجه للحدود ينتظر موعد تسليم تلك السموم مع رسمه اللامبالاة وكأنه نقل بسبب عقابًا بعدما انتشر الخبر بكامل الوزارة فشله بهروب تلك المساجين الذي بحوزته، خطة متقنة قام برسمها مع جواد حازم وباسم، مرت ايام عديدة والوضع هادئ على الحدود بمدينة السلوم، وهناك الكثير من الأخبار التي تشتت انتباه الشرطة الا من ذاك الأسد المتربص لهم بخطوايه الثابتة وعقله الذي بدأ يزن الأمور بشكل أكثر استيعاب.
ذات يوم نزل القاهرة واتجه لمكتب رئيسه، جالسًا امام باسم
-دي كل المعلومات، بس فيه حاجة مش مريحاني. صمت باسم يستمع إليه: -ليه بيروح لفيروز، مع انها شغالة مع التهامي. اومأ له
-دا اللي بنحاول نعرفه، فيه كاميرات لفيروز وهنشوف اخرتها ايه
استمع الى رنين هاتفه
-فيروز راكبة عربية وشكلها رايحة الجاليري لمدام جنى يافندم
هب فزعًا يسحب سلاحه.
-لازم امشي حالا، فيروز رايحة جنى، قالها وتحرك سريعًا لسيارته يقودها بسرعة جنونية.
دلفت للداخل دون ملاحظة أحد. كانت جنى تتحرك بين لوحاتها تشير للعمال
-دي تتعلق هنا، ودي تيجي هنا
وصلت عاليا وهي تتناول بعض المكسرات
ابتسمت لها جنى
-بقيتي مفجوعة يابت على رأي ياسين
قهقهت تشير إلى قطع البيتزا.
-شوفتي البيتزا دي هاكلها كلها، عايزة أكرهه في حياته. لمعت أعين جنى وتذكرت صباح اليوم وهي تقوم بعمل اختبار الحمل وايجايبته. سحبت نفسًا تزفره بهدوء فمنذ اخر لقاء بينهما وتعقدت علاقاتهما، بعدما رفضت قربه اكتر من شهر لم تراه سوى لحظات بوجود العائلة تمنت أن يكون كابوس وتفيق منه لتجد نفسها داخل أحضانه تنعم به
أشارت للجميع بالخروج
-ياله ياجماعة علشان هنقفل وبكرة إن شاءالله نكون موجودين بدري علشان الافتتاح.
-ماشاء الله حبيبتي دا المعرض الكام
أشارت لها بالخروج
-طيب يامفجوعة اطلعي علشان أتمم واقفل. ربتت على كتفها تجذب علبة البيتزا متجهة للخارج قائلة
-لو اتاخرتي هفرش على الطريق وأكلها بقولك اهو. سمعت أن جسورة هنا
توقفت عما تفعله فاستدارت إليها
-عرفتي منين
وضعت قطعة بيتزا تلتهمها بهدوء.
-ملك الهكسوس قالي، وهيجي ياخدني بالليل تفتكري ليه ياجنجون، يمكن ابو عيون رمادية عايز يعمل كابسة فحب يزحلقني عن طريق ملك الهكسوس ابو دم تقيل
تجمعت عبراتها تهز رأسها
-لا مش هيجي هو خلاص نفذ الحكم، المهم امشي دلوقتي
خرجت عاليا قائلة: -والله غبية وبكرة تقولي. اتجهت للوحاتها تطالعهم بحزن تمنت لو تراه لدقائق معدودة، يشاركها نجاحتها. استمعت لإغلاق باب المعرض.
استدارت بعدما استمعت لصوت تعرفه جيدا ولكنها لم تستوعب الصدمة والسلاح برأسها
-اهلا مدام جنى. قالتها فيروز وهي تشير سلاحها بإتجاه جنى. لحظات من الصمت المميت مع اقترب الأمن من الباب يحاولون فتحه.
صفعة قوية من فيروز على وجه جنى التي وقفت تستوعب صدمتها. فاقت بعد صفعها، فاقتربت منها تحاول ضربها ولكن صرخت بوجهها تدفعها بقوة حتى سقطت على الأرض تحتضن أحشائها، لم تفكر بشيئا سوى جنينها، نهضت سريعا لتنجو من براثنها ولكن لم يتثنى لها النجاة إذ أمسكت الأخرى سلاحها الناري وتوجهت إليها
-لازم أموتك طول ماانتِ في حياتي.
عمري ماهرتاح، خطفتي جوزي وحياتي، وياريت توقف على كدا، خليته يدمرني، نزل جنيني وخطف امومتي مني وخلى امي تدمن دا كله ليه اه. علشان برنسسيته والله لأحرق قلبه عليكي، بيضحك على الكل وقال مطلقك، مفكر كدا هيبعدك عن الموت لازم اخلص منك
. لحظات واقتحم الغرفة بعدما أسقط زجاج الغرفة يصرخ بفيروز
-اياكي، صدقيني هموتك. أطلقت ضحكة مرتفعة. حضرة الظالم وصل، حلو علشان تشوفها وهي بتودع.
-كدا خلصت ياحضرة الظابط مبقاش فيه حاجة بينا، هي اللي كانت بينا هموتها واريحك واريح قلبي اللي حرقته، وزي ماقولت بالظبط هقولهم مجنونة. هز رأسه مقتربا يشير بيديه
-فيروز تمام هعملك اللي عايزاه، سيبي المسدس. استدارت إليه
-إنت عارف عايزة ايه. اقترب منها بحذر. اه عايزة اتجوزك حاضر هتجوزك تاني المهم سيبي المسدس ووعد هنفذلك اللي عايزاه.
ضحكات وضحكات مرتفعة وهي تشير بالسلاح إليها ثم تحدثت بهسيس اعمى: -مبقاش ينفع قالتها وهي تضغط على زناد السلاح لم يفكر كثيرا إذ توقف أمام جنى التي صرخت تحتضنه بعدما اخترقت رصاصة الغدر كتفه.
صرخت فيروز كالمجنون باسمه واتجهت لجنى مرة أخرى ولكنه رفع سلاحه ليطلق طلقاته النارية عدة مرات لتستقر بقلبها لتهوى صريعة بالحال أمام ناظريهما مع واقتحام جواد حازم الباب ينظر بصدمة شُلت اعضائه يتمتم ويصرخ كالمجنون.
-جاسر مالك. قالها بعدما وجد احتضان جنى لجسده تبكي. اقترب جواد منهما مع دخول عاليا وباسم
لكنه سحب نفسًا يحمد ربه بعدما توقف جواد يشير إليه: -اصابة بكتفه الحمدلله. اقترب باسم منه محاولا جذب جنى التي مازالت تحتضن جسده وتبكي
-جنى هو كويس. الإصابة مش خطيرة. لمست وجهه.
-جاسر إنت كويس. كان في حالة اللاوعي، فلقد حاوطه الظلام من جميع الاتجاهات وصوتها البعيد كأنه حلمًا، همس اسمها يرفع كفيه ولكنه شعر بتخدره، ضمت رأسه بعدما أغمض عيناه فصرخت تنظر لباسم
-عمو باسم ألحقه لو سمحت. أوقفها بدخول المسعفين
وجذبها من كفيها مع وصول عز وصهيب إليها، ألقت نفسها بأحضان والدها تبكي
-جاسر يابابا، ارتجف جسده من وجوده بين المسعفين. ربت باسم كتفه.
-مصاب في كتفه متخفش الإصابة مش خطيرة، وقعت أعين صهيب على جثة فيروز. فأجابه باسم
-البقاء لله. منقولش غير ربنا يرحمها بس، تحركت جنى خلف سيارة الإسعاف
بعد عدة ساعات فتح عيناه. كانت تجلس بجواره تحتضن كفيه تمسد على خصلاته. همس اسمها. ابتسمت مقتربة منه تقبل وجنتيه
-حبيبي المغرور. فتح عيناه بالكامل
-إنتِ كويسة!
دنت تنظر لعيناه القريبة منه وهمست.
-تؤ. مش كويسة خالص، فيه واحد مغرور مطلق مراته وسايبها لوحدها بقالها اكتر من شهر لحد ما وحشته قوي
أغمض عيناه مرة أخرى وابتسم هامسًا لها
-جنجونة قلبي. لثمت وجنتيه تمرر أناملها على وجهه
-إنت كويس حبيبي. فتح عيناه مرة أخرى وهمس بإرهاق
-لا. عايز كريزة علشان ابقى كويس
ضربته على صدره تضحك. تأوه
فاقتربت تضع رأسها على صدره بعيدًا عن جرحه
-جاسر كدا تخوفني عليك. دلف جواد بجوار صهيب فاعتدلت جالسة. توقف صهيب.
-عامل ايه ياحبيبي
اومأ بعينيه قائلاً: -كويس ياعمو، اقترب جواد يحتضن وجهه ثم لثم جبينه: -ربنا مايحرمني منك حبيبي، لو حاسس انك كويس ياله نرجع البيت محدش يعرف غير عز ومامتك مش مبطلة تليفونات
اومأ له. فتحدث صهيب
-سيبه كمان ساعتين نطمن ياجواد
هز جواد رأسه بالرفض: -لا ياصهيب. ابني يكون وسط اخواته وامه، بدل مايحصلها حاجة لو عرفت انه هنا، وبعدين ربى وغزل هيهتموا بيه. قالها وعيناه على جنى.
اقترب من جنى يربت على كتفها
-هاخد جنى معايا ياصهيب الليلة وهتبات عند عز
-لا، قالها صهيب دون نقاش، رفع نظره الى جنى ثم اتجه بنظره لجواد
-حمدالله على سلامة ابنك ياجواد، متزعلش مني. بسط كفيه لجنى قائلاً: -ياله نمشي ياجنى. ذهبت ببصرها لجاسر ليوقفها ولكنه ابتعد بنظره عنها، أغمضت عيناها وتحركت مع والدها حزينة
بعد عدة أيام أخرى وقلبها يتفتت من الوجع من الاشتياق. قامت بمهاتفته.
كان خارجًا من منزله استمع لرنين هاتفه
-أيوة ياجنى فيه حاجة. استمع لتنهيداتها
-جاسر وحشتني قوي، فيه حاجة مهمة لازم تعرفها. اتجه لسيارته وهو ينظر بساعتها
-حبيبي عندي شغل مهم، بعدين اكلمك لازم اتحرك حالا.
-جاسر اسمعني لازم نتكلم. استقل سيارته
-جنجون حبيبي لازم اتحرك عندي شغل، بعدين هجيلك أو اكلمك. صرخت بوجهه.
-بقولك وحشتني دا يكون ردك، روح ياجاسر، ربنا ياخدك أو ياخدني علشان ارتاح من وجع القلب دا، دايما كاسر قلبي ورغم كدا برجعلك. وحياة ربنا لادوس عليك المرة دي بجد يابن عمي، وهرفع عليك قضية طلاق. وهعرف الكل بندالتك. قالتها وأغلقت الهاتف، تلقيه و تبكي تحتضن احشائها
-حيوانة ياجنى رايحة تتصلي بيه بعد اللي عمله، حيوانة وغبية. صرخت تلقي الهاتف بالمرأة تجذب خصلاتها بعنف. دلفت عاليا تنظر إليها بصدمة.
-جنى ايه اللي حصل. بكت وبكت إلى أن انهارت وهوت فاقدة للوعي
بعد عدة أيام.
تجلس تضع ساقًا فوق الأخرى تشير للعاملة
-خليكي مع الاستاذ يانجوى، والحاجة اللي تعجبه ظبطهاله
اومأت تشير بيديها لذاك الذي يقف يضع يديه بجيب بنطاله ينظر إليها بإعجاب
ولجت عاليا
-ايه ياجميل مش ناوية نروح نتغدى عصافير بطني بتزقزق
ابتسمت لها فنهضت بعدما وضعت أشيائها تنادي على أحدهم
-احمد خلي بالك من الجاليري هرجع بعد ساعة. استدارت تحمل حقيبتها وخرجت متجهة لسيارتها
استمعت لهاتفها. مطت شفتيها.
-معرفش عز من الصبح مش مبطل اتصالات ليه، دماغي وجعتني
-طيب ماتردي
رفعت رأسها تهزها بالنفي
-لأ، مش عايزة اكلم حد، ياله علشان منتأخرش. توقفت بعدما استمعت لصوت ذاك الرجل
-آنسة جنى لو سمحتي، صمت يدقق النظر بعينها ثم بسط يديه بكارته الخاص
-يزن العابدين، دا رقم فوني خليه معاكي علشان لو لوحات تانية نزلت اتمنى اكون اول من يشوفها.
توقفت أمامه منتصبه الجسد ثم أجابته: -أولا انا مش آنسة. ثانيا يااستاذ. قولت اسمك ايه. مش مهم ميهمنيش، عندك رقم المعرض وفيه تيم مسؤل عن الحاجات دي. مش انا ابدا. وآسفة جدا بعد اذنك اتأخرت عن ميعادي
استدارت تفتح باب سيارتها وجلست بجوار عاليا، وتنهيدات معتصرة بداخل قلبها
قهقهت عاليا عليها تلكزها
-عارفة كان نفسي في ايه علشان مشهد شجيع السيما دا ياخد الاوسكار، إن حضرة الظابط يقفشه.
صفقت عاليا ورفعت كفيها للأعلى
-ياسلام ياناس كنت هشوف احلى شو بس ياخسارة، بكرة نلاقيه ونراجع المشهد كلاكيت لتاني مرة
تراجعت جنى بجسدها تنظر أمامها بجمود مردفة
-لو خلصتي كلامك نمشي. وقولت مليون مرة مش عايزة اسمع اسمه تاني
رفعت حاجبها ساخرة فاقتربت منها
-طب بذمتك حضرة عبظابط موحشكيش يابت
دفعتها بقوة تصيح بوجهها.
-عاليا لو سمحتي مش علشان بهزر معاكي يبقى خلاص تدخلي في حياتي الشخصية، انا كدا كويسة وياريت متفتحيش الموضوع دا تاني. جاسر خلاص انتهى من حياتي للأبد انتهى ولو جبتي سيرته تاني صدقيني معرفش ردي هيكون ايه، وعلشان ترتاحي انا رايحة لبابا دلوقتي وهقوله كل حاجة، لازم يعرف كل حاجة
وقتها بس عايزة اشوف وشه قدامي.
بتر حديثها رنين هاتفها للمرة الثانية فرفعته تصرخ بوجهه: -نعم ياعز. انا قولت مش عايزة. ولكن توقفت عن الحديث وشعرت بإنسحاب روحها، فهمست بصوت متقطع
-بتقول ايه.
↚
قبل عدة ساعات
افاق على صوت هاتفه
-أيوة ياراكان، جاسر إنت هنا في القاهرة
اعتدل مرجعًا خصلاته للخلف: -فيه حاجة ولا إيه!
اجابه راكان عرفت مكان أمجد، الحيوان خطف ليلى كمان
استمع إليه بإهتمام ثم هتف: -تمام هخرج دلوقتي على القسم وأشوف جواد قدامه ايه وهكلمك، المهم حاول تهدى متنساش ابنك ومراتك معاه.
قاد راكان سيارته وصاح غاضبًا: -بقولك ابني ومراته مع الحيوان من يومين وانت بتقول اهدى، أنا لازم اموته سمعتني هموته الحقير دا
نهض جاسر من مكانه وحاول تهدئته: -فاهم قلقك بس لازم تهدى وتفكر كويس ياراكان، الولد معه وكمان مدام ليلى يعني أي خطأ ممكن تكون عواقبه وخيمة، انا هخرج دلوقتي وأكلم جواد ياخد إذن نيابة وبعد كدا هكلمك.
-مستحيل اللي بتقوله دا، مستحيل اسيبه دقيقة واحدة لازم اموته الحيوان لازم اشرب من دمه
قالها راكان واغلق هاتفه
بعد قليل قاد سيارته يهاتف جواد
-اه هات إذن نيابة وانا هسبقك مع راكان، هو مش متحمل يصبر وهو عنده حق، ابنه ومراته مع مختل عقليًا
-حاضر انا رايح لوكيل النيابة اهو وبعد مااخرج هكلمك
-في امان الله حبيبي. قالها جواد حازم وأغلق الهاتف.
امسك جاسر هاتفه وحاول مهاتفتها عدة مرات ولكنها لم تجب على اتصالاته، قام بإرسال رسالته
-ممكن اعرف هتفضلي عنيدة لحد امتى، انا كنت خارج شغل مهم مكنش ينفع ارجع لك، المهم علشان اريحك ابن راكان مخطوف وليلى كمان، وبقالنا كام يوم بنحاول نوصلهم دا كل الحكاية، اسف لو زعلتك
ضغط عليها ثم قام بإرسالها، ثم اتجه بإرسال أخرى.
-جنى عايز اقولك حاجة مهمة أنتِ فهمتي كلامي غلط، انا ماسك قضية صعبة جدا وبحاول أمن كل اللي حواليا، عمري ما احاول افكر اذلك حبيبتي الفكرة كلها مش عايز أبين لهم انا مهتم بحد علشان مايضغطوش عليا، هموت لو حاولوا ياذوكي، علشان كدا عمو أصر اطلقك مش علشان ابن فيروز ابدا، دي حاجة ولو مش مصدقة اسألي عز، عز عارف اني رجعتك من اول يوم وكمان أوس وياسين وبابا، مفيش غير عمو صهيب مش محتاج اقلقه عليكي فحبيت أبين له اننا أطلقنا. وارتاحي ياقلبي بابا عارف كل حاجة. اهم حاجة عندي انك تكوني بخير. انا دلوقتي رايح لراكان، ربنا يوفقنا ونعرف نمسك أمجد وبعد كدا هجيلك واياكي ياجنى تستهبلي عليا.
بحبك . ارسلها وأغلق الهاتف
وصل جاسر حيث وجود راكان
-ايه اخر الاخبار
أشار لمنزل بمنطقة منعزلة قائلاً: -جاسر أنا هدخل البيت دا، هو كلمني عايز منك تراقبه لما يخرج، عارف ومتأكد أنه مخطط لموتي أو هيعمل حاجة تانية، المهم لازم تكون مستعد علشان لو خرج من غير ماارجعلك بليلى
-تمام. وجواد في الطريق مع القوة، خلي بالك من نفسك. وزع جاسر نظراته بينه وبين يونس.
-المهم ماتتهورش، وخلي الدكتور بعيد ماتخلهوش يدخل معاك هو وحمزة علشان لو بيلعب نعرف نرد عليه من كل الجهات. بسط يديه بجهاز وهتف
-الأجهزة دي ركبوها كويس وهنتابع بيها، دقايق ويكون جواد هنا
ياله نتحرك في امان الله إن شاءالله
تحرك جاسر إلى مفترق طرق بعد المنزل الذي يحجز به ليلى بعدة أمتار
بعد فترة خرجت سيارة بها امجد، لم يرى بها ليلى ولكنه تحرك خلفه بحذر
وقام بمهاتفة يونس.
-ايه اللي حصل. اجابه يونس الذي تحرك إلى داخل المنزل خلال دقائق من خروج امجد
-الحيوان خطف ليلى وحابس راكان وابنه في البيت
-يونس محدش يقرب من حاجة، جواد دخل المزرعة خلاص هو هيتصرف. ارجوك بلاش حد يقرب من حاجة. توقف يونس وهتف
-لا دا مولع في البيت، لازم ندخل ننقذه انت خلي بالك من امجد
-هو قدامي متخافش، انقذوا راكان وانا هعرف أوصله.
بعد فترة وهو جالسًا بالسيارة يراقب المنزل بهدوء، رمق هاتفه ثم حمله وكالعادة لم تقرأ رسائله، طيب ياجنى
قام بمهاتفة عاليا
عند جنى وعاليا: كانت تتحرك بين الحضور تتحدث عن كل لوحة بمعانيها، وهدفها بإبتسامتها الرقيقة، حقا بريئة جميلة كطائر الكروان الذي يغرد دون ملل، شعرت بالإرهاق فأشارت لإحدى العاملات
-خليكي مع الاستاذ وشوفي طلبه، توقف أمامها يزن
-كنت عايز أسأل عن اللوحة اللي هناك.
أشارت للعاملة وأجابته: -دي هتفهم حضرتك. قالتها وتحركت سريعًا من امامه، ذهبت لجلوس عاليا
-اوووف راجل دمه تقيل، كل شوية عايز يعرف كل حاجة، وتحسيه أنه مش جاي علشان يشتري
ابتسمت عاليا لها ثم غمزت بطرف عيناها: -مايمكن معجب ياجميل، ماهو انت معجابينك بقوا زي انجيلا جولي
تنهدت تطالعها بصمت ثم أمسكت قلمها تدون بعض الاشياء، ولم ترفع رأسها عن دفترها سوى بعد سماع عاليا
-اهلا ياحضرة الظابط. أيوة موجودة.
بسطت كفيها بالهاتف
-ردي عليه شكله عايزك ضروري، والله صعبان عليا. أمسكت الهاتف بكف مرتعش: -أيوة. على الجانب الآخر
-كدا ياجنى مش عايزة تسمعي صوتي حتى، يعني غيرتي كل الابواب وبلكتي رقمي ايه يابنت عمي لدرجة دي مبقتش اعنيلك
نهضت عاليا لتترك لها المساحة
تراجعت بجسدها، وحاولت السيطرة على ذاك الجزء الضعيف الذي بدأت دقاته تخترق صدرها.
-جاسر اللي بينا انتهى، بجد أنا مبقتش عايزة اوجع قلبي وادوس على كرامتي اكتر من كدا، ليه احارب علشان واحد بايعني، واحد مااخدتش منه غير الوجع. انت قولت كفاية كدا وعيشي حياتك، وانا بوعدك يابن عمي هعيش حياتي وابعد عنك، ومهما تعمل وتحاول تبرري خذلانك ليا مش هسمعلك ادتلك من الفرص ماأكثرها.
ومتخافش مش هتجوز تاني، لأن وجعي منك دوب قلبي ومبقاش عندي قلب ليدق تاني، تطلقني ولا لا مابقاش يهمني، بس اتمنى تطلقني وانا قررت اروح لبابا واحكي له كل حاجة، لانك بتتمادى للأسف، عندي شغل ولازم اقفل
-استني ياجنى لازم اقولك حاجة
-جاسر مبقاش فيه حاجة تتقال مبقاش يفرق معايا مهما تقول
-ياااه. لدرجة دي ياجنى، يعني عشت أو مت مش هفرق معاكي.
-لا. قالتها بدموع تنساب من عبراتها لقد خانها قلبها الضعيف من نبرة صوته ورغم ذلك أجابته بجبروت: -صدقني وجودك من عدمه مابقاش يفرق، من كتر ما عملته مابقاش عندي حاجة اشفع لك عليها. وانت كمان ياريت تعمل كدا.
-مش هقدر، انا مش زيك انا اموت لو بعدت عنك، قلبي يوقف لو وقف عن نبض حبك، حبي ليكي مش حب اتنين حبوا بعض وخلاص، أنتِ بالنسبالي الهوا اللي لو اتمنع عني اموت، وكلامك دا بيسحب روحي ياجنايا. هتفضلي لاخر نفس ليا حبيبتي ومراتي، ومستحيل اطلقك لسبب بسيط قدرك مكتوب بقدري يابنت عمي، وزي ماقولتلك قبل كدا أنتِ مش جنى صهيب ابدًا، إنتِ جنايا لوحدي، جنى الجاسر. قالها وأغلق الهاتف: وانفاسه متسارعة كالمتسابق، هل حقًا ألقته من حياتها، هل تريد البعد عنه.
شعر بدوران الأرض به وكأن سيارته ستنقلب فتح باب السيارة وبجسد مختل توقف مستندًا عليها، وكل ما يراه أمامه حياتهم سويًا، ضحكاتها، شقاوتها، حتى بكائها، صورها فقط تطارده، تحرك للداخل عندما شعر بأن حياته سُحبت منه وكما أكد لها انها الهواء الذي يتتفسه، تحرك إلى المنزل الذي يحتجز بها ليلى، دفع الباب بوصول جواد حازم.
سلم نفسك ياأمجد المكان كله محاصر، قالها بدخول جواد الذي توقف يطالعه مذهولًا عندما وجد امجد يقهقه
-برضو انت ياحضرة الظابط، انما ايه اخبار بنت عمك ياحرام، كانت صعبانة عليا وهي بتترجى هاني وتقوله ارحمني، كان نفسي اكون موجود، البت طلقة.
اتجه إلى أمجد كالأسد الجائع قائلاً.
-هقتلك ياكلللللللب. هجم عليه المعانون لأمجد، حتى توقف جواد صارخًا: وربي لتموت ياأمجد. دفع جاسر الرجل بقوة وأخرج سلاحه. وضع أمجد سلاحه على رأس ليلى
- لو قربت هموتها، كور قبضته يطالع دخول راكان بصمت فألقى السلاح.
ليطلق ذاك المتوحش طلقة غدر أطلقها أمجد على صدره بدخول راكان، ليشغله حتى يخرج من ذاك المنزل، لتخترق صدره ليهوى ساقطًا غارقًا بدمائه بإنسحاب امجد لليلى بصراخها باسم راكان الذي هرول إليها ولكن توقف عندما أشار عليها
-هموتها لو قربت، تراجع للخلف يتجه بانتظاره إلى حمزة
-ورا الحقير بسرعة، اتجه لجاسر سريعًا
-جاسر، جاسر. رددها راكان صارخًا ليونس.
-اتصل بالاسعاف بسرعة لازم ألحق الحقير، اتولى أمر جاسر يايونس. قالها وتحرك سريعا خلف أمجد
هرول يونس إلى جاسر الغارق بدمائه
-جاسر افتح عيونك خليك معايا، قام بعمل اسعافات أولية لتوقف النزيف
جاسر سامعني. صاح بها يونس وهو يحاول توقف النزيف
همس اسمها من بين شفتيه واغلق عيناه نهائيا:
بعد قليل وصلت سيارة الإسعاف لتقوم بنقله إلى المشفى بغضون دقائق
خرجت غزل من غرفة العمليات بجوار إحدى زميلاتها.
-من زمان قوي معملتش عمليات ولا وقفت في غرفة العمليات اصلًا، الحالة صعبة قوي ياهند، لولا قريبك صدقيني مش لحاجة أبدًا بس أنا وعدت جواد علشان عارفة تعبي غير أن المريض امانة، متنسيش العمليات دي لازم تكوني قادرة على كل المصاعب، وانا قلبي مبقاش متحمل بحاول اكون كويسة قدام الولاد
ربتت على كتفها زميلاتها التي تعمل ب قسم المخ والأعصاب قائلة: -عارفة ياغزل علشان كدا مقدرتش اثق في حد بعد ربنا غيرك.
ابتسمت غزل تربت على كتفها، هنا شعرت بألم يغزو صدرها، رفعت عيناها لصديقتها وهي تضع كفيها على صدرها
-معرفش حاسة بوجع شديد في صدري، سحبتها صديقتها للمقعد قائلة: -أنا آسفة بجد ياغزل، عارفة تعبتك جدا بالعملية، دول اتناشر ساعة شغل وعملية ياربي ياريتني مااصريت عليكي هزت راسها
-لا لا. دا مش وجع جسدي، حاسة بحاجة وحشة حتحصل، رفعت كفها لصديقتها: -مش قادرة أتنفس. استدعت صديقتها الممرضة.
-اعملي لميوناد بسرعة للدكتورة، وقامت بتدليك صدرها بهدوء. ارتعش جسدها تشير لهاتفها
-تليفوني ياهند هاتيه من فوق المكتب، عايزة اطمن على جوزي والولاد
ابتسمت هند تهز رأسها: -لسة زي ماانتي، دا إرهاق حبيبتي من الوقفة وانتِ تعبانة أصلًا
نهضت بتخبط تلوح بيديها
-لا جواد حصله حاجة اكيد، لازم اطمن قلبي مقبوض قوي. يارب مش حمل وجع قلب يارب ألطف بقلبي
لحظات واجابها جواد
-ايه حبيبي. سحبت نفسًا وهدأت.
-عامل ايه؟ ابتسم وهو يلاعب سفيان
بلعب انا وسفيان وبنرسم وبنعمل حاجات كتيرة يانانا، ايه مش عايزة تيجي تلعبي مع جدو. قالها جواد مازحًا
ابتسمت وانبثقت عبرة من بين جفنيها
-وجدو كمان واحش نانا قوي، خلصت ياجدو وهرجع بعد شوية
صمتت للحظات وهي تسمع صوت سفيان.
-نانا جدو بيلعب حلو قد البحر. حبيب نانا فين مامي. اخذ جواد الهاتف متسائلاً: -زيزو مال صوتك، أزالت عبراتها، فخرجت صديقتها قائلة: -غزل هشوف المرضى، حاسة إنك احسن
اومأت لها فتحركت للخارج واتجهت تحادثه: -مفيش شوية إرهاق. توقف من مكانه يشير إلى سفيان
-حبيب جدو كمل لعب هروح اجيب نانا وجي، ثم صاح على مربيته
خلي بالك من سفيان انا خارج. قالها وتحرك ومازال يهاتف زوجته.
-غزل انا جاي لك في الطريق، متخرجيش لما اوصل
فركت جبينها قائلة بصوت مجهد: -أنا كويسة حبيبي، ولكنه صاح دون جدال: -غزل قولت جاي في الطريق مش عايز اعتراض
هزت رأسها رافضة حديثه واردفت
-كلمت ياسين النهاردة ياجواد، استقل سيارته وهو ينظر لخروج عز السريع
توقف يغلق الباب واتجه إليه ولكنه اسرع بسيارته دون الرد عليه، قطب مابين حاجبيه: - الواد دا بيجري كدا ليه. بتر حديثه اتصال جواد حازم به.
-ايه حبيبي. سحب نفسًا وزفره بهدوء يطالع جاسر المسجى على فراش المشفى
-خالو! جاسر اتصاب واحنا رايحين المستشفى
ابتلع جمرة ألهبت جوفه، ليسحب نفسًا حتى يتسع صدره الذي انقبض فجأة متسائلا: -عامل ايه ياخالو، الإصابة خطيرة
قالها وقلبه عبارة عن كتلة نارية وقاد السيارة بسرعة جنونية ورغم سرعة سيارته إلا أنه وجدها تخطو كالسلحفاة، اتجه لهاتفه مرة أخرى متسائلا بنبرة قلقة.
-حبيبي مبتردش على خالك ليه إصابة جاسر خطيرة: ازال عبراته يهمس
-الرصاصة بصدره، الدكتور يونس بيقول بعيدة عن القلب، بس مكانها مؤثر
-لله الأمر من قبل ومن بعد، ومانقول إلا ما يرضي الله. خير إن شاءالله، ربنا يحفظه بحفظه، هجيب غزل خلي بالك من ابن خالك.
دقايق ونكون عندك. قالها وأغلق الهاتف...
من أمام المشفى العسكري تأهب الجميع لتلقي المصاب. كان بانتظاره عز وصهيب الذي هاتفه عز.
تحرك صهيب بقلبًا مفطور يطالع ذاك المسجى
-ايه الاخبار، تسائل بها وهو يتحرك بجوار الفراش المتنقل، مسد على وجهه يطالعها
-جاسر حبيبي سامعني، كان المسعفون يتحركون به سريعًا متجهون للداخل طالعه المسعف
-لو سمحت لازم نشوف شغلنا، المصاب لازم يدخل عمليات، توقف أمامه ثم انحنى يلثم جبينه وكفيه فوق خصلاته
-جاسر حبيبي سامعني، رفرف بأهدابه.
هامسًا بصوت متقطع: - جنى. ابتسم صهيب ممسدًا على خصلاته. اتمسك حبيبي بالدنيا، سامعني. همس اسمها مرة أخرى ثم اغلق عيناه بدلوفه لغرفة العمليات، اتجه صهيب لجواد حازم متسائلاً: -ايه اللي حصل ياجواد. قص جواد ماصار ثم جلس على المقعد قائلاً: -أنا اتصلت بعز الأول، مقدرتش اعرف خالو، بس واحنا جاين جاسر فضل يردد اسم خالو، خُفت يحصله حاجة
هز صهيب رأسه رافضًا حديث جواد ثم هتف.
-لا إن شاءالله مش هيحصله حاجة أنا متأكد، هيفوق أيوة هيفوق، الإصابة مش خطيرة
بعد فترة قصيرة وصل جواد الذي حاول التماسك حتى لا يضعف أمام زوجته ورغم نبضه المتسارع خوفًا على ابنه إلا أنه احتضن غزل قائلا: -غزل الواد كويس بطلي عياط لو سمحتي. وصلت بساقين تتخبط من الخوف تبحث بالوجوه علها تجده، رأت صهيب واقفًا أمام غرفة العمليات. همست بشفتين مرتعشتين.
-صهيب.! التفت صهيب على صوتها، توقفت تطالع تلك الغرفة وقلبها يئن بالألم كأنه يقتلع من صدرها
اقتربت وجسدها ينتفض وعيناها تدفع الدمع بالدمع كالشلال.
-ابني عايش ياصهيب، قولي اه وحياة عز عندك تقولي اه
رفع عيناه المتحجرة بالبكاء لأخيه وهمس له
-عايش والله وكلمني كمان، الدكتور بيقول الرصاص بعيد القلب، إن شاءالله هيطلع كويس. اسندها جواد عندما وجد تلاشي جسدها بالوقوف.
-غزل حبيبتي سمعتي جاسر كويس، وكلم عمه، وانا عندي يقين بالله حبيبتي أن ربنا هيحميه. بطلي عياط بلاش تجهدي قلبك
-ابني ياجواد عايزة اشوف ابني، عايزة اشوف ابني كنت حاسة أن فيه حاجة هتحصل لولادي، ابني. جاسر. ظلت ترددها ببكاء.
-كأن جاسر مالوش حظ من الحياة. آآه. قالتها بشهقة ملتاعة خرجت من اعماق قلبها الذي ينزف داخليًا.
ضمها جواد لأحضانه، محاولا التماسك، يعلم أن الحمل ثقيل عليها ولم يعد لديها مقدرة للحزن والألم، نظر لصهيب
-اتصل بمليكة ياصهيب خليها تجيب البنات وتجي علشان اخوهم
-بلاش اتصال ياجواد، عز هيروح يجبهم ماتنساش بنتك حامل.
اومأ بصمت وهو يسحب عيناه الذي ضعفت وتجمعت الدموع تحت اهدابه
اقترب عز يجلس أمام عمه على عقبيه يحتضن كفيه قائلاً: -عمو جاسر هيعيش وهيقوم منها صدقني، انا عارفه قوي، رفع ذراعه يمسد على رأسه
-ربنا يحميكم لشبابكم يابني، ربت على كتفه
-قوم هاتلي البنات ياعز، وقول لبيجاد الاول علشان غنى، وانت حبيبي خلي بالك على ربى
ازال عز دموعه الذي زخمت بوجهه ونهض من مكانه.
-حاضر، ذهب ببصره لغزل التي تغمض عيناها ودموعها تنساب بصمت، ثم انحنى يقبل جبينها
-إن شاءالله هيقوم بالسلامة. هزت رأسها بدموعها دون حديث.
رفع جواد نظره لجواد حازم الذي يهاتف والده، ثم اتجه إلى جواد
-خالو انا كلمت بابا وقالي هيجيب ماما
كانت عيناه على قميص جواد الذي به آثار دماء ابنه، نظر جواد للذي ينظر إليه خاله ثم اقترب منه: -جاسر كويس إن شاءالله يقوم بالسلامة.
اقعد وقولي ايه اللي حصل ياجواد. تسائل بها جواد ظنًا من تلك القضية
عند عز استقل سيارته واتجه إلى حي الألفي، ثم قام بمهاتفة أخته، مرة واثنين وثلاثة
عند جنى.
نظرت لهاتفها الذي أعلن صوته بالأجواء. سحبت نفسًا، فتسائلت عاليا
-مين؟ نظرت للخارج واجابتها
عز معرفش كل شوية يتصل ليه، قالتها وهي تشغل محرك سيارتها
-أيوة ياعز!
-جنى إنتِ فين! تحركت بالسيارة متسائلة ظنًا منها وجود جاسر معه فأجابته: -ليه؟ انعقد لسانه وتوقفت الحروف على أعتاب شفتيه. صمتًا مخنوقًا وهو لايعلم كيف يخبرها، ولكنه عقد العزم وهتف: -جنى أنا رايح حي الألفي علشان اخد ربى وغنى المستشفى.
توقفت بالسيارة متسائلة بالهفة: -عمو جواد حصله حاجة.
-جاسر. قالها عز بهدوء حتى شعرت باختراق الكلمة لتصبح كالرصاصة تستقر بصدره. رجفة قوية اجتاحت جسدها كالزلزال وصورته تخرق روحها التي شعرت بانسحابها
-جا. سر، ماله؟
توقف بالسيارة لوصوله لحي الألفي
-جنى جاسر انضرب بالنار، وبما انك مراته حبيت تعرفي.
دموع كأمطار رعدية بشتاء عاصف، دموع وانهيار ببكاء مرتفع حتى ارتجف جسدها وهي تسأله: -كويس صح ياعز.! تسائلت بنبرة متحشرجة. مما أجابها حزنا على حالتها
-إن شاءالله يبقى كويس ياجنى ادعيله، مضروب بصدره
استدارت لعاليا بعد إغلاقها الهاتف
-دعيت عليه، انا دعيت عليه ياعاليا، والله من ورا قلبي، لا مش هقدر، عاليا مش هقدر، قوليلي عز بيقول كدا علشان ارجعله. بكت عاليا على حالتها وهي لاتعلم لماذا تتفوه بتلك الكلمات.
بدأت تردد كالمجنونة
-أنا السبب. انا اللي دعيت، ياربي لو كنت اعرف الدعوة هتستجاب كنت دعيت مايفرقناش عن بعض ابدا
فتحت عاليا باب السيارة وشعرت بالخوف على حالتها فاتجهت للجانب الآخر وهي تهاتف ياسين
-جنى انزلي حبيبتي وانا هسوق. رفعت عيناها الزائغة: -هو ممكن يموت، ممكن جاسر يموت
ياعاليا، لا لا لا. صاحت بها صوت مرتفع، ودموعها تغرق وجنتيها. اوقفتها عاليا متحاملة على نفسها.
-تعالي هنا يالة علشان نروحله، قالتها ومازالت بانتظار ياسين بالرد. مرت عدة دقائق واجابها، يبدوا أنه كان مستغرقًا بنومه
-أيوة ياعاليا. استمع لصوت جنى
لا هو وعدني أنه مش هيموت هو عايش أيوة انا قلبي بيدق. بكت حتى انهارت على الأرض. تحدثت عاليا تبكي لياسين
-ياسين الحقني، جنى مش قادرة عليها، عز اتصل ومعرفش قالها ايه على جاسر، شكله مصاب. ووقعت مني ومش حاسة بحاجة
انتفض من مكانه متسائلاً: -ماله جاسر؟ ؛.
-معرفش هي كلمت عز وزي ماانت سامع، انا مش عارفة اسيطر عليها
طب اقفلي ياعاليا بسرعة وانا هتصرف. لحظات وهاتف عز الذي جلس بجوار ربى بعد اخبار بيجاد
- والله ياقلبي هو كويس، بس باباكي بقى عايزكم هناك
انا اخويا عايش ياعز صح. ضمها لأحضانه: -وحياة ربنا اخوكي عايش وفل الفل وهتشوفيه دلوقتي بتر حديثهم رنين هاتفه: -أيوة ياياسين، ايه اللي حصل عندكم.
قص له ماصار. نهض ياسين يرتدي ثيابه على عجالة قائلاً: - متخلف ياعز اختك منهارة على الطريق وعاليا مش عارفة تتصرف معاها، ابعتلهم فارس أو روح انت، جنى مش في وعيها
كور قبضته يسب نفسه متخلف ياعز
تجهزت ربى مردفة: -عز أنا لبست ياله، هشوف غنى هتيجي معانا ولا لأ. نهض من مكانه ثم حاوط كتفها وتحرك للخارج متجهًا إلى سيارة بيجاد. توقفت أمامه متسائلة: -عز انت رايح فين؟
قبل جبينها متنهدًا ثم سحب نفسًا يزفره بهدوء قائلاً: -روبي ممكن تروحي مع بيجاد، ولو عايزة تيجي نروح لجنى، جنى من غبائي قولتلها وانهارت وعاليا مش عارفة تتعامل معاها
ربتت على كتفه ثم تحركت اتجاه غنى قائلة: -روح لجنى وأنا هروح مع بيجاد. اومأ لها واركبها السيارة ينظر لبيجاد يشير بعينيه
-خلي بالك منها وانا شوية وهلحقكم
-متقلقش. اتجه لسيارته وقادها بسرعته يهاتف فارس
-فارس فينك، نهض يشير لأصدقائه.
-كنت في النادي وراجع على البيت فيه حاجة!
-اه. جاسر اتصاب في مداهمة وكلهم في المستشفى، شوف أوس فين وكلمه
-جنى عرفت ياعز
-اه ورايحلها. قالها عز ثم اغلق الهاتف متجهًا إليها
-عاليا انتوا فين؟
رايحين المستشفى في طريق (. )
-تمام!
وصلت بعد قليل إلى المشفى، توقفت السيارة تنظر حولها بتيه وعيون مشتتة. بوصول أوس يترجل من سيارته. اندفع إليها بعدما أشارت له عاليا.
-جنى. رفعت عيناها المتورمة إليه تهمس بصوتًا متقطع: -عا. يش، اتجه يرفعها من أكتافها
-تعالي معايا ياله، هو كويس
-احلف. رسم ابتسامة وحاوط جسدها يشير لعاليا: -اقفلي العربية ياعاليا، اومأت له دون حديث، استمعت لرنين هاتفها
-احنا خلاص وصلنا المستشفى
-تمام ياعاليا انا داخل عليكم متتحركوش
-الباشمهندس أوس دخلها جوا.
-طيب. قالها عز متجهًا إلى المشفى.
تعكزت على أوس إلى أن وصلت إلى الجميع بوهنًا وألمًا يشق قلبها. زاغت ابصارها إلى جلوس جواد فأردفت بتقطع: -عمو جواد، رفع جواد نظره إليها واغمض عيناه يهز رأسه بألمًا دون حديث توقف صهيب متجهًا إليها: -حبيبتي عاملة كدا ليه، تجول ببصره على هيئتها، يجذبها لأحضانه
-آآه. صرخة قوية شقت ثغرها ليربت صهيب على ظهرها وهي تردد كالذي فقدت عقلها.
-أنا السبب. أنا السبب، وصلت الممرضة إليها لتقوم بحقنها بعدما ازداد بكائها الذي شق الصدور، فأشار جواد لأوس
-خلي الدكتور يعطلها مهدئ يابني.
بعد عدة ساعات تأهب الجميع بخروج الطبيب الذي توقف وعيناه على جواد الذي مازال جالسّا من يراه يزعم أنه يتسلح بالبرود والقوة، ولكن كيف لقلب الأب أن يجد القوة للوقوف ونبضاته تصم اذنه، لقد خانته ساقيه على الوقوف، فابتلع ريقه الذي جُف كالتائه بصحراء جرداء بإحدى فصول الحرارة المرتفع، حاول السيطرة والتحكم بقوته عندما ترقرقت عيناه بالدموع من نظرات الطبيب، تعلقت عيناه بأعين الطبيب منتظر حديثه.
-زي ماقولنا من شوية العملية كانت خطيرة، الرصاصة كانت في مكان مؤثر
توقفت غزل واستندت على كتف جواد
-قول من الاخر يادكتور، مبحبش المقدمات، ابني كويس ولا لا.
-إن شاءالله هيكون كويس يادكتورة، بس. توقف عن الحديث فاتجهت إليه غزل وأشارت بكفيها صارخة به: -إنت هتقعد تبسبس، بقولك قول من الاخر ابني. دفعت الدكتور وثارت بغضب
-أنا بسالك ليه اصلا، قالتها وتحركت متجهة إلى حيث وجوده
-ماما قالها أوس
-محدش يكلمني مش عايزة نفس، انا هدخل لابني علشان اعرف ابني حصله ايه
اقترب الطبيب من جواد.
-أنا عاذر الدكتورة، لكن العمليات دي بتكون خطيرة ومقدرش اقول كل حاجة على مايرام إلا بعد تمانية وأربعين ساعة
اومأ جواد متفهمًا، ليتحرك الطبيب مغادرًا. اتجه صهيب وجلس بجواره من جهة وسيف من الجهة الأخرى
-جواد! رفع عيناه لصهيب وأردف
-نصيب، مش عايز صوت، نصيبه كدا، يعني مكتوب يحصل كدا حتى لو في حضني، قدره بقى عند ربنا ياصهيب، روح شوف بنتك لتضيع منك زي ماقولت. ربت صهيب على كتفه.
-متقساش عليا ياجواد، جاسر ابني زي ماجنى بنتي، لاحت ابتسامة ساخرة على وجهها
-أيوة فاهم واهو ابني في اوضة وبنتك في التانية، تسائل سيف
-لو اللي فهمته صح تبقى غلطان ياصهيب. نهض صهيب متنهدًا
-ابنك يفوق بالسلامة وهبعتلك حاجة يبقى شوفها واحكم ياجواد. قالها وتحرك متجهًا لغرفة ابنته
مر الوقت ثقيلًا على قلوبهم، حتى توقف جواد عندما ثار قلبه بالقلق. توقف صهيب متجهًا إليه
-جواد رايح فين؟
أشار بكفيه لتوقفه.
-داخل لابني ياصهيب. تحرك بخطوات بطيئة ورغم بطئها إلا أنه كأنه يسير فوق نيران جحيمية
دلف للداخل وجد غزل تجلس بجواره تحتضن كفيه. ربت على كتفها
-غزل قومي ارتاحى. بصوت مفعم بالبكاء والانتفاضة ورعشة بجوفها المتألم
-ارتاح ازاي وابني تعبان، انحنت تلثم كفيه. وتابعت مستطردة: -جاسر افتح عيونك ماما وطمن قلبي.
قالتها بدموع الوجع، أوقفها جواد لترتمي بأحضانه تجهش بالبكاء، بكاء ام غرس قلبها بسكين بارد خوفًا على فلذة كبدها.
-هيفوق ياجواد، قول أنه هيفوق ويبرد نار قلبي. قبل جبينها ثم اتجه بنظره لأبنه متحدثًا: -إن شاءالله ياغزل ادعي له، ياله تعالي علشان نصلي وندعي له، عايزاه يفوق ازاي واحنا ناسين فرض ربنا، ياله حبيبتي تعالي نصلي من الصبح وأنتِ في مكانك مصلتيش. تجولت عليه ببصرها للمرة الأخيرة ثم تحركت للخارج وهو محاصر أكتافها
مرت عدة ساعات أخرى، بغرفة جنى استيقظت وجدت والدتها تحتضن كفيها، فاعتدلت سريعًا.
-ايه اللي حصل، قالتها وهي تنزل من فوق فراش المشفى، توقفت نهى أمامها: -جنى رايحة فين إنتِ تعبانة، تحركت للخارج
-رايحة اشوف جوزي ياماما، قالتها وتحركت للخارج بخطوات مبعثرة، وزاغت ابصارها على الجميع فتحركت من بينهم متجهة لغرفة العناية: -جنى. قالها عز، ولكنها تحركت حيث جلوس الممرضة
-عايزة أشوف جوزي.
تجهزت واتجهت للداخل. تسلطت عيناها على تسطحه كالجثة لايشعر بمن حوله، اتجهت إليه بخطواتها المتمهلة. وعيناها تسبح على جسده بالكامل، وصلت إليه. ظلت للحظات وهي تقف وعيناها تتجول على ملامح وجهه الشاحبة، دنت وابتسمت بدموع عيناها وهي تحرك أناملها على وجهه مرة وعلى رأسه مرة. هوت على ركبتيها تحمل كفيه المغرزو بالأبر ثم رفعته تلثمه وشهقة محملة بوجع قلبها المنفطر عليه.
-جاسر. انا جيت، آسفة، قالتها بتقطع، وضعت رأسها بجوار رأسه واناملها تتحرك على وجهه
-حبيبي افتح عيونك بلاش تعاقبني بالوجع دا، ابتلعت غصة بمرارة العلقم
فيه خبر حلو قوي، دنت من وجهه تهمس بجوار أذنه.
-مش هسمع كلامك سمعتني، ابني هجيبه حتى لو فيها موتي، وكنت ناوية مش أقولك غير لما يكبر شوية علشان متقوليش لا بلاش علشان صحتك، انا عايزاه ياجاسر، سامحني مش هقدر أتنازل عليه، ولو خيروني بينه وبين موتي هختاره هو، عارف ليه
دنت حتى لمست وجنتيه بثغرها قائلة.
-علشان حتة منك، إنت ابوه، وكل مايخصك مستحيل أتنازل عنه، لثمت وجنتيه مرة أخرى وتبسمت وتابعت حديثها: -عايزاه حلو شبهك، بس مش عايزة بروده واستفزازه ليا، عارف لو طلع مستفز شبهك، انسابت عبراتها فوضعت رأسها بعنقه وبكت بشهقات
-هحبه برضو، ماهو ابني، وانت ابوه.
كان واقفا يتابعها من خلال النافذة الزجاجية، كور قبضته وعيناه لم ترف بالابتعاد عنها وهي تقترب منه وتطبع قبلة بجانب خاصته، اتجه لباب الغرفة بعدما تجهز ودلف للداخل
-حبيبي ياله افتح عيونك وحشتني قوي، ياله علشان اتخانق معاك وأقولك طلقني. أزالت عبراتها المنهمرة واكملت.
-أيوة بدلع عليك، وعارف لو طلقتني هموتك بجد، اياك تسمع كلامي، هو فيه حد بيسمع كلام المجانين، اه انا مجنونة واياك تسمع كلامي. شعرت بمن يضع كفيه على كتفها، فرفعت عيناها لوالدها ثم اتجهت إليه وتحدثت بمرار دموعها ووجعها الذي تشعر به
-كدا مرتاح يابابا، اهو قدامك بين الحياة والموت، ياريتك سبتني اشبع منه شوية
-قومي ياجنى، جاسر كويس، وشوية وهيقوم، انحنت تضع رأسها بعنقه مرة أخرى.
-مش مسمحاك يابابا، طول ماقلبي وجعني كدا مش مسمحاك، دلف جواد واستمع لحديثها، نهضت بعدما طبعت قبلة على جبينه ونهضت تطالعهم بعيونها الحمراء المتورمة
-مش مسمحاكم انتوا الاتنين، أشارت عليه ثم اقتربت من جواد
-كل ماتبص له افتكر انك سرقت سعادته انت واخوك. ذنبنا برقبتكم انتوا الاتنين، بابا حكم وحضرتك نفذت
توقفت عن الحديث عندما استمعت لهمسه باسمها، استدارت سريعًا وابتسامة لمعت بعيناها وتبدل حالها.
-جاسر! اقتربت منه بدخول الممرضة
-ماينفعش يافندم الزحمة دي، كدا هتسببوا لي مشكلة
امالت بجسدها تطالعه بفرحة قلبها
-جاسر حبيبي سامعني، جاسر. فتح عيناه ومازال يردد اسمها
ابتسامة واسعة بدموع كثيفة وهي تقبل جبينه
-أنا هنا، انا اهو. سامعني، اقتربت الممرضة تستدعي الطبيب
-لو سمحتم كله برة، أمسكت كفيه تنتظر أن يفتح تلك الرمادية ولكنها لم تعد تستمع إليه. رفعت نظرها للممرضة
-ايه اللي حصل؟
جذبها جواد من ذراعها يشير إلى صهيب بالخروج مع دخول الطبيب
-تعالي ياجنى، هيفوق هو تحت المخدر
نزعت نفسها من كف عمها
-لا هستنى هنا، ضغظت الممرضة بخروجها مع فحص الطبيب إليه
بعد يومين قام الأطباء بنقله لغرفة أخرى، تحرك البعض للأطمئنان عليه، اما تلك التي ظلت جالسة تنظر بشرود بعدما اطمئنت عليه من الطبيب المختص، جلست عاليا بجوارها تربت على ظهرها
-مش هتقومي تشوفيه، سأل عليكي
مسحت دموعها تهز رأسها بالرفض.
-اطمنت عليه كفاية، بلاش اخليه يشوفني هنا
-جنى اتجننتي ايه اللي بتقوليه دا، من كام ساعة كنتي هتموتي عليه ازاي عايزة تفهميه كدا
نهضت من مكانها ثم دققت النظر بعيناها قائلة: -عاليا، اكيد هترجعي مع ياسين، طمنيني عليه، انا مش هدخله، أهم حاجة يكون كويس، مش ههين نفسي تاني قدامه. قالتها وتحركت تجر آلامها بخطواتها الهزيلة تحتضن جنينها، حتى خرجت من باب المشفى.
جلست عاليا على المقعد بالخارج وتنهيدات متحسرة عليها، شعرت بأحدًا بجوارها يفرد ذراعيه يجذب رأسها تحت ذراعيه يقربها إليه، واضعًا رأسه فوق رأسها كالغريق الذي يبحث عن منقذه. همست بتقطع عندما لافحت رائحة عطره أنفاسها
-ياسين إنت كويس. أغمض عيناه وتمنى أن يدفن نفسه بداخل احضانها، فمنذ معرفته بإصابة أخيه وهو فاقد كل شيئا، لم يشعر بما يدور حوله.
تغلغلت روحها بدقات قلبها العنيفة عندما ضغط على خصرها يضمها بقوة مما جعلها تشعر بأنه ليس هو.
صمتت لبعض الوقت وتركت له الساحة حتى يهدأ قليلا. رمقته تتفحص تقسيمات جسده المشدود، لأول مرة تكون معه بذاك القرب منذ تلك الليلة.
ظلت تقاوم نبض قلبها من قربه المهلك لروحها، وعجزت عن توقف شفتيها من الأرتعاش حينما اعدل رأسه ودنى لتختلط انفاسهما قائلاً: -عاليا أنا تعبان أول مرة أحس بالخوف كدا، رفعت كفيها تربت على كتفه عندما انتفض قلبها من حالته الضعيفة التي لأول مرة تراه بها. حاولت إخراجه فسحبت كفيه تضعه على بطنها الذي يتحرك بها جنينه
-شوف ابنك بيعمل ايه.
رجفة قوية بعموده الفقري حينما رددت له تلك الكلمات البسيطة، ورغم بساطتها إلا أنها كانت عبارة عن بحرًا غادقًا بالأمنيات والسعادة، لمعت عيناه وارتعشت دواخله وهو يبتسم قائلاً: -دا فعلا بيتحرك. هزت رأسها فرحًا قائلة: -أيوة بيقولك متزعلش يابابي عمو بخير.
-بابي. آآه ياالهي ماأجملها حين تسقط على قلبٍا جاف خالي من السعادة، لتغرقه فرحا وتطيب روحه بِرًا. باتت نبضاتها تهدر بعنف حينما نزل برأسه يقترب من بطنها وكأنه يسمعه
- ابني شعرت بالحرارة المنبعثة من وجنتيها عندما أفلت ضحكة رجولية
-هو سمعني وعرفني صح، كنت بسمع ماما بتقول كدا لروبي وغنى. البيبي بيحس
رفعت أكتافها دون معرفة ضاحكة فتحدثت: -معرفش بسمع كدا. نصب عوده وتوقف يمد كفيه.
-تعالي نشوف الدكتور ونطمن عليه
بالداخل جلست فوق الفراش تحتضن كفيه
-كدا ياجسور عايزة اضربك، لكزتها ربى
بس ياغنون جسور دا يتحب مش ينضرب. رسم ابتسامة واغمض عيناه
وتحدث بصوت ضعيف
-أنا كويس ياغنى، انحنت تقبل جبينه واردفت بمحبة اخوية: -دايما كويس ياقلب غنى، جذبها بيجاد من خصرها
-اطمنتي ياستي، ياله بقى علشان يرتاح وإنت كمان حبيبتي ومتنسيش ولادك اللي في البيت
شعرت بالحزن فترجته بعينها.
-خلينا شوية كمان. قطع حديثهما جواد وهو يشير لأبنته
-امشي حبيبتي مع جوزك، متنسيش إنك حامل وبقالك يومين وانت سهرانة، روحي علشان تشوفي ولادك، ثم اتجه ببصره لغزل
-خدي ماما كمان معاكي. توقفت غزل واتجهت لابنها
-حبيبي حاسس بإيه
-أنا كويس ياماما، عايز انام. مسدت على خصلاته
-نام ياحبيبي، هروح اغير هدومي واعمل كام حاجة وارجعلك الصبح
قبض على كف والدته وهمس لها.
-عايز جنى. طبعت قبلة واعتدلت ترمق صهيب بنظرات خرساء ثم تحركت قائلة: -جواد انا همشي جاسر في رعاية ربنا ثم في رعايتك. كانت نظراته عليها فقام بالمناداة على ابنته: -ربى. استدارت اليه، فأشار إليها
-روحي مع ماما شكلها تعبانة
اتجهت بنظرها إلى أخيها
-طب وجاسر يابابا. ربت على كتفها
-روحي وأنا وأوس هنا حبيبتي، متشغليش بالك خلي بالك من ماما
-حاضر يابابا. تحركت تجذب اشيائها واتجهت لزوجها.
-ياله ياعز. نهض من مكانه يشير لوالده
-هوصل ربى يابابا، أوقفه جواد
-وصل باباك ياعز، طالعه صهيب بحزنًا ثم تحدث: -عايزني اسيبك لوحدك، اقترب جواد وعيناه على جاسر المستغرق بنومه
-روح ارتاح، والصبح تعالى، قعدتك مالهاش لازمة، الكل مشي حتى حازم ومليكة هتقعد ليه، قوم مع ابنك الولاد معايا هنا، ثم رفع نظره لعز.
-خليك مع باباك ياعز، وصل ربى حي الألفي علشان اكون مطمن على غزل وضعها مش مريحني، وبلاش ترجع حبيبي، أوس وياسين هنا، وجاسر بقى كويس الحمد لله هو بس دا من أثر المخدر والصبح يكون أفضل
بعد عدة ساعات بحي الألفي، تجلس على سجادتها تمسك مسبحتها والدموع تنهمر من عيناها مع ذكريات الألم المليئة بداخل صدرها، تمددت مكانها تكتم صوت شهقاتها تدعو الله عز وجل.
ولادي في معيتك يا رحمن يا رحيم احفظهم بحفظك الامين، ربي لقد انفطر قلبي على فراق الأحبة فلا تجعل فراق أحدًا من اولادي مثقلة على قلبي
أغمضت عيناها بألم قلبها الذي بدأ ينخر بصدرها، فاعتدلت وبسطت كفيها تجذب ادويتها دلفت ابنتيها بعد السماح إليهما.
-ماما حضرتك لسة صاحية، أزالت عبراتها واومأت برأسها تفتح ذراعيها إليهما. جلست الفتاتان تحتضن والدتهما أغمضت عيناها تضمهما بقوة تغمض عيناها كأنها تستمد منهما راحة لقلبها ثم تحدثت: -تعرفوا انكوا دوائي، وقت ماأكون تعبانة مجرد حضن منكم بنسى كل التعب، خرجت غنى تحتضن وجه والدتها: -ماما حبيبتي احنا كويسين، بلاش توجعي قلبك حاولي ترتاحي.
هزت راسها. فازالت غنى دموعها: -ماما بابا قلقان عليكي كل عشر دقايق بيتصل، علشان خاطري كلميه مش هيرتاح غير لما تكلميه
اتجهت ببصرها لربى التي وضعت رأسها على ركبتيها وانسابت عبراتها بقوة. اقتربت بجسدها ترفع ذقنها
-بطلي عياط حبيبتي متنسيش إنك بترضعي، ياله قوموا ارتاحوا، وصلوا القيام قبل ماتناموا، متنسوش أن قيام الليل متعة ربانية للي ربنا بيحبهم.
مفكرين حبكم في الصلاة دا منكم، دا اللي ربنا بيحبه بيقرب عبده بالعبادات واجملها قيام الليل وزي ما النبي عليه الصلاة والسلام كان كثيرًا ما يتهجد بالليل، ويقول: أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نِيام؛ تدخلوا الجنة بسلامٍ، عارفة مشاغلكم كتيرة وبيكون عندكم فتور، بس دا اعتبره أمر رباني زي الصلاة كدا
مسحت على رأس ربى.
-ياله يادكتورة، ومتنسيش بعد شهرين عندنا ماجستير ايه عايزاهم يقولوا بنت الدكتورة غزل ضعيفة المستوى
نهضت غنى تجذب رُبى، ياله ياروبي قومي علشان مامي ترتاح ونصلي مع بعض، ثم اتجهت إلى والدتها: -كلمي بابا ياماما. هزت رأسها دون حديث، فخرجت الفتيات وقلبهما ينزف دون دمًا على حالة والدتهما الشاحبة، توقفت ربى على باب غرفتها
-مامي ممكن ابات عندك الليلة.
هزت غزل رأسها بالرفض قائلة: -لا حبيبتي أنا كويسة، روحي باتي مع جوزك، وكمان عايزة تاخدي مكان بابي ياروبي
ابتسمت من بين دموعها قائلة: -قلقانة على حضرتك ياماما، نهضت غزل واتجهت لفراشها
-لا يابنتي انا كويسة، وهكلم بابا وانام ياله على اوضكم. قالتها وهي تتمدد جالسة على الفراش. أمسكت هاتفها وقامت بمهاتفة جنى.
عند جنى
جالسة على فراشها تقلب ألبومًا من صورهما منذ الطفولة إلى بعد حملها، توقفت على إحدى الصور وهو يقبل وجنتيها وابتسامتهما تنير وجههما، لمست وجهه تتحرك بأناملها عليه بلهفة عاشق تريد أن تراه ليروي روحها الذابلة، ظلت تتجول بالألبوم صورة أخرى وهو يضع كفيه على أحشائها، وغيرها وغيرها. إلى أن استمعت لصوت هاتفها، رفعته بقلبًا متلهف واجابتها سريعًا
-أيوة ياطنط غزل.!
-جنى ليه تركتي جاسر من قبل مايشوفك، دا حبك ياجنى، عارفة انك زعلانة منه وحقك مليون المية، بس متنسيش أن دا ابن عمك قبل مايكون طليقك يابنتي.
-آآه ملتاعة خرجت من جوف حصرتها على فراقه ثم أجابتها بصوت متحشرج بالبكاء: -كدا احسن ياطنط، المهم هو يكون كويس. قطعت حديثها وهدرت قائلة: -ومن امتى يابنتي الحبيب بيكون كويس وهو بعيد عن حبيبه، عارفة أن ابني خذلكي بس هو غصب عنه ياجنى، متنسيش أن باباكي حطكم في خانة اليك، متحمليش جاسر ألم فوق ألمه يابنتي، اتمنى حبيبتي بكرة تروحي تزوريه مش هطلب منك حاجة تانية، انسي كل حاجة وروحي زوري ابن عمك ياجنى.
-حاضر ياطنط.
-وعد ياجنى!
أجابتها بهدوء رغم اشتياقها الكامن له
-هحاول ياطنط، مقدرش اوعدك، فيه حاجة لازم حضرتك تعرفيها
-جاسر خيرني بين حياته وبين البعد، فأنا اخترت البعد بلاش تضغطي عليا لو سمحتي
اعتدلت غزل وتنبهت لحديثها متسائلة: -يعني ايه ياجنى؟
-السؤال دا تسأليه لجاسر لما يفوق ياطنط
بعد عدة أسابيع
صباح جديد لاح بالأفق لتستيقظ على صوت هاتفها
-أيوة ياهناء
أجابتها العاملة التي تعمل بالجاليري.
-مدام جنى حضرتك لازم تيجي النهاردة، معظم الكاستمرز بيسألو عليكي. فركت جبينها ثم جمعت خصلاتها ونهضت من فوق الفراش تزيل ستائر غرفتها فيبدو الجو اليوم شديد الحرارة، فنظرت للخارج وأجابتها
-هناء انا حاليا مش هعرف اجي المعرض، لو مش عارفين تشغلوه اقفليه وخدو إجازة إنما انزل لا، وماليش مزاج اشوف حد ولا اتكلم. ياله سلام.
القت الهاتف واتجهت للحمام، خرجت بعد دقائق ترتدي إسدال صلاتها لتؤدي صلاة الضحى، فلقد أوشكت الساعة على العاشرة. جلست بعض الوقت على السجادة تسبح ربها ثم قامت بالدعاء لزوجها لتنهض تنزع اسدالها، وتتجه نحو هاتفها
-عز! جاسر عامل ايه النهاردة
جالسًا بإحدى الاجتماعات ولكنه اضطر للرد خوفًا لإصابتها بمكروه، ثم توقف وأجابها: -كويس حبيبتي و النهاردة تحرك شوية، كان عايز يخرج لكن عمو وطنط غزل رفضوا تمامًا.
-إنتِ اخبارك ايه، اعملي حسابك ياجنى مستحيل اخليكي تقضي رمضان لوحدك، لو مش عايزة تيجي عندي تروحي لبابا، مع اني متأكد أن عمو جواد مستحيل يسيب بابا يبعد في رمضان
-إن شاءالله ياعز، هسيبك تشوف شغلك، وانا هنزل اعمل رياضة المشي صحيت متأخرة. لسة أسبوعين على رمضان
-تمام خلي بالك من نفسك
مرت أكثر من نصف ساعة ثم استمعت إلى باب منزلها، اتجهت للخارج مع خروج العاملة فأشارت لها.
-روحي انتي اكيد دي عاليا. فتحت الباب ولكنها توقفت
-بابا! دلف للداخل قائلاً
-معايا ضيف، ادخلي إلبسي حاجة
-ضيف!
دلف يطالعها بإشتياق عاشق حد النخاع، ودّ لو سحقها بأحضانه ليشبع روحه. هتف صهيب بعد دخوله
-جنى ادخلي غيري هدومك، ولكنها توقفت تهمس بقلبها قبل لسانها.
- جاسر! دنى من وقوفها المذهول، يضع كفيه على صدره متألمًا وتحدث دون النظر لعمه: -ايه تلبس حاجة دي، شايفها خالعة، جذبها من ذراعها ود لو عصرها شوقًا ولهفة، ولكنه لايريد أن يدخل جدال مع عمه، جذبها وهي مازالت تطالع وجوده بصدمة
-عاملة ايه؟ جنى صاح بها صهيب ولكن سحبها جاسر من كفيها وتحرك للأريكة محدثًا عمه
-ايه ياعمو حد قالك مابنسمعش، ومش حضرتك وصلتني شكرًا قوي لحد كدا. معندناش بن.
افلتت ضحكة خافتة وهي تطالعه وتكورت عبراتها بعينيها فجذب رأسها لصدره موالي عمه ظهره
-متضحكيش قدامه دا ضد السعادة
هنا تجاوز القلب حدود العقل فطوقت خصره لتنعم بسحر وجوده، وتتأكد أنه أمامه ليس حلمًا من أحلامها التي تروادها ليلا ونهارًا. همست اسمه فاخترق قلبه، ليشعر پأنين عشقها المضني بأحضانه، رفع ذقنها يهيم بعيناها عشقًا متناسيًا كل شيئا، فانحنى يضع جبينه فوق خاصتها
-ينفع تخليني اشتاق بجنون كدا.
جز صهيب على أسنانه: -قليل أدب يابن جواد. اقترب منه
-سيب البت يالا اتجننت. تحرك محاولا الضغط على آلام صدره الذي بدأ يشعر بها وارتفعت ضحكاته وهو يبعدها عن مرمى ذراعيه
-ايه رأيك في المسرحية اللي عملتها، علشان تجبها.
-أيوة ياتحفة، وانا الاهبل اللي صدقت مش حضرتك جبتني خلاص بقى انسى.
أشار بسبباته قائلاً: -هضربك ياجاسر والله هضربك. سحب كفيها وتحرك متجهًا بعيدًا عنه.
-تعالي بعيد الراجل دا عايز اقولك كلمة في شفايفك. ولو عرف هيموتني. استمع لحديثه فهب فزعًا متجهًا إليه: -اه ياقليل الادب يامنفلت. انت حيوان انت ناسي أنكم مطلقين
هنا فاقت وكأنها رجعت لأرض الواقع، فابتعدت عنه واتجهت تعدل من وضعية الأريكة
-ارتاح، هعمل لك عصير فريش. امسك كفيها وتحدث: -مش عايز اشرب حاجة، جاي اشوف بنت عمي اللي ماحاولتش تطمن عليا.
رفعت عيناها لوالدها ثم اتجهت تسحب كفيها مبتعدة: -كنت مشغولة، انت عارف المعرض الجديد واخد كل تفكيري، وبعدين كنت بسأل عز وبابا دايما عليك. دنى منها عله يملأ صدره بأكسجين أنفاسها.
-مكنتش فارق معاكي حتى عشر دقائق تيجي تشوفيني يابنت عمي، ولا فعلا زي ماقولتي مابقتش افرق في موتي أو حياتي. ازدرد ريقها الذي جف عندما لافحت أنفاسه وجهها، حتى شعرت بضعفها فرفعت عيناها لتغوص برماديته قائلة: -قولتلك كنت بطمن عليك من عز وبابا يابن عمي. اخيرا اقترب صهيب بعدما استمع لحوارهما، ربت على كتف جاسر.
-ارتاح حبيبي، لو جرحك نزف تاني ابوك هيقاطعني للأبد. ذهبت ببصرها لذاك الجرح الذي ظهر أثره من تحت كنزته، تمنت لو تلمسته بأناملها، التفت لوالدها
-بابا قعده هعمله عصير، تحرك للباب بعدما فقد الأمل بالحديث معها
-لا شكرا يابنت عمي، انا هروح.
اتجهت إليه سريعًا: -لا طبعا. قالتها سريعًا وهي تتجه إليه وقامت بمساعدته بالتسطح على الأريكة وهمست له: -قولت هعمل عصير تشربه وخلصنا. رسمها برماديته الزابلة ثم أغمض عيناه، لتغفو جفونه على اخر رؤيته لها ليذهب بنومه سريعًا مطمئنا وقلبه هادئًا بنبضه بعدما اشبع عيناه بالنظر إليها
جنى. قالها صهيب وهو يسحب كفيها مبتعدا عن وجود جاسر بعدما وجد نظراتها الهائمة إليه. جلس وأجلسها بجواره.
-مش معنى جبت جاسر النهاردة تفكري انكم هترجعوا لبعض
توقفت وتحدثت: -هروح اعمل عصير يابابا حضرتك شايف نزف كتير، وشايف بقى ازاي، وهغير هدومي حاضر قالتها وتحركت من أمامه ولكنها توقف عندما استمعت: -مش أنا اللي بعدتكم ياجنى
-واي إن كان يابابا، الغلط عنده اكبر مش عندكم، وارتاح انا وجاسر حكايتنا انتهت هو دلوقتي ابن عمي بس.
-جنى زعلان منك يابنتي من كلامك ليا ولعمك في المستشفى، نهضت من مكانها تفرك كفيها وتبتعد عنه بأنظارها قائلة: -آسفة يابابا وقتها كنت مضايقة وخايفة عليه، اتجهت بنظرها إليه واردفت بنبرة حزينة: -كان صعبان عليا نفسي قوي، زي مايكون السعادة مش مكتوبة لي. ارجوك متزعلش مني وأنا عارفة عمو جواد مقدر ظروفي وقتها ومش زعلان.
توقف صهيب مقتربًا منها وتسائل مذهولا: -يعني قصدك أن جواد عاذرك وانا لا. ترقرقت عيناها بالدموع متجهة بأنظارها لذاك الغافي على الأريكة واجابته: -للاسف يابابا موضوعي مع جاسر حضرتك أكتر واحد اذتني فيه، منكرش اتوجعت منه لكن الوجع والحزن منك أكبر.
تحركت للداخل بعدما خانتها عبراتها أمام والدها، توقف صهيب لدقائق يطالع تحركها بقلب منفطر.
-لدرجة دي شايفة ابوكي ظلمك ياجنى، اتجه إلى جاسر الغافي ملس على رأسه وتحدث: -جاسر حبيبي انا همشي وهكلم ياسين أو عز يجولك
فتح عيناه بإرهاقًا واردف مابين النوم اليقظة.
-تمام ياعمو، انا عايز أنام شوية. قبل جبينه وتحرك للخارج توقف لدى الباب ونظراته على ذاك الغافي متألمًا، توقف للحظات يحاكي نفسه: -ياترى أنا عملت الصح، ليه محدش حاسس بوجعي، انا خفت عليهم هم الاتنين ينضروا بقربهم من بعض، أغمض عيناه عندما شعر بثقل تنفسه ثم فتحها وهتف بصوت جعله متزنًا
-جنى أنا ماشي، خلي بالك من ابن عمك لما ياسين يجي ياخده
خرجت بعد سماع حديث والدها.
-بابا حضرتك ماشي ليه، مش قولت هتتغدى معايا، اقتربت منه وتعلقت بعيناه
-أنا آسفة لو زعلتك. احتضن وجهها بين راحتيه يلثم جبينها.
-إنت روحي يابنتي ومستحيل ازعل منك، فِكر الاب غير فكر الحبيب ياجنى، لما تبقي ام هتعرفي أن اغلى حاجة هي الولد، وانتي وأخواتك اغلى من روحي، إياكي تفكري أن بحاول اوجع حد فيكم انا بحميكم، لو ينفع احكي لك كنت قولت اللي واجعني ومخوفني عليكي، بس دايما تذكري انا اول واحد كنت بدعي من ربنا إنه يكون من نصيبك، بس كلها اقدار يابنت صهيب
أشار على جاسر.
-خلي بالك منه، اكيد مش مستنية مني اطلب منك دا، هو نايم ومش هيصحى علشان لسة تحت مخدر الأدوية اللي بياخدها، فدا مطمني يابنت صهيب مش لحاجة ولسة عند رأيي يعني متفكريش مهما تقولي وتعملي هسمحلك أو اسمح له انكم تقربوا من بعض، أنا لازم امشي دلوقتي، عندي ميعاد مهم وشوية ياسين أو عز واحد منهم هيجي ياخده، لو صحي متخلهوش يمشي لوحده. اومأت برأسها دون حديث.
خرج صهيب فتوقفت مستندة على الباب لبعض الدقائق، ثم تحركت للداخل حتى وصلت حيث نومه، جلست أمامه تراقب نومه مررت أناملها على وجهه ترسمه كالوحة من لوحاتها، وضعت رأسها على ذراعه وظلت جالسة على الأرض كما هي
شعر بها ابتسمت من همسه الضعيف
رفعت كفه وقبلت باطنه تضعه تحت خدها. هل حقًا.
لا يهدأ قلب العاشق إلا بجوار معشوقه بعد فترة وهي مازالت على وضعها، تراقب نومه فتح عيناه مبتسمًا على وجودها بجانبه، حاول الأعتدال ولكنه لم يقو، اعتدلت سريعًا تساعده
رفع رأسه مغمض العينين عندما انسابت خصلاتها على وجهه، وذراعيها الذي يحتوي خصره تجلسه وهو يستند على جسدها بالكامل
آآه أخرجه حتى يبعد اشتياقه الكامن بصدره الذي بدأ يخرج عن سيطرته، كم اشتاق لضمها وتذوق شهدها.
جلست بجواره بعدما اعتدل بجلوسه وتسائلت: -حاسس بايه دلوقتي، وازاي تخرج وانت لسة تعبان، مش هتسيبك من تهورك دا
سحب كفيها الذي توضعه على ساقيها وتحدث بنبرة شجية بإشتياقه لها
-جنى قربي، وحشتيني، اعمل ايه اكتر من كدا علشان ترتاحي وتحسي بوجع قلبي، أشار على صدره وتابع بحزن
-عايزة ايه اكتر من إصابة قلبي لما ابتعدنا، مش خايفة بعد كدا ميكونش إصابة بس. وضعت كفيها على فمه.
-اسكت ياجاسر، بلاش تتكلم لو سمحت رفع كفيه على خصلاتها يضعها خلف أذنها وحرك شفتيه باسمهامتعلقًا بعينها: -مش بعيد المرة الجاية يكون خبر موتي ياجنجون. دنت منه وانسابت عبراتها تضع كفيها بالكامل على فمه وتحدثت بنبرتها الحزينة التي أرسلت ذبذبات بجسده عندما همست له.
-كتير عليا اللي بتعمله يابن عمي، والله كتير قلبي مبقاش فيه حتة سليمة، عايز تموتني ياجاسر، بتر حديثها وهو يجذبها إليه ورغم ماشعر به من آلام صدره إلا أنه احتضن ثغرها ليتذوق خمر عشقها ليجعل جسده بالكامل مخدر من سحر تلك الجنة التي حرم منها منذ فترة، دقائق وليست لحظات وهو يشدو كالبلبل غير مبالي لألمه وانسحاب روحها ورغم ماشعرت به باختناق أنفاسها إلا أنها شعرت وكأنها بنعيم اختلس منها رغمًا ليعود إليها حتى تتمسك به عنوة تسرقه من قلب الحياة. اخيرا بعدما فقد الأثنين أنفسهما تراجع برأسه يضعها على الوسادة مغمض العينين كأنه مدمن حصل على جرعته لتنعش روحه. وضعت كفيها على صدرها تحاول تنظيم تنفسها تطالعه تود أن تسبه ليس لما فعله بها ولكن لقطع جنة نعيمها بقربه. ودت لو نهضت من مكانها وتمددت جواره تضع رأسها على ذراعه تحتضن خصره ولا تبتعد عنه سوى بزهق روحه، فتح عيناه وكأنه شعر بما يدور بدواخلها فجذبها إليه.
-نامي جنبي شوية ياجنى، محتاجك. حدجته بنظرات خرساء لفترة ثم هتفت: -وبعد كدا ياجاسر. أحس برخصي مش كدا، بعد مانقضي وقت حلو وترجع تسبني وتمشي وكأني بنت من الشارع
-نهض بعنف صارخًا بوجهها
-اخرصي ياجنى، اخرصي مش عايز اسمع صوتك، قومي من جنبي. اعتدل ناهضًا ضاغطًا على الامه.
-أنا اللي غلطان اني جيتلك اصلا، تحرك مستندًا على المقاعد حتى وصل لباب منزلها. هرولت خلفه: -جاسر متمشيش، استنى. فتح الباب واغلقه بعنف خلفه يضغط على جرحه وتحرك ببطئ متأوهًا، رآه أحد الحرس عندما اختل توازنه فأسرع إليه
-جاسر باشا! أشار إليه على سيارة جنى
-هاتلي العربية دي بسرعة
هرول إلى السيارة وأحضرها إليه، بهبوطها درجات السلم بعدما تناولت اسدالها
-جاسر! تحركت سريعًا لوقوفه.
-إنت بتعمل ايه، لم يكترث لحديثها واتجه للسيارة يستقلها أمام المقود
ارتفعت دقاتها بعنف خوفًا على حالته، فهرولت إليه تفتح باب السيارة.
-جاسر انزل لو سمحت مينفعش تسوق كدا، جاسر لو سمحت بلاش توجع قلبي. قام بتشغيل المحرك رغم ماقالته بدخول سيارة ياسين من البوابة الرئيسية. توقف يطالعه لفترة ثم اغلق السيارة وتحدث بنبرة متألمة من شدة ما يشعر به قائلًا: -بيتي عارفة عنوانه، ولسة عند رأيي وقت ماتحسي إنك عايزاني هتلاقيني فيه، رفع وجهه وتعمق ببنيتها.
-هتلاقي جوزك يامدام اللي بيحاول يخفيكي عن عيون الدنيا كلها، جوزك اللي مستعد يدفع حياته ولا أن فيه حد يتأذي مش واحد تقضي معاه وقت لطيف، لكام مرة هتخليني حقير شهواني يابنت عمي. قطع حديثهم وصول ياسين يوزع نظراته بينهما. حمحم مردفًا
-واقفين كدا ليه، وكنت عايز تسوق العربية ولا إيه!
تحرك جاسر اتجاه سيارة أخيه بخطوات متمهلة. هرول إليه ياسين يهز رأسه غاضبًا من أفعالهما
بعد عدة أيام مساءً بحي الألفي.
جلس الجميع بحديقة منزل جواد يفترشون الأرض يمزحون مع بعضهما البعض، ، توقف بيجاد يساعد زوجته
تعالي نقعد هناك. وصل بأحد الأركان تمدد بيجاد على ساق غنى
-غنون انا هرجع اسكندرية الصبح وهرجعلك تاني يوم رمضان علشان نفطر اسبوع مع ريان المنشاوي.
مسحت على رأسه وإحالته: -إن شاءالله حبيبي، ليه جاي تسأل دلوقتي، توقفت تسأله: -يعني اول يوم مش هتفطره معانا. هز رأسه بالنفي وأردف: -لا حبيبي، مش عايز بابا يزعل كفاية انك كل سنة بتفطري اول يوم هنا
تنهدت بحزن واردفت: -مبعرفش ابعد اليوم دا عن اهلي يابيجاد، عارفة عمو ريان بيزعل بس انا اتحرمت كتير منهم
نهض جالسًا يستند على تلك الشجرة خلفه: -غنى عايز اتكلم معاكي في حاجة مهمة، انصتت إليه بإهتمام.
-باباكي عايز يعمل حفلة بعد يومين، يعني قبل رمضان بيومين بحجة أنه محتفلش بقصي اي رأيه
ضيقت عيناها متسائلة: -الحفلة دي وراها ايه يابيجاد، يعني بابا عايز يعمل حفلة بعد ماقصي كمل خمس شهور معقولة، جذبها إليها حتى أصبحت بأحضانه
-غنون قلبي اكيد باباكي يقصد ايه معرفش، بس عايز يعمل حفلة كبيرة ويعزم الكل عليها من جهة عودة جاسر بالسلامة ومن جهة يفرح بحفيده، طبعا أنتِ عارفة المشاكل اللي كانت بتحاوطهم.
استمع لصوت جواد حازم
-عاملين ايه؟
أشار له بيجاد بالجلوس
-إنت عامل ايه، واخبار المجرمين ايه مسكت كام حرامي
قهقه جواد وهو يجلس بجوارهما، ثم جذب طبقًا يوضع به بعض الفواكه: -فراولة يابيجاد، يابني ارحم نفسك، كلها املاح
ضربه بيجاد على كفه: -ابعد علشان صحتك يابابا كلها املاح اخرك بلحة من فوق النخلة.
قهقهت غنى عليهما عندما جذب الطبق وتوقف به قائلاً: -والله ماهكل غير الفراولة والتفاح دا. الله الله دا كمان كريز، ايه يابني واخد كل الفاكهة اللي بحبها
توقف بيجاد يشير إليه: -خطوة كمان هخليك تزحف على الأرض. وصل عز وأوس عندما استمعوا لضحكات غنى وهي تصيح بصوتًا ضاحك.
-خلاص بقى يابيجاد، سيبه، تزاحم الشباب على بيجاد وضحكاتهم تصخب بالمكان. هرول خلف جواد وأوقعه ارضًا ملقيًا مابيديه وظل يتقتلان وهما يمزحان. صعدت ربى لغرفة جاسر، واطرقت على غرفته. ثم فتحت ودلفت إليه بهدوء
-جاسر! فتح عيناه يتململ بنومه
-فيه حاجة حبيبتي!
-قوم بابا عايزك تحت، مسح على وجهه معتدلا ينظر بساعته
-شوية هنزل، اخد شاور واصلي العشا.
تمام حبيبي متنمش تاني. أغلقت الباب مستندة عليه بحزن فمنذ تلك الحادثة ومعظم وقته بالنوم. تحركت للأسفل وامسكت هاتفها
-عاملة ايه ياجنى. خرجت من المطبخ وهي تحمل كاسة من الأيس كريم واجابتها: -باكل ايس كريم تعالي ادوقك، عملته الصبح قبل مااخرج على الشغل ورجعت اكلت نصه. جلست ربى أمام المسبح وهتفت
-جنى مش ناوية ترجعي حي الألفي تاني
-لا. قالتها سريعًا ثم تابعت.
-ربى انا كدا مرتاحة، وقبل ماتلومني لومي اخوكي، انا مش هفضل أتنازل وفي المقابل قلبي بيوجعني. ابتلعت ريقها تحتضن احشائها
-فيه سفر لانقرة قريب وممكن اغيب شهرين هناك، عايزة منك تمهدي الموضوع لعمي.
-طب وجاسر مش الاولى يعرف
تنهدت بعمق في محاولة السيطرة على دقات قلبها العنيف من مجرد اسمه
-هقوله قبل السفر، المهم عرفي عمي، انا مش عايزة مواجهات مع حد تاني ياروبي.
أسبلت ربى جفنيها متراجعة بجسدها تستند على المقعد عندما شعرت بإرتفاع ضغط دمها من أفعال ابنة عمها فأردفت
-واخرك ايه ياجنى.
وضعت جنى كوب الأيس كريم على الطاولة مردفة: -إنتِ كان اخرك ايه لما عز خير بينك وبيني، نسيتي، اهو اخوكي خيرني، علشان نفضل صحاب لو سمحتي ماتدخليش في حياتي انا وجاسر، زي ماانا مدخلتش بينك وبين عز ومتخافيش عز أتربى في بعدك ومستحيل يتخلى عنك، أما جاسر عايزة اربيه بس بطريقتي، مش هفضل جنى الهبلة اللي كل مايشاورلها تجري عليه
اوف ياجنى اوف عليكم انتوا الاتنين
أغلقت وهي تضرب فوق المقعد.
-دي غبية، بس معذورة برضو، والله ياجاسر عايز تنضرب انت كمان
بدأت تأكل بأظافرها تفكر بشيئًا حتى تفجر نيران الحب بينهما. خطرت على ذهنها فكرة، استمعت إلى صوت فارس وهو يحمل أيهم
-بدور عليكي. ابنك بيعيط والدادة خرجت مشوار عز بيقول
أخذته وأشارت له بالجلوس
-بقولك يافارس انت بتزور جنى مش كدا!
قطب جبينه وتسائل: -ايه السؤال الغبي دا يامرات اخويا، طبعا يعتبر يوميا.
-حلو قوي اسمعني بقى علشان اختك المجنونة واخويا الاهبل دول لازم نظبطهم. استمعت لصوت خلفها وهو يلوك الطعام بفمه
-وأنا كمان عايز اسمع، قالها عز وهو يدفعها ويجلس بجوارها
لكزته بكتفه قاىلة بعيونًا نارية
-تسمع ايه، وبعدين مين الست هانم اللي كانت هنا و كل شوية شكرا ياباشمهندس تعبناك معانا، مين دي ياحضرة المهندس النابغة
حاوط أكتافها يطعمها من الفواكه.
-كلي ياروحي وبطلي تفكري، خليكي في ابنك. نهضت بغضب تضع ايهم على ساقيه
-خد ابنك وبما انك سمحت لمربيته بالخروج يبقى تولى امره، انا عندي مذاكرة. قالتها وتحركت.
بمكانًا اخر بالحديقة
تجلس على الطاولة وتقوم بتحديد بعض الرسومات على تلك الأوراق التي أمامها. استمعت لأحدهم
-بتعملي ايه يابت ياهنون، تاكلي كريز مسروق، رفعت عيناها البندقية: -اوعى تقولها ياحضرة الظابط، وياترى سارقه من مين. جذب المقعد وجلس عليه يشير لتلك التي تجلس بجوار راكان متسائلا
-مين الأستاذة الحلوة اللي كانت بتتكلم مع عز من شوية، اللي جنب راكان البنداري.
استدارت تطالعها، ثم اتجهت إليه تدفعه بقدمها
-وليه ياحلو بتسأل، ليكون عجباك، انحنى بجسده يرمقها بتغزل
-أنا حلو، اومال القمر اللي قدامي دا ايه. أمسكت مسطرة رسمها وضربته فوق رأسه
-اتلم يابن عمتي، بتسأل عليها ليه
رفع حاجبه ساخرًا ثم وضع حبة الكريز بفمه يرمقها
-إنتِ مضايقة ليه؟
توقفت تجمع رسوماتها الهندسية قائلة: -دمك خفيف يابن عمتي، دي بنت عم سيادة المستشار، وكانت جاية لشغل مع أوس عز.
جذب يديها وتوقف، ثم سحب نفسًا يزفره: -هنا! انا مش صغير، وفاهم معنى كلامك ونظراتك، مش عايز اوجعك وازعلك مني يابنت عمتي، أنتِ رقيقة اوي وصغيرة وجميلة، ولسة حياتك طويلة، احنا بينا عشر سنين، ومستحيل اوجعك معايا، بعد اللي حصل مع جنى
اقتربت بخطواتها منه ودققت النظر بعينها
-جواد إنت لسة بتحب جنى
ابتعد ببصره بعيدًا عنها وتذكر حديث جواد ثم اتجه بنظره إليها.
-مش موضوع لسة بحبها، موضوع بلملم قلبي اللي ضيعته، انا مش هخبي عليكي وأقولك انا كويس، انا دلوقتي عايز اكون أسرة، بس مش ناوي مع حد من العيلة. رفع ذقنها ونظر لداخل عيناها: -هنا بلاش اوجعك، لأن اتضح لي ماليش نصيب في حد من العيلة ياكتكوتة. لمس خديها بأنامله وغمز بعينيه
-خلينا صحاب ايه رأيك، تعرفيني على البت الحلوة اللي هناك دي
ابتسمت تضربه بمسطرتها.
-قليل الادب، هروح اقولها فيه واحد بيعاكسك. قهقه عليها بعدما تحركت من أمامه واردف
-أنا مستني هنا ياهنون يمكن تجبيها وتيجي. قالها ثم جلس على المقعد، شعر بمن يضع كفيه على كتفه
-دورت عليك كتير، مش قاعد معاهم ليه.
-صح النوم، ايه مرحتش لوالدك ليه، راكان البنداري هنا، جذب سجائره وبدأ يشعلها يهز رأسه بالرفض
-سيبك من راكان، دا فتان ومش هعرفه حاجة، عملت ايه في اللي طلبته.
-جاسر الموضوع خطير، غير لو خالو عرف هيولع فيا، اقترب وطالعه
-عمك صهيب عرف، ومش هيسكت
نفث سيجاره ورمقه قائلًا
-عمك صهيب مالوش دعوة، طول ماانا بعيد عن بنته مش هيقرب مني
هز جواد رأسه رافضًا حديثه: -تبقى غبي، وحياة ربنا عمك صهيب هيقول لابوك.
ظل ينفث سيجاره وكأن حديث جواد لم يعريه، فنهض من مكانه: -اعمل بس اللي بقولك عليه، توقف وغرز عيناه به: -هزعل منك لو بابا عرف، أنا لازم اوصل للتميمي بأي طريقة. نهض جواد وتوقف أمامه
-وأنا مش هقدر اعمل كدا، صعب اللي بتطلبه
مط شفتيه للأمام ثم رمقه ساخر وتحرك قائلًا: -طيب مالكش دعوة ولا تقرب مني تاني.
مسح جواد على وجهه بغضب
-الواد دا اعمل فيه ايه، صمت للحظة، ثم امسك هاتفه
-عرفت مين هيوقفك عن جنانك ياجاسر.
لحظات رنين لهاتفها فرفعته مجيبة: -أيوة ياجواد
-جنى لازم اشوفك فيه موضوع ضروري لازم نتكلم فيه. تحركت بقوتها متجهة لغرفة الرسم
-جواد أنا مشغولة ومش فاضية، ومسافرة بعد فترة
أجابها مقاطعًا: -حتى لو الموضوع متعلق بحياة جاسر
بعد اسبوعين، وهو اليوم المقرر لاولى أيام الشهر الفضيل. الجميع بحي الألفي يجهزون الأطعمة والحلويات التي يتميز بها تلك الشهر.
عصرًا بغرفة ياسين.
كانت تشعر بالدوار، وألمًا يغزو معدتها هرولت إلى الحمام لتقوم بإخراج مافي معدتها. استمع الى تأوهها، ظل للحظات ثم دفع باب الحمام واقترب منها، وجدها تنزل بركبتيها وتقوم بالتقيئ، اقترب منها وحاوط جسدها من الخلف يساعدها على النهوض عندما فقدت القدرة على الوقوف
تراجعت بجسدها عليه
-ياسين جسمي بيرتعش. ضمها لأحضانه وسحبها للخارج
-اهدي، قولتلك ماتصوميش، ربنا مرخص لك الفطار، وضعت رأسها على كتفها وتعلقت بجسده.
-مش قادرة امشي. حاوطها بقوة ذراعيه إلى أن وصل للفراش
-ارتاحي، احتضنت كفيه بعدما نهض
-خليك جنبي انا تعبانة.
جلس بجوارها على الفراش، وقام بتهدئة المكيف عندما وجد إرتداءثيابًا خفيفة.
وضعت رأسها بأحضانه فلف ذراعيه مبتسمًا عليها
-ياريتك تفضلي طفلة كدا على طول، بتبقي قمر رغم جنانك
أغمضت عيناها وتحدثت
-بتتريق عليا علشان عارف مش هقدر ارد عليك. قهقه عليها حتى تغيرت ملامح وجهه يلمس وجنتيها.
-لا والله مش تريقة، بس بجد بحسك طفلة قوي لما تبقي هادئة
اعتدلت وجلست بجواره بعدما شعرت بالتحسن
-ياسين عايزة اتكلم معاك في موضوع خالد. توقفت ابتسامته فنهض من مكانه
-عايز اقرأ شوية قرآن، بعد إذنك
أمسكت كفيه وترجته بنظراتها
-لازم نتكلم لو سمحت
ذهب ببصره ليديها المتشبسة به واردف: -اتحايلت عليكي كتير، ودلوقتي انا مش مستعد اسمع حاجة. وقت لما احب اسمعك، عن إذنك لازم اروح اصلي وأقرا وردي.
بعد فترة استمعوا لاجمل صوت بالاذهان وهو صوت قرآن المغرب ليستعد الجميع بالمساعدة بتلك الطاولة التي تجمع كل خيرات الله. وصلت جنى لسيارتها وجلست بها لبعض الدقائق تحتضن احشائها وعيناها على غرفته.
-احنا وصلنا حبيبي عند بابي اخيرًا، النهاردة لازم نقوله كل حاجة، يمكن لما يعرف بوجودك يبعد عن فكرته المجنونة. ملست على بطنها ولمعت عيناها بالسعادة: -الليلة بابي هينام معانا وغصب عنه، تعرف كل مدى مابعشقه اكتر، معرفش ناوي على ايه، بس خلاص مبقاش فيه هروب وجودك جه لأنقاذه. مجنون جاسري مفكر هيقدر بكدا يبعد ويحميني
ترجلت من السيارة وهي تهمس لنفسها: ياله ياجنى انزلي وخليكي واثقة من نفسك.
اتجهت لمنزل جواد. قابلتها رمقتها بنظرة معاتبة. اقتربت منها
-كل سنة وحضرتك طيبة، قالتها بوصول صهيب
-مقولتيش ليه انك وصلتي ياروح بابا
ابتسمت له
-لسة واصلة. اتجهت بأنظارها لتلك المائدة التي تنتظر وجود الجميع، لحظات واندفع المدفع. ليتجمع الجميع بعد صلاة المغرب، انتظرته كثيرًا ليظهر فارسها المغوار، فمنذ مشاجرته مع يعقوب بذاك اليوم فهي لم تراه. وجدت من يجذب كفيها متجهًا للطاولة الطعام يهمس لها.
-واقفة كدا ليه، شوية وهينزل كان نايم، لازم نقعد نشرب العصير يامامي
رمقته سريعا وتحدثت محذرة إياه: -عز اياك تقول حاجة لجاسر، سمعتني
وبعدين يابنت ابويا آخرة عمايلكم ايه
نزعت كفيها وتحركت
-محدش له دعوة ومحدش يدخل بيني وبين جوزي، مش دا جوزي.
قالتها وتحركت لتلمع عيناها عندما وجدت يتحرك بجوار غنى وهو يحاوط جسدها وبطنها المنتفخة. توقف للحظات يطالعها بإشتياق، سبح بنظراته عليها من أسفلها لأعلها حتى توقفت عيناه لتخترق عيناها. ورغم ذلك تحرك ولم يكترث لوجودها
انتهى الافطار الجماعي الذي أقره جواد غصبا، تعودًا لفضل الشهر الكريم. تحركت ربى وهي تحمل ابنها بعيدًا عن الجمع واتجهت تبحث عن فارس، وصلت للمكان المنشود، فأشارت بيديها إليه.
تحرك وهو يتلفت حوله قائلاً: -ممكن اعرف ناوية على ايه. أشارت له بالجلوس ثم نظرت حولها وتحدثت بهدوء: -لازم تسمعني كويس وتعمل اللي هقولك عليه. ، دا الوقت المناسب، ظل يستمع إليها إلى أن انتهت من حديثها
زوى مابين حاجبيه وتساءل: -وتفتكري إن جنى هتعمل حاجة، ولا بابا هيخليها تجي لي
سحبت عدة أنفاسًا متواصلة ثم رفعت كتفها ولا تعلم إجابة سؤاله.
-مش عارفة يافارس، بس الاتنين صعبانين عليا، مضحكش عليك انا عايزة ارجع ضحكة اخويا تاني، إنت شايف جاسر عامل إزاي
نهض من مكانه يضع كفوفه بجيب بنطاله وتحدث: -عندي خطة تانية، هجربها احتمال تنجح عن الصعب اللي بتقوليه، ومن مانزعل بابا.
علي بعد مسافة كان الجميع يجلسون بالحديقة يتناولون بعض الحلوى التي يشتهر بها هذا الشهر الفضيل. نهضت غنى بخطوات متمهلة إلى أن وصلت إلى جلوسه منفردًا حيث يجلس ينفث سيجاره بشراسة. وضعت كفيها على كتفه حتى جلست بجواره بهدوء
ساعدها حتى جلست ووضعت أمامه بعض الحلويات
-قاعد لوحدك ليه حبيبي، جبتلك خشاف دوقه
هز رأسه رافضا ثم نظر للأمامه: -شبعان ياغنى، نظر لأحشائها ثم ابتسم
-بقالك اد ايه ونشوف حبيب خالو التالت.
وضعت رأسها على كتفه حتى حاوطها بذراعه
-عاملة ايه مع بيجاد. كان واقفًا بالخلف يتناول المكسرات فهتف قائلا: -هتكون عاملة ايه يعني، بطلع قلوب حمرا مش زي ناس. استدار برأسه مبتسمًا
-ابو نسب مش مبطل أكل. هوى بجواره يلكزه بكتفه
-صحتي ياحبيبي، عايز صحتي لسة مفرحتش بشبابي. تسطح على العشب يضع كفيه تحت رأسه ينظر للسماء الصافية ثم اجابه.
-شاطر يابيجاد، حافظ على صحتك علشان محدش هينفعك، هو انت جيت ليه، مش قصدي معروف انك بتفطر أول يوم عند باباك
-بابا معزوم عند عمتو النهاردة اصريت أنهم يفطروا في بيت جدو، وانا قولت هفطر مع مراتي فيها حاجة اخدها وامشي
-اقعد ياخويا وبطل رغي، طولها زي عرضها
رفع رأسه لغنى قائلاً
-اخوكي زهد في الدنيا ياغنون، شكل جنى كرهته في الحياة.
اتجه إليه بنظرات معاتبة: -بيجاد عايز اقعد لوحدي ممكن تاخد غنى وتسبني لوحدي. اومأ له متفاهمًا، هزت غنى رأسها رافضة ثم اردفت: -عايزة اقعد معاك شوية بتطردني، أطبق على جفنيه ثم سحب نفسًا ومازالت نظراته على السماء
-سبيني شوية ياغنى لو سمحتي، ساعدها بيجاد وهو يطالعها يغمز لها بالصمت. توقفت وظلت تطالع أخيها لفترة من الوقت ثم تحركت بجوار زوجها دون حديث
وصل إليه عز محمحمًا.
-جاسر! فتح عيناه يطالعه بصمت، جلس بجواره يدقق النظر بملامحه ثم هتف
-هتفضل كدا. اعتدل جاسر ثم نهض يعدل من وضعية ملابسه، ثم اجابه
-أنا عملت اللي انتوا عايزينه ياعز، اتمنى تبعدوا عني، انا نقلت شغلي بعيد علشان عمو يرتاح، تحرك خطوة ولكن توقف عندما صاح عز
-فيه اللي يخليني اتكلم يابن عمي، لم يعير لحديثه أهمية وتحرك بعض الخطوات مرة أخرى ولكنه توقف عندما صاح غاضبًا.
-جنى حامل! قالها عز وتوقف متجهًا إليه، يتابع اثر كلماته عليه
أما هو الذي تسمر بمكانه، محاولا استيعاب ماسقط على مسامعه كنسمة ربيع بيوم قائظ الحرارة. إستدار سريعًا ينظر لجلوسها مع بنات العائلة وسلط رماديته عليها بقوة، وقعت عيناه على ضحكتها الصافية، أيعقل تغيرها بسبب حملها ام بسبب مااخبرته. هزة عنيفة سرت بسائر جسده وتمنى أن يزهق روحها بطريقته. خطى إليها، فأوقفه عز.
-جاسر لو سمحت مينفعش اللي ناوي تعمله، اسمعني الأول
دفعه وتحرك دون أن يعري لحديثه أهمية. وصل حيث جلوس الجميع ونظراته اخترقتها دون غيرها. توقف جواد بمقابلة صهيب الذي وصل إليهم اولا وتوقف أمامه
-عايز ايه ياجاسر. هنا صمت الجميع، بينما لم يزيح بصره عنها
ارتجف جسدها من نظراته، رفرفت اهدابها لعدة لحظات تبتعد من نظراته. اقترب خطوة اخرى، ولكن توقف صهيب يزيحه ونظر لجواد وصرخ به.
-إنت وعدتني ياجواد، قولت هنفطر كلنا مع بعض في جو عائلي، وعدتني إن إبنك مايقربش للبت. انزل ذراع عمه وهتف بنبرة شجية حزينة ومازال نظراته عليها
-متخفش ياعمو مش هعمل حاجة بس هقول حاجة لبنت عمي، مش هي لسة بنت عمي برضو ياعمو، ولا حتى صلة الدم قطعته بينا. رفع نظره لجواد الذي ترجاه بعيناه فتراجع للخلف حتى تحرك إليها ابتعدت الفتيات عن وجودها ل توقف أمامها وانحنى بجسده يحتضن وجهها واقترب منها.
-اولا كل رمضان وأنتِ كويسة، طبع قبلة مطولة على جبينها وجذبها لأحضانه يضمها بقوة يهمس لها
- مبروك ياجنى، كنت هكون أسعد واحد لو عرفت منك، بس للمرة المليون تكسري فرحتي بأغلى حاجة تراجع بعيدًا لبعض الخطوات ثم وزع نظراته على الجميع
-أنا وعدت حضرتك ياعمو مش هقرب منها، ثم اتجه بنظره لوالده
انا خلاص يابابا نقلي اتقبل وهسافر الفجر العريش، اتجه بنظره لغزل وأشار على جنى.
-ماما وصيتك ابني لحد ما يجي على الدنيا، ثم ثبت نظراته عليها
خلي بالك منه، انسي كل الوحش اللي بنا وافتكري إن اللي في بطنك دا اغلى من روحي. قالها ثم ارتدى نظارته واستدار متجهًا لسيارته. أشار جواد برأسه لأوس للحاق به. ثم اتجه ببصره لصهيب لبعض الوقت بصمت مريب يهز رأسه واستدار متحركًا للداخل، انسابت عبرات غزل وهتفت بحزنٍ
-إنتِ حامل ياجنى، يعني كنتي مخبية على ابو ابنك، ليه يابنتي.
رفعت نظرها لصهيب الذي توسعت عيناه بذهول مما استمع إليه
-حامل. متى وكيف. جاسر، ازاي
استمع لبكاء ابنته فرفع نظره إليها ونظرات خرساء بأسئلة تكاد تفتك بعقله. تحركت سريعًا متجهة لسيارتها تقودها بسرعة ومازالت شهقاتها مرتفعة، ظلت تسير بالسيارة تتذكر نظراته وهمسه المميت، توقفت أمام النيل واغمضت جفونها من إثر الرجفة التي اعترتها عندما أحست بأنفاسه على وجهها، أمسكت هاتفها بيد مرتعشة وهاتفت أخيها.
-مين اللي عرّف جاسر ياعز، اكيد إنت، زفر عز بقوة يرجع خصلاته للخلف وأجابها: -كان لازم يعرف ياجنى. صرخت به. مين اللي قالك ربى مش كدا
-مش مهم عرفت منين، المهم كان لازم يعرف ياجنى، انا لو مكانه هزعل اوي
انكمشت ملامحها بإعتراض، وآلامها قلبها قائلة: -ربنا يسامحك ياعز مكنش المفروض حد يقوله غيري، ليه تعمل كدا. ليه!
همس لها بصوتٍ دافئ
-مظنش يابنت ابويا نسيت عنوانه.
ارتعش قلبها وآهة خرجت من جدار قلبها، وبمقلتين دامعتين همست: -لا ياعز مش فكراه. قالتها وأغلقت الهاتف. قامت بتشغيل محرك سيارتها وتحركت إلى وجتها، كفى عصيانك ياقلبي. كيف لي ان اكرهك ونبضي لا ينبض سوى بقربك. رحماك ربي بقلبي اليتيم.
وصلت بعد قليل إلى منزله الذي اتخذه بعيدًا عن الأجواء السكنية، بحديقة دائرية، ومسبح بمنتصفه، ويحاوطه الكثير من الخضرة بمختلف الأنحاء. ترجلت من السيارة بعدما وجدت سيارته المصفوفة بمكانها، ابتسامة تلقائية لاحت على وجهها بعدما هاجمتها تلك الليلة. خطت وعيناها تحاوط المنزل بسعادة، فهذا المشهد بلوحتها التي تمنته، خطت للداخل وتذكرت ذاك المفتاح الذي جلبه بتلك الليلة يهمس لها.
-دا مفتاحك مكانه هنا، لو قلب حن لقلبي هتلاقيه هنا. فتحت الباب ودلفت للداخل بهدوء، ثم خطت تبحث بأرجائه تبحث عنه بعيناها، ليته يكون هنا، هي تشعر بوجوده بكل ركنًا صعدت للأعلى وتوقفت أمام إحدى الغرف، فتحت إحداها ولكن لم تجده بها. اتجهت للأخرى استمعت لأحدى المقطوعات الموسيقية فتحت الباب بهدوء وولجت للداخل بقلبًا ينبض بعنف، كاد أن يخرق سمعها، من دقاته، رعشة قوية أصابت جسدها وجحظت عيناها عندما شاهدته وهو يخرج من مرحاضه يلتف بمنشفة على خصره متوقفًا أمام خزانة الملابس. كل هذا وهي تراقبه بصمت، لقد اشتاقت إليه حد الجنون، ذهبت ببصرها لمحتويات الغرفة المنظمة، أخرج كنزته فهمست.
-اللون الزيتي احسن عليك. استدار بجسده. وبشفتين مرتجفتين همس اسمها
- جنى...
خطت إلى أن توصلت إليه، دقات عنيفة لكل منهما، أمسكت من كفيه كنزته والقتها بالخزانة ثم استدارت إليه تعانقه بنظراتها الحزينة تهتف بنبرة شجية متألمة من فراقه.
-أيوة جنى ياحضرة الظابط اللي عايز تهجرها وتموتها وتدفنها بقلب بارد. رفعت كفيها تمررها على صدرها وانزرفت عبراتها رغمًا عنها قائلة بنبرة متحشرجة: -قولي اعمل فيك ايه واعاقبك ازاي وانا مش قادرة اتحمل البعد، ريحني ياجاسر، ريح قلبي اللي بينزف جوايا وقولي اعمل ايه وانا مش قادرة اقاوم وبقيت زي مابابا قال بالظبط أنا مجنون بيك
وضع يديه على كفيها الذي تحركه على صدره، ثم اتجه إلى قلبه.
-وانت قوليلي ازاي اوقف النبض دا من الاشتياق ياجنى، ازاي اخليه ينساكي وكأنك ماجيتي ولا قربتي
رفعت ذراعيها تحاوط عنقه وبكت بشهقات مرتفعة تضع رأسها على صدره. ضمها يسحقها بقوة عندما أحس بضلوعه تتحطم من حالتها
أغمض عيناه متنعمًا بأحضانها الناعمة. ردد بصوت هادئ اخترق روحها
-اشش اهدي، عارف تعبتك كتير، ووجعتك اكتر، بس والله غصب عني. أخرج رأسها يحتويها بين كفيه ويتعمق بالنظر بعينها.
-مش عايزك تتوجعي تاني، مبقتش متحمل دموعك، عندي تعيشي بعيدة عني وتكوني سعيدة احسن من نار قربي توجعك يابنت عمي. وضعت كفيها على فمه واقتربت تغرز عيناها بمقلتيه
-اخرس ياجاسر، تعرف تخرس خالص، عايز تموتني ولا ايه، انت عارف ومتأكد اني كنت ميتة وأنا بعيدة عنك ورغم كدا بتقولي لو هتعيشي سعيدة
لكمته بصدره وتحدثت بغضب.
-هتتحمل اكون ملك لغيرك، هتتحمل اكون مع راجل تاني غيرك، بتر حديثها عندما ابتلع كلماتها يعاقبها بأقوى أسلحته ليدمر كل ماتتفوه به، لحظات ماهي الا لحظات عقاب لينقلب ذاك العقاب إلى بحر لُجي من الأشتياق، لتترك كل مايؤرق حياتها وتلهو معه بحياة العشق اللامتناهي، وهو ينثر لها إحدى مقطوعاته المعذوفية بطريقة خاصة لها وحدها، ينعم بها وتنعم به. لا يشعر بكم من الوقت مر بهما وهما يغوصان ببحر من العشق ولا يوجد به سوى نبض العذوف بألحان القلب الغارق بالعشق اللاذع. ساعات مرت كنسمة ربيع بصيف قائظ بالحرارة.
غفت بصدره تلهو بأحلامها مع حبيب روحها مبتسمة منعمة بنبض قلبه تحت اذنها، أما ذاك العاشق الذي مهما اقتطف من حديقة جناتها يظل ظمآن لبحر الهوى، يشعر وكأنه بصحراء بها سراب من المياه لظمآن يخطو مترنحًا من شدة عطشه، اينعم ياسادة فالعاشق عاشق للروح والهوى وليس عاشق لكلمات الجمال. ظل يبحر فوق ملامحها التي تخطف قلبه وعقله بآن واحد، نعم مجنون بها حد الثمالة. يجد بها نبض القلب ويجد بها كأس المخمر، ولا يخلو له من إدمانها كالمتعاطي. تمدد يرفعها على الوسادة يضع رأسه بالقرب منها يلهو بطيب أنفاسها.
. وضع كفيه على أحشائها يمرر أنامله بهدوء ثم انحنى وكأنه يحادث ابنه
-حبيبي بابا معاك هنا سامعني، عايز اقولك انت اجمل هدية ربنا بعتهالي في وقت كنت فقدت الأمل، اتمنى من ربنا يكمل وصولك لأحضاني بخير، علشان انت مفتاح السعادة. شعرت به فرفعت كفيها تخلل أناملها بخصلاته
-خيانة على فكرة، تراجع بجسده إليها مبتسمًا
-غيرانة!
قالها بأعين لامعة. اقتربت تحاوط خصره.
-جدا، غيرانة وياسلام لو بنت هتحبها اكتر مني. رفع خصلاتها من فوق عيناها، ثم رفع ذقنها
-تفتكري هقدر احب حد قدك. هزت رأسها مفتعلة صوت من بين شفتيها وهي تتلاعب بخصلاته
-تؤ. تؤ، عارفة مفيش حد هياخد مكاني
قهقه بصوت مرتفع بعدما ضاعت ضحكاته منذ فترة فهمس يداعب أنفها
-مغرورة ياجنجون
وضعت رأسها بأحضانه تهز رأسها رافضة حديثه ثم إجابته.
-مش غرور قد ماهو ثقة ياحبيب جنى. قابل خاصتها بعشق مبعثر من ثغره يغمز لها قائلاً: -يمكن اغير رأيي وأشوف حد تاني
لكمته ومازالت رأسها بأحضانه
-مش هتقدر، علشان انا بجري في دمك يابن عمي، رفعت نظرها تحاوره بعيناها مرة وبشفتيها مرة قائلة: -إحنا زي الروح والجسد مينفعش نبعدهم عن بعض. التمعت عيناه بسعادة الدنيا ثم اقترب يعانق خاصتها بأعذب لحنه ينثر ترانيم عشقه عليها، فصل قبلته بأنفاسًا متقاطعة قائلاً.
-لسة بتحبيني زي الأول. تمددت تجذب الغطاء على جسدها بعدما اكتشف معظمه يغمز لها ثم لكزته
-احترم نفسك، أغمضت عيناها تستعد لنومها مرة أخرى. فتلاعب بها هبت من نومها تلكمه وهي تضحك بصوتها الجميل
بس بقى ياجاسر، بغير بجد
ضمها لأحضانه يمسد على خصلاتها
-ربنا مايحرمني من الضحكة الحلوة. مجوبتيش على سؤالي ياروح جاسر.
↚
توقفت أمامه وتبسمت وأنا احتوي أنفاسه. وهمست بأشواقي المثقلة بعشقه قائلة: إني والله أحبك إلى أن ألقى الله
وأقف بين يديه ل يفصل في محبتنا
ويخبرنا من كان أكثر حباً وشغفاً ب الثاني
إنني أعيش في فلك حبّك
وأسكن شغا ف قلبك
ف الحب من غيبات القلوب و الغيب لا يعلمه إلا الله
ثم إني والله أعلم جيدا...
أنك ستظل باقيًا بداخلي
كآيات الله التي تتلى في المسجد الأقصى.
بعد عدة ساعات تملمت بنومها على صوت هاتفها، فجذبته: -أيوة يابابا. قالتها بصوتًا متحشرج بالنومِ
-إنتِ فين ياجنى، اتصلت بالبيت قالولي مرجعتيش.
أجابته وهي مازالت بأحضانه
-بابا أنا مع جوزي، بكرة هجيلك إن شاءالله، فيه حاجات لازم نتكلم فيها
-ماشي ياجنى، خدي بالك من نفسك ومتخرجيش من غير جاسر
-حاضر. قالتها ورفعت رأسها من فوق صدره، وجدته غافيًا، أو ربما يفعل ذلك أمامها فانحنت تتمسح بعنقه وهمست.
-أنا جعانة، ابنك عايز ياكل دلوقتي.
ثم رفعت أناملها الرقيقة وسط خصلاته تبعثرها بفوضوية، ابتسم يبعد كفيها
-جنى اسكتي عايز أنام. اقتربت من خاصته وهمست بأنفاسها الرقيقة: مراتك وابنك جعانين معرفتش أفطر علشان واحد بارد استفزني على الفطار
فتح عيناه نص فتحة ثم أشار على نفسه: -تقصديني صح!
وضعت رأسها على صدره تستمع لدقات قلبه
-اه كنت زعلانة منك علشان كنت وحشني قوي، وحضرتك ولا عبرتني.
اعدل رأسها يقربه منه وتحدث بنبرة شجية عاشقة: -لو كنت قربت منك، أو كلمتك صدقيني مكنش حد هيقدر ياخدك مني. داعب أنفها يقرب رأسها لتختلط الأنفاس
-كنت هخطفك المرة دي بجد، ولو جيش وقف قدامي مكنتش هرحم حد، المرة اللي فاتت عملت اعتبار لوعدي مع عمي مش أكتر، بس كدا انا نفذت وعدي وماحاولتش أقرب منك
ابتلعت ريقها عندما لامس ثغرها بخاصته وتابع حديثه بعيونًا هائمة وقلبًا ينتفض عشقًا.
-جنى ازاي قدرتي تعيشي الوقت دا كله بعيد عن حضني، كنتي بتعرفي تنامي عادي، رفع كفيه يعدل خصلاتها ليضعها خلف أذنها
-مشفتيش الرسايل اللي بعتها، قلبك قاسي قوي لدرجة ترميني بالوجع دا
احتضنت وجنتيه تتعمق بسحر رماديته: -لو انت كنت عايش وسعيد يبقى انا كنت عايشة وسعيدة حبيبي
غمغم مزمجرًا على حديثها: -ولو بس كنتي قاسية. زمت شفتيها وابتعدت عن ذراعيه بشبه ابتسامة.
-يعني ينفع اللي طلبته مني دا، ينفع تخليني افكر اني. وضع كفيه على فمها
-اياكي. سامحتك مرة، مش هسامحك المرة دي. أنتِ مراتي وروحي اللي مستعد ادفع عمري كله ولا إن حد يزلها بكلمة، ورغم قسوتك سامحتك
اعتدلت جالسة تربع ذراعيها وهتفت بنبرة متقطعة: -ممكن مانتكلمش في اللي فات وفكر هنقول ايه لبابا، أنا متأكدة أنه مش هيسامحني ابدًا، وخصوصًا لما يعرف إن عز وعمو جواد كانوا عارفين وهو لا
اعتدل بجلوسه يجذبها لأحضانه.
-ممكن متفكريش في حاجة خالص، غير بابننا، وازاي تعملي كدا من غير مالدكتور يسمحلك
رفعت رأسها إليه تحاوط جنينها
-دا حياتي ومش هتنازل عنه سمعتني، حتى لو الدكتور قالي هتموتي لو كمل
ابننا هجيبه ياجاسر، ومتحاولش تقنعني غير إنك تخاف عليه وعلى نفسك وبس
ضم رأسها لأحضانه وشرد لبعض الوقت قائلًا: -إن شاءالله حبيبتي، اللي ربنا مقدره هنشوفه. احتضن وجهها ونظر لداخل عيناها
-جنى عايز منك حاجة وياريت تسمعيني للأخر.
صمتت تستمع إليه بإهتمام، توقف يجذب روبها
-قومي خدي شاور بسرعة واجهزي هننزل نتسحر برة ونتكلم
قطبت جبينها وأشارت بيديها
-نخرج دلوقتي. انحنى بذراعيه يغمز لها: -لو عايزة ابنك يجي بالسلامة تعالي نخرج مكان عام، انا مش ضامن نفسي وانا شايفك قدامي بحالة واحدة قطعة تشكوليت عايزة تلتهم
ابتسمت برضا من حديثه، فرفعت كفيها على وجهه تمرر أناملها قائلة بصوت انثوي، اختل توازنه.
-بحبك قوي ياجاسر، بحبك لدرجة خايفة على قلبي من كتر نبضه ليك
معقول الوقت دا كله كنت مفكرة حبي حب اخوي
حاوطها بذراعيه وابتسم متسع الصدر، من كلماتها التي ارضت غروره الذكوري
رفع خصلاتها على جنب فظهر اثار صك ملكيته على عنقها بقوة أمام عينيه فدفن رأسه بخصلاتها: -جنى اعقلي، انا بحاول اكون عاقل، ودا مش بطبيعتي معاكي ياروحي، قومي خدي شاور، واجهزي عايز نخرج نسحر برة.
-جاسر أنا خايفة يحصل حاجة لبيبي زي المرة اللي فاتت
جذب كفيها وأجلسها أمامه، ثم لف ذراعيه حول جسدها واضعًا ذقنه على رأسها
-حبيبتي كل حاجة مكتوبة عند ربنا، ومهما تعبنا واتوجعنا بيكون فيه رضا من ربنا علينا، المهم نكون راضين بالقضاء والقدر، دا من أسباب الايمان ياجنجون. طبع قبلة على وجنتيها هامسًا بجوار أذنها: - هو أنا مش كفاية ولا إيه.
استدارت بوجهها إليه: -عايزة بيبي ياجاسر، حاجة نكون مشتركين فيها العمر كله، نفسي في بيبي يقول لك بابي ويقولي مامي
جذب رأسها لأحضانه مرة أخرى ثم تنهد قائلاً: -إن شاءالله ياجنى أنا مش طماع صدقيني، أهم حاجة تكوني كويسة، اه هكون سعيد لو ربنا رزقني بطفل، لكن هكون راضي برضو لو محصلش نصيب، دايما تطلبي من ربنا الأقل في الدنيا، والأكتر في الآخرة
مسحت وجهها بعنقه.
-الموضوع دا تعبني قوي، عايزة ارتاح، مش موضوع عدم رضا، الموضوع خايفة بجد من وقت مالدكتور قال احتمال يكون حملك كدا وأنا مرعوبة
رفع وجهها ينظر بداخل عيناها
-مرعوبة ليه، انتِ كنتي تتخيلي نبقى مع بعض كدا، ولا بعد جوازنا كنتي تتخيلي اني اطلقك بعد الحب دا كله، حبيبتي دي اقدار ومكتوب لنا، واللي ربنا كاتبه نرضى بيه، رفع كفيها يلثمهما.
-أنا دلوقتي حتى من غير البيبي راضي، كفاية وجودك جنبي دا المهم وان شاءالله حاسس ربنا هيسعدنا ياقلبي و البيبي يجي بالسلامة
. وضع كفيه على احشائها يحركها بهدوء: -عندي يقين بربنا إن شاءالله ربنا يكرمنا ويبقى عندنا اطفال، المهم متكونيش زعلانة لو محصلش نصيب، افتكري دا قدر ومكتوب
حاوطت عنقه ودنت تطبع قبلة بجوار شفتيه
-ربنا يخليك ليا وميحرمنيش منك
داعب وجهها بأنفه واغمض عيناه.
-صدقيني ياجنى إنت عندي أهم من أي حاجة. منكرش الأطفال رزق، لكن في كل الأحوال عايزك تحمدي ربنا، احنا مع بعض ودا المهم
لمست وجنتيه بأناملها مبتسمة
-بعشقك يابن عمي
رفعها بقوة حتى اختفت بأحضانه
-اثبتي. لكمته بصدره
-بس بقى، فيه اكتر من كدا إثبات
اومأ يرفع رأسها يغمز لها
-اه وانتِ عارفة قصدي.!
نزلت برأسها بأحضانه.
-بس بقى. قهقه عليها ينظر بساعة هاتفه: -طيب قومي من حضني، بترمي نفسك عليا ليه، دفعته بقوة حتى سقط فوق الفراش يضحك بصوت مرتفع. اقتربت تلكمه مردفة: -بطل ضحك بقى. جذبها حتى سقطت فوقه، يحاصرها بذراعه
-تعرفي من اخر مرة كنا مع بعض مضحكتش.
وضعت رأسها على صدره متذكرة ايام حزنها من بعده فاستندت برأسها على صدره: -كنت قاسي قوي ياجاسر، ازاي قدرت تبعد عني كدا. اقتربت من وجهه تعانقه بعيناها: -إنت طلقتني، عارف يعني ايه طلقتني، قلبك طاوعك تقولي إنتِ طالق. انسابت عبراتها تضع كفيها موضع نبضه
-دا موجعكش. ياريتك موتني احسن
اعتدل سريعا حتى انقلب وضعهما يحاصرها بذراعه.
-كان لازم اعمل كدا، علشان مضعفش، أنتِ نقطة ضعفي، وكنت خايف من فيروز عليكي، سلامتك عندي كانت أهم
لكمته بقوة: -فين سلامتي دي وانت بعيد عني، قولي ازاي جالك قلب تعمل فينا كدا، حتى لما رجعتني اهنتني، خليتني بنت ليل
قبض على ثغرها حتى تصمت، لعلها تشعر بما كان يعانيه ببعدها. أخيرًا ابتعد عنها يحاوطها بذراعيه وأغمض عيناه.
-يوم ما فيروز رحت لك المعرض وكانت ناوية تقتلك أن تقريبا مت ياجنى، لما شوفتها بترفع السلاح عليكي، مكنتيش حاسة بيا، دعيت ربنا وقتها واتمنيت سلامتك حتى لو هبعد العمر كله
نظر بعيناها التي تلألأت بطبقة كرستالية واقترب يقبلها بكل لهفة وخوف واستأنف بدقات قلبه المرتفعة:.
-من خوفي مفكرتش في حاجة غير انك تكوني كويسة وبس. اعتدلت جالسة وشهقت ببكاء مرتفع عندما تذكرت ذاك اليوم تختبأ بأحضانه، أخرجها ف طالعته بحزن: -علشان كدا رميت نفسك قدامي، علشان كدا كنت عايز تموتني وانا عايشة لو حصل لك حاجة، إنت ليه اناني ياجاسر، اناني مش عايز تتوجع زيي. ، أول مرة هربت بجوازك، والمرة دي عايز تموت متعرفش لو حصل لك حاجة أنا هكون ميتة.
جذب رأسها لصدره متنهدا بألامه التي تنخر بعظامه، وأعماق روحه التي اهتزت من آلامه. لحظة صمت منه ثم تابع: -لو بخوفي عليكي أكون أناني يبقى اناني ياستي، المهم تكوني بخير وبس.
آلمها حديثه، وعيناه التي تجلى بها الحزن، رفعت ذقنه وتعمقت بعيناه
-لدرجة دي
ابتسم بعشق وكأن قربها حالة متقلبة المزاج. داعب أنفه بأنفها قائلاً:
-جنى انا روحي فيكي، شوفتي بقالي كام سنة وحبك بيكبر جوايا، ازاي عايزة أضحي بيكي.
أطبقت على جفنيها تسحب أنفاسه، هذا الرجل يُعد تنفسها للبقاء على قيد الحياة. كأن شعر بها، مرر أنامله على وجنتيها مرورًا لثغرها، حتى رفعت عيناها واحتضنته بها لتهمس له -دلوقتي بس عرفت ليه اتوجعت الفترة اللي فاتت، علشان يراضيني بيك في الأخر. وضع إبهامه على شفتيها واقترب لتخلتط الأنفاس. لتمر دقائق ناعمة بينهما بترانيم عشقهما الذي يعزف أبدع المقطوعات بنبض القلوب لتهدأ وتسكتين بعد رحلة شاقة متعبة.
سكنت داخل أحضانه بهدوئها المعتاد ولكن نبض القلب مازال محلقًا بدقاته العنيفة. كان يغرس أنامله بخصلاتها يداعبها بصمت، كل واحدًا بملكوت عشقه
رفعت رأسها وتسائلت: -جاسر ليه قتلت فيروز، كان ممكن تعمل حاجة غير انك تقتلها متوقعتش تقتلها أبدًا! ابتلعت غصتها واكملت:.
لسة نظراتها ليا بتدبحني كأني حرامية سرقتك منها، جذبت الغطاء معتدلة: -تفتكر هي كانت صح وأنا سرقتك منها، تفكتر علشان كدا ربنا دايما بيوجعني فيك وبنبعد عن بعض
-اشش. ايه اللي بتقوليه دا، اوعي تفكري في حاجة زي كدا ابدًا، أنا حبيتك من قبل ما أعرفها يعني لا خطفتيني ولا الهبل دا، امال برأسه يتعمق بعسلها الصافي.
-سبع سنين ياجنى، سبع سنين وانا بضغط على نفسي علشان مااوجعكيش ولا اوجع حد، واتحملت فوق طاقتي، ودلوقتي جاية تقولي خطفتيني منها
-بس هي مالهاش ذنب ياجاسر!
صاح بغلظة مبتعدًا: -ولا أنا ليا ذنب ياجنى، انت متعرفيش حاجة، فيه حاجات مينفعش اقولها.
-زي ايه.؟ اردفت بها تترجاه بعيناها، ثم استأنفت: -ريحني بدل ماانا مش قادرة ارتاح من ذنبها، كل كلامها في ودني. انا دمرت حياتها، لما انت بتحبني قوي كدا، ليه وجعتنا. انا كنت بموت ازاي محستش ازاي هونت عليك، بلاش انا قلبك ازاي تكون مع واحدة وتظلم واحدة تانية
-أنا مظلمتهاش افهمي بقى. صرخ بها يجذب سجائره، وكأن الحديث عنها لعنة له. تنهد ونظر إليها:
جنى انسي، فيروز ماتت ربنا يرحمها ويرفع ذنوبها.
-بس أنا متحملة موتها، دمها في أيدي ياجاسر، ماتت بسببي، والله ماكنت بتنمى لها الموت حتى بعد اللي عملته فيا، لاني عذرتها
آآه صرخ بها وهو يدفع مافوق الكومودينو. وبعدين معاكي ياجنى، عايزة توصلي لايه. اه صعبت عليا وصعبت جدا كمان، مكنش قصدي اقتلها، هي اللي بدأت، كنتي مستنية اسبها تموتك، هي اللي جت لحد عندك.
انا مش وحش يابنت عمي، لو وحش كنت حكت لك على اللي عملته فيا، عايزك ترتاحي جوزك قلبه لسة نضيف ومتنسيش ياجنى رغم اللي عملته بس اتوجعت علشانها، والله زعلت عليها، كان بينا عيش وملح، وانا اتربيت على قيم وأخلاق لو نسيتي يابنت عمي اللي قدامك دا تربية جواد الألفي اللي رحمها مني هو وبس
نهضت من مكانها وتوقفت أمامه.
-جاسر. فيروز عملت فيك ايه غير اللي اعرفه، عارفة موضوع سهرها وأنها نزلت البيبي من غير ماتعرف ايه اللي عملته وجعك منها قوي كدا
-جنى فيروز عند ربنا دلوقتي، ممكن تنسي ممكن ماتفكريش غير في ابنك وجوزك دلوقتي
-بس هي صعبانة عليا وحياة ربنا موتها وجعني، اقترب منها وجذبها لتجلس بجواره على الفراش، وقبلها.
قبلة سطحية على شفتيها قائلًا: -حبيبي الحنين ياناس، يعني بعد اللي عملته فيكي، لو واحدة مكانك كانت زمانها دعت عليها
رفعت عيناها الباكية وتحدثت: -اه مسامحها، لأنها معذورة كانت بتحبك بجد، وأنا في نظرها خطفتك منها خايفة نكون ظلمناها، حبنا لبعض عمانا وخلنا انانيين.
-آه وآه حارقة خرجت من حصرة جوفه وهو يضمها بقوة قائلاً: -أنا مظلمتهاش ياجنى، حاولت معاها بكل الطرق، وحياة ربنا دوست على نفسي كتير علشانها، عارف انها مكنتش وحشة وعذرت غيرتها، وقولت لها تعالي نبعد ونعيش بس هي مسمعتش مني، كانت عايزة حياة امها، المهم تخرج وتعمل حفلات وغيره، متحملتش، رغم اتعايشت مع ألمي لكن هي محبتش تساعدني علشان اتخطاكي.
تراجعت بجسدها بعدما تذكرت حياتهما سويا، واستدارت للمغادرة إلا أنه جذبها بقوة حتى ارتطدمت بصدره
-جنى من وقت ماعرفت موضوع يعقوب مقدرتش اتحمل يمكن كنت بحاول أدوس وأعيش مع فيروز علشان شايفك قدامي
-خلاص انسى ياجاسر، مش عايزة افتكر انك اتجوزتها تمام وأنا آسفة اني اتكلمت معاك، مش عايزة اسمع عنها حاجة تانية
تنهد متألمًا والحزن خيم على وجهه وبدأ يتسرب لداخله، رغمًا ستظل فيروز نقطة حياته السوداء.
حاول تغيير الحوار، فرسم ابتسامة
-يابنتي ياله نخرج، امسك ذراعها يجذبها بقوة، يهمس بجوار أذنها
-مستعد اكرر المشهد مرة تانية، فخافي على نفسك مني. ضغطت على شفتيها وحاولت الابتعاد من قبضته عندما التهبت وجنتيها بحمرة خفيفة خجلة من همساته
-جاسر سيب ايدي
-لأ مش هسيبك. ابتسمت قائلة: ضهري وجعني على فكرة، وكدا إنت اللي بتجر خناق علشان نتأخر ومنخرجش.
أشار على نفسه متصنع الصدمة: -قولي والله. ضيقت عيناها متسائلة: -والله ايه. جذب عنقها وتحدث اقرب من الهمس: -قولي والله بحبك ياجسورة.
أفلتت ضحكة أنثوية هادئة، جعلتها أمامه أبجدية من العشق وضع رأسه بعنقها يستنشق عطرها الممزوج ببخور العاج الحجازية. يهمس لها بأنفاسه المرتفعة: -نفسي في حاجات كتيرة اعملها معاكي ياجنى، نفسي نسافر ونلف العالم، ونروح نحج لوحدنا، عايز في كل مكان يبقى لنا ذكرى حلوة، مش عايز مكان على وجه الارض مجرد من ذكرياتنا.
-جاسر. همست بها بخيط من الدموع الذي زين عيناها فأصبحت كنجمة متلألئة أمامه، نفض نفسه بعيدًا عنها واتجه للشرفة ممسكًا بسجائره
-ادخلي خدي شاور واجهزي، عايز نخرج بجد.
اتجهت إليه بعدما ارتدت قميصه ولثمت وجنتيه
-حاضر حبيبي، نص ساعة وأكون جاهزة. طبع قبلة على رأسها يومأ لها وهو يرسمها بعيناه حتى اختفت من أمامه
بحي الألفي وخاصة بتلك الغرفة.
قبل قليل انتهت من صلاة القيام وهي جالسة على مقعدها، ولا تخلو نظراته من مراقبتها خوفًا عليها، نهضت تنزع اسدالها، وألقته بإرهاق متجهة للأريكة لتتمدد عليها. خطى متجها لداخل مطبخهما وقام بتجهيزه من جميع الفواكه الموجودة بالثلاجة، ثم اتجه يجذب تلك الطاولة الدائرية قائلاً: -عاليا قومي كلي حاجة، مفطرتيش كويس. فتحت عيناها بإرهاق واردفت
-ياسين عايزة انام، ماليش نفس للأكل.
انحنى يجذبها من أكتافها يسندها بذراعه يجذب بعض حبات التين: -كلي كام حاجة، وضعت رأسها على كتفه وهمست بألمًا: -ماليش نفس صدقني. قرب من فمها الفاكهة.
-لا ياله دي فاكهة ياعاليا، متكونيش طفلة يالة افتحي بوقك. فتحت فمها وبدأت تتناول بهدوء. مد كفيه يجمع خصلاتها خلف أذنها. كانت أمامه كتفاحة آدم. هناك دقات عنيفة، هل هي عواطف ام عواصف الحب التي بدأت تخترق قلبه. شعر بنبض قلبه المرتفع وهي تهمس اسمه قائلة: -ياسين خلاص مش قادرة. انحنى إليها.
فلافحت أنفاسه وجنتيها، رفعت زرقتها فتاهت بسواد عينيه. ارتجفت شفتيها من نظراته بها حتى شعرت بإنسحاب انفاسها، وابتعلت ريقها بصعوبة. جذبها بذراعه من خصرها يقربها إليه وتحدث بصوت أقرب للهمس: -رمضان كريم يابلقيس. التمعت عيناها فتلألأت عبراتها تحت جفنيها حتى ابتعدت ببصرها عنه.
أدار وجهها إليه وإزال عبراتها التي انسابت رغمًا عنها: -طيب ليه الدموع دي، مامتك وحشتك، ايه رأيك نروح نفطر معاهم بعد ماأرجع من السفر
شهقة خرجت من جوفها تضع رأسها بحنايا عنقه، فلقد فاق تحملها قربه دون أن تستنشق رائحته الرجولية ليهدأ ثوران قلبها.
لف ذراعيه حولها وارتجف قلبه بقوة لا يعلم ماذا عليه فعله حتى تصمت عن البكاء. ربت على ظهرها يهمس بجوار أذنها: -عاليا اهدي بتعيطي ليه، أنا معرفش المفروض اعمل ايه، عارف أن هرمونات الحامل متضطربة. حاوطت خصره تردف: -ياسين عايزة انام في حضنك
توسعت عيناه بذهول فهذا لم يخطر بذهنه، أخرج رأسها من أحضانه يحتضن وجهها.
-عاليا انت سخنة. هزت رأسها بالنفي وترجته بعيناها، لا تعلم لماذا تشعر بهذا، كل ما تريده ان تنعم بأحضانه فقط.
نهض من مكانه وساعدها بالنهوض، ليصل لفراشه، قامت بنزع روبها ليبتلع ريقه بصعوبة من تلك المنامة السوداء القصير التي تظهر مفاتنها بسخاء، ياالله كيف لها تكون بتلك الهالة المفعمة بالرقة والجمال، خرج من تأمله بها على صوتها
-عايزة انام لحد الصبح. فأشار إليها.
-هتنامي كدا. تمددت على الفراش وهزت رأسها قائلة: -ياسين الجو حر ومش قادرة اغير، من فضلك مش حمل مناهدة، لو مش عايز خلاص، قالتها مستديرة بإرهاق، امسك كفيها يديرها إليه قائلاً: -لأ نامي وخدي راحتك. يعني مش هتضايق
ابتسامة خفيفة مستغفرًا ربه واقترب منها يساعدها بالتسطح
-لا مش هضايق، المفروض اصلا ترتاحي بنومك كويس.
تعلقت بكفيه تطالعه بأعين مرهقة: -ممكن تنام جنبي وبطل كلام.
اومأ برأسه واستدار للجانب الاخر، نظر لكنزته ثم إليها، لم يكن متعودًا على نومه بهذا الوضع. رفع نظره للمكيف وقام بزيادة سرعته عندما شعر بأن الغرفة فوهة بركانية. تمدد بجوارها كانت قد ذهبت بنومها. اقترب منها وداعب وجهها يرفع خصلاتها من فوق وجهها، كانت كالأطفال بنومها، وجهها الأبيض المستدير، وعيناها التي تغلقها لتبعد بجمالها عن مرمى عيناه، عيناها خليطًا من الزرقة والخضرة، لا يعلم مالونها ولكنه يعشق لونها وتمردها بغضبها. لاحت ابتسامة عندما تذكر غضبها وشراستها عليه. ذهب ببصره لبطنها المنتفخة قليلا، فبسط كفيه يحركها بهدوء عليها، قشعريرة اذابت جسده حتى اقترب منها ولم يفصل بينهما سوى انفاسهما، رفع ذراعيه وحاوط خصرها مقتربًا منها يدفن رأسها بعنقها، مستنشقًا رائحتها بوله.
همس بأنفاسه الحارة: -وبعدين ياعاليا عملتي فيا ايه، بحاول ابعد عنك وبرضو بتحاولي تجذبيني
رفع رأسه يطالع وجهها البهي وشعر بنيران تتسرب لأوردته، ماهذه الحرارة التي تنبعث بجسدي، هل هذا من اقترابها أم عشقها الذي تسلل لقلبه
حاول الابتعاد عنها ولكنها وضعت كفيها على صدره فتصنم بمكانه وهو يطالع كفيها وشعر بدقات عنيفة بصدره، تمتمت اسمه بنومها.
حاول الابتعاد ولكن كأن قلبه عانده ولم يقو على الحركة فأغمض عيناه بهدوء محاولا الثبات بحضرتها.
بعد فترة فتحت عيناها وجدت نفسها محاصرة بذراعيه، ووجه القريب منها، شعرت بالحرارة تجتاح جسدها من قرب أنفاسه منها. أمسكت كفيه حتى تبعدها من فوق خصرها. ابتعدت تحتضن احشائها، ورغم استيقاظه إلا أنه ظل كما هو لم يحرك انش واحد. جلست على الفراش تبتلع ريقها بصعوبة كلما تذكرت قربه منها، كانت تظن أنه يراود أحلامها، أطبقت على جفنيها متذكرة حديثها له قبل نومها، فتحت جفونها ببطئ تطالعه بصمت تتشرب ملامحه الرجولية، انسابت عبرة حارقة على وجنتيها كلما تذكرت أن هذا الشخص سبب آلامها وليس لها الحق به.
فتح عيناه عندما استمع لشهقاتها التي تحاول كتمها، فهمس بنبرته المتحشرجة بالنوم: -عاليا مالك؟
أزالت عبراتها سريعًا، وحاولت النهوض إلا أنه امسك رسغها واعتدل بجلوسه
-تعبانة!
هزت رأسها بالنفي، فحصها بنظراته مترقبًا إجابتها؟
-طيب مالك بتعيطي ليه؟
استدارت برأسها إليه مردفة: -أنا مش عارفة قولتلك ايه قبل ماانام، آسفة لو كنت ضايقتك، هروح اوضتي
-استنى عندك!
قالها ونزل من فوق الفراش متجهًا إلى وقوفها، حمحم مبتعدًا بنظراته عنها وأردف:
-مبقاش ينفع تنامي لوحدك، افرض تعبتي وانا نايم ومحستش بيكي، صمت للحظات مبتلعًا ريقه ثم تحدث بنبرة رخيمة: -بعد كدا هتنامي هنا جنبي، طول ماأنا موجود، ومبقاش ينفع تروحي عند جنى، هي حامل دلوقتي وكمان جوزها معاها. رفعت رأسها إليه سريعًا تطالعه بذهول
-لا طبعا. انا. انا بس كنت تعبانة وكنت. اقترب يضع إصبعه على فمها.
-بعد كدا اللي أقوله هو اللي يتسمع، ماشي يابلقيس، ومش عايز دموعك دي تاني
سحب كفيها واتجه بها للأريكة
-اقعدي هعمل أنا السحور. استدار ولكنها أمسكت كفيه ورفعت رأسها
-ياسين إنت فرحان بجد علشان هيبقى عندك بيبي.
امال بجسده ودنى من جلوسها يحاوطها بنظراته قائلاً: -اسمه هيكون عندنا بيبي ياعاليا، مش عندك، البيبي دا هيكون ابننا أو بنتنا.
ارتجف جسدها ونظرت إليه بعينين ضائعتين تهز رأسها وتحدثت بنبرة حزينة: -مش عارفة، حقيقي مش عارفة خايفة
جذب المقعد وجلس بمقابلتها
-خايفة من ايه؟ ايه رأيك ناخد هدنة ونتقرب من بعض، ونكون صحاب فترة ونشوف هنعرف نتعامل مع بعض ولا لا
هبت واقفة تفرك كفيها: -يعني ايه؟ قالتها بهدوء غير معتاد
وقف بمقابلتها واخترقها بنظراته قائلاً:.
-عاليا أنتِ فعلًا مش عايزة! البيبي. رفعت عيناها إليه سريعًا ووضعت كفيها على أحشائها بعفويةً: -لأ عايزاه طبعًا. منع ابتسامة بدأت تظهر عليه. ورغم ذلك تحدث: -إن شاءالله يجي بالسلامة، حافظي إنتِ بس على نفسك وعليه يابقلستي
بقلستك! ياريت تغير الاسم دا ياحضرة الظابط.
-كويس حضرة الظابط احسن من ملك الهكسوس.
رفعت حاجبها تطالعه مندهشة: -يسلام ماهو انت لسة قايل بلقيس
-عندك مانع، أقول اللي عايزه.
هزت رأسها مبتسمة بالموافقة
اقترب يلثم جبينها مطبق الجفنين، فكل ما بداخله يعانده، هناك احاسيس ومشاعر متضاربة، بها يصفعه عقله وبها ما يغفر له قلبه
تحرك للمطبخ، وضعت كفيها على صدرها تهمس
-قلبي هيوقف. حرام عليك ياياسين
بغرفة أوس
استيقظت على صوت هاتفها. كان جالسًا يعمل على جهازه، لفت انتباهه رنين هاتفها، استدار يرى من المتصل بذاك التوقيت، رفعته مبتسمة
-بابي. على الجانب الآخر.
كان جالسًا أمام البحر ينظر لأمواجه ورد قائلًا: -حبيبة بابي كانت نايمة. نظرت لزوجها مبتسمة ثم أجابته: -أيوة حضرتك عارف اول يوم بيكون صعب وخاصة في الحر دا
قهقه بصوت مرتفع
-حبيبتي اللي الشغل تعبها في الحر.
زمت شفتيها بحزن بعدما ذكرها والدها بعملها، فنهضت واتجهت إلى أوس
-دا تقوله لجوز بنتك يابابا، قوله هتفضل حابس ياسمينا لحد إمتى
جذب منها الهاتف، يطالعها بنظرات معاتبة
-عمو ريان حبيبي.
-ازيك ياباشمهندس كدا مفيش كل سنة وعمو طيب
فرك حبينه معتذرًا: -آسف ياعمو والله. كان عندي كام اجتماع ورجعت تعبان نمت مافوقتش غير على الفطور
-صحة وهنا حبيبي، ناويين تيجو امتى تفطروا معانا
يومين إن شاءالله عمو، حضرتك عارف قوانين العيلة
تمام حبيبي مستنيكو، بوسلي ياسو
جلست أمامه تطرق على الطاولة. شرد بحديثها مع والدها، فتصنع انشغاله بعمله
- أوس ! رفع عيناه إليها
-نعم حبيبتي. طالعته لبعض الوقت ثم هتفت.
-عايزة ارجع شغلي لو سمحت، دلوقتى جنة كبرت. لو سمحت ياأوس
ربت على كفيها ثم اغلق جهازه
-حاضر ياياسو، هشوف ظروف الشغل، واعمل ترتيبات رجعوك، لكن بشروطي حبيبتي
توقفت مقتربة منه ثم طبعت قبلة على وجنتيه
-ربنا يخليك ليا حبيبي. سحبها من كفيها حتى سقطت على ساقيه
-ايه دا بقى، مفكراني جنة بتراضيها
دنى منها ينظر لثغرها
-وحشتيني ياسمينة قلبي
حاوطت عنقه مبتسمة ورفعت كفيها على وجنتيه
-وانت كمان حبيبي وحشت ياسمينك.
بمنزل سيف
انتهت من عملها واتجهت لغرفة اختها
-هنهون بتعملي ايه!
أشارت إليها هنا وهي تلملم رسوماتها الهندسية
-كان عندي تيست عملي وخلصته، أنتِ بتعملي ايه
-تعالي نتمشى تحت لحد معاد السحور، ونشوف ايه اللي حصل مع جنى وجاسر، مفيش اخبار
رفعت كتفها بعدم معرفة قائلة: -من وقت ماخرجت منعرفش عنهم حاجة
تحركت الفتياتين إلى الأسفل قابلتهما ميرنا تحمل بعض من المكسرات
-رايحين فين يابنات!
هنتمشى شوية يامامي، يعني هنشوف ايه الاخبار من وقت ماجنى خرجت معرفناش ايه اللي حصل
أشارت بعينها لأبنتيها: -حبايبي لو فيه حاجة مهمة كنا عرفنا، عيب اننا ندخل في حاجات خاصة زي كدا. اقتربت هنا من والدتها
-مامي ممكن اروح اشوف روبي عايزة اسألها عن حاجة. نظرت بالساعة المعلقة على الحائط ثم أجابتها
-الساعة اتنين دلوقتي ممكن تكون نايمة، روبي ام دلوقتي يعني وراها مسؤليات ياهنون، الصبح حبيبتي.
اومأت برأسها وتحركت لغرفتها قائلة: -اوكيه مامي. بينما اقتربت سنا
-ماما كنت عايزة من حضرتك تكلمي بابي، علي عايز يحدد على الفرح، هو قالي لما المشاكل تهدى شوية، والحمد لله، أخيرًا الدنيا هديت
ربتت والدتها على كتفها: -حاضر هيقعد مع عمامك ويشوف الوقت المناسب ويقول لعلي حبيبتي
طبعت قبلة على وجنتيها
-شكرًا مامي.
بمنزل حازم
فتح جهازه وبدأ بالعمل عليه لعدة دقائق، دلفت الخادمة تحمل قهوته
-القهوة ياجواد باشا.
أشار على الطاولة واردف وهو مازال منشغلًا بعمله: -حطيها هنا، واقفلي الباب وراكي، اومأت وهي تنظر بشاشته، رفع عيناه إليها
-أنا قولت ايه؟
هزت راسها وخرجت سريعًا. ظلت نظراته عليها، ثم اتجه لكاميرات المنزل، يراقبها، رفع قهوته يتذوقها اولا ثم اتجه الى هاتفه
-ماما عايزة فنجان قهوة وياريت حضرتك اللي تعمليه. قالها ونظراته على الشاشة
لحظات وهو يراقبها، ثم نقر على مكتبه واتجه إلى هاتفه.
-عمو باسم ازي حضرتك، هبعتلك حاجة شوفها. تراجع بجسده بدخول والدته
-القهوة حبيبي، هي عزة معملتش قهوة
توقف يتناول منها القهوة ثم اتجه لمقعده: -تسلم ايدك حبيبتي. جلست بمقابلته
-جواد عايزة اتكلم معاك في موضوع
اشار بيديه وأردف: -اتفضلي ياماما
-ممكن اعرف هتفضل ضارب على الجواز لحد امتى، حبيبي الأصغر منك دلوقتي اب، شايف ياسين بعد كام شهر هيكون اب، تعرف بينك وبينه قد ايه.
تنهد متألمًا والحزن خيم على وجهه، رفع نظره لوالدته: -لسة مالقتش اللي تشغل قلبي ياماما، وبعدين خالو جواد اتجوز اخر اخواته وهو الأكبر.
زفرت وتطلعت عليه بغضب، وصاحت مهتاجة: -جواد انا مش عجبني وضعك دا، اسمعني كويس انت دلوقتي عديت التلاتين بكتير يابني، عايز تتجوز وانت عندك خمسة وتلاتين سنة طيب هتجيب ولاد امتى حبيبي
-ماما لو سمحتي متضغطيش عليا تاني
-بجد ياجواد! شايف انا بضغط عليك.
-أيوة ياماما بتضغطي عليا، ليه عايزة مني ارتبط وانا قلبي مع واحدة تانية، ايه عايزة تكرري موضوع جاسر
هبت فزعة من مكانها، تضع كفيها على وجهه وكأنها ستصفعه، وانسابت عبراتها قائلة بنبرة حزينة: -إنت عايز تموتني يابني، مجنون لسة جنى مسيطرة عليك، مش وعدتني تنساها، دي مرات اخوك يامتخلف.
-ماما مش اللي وصلك، لسة يعالج نفسي منها، غصب عني والله غصب عني بحاول أدوس على قلبي ياماما، بس معرفش ليه معملتش معايا زي ربى، لية مكلبشة في قلبي كدا
-اخرس. انت اكيد مجنون
هزت رأسها رافضة حديثه تتراجع بجسد مرتجف من الوجع: -مش هسامحك يابني، لو فضلت كدا مش هسامحك، دا جاسر طلع احسن منك، رغم حبه بس بعد عنها واتجوز، إنما إنت ايه، عايز تموتني.
اقترب منها يحتضن كفيها يقبلهما، وتحدث بنبرة متحشرجة بالبكاء: -والله ياماما بحاول اخرجها، ووعد مني هحاول ابني حياة جديدة، ادعي لي ياماما بلاش توجعي قلبي اكتر ماهو موجوع. ضمته لأحضانها تبكي على قدره كأن الماضي يكرر نفسه بأبنها. أزالت دموعها وتحركت للخارج دون حديث آخر.
بعد فترة اتجه لشرفته يحمل فنجان قهوته يرتشف منه، ذهب ببصره لجلوس هنا بشرفتها منشغلة بشيئا تفعله، ابتسامة ساخرة ظهرت على ملامحه، جذب المقعد وجلس رافعًا قدمه على السياج الحديدي، وبدأ يرتشف بقهوته ونظراته عليها، ابتعد عن مراقبتها متراجعًا بجسده على المقعد وأغمض عيناه هامسًا لنفسه: -مجنونة يابنت خالي، الوحيدة اللي عمري مااتخيلت نفسي معاها، الفت ضحكة يهز رأسه وهو مازال مغمض العينين.
-قال معجبة، دا انا ناقص يحطوا صورتي ضد بنات العيلة، تراجع مرة أخرى وجدها تستند على السياج تتحدث بهاتفها ونظراته إليه، رفع حاجبه ساخرًا على حركاتها الطفولية، فنهض من مكانه، وتحرك إلى جدار الشرفة مردفًا
-بتكلمي مين ياعيلة الساعة واحدة بالليل، ولا دي اشتغالة
ردت على صديقتها: -تمام حبيبتي نتقابل بكرة في الجامعة مضطرة اقفل، أغلقت الهاتف واتجهت تستند مثله تنظر للأسفل واردفت ساخرة.
-اي يابن عمتي المغرور، مفكر نفسك انك مهم قوي علشان اعمل حركات العيال الهبلة دي. روح نام ياجواد، أصل عيلة ومتنفعش تتكلم معاها
ألقى عليها تلك المزهرية التي توضع فوق الطاولة
-اصبري عليا ياشبر ونص، مبقاش غير العيال اللي اصاحبهم، يابت دا انا لو اتجوزت من سنين كنت زماني جبت بت قدك
اومأت برأسها ساخرة
-أيوة ماأنا عارفة، علشان كدا متجوزتش، شاو ياحضرة الظابط، قال عيلة، توقفت مستديرة إليه.
-عارف انت مغرور قوي وواخد في نفسك مقلب. جحظت عيناه من حديثها، ثم هتف: -امشي يابت بدل ماانطلك من هنا
تحركت وهي تضحك بصوت مرتفع، حتى دلفت غرفتها، استندت على الباب تجز على شفتيها: -مبقاش هنا لو مخلتكش تجري ورايا يابن عمتو مليكة
عند جواد اتجه إلى مكتبه ينظر بتلك القضية التي، يجمع دلائل ويضع خطط ليوقع تلك الشبكة المميتة، امسك هاتفه وقام بمهاتفة أحدهم.
عند جاسر بأحد المطاعم المشهورة على النيل، استمع الى رنين هاتفه ترك كفيها وأشار إليها: -هرد على جواد حبيبي. أمسكت كفيه وتحدثت: -كلمه قدامي ياجاسر، ليه تقوم، انت بتقول جواد
حبيبي دا شغل اكيد
هزت رأسها معترضة: -ولو ياجاسر، هو انا مش مراتك والمفروض متخبيش عليا حاجة
اومأ برأسه دون حديث ورفع الهاتف محيبًا: -أيوة ياجواد!
-بص ياسيدي، بما إن الراجل دا له شاليه في العريش، وبيعمل حفلات كتيرة في مواسم معينة، يبقى كدا ممكن نقول بحري
ضيق جاسر مابين حاجبيه متسائلاً: -قصدك أنهم بيجيبوا الممنوعات عن طريق البحر
-ممكن! ليه لا. بدل عارف ومتأكد أننا بندور وراه يبقى عامل حسابه أنه يبعد عن البر
نقر جاسر على الطاولة وتحدث: -معتقدش ياجواد، متنساش شرطة السواحل مستنفرة حلو.
حك جواد جبينه وأردف: -ومتنساش أن الميعاد مينفعش يأجله علشان معنى كدا أنهم ممكن يخسرو حياتهم وكمان فلوسهم
حمحم جاسر عندما وجد نظرات جنى عليه وأردف: -بكرة نتكلم ونشوف هنعمل ايه، حاليا هتسحر واتمشى شوية
رفع حاجبه ساخرًا: -إنت هتستهبل يالا، بكلمك في القضية تقولي اتسحر، وبعدين سحور ايه الساعة واحدة ونص دا، لسة بدري على الفجر
-جواد جنى بتسلم عليك. قالها جاسر لينهي الاتصال، فرد جواد.
-اوووبس. اسف ياجسور، سلملي عليها، سلام ياوحش.
تنهد بعمق في محاولة استجماع رباطة جاشه، عندما اقتربت تستند على الطاولة واردفت: -ايه موضوع القضية دي ماتحكي لي، وليه بعدتني عنك وقولت خايف عليكي. ظلت نظراته عليها بصمت للحظات ثم امسك كفيها: -تعالي حبيبي هنا في حضني. نهضت وجلست بجواره، حاوطها بذراعيه يضمها لصدره متجها بأنظاره للنيل
-بعت لك رسايل حضرتك مشفتهاش. رفعت رأسها تطالعه: -رسايل ايه دي؟
رفع حاجبه ساخرًا وزم شفتيه.
-على فكرة زعلان منك قوي، وهنتعاتب لكن مش الليلة دي، خلي الليلة دي نهدى من أشواقنا لبعض، وبعد كدا اللي له حق عند التاني ياخده
رفعت كفيها على صدره تلمس زر قميصه مردفة بصوتها الرقيق الذي جعل دقات قلبه كمعزوفة لها
-لسة فيه عتاب بعد اللي اتقال، احنا متعتبناش كفاية، هو انت ناوي على حاجة لسة
-على حاجات ياروحي مش حاجة واحدة، اشبع منك الأول وأحوش شوية وبعد كدا اعاتبك.
-لا والله يعني لو انا غلطانة هتحاسبني، صح، وتعاقبني، بس قبل مانتعاتب عارفة إني غلطانة، اعتدلت وغرزت بنيتها برماديته قائلة: -بس قولي نوع العقاب، هجر ولا.
احتضن وجهها واقترب من أنفاسها
-أنا قولت بلاش نتعاتب دلوقتي علشان الليلة دي ليلة اشتياق بينا، بلاش نوجع بعض واحنا لسة مشبعناش من بعض. نظر حوله، ورغم أنه اختار مكانًا بعيدًا عن العيون يطل مباشرة على النيل ولا يوجد به سواهم إلا أنه تحدث: -احنا في مكان عام دلوقتي وانت بطريقتك دي هتخليني افقد اعصابي وتشوفي صور جوزك بكرة في أولى الصفحات
امالت على صدره تضحك وهي تلكمه بصدره: -اسكت ياجاسر، انت ايه!
رفع ذقنها ونظر لضحكاتها التي سلبت توازنه
-انا إيه، أنا عاشق يابنت عمي، وليس على العاشق حرج، غاصت بكلماته وفقدت توازنها، فرفعت كفيها على وجنتيه
-الحب دا صعب قوي، تراجعت بجسدها على المقعد قائلة بمشاكسة: -اصعب من امتحانات الثانوية العامة ياحضرة الظابط
-نعم ياختي!
قهقهت عليه بعدما تغيرت ملامحه، كان ينتظر منها انا تبرد نيران قلبه ولكنها داعبته بكلماتها المشاكسة
نهض من مكانه يسحب كفيها.
-ياله هنرجع. توقفت تطالعه مذهولة
-اكيد بتهزر، احنا مسحرناش، سحب كفيها بعدما القى بعض الوريقات النقدية وخرج يسير بها على كورنيش النيل
-حبيبتي هناخد اي اوردر وناكل في بيتنا، انا مش هاكل وعارفك كويس مش هتاكلي
توقفت متزمرة
-لا انا عايزة اسحر بجد، فيه هنا مطعم خاص بالألبان ايه رأيك ندخل نسحر فيه
-مطعم ألبان!
تسائل بها مستغربًا فأشارت عليه.
-أه بص وراك وانت تعرف قصدي. استدار ينظر مستغربًا على ذاك المطعم. ثم ضم كفيها وتحرك للجانب الآخر من الطريق
-تعالي ياغلباوية.
بعد فترة وصل لمنزلهما وضع بعض الأشياء التي احضروها، ثم صعد للأعلى قائلاً: -هطلع اصلي الشفع والوتر بسرعة حضرتك جيتي ومكملتش صلاتي، مش هاخد وقت كبير ناقص الشفع والوتر بس لحد ماتشربي عصيرك. عندك فواكه كتيرة في التلاجة، اعملي Fruit salad
متنسيش إنك حامل.
قالها وصعد سريعًا للأعلى، نظرت بساعة يديها وجدت أنه مازال وقت للفجر
وضعت الحقائب بمكانها واتجهت تنزع حجابها بجاكيت بذلتها النسائية، لتبقى بتلك الحمالات، نظرت لبنطالها ثم انحنت تنزعه ضاحكة بشقاوتها كالطفلة، وألقته بعيدًاورفعت خصلاتها للأعلى متجهة.
-أعمل ايه الجو حر جدًا، رفعت نظرها للمكيف، وزادت من سرعته، فتوقفت قائلة: -لا دا كدا عايزة البيسين، اوووف، وطبعًا معرفش فيه هنا ولا لا. ذهبت بشرودها لدخولها المنزل متذكرة ذاك البيسين، اتجهت سريعًالبعض الفواكه لاعداد وجبة خفيفة له، تذكرت عدم تناوله الطعام سواء افطار وسحورًا. قامت بتشغيل إذاعة القرآن الكريم. واتجهت بإحضار اللبن لإكمال ماتفعله. انتهت بعد عشر دقائق لتحمل تلك الأواني وتصعد لغرفتهما، وضعتهما على الطاولة، واتجهت إلى غرفة الملابس تبحث عن شيئا مناسبًا ترتديه، لم يكن الكثير من الملابس المناسبة لها سوى عدة بذل نسائية قد ابتاعها وأخريات تناسب النوم. وضعت اصبعها بفمها تنظر لتلك المنامات متحيرة في ايهما سترتديه بتلك الليلة، ولم يعد سوى القليل على آذان الفجر. اخيرا وقعت انظارها على ذاك البنطال الذي يصل لركبتيها وبه كنزة بحملات رفيعة من اللون الاسود، جذبتها واتجهت تبدل ثيابها لتخرج بعد قليل بعدما انتهى من صلاته.
استمع لقرآن المذياع بالأسفل، بحث بعينيه عليها بخروجها من غرفة الملابس، طالع هيئتها لبعض الوقت حتى تتدلت بخطواتها إليه
احتضن كفيها يسحبها ليصلوا لتلك الطاولة: -ايه رأيك في الهدوم. تناولت إحدى الأكواب المعدة لتلك السلطات
-حلوين قوي حبيبي، ليه مفهمش بيجامات، كلهم قمصان
تناول منها الكوب وأجابها: -اللي يعجبك خديه والباقي براحتك.
كنت عارف اني هرجع. ضمها لأحضانه يهمس بجوار أذنها: -مكنتش عارف، كنت متأكد إنك هترجعي، ماهو مش بعد الحب دا كله ترميني، مش كدا ولا ايه، رفع ذقنها يمرر ابهامه على شفتيها: -كنتي ممكن ماترجعيش ياجنى، كنتي هتقدري تعيشي بعيد عنى حتى لو مفيش حمل
انحنت برأسها تتمسح بصدره: -جاسر انت قولت مش هنتكلم ليه بتفتح الموضوع. أخرجها من أحضانه، ثم حاوط وجهها.
-السؤال دا مهم. استرسل برماديته العاشقة لها: -أكيد مش هتقدري، ماهو أنا جاسر حبيبك، وصعب يتنسي ويتبعد عنه
عقدت حاجبيها واردفت بدلال متهكمة: -أيوة صح، أمور ومغرور، اقتربت تهمس بجوار شفتيه حتى كادت أن تلمسها
- بس مع الوقت كله هيتنسي ياحبيبي.
رمقها بنظرات مبهمة، حتى جعلها تتوتر وتحاول التملص من قبضته، ولكنه جذبها وأجلسها على ساقيه ولف ذراعيه يحاوط خصرها يغرس أنامله به، حاولت التملص ولكنه رمقها محذرًا إياها: -اعتذري على الكلام اللي قولتيه. اختلج صدرها الضيق من حركاته: -جاسر بتوجعني، انحنى يدفن رأسه بعنقها مردفًا: -اعتذري. رفرفت بأهدابها من حركة كفيه التي تجاوزت الحركة على جسدها. فصرخت
-آسفة! وسع بقى.
رفع رأسه والتوت زواية فمه بإبتسامة عابسة، وغمز بعينه ومازالت أنامله تتلاعب بها، ثم أردف: -الكلمة دي متلزمنيش ياحبيبتي، عايز كلام واضح وصريح
-يسلام قولت اعتذري واعتذرت، هو فيه صراحة اكتر من كلمة آسفة
هز رأسه يجذب عنقه يقربها إليه
-اه!
لكمته بقوة وهدرت به مزمجرة حتى تورد وجهها من غضبها: -والله مغرور، معرفش اتحولت امتى، فين جاسر اللي حبيته.
لحظة وكانت بين ذراعيه قائلاً: -موجود شاوري بس على أي نوع جاسر وانا تحت أمرك ياحبي، حدجها بنظرة ثابتة: -جنى مستحيل تبعد عن جاسر حبيبها
صح!
رفعت ذراعيها حول عنقه وتحدثت بدلال: -جنى مجنون بجاسرها. رمش بعينيه حتى يستكشف صدقها، ولكن هناك احساس عميق وشعورا يجتاح كيانه من كلماتها التي سيطرت عليه وجعلته يبتسم بجاذبية، ثم سبح بنظراته عليها منبهرًا بسحرها الذي خطف لب قلبه وهو ابن العشرين ربيعًا، فأردف بنبرة رجلًا عاشق: اعشقك مجنونتي وأود ادخالك داخل صدري حتى لايراكي سوايا، ولا تفترقي عن نبضي، وتملئي روحي وكياني بدقات قلبك باسمي.
أغمضت جفونها تستمع لمعذوفته التي جعلتها قديسة لعشقه الطاغي على روحها، نعم هي لم ولن تندم ابدا عن عشقها لرجلها الأول والأخير
اعتدل بعدما وجدها بتلك الحالة، واتجه إلى الشرفة يسحب سجائره، أعتدلت جالسة على فراشها، ودقات قلبها تقرع كالطبول، ذهبت ببصرها إليه، وجدته ينظر للسماء وينفث دخان سجائره بهدوء. حملت أكوابها التي أعدتها واتجهت إليه.
نظر للكوب، ثم جلس على المقعد وأشار عليه: -قشطة وعسل ياجنى، بعد الأكل اللي اكلنها
توقفت أمامه بعدما شعرت رفضه للطعام، واتجهت تجلس فوق ساقيه وتناولت كوبه من بين يديه
-لا ماهو أنا متعبش وفي الاخر متكلوش، جاسر مش شايف نفسك بقيت تحرق سجاير اكتر من الاكل.
رفعته للأعلى ونظرت إليه قائلة بتوضيح: -اولا دي قشطة طبيعية مش صناعية ابدا ومفهاش مواد حافظة، ثانيا دا عسل نحل طبيعي برضو يعني مش سكر ولا حاجة، وعارفة ومتأكدة انك بتحب الفواكه كدا ايه اللي اتغير
الكوباية دي هتتاكل كلها ومن غير اعتراض، نظرت بساعة يديها
-علشان عايزاك في رحلة قبل الفجر
تفحصها بنظراته وغمز بطرف عينه
-حلو رحلة ايه دي، لو اللي في بالي تحت أمرك. وضعت الملعقة بفمه.
-ابلع ياحبيبي، دايمًا نيتك وحشة وقليل ادب
قهقه عليها: برضو هتقول قليل أدب. فرد شعرها يلفه حول معصمه: -يابنتي افهمك إزاي إن جوزك لسة مؤدب
رفعت حاجبها ساخرة: -أيوة عارفة محترم، وأنا اكتر واحدة شاهدة على كدا.
طيب مابلاش فواكهك دي انا عايز اكل حاجة تانية.
ادخلت الملعقة بفمه واردفت متمثلة الغضب: -كل ياحبيبي، الفجر هيدن، قال تاكل حاجة تانية. دفن أنفاسه بعنقها يهز رأسه وهو يضحك بصوت مس كيانها فلمست خصلاته: -ربنا مايحرمني من ضحكتك ودايمًا منور حياتي
رفع رأسه ولمعت عيناه مبتسمًا: -جنى إنتِ حقيقي كنتِ مستعدة تزعلي باباكي وتتخلي عن كل حاجة علشاني، كان ممكن تضحي بيهم علشاني.
تنهدت متألمة على تلك الأيام ثم ذهبت ببصرها تنظر لذاك الظلام الذي يعم الأجواء ثم اتجهت إليه: -هتسمع مني للأخر صح. اومأ لها دون حديث: -مكنتش هقدر ياجاسر، انا كنت بضغط بالكلام بس، رفعت عيناها إليه
-لكن لو بابا فضل مُصر وقتها وانت رفضت مكنتش هرجع معاك.
-أنا عارفة بابا كويس، بابا بيفكر في حاجة، أو بحاول يقنعني بحاجة هو شايفها صح وأنا شايفاها غلط، هو شايف حبي ليك حب مرضي، وأنا شايفاه عشق، علشان كدا مردتش اضغط عليه وعملت اللي طلبه مني، دلوقتي هو أكيد زعلان مني وحزين علشان ماعرفتوش. اللي مطمني انك عنده غير أي حد، أما على كلامه عنك الايام دي أنا معرفش، ممكن تكون إنت عارف ومخبي، اللي متأكدة منه مش موضوع فيروز هو اللي أجبرك تبعد عني. حاسة الموضوع أكبر.
استدار يشير للمنزل حتى يغير الحديث
-إيه رأيك في البيت حبيبي مقولتيش.
ليه اشتريت البيت دا، بعيد قوي، وبيت مين اللي جنبنا دا
-حبيت البيت علشانك، هو مش جنبه بحر بس حلو
امم. عجبني قوي، ماقولتش بيت مين اللي هناك
توقف يسحب كفيها يشير إليها
-بيت راكان البنداري، بس مبيجيش فيه غير أوقات معينة
نظرت حولها تشير إليه: -علشان كدا محاوط بالأمن في كل مكان، وأنا داخلة كنت مفكرة داخلة وحدة عسكرية.
جذب كفيها ووضع الفواكه بفمه مجيبًا: -طعمها حلو تسلم ايدك ياروحي، موضوع الأمن دا شغل راكان، بيخاف على ولاده جدا، بعد اللي حصل عامل في كل أملاكه كدا، وبالمناسبة مراته جميلة قوي عايزك تتعرفي عليها، هي ماسكة شركات العيلة كلها، واسمها الكل يعرفه في مجال الاقتصاد
-امم، عندهم ولاد؟
اومأ لها
-آه. بنت وولد، ابنها اللي كان اتخطف من فترة، ومعاها ولد من اخو راكان
-أيوة افتكرتها، مش دي اللي حضرت فرحك على فيروز.
-أيوة هي وكمان رحنا كام مرة عندهم
-طيب ياحبيبي كل والعمر لإلك ياحنين
-زعلتي ليه بس جنة حياتي، قالها وهو يقبل أناملها
وضعت ملعقة بفمه وحاولت تغيير الحديث فتحدثت: -نسيت اسألك هنروح امتى للدكتور علشان نطمن على البيبي، على فكرة مرحتش ولا مرة
رفع ذقنها واحتضن وجهها يقربها إليه
-الوقت اللي يعجبك، المهم تكوني مبسوطة
ذهب ببصره لحمام السباحة عندما وجد نظراتها إليه، فأمسك فواكها
-مبتكليش ليه؟
هزت رأسها رافضة.
-أكلت شوية وأنا بحضر تحت
سحب كفيها واتجه للأسفل: -تعالي معايا. قالها وهو ينظر بساعته، باقي ساعة وعشر دقايق همس بها وهو يجذب طبق الفراولة واتجه للأسفل.
وصل إلى حمام السباحة متوقفًا، لم يعطيها وقتا للحديث، جذبها لأحضانه ينزل بها، ارتفعت ضحكاتها وهي تتشبث بعنقه تصرخ به
-بتعمل ايه يامجنون
-طيب ايه عمرك شوفتي حد بيعوم بالبنطلون. لكمته وهي تضحك. فغمز قائلاً: -طب والله ظلم للمية، ارتفعت ضحكاتهما عندما جذب بنطالها، واردف مشاكسًا
-رغم أنه قصير بس رخم. دفعته وهي تبتعد عنه
-ياقليل الادب، وأنا بقول ايه الكرم دا كله. رفعه يلقيه بالخارج.
-متبقيش جاهلة يابت. نستي قوانين جوزك ولا ايه
-أيوة قوانين عايزة تتربى ياحبيبي
ارتفعت ضحكاته بصخب، يرفع ذقنها
-أنا اتربيت على ايدك ياروحي، فلو ناقص رباية البركة فيكي
-وسع ياجاسر عايزة اعوم شوية قبل الفجر، انا مصدقت
حاوط خصرها ينظر لأسفل المياه
-تعالي نغطس تحت، اعتبريه بحر، انا عامله عميق علشان عارف هوسك ياسمكة
ابتعدت عنه وبدأت تسبح لبعض الوقت، وهو يحاصرها بنظراته.
جلس على حافة المسبح يطالعها مبتسمًا، تحركت إليه
-ايه تعبت ولا إيه؟ قالتها وهي تجذب الفراولة من جواره تتناولها، انحنى يجذب الفراولة من كفيها ثم وضعها بفمه
-طعمها حلو. لكمته وحاولت أخذها
-إنت مجنون، هتتعب، بلاش وحياتي ياجاسر. أشار على فمه غامزًا
-خديها. قالها وهو ينزل إلى المياه يحاوط جسدها بذراعيه ثم رفعها تجلس على حافة المسبح: - نظرت إليه بتيه وهو يلوك الفراولة، ثم أشارت عليها.
-هتتعب بجد، إنت بتحسس منها، وضع واحدة بفمها
-جنجون مفهاش حاجة لما اكلها معاكي مرة، وبعدين طعمها حلو. قالها وهو يمرر إبهامه على خاصتها. عايز ادوق
ضيقت عيناها متسائلة: - تدوق ايه، لم تكمل حديثها بعدما اقتطفها من ثغرها يحملها متجها بها للمياه مرة أخرى. خبئت نفسها بأحضانه: -والله قليل ادب، ألقاها بهدوء بالمياه قائلاً
-احمدي ربنا إنك حامل. نظرت إليه
-أكلت تلاتة انت عارف ممكن يحصل لك ايه، سبح بالمياه وهتف.
-كنت عايز ادوق الفراولة بطعم الفراولة ياروحي، ومستعد اتحمل اي حاجة بعد كدا، اتعودي علشان حبتها
توقفت للحظات وهي تراه يسبح بعيدا عنها، استدار متجهًا إليها مرة أخرى اقترب منها قائلاً: -لسة بتفكري في الفراولة، ايه رأيك ندوق واحدة كمان. اقتربت منه.
-جاسر انت مجنون، فكرني لما نطلع تاخد اي حاجة علشان متتعبش، جمع خصلاتها المبتلة على جنب وانحنى -والله لو حصل لي إيه، الفراولة دي بعد كدا هكلها بطريقتي الخاصة. وماتحاوليش ياحبي بدل ماأخرج اكمل الطبق كله، ياله تعالي نعمل مسابقة واللي يفوز يطلب من التاني طلب، ممكن طلبي يعجبك، متخافيش ممكن نغير الفراولة. رغم شعورها بالأعياء إلا أنها هزت رأسها بالموافقة عندما وجدت سعادته. تحركت تسبح لبعض الدقائق.
شعرت بالدوار فتوقفت بوسط المسبح، وكأنها تريد التقيئ، ابتسم لها من بعيد
-ايه ياسمكة تعبتي. بدأت الرؤية تتلاشى شيئا فشيأ، فهمست بصوت كاد أن يسمع
-جاسر الحقني!
كان يسبح بعيدًا عنها ولم يستمع لحديثها، لحظات و لم تشعر سوى بالسواد يحاوطها، سبح حتى وصل إلى حافة المسبح ورفع كفيه. كدا خلصت، تعالي نخلص الطبق، توقف عن الحديث وهو يتلفت حوله يبحث عنها اتجه مهرولا بدقاتة العنيفة يصرخ باسمها وكأن قلبه يصفعه عما فعله، حينما وجدها تترنح بجسدها لتسقط بالمياه، سبح كالمجنون إلى أن وصل إليها
رفعها فوق المياه يضرب على وجهها، ثم سحبها بين ذراعيه يخرج بها.
-جنى حبيبتي، جنى ظل يرددها، محاولات إلى رفرفت بأهدابها، اعدلها يضمها لأحضانه بقوة: -كدا ياجنى، عايزة تموتيني. همست بإعياء
-آسفة. حملها وصعد بها للأعلى دون حديثًا آخر، ساعدها حتى انتهت تبديل ملابسها
-جاسر أنا كويسة، ممكن يكون ضغطي نزل، أو. وضع كفيه على شفتيها
-خلاص، ريحي دلوقتي، باقي نص ساعة على الفجر، هجبلك حاجة سريعة تاكليها. هزت رأسها رافضة حديثه
-قولت مش عايز إعتراض، نظر لبطنها.
-دلوقتي إنتِ حامل لازم تهتمي بنفسك اكتر من كدا، وتنظمي حياتك، جنى غلطة منك تخوفني عليكي، هحبسك هنا. قالها وتحرك متجها للأسفل. توقف مستندًا على رخامة المطبخ يسحب انفاسًا يستعيد تنفسه الذي شعر بإنسحابه، دقائق معدودة ثم صعد إليها ببعض الأطعمة، جلس بجوارها إلى أن انتهت من طعامها.
حاسة بإيه دلوقتي. ابتسمت له
-كويسة الحمد لله حبيبي، ابتسم يزيل خصلاتها العشوائية على وجهها.
-شوفتي علشان مخلتنيش اكمل الفراولة. وضعت رأسها على كتفه
-شوف اي حاجة للحساسية علشان خاطري، متخلنيش اندم اني جبتها
رفع ذهقنها يتلمس ذقنها
-حتى لو قولتلك اول مرة اكل فاكهة طعمها حلو كدا، دنى يلمس ثغرها
-فراولة بطعم الفراولة ياروحي. أغمضت عيناها تهز رأسها: -مفيش فايدة فيك أبدًا. نهض من مكانه
-تجرني للرزيلة وترجع تقولي قليل ادب
اقعد عايزة اسألك شوية اسئلة
جلس محتضًن كفيها يرفعهما يقبلهما، امري.
-طالعته بعيون عاشقة ثم تسائلت: -ليه طلقتني ياجاسر؟ ليه حرمتني منك الوقت دا رغم الحب دا كله، وليه بابا ضغط عليك، مخبي عليا ايه، انا مش مصدقة اي حاجة من اللي قولتها
زفرة حارة خرجت من جوفه ثم اتجه بنظره إليها
-يادوب ادخل اخد شاور علشان الصلاة.
قالها ثم تحرك إلى الحمام وخرج بعد دقائق معدودة قائلاً: -مفيش مساجد قريبة من هنا، هاخد العربية متخافيش لو اتأخرت، هحاول اشوف اقرب مسجد، وانت ِصلي وأقرأي شوية في المصحف لو قدرتي لحد ماارجع
نهضت واقتربت منه
-ماجاوبتش ليه
- جنى بعدين هنتكلم في كل اللي أنتِ عايزة تعرفيه، بالنسبة ليه طلقتك افتحي الفون وارفعي رقمي هتلاقي الرسايل اللي بعتها.
تحركت إلى أن اقتربت منه واحتضنت ذراعه ورفعت نفسها تعانق رقبته تحبس أكبر كم من رائحته واغمضت عيناها هامسة: -آسفة ياجاسر، عايزة تحكي لي كل حاجة، مش عايزاك تخبي عليا حاجة لو سمحت حبيبي
-جنى على فكرة كدا هتوضى تاني، ومش بس كدا هضيعي الصلاة والصيام ياقلبي، سيبك من شغل الاطفال دا. قولت لك هنتكلم بعدين
لكمته بوهن فضحك على تحولها.
-امشي ياله ياعم الشيخ ومتنسنيش من دعواتك ياحبيبي. ضغط على خصرها يجذبها بقوة إليه
-بتتريقي على جوزك ياجنجون. بتر حديثهم انطلاق مدفع الأمساك
تراجع مستغفر ربه
-البت دي هضيع صيامي، يعني راجعة لي في رمضان ياختي
قالها وهو يتحرك للداخل
-شاطرة بس كل شوية تنقض وضوئي
جلست على الفراش تاكل أظافرها
-طيب يابن عمي اصبر عليا لو مااخدتش حقي منك يبقى استاهل.
خرج على حديثها مع نفسها، ألقى عليها المنشفة: -قومي استعدي للصلاة ياروحي كنتي هتموتي من شوية
ظلت كما هي ترمقه بنظرات صماء حتى خرج.
بحي الألفي
بعد فترة رجع جواد من المسجد بدخول صهيب إلى منزله
- صهيب، توقف صهيب يواليه ظهره، خطى جواد إلى أن وصل إليه
-يعني مرجعتش بيتك، موجود هنا، طيب ليه مجتش اتسحرنا مع بعض
-جاسر رجع جنى إمتى ياجواد؟ تسائل بها صهيب
زم شفتيه يضغط عليه مبتعدًا ببصره عنه ثم أردف: -مسألتوش ليه، وانا هعرف منين.
استدار صهيب وتوقف أمام نظراته وطالعه بملامح جامدة على عكس حزنه الداخلي: -ابنك كان بيلعب عليا ياجواد، دقق النظر بعينه
-إنت كنت عارف صح
أشار له بالجلوس بالحديقة
-تعالى ياصهيب، انا أجلت الحديث معاك كتير، بس كفاية لازم اعرف انت عايز ايه بالظبط
جلس الأخوين.
-سامعك ياصهيب، عايز اعرف انت مشكلتك فين، فيروز ماتت، جاسر وساب القضية علشان يحمي مراته واخواته، ونقل شغله، ممكن تقولي ايه مشكلتك.
سلط عيناه على جواد وتسائل: -إنت مصدق كلامك، لو انت مصدق، يبقى تأكد انك مش عارف ابنك كويس
انا قولت لك أنه لسة على تواصل بالقضية وعندك باسم وفريق القضية كله.
أطلت من جواد نظرة قاسية وهتف بنبرة جادة: -ولو زي مابتقول، انا مش هقف قدام مستقبل ابني ياصهيب، ولا عمري ادخل في حياته الخاصة، ويوم ماقولت له طلق مراتك، دا علشان اشتريت خاطرك ومحبتش تزعل وقولت من حقك أن بنتك ماتكنس زوجة تانية لو الولد فعلا ابنه، أما لو كان على موضوع القضية صدقني مكنتش وافقت
اقترب جواد وغرز عيناه بأعين صهيب.
-ارجع وافتكر موت جاسر الحسيني انا وقتها اللي كنت مقصود ورغم كدا شوف مين اللي مات ومين اللي لسة عايش. ابني بين ايد ربنا لا قضية ولا مليون هتدخل في قدره يابن ابويا، ايه ياحضرة الدكتور هتدخل في حكم ربنا
امسك صهيب كفيه وهتف بترجي.
-أنا خايف عليه، والله مش موضوع بنتي ياجواد، جاسر ابني، مسكته من أيده اللي بتوجعه، واللي يوجع جاسر جنى، قولت هيتخلى عن القضية علشانها، بس طلع دماغه ناشفة ياجواد، ووجعني لما اتخلى عن البنت، وحياة ربنا لما طلبت أنه يطلقها كنت بضغط عليه علشان خايف عليه، مش علشان جنى، رغم اتهددت بيها قولت بيقى ناوين يعملوا فيه حاجة وحشة.
انسابت دموعه يمسحها بعنف وتحدث بصوت متحشرج مخنوق من البكاء: -جاسر ابني ومتنكرش دا، اكتر واحد في إخوته متعلق بيه، وعارف علاقتنا ببعض ازاي، وهو الوحيد اللي اتمنيته لجنى، وكل الكلام اللي كنت بقوله علشان اضغط عليه، ممكن تكون انت اقوى مني، بس هتصدقني لو قولتلك مش مستعد اخسر جاسر تاني ياجواد
معنديش ياخي قوتك ولا ايمانك، اه ابنك من صلبك بس دا ابني غصب عنك وعنه ولازم يسمع الكلام ويبعد عن الناس دي.
تراقص قلب جواد فرحًا من كلمات اخيه، كان يعلم بحب صهيب لجاسر
ورغم ماشعر به إلا أنه ظل على حاله
فرسم العبوس قائلًا: -عايز تقولي علشان بتحبه تبعده عن مراته الشهور دي كلها، دا حتى موقفتش قبل شهور العدة ماتخلص وقولت رجع مراتك. اخدت بنتك وسافرت وكأنها مالهاش راجل ترجع له
قهقه صهيب بصخب يضرب كفيه ببعضهما وكأنه تحول للجنون.
-انا ازاي عدت عليا دي، دا تربيتي ونسخة تانية منك، رمق جواد ساخرًا.
-يعني عايز تفهمني أنك مكنتش عارف أنه رجعها قبل السفر...
ظلت نظرات جواد تطالعه بصمت إلى أن نظر إليه صهيب
-مش هخبي عليك وأقولك انا كنت عارف، لا مكنتش متأكد، بس اللي زي جاسر دا ميسكتش ويسبها تسافر معايا كدا إلا إذا كان مرجعها ابنك المجنون، ضغط عليه ابن ال. وقولت علشان اولعه بس الواد طلع مستفز وانا اللي ولعت
ابتسامة ساخرة لاحت على وجهه جواد: -يعني إنت كنت عارف؟
هز صهيب رأسه بالنفي.
-كنت شاكك، يعني فعلا رجع البنت
نهض جواد من مكانه
-اومال بنتك حامل ازاي؟
تسائل جواد بها ساخرًا
نظر له بأعين يتطاير منها الحزن
-رجعها امتى ياجواد، وليه جنى ماقلتليش
استدار جواد للمغادرة وأجابه: -السؤال دا مش ليا ياصهيب، السؤال دا لبنتك وجوزها. توقف جواد مستديرًا
-روح نام ياصهيب، انت لسة قايل متمنتش غير جاسر لبنتك، وخلي الأقدار دي بتاعة ربنا محدش له يتحكم فيها.
قالها وتحرك فهتف صهيب بصوت مرتفع: -ابنك عايز يدخل لتميمي ياجواد من سكة أنه مش متزن أخلاقيا
تسمر جواد بالوقوف ثم استدار إليه سريعًا، تحرك صهيب إلى أن وصل ووقف أمامه
-جاسر متفق مع جواد أنهم يعملوا مسرحية في العملية اللي المفروض يعملوها، ويتهموا جاسر بالتواطئ مع التميمي، علشان ياخده في حضنه بعد ما يوافق بتهريب الشحنة، اقترب وحدجه.
-ابنك رايح للموت برجله ياجواد، انت عارف لو عمل كدا ممكن التميمي يعمل فيه ايه، اظن انت اكتر واحد عارف المجرمين دول.
لكمه صهيب بصدره: -متقوليش دي وظيفته وعمله اللي لازم يضحي بنفسه علشانه، ابنك بقاله فترة عايز يقنع التميمي بحاجات، علشان كدا كل شوية ينقل نفسه من مكان لمكان، ايه ياجواد فين خبرتك جاسر عرف يثبتك بكام كلمة، فين جواد الألفي اللي كان يعرف الواحد من نظرته، فوق لجاسر ياجواد، الواد هيضيع بغرض أنه عايز يثبت للكل أنه ابن جواد الألفي ودخل الشرطة بمجهوده مش علشان هو ابن الألفي، خليك ورا جواد حازم وهتتأكد من كلامي، وإياك تقولي دا شغله، هترتاح وهو بين مافيا تجار مخدرات وأسلحة وأعضاء بشر. دنى وهمس له من تحت ضروسه.
-دا الحكومة معرفتش تمسك غلطة عليهم، ابنك هيقدر ياحضرة اللوا، تفتكر التميمي هيخيل عليه لعبة أن ابن الألفي يكون خاين وبتاع فلوس
طيب فيروز ماتت اللي كان بيحاول يسبها عايشة علشان توصله بسهولة
توسعت أعين جواد بذهول لما يستمع إليه، هز رأسه واردف بلسانًا ثقيل: -لا مستحيل، اللي بتقوله دا، جاسر ميعملش كدا، هو قالي أن زرع حد معاهم
رفع صهيب كتفه للأعلى.
-جواد عندك اسأله، انا سمعتهم بنفسي يوم ولادة ايهم، كنت خارج بالصدفة وهم قاعدين في الجنينة هنا وقدامهم ورق وعمال يتكلموا، سمعتهم محدش قالي ياجواد، ومن وقتها وانا بدور ورا جاسر، طبعا باسم حريص مابيقولش ولا حرف، وانت اه بتراقبه من بعيد لبعيد بس متعرفش هو بيخطط لأيه
ذهب بذهنه لبعض الحوارات بينهما ثم هز رأسه
-لا جاسر مش غبي علشان يعمل كدا، انا واثق مستحيل يفكر في الغباء دا.
استدار صهيب متحركًا: -جاسر اتغير ياجواد، أنا مبقتش عارف هو بيفكر في ايه، ولا عايز ايه. ابنك طموح وعايز يوصل بسرعة
توقف ورمقه
-دا هددته باغلى حاجة عنده، ورغم كدا نفذ اللي في دماغه
أشار بسبباته وتحدث
-أنا مش هسيبه لجنانه، ولا هسمع كلامك، لو وصلت اعزله من الشرطة هعزله الموضوع عندك وشوف هتعمل فيه ايه ياابوجاسر. لكزه بصدره: -علشان تفضل أبو جاسر وقف ابنك عند حد، مش نرمي نفسنا في التهلكة ونقول قدر ومكتوب.
بالأعلى بغرفة ياسين
أنهت صلاتها فتحركت تخلع اسدالها، نظرت لتلك المنامة التي كانت ترتديها، لطمت بخفة على وجهها
-يالهوي عليكي ياعاليا، انا نمت جنبه كدا. جلست تبكي بصوت مرتفع
-أنا معرفش بقى مالي بحس بحاجات غريبة دلوقتي يقول برمي نفسي عليه
ألقى مفاتيحه ثم أردف: -لا مش هقول يابلقيس، ارتاحي، توقفت تزيل عبراتها وهمست اسمه بخفوت.
تحرك إليها فلا يريد سوى اقترابها وضمها لاحساسها بالأمان، قرأ كثيرا عن التقلبات المزاجية للحامل
سحب كفيها واتجه بها للفراش
-عارف انك متقلبة المزاج ودا مش عيب في حالتك، أنتِ اصلا كنتي مجنونة قبل الحمل وكنت بتحملك فتخيلي بعد الحمل برضو لازم اتحملك
انسابت عبراتها على وجنتيها
-ياسين عايزة اعيط
مسح على وجهه بعنف يستغفر ربه
-ليه هو إنتِ كدا بترقصي.
ازداد بكاؤها، فتنهد بعمق يملأ صدره بالهواء الذي شعر بإنسحابه من بكائها، فكأن دموعها نزلت على صدره شظايا نارية
قام بتحرير خصلاتها وجمعهما للأعلى
-ارتاحي وبلاش تعيطي تمام
نظرت إليه بعينها الباكية، لا تعلم لماذا يجذبها هذا الرجل بحنانه، رغم كرهها له، هل جنت بالفعل، ظلت كما هي لم تتزحزح قيد أنملة سوى عندما سحب كفيها وقام بعدل الوسادة وأشار السرير
-نامي وارتاحي، ممكن ماتفكريش بحاجة.
هزت رأسها ثم نظرت لنفسها قائلة: -هنام جنبك كدا، رغم محاولته الصمود أمام فتنتها إلا أنه ابتسم يغمز لها بطرف عينيه
-متخافيش احنا صايمين، إلا إذا كانت بلقيس فاطرة مثلا
ابتسمت من بين دموعها تهز رأسها حتى فلت ضحكتها بصوتها الأنثوي ليطالعها لأول مرة وكأنه يستكشف ملامحها الجميلة.
تراجع بخطواته يستغفر ربه ثم أشار لها بالتمدد، لكنها تحركت إلى غرفة ثيابها
-هلبس حاجة الأول.
اومأ متفهمًا ثم اتجه إلى النافذة، ينظر للخارج مغمض العينين يسحب كم من الهواء الصباحي النقي. ذهب ببصره لدخول عمه لمنزله وتحرك والده بخطوات بطيئة كأنه مهموم. ظلت نظراته على والده إلى أن دلف لداخل المنزل ولم يشعر بتلك التي توقفت خلفه
-مش هتنام؟ تسائلت بها بخفوت
استدار يشير إليها بالتحرك
-هقفل الشباك علشان الضوء ميتعبكيش وانت نايمة.
جلست على ناحية من السرير، ونظراتها عليه حتى انتهى مما كان يفعله. اتجه يشير إلى الأريكة
-لو مش مرتاحة بالنوم جنبي نامي وانا هنام على الكنبة، هما ساعتين اصلا وهسافر
هبت من مكانها
-إنت مش قولت نقلت اسماعيلية ليه هتسافر تاني
رفرف قلبه بسعادة داخلية فاقترب منها يحتضن وجهها ويزيل عبراتها التي انسابت رغمًا عنها
-وبعدين مش قولنا نبطل بكى، ليه بتعيطي تاني.
حاوطت خصره تدفن نفسها بأحضانه، مما ارتفع أنفاسه المتوترة، ودقات عنيفة بجنبات صدره، ابتلع ريقه بصعوبة، وحاول مجابهة الموقف الذي وضع به، فتحدث مازحا حتى يسيطر على دقاته العنيفة
-طيب لاحظي انا صايم يابلقيس، وحياة ولادك، اعتبريني عدوك دلوقتي وابعدي عني، بلاش يابنت الناس الطيبين تحوليني للأنسان سئ.
تحمحمت متوترة، فتراجعت تفرك كفيها وزاغت ابصارها بكافة الاتجاهات تبتعد عنه إلى أن تحدث: -نامي، هسافر اخلص شوية حاجات وهرجع على المغرب إن شاءالله واديني بحاول انقل هنا علشان اكون قريب منك. قصدي قبل الولادة
هزت راسها متفهمة ثم تحركت للفراش وتمددت تواليه ظهرها وابتسامة تجلت بملامحها تهمس لنفسها
-المهم هتكون قريب. حدثت نفسها
-حبتيه ياعاليا بعد اللي عملوا فيكي.
دفنت وجهها بالوسادة لتمنع دموعها شعر بها فجذبها لتتوسد ذراعه يهمس لها ببعض الكلمات الحانية حتى غفى الأثنين.
بغرفة بيجاد
نهض من فوق فراشه عندما استمع لصرخات ابنه، اعدل من وضعية نومها بهدوء، ثم ارتدى كنزته وتحرك للخارج
دلف لداخل الغرفة
- قصي بيعيط ليه؟
جذبه من مربيته يهدهد له يهزه بهدوء
فتحدثت المربية: -بيطلع ضروس علشان كدا مش مبطل عياط
جلس وظل يمسد على رأسه، فأشار إلى رضعته
-هاتي الرضعة وأنا ههتم بيه، روحي نامي
-ماينفعش يابيه
رفع رأسه يشير بعينيه بخروجها حتى خرجت دون حديث آخر.
ظل مع طفله لبعض الوقت، ثم حمله واتجه إلى الحمام
-ايه رأيك تاخد شاور مع بابي وتنام في حضنه، اوووه قصي باشا هينور حضن بباه. وضعه بالبانيو لبعض الوقت يداعبه، حتى انتهى من استحمامه، واتجه إلى فراشه، ليضعه على بطنه يحاوطه بذراعه مما جعل الطفل يغفو بهدوء.
بعد فترة ليست بالقليل تملمت بنومها تبحث عنه، فخطت لغرفة ابنها، وجدته نائم على فراش الصغير بجسده الضخم، تحركت إليه تلمس وجنتيه هامسة له بعدما تناولت طفلها من فوقه
-بيجاد حبيبي قوم نام جوا، ايه اللي نومك هنا. وضعت طفلهما بمهدهما، اتجهت إلى غرفة سفيان تراه، وجدته مازال نائم، اتجهت لزوجها الذي استيقظ جالساً يمسح على وجهه سحبت كفيه متحركة لغرفتهما تشير إليه بغضب ونار الغيرة تلهم أحشائها.
-ازاي تنام كدا في اوضة الولد، أشارت لصدره العاري، وسرواله القصير، جن جنون الغيرة لديها
-مجبتوش وجيت هنا ليه، افرض دخلت وانت كدا. قالتها وهي تلكمه بصدره واشتعل جسدها تريد إحراقه مثلما تشعر الان
جذب رأسها يضمها لصدره، ثم طبع قبلة مطولة أعلى رأسها
-يالة ننام حبيبتي وبكرة نكمل كلامنا
رفرفت اهدابها حزينة واردفت: -بتاخدني على قد عقلي يابيجاد.
اتجه إليها وحاوط أكتافها: -لا ياغنى باخدك على قد حبي، علشان زعلان منك، شايفة حبي مش كافي علشان تتهميني بكدا
دفنت نفسها بأحضانه تحاوط خصره: -أنا زعلانة منك علشان سبتني وقومت، سحبها متجهًا للفراش
-تعالي ننام حبيبتي، وبعدين نتكلم، انا مقومتش غير لما سمعت صوت قصي بيعيط
تمددت بأحضانه ثم ذهبت بنومها سريعًا. ظل يمسد على خصلاتها حتى غفى.
ظهر اليوم الثاني
استيقظ على رنين هاتفها، ازال خصلاتها ليظهر وجهها ثم انحنى يهمس لها
-جنجون تليفونك حبيبتي. جذبته من جوارها ثم إجابت وهي مازالت غافية
استمعت إلى صوت العاملة بمعرضها: -مدام جنى حضرتك مش هتفتحي النهاردة، المعرض لسة قافل، وحضرتك قولتي فيه حاجات هنعملها قبل ميعاد توافد الزائرين
فتحت عيناها تنظر لزوجها
-هي الساعة كام؟
-اتنين. اعتدلت تستند على ذراعيها وأجابتها: -حنان جت ولا لسة.
-لسة يامدام. تمام خلي الأمن يفتح لك وانا هعدي بالليل وهبعتلك جدول النهاردة. لو فيه مهم كلميني
أغلقت الهاتف معتدلة بجلوسها تجمع خصلاتها
-صاحي من زمان!
اومأ لها ثم نهض من فراشه: -هتخرجي ولا ايه؟
جذبت روبها وارتدته متحركة إليه، بعدما تمدد على الأريكة. جلست بجواره على طرف الأريكة تمسد على خصلاته: -قولي انك لغيت السفر، نظر لقربها ثم لكفيها. فاعتدل جالسًا يمسح على وجهه.
-قومي صلي الضهر، وبعدين لازم نتكلم، فيه حاجات لازم نتكلم فيها
اقتربت منه ترفع ذقنه عندما وجدته يبتعد بنظره عنها
-مالك ياجاسر، انت زعلان مني؟
هز رأسه يشير إليها قائلاً: -لاحظي إننا صايمين ياروحي، قومي وغير هدومك دي
قهقهت عليه ثم استندت بذراعيها تقترب منه: -جسور المؤدب، مين يصدق انك هادي وجميل كدا ياروحي
دفع ذراعها فسقطت فوقه تضحك بصخب عليه. هب فزعًا من مكانه.
-بت اتلمي، والله هضربك. ولا أقولك هخرج احسن ونتكلم بالليل. تحرك وهو يهمس لنفسه قائلا
-وترجع تقولي قليل أدب
قالها متحركًا للخارج. ظلت ضحكاتها ترتفع بالمكان، حتى اختفى من أمامها، اتجهت إلى الحمام ومازالت ابتسامتها تزين وجهها، توقفت أمام المرآة تنظر لعيونها اللامعة، ووجنتيها المحمرة من النوم. ذهبت بخيالها لليلة امس، ضحكت مستغفرة
-جننتني يابن عمي. افلتت ضحكة مرة اخرى، تغمز لنفسها بالمرآة.
-بس حلوة الحركة دي، والله لأجننك ياجاسر، اصبر عليا
بجناح ياسين
فتحت عيناها على صوت حركته بالغرفة وهو يجهز حقيبته، جلست تراقب مايفعله لبعض الوقت. رفع نظره إليها وهتف: -يومين وهرجع إن شاءالله، خلي بالك من نفسك والبيبي، بلاش تجهدي نفسك
نهضت متجهة إليه: -طنط غزل كانت بتقول هنسافر، هنسافر فين.
رفع رأسه ومازال يضع اشيائه قائلاً: -لا السفر مش دلوقتي، قصدها هنسافر اخر اسبوع في رمضان، حاليا لا. نظر لأحشائها وتسائل: -لسة قدامك كتير على الولادة
خطت إلى أن وصلت مرآة الزينة تجمع اشيائه الخاصة واتجهت إليه: -لسة شهرين وشوية، لسة في السابع يعني قربت اخلصه
تناول منها الأشياء
-مترحيش لوحدك للدكتور، خدي جنى أو روبي
أمسكت كفيه ونظرت إليه: -هستناك نروح مع بعض لما ترجع إن شاءالله.
جذب رأسها يضمها لصدره ثم طبع قبلة على رأسها
-اتمنى. المهم خلي بالك من نفسك، واهتمي بأكلك كويس، لو مقدرتيش تصومي بلاش، مسمحولك الفطار. انا جمعت شوية حاجات عن الأكل المفيد علشانك، هتلاقيه في نوتس، متنسيش كلام الدكتورة. وخدي فيتاميناتك
نزلت بنظرها للأسفل تومأ برأسها، رفع ذقنها بابهامه
-لما ارجع لازم نتكلم في كل حاجة، كفاية تأجيل وهروب لحد كدا.
ابتسمت ولمعت عيناها بطبقة كرستالية، مما جعله يرفع أنامله لوجهها يزيل عبرة انسابت على وجنتيها فهمست
-ياسين أنا مظلومة، دا اللي عايزاك تعرفه.
حاوطها يضمها لأحضانه ثم تحدث: -عارف ياعاليا، وللأسف أنتِ اللي حطيتي نفسك محل شك، ليه عملتي كدا، وليه الواد دا صورك من غير هدوم، ازاي وصلك علشان يعمل كدا، وليه وافقتي على الجواز منه لو ظلمك، وليه كنتي زعلانة من كريم لما أصر على جوازنا لو فعلا انك مبتحبهوش، لازم تجاوبي على كل الأسئلة دي لحد ماارجع
استدارت تواليه ظهرها تفرك بكفيها.
-ترجع بالسلامة وبعد كدا هنتكلم ياياسين، وبعدها نقرر هنعمل ايه، فيه طفل برئ بينا مالوش ذنب
هدخل اخد شاور، يادوب علشان متأخرش. اومأت واتجهت إلى الأريكة تجلس عليها بحزن
توقفت متجهة لحقيبته، تضع مصحفه ومسبحته، تلمست ثيابه ثم رفعت كنزته تستنشق رائحتها بوله
-وبعدهالك ياعاليا، ليه بقيتي ضعيفة كدا، أمسكت زجاجة البرفيوم، تقربها من أنفها مغمضة العينين. استمعت لهمسه بإذنها.
-ريحتها حلوة. هبت فزعة، حتى سقطت من كفيها: -دي دا. بدأت تهمهم كلمات غير منسقة، تراجعت للخلف واستدارت تهرب من نظراته
-أنا كنت كنت يعني بشوف ريحتها
-عجبتك! استدارت بعيونًا مستفهمة
أشار إلى عطره
-ريحتها. صمتت تنظر إليه بصمت تهمس لنفسها
-إزاي اقولك بحب ريحتها عليك بس.
عاليا.! أخرجها من شرودها وهو يجذب ماكينة الحلاقة
-أنا كنت ناسيها، هادخل اخد شاور.
اومأت تنظر للأسفل دون حديث. ابتسم لها ثم تحرك للداخل، ذهبت ببصرها لحقيبته مرة اخرى، جذب نظرها ذاك الوشاح الأحمر، تحركت إلى أن وصلت إليه، فامسكته تنظر إليه بذهول
-دي بتاعتي ايه اللي جابها هنا، ضيقت عيناها متسائلة ثم وضعتها فوق الحقيبة، لترى ماذا سيفعل بعد خروجه.
خرج بعد فترة، توقف ينهي ارتداء ثيابه، ثم اتجه يجمع اشيائه الخاصة وعيناه تراقب جلوسها بصمت، وصل لحقيبته، وجد وشاحها، رفع نظره إليها وجدها تنظر بالخارج، ثم وضعه مرة أخرى في الحقيبة، رغم نظراتها الخارجية إلى أنها رأته من زجاج النافذة
ابتسمت تضع رأسها على ركبتيها ومازالت نظراتها بالخارج، تحرك إلى أن توقف خلفها
-أنا ماشي محتاجة حاجة. توقفت مستديرة إليه.
-خلي بالك من نفسك، وقول لكريم انا سامحته مبقتش زعلانة من حد فيكم
دقق النظر بموجها الهادئ وابتسم: -لا كدا انا خايف على نفسي، ناوية على ايه يابلقيس، بقولك انا مش ناقصني جنان. ضحكة ناعمة من بين شفتيها قائلة: -هعتبر دا هزار مش كدا ياملك الهكسوس. ارتفعت ضحكاته وهو يجذبها لأحضانه: -تعرفي بقيت أحب الهكسوس، فكريني بس هم احتلوا مصر كام سنة، علشان ناوي اعمل زيهم.
ارتفع نبض قلبها من قربه المهلك، فرفعت رأسها وتقابلت عينهما بكثير من الأحاديث الخفية عن اللسان ولكن تفضحها العيون. استدار بعدما شعر بضعفه أمامها، وتحمحم قائلاً
-خلي بالك من نفسك. قالها وهو يجر حقيبته، أسرعت خلفه
-ياسين!
توقف ومازال يواليه ظهره، اقتربت تقف خلفه واردفت بصوتًا متحشرج: -لا إله إلا الله.
-محمد رسول الله. قالها دون النظر إليها واتجه للخارج، جلست بمكانها وانسابت عبراتها.
-إزاي هقدر اعدي اليومين دول بعيد عنك، شهقة خرجت تضع كفيها على فمها
-اتجننتي ازاي تفكري فيه بعد إهانته ليكي، فوقي ياعاليا، حتى لو حبتيه، لا إنتِ مش بتحبيه، دي هرمونات الحمل أيوة انا عارفة دي هرمونات الحمل
استيقظ عز ينظر بساعته، فهب من فوق الفراش، متجهًا سريعا الى الحمام
استيقظت ربى بعد خروجه، اعتدلت على الفراش دقائق وخرج بالبورنس يبحث عن ثيابه. طالعته متسائلة: -عز فيه حاجة.
-والمفروض فيه اجتماع بعد عشر دقايق وراحت عليا نوم، يارب يكون أوس في الشركة، ارتدى ثيابه سريعا
-حبيبي هتأخر ؤ احتمال ارجع على الفطور على طول، بابا وماما رجعوا هنا متنسيش لبسك قدام بابا
رفعت حاجبها ساخرة
-ليه حضرتك متعرفش أنه عمي وابويا قبل مايكون ابوك
جذبها من رقبتها وانحنى يغرز عيناه برماديتها.
-أنا متأخر ماشي ياروحي، إياكي اشوفك تحت ببيجامة صافيناز دي، مبشوفش الحاجات دي غير في رمضان دا أنتِ ربيتني احسن من امي.
زيزو استدار وهو يغلق زر قميصه، فأرسلت له قبلة بالهواء
-هتوحشني ياروحي
ألقاها بفرشاة شعره
-طيب ياروبي، يعني هنفضل صايمين العمر كله. نهضت متحركة تضحك بصوتها الناعم، حتى اتجه إليها يجذبها بقوة لتصطدم بصدره
-بت مالك على الصبح، يعني تفضلي عند جواد لبعد الفجر، وجاية تسوقي الدلال واحنا صايمين، اتلمي وخليكي مؤدبة.
دفنت رأسها بصدره تلكمه: -والله كنت شغالة مع ماما على سكشن مهم ياحبيبي والوقت اخدنا، غير أننا قلقنا على جاسر ومرتحتش غير لما كلمناه وطمنا عليه
رفعت رأسها له تغلق زر قميصه وتابعت حديثها وهي تنظر لعيناه
-جنى باتت عنده، انت كنت عارف أنه رجع جنى صح يازيزو وخبيت عليا
ضيق عيناه متسائلاً: -بت انت من إمتى عارفة بحمل جنى
توسعت عيناها متصنعة عدم المعرفة: -أنا اعرف، لا طبعا. معرفش.
ضغط على خصرها فصرخت ضاحكة، عرفت والله من يومين بس، شوفت اختبار الحمل بالصدفة وانا عندها، وهي كانت ناوية تقول لجاسر، بس حضرتك قومت بالواجب
طبع قبلة على وجنتيها وخرج سريعا
-هنتحاسب ياروحي، سلام ياقلبي
.
توقفت متنهدة، ثم اتجهت لهاتفها
-جنجون حبيبي الف مبروك يا عمري
أخرجت ثيابها وأجابتها
-الله يبارك فيكي ياروبي، انا عند جاسر دلوقتي
-عرفت ياقلبي، وفرحانة برجوعكم يارب تهدوا انتو الاتنين العمر بيضيع على الفاضي.
-جلست جنى بعدما شعرت بعدم قدرتها على الوقوف
-أنا مكنتش عايشة اصلا ياربى، مش عارفة اعيش بعيد عنه، رغم أنه دايما بيضحي بيا، محدش قادر يحس بوجع قلبي وهو بعيد عني، حتى هو نفسه نفسي يحس بوجعي
زفرت ربى ترجع خصلاتها للخلف وهتفت: -جنى جاسر بيحبك وانتِ عارفة كدا، وانا كمان عارفة انك بتعشيقه، اقعدوا مع بعض وحلو مشاكلكم ياقلبي، اليوم اللي بيعدي مابيرجعش.
-تمام ياروبي، هسيبك علشان عندي كام مشوار، نتقابل بالليل سلام
بالاسفل كان مندمج بعمله على حاسوبه، استمع لرنين هاتفه:
-صباح الخير يا حضرة اللوا
-صباح الخير حبيبي، عرفت انك أجلت النقل، بركاتها الشيخة جنى، ياريت في منها كتير، مكنش دا بقى حال رجالة مصر
قهقه جاسر واردف مشاكسًا: -وياترى حالة سيادة اللوا، من انهي نوع
-لا ياروح خالتك، امك مش للهزار ياحلوف فوق وسيبك من العسل اللي عمال تغرف منه لحد ماجنينتك غرقت.
-أنا غرفت عسل، هو اللي أبوه جواد يغرف عسل برضو
ولا اتلم واسمعني، طبعا هتيجي تفطر هنا ومش عايز اعتراض، وهات البت المجنونة معاك، وعايزاك قدام الكل النهاردة تتأسفلها وتوضح أهميتها قدامنا، دا مهم قوي ياجاسر، دي حاجة الحاجة التانية لازم نقعد مع بعض فيه موضوع مهم جدا، يعتبر مستقبل ابوك بين ايدك
مط شفتيه يفرك رقبته: -امم. قولت لي مستقبل جواد الألفي، تمام ياحضرة اللوا هشوف مستقبلك واحدده.
-كلام اونطة مش عايز يابن جواد واستعد عمك جايلك ياحضرة الظابط. استعد للمواجهة النارية واياك
اغلق جهازه وتوقف: -وجاي ليه، انا كنت رايح له
مسح على رأسه: -متزعلوش وخليك بارد زي مامتعود عليك يامتخلف
-ايوة بس انا دلوقتي ماليش مزاج اكون بارد، يبقى تيجي تاخد اخوك علشان مترجعش تقولي معرفتش تربيني، انا هحاول استلف شوية برود بس مش كتير، بقول لحضرتك علشان مترجعش تلومني.
-لا يالا مؤدب، وداخل عليا دور الولد المطيع.
-تربيتك ياباشا.
اقفل ياحلوف انت لو قدامي دلوقتي. قطع حديثه
-عارف هتاخدني في حضنك ماهو مالكش غير حضنين العبد لله وغزالتك
-جاسر اسمع كلامي وبطل هزار، عمك صهيب مايخرجش زعلان من عندك، دي هتكون بينا بزعل سمعتني
-ومين قال بس أن اقدر ازعله بس ياباشا، دا عمو صهيب دا حبيبي كفاية أنه جابلي جنجونة قلبي
-الله يخربيت جنى وسنينها، اقفل يابغل. قهقه جاسر على والده.
-ايه ياجواد باشا بلاش اهزر معاك، متخافش يابابا هعرف اتصرف، حضرتك مش مستني مني اقولك عمو صهيب ايه بالنسبالي
-طيب اتصرف على الأساس دا، عز وبيجاد جاين معاه
-طب ليه يابابا، ماكنت هتكلم معاه وخلاص
جاسر اسمع الكلام، وخلاص
بعد فترة استمع الى رنين منزله بنزول جنى درجات السلم. فتح الباب فوقف صهيب أمامه
يعني كنت بتقرطسني يابن جواد
لكمه بصدره بقوة حتى شعر بالامه
-كنت بتعاملني كأني عيل يالا
رسم ذهوله متسعًا العينين.
-ايه اللي بتقوله دا ياصهيوب. طب ان شالله اعدم الواد عز ماحصل
كتم عز ضحكته، مبتعدًا بنظراته عن والده
فاستدار صهيب لعز مدققًا النظر به
-إنت كنت عارف!
اقترب جاسر من وقوف صهيب يربت على كتفه
-اسمعني بس ياصهيب وبعدين احكم. استدار صهيب إليه يرمقه بشرر من عينيه. ثم امسكه من تلابيبه
-أنا ياحلوف عيل علشان تلعب معايا. نظر جاسر لقميصه يشير إليه.
-يادي النيلة على القميص، هو انت وبنتك مش وراكم غير قطع زارير قميصي، طب هي معذورة عارف بتقطع الزراير ليه، ماهو ابن اخوك حلو وأمور برضو، إنما أنت عيب في حقك ياصهيوب.
ارتفعت ضحكات عز وبيجاد. توقف بيجاد عندما وجد تصنم جسد صهيب، فاتجه إليهما وتوقف أمامه
-لو منك بالمسدس اطخه عيارين الواد فلت والله ياعمو، اقترب وهمس بإذنه
-ياله اغسل عارك. الناس تقول عليك ايه. رمقه جاسر متسائلا عندما وجد شحوب وجهه صهيب
-إنت قولتله ايه ياحيوان. كنت استنى لما اتهنى بمراتي شوية
امسكه صهيب من تلابيبه، انت عايز اموتك يالا ولا ايه، قولي ناوي على ايه
قبل رأسه وهو يضحك.
-ناوي اخليك تحج سبع مرات والتامنة ندفنك هناك
قهقهات مرتفعة من بيجاد، رمقهم جاسر
-طيب ممكن تسبوني مع صهيوب شوية، عايز اتفاهم معاه لوحدنا، قالها وهو يغمز لعز. فأومأ برأسه يجذب بيجاد وتحرك للخارج
انت عايز توصل لأيه ياجاسر. قالها صهيب وهو يمسكه من تلابيب قميصه
. نظر لقميصه ثم رفع عيناه لصهيب
-هو الواحد بيموت كام مرة عرفني بس، اصلي ميت في بنتك.
كانت تقف على الدرج تكتم ضحكاتها عليه. أفلت صهيب ضحكة رغما عنه يدفعه بعيدا عنه
-والله هيدخلوني الانعاش بسببك، اقترب يقبل كتفيه
-بعد الشر عليك يا حبيبي، وبعدين مفناش من كدا ياصهيوب، انت هتلعب عليا، ماانت عارف إني مش هسكت وهرجعها، واتأكدت وانت واخدها ومسافر، فبلاش تضحك عليا وتعمل انك مصدوم
جحظت عيناه واقترب منه
-بس مكنتش اعرف انك حلوف وتقرب من البنت وانا عارف إنك مطلقها.
-يادي النيلة ماقولت لي قبل كدا اتجوز البت جواز صوري وقولت حاضر ومسمعتش كلامك، مستني بعد مابقت كل حياتي أبعدها ياصهيوب
استغفر الله العظيم. يابني انت مش وعدتني انك هتبعد عنها
-تعرف عني كدا ياعمو. جذبه من ذراعيه
-طيب المقابل ياجاسر، هتوعدني وعد مؤمن تتراجع على اللي بتفكر فيه، مراتك حامل دلوقتي
رفع نظره وجدها تقف على الدرج، أشار إليها.
-تعالي حبيبي. تحركت تنظر لوالدها بخجل. توقفت بجوار جاسر منحية الرأس، رفع جاسر ذقنها
-ليه موطية راسك ياجنى، أنتِ مرات جاسر الالفي، ثم اتجه بنظره لصهيب اكمل
-وبنت صهيب الألفي، اللي مربيها كويس وعارفة الصح من الغلط
جذبها صهيب من ذراعيها يضمها لأحضانه
-ألف مبروك يابابا، ربنا يكملك حملك على خير
رفعت رأسها إليه: -زعلان مني يابابا
انحنى يطبع قبلة على جبينها.
-بشرط يابابا ترجعوا حي الألفي، انا مستحيل اوافق تعيشوا بعيد عن أمن العيلة، قالها وهو يرمق جاسر بنظراته
جذبها جاسر من أحضان والده: -إنت كدا خدت حقك، كفاية عليك الحضن دا، انا صايم ومش عايز كلام كتير ياصهيوب
رفع حاجبه ساخرًا: ثم بسط كفيه لجنى
-ياله يابابا علشان نرجع حي الألفي، والحلوف دا هيجي بعدين
اتجهت بنظرها إلى جاسر، ثم إليه تمسك كف والدها بعدما أومأ لها بعينيه
ابتسم صهيب وتحرك بها للخارج.
-متتأخرش على الفطار ياجاسر
-إن شاءالله ياعمو
بعد يومين استيقظت فزعة من نومها تضع كفيها على صدرها تستعيذ من الشيطان الرجيم. فتح عيناه واعتدل: -غزل مالك في ايه. زاغت ابصارها بالغرفة
-جاسر فين ياجواد في شغله ولا رجع
اعتدل ينظر بساعته ثم امسك هاتفه
كان غافيا، استيقظ على رنين هاتفه
جذبه من فوق الكومود
-صباح الخير يابابا. ارجع جواد خصلاته
-صباح الخير يابابا، رجعت امتى
-من ساعتين كدا. طيب حبيبي كمل نوم.
اغلق الهاتف ينظر لزوجته العافية بجواره
-صباح الحب ياقلبي. فتحت عيناها
-صباح الخير ياجسورة، الساعة كام
نظر بساعته
-الساعة عشرة أغمضت عيناها مرة أخرى
-صحيني على واحدة.
عند غزل وجواد، جذبها لأحضانه
-جاسر فوق ياغزل اهدي. هزت رأسها
قلبي وجعني ياجواد. هزت رأسها
-ياسين. رفعت عيناها برجاء
اطمن على ياسين ياجواد حاسة فيه حاجة
بغرفة جاسر استمع الى رنين هاتفه مرة أخرى. استغفر ربه قائلا
-وبعدين بقى في جواد الألفي، رفع الهاتف واجاب دون النظر بشاشته
-أيوة يابابا. لحظات حتى هب فزعًا
-حاضر. نص ساعة وأكون عندك
اعتدلت جنى تسأله بلهفة.
-جاسر ايه اللي حصل. اتجه لغرفة ثيابه سريعا وارتدى ملابسه من يراه يجزم أن هناك مااصابه
ذهبت إليه
-جاسر في ايه. رفع عيناه التي تحجرت بالدموع
-ياسين مضروب بالنار ياجنى، لازم انزل حالا، مش عارف هقول لبابا ازاي
تحرك للأسفل فهوت على المقعد
-يارب استرها ويرجعك بالسلامة ياياسين، كانت تصعد الدرج بهدوء بعد رحلة رياضة بالمشي صباحيا، توقفت عندما وجدت هبوط جاسر بسرعة. وعيناه متحجرة بالدموع.
-استاذ جاسر. توقف مذهولا بوجودها أمامه. نظرت إليه وتسائلت
-آسفة هي جنى كويسة؟
استمع لصوت جواد وهو يهبط درجات السلم
-جاسر رايح فين كدا. بدخول عز إلى منزل والده. نظر إلى عز وعلم من نظراته بوصول الخبر إليه. وزع نظراته على عاليا حتى نزل بنظراته لبطنها المنتفخ، ثم هتف
-عاليا اطلعي لجنى شوفيها وخليكي معاها لما ارجع. اومأت وتحركت بنزول غزل بعدما استمعت لأصواتهم.
هبط جواد درجات السلم وعيناه على جاسر، فتوقف عندما هتفت غزل
-جواد تليفونك حبيبي مش مبطل رن، من وقت ماخرجت. اسرع جاسر إليه قبل وصول والدته يهمس بإذنه
-بابا ياسين اتصاب في الجيش، بلاش ماما تاخد بالها. وصلت غزل مبتسمة رغم ماتشعر به، وبسطت كفيها بالهاتف
-شوف مين وزي ماقولت لك يبقى اتصل بياسين وشوفه هيوصل امتى.
بنظرات خاوية رفع عيناه لابنه، وشعر بإنحباس النفس بصدره ونبضاته تتسارع حتى شعر بتوقف اعضائه حينما رفعت غزل كفيها على كتفه
-جواد، خد اتصل بالولد وطمني عليه قلبي وجعني. نزل أوس سريعا بعد.
-بابا ايه اللي سمعته دا، ياسين ازاي مضروب بالنار. قالها بخروج عاليا وجنى من الغرفة. توقفت بوجه شُحب، وكأن برودة الموتى تسللت لجسدها، ارتعش جسدها فهوت على الأرض، تهز رأسها حتى سقطت بكامل جسدها مغشيا عليها، هب أوس عندما استمع لصرخات جنى باسمها
اما غزل التي انسابت عبراتها تهمس
ياسين مضروب بالنار، يعني ايه.
اقترب جواد منها وهو يرى حالتها المزرية و شعر وكأن الأرض تسحب من تحت قدميه يطبق على جفنيه يضمها لأحضانه
- الولد كويس اهدي، غزل اهدي لو سمحتي. لسانها انعقد وصمتا مخنوقا وهي تهز رأسها عندما استمعت لصراخ جنى
-طنط غزل الحقيني عاليا بتنزف.
↚
هوت عاليا متألمة تحتضن احشائها، صرخت متأوهة: -اه بطني، قالتها ثم شعرت بغمامة سوداء تحاوطها، هرولت جنى التي جذبت مأزرها ترتديه سريعًا تصرخ باسم غزل: -طنط غزل الحقيني، عاليا بتنزف. استدارت غزل سريعًا إليها، بينما تحرك جاسر بجوار جواد للخارج.
-اتصل بعربية إسعاف بسرعة ياعز، قالها جاسر وهو يستقل سيارته، بجواره والده، أما أوس الذي حمل عاليا واتجه بها للأسفل يستغفر ربه على ما فعله هامسًا لنفسه: -غبي ياأوس، من امتى وانت متخلف كدا،!
اتجه عز إليه بسيارته، ثم أشار إلى روبي التي وصلت للتو
-اركبي ياروبي بسرعة معاها، وماما هتلحقنا
توقفت غير مستوعبة مايدور حولها، فتسائلت: -عز ايه اللي حصل، وجاسر وبابا رايحين فين؟
-اركبي يارُبى قالها بصوت مرتفع، بوصول غزل بعدما ارتدت ثيابها وخلفها جنى
أمسكت كف أوس: -اخوك طمني على اخوك ياأوس.
احتضنها أوس يساعدها لركوب السيارة
-حاضر ياماما، عز معاكم وانا هطمنك إن شاءالله على ياسين، اللي اتصل قال مصاب إصابة خفيفة، اطمني حبيبتي
قالها يطبع قبلة فوق جبينها.
توقف حتى خرجت السيارة من حي الألفي واتجه إلى سيارة جواد حازم الذي توقف ينتظره.
-ياله يابني. اتجه بنظره لزوجته، فهتف: -لحظة ياجواد هقول حاجة لياسمينا وراجع، اتجه إلى زوجته التي هبطت للأسفل تبحث عنه
-أوس ايه الصويت اللي كان من شوية
-ياسمينا ماما اخدت عاليا المستشفى، والكل راح عند ياسين، خلي بالك من ابن عز لحد مانرجع، اقترب اكثر وهمس لها: -ممنوع حد يدخل اوضة مكتب بابا أو جاسر، ماشي حبيبتي. قالها واستدار متحركًا
توقفت تنظر لتحركه مستغربة حديثه ثم تحركت للداخل تهمس لنفسها.
-راحو لياسين فين، وعاليا راحت المستشفى ليه، هزت كتفها وتحركت قائلة: -افوق الأول وبعد كدا اكلمك ياأوس. قابلتها الخادمة
-مدام ياسمينا حضرتك صحيتي، توقفت ياسمينا متسائلة: -ايه اللي حصل يامنى؟
-معرفش ياهانم كل اللي اعرفه ان عاليا هانم نزفت
شهقة خرجت من فم ياسمين مذهولة: -نزفت ليه ايه اللي حصل.؟
هزت الخادمة رأسها بعدم معرفة. ربتت ياسمينا على كتفها
-روحي شوفي شغلك، وانا هعرف.
وصلت إحدى الخادمات الآخرى الخاصة بتنظيف الفيلا: -مدام بعد اذن حضرتك، عايزة انضف غرفة مكتب جواد باشا وحضرة الظابط. تذكرت ياسمينا حديث أوس فأشارت لها بالرفض
-لا. بلاها، نضفي الباقي، قالتها وتحركت ولكن هتفت الخادمة سريعًا: -مدام الاوض دي لازم تتنضف النهاردة علشان حضرة اللوا بيزعل لما يلاقيها متربة، وحضرتك عارفة حضرته
أشارت ياسمينا بالصمت.
-روحي شوفي شغلك وقولت بلاش الاوض دي، معرفش ممكن يكون فيها ورق مهم يتنطر كدا ولا كدا، لما عمو ولا جاسر يكونوا موجودين
-بس يامدام!
-أنا قولت ايه! يالة شوفي شغلك، قالتها ياسمينا وصعدت إلى غرفتها
رمقتها منى بصمت ثم اقتربت منها
-قولتيلي زهرة سافرت البلد ومبقتش ترجع ليه
توترت الخادمة وتحركت للداخل قائلة: -معرفش. ظلت نظرات منى عليها وهي تقوم بالتنظيف. متذكرة حديث جاسر.
-طنط منى عايزك تاخدي بالك من الشغالين الجداد، عينك عليهم، متنسيش إنهم في بيت رجل شرطي
-حاضر ياباشا متخفش هركز مع الكل
-بلاش باشا دي يا دادة، دا حضرتك اكبر من ماما
ابتسمت بحنان
-ربنا يبارك فيك يابني ويحفظك
-اللهم آمين يارب العالمين، ربنا يطول في عمرك يادادة. خرجت من شرودها على دخول مليكة
-منى ايه اللي حصل لياسين. خطت إليها
-والله معرفش يامدام مليكة، اللي اعرفه ان الست عاليا نزفت
طالعتها مصدومة.
-لا إله إلا الله، ثم اتجهت للخارج
-هروح مع ميرنا المستشفى، خلي بالك لما نرجع
بالمشفى من أمام غرفة الكشف توقف يتحدث بهاتفه: -اصابته خطيرة ياجاسر. اجابه جاسر
-لسة في العمليات ياعز، عاليا عاملة ايه
تنهد بحزن واجابه: -لسة جوا مع الدكتورة، وقت مااطمن هطمنك
-تمام. قالها جاسر واغلق الهاتف ثم تحرك إلى وقوف والده بجوار صهيب وسيف. ربت سيف على كتفه
-جواد إن شاءالله هيكون كويس.
اومأ برأسه دون حديث، وصل حازم وأوس وجواد بخروج الطبيب
توقف جواد أمامه
-طمني يادكتور.
-الحمد لله خرجنا الرصاصة، والحالة مستقرة.
هو مضروب فين يادكتور. تسائل بها جاسر
نظر إليه واجابه: -نقدر نقول كتفه، لأن الرصاصة مأثرتش على صدره، بس متخفش مكانها مش حساس وان شاء الله يفوق بعد شوية
-الحمد لله. رددها جواد بنفسه واتجه إلى المقعد ثم هوى عليه بعدما فقد اتزانه يشير إلى أوس.
-طمن ماما ياحبيبي زمانها قلقانة وطمني على مرات اخوك
عند عاليا بعد فترة تتسطح على فراش المشفى، توقفت غزل بجوارها تمسد على خصلاتها ودموعها تنساب بصمت، تدعو الله بسريرتها أن يحفظ ابنائها، قطع شرودها مع نفسها رنين هاتفها
-ايه ياحبيبي طمني على اخوك
-كويس والله ياماما، الدكتور طمنا، حتى مش هيقعد في العناية، خرجوه لاوضة عادية.
-بابا فين ياأوس، ليه مكلمنيش، اقترب من والده يهز رأسه قائلاً: -عايزة تطمن من حضرتك ياسيادة اللوا، شكلنا مش مالين عينيها. استمعت لمزاح أوس، فهدأ ضجيج قلبها قليلا، حتى هدأ تمامًا بعدما استمعت لصوت عاشق روحها
-ياسين كويس ياغزل، الحمدلله حبيبتي، شوية ويفوق واخليكي تكلميه لو حالته تسمح
-أكيد مش مخبي عليا حاجة ياجواد.
نهض من مكانه يستند على الجدار عندما شعر بدوران الأرض تحت قدميه ثم أردف بنبرة تأكديه ليرتاح داخلها
-حبيبتي ياسين كويس، طمنيني على عاليا والولد.
أغمضت عيناها تسحب عدة انفاس تزفرها بهدوء، ثم أجابته: -كويسة ياجواد، الحمد لله البيبي كويس، الدكتورة حجزتها النهاردة علشان نطمن اكتر، مبروك ياجدو تاني حفيدة بنوتة في عيلة الألفي.
ابتسامة شقت تجاعيد وجهه يحمد الله قائلًا: -اللهم بارك ويجعله قرة أعين وذرية صالحة لوالديها يازوزو، ويبارك لنا في اولادنا يارب
-جواد عايزة اطمن على ياسين، هشوف عز واجي اطمن ارجوك ماتعترض
- حاضر ياغزل، اصبري شوية لما حد من الولاد يرجع عندك، مينفعش تسيبي البنات لوحدهم. اومأت برأسها تزيل عبراتها ثم ذهبت ببصرها لعاليا وجنى التي تجلس بجوارها تمسد على شعرها
وهتفت.
-حاضر بس متتأخرش، ابعت جاسر شايفة جنى تعبانة ومش مبطلة عياط من وقت اللي حصل
-تمام. قالها جواد وأغلق الهاتف ينظر للخارج شعر بوضع أحدهم كفيه على كتفه: -جواد. رفع نظره الى حازم ثم اتجه ينظر للخارج
-الجمل شوية بشوية بيبرك ياحازم، بحاول اتماسك، بس الوقوع كتر ومبقاش فيا حيل
ربت حازم على كتفه
-ربنا يخليك ليهم حبيبي، ويبارك لك فيهم يارب.
استدار ينظر إليه: -تفتكر هقدر ياحازم على وجع مرة تانية ياحازم، مبقاش فيا حيل، بحاول اتماسك علشان غزل، قلبها مش متحمل فراق تاني، شرد لبعض الدقائق
-معرفش ليه حاسس بحزن بصدري مش مخليني عارف اتنفس، خايف على الولاد قوي، وبرجع اقول ربنا يحميهم ومقدرش أعارض حكمه، دول هدية منه، رفع نظره بملامحه الحزينة، وقلبه المكسور: -تفتكر دا ضعف إيمان انك بقت تخاف قوي، لدرجة تخليك توقف تعاتب ابنك على تأدية واجبه.
جلس حازم بجواره وحاول أن يخفف عنه ولكن حالته لا تحثه على الحديث
قديمًا كان معجم الخوف لديه متمثل بزوجته والان كثرت لغات الخوف بأولاده وزوجته...
حاول التظاهر امامه بالقوة: -متقولش كدا ياجواد، انت ايمانك قوي، لكن وجع الابن صعب فوق طاقة التحمل، وافتكر أن سيدنا المصطفى بكى على ابنه، اللي هو قدوتنا كلنا
أغمض عيناه مرددًا: -عليه أفضل الصلاة والسلام.
استمع الى صوت باسم خلفه: -عامل ايه ياجواد. اومأ له قائلا الحمد لله، قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا
كله قدر و مكتوب الحمد لله
ربت عليه بمحبة أخوية يعانق أحزانه وآلامه قائلاً: -طبعا انا عارف مش وقته لكن لازم اسأل ازاي ياسين انضرب بالنار
-خايف لتكون انت السبب انت وجاسر.
أردف بها جواد وهو يرمقه بنظرات مبهمة. وزع حازم نظراته بينهما فتحدث جواد: -حازم سبنا شوية. تملك حازم الرعب فهتف: -جواد إنت مخبي علينا حاجة
اتجه بنظره لحازم دون حديث فتحرك حازم يومئ برأسه. اقترب من باسم.
-إنت وجاسر ناوين على ايه ياباسم، أشار بسبباته عندما فتح باسم فمه الحديث ثم أردف: -عارف أن كل حاجة قدر ومكتوب ياباسم، لكن فيه برضو ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة اعرف بس ازاي ياسين اتصاب ونتكلم، قالها وتحرك مغادر المكان بالكامل
ملس باسم على خصلاته يرجعها للخلف وهو يسب جاسر بداخله، بحث بعينيه عنه ولكنه غير موجود، اتجه إليه عز متسائلاً: -عمو جواد راح فين!
-معرفش. هو جاسر فين معقول مش موجود. أشار عز على خروجه من غرفة ياسين قائلاً: -لا جاسر هنا اهو. التفت إليه وجده جالسًا على المقعد أمام الغرفة يحتضن وجهه بكفيه، تحرك إلى أن توقف أمامه: -ياسين عامل ايه؟
رفع عيناه إليه ثم اجابه: -لسة مفقش، الدكاترة طمنونا
جلس بجواره يربت على ساقيه
-إزاي اتصاب، عرفت! اوعى يكون متعلق باللي حضرتك بتعمله. اختتم سؤاله بعيونا مملوءة بالقلق منتظر أجابته. ولكنه كور قبضته حينما.
زفر جاسر زفرة حادة خرجت من أعماقه.
-لسة منعرفش، لكن أنا متأكد أنهم عملوا كدا، لانه اتصاب وهو راجع بعربيته، يعني مقصود
زوى مابين حاجبيه متسائلاً: -دا ظابط حربية ازاي يتهاجم على الطريق، إلا إذا كانوا كارهين الجيش
-قصدك أنهم إرهابيين!
رفع نظره وابتسم بتهكم: -هو فيه ارهابي بيضرب اي كلام ياعمو، دول مش قصدهم يموتوه، دول قصدهم يعرفونا أننا وصلنا لأكبر رتبة في بيتك الحربية، يعني مفكروش في أوس أو عز، لا دا راحو لياسين نفسه
-دا وانت لسة بتحاول تستدرجهم، يعني عرفوا انك اللي ورا اللي حصل لابن التميمي. لطم باسم كفيه ببعضهما
-ياربي ازاي مااخدتش بالك من الحتة دي ياجاسر، انت عارف ممكن يعملوا ايه في أي حد قريبك.
رفع رماديته مصعوقًا من حديث باسم، فهز رأسه واجابه بجمود: -ميقدروش يلمسوا حد، واخد احتياطتي كويس، وعز وأوس عندهم خبر، انا متوقعتش ياسين لانه حربية، استبعدته
رفع باسم حاجبه الأيسر ساخرا واقترب يلكزه
-يعني من يومين حطوا لجواد مخدرات في قهوته في بيته، ازاي يعدي عليكم خدامين متجبوش اصلهم
مسح على وجهه بعنف وأجابه.
-لأنهم بقالهم سنين شغالين عندنا، ماتوقعناش يوصلوا للخدم، ومتنساش ياعموا دا بيت رتب عسكرية، ايه التسيب دا
صفق باسم مما جعل الجميع يتوجه بالنظر اليهما، رفع كفيه متأسفًا
-آسف ياجماعة، ثم امال إلى جاسر
-عارف ابوك لو عرف هيعمل فيا ايه، وحياة ابوك ليفرمني
ابتسم جاسر ساخرًا
-متخفش وصلت له اللي انا عايز يعرفه بس
قطب باسم جبينه مستخفًا بحديثه: -مين جواد الألفي؟
تبقى اهبل يالا، وعبيط كمان.
حك جاسر ذقنه ولوى فمه وشبه ابتسامة ساخرة تجلت على وجهه: -شكلك نسيت أنه ابويا، من شابه أباه فما ظلم
-تقصد ايه يالا؟
رفع عيناه وتواصل معه بصريًا بصمت ثم أردف: فهمته حوار اللي وصل لعمو صهيب
والله شكلك هتوديني في داهية. قالها باسم بملامح عابثة
-وأنا لسة عند قراري ياعمو، لازم ادفع الناس دي التمن
-خايف عليك يابني الناس دي مابيتلعبش معاها.
ابتسم بمحبة وتحدث: -مفيش حد بيهرب من قدره، المهم زي ماوعدتني، متبقاش زي عمو صهيب خلف وعده، بس الحمد لله كنت واخد احتياطتي ومعرفتوش كل حاجة
-جاسر، خلينا زي مااحنا بندور وراهم، بلاش تدخل جحورهم، الراجل لو اتأكد انك اللي زقيت الولا على بنته واللي عملته في ابنه هيموتك.
ربت على كتف باسم: -عمو باسم خليهم يدوقوا من عمايلهم، لازم انكشهم علشان يغلطوا، وعارف ومتأكد هيغلطوا وبكدا نعرف نوقعهم، اللي مجنني ازاي جالهم جرأة يعملوا كدا في رتبة جيش
-طيب كويس إنك عارف انهم قادرين يوصوا لأعلى رتبة عندك
-أكيد مابتتريقش، علشان الموضوع مش مستاهل، قالها جاسر بنبرة متألمة. وأكمل
-لو ياسين كان حصله حاجة واتأكدت أنهم اللي وراها اقسم بعزة الله كنت هروح اولع لهم في بيوتهم.
توقف باسم يهز رأسه رافض حديثه، ثم أشار على جواد الذي رآه آتيا بأخر الممر
-بص على حالة ابوك وانت تعرف قصدي ايه
ارتفع إحدى حاجبيه متسائلاً: -لو تقصد اللي فهمته يبقى وفر كلامك.
هعمل اللي بخطط له
-جاسر. صاح بها جواد، فخطى متجهًا إليه: -روح المستشفى عند والدتك، عايزة تيجي تشوف ياسين، وانت خليك مع مرات اخوك وقبل ماتعترض، مامتك بتقول مراتك تعبانة
استمع صهيب لحديثه، فهب من مكانه
-مالها جنى ياجواد! ؛.
طمأنه بنظراته قائلاً: -مفيش ياصهيب، انت تايه عن بنتك من وقت ماعرفت ياسين متصاب ومش مبطلة عياط. اتجه ببصره لعمه
-كلمها وطمنها وأنا شوية همشي
-أنا دخلت لياسين الدكتور قال هيفوق خلال دقايق، هطمن عليه وامشي.
تنهد جواد متألمًا، يكفي مايشعر به عائلته على حافة الهاوية، يريد ترتيب أفكاره حتى لا يضر أحد منهم أو يبعد ابنه عن طموحاته، رفع رأسه وحاوره قائلا: -جاسر كلم جنى انت وطمنها، ومن الأفضل تمشي متنساش أنها حامل. قالها وتحرك خلف صهيب الذي ولج لغرفة ياسين. أما جاسر الذي تحرك ممسكا بهاتفه وقام بمهاتفة زوجته
- جاسر قالتها بصوت متحشرج بالبكاء.
-اهدي حبيبتي، ياسين كويس، بكت بصوت مرتفع تضع كفيها على فمها تمنع شهقاتها عندما لمحت غزل، اتجهت غزل إليها تسحب الهاتف من كفيها
-أيوة ياجاسر، اخوك عامل ايه
-كويس ياماما، إصابته مش خطيرة، وشوية كدا هيفوق
-جنى مالها؟ تسائل بها جاسر!
كويسة حبيبي قلقانة على اخوك، وكمان ربى منهارة ياريت تيجي تاخدهم يطمنوا، ولا ابعتهم مع عز
تحرك متجها للخارج ولكنه توقف عندما وجد أحد القادة المسؤولين عن ياسين.
-نص ساعة حبيبتي وهكون عندك. قالها وأغلق الهاتف متجهًا لداخل المكتب الذي دلف إليه القائد العسكري.
بعد فترة وصل إلى المشفى التي تقطن بها عاليا. قابلته ربى بخارج الغرفة
ضمها وهي تبكي بأحضانه بشهقات مرتفعة: -عايزة اشوف ياسين ياجاسر، خدني دلوقتي ماليش دعوة عز رافض
قبل جبينها يحتضن وجهها: -روبي حبيبتي ياسين كويس، ممكن تبطلي عياط، ينفع كدا. ازال عبراتها بأنامله يشير لعز بعينيه، وصل إليه يسحبها من أحضان جاسر. تشبثت به تهز رأسها بالرفض
-عايزة اشوف ياسين، رفعت رأسها لأخيها.
-خدني ياجاسر لو سمحت، ترجته بعينها، هامسة بشهقاتها: -لو سمحت!
ضمها لأحضانه يهز رأسه بحزن ومازالت نظراته على عز
-خلاص ياقلبي، روحي مع عز وماما.
اجلسها على المقعد عندما فقدت اتزانها وجلس على عقبيه أمامها يحتوى وجهها بين كفيه
-روبي بلاش عياط، ماما مش متحملة، ينفع كدا، وعد حبيبتي عز هياخدك معاه، رفع عيناه إلى عز
- خدهم علشان ماما تطمن على ياسين، وانا هفضل هنا مع عمتو وطنط نهى بس متتأخروش عندي شغل مهم.
اومأ له متفهما، ثم اتجه إلى زوجته يسحبها من ذراعيها
-يالة حبيبتي، وبطلي عياط. دفعته بعيدًا بغضب
-أنا مش هروح معاك سمعتني، انت رفضت توديني اطمن على اخويا ياعز ابعد عني. جذبها لأحضانه
-اهدي حبيبتي، مكنش ينفع، لازم نطمن على عاليا وبعدين ياسين كويس
وصل جواد حازم برفقة فارس
-جاسر ياسين فاق!
نهض من مكانه متسائلاً
-فين ماما وجنى. اقترب جواد يمسك ذراعه.
-ايه اللي حصل، خالو رفض اكون هناك ورجعني البيت. سحب كفيه يبتعد عن الجميع
-إزاي ياسين اتصاب ياجاسر؟
اسكت شوية واسمعني
-راقب البيت كويس ياجواد خليك ورا الشغالة، واعرفلي فين مروة وليه غيروها، الموضوع دا مش تعديه بالساهل. قالها واتجه لغرفة عاليا يطرق على بابها
خرجت مليكة
-جاسر، اخوك عامل اي حبيبي.؟
. استمعت جنى إلى صوته بالخارج. اتجهت بنظرها إلى غزل التي تؤدي صلاتها بخشوع تام، هرولت إليه.
توقفت على بُعد مسافة، كان يواليها بظهره يتحدث مع جواد، استدار جواد متحركا للخارج بجوار فارس، أما هي فهمست اسمه، التفت اليها، شعرت بتشوش الرؤية وترنح جسدها تلاقها بين ذراعيه يضمها لأحضانه مرددًا اسمها
- جنى فتحت عيناها بضعف تهمس اسمه ثم أغلقت عيناها مغشيًا عليها
حملها متجهًا بها لغرفة بجوار غرفة عاليا، أسرعت الممرضة إليه، دلف بوضعها على الفرش. استدار بدخول نهى ومليكة، أشار الممرضة.
-شوفيلي دكتورة بسرعة، اقتربت نهى منه
- جاسر ياسين عامل ايه ياحبيبي
-كويس ياطنط، فاق وبقى كويس قالها بدخول غزل متسائلة: -فيه ايه مالها جنى؟
استدار ينظر لزوجته بألمًا، ثم استدار حينما وضعت غزل كفيها على كتفه
-ياسين عامل ايه ياجاسر؟
ابتسم لها ثم احتضن رأسها يطبع قبلة أعلاها
-والله كويس، وعز وربى مستنينك برة علشان تشوفيه، يالة ياست الكل
هزت راسها تطالع جنى المغشي عليها ثم أشارت عليها
-مراتك مالها حبيبي!
جلس بجوارها ثم قام بنزع حجابها
-صيام مع قلة نوم واعصاب متوترة يادكتورة.
انحنى يطبع قبلة مطولة على جبينها
-ألف سلامة عليكي ياجنجون، قالها بتنهيدة مطولة بدخول الممرضة
-الدكتورة هتيجي تشوفها يافندم.
جلست غزل تربت على كتفه: -خليني أشوف ضغطها ياحبيبي. نهض من مكانه، اقتربت غزل تأخذ جهاز الضغط من الممرضة. في حين اتجهت نهى للجانب الآخر
-ايه ياغزل؟
-البنت كويسة يانهى، ضغطها نزل وزي ما قال الدكتور جاسر حامل وصايمة
دلفت الطبيبة مبتسمة
-ايه يادكتورة غزل مالهم مراتات ولادك حجزو المستشفى. نهضت غزل تشير على جنى
-طمنينا على البيبي ياهند، البت حامل
اقتربت من فراشها وقامت بفحصها
-ضغط واطي مع هبوط حاد، تصحى من النوم ونعمل سونار نطمن على البيبي، هركب لها محلول
اومأت غزل تنظر إلى نهى
-تابعي مع الدكتورة، ثم اتجهت إلى مليكة تحتضن كفيها.
-مليكة خلي بالك من عاليا لما ارجع
ربتت مليكة على ذراعها مبتسمة بحزن: -متخافيش كأنك موجودة فكري في نفسك بس. تحركت للخارج ثم توقفت لدى الباب
-جاسر بلاش أهل عاليا يعرفوا اللي حصل، الحمد لله الدنيا كويسة
بعد فترة فتحت جنى عيناها تنظر حولها تضع كفيها على رأسها، وجدت والدتها تجلس بجوارها نادت بصوت خافت: - ماما نهضت متجهة إليها تمسد على خصلاتها.
-حبيبة ماما، حاسة بإيه، بحثت بعينها تنظر لذاك المحلول المعلق بكفيها
-فين جاسر!
جلست تضم رأسها لأحضانها: -راح يصلي الضهر العصر هيدن اهو، زمانه جاي
اعتدلت تجذب حجابها
- عاليا! عايزة اشوفها عاملة ايه
ساعدتها والدتها وأجابتها
-الحمد لله الدكتورة طمنتنا حبيبتي، وقالت الجنين كويس، وكله تمام
تحركت بوهن وجسد متراخي للخارج، قابلتها سنا على باب الغرفة: -جنى عاملة إيه؟
اومأت لها دون حديث وتحركت لخارج، دلفت لداخل الغرفة، وجدت عاليا تجلس على فراشها مستندة بظهرها عليه. رفعت عيناها تنظر لدخولها. وصلت إليها
-حمدالله على السلامة حبيبتي
-ياسين. هتفت بها عاليا. جلست بجوارها مبتسمة
-كويس، جاسر جه وطمنا عليه
هزت رأسها رافضة حديثها: -ليه طنط غزل مشيت لما هو كويس، مخبية ايه. وصلت مليكة تضع أمامها عصيرا من التفاح.
-اشربي ياعاليا، وصدقينا يابنتي والله ياسين كويس. كانت نظراتها تحاوط جنى التي هزت رأسها
-صدقيني كويس، ولما جاسر يجي هيأكدلك كلامي
-عايزة اشوفه. قالتها بصوت كاد أن يسمع
زمت مليكة شفتيها وتحدثت بنبرة رافضة: -ينفع واحدة حامل وبتنزف تتحرك من مكانها، بتهزري يابنتي، ولا عايزة بنتك ماتجيش للدنيا
وضعت كفيها على أحشائها متسائلة: -هجيب بنت. ابتسمت جنى تقرصها من وجنتيها.
-هتكوني مامي تجنن، نسيت أقولك انا البت دي لازم اربيها
لكزتها مليكة وهي تطالع عاليا التي شردت
-ربي ابنك ياختي الأول، همست عاليا
-هيكون عندي بنت. لمعت أعين جنى من ردة فعلها. وضعت يداها على أيدي عاليا
-ربنا يفرحك برؤيتها حبيبتي
انسابت عبراتها وتسائلت: -تفتكري ياسين هيفرح بالبنت ياجنى
ضمتها جنى وبكت على بكائها
-اومال ايه، دا هيسجد شكر لله، دي نعمة ورزق حبيبتي
ارتفعت شهقاتها تهذي بكلمات غير مفهومة.
ربتت ملكية على ظهرها وتحدثت: -اهدي يابنتي متنسيش أن حالتك مش مستقرة، بتعيطي ليه دلوقتي كنتي عايزة ولد يعني
اخرجتها جنى تزيل عبراتها
-شوفتي عمتو بتقول ايه ياهبلة، كدا خلتيني اعيط انا كمان، ونكدتي عليا
وضعت رأسها بأحضان جنى وهمست لها: -عايزة اطمن على ابو بنتي ياجنى لو سمحتي، وحياتي عندك
أغمضت جنى عيناها، وأحست بقبضة مؤلمة بما تشعر به عاليا، تمنت الا تكون بوضعها.
ساعدتها مليكة بالتسطح على فراشها.
-ريحي ياعاليا شوية، بلاش ترهقي نفسك
-عايزة اروح ياطنط مليكة لو سمحتي مبحبش نوم المستشفيات
-حاضر يابنتي، جاسر يجي ونشوف الدكتورة هتقول ايه
بعد قليل وصل جاسر، توقف بالخارج خرجت مليكة إليه
-مرات اخوك عايزة تمشي، والصراحة القعدة هنا مالهاش لازمة واحنا صايمين.
نظر بساعته يشير للممرضة
-خلي الدكتورة تيجي تشوف عاليا، وتطمنا عليها. بحث بعينيه عن جنى فنظر لعمته.
-جنى فين، شايف البنات بس برة تقى وسنا وهنا، وليه كلكم جايين ياعمتو، روحي خليهم يروحوا مالهاش قعدتهم، وانا هشوف جنى فين
أشارت لداخل الغرفة: -جوا مع عاليا، ونهى رجعت البيت علشان ابن عز مش مبطل عياط
اومأ متفهما. وصلت الطبيبة التي دلفت للكشف على عاليا
بعد أكثر من ساعتين وخاصة بأذان المغرب كانت تتمدد بهدوء على فراشها بغرفتها. دثرتها ياسمينا بغطاء خفيف.
-حمدالله على سلامتك ياجميل، ومبروك البنوتة، ربنا يقر عيناكي برؤيتها
اومأت لها مبتسمة وأردفت: -ياسمينا أوس رجع ولا لسة. جلست تحمل طبقا من الشوربة
-جايين في الطريق، عمو جواد وعموسيف هما اللي هيباتوا مع ياسين والفجر جاسر وعز هيروحو له
-يعني هو كويس!
-كويس ياستي ممكن نشرب الشوربة علشان اميرتنا الحلوة تيجي بالسلامة
هزت رأسها رافضة
-لا ماليش نفس، مش عايزة اكل. دلفت مليكة ببعض الفواكه.
-لا حبيبتي لازم تاكلي علشان البيبي، ولا عايزة طنطك غزل تيجي تقولي معرفتيش تحافظي على مرات ابني
-أنا والله ماليش نفس. المغرب إذن روحوا افطروا
وضعت أمامها الفواكه، تمسد على خصلاتها ثم اردفت متصنعة التهديد
-شوفي يابت انتي، لازم تاكلي دا كله علشان مقلبش عليكي
ابتسمت على حركات مليكة، فهزت رأسها وأجابتها: -حاضر ياطنط مليكة
بالغرفة المقابلة.
نزع ملابسه واتجه إلى المرحاض لدقائق معدودة وخرج يؤدي فرض ربه، أما هي غفت بثيابها على الأريكة
أنهى صلاته، واتجه بأنظاره إليها، نهض متحركا يحملها فتحت عيناها بإرهاق، ثم وضعت رأسها بعنقه
-عايزة انام، وصل بها للمرحاض، انزلها بهدوء، يلف ذراعه حول جسدها
-ياله حبيبي خدي شاور، وبعدين نامي.
بالأسفل وصل الجميع وجلسوا على مائدة الطعام، ولكن كيف يشعرون بمذاقه بعد الذي صار.
هبط جاسر وهو يحاوط جسدها، جلس بمقابلة صهيب الذي ينظر لمقعد جواد بقلبًا منفطر
أشارت غزل على الطعام
-عايزة الأكل كله يتاكل، انا الحمد لله ابني عايش، وانتوا جنبي، ليه زعلانين، حاولت السيطرة على نفسها، وابتعدت بأنظارها عن مقعد جواد وياسين الفارغين، ثم هدرت بالجميع: -الحزن دا مشفوش طول ماجواد موجود على الدنيا، اه هما مش معانا النهاردة بس حسهم موجود في الدنيا.
رمقت صهيب بنظرات فهمها ثم أشارت للباقي: -سمو الله. كانت تغفو على كتفه، مسد على رأسها
-جنى نمتي، قومي افطري. فتحت عيناها بإرهاق تهز رأسها رافضة الطعام
توقف عز يضع أمامها بعض الخضروات
-جنى فوقي وكلي ياقلبي، ياله، أنتِ حامل، ثم اتجه إلى ربى وبدأ يطعمها بيديه
-رُبى لازم تاكلي، ليه الحزن دا الحمد لله كلنا بخير، اتجه بنظره لجاسر
-أكل مراتك، مش عايزين دلع، بدل ماخليهم يشيلوا الأكل.
همس إلى جنى: -ياله ياجنى كلي علشان ماما مازعلش، قالها ثم ذهب بنظره لوالدته التي تتلاعب بطعامها. ربت على كفيها
-ماما لازم تاكلي علشان تقدري توقفي
رسمت ابتسامة وردت قائلة: -أنا باكل حبيبي، شوف مراتك انت
جذب صهيب طعامها المفضل ووضعه أمامها
-فاكرة يازوزو لما كنا بنضايق جواد بنعمل ايه. افلتت ابتسامة متذكرة تلك الايام، ثم ذهبت ببصرها إلى مليكة التي ارتفعت ضحكاتها.
-كانوا بيحطوا الشوربة في كوبيات العصير ويقعدوا يشربوا فيها ويعملوا صوت علشان يضايقوه
ارتفعت ضحكات صهيب وهو يشير على غزل: -كانت مجرمة تقعد جنبه وتقوله عايزة شفاط مفتوح ياصهيب، وتمسك الكوباية وكأنها بتشرب عصير، لا وفاكرة لما حطيتي شطة في عصير الفراولة وياعيني عليك يا اخويا شربها علشان يثبتلها انها تافهة
افترت ابتسامة خلابة على وجهها على تلك الأيام الندية حتى انسابت عبراتها رغما عنها.
-استحملني كتير قوي جواد، لوح صهيب بيديه: -لا مش كتير الصراحة ياغزل، دا يتعمله تمثال، قاطعتهم مليكة
- لا جواد كان واخد حقه منك الصراحة ياغزل
هزت رأسها مبتسمة: -أيوة فاكرة عقباته، كل شوية هعاقبك يابت. ذهبت ببصرها لحازم الصامت
-ايه ياحازم ساكت ليه.
أخرج الهواء دفعة واحدة من صدره ثم رفع عيناه إليها: -أنا محضرتش الأيام دي، يعني مفيش حاجة اشاركم بيها، الحاجة الوحيدة اللي اقدر اشاركم بيها يوم موت جاسر، واللي بعده
نظرت لابنها سريعا ثم مسدت على رأسه وابتسامة مع شرودها هاتفة: -جاسر موجود معانا هنا ياحازم، اه غاب شوية بس رجعلي تاني، دموعها أغرقت وجهها وهي تنظر لابنها
-تعرف انت واخد من خالك كتير قوي، مررت أناملها على وجهه كأنه تحفر معالمه.
-بس مكنش زيك طايش كدا، كان عاقل قوي وحنين قوي قوي، وروحه كانت فيا، كنت شايفة الدنيا فيه هو، كان كل أهلي، رغم وجود بابا بس هو كان ابويا وامي واخويا وكل مااملك على وش الدنيا. زيك كدا بالظبط، وزعت انظارها على أوس وربى حتى توقفت على جاسر وتابعت
-هم اولادي زيك، وكل واحد له محبة في قلبي، بس انت غيرهم بشوف فيك جاسر الكبير وجاسر الصغير، بشوف فيك قوة جواد وطيبة جاسر وشقاوة غزل، جذبته لأحضانه وارتفع بكاؤها.
-مجرد مابتغيب عني هما كمان بيغبوا، اتجهت لصهيب
-قولت لك وقتها جاسر مامتش، واهو جاسر قدامك. نظرت لابنها الصامت
-عرفت ليه دلوقتي ابوك دلعك وكان سايبك بمزاجك، علشاني انا، علشان وعدني هيخلد اسم جاسر تاني ومهما تعمل فيه بيسامحك علشان خالك اللي بنشوفه فيك، ياريت تعرف انت لامك وأبوك ايه
حمحم جواد حازم، ليخرج الجميع من ذكرياتهم الحزينة:
-مش صعبان عليا في الليلة دي غير الشوربة اللي بردت ومشربتهاش.
ضحك الجميع على كلماته، ابتلعت غزل غصتها تنادي على الخادمة
-سخني الشوربة، مط أوس شفتيه
-دا لو قعدت جنب ياسين هناك كان زماني فطرت احسن من فطاركم الكئيب. ابتسمت غزل تشير للطعام
-طيب كل يامفجوع، راقص حاجبه بشقاوة
-أكيد ياغزالة هاكل دا كله
لف جاسر ذراعه على جنى الشاردة، رفعت رأسها إليه: -هو خالك جاسر مات ازاي
سقطت الملعقة من أيدي غزل، وذهبت ببصرها إلى صهيب سريعا.
ابتسم صهيب وثم امسك الشوكة يضع قطعة من اللحم بفم ابنته واجبها: -عمره انتهى يابنتي. كانت نظراتها على جاسر الذي هرب ببصره منها بدأت تلوك قطعة اللحم بهدوء، ثم وضعت كفيها على يديه، ونظرت لوالدها: -اللي اعرفه انه مات صغير، يعني ممكن يكون حادث، أو مهمة مثلا مش كدا
ألقى جواد حازم المحرمة، ورسم الجمود متحدثًا: -والله الفطار دا مدعي عليه، خلاص مش فاطر
-اقعد حبيبي. قالها صهيب ثم اتجه لجنى.
-يالة يابابا افطري. بدأ جاسر بإطعامها ونظراته على والدته، التي انسابت عبراتها على ذكرى الشهيد الحنين، أزالت عبراتها وحاولت السيطرة على حزنها فاستدارت
همسة ضعيفة لصهيب قالتها غزل
-صهيب هطلع ارتاح، وانتوا كملوا فطاركم أنا شبعت
لاحظ ارتجاف جسدها الطفيف، فتوقف متجهًا إليها.
-روبي تعالي قيسي السكر والضغط لماما حبيبتي. نهض أوس سريعا متجهًا لوالدته التي تلوح بكفيها رافضة حديث صهيب: -لا أنا كويسة، يمكن علشان مرهقة، احتضنها أوس من أكتافها قائلاً: -تعالي ياماما، هوصلك اوضتك. قالها وهو ينظر بمغذى لصهيب المتوقف عاجزا لا يعلم ماذا عليه فعله.
بينما جاسر الذي احتضن رأسه بين راحتيه. ربت حازم على كتفه: -حبيبي والدتك كويسة، متنساش أنها أم، نصب عوده يشير إلى جنى
-جنى كملي أكلك، هطلع أشوف ماما توقفت تطالعه بحزن
-أنا آسفة مكنش قصدي ازعلها.
طبع قبلة على رأسها وخطى ولكنها أمسكت كفيه: -جاسر ماأكلتش، استدار متحركًا وتحدث: -شبعت. اقعدي كملي أكلك، وزع نظراته على الجميع
-مالكم، اللي يشوفكم يقول عندنا عزا
اتجه الجميع بأنظارهم للطعام.
أنهى جواد طعامه مردفًا: -أنا هروح على البيت ياماما عندي شوية شغل، قالها ونهض من مكانه ينادي على منى
-دادة منى فنجان قهوة من ايدك وابعتيه مع فارس، قالها وهو ينظر لفارس الذي اومأ برأسه
نهضت جنى من مكانها وهتفت
-جواد هعملك انا القهوة، عايزاك في موضوع مهم. رفعت مليكة نظرها لأبنها الذي هز رأسه موافقًا.
-تسلم ايدك مقدمًا ياجنجون. ابتسمت بخفوت وتحركت للداخل، راقب تحركها صهيب ومليكة، التي توقفت هي الأخرى تطالع نهى الصامتة وتغمز لها، تحركت خلفها للداخل.
توقفت مليكة متسائلة: -جنى عايزة ايه من جواد يانهى؟
ضيقت نهى عيناها متسائلة: -مش فاهمة قصدك يامليكة، ايه يعني لما تقول لجواد عايزاك في موضوع، انتي ناسية انها بنت خاله
هزت مليكة رأسها بعدم رضا.
-جاسر لو شافهم مش هيقول كدا ياست نهى، ركزي شوية، انا هروح علشان مش عايزة مشاكل
بالحديقة جلس على الطاولة ينتظرها، دقائق ووصلت إليه بقهوته، وضعتها على الطاولة ثم جذبت المقعد وجلست: -آسفة ياجواد، بس لازم اتكلم معاك في موضوع مهم
اومأ برأسه وجذب فنجان قهوته
-فين قهوتك، ايه نسيتي نفسك
ابتسمت له وأجابته: -هشربها مع جاسر، المهم قولي عملت ايه مع جاسر، ولسة مُصر يعمل اللي هو عايزه.
ارتشف من القهوة ثم رفع نظره إليها متسائلا: -جنى إنتِ اتكلمتي معاه في حاجة
مسحت على وجهها تهز رأسها: -مقدرتش، حاولت لكن مقدرتش، انت تايه عنه لو اتكلمت ممكن يعند، انا بس عايزة اعرف ايه اخر كلامكم
قطع حديثهما مليكة التي وصلت إليهم مبتسمة
-فكرتكوا جوا، كويس الجو هنا حلو
جلست بجوار ابنها تربت على كتفه
-كنت بتقول وراك شغل حبيبي، قاعد ليه كدا.
-ماما بتكلم مع جنى، ممكن تسبينا لوحدنا: اتجهت بنظرها إلى جنى: -آسفة ياجنى، متزعليش مني، لكن لو جاسر شافكوا كدا مش هيسكت
فركت كفيها تطالع جواد غير مستوعبة حديث مليكة. هزت كتفها قائلة: -ايه ياعمتو، ليه جاسر يزعل، جواد ابن عمتي، يعني من حقي اقعد اتكلم معاه، وبعدين جاسر مش ب التفاهة دي.
لوت جانب فمها بحركة فكاهية ثم هتفت موبخة إياها: -إنتِ يابت هتستهبلي، بتقولي على مين على جاسر، طب يارب يشوفك وأنتِ منكشحة بالكلام مع جواد، وشوفي وقتها ايه اللي هيعمله. قالتها وتوقفت تتمتم بحديث غير مفهوم
قطبت جبينها تشير إليها: -عمتو مليكة مالها، وليه واخدة موقف من جاسر كدا
أخرج سجائره واشعلها يهز رأسه: -سيبك منها هي خايفة على زعله، متنسيش اللي كان بينا، فالموضوع حساس.
نهضت من مكانها وتنهيدة عميقة من أعماق قلبها ثم أخبرته: -جواد مكنش بينا مواضيع اصلا، يارب تقنع عمتو كدا، اتكلمت كتير في الموضوع دا، استدارت تنظر لشرفة غرفتهما، وجدته واقفا بها يدخن، سيجاره وعيناه تحاوطها، فأردفت: -لازم امشي واي حاجة تعرفها ياريت تعرفني، وانا هحاول أبعده عن اللي بيفكر فيه.
اومأ لها بصمت، ونظر للأعلى وجده مازال واقفًا، ابتلع غصة متألمة: -وياترى حاسس بأيه دلوقتي ياجاسر، يارب ماتفهم الموضوع غلط
صعدت إلى غرفة ياسين اولا وجدت عاليا مازالت نائمة، تحركت إليها قابلتها ربى
-نايمة لسة واخدة العلاج ونامت بلاش نزعجها، تعالي معايا. تحركت الفتاتان للداخل.
-مامتك عاملة ايه ياربى!
هبطت للأسفل وهي ترد عليها: -اخدت مهدئ ونامت يا جنى، وانا كمان عايزة ارتاح قبل ماعز يروح لبابا
عند جاسر.
جلس بالشرفة يتحدث مع أحدهم: -إزاي الطريق مش عليه كاميرات.
نفث دخان غضبه مع أنفاس سجائره وبنبرة هادرة: -اتصرف ياعمو، عايز اعرف ازاي ياسين انضرب بالنار، ومين دول، دول تبع المهربين، ولا ناس فعلا ضد الجيش
دلفت للداخل وجدته مازال يتحدث بهاتفه، اتجهت للحمام وتحممت لبعض الدقائق ثم خرجت متجهة لغرفة ثيابها لتنتقي شيئا مناسبًا، ذهبت ببصرها إليه وجدته مازال يتحدث بالهاتف، ويتجلى الغضب على وجهه.
انتهت من ارتداء ثيابها وخطت إلى تختهما تجلس فوقه بعدما فشلت في الذهاب إليه بعد سماعها لصوته الغاضب
جلست تجذب بعض الفواكه الموجودة وبدأت تتناولها بهدوء، تذكرت انهيار عاليا بعد معرفتها ماصار لياسين
ألقت الفاكهة بالطبق، وصرخة مكتومة بداخلها تود إخراجها لتعم الدنيا صراخًا ليعلم الجميع بما تشعر به، خوفًا على مالك روحها، أطبقت على جفنيها.
ظلت لدقائق تفكر كيف تصل لحلٍ يبعد زوجها عن الأذية دون الدخول معه في تفاصيل، نهضت متجهة إليه، لفت بنظره اليها، فجذب ستارة الشرفة وأشار بيديه إليها ومازال يتحدث بهاتفه. جلست فوق ساقيه ووضعت رأسها بعنقه تستنشق رائحته بوله. أنهى اتصاله ثم حاوط جسدها يجمع خصلاتها على جنبًا.
-كنتي بتعملي ايه تحت حبيبي. أغمضت جفونها وحاولت تغيير الحديث فهمست له: -جاسر عاليا صعبانة عاليا قوي، مقدرش اكون في مكانها، رفعت رأسها إليه: -ليه كدا، ليه اخترتو الوظايف الصعبة اللي كلها وجع وحزن
احتوى وجهها بين راحتيه، ودنى من ثغرها يتذوق شهدها، فيكفي مامر به من أحداث اليوم، حاوطت عنقه تستمع بسُكر عشقه لتشعر بقمة السلام النفسي لقربها منه، يكفي شعورها بالأمان بحوزته.
فصل قبلته، يمسد على خصلاتها ولف ذراعيه حول جسدها يضمها لأحضانه
-أنا دخلت الشرطة علشان خاطر عيون حبيبي نسيتي ولا إيه!
أشارت على نفسها: -دخلت الشرطة علشاني بجد قول والله
رفع كفها وقبله: -مستعد اعمل أي حاجة بس شاوري، لمست وجنتيه واقتربت تطبع قبلة عليها وتحدثت بنبرة أقرب للهمس
-عايزة افضل في حضنك العمر كله، تقدر تخليني في حضنك العمر كله.
عصرها بأحضانه يدفث رأسه بخصلاتها: لو أطول احطك جوا قلبي واقفل عليكي مش هتأخر، خلل أنامله بخصلاتها وتحدث بهدوء: -عايزك تحبيني قوي قوي ياجنى، عايز حياتك تكون جاسر وبس
أفلتت ضحكة ناعمة وغمزت بطرف عيناها: -اه مبسوط انت بمجنونة جاسر، ويرجعوا يقولي عليا البت اتجننت
تبسمت عيناه بمكر يمسد على خصلاتها: -وايه يعني، مش احسن ماحبي يقل فهمت لعبته فغاصت على طريقته بدلال الانثى بداخلها
-والمقابل ياحبيبي؟
راقبها بجبين مقطب ليصل بما تفكر فيه، ضحكت بشقاوة على عبوثه، فاستندت على ركبتيها
-ايه رأيك نلعب لعبة!
أوقفها واتجه إلى مخدعهما، ثم
تسطح على الفراش يشير بعينيه: -نامي يابت، قال نلعب، فيا حيل لهزارك دا، تذكر شيئا فاعتدل ينظر لأحشائها متسائلا بلهفة: -نسيت أسألك الدكتورة قالت لك إيه.
احتوت كفيه بحب، ووضعتها على بطنها تحركها، ورسمت عيناها ردة فعله واقتربت برأسها تهمس بجوار أذنيه: -قالت لي هتجيبي بيبي حلو وشقي زي باباه، ودا نبتة حبكم حافظوا عليها. اردفت بها بنبرة شجية مما جعله يطبق على جفنيه، عندما شعر بقشعريرة لذيذة هزت كيانه، فجذبها متسطحًا، يضع رأسها على صدره. رفعت ذقنها على صدره تطالعه بصمت بسبب حزنه الظاهر على ملامحه، مررت كفيها على وجهه وحاولت إخراجه من حالته، حركت عيناها بمختلف الاتجاهات عندما وجدته اغلق عيناه. دنت من أنفاسه تشتم عبيره الرجولي تهمس له.
-وحشتني على فكرة، وقرأت معلومة ان الست الحامل مينفعش جوزها يوحشها
رغم معرفته أنها تحاول إخراجه من حالته، إلا أنها أشعلت نيران العشق بقلبه جذب رأسها لصدره: -إنتِ كمان ياروحي وحشتيني قوي، قلقت عليكي لما ماما قالت لي أنك تعبانة
فقدت سيطرتها فاعتدلت جالسة وتجلى الحزن على وجهها ليرهب داخله، فاعتدل بجلوسه، وبعينين مستفهمة
-مالك ياجنى، تعبانة؟
ارتفعت دقات قلبها تقرع كالطبول لا تعلم بماذا تخبره، اتخبره عما علمته، أم تنتظر حديثه وإخبارها، اتخذت قرارها وتحركت غريزة الانثى بداخلها، لتنهض تجلس بأحضانه
-إنت قولت دخلت الشرطة علشاني صح. طالعها بجبين مقطب وانتظر تكملة حديثها. ملست على عنقه بأناملها وعيناها تعانق عينيه: -طيب انا مبقتش عايزة الشرطة دي، الأول كنت صغيرة ومكنتش فاهمة لكن دلوقتي فهمت الوجع، مقدرش اتحمل يحصل لك حاجة ياجاسر.
رفعت عيناها التي ومضت بترجي وتابعت حديثها: -مقدرش اعيش من غيرك، اموت لو حصل لك حاجة، اقتربت وعيناها تتعمق بعيناه، واناملها تتحرك على وجهه
-لو بتحبني بجد ابعد عن الشغل دا او انقل مكان حاجة غير المخدرات، دول مجرمين
رغم مرارة حديثها إلا أنه ابتسم ورفع كفيه يخلل خصلاتها.
-مش المفروض انك توقفي معايا وتشجعيني، إنتِ عارفة ومتأكدة انا بتنفس عشقك، بحبك بجنون صح. هزت رأسها وانتفاضة بقلبها من هدوئه بالحديث تنتظر ما سيقوله
-ليه بتقولي كدا، حبك حاجة وشغلي حاجة ياجنى، اوعي في يوم تخيرني بينهم، وقتها هزعل منك بجد، حتى لو روحي فيكي ممكن ابعد، عارفة ليه.
ظهر خط من الدموع كطبقة كرستالية بعينيها ولمس وجنتيها، وزفرة مكتومة بالنيران داخله كالحمم البركانية عندما وجد دموعها تنساب بصمت، كوت روحه قبل صدره ورغم ماشعر به أردف بنبرة جعلها متزنة بين الحدة والحنية:
- مقدرش ياجنى اتخلى عن شغلي اللي بقى فريضة عليا اكتر من مجرد وظيفة
كأن حديثه كانت كالوقود الذي أشعل تم صدرها بالخوف عليه، فتراجعت بجسدها تستند على تختهما.
انحنى بجسده وتحدث بصوت أقرب الهمس: -عايز حبيبتي تقويني مش تضعفني، عايزك مصدر قوة مش ضعف، محتاجك قوي ياجنى
تآذر الوجع بداخلها حتى جعلها غير قادرة على التنفس، رمقته ومازالت رأسها على الفراش
-اقويك وانت بتضعفني ياجاسر، هعيش برعب وخوف عليك، انا شوفت رسايلك ياجاسر، انت ضحيت بحبنا علشان خوفت عليا، طيب انا أضحي بأيه علشان انت تفضل في حضني.
لمس كرزيتها وهمس لها: -مش عايز غير أن قلبك يفضل يدق لجاسر بس، حاوط بطنها وأكمل: -وتحافظي على ابننا لانه دا ثمرة الوجع والألم والعشق اللي جمعناه طول السنين
تنهيدة عميقة غادرت ضلوعها لتقول بنبرة متحشرجة خوفًا ما سيحدث
-جاسر أنا خايفة عليك، وضعت كفيها فوق كفيه على احشائها علها تستعطفه
-مش خايف على ابنك اللي عايزني احافظ عليه.
نكس رأسه اسفًا، هو يعلم أنه لا يقو على وعدها بحياته، حاوطها بذراعيها يعصرها بأحضانه، وتحدث بنبرة متألمة من روحه المعذبة بالابتعاد عنها
-حبيبي عايزك ترضي بكل اللي ربنا كاتبه، مفيش حد بيهرب من قدره، افتكري خالو جاسر وبابا. الاتنين كانوا مع بعض، بس أجلهم مختلف، رغم ابويا كان المقصود لكن شوفي قدرهم.
تمسحت بصدره كقطة أليفة، وجاهدت بإخفاء اعتصار اضلعها من الخوف من افتقاده، لفت ذراعيها حول جسده وتحدثت بصوتٍ خافت اقرب للهمس
-مقدرش اعيش من غيرك ياجاسر، انا ممكن اموت لو حصل لك حاجة، النهاردة قلبي وجعني على عاليا، رغم اتوجعت على ياسين بس عاليا مقدرتش احط نفسي مكانها ابد.
رفعت رأسها وطالعته بعجز قلبها المتيم به: -عارفة كله قدر ومكتوب، لكن أنا قلبي ضعيف قوي حبيبي، عندك مبقدرش حتى اتنفس لما بتبعد، منكرش عذابي ببعدك، لكن ارحم لي من خسارتك، وزي ماقولت لك قبل كدا. مستعدة اتعذب ببعدك ولا إني اخسرك
كان مشدوهًا لما يسمعه، ملجم اللسان عاجز عن الرد
تمدد يجذبها هاربًا من حديثها
-مقولتيش كنتي بتعملي ايه مع جواد
سحبت نفسًا وحاولت السيطرة على ارتعاشة دواخلها.
-كنت عاملة له قهوة، وقعدنا نتكلم شوية، رسمت ابتسم وتصنعت الدهشة، لتعلم ردة فعله
-تخيل طنط مليكة بتقولي، متقعديش مع جواد، مش ناقصة غضب جاسر
كان يجاهد الكثير والكثير على ألا يحزن قلبها فصدره يحترق متأججًا بنيران الغيرة، تلاعب بخصلاتها وفقد سيطرته عندما لاحت صورتها بأحضان جواد من قبل، فجذبها بعنف لتهوى فوقه: -وانتِ مش عارفة انا بضايق من كدا، يعني عمتو فهمتني قبلك ياجنى.
تمسحت بصدره تسحب غضبه وتفكر خروجها من هذا المأزق، ظلت تتمسح به ثم اردفت بصوتًا خافت: -بعشق ريحتك دي ربنا مايحرمني منها
ضغط على خصرها عندما علم بمرواغتها، رفعت رأسها وغرز عيناها برماديته: -لأ معرفش ياجاسر، لانك واثق بحبي وعارف مهما يحصل انت في قلبي حتى لو قعدت مع مليون زي جواد، دنت منه واحتضنته بعينها تشير لقلبها
-دا بيحبك انت، بيعشق جاسر وبس، ووعد قدام ربي عمري ماقلبي ينشغل بغيرك
-حتى لو مُت ياجني؟
نزلت برأسها لصدره مرة أخرى وكأنه سيفارقها: -رجعت توجعني يابن عمي، رجعت تخيرني، اعرف موتي هيكون على ايدك
لم تتحرك عضلة من وجهه، واستمر بنفس وضعه: -ماجاوبتيش ياجنى، عارف سألتك قبل كدا لازم كل يوم اسمعها منك
ابتلعت ريقها بصعوبة، واستدارت تواليه ظهرها دون حديث
تنهدت تحاول ألا تثور بوجهه، تقنع نفسها بواجبه الوظيفي، رغم انشقاق صدرها من الخوف عليها. استمعت لهمسه:.
-تعبان وعايز انام، ممكن تاخديني في حضنك شوية، ساعتين وارجع المستشفى، استدارت سريعًا و
فردت ذراعه وتوسدته ترسم ابتسامة على وجهها، ثم رفعت كفيها تمرر أناملها على وجهه دون حديث، أغمض عيناه مستمع بلمساتها الناعمة، محاولا السيطرة على حزن قلبه حتى لايضعفها، هناك مايجب علينا إخفائه ؛ لنرى سعادة اقرب الناس لدينا.
دنت تطبع قبلة على جبينه تهمس له: -تأكد حرمت على قلبي النبض غير لجاسري، حبيبي وعشقي وفرحة عمري، اللي تحب حبي مستحيل تشوف راجل بعد حبيبها
أغمض عيناه منتشيا لحديثها ورغم بساطته إلا أنه اسعد روحه وكأنه امتلك العالم كله. ظلت تمسد على خصلاته:
-نومًا هنيئًا حبيب جنى، ابتسم بنومه يهمس لها بحبك.
كأن كلمته كانت بلسمًا لتهدئ روحها المتألمة، ظلت تخلل أناملها بخصلاته حتى ذهب بنومه، ثم نهضت من مكانها بعدما طبعت قبلة ناعمة على خاصته، تتمتم
-احب غيرك ياجاسر، مجنون يابن عمي، دا انت كل دنيتي. ظلت بجواره لبعض الوقت ثم تحركت للخارج.
دلفت إلى غرفة عاليا وجدتها مازالت غافية، استدارت للخروج ولكنها استمعت إلى صوتها
- جنى خطت إليها متراجعة وابتسامة تشق ثغرها:
-عاملة ايه دلوقتي يالولو، واخبار حبيبة خالتو ايه. حاولت الاعتدال ولكنها لم تقو، ساعدتها جنى بالجلوس ثم وضعت وسادة خلف ظهرها
تشبثت بكفيها
-جنى ياسين عامل ايه!
جلست بجوارها مبتسمة.
-والله ياسين كويس، يعني هيكون تعبان وطنط غزل والعيلة كلها هنا، ارتاحي بس وفكري في البيبي، توقفت متسائلة: -صح ماقولتيش ناوية تسميها ايه
أغمضت عيناها تهز رأسها: -معرفش مفكرتش، ياسين يفوق وبعد كدا نشوف
انحنت برأسها تغمز لها
-ماأحنا بنحب الواد اهو، اومال ليه تقلانة وعاملة هركليز الشاشة!
فتحت عيناها مرتبكة تهرب من نظراتها الاختراقية، رفعت جنى ذقنها تشير بعينيها.
-مش عيب ولا حرام لما تحبي جوزك ياعاليا، صدقيني ياسين شخص جميل ويستاهل الحب دا، بلاش تدفني نفسك بماضي أليم، افتحي له قلبك حبيبتي
رفعت كفيها تمسد على خصلاتها
-اجمل حاجة في الدنيا الحب، وياااه لما تكوني في حضن اللي يحبك دي لوحدها احساس مابيتوصف، لمعت عيناها بخط من الدموع وابتلعت ريقها بصعوبة بسبب غصتها المتألمة، بعدما تذكرت حديثهما منذ قليل، رفعت نظرها واردفت:.
-تسمعي لدقات قلبه ليكي وحدك كفيل انك تحاربي علشان اللحظة دي
تنهدت مكتملة: -وعلى قد ماهو شعور حلو، لكن موجع قوي لما مابتحصلي عليه، أو انك ترضي بنصيبك وأنتِ شايفة حبيب عمرك ملك لغيرك، دا بقى اصعب احساس صدقيني ياعاليا وقتها بتدعي على نفسك إن ربنا ياخدك من الدنيا بدل وجع القلب دا، اصلك مجربتهوش، ويارب ماتجربيه، دمعة غادرة انسابت على وجنتيها وتابعت حديثها.
-تبقي قاعدة مع نفسك ويجي في خيالك صورة له، وتتخيله مع غيرك
هزت رأسها واغمضت عيناها مع انسياب دموعها بكثرة حتى حاولت تهدئة نبضات قلبها الهادرة التي تشق صدرها من حزنها الكامن
ربتت عاليا على كفيها
-ربنا مايحرمك منه يارب حبيبتي.
فركت عاليا كفيها وطأطات رأسها خجلة، وتسائلت بصوتٍ خفيض: -جنى حسيتي بأيه اول ماجاسر قرب منك، قصدي يعني رغم أنه كان متجوز وأنتِ كنتي بتحبيه، وشايفاه مع مراته، ازاي قدرتي تتأقلمي أنه كان مع غيرك وخلتيه يعني. بترت حديثها ترفع عيناها إليها: -آسفة انسي ولا كأني سألت.
نظرت إليها بأعين تفيض ألمًا، وحاولت ضبط حزنها. ابتسمت رغمًا عنها وابتعدت بنظرها: -كل حاجة وعكسها ياعاليا، حسيت اني عايزة اقرب وابعد في نفس الوقت، عايزة احبه واكرهه، عايزة أضمه واوجعه، شعورك وقتها بيكون مشتت خايفة ومش قادرة تقولي لا، عاجزة عن بعده وفي نفس الوقت عايزاه يبعد
بس بعد ماتحسي أنه روحك بتضطري تنسي كل حاجة وتفتكري حاجة واحدة بس إن الراجل دا حياتك كلها.
اقتربت عاليا بجسدها، تزيل عبراتها بحنان، ثم اردفت: -هو بيحبك قوي ياجنى، انا شوفت لهفته عليكي يوم ماكنتي بتسقطي، صدقيني دا واحد مجنون بيكي، وفرحت جدا برجعوكم لبعض حبيبتي ربنا مايحرمك منه
آآه اخرجتها من جوف آلامها تؤمن على دعوات عاليا هامسة تزيل عبراتها
-يارب ياعاليا يارب، لاني مش هقدر جاسر كل حياتي، توقفت بعدما مسحت وجهها بالكامل.
-كدا نكدتي عليا، بدل ما تقولي لي مبروك، كشفت والدكتورة أكدت الحمل الحمدلله وقالت كل حاجة كويسة
ابتسمت عاليا واردفت بمشاكسة: -كويس نجيب عريس لعروستنا. ابتسمت بمحبة تهز رأسها
-ايوة إن شاءالله والبنت تكون أكبر من الولد مش كدا
-يسلام خلاص اتأكدتي أنه ولد
هزت كتفها للأعلى واجابتها
-اي حاجة أنا راضية، بنت ولد، المهم يكون عندي بيبي وخلاص.
طالعتها بأعين مشوشة اختلط بدموع عيناها واردفت: -تفتكري المرة دي هيكون كويس ولا هيبقى زي المرة اللي فاتت
انكمشت ملامح عاليا بتساؤل
-قصدك ايه؟
أرتجفت عيناها فأغمضتها تضغط بقوة آلامتها ثم فتحتها تنظر إليها بعينًا هالكة من الخوف والألم: -خايفة افقد البيبي ياعاليا، خايفة معرفش اجيب بيبي، الدكتورة بتقولي القرابة بينكم سبب في التشوه والاجهاض.
تفتكري مش هيبقى عندي بيبي.
شهقة خافتة خرجت من جوف عاليا تهز رأسها رافضة حديثها: -ايه اللي بتقوليها دا ياجنى، لا حبيبتي إن شاءالله ربنا يعوضك الأجمل يارب ويرضيك بحملك دا، وتجيبي واد حلو وعليه الطلة زي حضرة الظابط، قالتها عاليا بغمزة، واستأنفت
-كلام الدكتورة مش مقياس، والدليل ربى وعز اهم، وبعدين تفائلي يابنتي
امالت بجسدها تنظر بعمق لعيناها، علها تخرجها من حالتها:.
-بس قوليلي يابت ياجنجون، بيقولوا اللي بتحب جوزها البيبي بيكون شبه، على كدا أنتِ ولادك كلهم هيكونوا شبه اسم الله عليه جسورة تبعك
ناظرتها بعينًا ساحرة كغيمات المطر التي حجبت الضوء من مجرد تخيلها لأولادها ثم تبسمت متمنيةوردت قائلة: -اتمنى ذلك، صمتت واردفت تشاكسها
-زي الأميرة بنت حضرتك هتكون شبه حضرة الظابط برضو
قالتها وهي تقف متجهة إلى الشرفة
ذهبت عاليا بشرودها تتذكر طلته عند دخوله عليها.
بعد عدة ساعات بغرفة غزل، استيقظت متجهة للخارج، طرقت على باب غرفة أوس
-حبيبي لو ياسمينا عندك ابعتها علشان نصلي القيام. قالتها وتحركت متجهة إلى غرفة عاليا، وجدت جنى تغفو على المقعد بجوارها، انحنت تطبع قبلة على رأسها ثم مسدت على خصلاتها
-قومي حبيبتي اجهزي علشان طنط مليكة قالت هتيجي تصلي بينا القيام
نهضت تتثائب واتجهت ببصرها إلى عاليا التي بدأت تستيقظ، اقتربت منها
-عاملة ايه حبيبتي دلوقتي.
اومأت لها: -كويسة الحمد لله. مسدت على خصلاتها
-الحمد لله. قالتها وتحركت للخارج
بعد يومين وخاصة وقت الظهيرة.
فتح عيناه وجد جاسر يغفو على المقعد بجوار فراشه، ذهب ببصره إلى عز الذي تمدد على الأريكة التي توجد بالغرفة. همس بصوت متألمًا: - جاسر. فتح عيناه وكأنه يحلم، نهض من مكانه بعدما وجده يضع كفيه على صدره متألمًا: -بتعمل ايه استنى، جلس بمساعدة جاسر، استيقظ عز على صوتهم، جذب الكانولا ونزعها من المحلول المعلق
-عايز امشي، بابا فين.
-ياسين اهدى، بابا مشي من شوية، متنساش أنه تعبان، وبقاله يومين منمش كويس، يادوب يسيبك ساعات ويرجع
نهض متوقفًا يستند على الجدار
-عايز امشي مبحبش المستشفيات، قولت لبابا كدا، قالي الصبح. خطى بخطوات واهنة. توقف عز أمامه
-طيب استنى الدكتور يشوفك، وبعد كدا نمشي، دلف الطبيب لفحصه، وجده متوقفًا، اقترب متسائلا: -فيه ايه ياحضرة الظابط زهقت مننا
أشار إليه يستند بذراعه على أخيه.
-أنا همشي مش عايز اقعد هنا لو سمحت يادكتور
ساعده جاسر بالجلوس قائلاً: -شوفه يادكتور، لو كويس نمشي، انا عارفه مش هيهدى
بعد فترة دلفت السيارة إلى حي الألفي، ترجل بهدوء، بمساعدة اخيه، ودلف للداخل، قابلته رُبى على باب منزل والدها. احتضنته
-حمدالله على سلامتك ياحبيبي. أغمض عيناه متألمًا، ثم سحب نفسًا ثقيلًا: -الله يسلمك ياروبي، حاوطه جاسر وتحرك يشير إلى عز.
-روح ارتاح ياعز، وبالليل نتقابل، اومأ له واستدار يركن سيارته بمكانها، تحركت ربى خلف أخيها
-ماما وبابا لسة نايمين، لما عز كلمني قولت اجي اقولهم بس ملقتش غير جنى بس اللي صاحية عند عاليا
توقف ينظر لربى بنظرات مستفهمة
ثم تسائل: -مالها عاليا؟ تحمحم جاسر يتحرك بجواره: -كانت تعبانة شوية، تعالى اطلعك ترتاح في اوضتك، بلاش نقلق حد.
اتجه للمصعد وابتسم مرددًا: -وجه الوقت ياحضرة الظابط تركب الاساسنير، كنت بتتريق عليه وتقول دا للعواجيز
ابتسم بخفوت وهو يستند على اخيه، نظر جاسر إلى رُبى
-حبيبتي روحي ارتاحي، هو هينام دلوقتي، وانا كمان هلكان، ارتاحي وبعد كدا تعالي زهقيه
ضمها ياسين بذراعه الآخر يقبل رأسها
-معرفش انا غالي كدا ياروبي، امبارح لما جاتلي كانت بتعيط، لفت ذراعيها حول جسده.
-هزعل منك ياياسو، ايه متعرفش غلاوتك ولا ايه، ومراتك وقعت من طولها، شوفت غلاوتك ياياسو
توقف المصعد بالطابق المخصص به
أشار جاسر بعينيه إلى ربى
-ادخلي عرفيهم أننا برة، . دلفت ربى إلى الداخل
كانت جنى تجلس على سجادتها تقرأ وردها القرآني، رفعت عيناها عندما دلفت ربى
-جنى جاسر وياسين برة، صدقت وقامت بإغلاق مصحفها متوقفة واتجهت إلى الخارج
-حمدالله على السلامة ياياسين. اومأ لها دون حديث، اتجهت ببصرها إلى جاسر.
-عاليا نايمة، هساعده أنا وربى حبيبي
هز رأسه وتراجع بخروج ربى تحتضن ذراعه من جهة وجنى من الجهة الأخرى، توقف إلى أن دلفو للداخل
تحرك إلى أن وصل للأريكة بعدما وجدها تغفو بنومها وأشار إليهما
-هنام هنا خلاص. ساعدته ربى بالتسطح بالهدوء حتى تمدد على الأريكة تمسد على رأسه: -محتاج حاجة حبيبي، اتجه ببصره إلى عاليا متسائلًا: -مالها عاليا. جلست جنى بمقابلته على المقعد وتحدثت بمغذى.
-الصراحة ياياسو، لولو متحملتش خبر ضربك بالنار، أغمى عليها ونزفت ياسيدي
-ايه! قالها بلهفة يطالعها بخوف متسائلا: -يعني فقدنا الجنين، هزت رأسها سريعا
-لا البيبي كويس حبيبي، هي بس عايزة راحة والحمد لله ومبروك ياسيدي جايلك أميرة، قالتها ربى مبتسمة
نهضت جنى قائلة ؛
-ألف سلامة عليك ياياسين، هشوف جاسر، قالتها وتحركت للخارج
بعد فترة لم يشعر بكم الوقت وهو يطالعها بجسده المتوجع، تمنى لو يصل إليها ويضمها لأحضانه.
فتحت عاليا عيناها تبحث عنه بعدما تسللت رائحته إلى رئتيها، ذهبت ببصرها إلى الأريكة، فتحت عيناها مرة وتغلقها مرة بعدما ظنت أنها تتوهم وجوده، ابتسم على حركاتها، هبت سريعًا متناسية آلامها وشهقاتها التي اخترقت جدار روحه وهي تهمس باسمه، حاول الاعتدال بصعوبة، إلى أن وصلت إليه وألقت نفسها بأحضانه تبكي
-إنت كويس، انا مبحلمش صح.
لف ذراعيه متألمًا على جسدها قائلاً بصوت أقرب للهمس: -اشش انا كويس، وزي ماانتِ شايفة اهو
تراجعت متأسفة حينما وجدت تألمه على وجهه، جذب كفيها وأجلسها بأحضانه
-أنا كويس، ارتاحي وقولي لي ايه اللي سمعته دا، نزل ببصره إلى بطنها وتسائل
-البيبي كويس. هربت من أنظاره بعدما شعرت بتسرعها ولهفتها عليه. أدار وجهها إليه وهمس بإسمها.
- عاليا. رفعت عيناها لتحتضن عيناه بنظرات اشتياق متألمة، مرر إبهامه على وجنتيها حينما انسابت عبراتها وشعر بنبضه يحترق المًا، بعدما ظن أنه سيهدأ ويستكين بقربها
-اقدر أقول الدموع دي خوف عليا، لدرجة دي خوفتي عليا ليوصلك للحالة دي. أردف بها بنبرة هادئه لتنهار دفاعاتها أمامه وتضع رأسها على كتفه السليم.
-متخوفنيش تاني لو سمحت. ابتسامة عاشقة ظهرت على وجهه يحتضنها بهدوء: -حاضر. لكن لو حبيت اشوف الخوف دا عليا مرة تانية هتمنى يحصلي حاجة
-بعد الشر. رفع رأسه ونظر لعيناها القريبة
-تعرفي ظلمتك، فكرتك مش عايزة تشوفيني، وماصدقتي
هزت رأسها رافضة حديثه: -عمري مااتمنيت لك حاجة وحشة، رغم العدواة اللي بينا
-عدواة! قالها مذهولا. ارتبكت تتراجع بجسدها
-مش قصدي، يعني اللي كان بينا.
شبك أنامله بأصابعها الرقيقة: -ايه اللي كان بينا ياعاليا، انا عن نفسي فرحان بيكي
- ياسين . أغمض عيناه قائلًا: -ياسين عايز يرتاح يابلقيس. قالها ليغفو ويستكين بعدما اطمئنت روحه بقربها
بعد عدة ساعات.
استيقظ من نومه يبحث عنها بعينيه، اعتدل متألمًا حتى نزل من فوق مخدعه، توقف للحظات يستجمع نفسه، يضع كفيه على صدره، خرجت من الحمام بلبسها الخاص، توقفت أمام المرآة ونزعت منشفتها تهز رأسها لتتناثر خصلاتها المبللة بعشوائية توقف يطالعها بعيونًا هائمة تحرك بهدوء يقف خلفها مطبق الجفنين يستنشق رائحتها الممزوجة برائحة الياسمين. رآته من خلال المرآة فاستدارت سريعًا متناسية ماترتديه: -ياسين قومت ليه، اتجهت تحتضن ذراعه وتجذبه للأريكة.
-تعالى ارتاح المفروض ماتتحركش، رفع رأسه يبحر بسواده على ملامحها الندية، لم يفكر بشيئا، سوى وضع رأسه بحنايا عنقها، انحنت تعدل من وضعية جلوسه، خصلاتها المبللة ضربت وجهه، فأغمض عيناه، يلف ذراعيه حول خصرها يجذبها إليه حتى اختل توازنها تضع كفيها على صدره، ورغم تألمه من إصابته، إلا أنه اقترب يضع رأسه بصدرها، شعرت بهلام ساقيها فهمست بتقطع تبتعد بنظراتها عنه
-ياسين بتعمل ايه!
-تعباااان. أردف بها بصوت خافت.
جلست بجواره تحتضن كفيه: -انادي لطنط غزل، هي جت لك من شوية كنت نايم محبتش تقلق لك
وضع رأسه على كتفها وتحدث: -آسف ياعاليا، سامحيني!
-اسامحك ليه؟
تنهيدة عميقة يطالعها بعيونًا هائمة: -لما فتحت عيني ومالقتكيش زعلت قوي ياعاليا، رفع رأسه ونظر لعيناها القريبة وأكمل.
-كنت مفكر الموضوع مش فارق معاكي، رفع أنامله يزيح خصلاتها من فوق عيناها وتابع مسترسل حديثه اقرب من الهمس ينظر لبحر عيناها: -مكنتش اعرف انك تعبتي، آسف ياعاليا
لم تحيد ببصرها عنه تستمع إليه بهدوء
أنهى حديثه فابتعدت ببصرها عنه
-ممكن تكون علاقتنا مش كويسة، لكن إنت جوزي قدام ربنا وقدام الناس
-بس عاليا، افهم ايه.
اهتزت عيناها تهرب من محاصرته: -ياسين عايزة ألبس حاجة، نسيت أننا في رمضان. اومأ لها يبتعد بنظره عنها
مساء دلفت للغرفة تحمل طعامه، خطت للداخل تبحث عنه وجدته جالسًا بالشرفة مغمض العينين، اتجهت إليه
-صحيت إمتى؟
جبتلك شوية فواكه وزبادي، رفعت كوب العصير
-اشرب العصير دا الأول
تناول منها الكوب، وجذب كفيها
-عاليا تعالي جنبي، عايز اتكلم معاكي.
جلست بجواره، رمقها بنظرة صامتة وهي تبتعد بجسدها عنه، استدار يقترب منها، ثم جذب كفيها
-قاعدة بعيد عني ليه
-علشان متتعبش، وكمان علشان نفضل زي مااحنا
-إشش، عاليا لو سمحتي انسي أي حاجة وافتكري حاجة واحدة أنا تعبان ومحتاجك اوي
جلست أمامه تحتضن وجهه
-ياسين إنت موجوع.!
تعمق بسحر عيناها وجذب رأسها، ليحتضن ثغرها، لم يشعر كم من الوقت مر بهما وهو يرتشف من شهد عسلها، ابتعد عنها بعدما شعر بإختناقها.
صاعقها بقبلته، والصاعقة الأكبر عدم رفضها، بل انزعاجها ببعده عنها. ورغم دقاتها العنيفة وشعورها الداخلي، هدرت به
-ينفع اللي عملته دا؟
ارجع خصلاته للخلف وابتسامة خلابة زينت وجهه، بعدما لمح تورد وجنتيها، فكانت شهية يريد اقتطاف ذاك التفاح الذي ظهر بوجنتيها
رفع ذقنها ملمسًا إياها
-عاليا عايز لازم ندي لنفسنا فرصة، مينفعش نفضل كدا
-ولو فشلنا ياياسين.
تراجع بجسده يغمض عيناه ورد قائلاً: -يبقى جربنا ياعاليا، نهضت من مكانها
بعد عدة أسابيع وخاصة قبل العيد بعدة ايامً
مساء تلك الليلة تجمع الجميع بحديقة منزل جواد، جلست الفتيات بمكانها الخاص، واتجه الشباب بعد انقضاء صلاة القيام إلى مكانهم المفضل. تحرك حازم يجلس بجوارهم
-من زمان ماقعدناش القعدة دي ياشباب.
وصل صهيب متسائلًا: -فين جواد، رفع جواد حازم رأسه اتجاه وقوفه قائلًا: -واقف مع جاسر هناك. تحرك متجهًا إليهما.
عند جواد وجاسر
-اتكلمت مع عمك حازم، قالي بعد العيد هيقعد مع أوس ويصمموا تصميم كويس واللي انتوا عايزينه اطلبوه، لكن خروج تاني من البيت لا
-بس يابابا حضرتك وعدتني أشق طريقي بنفسي، ليه عايز تربطني بحي الألفي
-علشان دا الصح ياجاسر!
قالها صهيب الذي وصل للتو، خطى إلى وقوف جواد ينظر لتلك المساحة الشاسعة.
-احنا خلاص قررنا وانتوا عليكم تقولوا آمين، شوف عمامك سيف وحازم، واقعدوا معاهم واللي انتوا عايزينه هما هيصمموه ويطلعوه احسن مايمكن، لكن حد منكم يخرج برة دا مش مقبول. اتجه بنظره الى جواد
-خليهم يعملوا حساب فارس كمان، بالمرة هو مبقاش صغير، لحد لما يلاقي بنت الحلال
وضع جواد كفيه بجيب بنطاله وابتعد بنظره قائلاً: -عروسة فارس موجودة، واتمنى مايعترض عليها.
طالعه بجبين مقطب وتسائل: -مين دي ياجواد، ذهب ببصره لجلوس تقى وهنا وسنا وأشار بعينيه
-ابنك جالي من فترة وسألني لو ينفع بعد كدا يقولك، بس انا استنيت اشوف ايه اللي هيحصل بينها وبين جواد، كنت فاكر جواد ممكن
قاطعه صهيب يهز رأسه: -مينفعش، وسيف هيرفض، متنساش اللي حصل قبل كدا
هز جواد رأسه موافقًا رأيه
-جواد رافض اصلا، بيقول خلاص.
حمحم جاسر قائلاً: -اتمنى ماحدش يدخل في حياة جواد، سبوه براحته. تعمق جواد النظر بعينها
-إنت عارف حاجة
هز رأسه بالنفي.؟
-ابدًا!، هنسافر الفيوم إمتى
-بكرة إن شاءالله، ظبط اجازتك، وكمان أكد على جواد مش مقبول نسافر من غيره
مساء اليوم التالي
دلف الجميع بسيارتهم إلى ذاك المكان الذي جعلوه وحدة الترابط منذ زمنًا، ترجل جواد من سيارته ثم اتجه إلى زوجته
-هترتاحي ولا هنروح المقابر.
رفعت نظرها إليه وهي مازالت جالسة بالسيارة
-مش هتضايق لو طلبت منك كدا. اغلق باب السيارة واتجه للجانب الآخر يستقلها متجهًا للمقابر
أما صهيب الذي تحرك خلفه قائلا
-نهى غزل رايحة المقابر كالعادة، وحازم راح على هناك، تعالي احنا كمان نروح معاهم
-اومأت له متفهمة ثم اردفت: -على قد مابحب نيجي هنا، بس قلبي بيوجعني على حالة غزل قوي
نظر من خارج النافذة وحاول السيطرة على أحزانه.
أما شباب العائلة الذين دلفوا يصفون سيارتهم بأمكانها، ترجل سيف ينظر لصف سيارات العاىلة وعانق أكتاف ميرنا: -كان نفسي جواد يشوف المشهد دا. ابتسمت وهي ترى كل فرد متجها بزوجته ثم رفعت نظرها لزوجها
-عرفت ليه جواد كان مضايق من سفرنا احنا وحازم. تحرك للداخل قابلته المسؤولة عن الفيلا
-حمدالله على السلامة يابيه، اومال فين سيادة اللواء.
دلف للداخل وهو يحبها: -رواحو المقابر ياست نعيمة، غزل بتقولك جهزي الفطار ونزليه الجنينه هنفطر كلنا في الجنينة النهاردة
-حاضر من عنيا. اردفت بها الست الحنون واتجهت للداخل
دلف عز يحمل ابنه يبحث عن الغرفة التي يقيم بها، توقف ينظر الى سيف
-البيت هياخدنا كلنا ياعمو
أشار له بالطابق العلوي.
-فوق اربع اوض ياحبيبي، وكمان بيت حازم جنبنا، هم بيظبطوه، لحد مانجدد المكان إن شاءالله، اطلع فوق نوم ابنك وخلي روبي ترتاح، والباقي
تسائل بها عز
-جاسر اوضة، وانت اوضة وياسين الأوضة اللي جنب جواد
-وحضرتك ياعمو. أشار للغرفة التي بلأسفل
-دي لصهيب، وأنا وجواد هنروح بيتهم، اطلعوا انتوا بس ارتاحو، المكان هيعجبكم، ماهو انتوا كنتوا بترفضوا تيجوا هنا، علشان كدا مهتمناش.
تحرك ياسين يجذب كف عاليا وصعد للأعلى، دلف إلى الغرفة التي تجاور عز
توقفت عاليا تنظر إليها بوجس: -الاوضة دي هنقعد فيها، دي مفيهاش غير سرير واحد، وكمان صغيرة
هوى على المقعد
-انزلي قولي لهم أننا مش متجوزين زي ما انتوا مفكرين وهم هياخدوا لك اوضة تانية
رمقته بصمت وحاولت التظاهر بالقوة
-دا الحقيقي، ومتفكرش غير في كدا
توقف متجهًا لحقيبته، يسحب ثيابه.
-أنا تعبان وقرفان، وماليش مزاج للنكد، ولو كنتي بتقولي كدا علشان منتحاسبش على اللي حصل عند والدك، فأنا ساكت بكيفي، اقترب وهو يضع المنشفة حول عنقه وغرز عيناه بها: -انا مش هفضل متحملك اكتر من كدا، عايزة توصلي لايه ردي عليا
صعقت من حديثه الذي شق صدرها، فنظرت إليه
-الموضوع مش زي ماانت متوقع، كنت بقول اي كلام وخلاص
تحرك متجهًا المرحاض: -حتى لو تقصدي، توقف يواليها ظهره.
-تأكدي مش انا الراجل اللي اسمع مراتي تعيب فيا واسامحها، افتكري انك دوستي على كرامة ياسين الألفي بكلامك مع بنت عمك، استدار برأسه
-وزي ماقولتي لجنى احنا زي شواطئ البحر مستحيل نتجمع في مكان واحد
وتكرمي بعد ولادتك هطلقك
قالها وتحرك للداخل يصفع خلفه باب المرحاض. توقف أمام المرآة وذهب بشروده لليلة أمس التي ذهبوا لتناول الإفطار بها عند والدها
فلاش.
كانت تجلس مع ابنة عمها بالخارج، بحث بعينيه عنها بعد صلاة العشاء
-عاليا فين ياكريم؟
ايه ماشيين ولا إيه، ماتباتوا يابني معانا اللية، وكمان لسة جرحك، هز رأسه رافضًا حديثه: -لأ ياكريم لازم نرجع الليلة، جاسر نازل الشغل، وكمان فيه اجتماع بكرة في الشركة مينفعش اكون أنا وجاسر برة، وهنسافر الفيوم اخر النهار
اومأ كريم متفهمًا، ثم أشار له عليها.
-قاعدة مع بنت عمها عند الشجرة، اه نسيت ابارك لك ياابو، صحيح هتسميها ايه
ذهب ببصره لجلوسها واردف: -رسيل إن شاءالله.
رسيل. رددها كريم متسائلاً: ليه رسيل
زينت ابتسامة وجهه، وذهب بعيناه إليه: -علشان رقيقة زي المية، وربنا ارسلها لتنشر الفرحة والسعادة علينا
ابتسم كريم من نظرات ياسين على عاليا واقترب منه يربت على كتفه
-ربنا يبارك لك فيها ويقر عيناك بيها
تحرك متجهًا اليها، ولكنه توقف على سؤال ابنة عمها.
-حبتي جوزك ياعاليا، شكله جنتل وراجل
وضعت رأسها على ركبتيها: -متعرفيش حاجة، ميغركيش مظاهر الناس، عارفة ياسين دا اكتر واحد اذاني، ومستحيل في يوم من الأيام احبه، تقدري تقولي هو وخالد زي بعض، بس الفرق أن خالد كان لئيم من تحت لتحت، وياسين ظاهر في العلن
-معقولة، اللي يشوفه يقول محترم.
تشبثت بذراعها تنهض بصعوبة وابتسمت بسخرية: -واكتر ياقلبي، قالتها واستدارت للحركة ولكنها توقفت مذهولة عندما وجدته متوقفًا خلفها، ارتبكت تنظر لأبنة عمها التي تحركت مستأذنة، صمتًا مريب بنظرات نارية لديه، استدار متحركًا للخارج قائلاً: -اجهزي علشان هنرجع البيت حالا. خرج من شروده واتجه ليكمل استحمامه
بالحديقة كان يتحدث بهاتفه، اتجهت تقف بجواره حتى أنهى حديثه: -ممكن نتكلم بعد الفطار.
قطب جبينه وطالعها بنظرات مبهمة للحظات، ثم اقترب منها
-موضوع ايه ياهنا
رفعت رأسها إليه حيث فارق الطول بينهما كثيرًا
-جواد لازم نتكلم ونحط النقط على الحروف. امال بجسده وهتف دون جدال
-هنا عايزك تحطي حاجة في عقلك وتدوسي عليها، احنا مستحيل يكون بينا علاقة، مستحيل اتمنى تتفهمي دا، مش عايز اوجعك يابنت خالي، كل اللي بيقرب مني بيتوجع ياهنا
-بس أنا لا ياجواد.
-إنتِ بالذات ياهنا مستحيل، لسبب بسيط انا شايفك زي تقى، فبلاش تتخطي حدودك وتعشمي بزيادة، اتجه ببصره لفارس الذي جلس بجوار أوس يتصفح هاتفه ثم تحدث: -إنت عايزة واحد نفس الكيميا بتعتك، مش انا ابدًا، بصي لنفسك في المرايا وانت تعرفي قصدي ايه
قالها وتحرك، ورغم قسوته بالحديث معها إلا أنه شعر بالراحة، توقفت تقى أمامه وعيناها على هنا
-قولت لها ايه، خلاها تعيط
حاوطها بذراعيه وتحرك للداخل.
-لازم افوقها ياتقى، انا وهي مينفعش مع بعض
تنهدت بحزن وتحركت معه، توقف يشير إلى المطبخ
-عايز عصير فريش، معرفش نعيمة اخبارها ايه
اومأت مبتسمة وتحركت للداخل
بالأعلى بغرفة جاسر
جلس بشرفته يتفحص المكان حوله
-تعرفي الجو هنا حلو، استند على السياج الحديدي ينظر لغروب الشمس مع مناظر الاشجار، ظلت نظراته تحاوط غروب الشمس، مع صوت المذياع بقرآن المغرب برمضان.
حقا أجواء تشعرك إنك ببنت المعز الفاطمي، أغمض عيناه، وكأن رائحة الجو، مع إذاعة القرآن اكبر إنجاز حصل عليه
توقفت خلفه، ثم حاوطت خصره من الخلف تضع رأسها على ظهره
-اول مرة نيجي هنا واحنا متجوزين
احتضن كفيها ومازال مغمض العينين للحظات، جذبها فتحركت متجهة تقف أمامه
-الجمال هنا مالوش وصف
أشار بعينيه للحدائق والمزارع التي تحاوط المكان
-دا أول مكان جيناه بعد مابقيتي ملكي شرعًا وقانونًا، دنى يهمس لها.
-هنا أول بوسة على اجمل شفايف
توسعت عيناها تنظر إليه بذهول
-جاسر إنت مش صايم ايه الكلام اللي بتقوله دا
لف ذراعيه وحملها بخفة يضعها فوق السور، وحاوطها بذراعه
-وايه يعني صايم، ليه الصيام قالك ممنوع تغازل مراتك
احتضنت وجهه وتسائلت: -إزاي بتقول جينا هنا
اعتدل واقفًا وأشار للغرفة: جبتك هنا بعد ما كتبت عليكي، ايه نسيتي!
تذكرت تلك الايام، فاقت من شرودها على صوت اذان المغرب، كان يعانقها بعيناه، ويتابع شفتاها وهي تردد خلف الاذان بدعواتها وعيناها على المناظر الخلابة، انتهى الاذان فابتسمت بعدما أنهت دعاؤها
ربي ارزقني خير الاقدار، ولاتصبني بفاجعة لم اتحمل قدرها
اللهم اجعلني عبدا ثبورا
اللهم قر عيني بطفلي وبارك لي في زوجي. وارزق ابي الصحة والعافية
اللهم انك عفوا كريم تحب العفو فاعف عني.
اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آتِ سيدنا محمدا الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة
وصلى الله عليه وسلم
اتجهت ببصرها له مبتسمة
-ننزل علشان نصلي معاهم ونشارك اول فطار في أول مكان جمعنا
رفعها من خصرها لتكون بمواجهة وجهه، ودنى يحتضن خاصتها للحظات
ثم انزلها قائلاً: -أنا كدا فطرت احسن فطار. لكمته بصدره
-قليل الادب بتعمل ايه؟
الناس بتدعي وانت بتبوسني. قهقه عليها يغمز لها بطرف عينيه: -مش عجبتك البوسة يامهلكتي.
طب تعالي نعيدها وأنا اخليها احسن وتحسي بها اكتر
لكمته بغضب واستدارت فلفت نظرها تلك الفتاه التي توقفت تنظر إليه بهيام، جحظت عيناها تنظر الى الفتاه ثم إليه!
-مين البت دي.
اتجه بنظره للتي تنظر إليها، وجدها فتاه مابين الثامن عشر والعشرون من العمر، ترتدي فستانًا مزركشًا ببعض الورود وتضع حجابًا بطريقة عشوائية على خصلاتها مما جعلها تتدلى على جبينها، دقق النظر بها ثم اتجه إلى جنى
-دي بنت عمو حسين الجنايني يابنتي، وبعدين دي شكلها عيلة
دعست على قدمه بحذائها متوقفة عليه، ثم رفعت ذراعيه تعانق رقبته تجذبه لمستواها تهمس بجوار أذنه.
-ودي ايه اللي عرفك بيها ياعنيا، البت كانت بتبص عليك وعايزة تاكلك بعينها
رفع حاحبها ساخرًا من مزاجها الذي انقلب واردف: -اه اصلي مصاحبها وجاية تسلم عليا
ضغطت بكعب حذائها فصرخ بها: -يامجنونة. جذبته مرة أخرى وعيناها على تلك الفتاة التي جلست على العشب بالحديقة وأمسكت كتابها وتمثلت المذاكرة، ثم هدرت به كالمجنونة
-عايزاك تبوسني تاني، جالي مزاج للبوسة حالا
انحنى يحملها وارتفعت ضحكاتهم: -يابنت المجنونة.
جحظت عيناها من سبه، وبدأت ترفع ساقيها رافضة حمله
-نزلني يابصباص. انحنى يكتم أنفاسها بطريقته، ثم أردف بصوت خافت بعدما خرج من الغرفة بخروج عز وربى: -هتسكتي ولا اروح افضحك وأقولهم عايزة تفطري بإيه، والصراحة نوع الفطار دا انا بعشقه
أشار عز برأسه بعدما انزل جنى يجذبها من خصرها بقوة: -مالكم يابني!
غمز لها واردف: -اقول لاخوكي انتِ عايزة ايه
ركلته بقدمها، وهرولت للأسفل نسبه.
ضحك بصوت مرتفع حتى انتبه إليه الجميع
جلس صهيب يضع المحرمة على ساقيه ونظر إلى جواد: -شوف المسهوك ابنك ماله، مش ناقصة هبل على المسا
جذب المقعد بقوة وجلس بمقابلته ينظر إلى جنى: -تعالي جنبي، انا طلبت منك تقعدي جنب ابوكي
ألقاه صهيب بزتونة من أمامه
-ماتتلم يالا، هو إنت شاري البت، وبجح قدامنا
جذب من أمامه صحن السلطة قائلاً
-السلطة غلط على صحتك، اخرك علبة زبادي وتحمد ربنا عليها، هو انت عندك سنان للأكل دا.
كتم حازم ضحكاته يطالع جواد الصامت، حك صهيب ذقنه وطالعه بغموض: -تمام يابن جواد، استظرف
وصلت الفتيات وجلست بأماكنهم، بوصول غزل التي وزعت نظراتها عليهم
-مالكم ساكتين ليه!
أشار جواد لجلوسها وتحدث
-ريان جاي بعد الفطار، ويوسف الأسيوطي كمان، أجهزوا
-ليه يوسف جاي ياجواد
تسائل بها حازم، بدأ يتناول طعامه، ثم ذهب ببصره إلى جاسر
-عايزه في شغل.
قطب ياسين حاجبه وتحدث بنبرة حادة: -وشغل ايه يابابا اللي محتاجه منه، دا مهندس الكترونيات، ايه الشغل اللي حضرتك عايزه، وبعدين ماهو عز موجود، ايه لازمة الراجل دا
-ياسين هتف بها بصوت حاد، ثم أشار بسبباته: -متتجاوزش حدودك معاي، وكل وانت ساكت
صمت الجميع فكان وجه جواد يوحي بالغضب، ربتت غزل على كفيه
-ممكن تهدى، ليه العصبية دي
اتجه بنظره إليها
-اقوم ياغزل علشان ترتاحي.
تنهدت مستغفرة ربها ثم نظرت إلى صهيب الذي أومأ لها بعينيه دون حديث
بعد فترة من صلاة القيام
اتجه ياسين إلى جلوس عاليا، وسحب كفيها
-تعالي نتمشى شوية. اومأت له وتحركت معه بدخول سيارة ريان ويوسف من البوابة الرئيسية
توقف لتحيتهم، ترجل ريان بجوار بيجاد وغنى
-حمدالله على سلامتك ياحضرة الظابط. ابتسم بمحبة
-الله يسلمك ياعمو ريان. تحركت غنى إليه تضمه لأحضانه
-حبيبي لسة عارفة امبارح خبوا عليا
نظر إلى بطنها المنتفخة.
-حبيبتي ولا يهمك ياقلبي، المهم حبيبة خالو هتيجي امتى، وصل بيجاد إليهم
-ياسو باشا اللي مسيطر على الأمن الوطني صفو دمه، والله صعب عليا شوية الدم اللي نزلوا، سؤال لئيم بس ياياسو
-عايز اعرف هم لقيوا فيك دم منين يابني دا انت دمك واقف
ضحكت عاليا فرمقها
-عجبتك قوي ياختي، بتر حديثهم تلك التي توقفت
-مساء الخير. استدار سريعًا يطالعها بصمت. دنت منهم
-ازيك ياياسين، عامل ايه.
كانت نظرات عاليا تخترقها، اومأ ياسين برأسه قائلاً: -كويس شكرًا، سحب عاليا وتحدث: -بعد اذنكم هنتمشى شوية، الدكتورة طلبت من عاليا الحركة
-دي مراتك، توقف متسمرًا ينظر إلى عاليا، ثم اقترب يحاوطها بذراعيه: -بعد اذنكم. تحرك وهو يحاصرها بذراعه، كانت تتحرك بجواره ودقات قلبها تخترق صدرها ونظراتها الحزينة التي جعلت عيناها تكتم عبراتها ونيران صدرها تشتعل بلهيب الغيرة
حقا تلك الفتاة روعة الجمال والرقة.
توقف ياسين مستديرًا عندما وجد جواد حازم يجلس بجوار هنا يتحدثون. اتجه بنظره الى عاليا
-هشوف جواد وراجع لك. اومأت له فخطى إلى جلوسهم
عند جواد كان يدخن سجائره يتحدث معها: -إنتِ اختي ياهنا، بلاش تزعلي مني، عارف كلمتك بقسوة، بس دا علشان تفوقي انت بتحاولي تبيني للكل انك كبرتي وتحبي وتتحبي، هنا مش زي تركيا، حياتنا مختلفة، وزي ماقولت لك قبل كدا مستحيل يكون بينا حاجة. استمع الى صوت ياسين.
-بتعملوا ايه هنا. نهض جواد يشير إلى هنا
-هنا كانت بتسألني على حاجة، هروح أشوف عمو ريان ويوسف
امسك ذراعه وتسائل
-بابا عايز ايه من يوسف الاسيوطي
ربت على كتفه
-معرفش انت تايه عن والدك
استدار وتحرك إلى زوجته بعدما لم يصل لشيئا، وصل إلى زوجته، اقترب منها
-بتعملي ايه يامجنونة!
-ايه خايف عليا ولا على البيبي
انزلي ياعاليا ربنا يهديكي. ظل تحرك ساقيها وتقتطف من التوت.
-انا هنا أحسن، مالكش دعوة بيا، نظر لذاك الفرع الذي كاد أن ينكسر بها. فرفع قدمه فوق جذع الشجرة
-ياربي انا كان نقاصني واحدة مجنونة. القت الذي بيديها
-أنا مجنونة ياياسين. أفلت ابتسامة رغمًا عنه قائلاً: -لا ابدا انا اللي ابن مجانين. انزلي بس لتوقعي ويحصلك حاجة
-المهم خايف على البيبي انا مش مشكلة كور قبضته ثم رفع ذراعيه يضمها من خصرها لينزل بها
-والله خايف عليكي اكتر يابلقيس
احلف كدا. قالتها بعدما انزلها.
رفع حاجبه الأيسر مشيرا لفمها الذي عليه اثار حبات التوت قائلاً: -وحياة التوت اللي عايز يتاكل دا خايف عليكي
جحظت عيناها تمسح فمها قائلة
-قليل أدب.
اقترب يحاوط جسدها: -أنا قليل أدب ياياسين، مالك مش على بعضك
ضغط على خصرها
-ماتلعبيش معايا يابلقيس، وابعدي الأفكار الهبلة دي
جذب كفيها يضع حبة التوت بفمه
-طعمها حلو
دفعته والغيرة تتوهج بعينها
-قليل ادب ياحضرة الظابط!
ليه هو اللي عايز ياكل توت من فوق الشجرة يكون قليل ادب. اخدتيها في انهي سنة دي ولا في فصل ايه. عارف اكيد فصل الهبل
ضربت قدمها بالأرض متحركة من امامه تسبه.
جربوع حلوف يابن عمو الكويس. يارب نفسي البارد دا يتعدي من اخواته، اشربه ايه، أيوة هو سم فران
عند جاسر وجنى
وبعدين هنفضل نمشي كتير أنا مبقتش قادرة، رفعها من خصرها حتى أصبحت بمقابلته
-زهقتي ياجنجون!
حاوطت عنقه تستند بجبينها على خاصته.
-ابدًا ابدًا، طول ماانت معايا عمري ماازهق، انزلها بهدوء وعانق كفيها
-طب تعالي عاملك مفاجأة، حاولت افكر في حاجة في ظل ظروف حملك مالقتش غير كدا
توقفت مقطبت الجبين
-تقصد ايه؟
الحج جواد ركب الحجة غزل عجلة
انا لازم اركبك حاجة ياروحي
صفقت بيديها
-قول والله يعني هتركبني عجلة
هز رأسه ورفع يديه بشكل مسرحي
-اومال ياروحي، حاجة أجمد من العجلة، انا عندي كام جنجون بس تعالي بقى علشان اركبك البتاع دا
استدارت تنظر خلفها مبتسمة، ولكنها توقفت مصدومة تنظر للذي يشير إليها
-والله لأضربك ياجاسر، انا اركب البتاع دا. تراجع للخلف يقهقه عليها حتى اصطدم بصهيب
رفع الآخر حاجبه ساخرًا.
-مش ناوي تتلم، بقالي ساعتين بدور عليكم. استدار لزوجته
-هو أنا كنت اتجوزتك ونسيتك، انا طفشت منك، جاي ورايا ليه
لكزه يدفعه بغضب وزمجر غاضباً: -إنت متخلف يالا، البت حامل، وعارفك مجنون، اتلم ياجاسر، أنا هاخد البت وانت اتفسح مع نفسك
حاوطها من أكتافها
-ياله يابابا، سيبك منه والله هيسقطك واللي كنت خايف منه حصل
-هو انت غيران مني ياصهيب، ماهو لو غيران نكلم نهى تلمك، اما لو حاجة تانية نشوفلك دكتور.
-اه ياحلوف يابن جواد، طيب والله ماهتقرب منها لحد مانرجع، اقترب منه يرمقه شزرا وتابع بفظاظة: -لو حاولت تقرب اقسم بعزة الله أبعدها عنك شهرين، وقرب وشوف هعملها ولا لا.
تركت كف والدها واتجهت إليه فابتسم يغمز لصهيب، حتى وصلت
وطبعت قبلة على وجنتيه
-يبقى اركب الدونكي ياروحي، اهو يسليك وتتصاحبوا على بعض الفترة دي. قالتها واستدارت تحتضن ذراع والدها
-سوري يابابا كان لازم أودع جوزي حضرتك عارف شهر كتير برضو.
خطى إلى أن وصل إليها
-رايحة فين يابت، العيد بكرة والله ادخل ابوكي السجن
دفعه صهيب بقوة
-ابعد يالا روح عيد مع ابوك
جذبها من خصرها بقوة
-والله ماهعيد إلا في حضن بنتك. تعالي يابت، كنتي عرفيه وقولي له كنتي عايزة تفطري بإيه
ضربته تضع رأسها بأحضانه: -اسكت ياجاسر هزعل منك. قهقه عليها يضمها لأحضانه: -عايزة تعيدي بعيد عني ياجنجون
أخرجها من أحضانه يضم وجهها بين راحتيه.
-عايزة تعيدي عند بابا. هزت رأسها بالنفي. انحنى يلتقط ثغرها بقبلة جامحة، تحرك صهيب يسبه
-وقح يخربيت قلة ادبك
بعد ساعتين تجمع الجميع بالحديقة وصوت ضحكاتهم بالارتفاع على عز وبيجاد
تسطح عز يمسك بطنه من الضحك، هوى بيجاد فوقه
-والله لازم اربيك يابن عمو صهيب
بالداخل بغرفة مكتب جواد
-يوسف الموضوع دا لازم يتعمل بدقة، انا مش واثق في حد
اومأ يوسف له
-متقلقش، هفكر في حاجة وارتب ظروفي، بس ليه مابتتكلمش مع جاسر وتعرفه.
هز رأسه بالرفض قائلاً: -مش عايزه يعرف أي حاجة، المهم يعمل اللي عايزه وفي نفس الوقت يكون تحت عيني
-بس دا خطر ياجواد. قالها ريان
-مش عايز اقف قدام مستقبل الولاد ياريان، لازم يعملوا اللي شايفنه صح، وفي نفس الوقت يكونوا تحت عيني
-طيب الباقي!
دول عليا عامل حسابي دلوقتي ركزلي على جواد وجاسر وياسين العيال دول مش عارف اوصل بيرسموا لأيه، وعارف ومتأكد بيخططوا لحاجة، وانا مش مقتنع بكلام ابني ومهما يقول دا تربيتي وعارفه اكتر من أي حد، اكيد بيخطط لحاجة
قطع حديثهم دخول صهيب
-خلصتوا شغل ولا لسة. نهض ريان من مكانه
-احنا هننزل القاهرة الكل مستنينا هناك، ونتقابل تاني يوم العيد في اسكندريه، الدعوة للكل ياجواد اتمنى الكل يكون موجود
-إن شاءالله.
بالخارج كان يقف ينظر للسماء التي تزينها النجوم، ولكن اختفاء القمر احزنه، فاليوم اخر ايام الشهر المبارك
توقفت تقف خلفه
- ياسين. استدار برأسه، رمقها بنظرة، ثم اتجه ينظر للسماء مرة أخرى يضع كفوفه بجيب بنطاله
-عايزة مني ايه ياليليان. اقتربت تقف بجواره
-أنا آسفة، بجد آسفة، أمسكت ذراعيه
-ياسين أنا لسة بحبك، مقدرتش أنساك
قالتها بدموع تنساب على وجنتيها. هزت رأسها واقترب للحد الغير مسموح.
أنا موافقة أكون زوجة تانية، بس ارجع لي، صدقني مش عارفة اعيش من غيرك حاولت ومقدرتش، فرحت قوي لما بابا قالي أنه جاي هنا، كنت واحشني قوي وهموت واشوفك
رفع أنامله يزيل دموعها وانحنى يهمس لها بعض الكلمات
ابتسمت بسعادة، ولكن صدمت من باقي حديثه
علي بعد بعض الخطوات، وقفت تنظر إليهما تتنتحب بأنين صامت، ونيران تغزو ضلوعها من هذا التقارب.
ارتجف جسدها، وتحجرت دموعها تشعر بآلام تسري بجسدها. استدارت تحتضن أحشائها متألمة. تكتم أنينها قابلتها ربى وسنا يتجولون بالحديقة. هوت على الأرض تبكي بصوت مرتفع عندما فاض تحمل الألم
صرخت صرخة شقت قلبها باسمه، وكأنها تحمله آلامها، فتساقطت الدماء من بين ساقيها بقوة، طالعتها ربى بصدمة، تصرخ باسم والدتها واخيها بنفس الوقت.
↚
هوت عاليا تمسك احشائها عندما فاق تحملها لتصرخ وتملأ الدنيا صراخًا، وكأن صرخاتها تحمله آلامها
هرولت رُبى إليها بعدما وجدتها بتلك الحالة، توسعت عيناها عندما وجدت الدماء تنساب على ساقيها، مما جعلها تصرخ باسم والدتها وأخيها بصوت واحدًا
ياسين، ماما.
عند ياسين تراجعت مذهولة تطالعه بحزن: -لدرجة دي شايفني خاينة! ياياسين. استدار يضع كفوفه بجيب بنطاله ورمقها مشمئزًا: -أنا بكرهك ياليليان، اكتر شخص كرهته في حياتي، مش علشان إنتِ غدرتي بيا، علشان قلبي اتكسر في وقت بسببك، ودلوقتي انا مش شايفك غير انك خاينة، تفتكري انا. ولكن بتر حديثه على صوت أخته باسمه
هرول متحركًا بوصول سيف وجواد حازم إلى مكان عاليا، لأنهم الأقرب لمكانهم.
توقف سيف يطالعها متسائلاً: -في ايه ياربى، كانت ربى وسنا تحتضن عاليا التي تصرخ: -بنتي، انا بنزف. آآه، صرخت بها
هرول جواد على سيارته متسائلاً: -عمو سيف كلم طنط غزل
توقف مذهولا وهو يراها تبكي بنشيج بأحضان ربى وتحتضن احشاىها، نظر لفستانها الذي لُطخ بالدماء
انحنى يحملها بين يديه وبصوتٍ متقطع: -عاليا ايه اللي حصل، طالعته بحزن تطبق على جفنيه، تهمس بنبرة متقطعة.
-ابعد عني متلمسنيش، حاول رفعها ولكنه لم يقو بسبب اثر جرحه، انحنى جواد الذي وصل بسيارته
-سبها ياياسين انا هشيلها، كلم طنط غزل معرفش هنروح فين
تحرك سيف إلى السيارة
-تعالى انا هوديكم مستشفى، لحد ماغزل وجواد يرجعوا
تحركت السيارة التي استقلها كلا من
سيف وربى وياسين، ضمها لأحضانه بعدما جلس بالخلف بجوارها.
-عاليا متخافيش إن شاءالله خير، كانت تبكي من شدة الألم، وصرخاتها التي اخترقت روحه، انحنى برأسه ولف ذراعه يرفعها لمستواه، وكأنه يريد أن يضعها بداخل صدره قبّل رأسها وحاول التخفيف عنها بصوته الحنون: -اهدي حبيبتي خلاص هنوصل المستشفى، رغم كلمته العفوية إلا أنه اخترقت جدار قلبها ترفرف أهدابها كأن هذه الكلمة التي روت عطش قلبها وازالت آلام جسدها لتغمض عيناها تضغط على كفيه.
-ياسين أنا خايفة بطني بتتقطع. مسد على وجهها ينظر لموج بحرها الممزوج بمياه عيناها: -عاليا أن شاءالله هتكوني كويسة، عايزك تقوي علشان بنتنا، وضع كفيه بخوف بطنها كأنه يريد أن يأخذ من آلامها، وحدجها بنظرة عطوف قائلاً: -حافظي على بنتنا سمعاني، ياله حاولي تتحملي شوية حبيبتي.
مسحت رأسها لأول مرة بصدره تبكي بشدة من شدة آلامها التي لم تعد تتحملها، ضغطت بقوة حتى انغرزت أظافرها بكفيه وانسابت بعض دمائها، ولكنه حاول التحمل وامتصاص وجعها
وصل إلى المشفى بعد قليل، بوصول جواد حازم خلفهما وسنا
ترجل جواد سريعًا يحملها وهرول ياسين للداخل.
-دكتور هنا لو سمحتم. خرج المسعفين ليتلقوها على فراش المشفى المتحركة، تحرك خلفها سريعا، احتضن كفيها وانحنى يمسح على خصلاتها التي انسابت بعد سقوط حجابها
-عاليا أنا جنبك متخافيش. أطبقت على جفنيها متألمة، وتحدثت بنبرة متألمة:
-متسبنيش ياياسين، اخترقت
كلماتها الموجعة جسدها لتنخر عظامه، توقف المسعفين وتحدثوا بعملية: -هنشوف الدكتور
-لا. عايزة دكتورة مش دكتور.
أغمضت عيناها وازداد عرقُها مع شدة آلامها وصراخاتها التي ارتفعت مرة أخرى
انحنى يقبل جبينها
-خلاص حبيبتي اهدي
دار حول نفسه كالمجنون يشير للممرضات
عايزة دكتورة بسرعة مراتي بتنزف
اقتربت رُبى بجسد مرتجف بعدما تدهورت حالة عالية من شدة آلامها
-دخلها ياياسين وانا هشوف دي ولادة ولا لا
نظر إليها كالغريق متذكر رسالتها. فدفع الفراش بنفسه للداخل، يجذب كفيها كطوق نجاة.
-يالة ياروبي هتقدري، طمنيني. طالعته بخوف واردفت: -أنا هشوف، انا لسة ماوصلتش لمرحلة الولادة
امسكها من أكتافها بعنف: -مرات اخوكي بتموت عايزك تطمنيني سمعتي، يالة اومال دكتورة ازاي
اومأت بجسد مرتجف، وتحركت لفراشها، ووزعت نظراتها بينه وبين صرخات عاليا التي تصم الآذان، حتى شقت صرخة جدران المشفى، فهرولت إليها وبدأت تفحصها
ابتسامة تجلت بعينها
-ولادة، البيبي هينزل، مش هتحتاج عملية. قالتها بفرحة تهرول للخارج.
-اوضة الولادة فين لو سمحتي
أجابتها الممرضة: فيها حالة ولادة حاليا يافندم، نظرت بزعر على صرخات عاليا
-ليه مفيش غير اوضة واحدة. اردفت بها ربى بذهول
أجابتها الممرضة مرة أخرى: -اتنين يافندم، واحدة فيها ولادة قيصرية والتانية ولادة طبيعية
هرولت للداخل تصيح بالممرضة
هاتي لي تجهيزات الولادة بسرعة
توقفت الممرضة أمامها مينفعش لو سمحتي الدكتور موجود، لكن الاستاذ رافض عايز دكتورة
اقتربت روبي تجز على أسنانها.
-نسبها تموت، اتحركي انا دكتورة امتياز. قالتها ربى بدلوف غزل وجواد
-ايه اللي حصل؟
قالتها غزل وهي تتجه الى ياسين المحتضن كف زوجته يمسد على خصلاتها يمسح عرقها ويحاول تهدئتها
- ربى. صاحت بها غزل بعدما صرخت عاليا تحاول الأعتدال تضغط على كف ياسين
-هموووت. صرخة من جوفه يطالع والدته بدموعه التي انسابت رغمًا عنه.
-ماما. قالها وهو يضم رأسها لأحضانه: -عاليا اهدي خلاص هروح اشوف الدكتور. هزت رأسها رافضة: -لا متسبنيش ياياسين انا هموت قالتها ببكاء مرتفع. احتضن رأسها يقبل رأسها وهي تأن بصراخ
-لا ياعاليا هتقومي بالسلامة وتربي بنتنا.
-ياسين اطلع برة. قالتها غزل بعد ماوجدت اندفاع مياه الولادة بكثرة
أشارت على جواد أن يسحبه للخارج
جذبه جواد من ذراعه وهو مازال متشبث بها ينظر لوالده بعجز.
-تعالى حبيبي، ياله علشان تصلي وتدعي لها
انحنى يطبع قبلة على جبينها المتعرق، بعدما خفض صوتها ثم همس إليها: لولو هستناكي برة متتأخريش عليا بلقيس، ازال عبراتها ونظرت إليه بوهن. اقترب من شفتيها: -ملك الهكسوس بيحب بلقسته ولكنها أغلقت عيناها لتذهب بنومها بعدما حقنتها طبيبة التخدير
بالمنزل عند جاسر
تحرك بعدما تركهما صهيب، يضمها من خصرها، حتى وصل لشجرة من التوت تشير إليها
-جاسر عايزة أكل توت.
ضيق عيناه وتسائل: -اسمه ايه البتاع دا. ابتسمت تحاوط خصره: -توت يابن عمي هتستهبل
هو لونه اسود. تركته تسبه قائلة: -بيستعبط ابن عمو جواد. لم تكمل حديثها عندما رفعها بين ذراعيه يغمز لها
-تقلتي ليه يابت كدا
قهقهت عليه عندما رفعها ووضعها فوق الجدار
خليكي هنا وهطلع اجبلك البتاع دا
مطت شفتيها كالأطفال قائلة: -بسرعة.
عاد إليها بعد دقائق معدودة يضع بعض التوت بكفه
-طبعا لازم يتغسل، مينفعش يتاكل كدا.
هزت رأسها بالنفي: -ارميه خلاص، مش عايزة، عايزة اكل حاجة حادقة مش مسكرة
ألقاه يطالعها وتصنع الغضب: -بتهزري ياجنى. انحنت تحاوط عنقه
-بدلع عليك ياجسورة، بلاش مراتك تدلع عليك. حاوط خصرها وأنزلها بهدوء
-ليكِ الدلال والدلع ياروحي، اومري بس. تمسحت بصدره تضع رأسها عليه
-عايزة انام قوي، تعبانة من المشوار، مردتش ازعلك لما قولت نتمشى
سحب كفيها ينظر بساعة يديه: -الساعة اتناشر هتنامي دلوقتي. احتضنت ذراعه.
-تعبانة ياجاسر، وعايزة اصحى بدري ناوية اصلي معاك العيد، توقف ينظر إليها بحب: -مش عايزة حاجة تفطري عليها قبل النوم. فهمت ما يشير إليه، وضعت رأسها بصدره مرة أخرى خجلًا: -جاسر بس بقى. رفعت نظرها إليه
-كنت عايز ايه والبت عينها هتاكلك مقولتليش مين البت دي، وايه اللي عرفك بيها.
زم شفتيه وأشار بسبباته: -تاني ياجنى، هنضيع كلامنا على بنت الجنايني ياجنى، وايه الهبل اللي بتقوليه دا، انا معرفهاش، بس شوفتها مع باباها المرة اللي كنا فيها هنا، وكانت بتهتم بيكي، لكن الذاكرة عندك في ذمة الله ياروحي
ضيقت عيناها تطالعه بنظرات مبهمة، ثم اردفت: -هعمل مصدقاك يابن عمو جواد. ابتسم بخبث على شكلها ودنى يهمس لها
-طب ينفع ابن عمك جواد يبوس مراته الغيورة. لكزته بذراعيها وتحركت قائلة:.
-لما تبقى عايز تهرب تعمل اي حركات واطية. قالتها وتحركت سريعًا من أمامه. توقف للحظات يتابع تحركها، ثم أخرج تنهيدة ثقلية محملة بلوعة عشقه قائلًا: -غبية ياجنجون، متعرفيش انك نبض قلبي، تحرك إلى أن توقف بأحد الأماكن الشاسعة ينظر للسماء الصافية تنيرها تلك المصابيح الربانية وتذكر حياته منذ أن دق القلب لها، أعوام تمر لا يعلم كيف عشقها لهذا الحد، ذهب بمخيلته يوم زفافه على فيروز، أطبق جفنيه متألمًا.
-كيف فعلها، كيف استطاع لمس غيرها، سؤال خلفه عشرات الأسئلة وهو يعاتب نفسه، ماذا لو فعلتها هي، اتتحمل لو فعلته، هز رأسه بقوة
-لا مستحيل كنت اسبها، لا دا كنت موتها، لا يعلم لماذا شعر بتلك الاحاسيس الآن، اتكون ملكًا لغيره، يراها بالقرب من غيره. صفع عقله وقلبه معا وتحرك متجهًا إليها
وصلت للمنزل لم تجد أحد بالحديقة سوى أوس وياسمينا التي تستند على كتفه وهو يحاوطها بذراعه. صعدت لغرفتها قابلتها والدتها.
- جنى. توقفت تطالعها
-كنتي فين ياماما دورت عليكي من شوية. جذبت كفيها واجلستها
-كنت مع بابا بنلف في البلد شوية، بقالنا سنين مجناش، فيه أماكن حلوة كتير هنا، بكرة يبقى خلي جاسر يوديكي، هتعجبك قوي حبيبتي
دققت النظر بعيناها وتسائلت: -مقلتيش حبيبتي مش نفسك في حاجة تاكليها مفيش أي روايح جت على بالك
ابتسمت جنى تربت على كف والدتها.
-حبيبتي هيكون نفسي في ايه وحضرتك ماشاء الله مش حرماني من حاجة، وتعالي شوفي جاسر بيعمل ايه هو كمان، انتو الاتنين هتخلوني قنبلة
توقفت وانحنت تقبل جبين والدتها
-هطلع ارتاح شوية، تعبانة اليوم سفر
ربتت على كتفها قائلة: -اطلعي حبيبتي، انا كمان هخرج اشوف غزل فين مفيش حد باين منهم ممكن يكونوا عند حازم
اومأت لها بتفهم، استمعت إلى صوت زوجها مع عز بالخارج وهم يضحكون.
دلفت والدتها غرفتها، فتحركت جنى اليهما توقفت عندما استمعت إلى سؤال عز
-عامل ايه مع جنى، مبقاش فيه وقت نتكلم
وضع كفوفه بجيب بنطاله وابتسامة خلابة على وجهه
-هكون عامل ايه ياعز، تقدر تقول اخدت من الدنيا كل حاجة حلوة، ولو شبهت الحالة صح. اقترب منه ونظر لعيناه وتحدث بصوت خافت: -اختك بالنسبالي الجنة. ربت عز على كتفه: -لما الحب دا كله موجود كنت ساكت ليه يامتخلف.
أفلت ضحكة وغمز بعينيه: -علشان احبها اكتر. لكمه لكمة خفيفة بصدره وضحك
-ماتحترم نفسك، لاحظ أنها اختي يامتخلف. ابتعد يضحك وأجابه
-ولاحظ أنها مراتي يااهبل، يعني اقرب لي منك. لا والله. قالها عز مستنكرا
غمز له جاسر يشاكسه وهتف ضاحكا: -آه والله. اقترب عز يضمه وارتفعت ضحكاتهم.
-ربنا يسعدكم يارب، صمت لبعض اللحظات ثم تحدث: -جاسر مش عايز تكون لسة زعلان مني، اتمنى مايكونش في قلبك حاجة، انا بس كنت خايف على جنى، وكانت. بتر حديثه قائلًا: -احنا اخوات ياعز، ممكن نضايق ونتعصب على بعض، بس مستحيل نشيل ضغينة لبعض، وأنا متفهم خوفك على جنى. بس عايز أكدلك.
-جنى حياتي ياعز ولو بعدت عني يبقى ماليش حياة، عايزك تهتم بيها الفترة الجاية، ممكن انشغل شوية، قلبي هيكون معاها، وانت عينك عليها هسبها أمانة عندك ولازم تحافظ عليها
قطب جبينه واقترب متسائلا: -إنت ناوي على ايه يابن عمي. غيّر حديثه مبتسمًا
-ناوي اروح اعيد مع مراتي ياحلوف، وسع كدا، توقف عز يطالع تحركه مرددًا
-ياترى ناوي على ايه ياجاسر، كلامك يخوف.
تحركت للأعلى بعدما ترك عز واتجه إلى أوس، جلست على فراشها تتذكر حديثه، خطرت فكرة على ذهنها، فنهضت متجهة إلى المرحاض، خرجت بعد دقائق وتوقفت أمام المرآه تتزين ثم تحركت لداخل لترتدي تلك المنامة التي احضرتها خصيصا لتلك الليلة، ارتدتها ثم اتجهت تنظر لنفسها بالمرآة
منامة باللون الأحمر مثلثة الصدر و مفتوحةالظهر بالكامل سوى من بعض الأربطة، تصل إلى فوق الركبتين.
رفعت خصلاتها للأعلى، مع انسياب البعض بشكل عشوائي، لتزيد طلتها جمالا. توقفت وقامت بإغلاق الأضاءة بعدما أنهت زينتها بالكامل، وتحركت تضئ تلك المصابيح الخافتة، تمنت لو يوجد بعض الشموع ذات الروائح العبقة. خطت إلى اشيائه وجلبت زجاجة عطره، لتغرق الغرفة برائحته التي تعشقها، توقفت وانتابها شعورًا حادًا وهو احتضانه واستنشاق انفاسه الممزوجة برائحة تبغه، جلست تفرك جبهتها تحاول أن تسيطر على تلك المشاعر. استمعت إلى خطوات أحدهم على الدرج، استرقت السمع فاستمعت لضحكات بيجاد وعز.
خاب ظنها بدلوفه، فاتجهت إلى الفراش تسحب كنزته وتسطحت تستنشقها كالمدمن، أغمضت عيناها ومازالت على حالتها ولم تشعر بدلوفه الهادئ. اقترب من الفراش، وعيناه تبحر فوق جسدها بالكامل، ظلت نظراته تخترقها من أقدامها مرورا بجسدها بالكامل حتى توقف على شفتاها المطلية باللون الأحمر، انحنى يحاوط جسدها بذراعيه، وهمس بأنفاسه الحارة: -جنية البحر بتعمل ايه على سريري، رفعت عيناها اللامعة بعشقه الطاغي، لتعكس الإضاءة الخافتة على وجهها كضي القمر لتجعلها أيقونة طاغية لقلبه جعلته لم يتحمل السيطرة على ضبط مشاعره ليجذب تلك الشفاة الشهية لبعض الدقائق ساحبًا أنفاسهما معًا، تركها عنوة وهو يرفعها من فوق الفراش لتكمل اللوحة الخلابة لعيناه التي نحتتها بدقة مع دقات قلبه المخترقةةلهيئتها. همس اسمها ومازالت عيناه تحاصر جسدها الغض أمامه: -ايه الجمال دا ياروحي، رفعت ذراعيه تحاوط عنقه ترفع نفسها.
-يعني انا كنت وحشة ياجسورة والنهاردة بس حلوة في عيونك
مرر أنامله على وجنتيها إلى أن توقف على شفتيها
-طول عمرك خاطفة قلبي وروحي ياجنى، نزل بأنامله لتلك النقوش التي رسمتها على كتفها ومقدمة صدرها، اقترب ليقرأ مابها، هنا انهارت كل دوافعه ولم يعد لديه قدرة على التحمل. فما كما يقول ابن الرومي.
لا يهدأ قلب العاشق حتى يبادلها المحبوب الوله. نظرات بينهما للحظات وهو يغوص بجمالها الطاغي. فركت كفيها خجلًا من نظراته الاختراقية، تبتعد عنه، ولكنه جذبها بقوة لتصبح بأحضانه بالكامل. لف ذراعيه حول جسدها. ارتجف جسدها وارتعشت شفتيها مع رفرفت اهدابها تهمس له
كان نفسي أعمل ليلة مميزة وأقولك كل عيد وانت معايا.
قالتها بنبرة شجية ليرتجف جسده، ولا يشعر بشيئا كالمخمور الذي سكب من كؤوس الخمر مايذهب العقل ولم يتبقى سوى نبض قلبه بعشقها. انحنى يضع جبينه فوق خاصتها لتلفح أنفاسه الحارة وجهها بالكامل، وتصبح ساقيها رخوة مما جعلها ترفع كفيها على وجنتيه مبتسمة
-هقع على فكرة، كأنك أول مرة تشوفني، مرر أنامله على تلك النقوش
-ايه دا ياجنى، الخط مش واضح.
لمعت عيناها بالسعادة وهمست له
بحبك ب لغات العالم يابن عمي
لمس النقوش كأنه ينحت اسمه ثم تحدث بصوت مبحوح اقرب للهمس
-يعني دا اسمي. ثم رفع رماديته ليعانقها كحال قلبه. كتبتيه ازاي، اوعي حد يكون رسمهو لك. هزت رأسها بالنفي وحاوطت خصره واضعة رأسها موضع نبض قلبه لتستمع ل أروع معذوفة لديها، انا أشتريت الحنة دي وبحثت عن معنى الاسم بلغات مختلفة وعملتها، صدقني محبتش حد يلمس حاجة تخصك.
هنا فاق التحمل قدراته ولم يعد لديه قوة التحمل على التماسك.
ليجذب تلك الحمالة بقوة اذهلتها ويغوص بترانيمه المقدسة لها وحدها، وينقش لها بحبه على طريقته الخاصة، ويدخل بها ل جنته التي يكتب على بابها لم يدخلها سوى مهلكة الروح والقلب والعقل، فهيا اقتربي مهلكتي لنغوص بمتعة العشق الطاغي الممزوج بنبض قلوبنا. تغيب بها قلوبهما بموجات العشق الساحر، الذي يخدر الجسد والروح معًا، ليصل إلى قمة السلام النفسي، فإذا الأرواح تعانقت ينبض القلب بأجمل ترانيم العشق. ولا يستطع شاعرا ولا أديبا أن يوصف ذاك المزاق سوى المغرمين بلحن الغرام.
لم يشعرا بكم الوقت وهما يسرقان لحظات من الزمن لتحفر السعادة بالقلوب.
بعد فترة كان يخلل أنامله بخصلاتها البنية التي تشبه عيناها. ابتسمت قائلة: -فاكر ليلة العيد وإحنا صغيرين، هز رأسه مبتسمًا: -مش فاكر غير حالتي دلوقتي. لكزته بكتفه، واعتدلت تستند على ذراعها
-بطل بقى متكسفنيش، حاوط رأسها يجذبها لحضنه
-إنتِ فصيلة على فكرة، يعني بعد الليلة الحلوة دي تقولي لي فاكر واحنا عيال. والله عايزة تنضربي.
دفعته تضحك بصوت مرتفع: -إنت ايه يابني، بقولك فاكر طفولتنا، مال دا. وضع إبهامه على شفتيها
-أنا بتكلم بجد ياجنى، مش عايز افتكر أي حاجة وخاصة الليلة، عايز افتكر بس لحظاتنا الحلوة دي
اعتدلت جالسة، جذب كنزته وألبسها إياها
-خليكي كدا أضمن، بقولك اهو. نظرت لقميصها تشير إليه بحزن: -ينفع كدا اول مرة ألبسه، وعلى فكرة غالي جدا، دا غنى جايبهو لي من فرنسا تخيل حضرتك عملت فيه ايه.
رفعه بين أنامله يطالعه مبتسمًا: -لولا أنه غالي عليا كنت رميته في الزبالة بس معلش ياروحي مضطر اسيبه، اتجه بنظره إليها
-بتستهبلي ياجني، هتعيطي على حتة قميص، هجبلك مكانه على الأقل اجيب حاجة مفتوحة، مش جايبة قميص تلبسيه كأنك قاعدة مع اخوكي
توسعت عيناها بذهول، فاعتدلت تلكمه بقوة وهو يضحك بصوت مرتفع يجذبها لتسقط فوقه
-دا ملموم ياقليل الادب، طيب مابلاش منه خالص.
غمز بعينيه قائلاً: -تصدقي صح، تعالي نجرب ونعيد المشهد تاني، انا هخرج برة شوية وارجع الإقيكي زي ماقولتي
دفنت رأسها بصدره تضحك بصوت مرتفع: -والله منحرف وهتجنن ابويا
ارتفعت ضحكاته، متذكرًا صهيب، اعتدل جالسًا: -شوفتي باباكي عمل ايه على الفطار، طب والله بعشق اضايقه
ضربته بكتفه، واردفت: -جاسر لم نفسك علشان مزعلك، الا بابا، وبطل قلة أدب قدامه، ازاي تبوسني قدامه والله كسفتني.
جذبها لتجلس فوق ساقيه، جمع خصلاتها على جنبًا، يضع ذقنه فوق كتفها
-احنا بنهزر ياجنجون، هو عارف انا بحب اهزر معاه
رفعت حاجبها مستنكرة حديثه: -لا والله، يعني لما تبوسني قدامه دا هزار.
تراجع بجسده على الفراش وهي بأحضانه: -تعرفي علاقتي بباكي بحسها علاقة اخوية مش مجرد أنه عمي، بعرف اتكلم معاه دون خجل أو خوف من ردة فعله حتى لو الموضوع صعب، أما بابا لازم كل كلمة تكون بحساب، بابا كل كلمة عنده تكون بميزان، والغلط عنده تحته خطوط كتيرة
-عمو جواد! لا مستحيل
مسح على وجهه متذكرًا حديثه
-بابا مبقاش عايزنا نقعد في بيتنا، وقرر نقعد في حي الألفي، وامر ببناء ببيوت لينا كلنا.
هزت كتفها متسائلة: -وايه يعني ياجاسر، هو حي الألفي وحش، بالعكس ياحبيبي هيكون أحسن وأمن!
جذب سجائره وبدأ بإشعالها يشير بإصبعه: -مش عايز ازعله، وفي نفس الوقت مش عايز اكون تحت كنف جواد الألفي، جنى كل صحابي شايفني على إني ابن جواد الألفي، الكل بيعملي حساب من مجرد الاسم، انا مش حابب دا، عايز جاسر لجاسر وبس، الكل يحترمني ويسلموني قضايا علشان انا ابن جواد الألفي بس مش اكتر، غير عمو باسم طبعا.
-ايه اللي بتقوله دا ياجاسر، لا ياحبيبي متقولش كدا، حد يبقى عنده اب زي عمو جواد ويقول كدا. انفرج ثغرها بابتسامة جميلة تحتضن كفيه: -احنا مالناش أهمية من غير اهالينا، باباك اللي شايف قوته بتضعفك دا اكتر شخص تقدر تلجأ له وقت ضعفك، اكتر شخص يخاف عليك وهو بردوا اكتر شخص مستعد يضحي بحياته علشانك.
هز رأسه بالنفي وأحس بالدوار يلف رأسه وكأنه تلقى صفعة قويه ليختل توازنه قائلًا: -ايه اللي بتقوليه دا ياجنى، مش دا قصدي، بابا هو حياتي كلها، سحب نفسًا وزفره قائلًا: -عايز الكل يعرف شخصيتي انا، يكتشفوا جاسر بعيد عن جواد الألفي، مش قصدي بابا ابدًا، فهمتيني غلط طبعًا. بحس نظراتهم ليا انا دخلت الشرطة وسطة
حاولت تغيير الحديث، بعدما وجدت الحزن تجلى على ملامحه، فتوقفت جالسة على ركبتيها.
-حبيبي مع الأيام اكيد هيعرفوا شخصيتك. رفعت ذقنه ونظرت لداخل عيناه
-جاسر اللي دوبني في حبه معقول مايكونش خليفة لجواد الألفي في مقامه، دنت تطبع قبلة على خاصته تحاوط عنقه
-أنا متأكدة مستقبلك هيكون باهر والكل هيعملك حساب، بس انت لازم تصبر ياجاسر مش كل حاجة نوصلها بسنة قلم
ابتسم لها ورفع كفيه يداعب وجنتيه
-غيري الموضوع حبيبي، قولي لي عندك برنامج في العيد، نفسك في ايه.
وضعت ابهامها على ذقنها وتصنعت التفكير ثم نهضت من مكانها وتحدثت بدلال: -خلينا الأول نكمل برنامج الليلة انا لسة مكملتش البروجرم حبيبي. ضيق عيناه متسائلًا: -تقصدي ايه حبيبي. أشارت بكفيها وتحركت للداخل، بينما هو توقف واتجه إلى الشرفة يشعل سيجاره ينفثها بهدوء، ابتسم على جنيته حينما تذكر لحظاتهما معًا، استدار برأسه بعدما استمع الى موسيقى شعبية. اتسعت ابتسامته يقهقه بصوته الرجولي جعلها تتوقف بدقات قلبها العنيفة، تنظر للأسفل خجلًا. اقترب منها ثم امسك أناملها وانحنى يطبع قبلة ناعمة على باطن كفها.
-ايه الجمال دا ياجنجون، إنتِ كدا عايزة توقفي قلبي. رفعت رأسها ثم مسدت على وجهه حلو التقاسيم بسبباتها، وعانقت رماديته بعسلها الصافي، فما أجمل لغة العيون بالعشق
رفرفت اهدابها عايزة ارقص لك الليلة
ومتقولش لأ، علشان برنامج العيد دا ملكي أنا عليك تقول آمين وبس
انحنى يهمس بجوار شفتيها
-أنا ملكلك من الايد دي للأيد دي. بس براحة متنسيش إنك حامل تمام.
اومأت له ثم قامت بخلع حذائها وقامت برفع صوت الهاتف، ورفعت ذراعيها قائلة بغنج: -طلعني فوق الترابيزة دي. نظر إلى الترابيزة، ثم إليها
-هتشيلك دي، ممكن توقعي يامجنونة
استندت على كتفه، ورفعت ساقيها المكشوفة على المقعد حتى توقفت على الطاولة وضحكت بشقاوة
-بص وراك بقى علشان بتكسف.
أشار عليها بشكل غامزًا واقترب يردف بنبرة وقحة: -أيوة ماانا شايف اهو انك بتتكسفي يابت، بدليل بدلة الرقص اللي بدور فيها على حتة قماش ومش لاقي، هما نسيوا يحطوا فيها قماش
لكمته بصدره وهتفت متصنعة الحزن
-أنا غلطانة، كنت مفكرة انك زي الرجالة الرومانسية وبتحب الحاجات دي
تراجع مذهولا من حديثها يشير لنفسه.
-أنا مش رومانسي ياعدوة الرومانسية، اقترب يحاوط جسدها ثم حملها وأنزلها من فوق الطاولة وهي ترفع ساقيها بالهوى مع ارتفاع ضحكاتها، سبني عايزة انزل توقف حينما استمع الى طرقات على باب غرفته
انزلها بهدوء وأشار إليها
-ادخلي جوا لحد ما اشوف مين البارد دا، تحركت وتناست إغلاق صوت الهاتف الذي يصدح بالأغنية. فتح الباب
فلطم كفيه ببعضهما واستند بظهره يمد ساقيه للأمام:.
-خير ياحمايا، مش وراك عيد بكرة إيه اللي مسهرك، كل العواجيز في عشتهم دلوقتي زي الفراخ بالظبط
توسعت أعين صهيب شيئا فشيئا من أسلوبه المستفز كما زعم، فاقترب بعدما استرق السمع لصوت الموسيقى المرتفع
ايه الصوت دا يالا، بتعمل ايه، بتسمع هبل ايه القرف دا. ضيق مابين حاجبيه يردد خلف الأغنية، ثم رفع عيناه إلى جاسر وهدر به بنبرة عنيفة: -مخاصم مين ياحلوف.
ضغط على شفتيه وراق له الحديث معه، فاقترب منه واردف وهو يلاعب حاجبيه وهو يردد كلمات الأغنية التي لا يعلمها سوى تلك اللحظة، ولكنه يردد خلفها: -مخصماك، وابعد عني وانا مش طيقاك. ترنح جسد صهيب فجذبه جاسر من تلابيبه كأنه يقوم بإعدالها بشكل مضحك و أكمل: -سبني مش عايزة ابقى معاك
دفعه للخارج واستأنف أغنيته
-متورنيش وشك تاني
استدار صهيب يجز على أسنانه
-اه ياحلوف ياقليل الأدب.
غمز بعينيه قائلاً: -صوتي حلو عارف، ثم أشار على نفسه بغرور، وانحنى يهمس له: -ابن اخوك اللي هو جوز بنتك الوحيدة اللي بتعشقني بلا غرور وعلى ايدك حلو وأمور ومحدش يقدر عليا
دفعه بصدره بقوة: -إنت شارب ايه يالا، وبتعملوا ايه جوا، والكل تحت ايه انتو مش من العيلة
استدار بنظراته لتلك التي تراجعت تشير إليه بيديها، ثم رجع إلى صهيب
-إنت مالك بنعمل ايه.!
اقترب صهيب منه يرمقه بسهامًا نارية.
تراجع يقهقه وهو يشير بيديه قائلاً: خايف اقولك يغمى عليك. دفعه صهيب ليدلف للداخل
توقف جاسر أمامه يصرخ: -رايح فين ياحج، مراتي بترقصلي، عدي علينا بعد يومين.
جحظت أعين صهيب ونظراته كطلقات نارية يريد الانقضاض على عنقه، رمقه جاسر وتراجع لإغلاق الباب قائلا: -إنت مالك بتتحول كدا ليه!
اقترب يجز على أسنانه وهدر غاضبًا:
انت هنا هايص ياحيوان واخوك لايص تحت.
ضيق عيناه مقتربا منه: -شكلك عايز تروح عرض مسرحي ياصهيوب، بس مش عندي، اقولك حاجة، روح عند اخوك، اهو تونسوا عرضك الكوميدي دا مبحبوش، انت عارف انا مبحبش غير بنتك وبس، ودلوقتي عايز اروح اكمل حبي فيها انت قطعتنا اللحظة الرومانسية.
وحضرتك استاذ وعارف ياعمو اللحظات دي مبتجيش على طول، نصيبي الحلو إنك حمايا، وعامل زي عفريت العلبة، لازم ارضى بنصيبي وكمان بالأمر الواقع امري لله هروح انام بعد ماكنت بحلم بليلة الأحلام
حك صهيب ذقنه يطالعه مشمئزًا
-عارف لو مااتحركتش من مكانك هخليك تحضن المخدة ليلة العيد اللي إنت فرحان بيها دي
قطب جبينه واسترسل حديثه المضحك:.
-بقولك ياعمو احكم على اللي تقدر عليه، أنا محدش يهددني، استدار بظهره قائلاً: - لو حضرتك مفكر هخاف من تهدديك تبقى بتحلم، بكرة العيد وعايز أنام ولا ناوي تبات معانا
-إنت من إمتى لسانك طويل ووقح. لكزه بصدره يدفعه بقوة وهو ينادي على ابنته:
جنى. صاح بها صهيب بصوت مرتفع حتى صعد عز وبيجاد على صوت صهيب الغاضب
-فيه ايه ياعمو صهيب؟
رفع جاسر حاجبه ساخرًا، يشير إلى صهيب: -لا الحج صهيب بيمشي وهو نايم يابيجاد، وشكله فاق في اوضتي، خدوه وصلوه في طريقكم
استدار سريعًا يرمقه شزرًا، وأشار بسبباته: -هعذرك علشان زي ماقولت بكرة العيد ياحيوان، قطب بيجاد جبينه ثم نظر إلى جاسر
-ايه صوت الاغاني دي، عندكوا ولا تحت عند بنت الجنايني، هرولت جنى لإغلاق الهاتف بعد حديث بيجاد.
ارتفع جانب وجه صهيب بشبه ابتسامة خبيثة مردفًا: -اه ماهو وأنا ماشي وأنا نايم وقفت على الصوت، شكل حضرة الظابط بيشرب بيرة وبيحشش وجه على باله يسمع صوت العرسة اللي تشبهه
حرك عيناه ينظر بكافة الاتجاهات بملل، ثم أشار على عز: -عيد سعيد يازيزو خد ابوك معاك، اشغله بحاجة وفهمه الليلة عيد
-مرات اخوك بتولد يامتخلف، جيت علشان اعرفك، مكنتش اعرف بمصايبك وقلة ادبك
قالها صهيب وتحرك للأسفل.
تسائل جاسر: -عاليا بتولد ازاي، مش لسة بدري تحرك عز إلى غرفته
-ولدت خلاص ياعمو، لسة روبي مكلماني وطمنتني. توقف ينظر لخروج بيجاد خلف صهيب ثم تسائل: -إنت عامل ايه في عمك
رفع كتفه وتحدث: -مفيش ابوك بيدلع عليا مش اكتر
ابتسم عز متحركًا، ثم لوح بكفيه: -خف شوية يابن جواد، وبطل وقاحتك دي، جربتها قبلك
توقف يضع كفيه بخصره.
-ايه العيلة الغم دي، كلهم بيصو لي في ام الجوازة اللي كلها غم. تذكر شيئا فدلف للداخل بعدما صفع الباب خلفه، ينظر لتلك التي قامت بتبديل ثيابها
ثم ارتفعت ضحكاته
-ابوكي دا عايز اضربه، كان لازم يعني اوحشه، اهو ضيع عليا اقطع لك بدلة الرقص
توقفت متجهة إليه
-حقيقي عاليا ولدت. ازاي معرفناش، امسك هاتفه وقام بمهاتفة ياسين
بالمشفى قبل قليل
تحرك بالردهة ذهابًا وإيابًا يقف على جمرة نارية، نظر لوالده.
-هما اتأخرو ليه كدا يابابا. توقف جواد بعدما أغلق مصحفه
-حبيبي روح صلي، ليه التوتر دا، شوية وهتلاقيهم خارجين
مش عارف يابابا اتحرك حاسس بالعجز، ربت على كتفه بحنان ابوي
-لا يابابا متبقاش ضعيف كدا، دا انت ظابط حربية يعني لازم قلبك يكون جامد، قطع حديثهم صوت الطفلة يصدح بداخل الغرفة. دقائق وخرجت غزل تحمل الطفلة
-شوف بنتك قبل مايدخلوها الحضانة
-حضّانة، ليه!
مفيش حبيبي مجرد إطمئنان بس لحد مادكتور الاطفال يشوفها، الليلة عيد والكل مأجز، انا هخلي الممرضة تحجزها تأكيد حماية ورعاية، لحد مانشوف دكتور اطفال متنساش أنها مولودة قبل ميعادها
انحنى يحملها بجسدًا مرتجف، رفع نظره لوالدته
-بتتشال ازاي دي صغيرة اوي
جذبها جواد من بين ذراع غزل وقام بالاذان بآذانها ثلاث مرات ثم توقف يسأل ابنه
-هتسميها ايه. أردف بفرح اب بمولده.
-راسيل يابابا إن شاءالله. وصل معظم أفراد العائلة بعدما علموا بماصار، حملها ياسين وتحرك بها بجوار الممرضة التي رفض إعطائها له حتى وصل إلى مكانها المخصص، رجع بعد قليل يبحث عن والدتها ثم اتجه لوالده بعدما لم يجدها
-ماما فين، وليه مخرجوش عاليا
اتجه بنظره لذاك الفراش المتحرك الذي يتحرك بها متجهًا لغرفة خاصة بها
توقف على رنين هاتفه. أجاب وهو يتحرك خلف فراشها المتنقل: -أيوة ياجاسر!
-ياسين اخبار مراتك ايه، وفعلا ولدت
ابتسم بحبور يهز رأسه
-اه الحمد لله جالي راسيل
ارجع جاسر خصلاته للخلف وابتسامة سعيدة على وجهه وهو يحتضن زوجته
-مبروك ياحبيبي، ربنا يباركلك فيها ويجعلها ذرية صالحة
أمن على دعائه قائًلا: -عقبالك إن شاءالله ياجاسر، اومأ وغير حديثهما
-عاليا كويسة، كان يطالعها بنظرات متفحصة مقتربًا منها
-آه الحمد لله وأكيد الدكتورة روبي هطمني دلوقتي.
-روبي. رددها جاسر فضحك ياسين وهو يحاوطها من أكتافها
-مكنش فيه دكاترة وروبي اللي ولدت عاليا، اهي اتعلمت في مراتي القردة
قهقهة جاسر قائلًا: .
-ياربي عليكي ياروبي، يعني يوم ماتوّلدي تتعلمي في عاليا، ربنا يستر
استمعت لحديثه
-عقبال لما أولد لك مراتك ياحبيبي
ضمها بقوة لأحضانه
-لا ياحبيبي انا مراتي مش مستغني عنها شوفيلك عروسة بلاستيك اعملي تجاربك عليها، وبعدين مكنتيش ناوية تخصص اطفال يابت غيرتي ليه.
-دا من حظ عاليا علشان تكون أول ست أولدها. انتقل بحديثه الى ياسين:
ياسين محتاجني عندك حبيبي، ذهب ببصره للجميع بالخارج وأجابه: -هتعملي ايه، دا العيلة كلها هنا
اغلق الهاتف متجهًا لزوجته ثم سأل رُبى
-هتفوق إمتى. نظرت بساعة يديها
-خلاص دقايق وتفوق، الدكتور اصلا متنساش إرهاق الولادة مع البنج مخليها نايمة بس هي حاسة بينا
بالخارج تحركت سنا وهنا متجهين للخارج بعدما اطمأنوا على عاليا، قابلهم جواد وفارس.
-رايحين فين كدا، استنوا نمشي كلنا مع بعض
رمقت هنا جواد بنظرة خاطفة ثم اتجهت الى فارس
-تعبانين وعايزين نرتاح، جاسر وجنى هناك، وبعدين مالهاش لازمة القعد
تحرك جواد متجهًا إلى هنا
-هقول لهنا حاجة ياسنا لما تخلصي عصيرك
اومأت تطالع اختها بنظراتها إلى أن اختفت. وصل لخارج المشفى وجلس يشير إليها بالجلوس.
جلست تنظر في كل الاتجاهات سواه، تهرب من نظراته، حمحم ثم أردف بنبرة هادئة: -احنا اتكلمنا مع بعض وفهمتك وجهة نظري، ليه مصدرة الوش الخشب دا
طالعته بأعين محجرة بالدموع
-مش مقتنعة ياجواد، ايه يعني لما حبيت واحدة من العيلة ورفضتك، انا عجبني شخصيتك، مالي ومال ربى وجنى
استدار بكامل جسده واستفهم
-حبتيني ازاي ياهنا وانت اصلا مش موجودة هنا، يعني الكام يوم اللي بتجيهم هنا مش وقت كافي تتعلقي بيا.
رفعت حاجبها متعجبة من سؤاله، ثم استنكرت حديثه: -علشان نتعلق بحد لازم يكون قدامنا طول الوقت، مابلاش تعاملني على اساس اني طفلة ياحضرة الظابط
تشابكت عيناه مع عيناها للحظات ثم استدار للجهة الأخرى وزفرة حارة أخرجها من جوف آلامه.
-مش قصدي ياهنا؟، استدار إليها مرة أخرى وبعيونِ مملوءة بالحزن والوجع بآن واحد اختتم حديثه: -أنا مش عايز اوجعك زي غيرك، وكمان موضوع العيلة دا قفلته للأخر، انا مش ناوي اتجوز من جوا العيلة
توقفت سريعًا وهتفت بنبرة حادة: -إنت مستهلش حبي ياجواد انا ليه بجري وراك، غلطت فعلا لما حبيتك.
نهض بمقابلتها وامسكها من أكتافها يهزها هادرًا بها: -اسمعيني وافهمي، نظراتك دي مش نظرات حب، ممكن تكوني مبهورة بشخصية جواد مش اكتر، بس حب لا
هنا مش عايز حد يرجع يزعل مني ويلومني، أنتِ بكرة تلاقي حب حياتك فعلًا مش مجرد إعجاب بشخص.
اقتربت منه وحضنت كفيه وبعيونًا راجية: -جواد تعالى نجرب نقرب من بعض، وبعد كدا نحكم هينفع نكمل ولا لا
صرخ هادرًا: -مينفعش افهمي بقى، مفيش حاجة اسمها نجرب نقرب، انا مش شايف غير إنك اخت ليا وبس
-كذاب! هزت رأسها والتمعت عيناها بطبقة كرستالية من الدموع
-إنت بتهرب مني جواد، موضوع جنى لسة مأثر عليك، خايف يحصل معايا زي جنى، بس أنا بقولك مفيش حد في حياتي غيرك وبس.
انحنت تجذب هاتفها ثم استدارت للذهاب ولكنها توقفت قائلة: -إنت ضعيف قوي ياحضرة الظابط، ضعيف لدرجة مش قادر تواجه نفسك باغلاطها، وصل فارس يوزع نظراته بينهما وتسائل
-في ايه مالكم صوتكم عالي ليه؟
فارس وصلني لو سمحت سنا شكلها مشت وسبتني، رمقت جواد وتابعت حديثها: -يمكن فكرتني في أيد أمينة مش ضعيفة. قالتها وتحركت متجهة إلى سيارة فارس.
رفع حاجبه مندهشًا مماقالته، ثم طالع جواد واستفهم عما تقوله: -مالها هنا ياجواد؟
تحرك متجهًا لسيارته: -سيبك منها دي هبلة قالها وتحرك
توقف يطالع تحركه لبعض اللحظات ثم اتجه إليها، استقل السيارة بجوارها وجلس صامتًا لبعض الوقت
-ايه اللي بينك وبين جواد؟
اخذت نفسًا عميقًا محاولة تهدئة اعصابها، عندما أوشكت على البكاء، ثم أردفت بنبرة خافتة: -معجبة بيه وهو رافض اعجابي
تغضن جبينه بعبوسًا: -نعم! يعني إيه؟
استدارت برأسها تطالعه: -ايه اللي مش مفهوم في كلامي يافارس، بقولك عجبني شخصية جواد حسيت هيكون بينا كيميا حلوة لو خرج من قوقعته دي
-دا ايه التربية الحلوة دي، لا وبتتكلمي عادي كأنك بتتكلمي عن نوع روج
زوت مابين حاجبيها واستنكرت حديثه: -مش فاهمة انت مضايق ليه، وبعدين شايفة انك بتتريق
تبسم ساخرًا ثم قام بتشغيل المقود وتحرك دون حديث آخر.
بالأعلى بغرفة عاليا. جذب مقعد وجلس بجوارها، طالعته ربى بحب ثم مسدت على رأسه
-اول مرة اشوف في عيونك نظرة لهفة وحب ياياسو، رغم انكم متجوزين على حب، متزعلش مني اول مرة بجد اشوفك خايف على عاليا وبتحبها قوي كدا
مسح على وجهه ثم رفع رأسه إليها
-ربى صدقيني مش قادر اتكلم، ممكن تشوفي عملوا ايه مع البنت، انا مستحيل اسبها في المستشفى دي، فيه مستشفى من غير دكتور نسا، لا غرفتين بس ولادة.
جلست على طرف الفراش واحتوت كفيه
-حبيبي الليلة ليلة عيد والمعظم بيكون مسافر ومشغول، والمستشفى حلوة مش وحش، بس زي ماقولت لك الوقت اللي مش حلو
قطع حديثهما صوت عاليا تهمس باسمه، نهضت ربى قائلة: -هقول للكل يمشي بقى، واحنا نطمن على عاليا ونلحقهم
اومأ لها ونصب عوده وتحرك إليها، أمال بجسده يزيل خصلاتها الملتصقة بوجهها، استمع إلى صوتها
- ياسين مسد على رأسها واقترب إلى أذنها هامسًا.
-أنا هنا بلقيس. فتحت عيناها واغلقتها مرة أخرى تهمس بشفتيها
-بنتي. بنتي رددتها عدة مرات.
تبسم بحب عليها وجلس يحتضن كفيها: -بنتنا جت يالولو، ياله افتحي عيونك علشان تشوفيها. أغمضت عيناها مرة
أخرى وهمست بصوتًا كاد يسمع
- بحبك.
شعر بإرتفاع نبضه، حتى شعر بتوقفه، يطالعها مذهولا. همهمت مرة أخرى بحديثها لتأسر قلبه بعدما ظن أنه يتوهم. ظل بمكانه ولم يقو على الحركة أو الوقوف لإصابته بقشعريرة لذيذة ب جسده لما استمع إليه. ابتلع ريقه بصعوبة وانحنى بجسده يسألها عله يتأكد من حديثها
-عاليا بتقولي ايه؟
ظل للحظات يترجى من ربه أن تعيد حديثها وتؤكد له مااستمع، هل خيل له ام اردفت بها حقًا.
دلفت غزل بعد طرقات على باب الغرفة فاعتدل بجلوسه، اقتربت مبتسمة
-عاليا لسة مافقتش ولا إيه، ليه كدا
رفرف بأهدابه يهز رأسه بالنفي عندما فقد السيطرة على الرد على والدته، وشعر بتوقف لسانه عن الحديث وكأن حروفه هربت
اقتربت غزل ترفع ذقنه
-حبيبي مالك؟
هز رأسه ورطب شفتيه بلسانه محاولا اخراج الكلام، ثم رفع عيناه
-ابدا ياماما، مفيش ممكن يكون شردت شوية
ربتت على كتفه وابتسامة زينت وجهها.
-اقول دا من الفرحة ولا من ايه. جلست بمقابلته وحاورته
-ياسين أنا محبتش ادخل في حياتك، لكن معجبنيش حياتك مع مراتك حبيبي وقبل ماتتكلم احنا عارفين قصتك مع عاليا انا وبابا، بس محبناش نضغط عليك. نادت عليه مرة أخرى بعدما صمت
-ياسين. رفع نظراته إليها منتظر حديثها
-مش عايز تحكي لماما حاجة
استمع الى صوت عاليا تتأوه من الألم، نهض من مكانه واقترب من غزل التي تبسمت لها.
-حمدالله على السلامة يالولو، ايه الجمال دا حبيبتي
رفرفت بأهدابها تغمض عيناها لعدة لحظات ثم تحدثت بصوتًا خافت: -بنتي فين، هي كويسة
جمعت غزل خصلاتها مبتسمة وأجابتها: -بنتك زي الفل يابنتي، فوقي ياله علشان تشوفيها، وبعدين ايه النوم دا كله، معتقدش البنج اللي اخدتيها ينومك كدا. رفعت عيناها تنظر إلى ياسين
-يمكن مكنتش عايزة أقوم ياطنط غزل
جلست غزل بجوارها على الفراش.
-ليه بس يابنتي، قولي الحمد لله وربنا يكمل نفاسك على خير، عايزة تهتمي بنفسك علشان سيلو حبيبة نانا
-سيلو. تسائلت بها
طالعت غزل ياسين وتسائلت: -متعرفيش انكم هتسموها راسيل ولا ايه
- راسيل. همست بها، دلفت مليكة ونهى
-حمد الله على السلامة ياعاليا
تبسمت غزل تشير عليها واردفت بمغذى: -شوفتوا مامي زي القمر كدا بعد الولادة. تحرك للخارج فأوقفته غزل.
-ياسين خلي الممرضة تجيب البنت لأمها، رمقها بنظرة سريعة ثم تحرك للخارج
بعد عدة ساعات عادت عاليا إلى منزلها، توقف بالسيارة وترجل متجهًا إليها، بسط كفيه وقبض على كفيها: -انزلي اساعدك. تشبثت بكفيه، وتوقفت تستند على كتفه، حاوط خصرها توجه الجميع إليها. قابلهما ريان
-حمد الله على سلامة مراتك ياحبيبي. ابتسم بمجاملة، وتحرك وهو يحاوط خصرها للداخل، توقفت ليليان بجوار والدها
-مبروك ياحضرة الظابط يتربى في عزك.
-متشكر لحضرتك، ثم التفت إلى ليليان التي تجاوره وأردف: -عقبالك يااستاذة ليليان. رفعت عاليا رأسها تنظر إليه بعينان متحجرتان بالدموع
توقف يطالعها بلهفة: -تعبانة مش قادرة تمشي!
هزت رأسها وتحركت ببطئ بجواره، إلا أنه انحنى وحملها بهدوء صاعدًا بها للأعلى. عانقت رقبته تضع رأسها على كتفه فيكفي ماشعرت من آلامها اليوم
خرجت جنى تنتظرها على الدرج، انزلها بهدوء يشير إلى جنى.
-جنى ادخلي ساعديها تغير هدومها وتاخد شاور. اومأت له ثم احتضنتها
-مبروك ياأم راسيل، حتى بنتك مجنونة ومستعجلة على الجية.
رسمت ابتسامة وعيناها على ذاك الذي تحرك للأسفل، دلف إلى المرحاض وتوقف أمام المرآة وجسده ينتفض على ماشعر به. رفع عيناه للمرآة ينظر لنفسه وتسائل: -ممكن يكون حقيقي اللي سمعته، أطبق على جفنيه متذكر حديثها وكلمتها التي اخترقت جدار قلبه، قام بنزع قميصه يستنشق رائحة الياسمين التي تخصها.
وضع كفيه على قلبه الذي هدر بنبضه
-ممكن أكون حبيتها، لاح بذاكرته لعلاقته الوحيدة بها وشعر بإحساس يمتلكه، مما تمنى أن تكون بين ذراعيه آلان. دقائق وهناك معركة شنيعة بين العقل الذي صفعه بعدما تذكر حديثها وقلبه الذي يشفع لها تقلبات الحمل
بالأعلى
ساعدتها جنى على الاستحمام واعدلت لها وضعية فراشها، توقفت غزل على باب الغرفة.
-الحقي ياجنى جوزك هياكل البت، رفعت عيناها لغزل التي تتوقف على باب الغرفة بجوار جاسر وخطت اليهما
-في ايه. جذبها من رسغها
-تعالي ناخد البت دي ونهرب. بسطت ذراعيها لتحملها
وضعها بين ذراعيها فتجمد كفيها تطالعه بخوفٍ: -جاسر البنت هتوقع من ايدي دي صغيرة قوي
قهقه عليها وحملها يمسد على خصلاتها ويتعمق النظر بعينها، توقفت جنى بجواره هي الأخرى تمسد على وجنتيها
-ماشاء الله قمر، اتجهت بنظرها إلى غزل.
-طنط غزل اسمها ايه!
-راسيل ياجنى. انحنت تلثم جبينها
-أحلى راسيل في الدنيا
استمعوا إلى آذان الفجر، رفع جاسر رأسه لزوجته: مش عايزة تشليها امسكي حبيبتي، بعد كام شهر هتكوني أم
هزت رأسها رافضة أن تحملها
-مش هقدر اخاف توقع مني، دا ابن عز مشلتوش إلا لماكمل شهرين
لا لا. مستحيل اخاف عليها. قرصت غزل وجنتيها
-اجمدي ياهبلة اومال هتولدي ازاي، تعمق جاسر بنظراته عليها:.
-بقى الجمال دا كله بنت ياسين الحلوف والله خسارة فيه. بدأت الطفلة بالبكاء. اقتربت غزل بعدما كانت تنظر لأبنها بعينٍ حزينة تمنت أن يرزقه الله بالذرية الصالحة
-هاتها حبيبي وأجهز لصلاة الفجر. اخذتها ودلفت للداخل بينما جذب جنى يحاوط خصرها
-هتكوني أم كيوتي خالص ياجنجون، رفعت ذراعيها لتحاوط عنقه، ثم رفعها من خصرها
-عارفة انا لازم اسجل فيديوهات علشان لما ابننا أو بنتنا يشرفوا.
وضعت جبينها فوق خاصته.
-جاسر شكلك حلو أوي وانت شايل البنت، بدعي ربنا تشيل بنتنا ولا ابننا
أطبق على جفنيه وأمن دعائها
-إن شاءالله ياقلب جاسر. تجمدت بين ذراعيه عندما استمعت إلى صوت جواد
-بتعمل ايه يامتخلف على السلم، بينك وبين اوضتك خطوتين، ايه مش قادر تتنيل تمشيهم
تملصت من بين أحضانه ولكنه ضغط بقوة على خصرها يضمها أكثر.
-وبعدين بقى، وأنا بقول حياتي مش ماشية ليه، اتاري الكل عينه منها، شيل عينك وعين صهيب من عليا ياحج جواد عايز اتمتع بشبابي زي حضرتك اللي اعرفه انك كنت مدورها
جحظت أعين جواد مقتربًا منه، ثم جذب جنى من بين ذراعيه
-لأ بقولك ايه يالا، اسمعني انا مش عيل ياروح خالتك علشان تهزر معايا في الممنوع، ثم استدار إلى جنى.
-وانتِ ياختي ماتلمي نفسك، طيب هو حلوف وقليل ادب أنتِ ايه الحنية اللي بتوزيعها في كل مكان، مش مكفيكي الاوضة.
حاوط كتفها مقتربًا من والده
-اه حنينة ياابو الجود، اللي غيران مننا يعمل زينا، وابعد عينك عننا، لكمه بقوة بصدره
-امشي من قدامي ياجاسر دلوقتي
-يامرحبتين بكناري الحب الدنيا انقلبت وهما مشغلين مخصماك
استدار جواد يرمق ذاك المختل كما ادعى
-اهلا اهي كانت نقصاك انت كمان. ، غمز جاسر لبيجاد
حلوة الأغنية. لكزته جنى بعدما أوردت وجنتيها من نظرات جواد التي اخترقتها.
-ادخلي جوا يابنت صهيب وانا اللي كنت مفكرك هتعقليها، يعوض عليا عوض الصابرين يارب
قهقه بيجاد بصوت مرتفع يمسكه من أكتافه
-استنى بس انت متعرفش الحكاية، عمو صهيب قفش ابنك المحترم وهو بيغني مخصماك
-بيغني ايه ياخويا، وصل عز وهو يحمل طفله
-ايه الاجتماع الحلو اللي على السلم دا، عملته من غيري
ربت بيجاد بقوة على كتف عز
-كنت بشرح لحمايا العزيز اغنية مخصماك
اسكت يامتخلف. أردف بها عز يتلاعب بحاجبه الى جواد.
-عندي الأغنية ياعمو لو حبيت تسمعها
حك جواد ذقنه يوزع نظراته عليهم ثم تحرك إلى غرفة ياسين، توقف على باب الغرفة
- دقيقة واحدة لو مخرجتوش لصلاة الفجر. توقف مستديرًا يرمقهم
فتحرك الجميع سوى بيجاد الذي توقف مخصرا قائلًا: -مستني باقي كلامك مش دا الاحترام، العيال دول متربوش
هز جواد رأسه ودلف للداخل بعد طرقه على الباب. خطى للداخل
-عاملة ايه دلوقتي البنت ياغزل
أشارت عليها.
-نامت خلاص، جنى ساعدتها واخدت شاور وادتلها العلاج ونامت، مش عارفة اكلم مامتها ولا ايه
-الصبح كلميها وطمنيها. هنزل أصلي الفجر اتجه بنظره الى جنى التي جلست مطأطأة الرأس فغمز لغزل قائلًا
-خلي ابنك الحلوف ينزل يصلي هوو الاربعين حرامي اللي معاه
افلتت غزل ضحكة ثم تحدثت: -ينفع يغلط في جوزك ياجنى. فركت كفيها تهرب بنظراتها من عمها، خطى للخارج
-شوفي اللي مخاصمك فين ياحنينة وابعتيه للصلاة.
رفعت عيناها المهتزة إلى غزل
-أنا بس هشوفه، أمسكت كفيها واتجهت إلى الطفلة: -تعالي شوفي كدا الجمال دا، ظلت تنظر لنومها الهادئ. ثم تحركت للخارج تدعي ربها أن يقر عيناها بمولودها
مرت عدة ساعات فتحت عاليا عيناها على صوت ابنتها، اعتدلت تبحث عنها وجدته جالسًا على الأريكة ويحاول تهدئتها. جلست تشير إليه.
-هاتها شكلها جعان، وأسأل طنط غزل اكلها ايه. اقترب منها يضعها بهدوء بأحضانها. رفعت رأسها تنتظر منه أي حديث، تلاقت النظرات بحديث عتاب لكل منهما. حمحم متراجع
-ماما نايمة دلوقتي، استني أشوف في كدا في الصفحات الخاصة ب البيبي. ظلت تهدهد بها بحنان أموي
أشارت لتلك الببرونة
-هات دي ياياسين، شوفت طنط غزل كانت بتشربها منها. اومأ لها وجلبها، تأوهت متألمة عندما تحركت من مكانها، جلس بجوارها وحاوطها بذراعه.
-على مهلك. هاتيها لما تقعدي كويس، حمل ابنته بذراع وحاوط جسدها بالآخر. وضعت رأسها على كتفه رغمًا عنها واضعة كفيها على بطنها:
-بطني بتوجعني قوي، كنت عايزة أشوف ربى تقولي سبب الألم دا ايه
وضع البنت بأحضانها.
-سمي الله ياله ورضعيها، علشان تسكت صوتها عالي هتصحي اللي في البيت، تبسمت على حديثه، رفعت رأسها مثلما أخبرتها غزل وبدأت تطعمها من تلك الببرونة. ثقلت رأسها فوضعتها فوق أكتافه مرة أخرى، ضمها بقوة لأحضانه يضع رأسه فوق رأسها: -خفت عليكي النهاردة قوي، أغمضت عيناها وشعور الراحة يغمرها فرفعت رأسها وهمست له: -الكلام اللي سمعته مش زي ماانت مفكر. صمت منتظر باقي حديثها.
-خالد طلع من السجن، وزي ماانت عارف بعد وفاة عمي، خالد ضغط على أخته، وهددها أنها تسيب خطيبها.
نظرت لأبنتها التي غفت، فحملتها على صدرها وهو مازال محاوط جسدها فتسائل: -حاسة بإيه ياعاليا وهي في حضنك كدا، انسابت عبرة رغمًا عنها تهز رأسها وبصوت مكتوم
-إحساس حلو قوي ياياسين، رفعت زروقيتها لعيناه.
-إنت سمتها رسيل ليه، اوعى يكون دي حب قديم، لاحت ابتسامة لاعوب على وجهه فاقترب من رأسها وبنبرة خافتة: -هتعملي ايه لو حب قديم
-هغيره. أجابته سريعا وذهبت ببصرها بعيدًا عن محاصرته وأنفاسه الحارة. رفع أنامله يدير رأسها إليه: -مكملتيش ليه قولتي لبنت عمك كدا، انا حاسس ورا كلامك دا حاجة
هزت رأسها وأجابته ببكاء.
-خفت عليك، خالد بيدور وراك وبعتلي صور كتير وانت في كل مكان، كنت عايزة أوصله انك مش فارق معايا، بنت عمي مالهاش ذنب دي ضعيفة وهي غصب عنها بتحاول تهرب منه علشان كدا راحت عند ماما وحاولت تعرف اخباري علشان تقوله
كثرت دموعها تزيلها كالاطفال.
-ماما كلمتني قبل مايبعت لي صورك وخوفتني منه، وبعد كدا بدأ يضغط عليا وطلب أطلق منك بعد الولادة، واسبلك الطفلة، ياإما يموتك. شهقة خرجت من فمها: -والله خفت وكله كان مجرد كلام، ومن حظي السئ انك سمعته
انتفض من مكانه بزعر، يكور قبضته حتى ظهرت عروقه يلكمها بقوة بالجدار: -لأمتى ياعاليا هتحسسيني اني جوزك، حشرة زي دا، دا انا أفعصه برجلي
نهضت من مكانها تتشبث بذراعه.
-ياسين الله يخليك بلاش توجع قلبي عليك، شوية الفلوس دي أنا مش عايزاه، دا كلب هو عايز نصيبي في ملك ابويا، ياخده ويبعد عني، عايزة اعيش لبنتي وبس. حاوطت ذراعيه ورفعت عيناها تترجاه
-دا واحد مجرم علشان خاطري ابعد
-خايفة عليا ياعاليا!
هزت رأسها وبكت بصوت مرتفع تضع رأسها بصدره.
-آه خايفة عليك مش جوزي ومن حقي اخاف عليك، ولا انت مش شايف من حقي اخاف عليك ياحضرة الظابط. ضمها يسحقها بأحضانه هامسًا لها: - لا ياروحي حقك ونص واكتر كمان، أنا أقدر أقول لبلقستي حاجة وبعدين يامجنونة، خالد مين دا اللي تخافي منه، لولا باباكي كنت خليته يعفن في السجن، لكن باباكي اللي ضغط عليا أطلعه بعد كام شهر
رفعت رأسها إليه فأزال دموعها بحنان.
-دا حقير قوي ياياسين، لعب بمشاعري وشربني عصير مخدر وصورني الصور اللي وصلتك
شعر بإنكسار ضلوعه، وكأن أحدهم غرز صدره بخنجر، ضغط على كتفها بقوة وكأنه فقد السيطرة على غضبه، فاق على صوتها المتألم. فتراجع معتذرًا
-آسف ياعاليا، متخافيش منه، ومش عايزك تخبي عليا حاجة بعد كدا، مش انا جوزك زي ماقولتي يبقى ياريت لو سمحتي متخبيش حاجة.
تراجعت بجسدها بعض الخطوات ونظرت بكل الاتجاهات تبتعد عن نظراته متسائلة: -ياسين إنت لسة بتحب ليليان، لو بتحبها احنا ممكن نفترق عادي وصدقني بنتك مش هبعدها عنك، كتر خيرك على اللي عملته معايا
انحنى ليخرصها بطريقته محتضن تلك الشفاة الشهية لتذوقها بلذة. لأول مرة يقتطف قبلته هنا بشعور آخر عن المرة السابقة. انقطعت أنفاسها لتستند على جسده حينما شعرت بتراخي ساقيها التي اصبحت كالهلام.
-كل سنة وإنتِ طيبة يابلقيسة حياتي
اخفضت رأسها خجلًا وتوردت وجنتيها من قبلته. رفع ذقنها وقهقه عليها
-فين بلقيس ام أربعة وأربعين لسان
توترت من قربه وكفيه الذي يتحرك بحرية على جسدها
-ياسين بتعمل ايه، ابعد كدا
قربها من رأسها يضع جبينه فوق خاصتها: -أجمل ياسين بسمعها من التوت اللي عايز يتاكل دا
قشعريرة لذيذة سارت بجسدها من قربه وأنفاسه التي ضربت وجنتيها، ابتلعت ريقها بصعوبة.
-وسع بقى انت ماسكني كدا ليه. سحب كفيها متجهًا لفراشهما
-تعالي ننام شوية قبل مابلقيس الصغيرة تصحى
لكمته بصدره وافلتت ضحكة ناعمة اذهبت المتبقي من سيطرته فتحدث بصعوبة: -عاليا عايز انام، لاحظي قلبي ضعيف على الدلع دا
توقفت عن الحركة وتحدثت بنبرة متقطعة: -ماجاوبتش ياياسين انت لسة بتحب ليليان. استدار يطالعها بصمت ثم اقترب يسحب كفيها وتمدد على الفراش
-تعالي وانا هحكي لك كل حاجة.
بالغرفة المجاورة استيقظت على صوت ابنها، نهضت ببطئ تجذب روبها لتتحرك ببطئ كي لا تيقظ طفلها. وصلت إلى فراشها تضمه
-ايه حبيبي مالك. صفق بيديه
-بابا بابا. ظل يرددها، شعر بمن يحاوط جسدها من الخلف
-صباح الخير ياحبيبي. نظرت إليه مبتسمة
-عيد سعيد حبيبي، جذب منها الطفل
-ايهم باشا صاحي وعامل دوشة ليه
حمله واحتضن زوجته متجهًا إلى الأريكة، جلس عليها وأجلسها بجواره
-حبيبة قلبي مالك.
-معرفش ياعز معدتي وجعاني، شكلي اخدت برد
طبع قبلة مطولة على جبينها
-قومي خدي شاور دافي، ممكن يكون المكيف، وأنا هاكل ايهم
أومأت وتوقفت متحركة للداخل
مرت الايام سريعًا إلى أن جاء حفل السبوع لأميرة قلب والديها، زينت حديقة الألفي بالألعاب الطفولية، والأغاني الخاصة بتلك المناسبات، بالأعلى انتهت من زينتها واتجهت تحمل طفلتها إلى غرفة جواد. طرقت على باب الغرفة
-نانا احنا خلصنا لبس وحضرتك اللي هتنزلي بيا.
اقتربت غزل بعدما ارتدت حجابها، وقامت بتلبيسها تلك الفلكلورية
-ايه دا ياطنط غزل. انحنت تقبل جبينها: -اسكتي يابت دي خرزة زرقة من العيون زي عيونها كدا، بسم الله ماشاء الله على جميل تيتا ياقلبي عليها، ماشاء الله عليها وعلى مسك بنت أوس واخدين عيونكم انتوا الاتنين واحدة عينها زتوني والتانية زرقة ينفع كدا هتخلو الشباب يعملو مصايب
ضحكت عاليا حتى وصل إليها.
-ايه يامدام مفيش حد قالك صوت الست عورة، وبعدين صوتك وحش وطي صوتك
جحظت عيناها تنظر إليه بذهول
-أنا صوتي عالي ووحش ياياسين
وزعت غزل نظراتها عليهما مبتسمة
مرت عدة شهور والوضع هادئ بحي الألفي. ذات مساءٍ عاد جاسر من عمله يبحث عنها في أرجاء جناحه، هبط للأسفل يسأل والدته
-ماما جنى فين؟
خرجت ربى تحمل طبقًا من الحلويات
-مراتك في بيت ابوها، وقبل ماتسأل شوف حضرتك عملت ايه، وبلاش تزعل عمو صهيب منك.
اقترب يجذب منها مابيديها
-ارحمي نفسك يابت بقيتي شبه الكورة
رفعت حاجبها ساخرة: -لا والله روح ياحبيبي شوف مراتك اللي بقى ليل نهار مش وراها غير الأكل.
تحرك إلى منزل عمه قائلًا: -مفيش ورا الستات غير اللوك لوك
وصل بعد قليل
قابلته نهى على باب المنزل وهي تغادره
-جاسر!
رجعت امتى. اجابها ونظراته على المنزل
-لسة راجع. جنى فوق
أومأت له. وشردت كيف لها أن تخرج وتتركها قبل عودة صهيب. فاقت على سؤاله: -حضرتك خارجة ولا إيه؟
هزت راسها واجابته
-أيوة رايحة مشوار ومش هتأخر.
اومأ لها موافقًا
-تمام مفيش حد هنا، عمو صهيب وعز وفارس مش موجودين
-لا ياحبيبي محدش لسة راجع.
خطى للأعلى وهو يطلق صفيرًا. وابتسم ساخرا
-لا قلبك جمد يابنت صهيب، هز رأسه ضاحكًا: -هبلة مفكرة نفسها بتستخبى، دلف للداخل وجدها تخرج من مرحاضها بثيابها الخاصة وتقوم بتجفيف خصلاتها. اقترب من وقوفها وتوقف خلفها ينظر إليها بنظرات اختراقية
-تؤ تؤ. ياحرام شكلك بقى وحش قوي، بقيتي زي البطيخة، بس بطيخة قرعة
ألقت المنشفة بوجهه
-اهلا حضرتك شرفت. جلس على الفراش ومازالت نظراته عليها.
- تعالي هنا ازاي تخرجي من البيت بدون اذني
دلفت إلى غرفة ثيابها تحمل بيديها منامة فضفاضة
-آه. صح لا ياحبيبي دا كان فيه منه وخلص، يعني انا حرة اروح المكان اللي يعجبني في الوقت اللي يعجبني
توقف يضغط على شفتيه، ثم تحرك إليها يطلق صفيرًا
ارتجف جسدها من اقترابه
-مالك بتعمل ليه كدا. دفعها بقوة حتى سقطت على الفراش متأوهه تحتضن احشائها
-ياخربيتك هتسقطني. امال بجسده يحاوطها بجسده.
-لا ياحبيبي لسة موعد السقوط مجاش، اوعي عقلك الصغير دا يخيل لك أن حملك دا يخليني اتغاضى عن لسانك، والله اسقطك بايدي فاتلمي ومتسوقيش الهبل وقومي البسي اسدالك علشان نرجع بيتنا
حاولت دفعه صارخة به: -مش هروح معاك في مكان ياجاسر، وأعلى مافي خيلك اركبه
دنى يهمس بفحيح.
-متفتكريش، باخد رأيك، و لما تعملي كدا هسامحك يابت وحياة ربي اروح اولع لك في المعرض اللي حضرتك فرحانة بيها، اتلمي وقولي هديت، كفاية عليا بلعت يعقوب الزفت دا بشوال ليمون، أما بقى هتسوقي فيها هروح لحد عنده واجره زي الخروف اللي بيندبح ليلة العيد.
قومي علشان نرجع بيتنا
-مش راجعة ياجاسر لحد ماتعتذر ليعقوب هو كان عمل ايه يعني
انحنى يعاقبها بقسوة بطريقته حتى تصمت للابد، فصل قبلته.
-قومي يابت بدل مااخلعك هدومك بطريقتي
انسابت عبراتها تدفعه بقوة تمسح ثغرها الذي ادماه وتحركت للداخل دون حديث.
نصب عوده وتحرك للخارج توقف بالشرفة وبدأ ينفث تبغه متذكرًا الحفل الذي أقامه بيجاد
تحرك ليرد على هاتفه لبعض الدقائق، وحينما عاد وجد ذاك اليعقوب يرفع كفيها ويقبله
فلاش
-حاضر ياعمو باسم متخفش، ساعة بالكتير إن شاءالله وهتحرك، النهاردة سبوع بنت بيجاد المنشاوي ومينفعش اتحرك دلوقتي.
-جاسر ماتنساش حبيبي الواقي
أطلق تنهيدة عميقة وأومأ له
-حاضر ياعمو متخفش الحج جواد معاه جدول القضايا كلها وبيزق عليا مراتي ياسيدي، شوفت التلميذ اللي أمه مابتخرجوش من غير الساندوشات، اهو ابويا ومراتي سندوشاتي واقي رصاصي
قهقه باسم وتحدث
-مالكش حل يابن جواد محدش يعرف يغلبك يالا
نفث سجائره واستدار برأسه ضاحكًا
-تربية جواد الألفي يابسوم.
-ربنا مايحرمه منك ياحبيبي ولكنه لم يستمع لما قاله، حينما شاهد ذاك المشهد الذي جعل حدقتاه يندلع منها نيران جحيمية وزمجر بصوت جهوري فزع منه الجميع حتى توقف جواد على صرخات ابنه، وصل إليهما ولكم يعقوب بقوة بوجهه، تراجع على إثرها للخلف
-بتبوس ايد مراتي ياحيوان. اقتربت جنى تنظر حولها مرتبكة
-جاسر أهدى. التفت اليها ورمقها بنظرات لو تقتل لألقتها صريعة
-حسابك معايا بعدين. خطى يعقوب إليه قائلا.
-ماتلك الهمجية، أنني اقوم بتهنئتها على حملها
أخرج سلاحه بدون تفكير وأطلق رصاصته التي كادت أن تخترق صدر يعقوب الى أن جواد الذي هرول بعدما وجد الجنون يسيطر على ابنه ودفع ذراعه بقوة لتنطلق بالهواء
صمت مميتًا وعيونًا جاحظة بعد فعلته، اقترب ريان لتهدئة الوضع
-عفوًا ياجماعة سوء تفاهم.
هز جواد رأسه بعدم رضا عن انفاعلات ابنه، اقترب ياسين وبيجاد لجذبه، ولكنه دفعهم كالمجنون، وجذبها بقوة من رسغها وتحرك لسيارته: -أنا دلعتك، حبي الزيادة دلعك لما نسيتي يعني ايه احترام يامدام
ارجع جواد خصلاته للخلف يهز رأسه بغضب محموم خرج من مقلتيه يشير إلى ياسين
-الحقه ليتجنن على البنت وهي حامل. وصل صهيب للتو يوزع نظراته بين الجميع متسائلا
-في ايه، وقفتوا الحفل ليه
تحمحم ريان وأشار بإكتمال الحفل قائلا.
-بيجاد كان عايز غنى تنزل بالأميرة ياسيدي لكن جواد قال، استنوا شوية
عند جاسر وجنى وصل إلى منزله، ترجل من سيارته يجذبها بعنف ويسحبها للداخل، دفعها بقوة على الأريكة
-من إمتى وأنتِ مش محترمة يابت، تمام ياهانم قصرنا بتربيتك، بدأ يحطم كل ما يقابله حتى تحول المكان لأشلاء مبعثرة، من يراه يظن أصابه الجنون
اقترب منها يهزها بعنف: -ساكتة ليه انطقي، ايه مكسوفة من نفسك.
تواصل بصريًا بينهما بالألم المحطم لقبيهما على فعلته ذاك، أطبق بقوة على كتفها يعصرها وزمجر بغضب: -ينفع اللي عملتيه، مش بتردي عليا ليه
استمع الى طرقات على باب المنزل، اتجه يفتحه، وجد ياسين وتجاوره عاليا، تحركت عاليا سريعًا إليها بعدما وجدت جلوسها بملامح شاحبة، ونظرات خاوية
-جنى. حبيبتي سمعاني، اقترب ياسين منها بعدما رمق أخيه بغضب: -جنى. توقفت بساقين مرتعشة.
-ياسين عايزة اروح ممكن ترجعني البيت مش عايزة افضل هنا
رفع عيناه لأخيه الذي اومأ له، وجلس يمسح على وجهه بغضب، كاد أن يقتلع جلده وتحدث
-رجعها ياياسين أنا عندي شغل وهرجع بعد اسبوع
حاوطت عاليا جسدها وتحركت للداخل، تحركت بخطوات متعثرة، وقلبًا ينزف لما فعله بها
خرج من شروده على صوتها
-أنا جاهزة، بس بابا هيزعل. أطبق على رسغها وتحرك للخارج متجهًا إلى منزله.
وصل إلى غرفته بعد قليل توقف ينظر للغرفة: -هدخل اخد شاور بسرعة وانتِ ظبطي السرير شكل حضرتك مادخلتيش الأوضة من وقت ماخرجت من هنا
ارتسم الألم داخل مقلتيها محدقة بها بوجوم
-أي أوامر تانية ياحضرة الظابط
تحرك للداخل
-لا عايز انام وبس، واجهزي علشان هتنامي معايا. توقف وثبت عيناه على ثيابها
-غيري هدومك دي، أكيد مش هتنامي معايا بالاسدال...
دلف لداخل المرحاض لدقائق معدودة وخرج يلف المنشفة حول جزئه الأسفل، وتحرك لغرفة الملابس بخروجها بعدما ابدلت ثيابها، اصطدمت به وكادت أن تسقط لولا ذراعيه القويتين، جذبها لأحضانه وألصقها بجسده يحاوطها بذراعيه، هاجت بنيتها من قربه، رغم اشتياقها الكامن بصدرها، دفعته وحاولت التملص من بين ذراعيه ولكنه احكم قبضته الفولاذية عليها ودنى منها، يلتقط ثغرها بقبلة شغوفة عاشقة، فصل قبلته وهمس لها بإشتياقه.
-وحشتيني ياجنة حياتي
ترقرت عيناها بالدموع وابتعدت عنه: -جاسر لو شايف الموضوع عدى عادي فأنا مش موافقة نكمل حياتنا كدا، طريقتك دي مبقتش اتحملها
خطى لخزانته، وجذب كنزته وارتدها متحركا إليها
-طفي النور ياجنى، وتعالي عايز انام، مش عايز كلام فاضي، احنا لسة متحسبناش ياروحي، قاعد اهو وهادي وبلاش افتكر اللي عملتيه علشان متكرهيش نفسك.
استمع الى طرقات قوية على باب غرفته، توجه لفتح الباب، ولكنه ذهل على لكمة صهيب بوجهه
-أزاي ياحيوان تيجي تاخد البت بدون اذني، دلف للداخل وصرخ بها
-البسي وتعالي، والله ماانتِ مباتة معاه
جذبت اسدالها وارتدته متحركة بجوار والدها وتحركت للخارج دون الالتفات له
توقف بالغرفة غير مستوعب مافعله عمه، دلفت غزل إليه.
-سبها يومين هناك، غلطك كان كبير يابن جواد، فضحت البنت وصورتها للكل أنها مش محترمة، انا مردتش اقولك حاجة لما اشوفك هتعمل ايه، لكن باباك كلمني لما عرف انك رجعت وقال خليه يسبها لحد ماهي تهدى، وعمك كمان
تحرك للخارج
-يومين بس ياماما وهرجع وههد المعبد عليها وعلى ابوها نفسه، انا بتغاضى علشان كلمة بابا مش اكتر، بس عمو كدا بيتجاوز حده، دي مراتي وغلطت ومن حقي احاسبها
أنهى حديثه مغادرًا، وصلت عاليا تحمل طفلتها.
-ماما غزل معرفش ليه راسيل مش مبطلة عياط، وياسين كلمني وقالي اجهزي علشان هنزور بابا
اخذتها تحتضنها
-البنت سخنة ياعاليا ممكن تكون بطلع سنان
-دي لسة اربع شهور ياماما ازاي سنان. خرجت وهي تحملها وجلست على المقعد تنظر بلثتها
-حبيب نانا كبرت وسنانها بتطلع. استمعت لحديث مسك ابنة اوس
نانا. ضحك ياسمينا وهي تتحرك خلف ابنتها
-شوفي ياطنط البنت غيرانة علشان شايلة راسيل وهي لأ
انحنت تحملها وأجلستها فوق ساقيها.
-ياجمال أحفادي الله اكبر
رفعت رأسها إلى عاليا
-اجهزي حبيبتي قبل ماجوزك يوصل، واستدارت لياسمينا
-خلصي شغلك وأنا هنزل بيهم الجنينة لجدهم في بيتكم الجديد. صاحت على المربية
-خدي راسيل عند جدها في بيت أوس.
-حاضر يادكتورة
بعد يومين عاد إلى منزل عمه. صعد للأعلى سريعًا، قابلته الخادمة
-اهلا ياباشا
-اهلا قالها وتحرك إلى غرفتها
قابله صهيب على الدرج توقف صهيب
-نعمين ايه اللي حدفك علينا
عايز مراتي.
نظر بإستخفاف بجيب بنطاله ثم رفع نظره إليه: -مالقتهاش في جيوبي، دور عليها بعيد عن هنا
حك ذقنه ضاغطًا على شفتيه يهز رأسه ثم رفع عيناه واردف بهدوء عكس حالته: -خليك فاكر ياعمو انك بتخرجني عن شعوري، اللي باعدني احترامي لحضرتك، لكن كدا إنت بتضغط عليا
ربت على كتفه بقوة
- مش عايزك تحترمني ياحلوف، انت من إمتى محترم اصلًا، تقل بتربية بنت عمك قدام الكل يالا، لدرجة دي فلت ومبقاش حد قادرك.
-تمام ياعمو أنا متربتش، لما أشوف مراتي واحد ماسك ايد مراتي واتفرج عليهم، لا دا انا المفروض اصقف المدام
انحنى بجسده ينظر بمقلتيه
-أنا مش مربي قرون وبنتك لسة محسبتهاش، حدجها يشير بسبباته إليها
-حذرتك مليون مرة من يعقوب، عملتي ايه، فرحانة بنفسك، وبكلامه المعسول، ضغط على كتفها بقوة
-ايه يامدام كلامه المعسول عجبك
-جاااسر. احترم نفسك وامشي دلوقتي علشان مزعلكش
هز رأسه وتحرك.
-ماشي ياعمو حاضر، لكن اسمعني انا مش هتهاون بحقي اللي بنتك هدرته قدام رجولتي وتربيتها
بعد اسبوعين. عاد من عمله
دلف لمنزله وصعد للأعلى. نظر بأنحاء الغرفة وجدها كما تركها. دقائق محاولا السيطرة على غضبه. اندفع للخارج ثم طرق على مكتب والدته ودلف إليها
-ماما. توقفت عما تفعله ونهضت مبتسمة
-حمد الله على سلامتك حبيبي. اقتربت منه وضمته إلى أحضانها.
-وبعدين ياجاسر هتفضل كدا بين شغلك في سينا وهنا، أنا مبقتش متحملة غيابك حبيبي
سحب كفيها وقبله وتحدث متأسفًا
-حبيبتي دا شغلي ومينفعش اتخلى عنه، عايزاهم يقولوا ابن جواد الألفي بيدلع ومش قد وظيفته، وبعدين مابابا اشتغل فترة في سينا ايه الفرق
احتوت وجهه وانسابت دموعها: -الفرق انك قطعة من قلبي وماقدرش اتحمل غيابك كتير، مامتك مابقتش متحملة فراق يابني، انا مصدقت أن ياسين رجع اسماعيلة.
تحمحم يطالعها بنظراته ثم أردف: -لا ماهو ياسين رجع العريش تاني، وقبل ماتزعلي مفيش خوف ياماما، دا مجرد وقت بس وهيرجع
تراجعت تضع كفيها على صدرها
-انتوا عايزين تموتوني، ليه يابني تعملوا فيا كدا، ليه وجعين قلبي عليكم.
اقترب مقبل رأسها: -دعوانك هتحمينا ياست الكل، وبعدين ياماما فين الرضا بالمكتوب، مش حضرتك علمتينا ان الحياة كلها قدر ونصيب ومحدش بيهرب من نصيبه، ليه معترضة احنا لو مكتوب لنا حاجة هنا هتحصل. فين ايمانك بربنا ياست الكل. ليه شايفة هناك ممكن يحصل لنا حاجة
ازال دموع والدته وابتسم قائلاً
-متخافيش علينا ولادك مش ضعفى ابدًا ولا نرضى بالسهل. ايه ياغزالة نسيتي مين اللي مربينا، عيب في حقك على فكرة.
لكزته بصدره وافلتت ضحكة
-بس يابكاش عايز تهرب من ماما
حك ذقنه ثم مط شفتيه قائلًا بنبرة مزاجية: -هو حضرة اللوا مزعل ست الحسن والجمال ولا ايه. لو كدا اديني إشارة بس وانا. ضحكت بصوت مرتفع تلكزه
-بس عيب بابا لو سمعك هينفخك
صمت قليل ثم تنهد وتسائل معاتبًا: -ينفع كدا ياماما، شهر كامل وجنى مفارق البيت
أجابته غزل
-حبيبي يعني علشان بتبات عند باباها يبقى هاجرت. لا ياجاسر.
-ماما. صاح بها غاضبًا، حاول السيطرة على نفسه فسحب نفسًا وطرده بهدوء
قائلا: -أنا بحاول اضغط على نفسي علشان وعدت بابا مش اكتر. بس كدا كتير ليه شايفني غلطت
-لانك غلطت ياجاسر
تنهيدة عميقة ثم اتجه بنظره لوالدته: -طيب محدش يزعل مني بقى، مش انا غلطان. قالها وتحرك أمسكت ذراعيه
-جاسر رايح فين. رسم ابتسامة مردفًا: -متخافيش ياماما مش هتهور، وعارف هعمل ايه، بس وحياتك عندي لاطلعه عليها بنت صهيب بس اجبها الأول.
تحرك متجهًا لمنزل عمه، ترجل أوس الذي صف سيارته ثم تحرك إليه
-جاسر. أشار له بكفيه وتحرك إلى وجهته، هز أوس رأسه وتحرك إلى منزله يدمدم
-ناوي على ايه ربنا يستر
تسحب يدلف لداخل وجدها تجلس أمام التلفاز بتلك الفراولة التي تلوكها، جز على أسنانه وتحرك بحذر ليصل إليها وتوقف خلفها. تسللت رائحته لأنفها، بحثت بعينها حولها، فهزت رأسها تهمس لنفسها
-لا هو مش اهبل علشان يجي اكيد.
انحنى يحاوطها بذراعيه يهمس بجوار أذنها: -وايه الهبل في كدا يامدام
هبت فزعة من مكانها حتى تساقطت الفواكه على الأرضية تهمس اسمه
- جاسر
-إنت دخلت ازاي.! جذبها بقوة ليجلسها فوق المقعد
-جيت برجلي، ايه هزحف ببطني
رفعت حاجبها ساخرة: -يمكن، اصلك مجنون!
هز رأسه يدور حولها يحك بذقنه يردد حديثها: -يمكن اصلي مجنون، طيب ياعاقلة دقيقة واحدة لو ماقومتيش تلبسي الزفت اللي جنبك دا وخرجتي معايا بالذوق
توقفت وهدرت.
-هتعمل ايه أكتر من اللي عملته! انحنى يحملها وتحرك للخارج
-مبحبش الكلام الكتير ياوقحة علشان متعصبش عليك وارميكي من البالكون. فتح الباب إذ وجد ذاك الذي قطع حديثه وهدر غاضبا
-إنت دخلت هنا ازاي يالا!، وخاطف البت ورايح فين؟
انزلها ثم اقترب من صهيب: -جيت بالطايرة مسمعتش صوتها فوق سطح بيتكو، وايه خاطف البت دي شايفها بترضع. دي عاملة زي الهيبو من كتر اكلها طول اليوم، ياتاكل ياتستحمى.
انت عرفت ازاي تسائلت بها مصدومة
-اشار بعيناه على الكاميرا التي وضعها بغرفتها وغمز بطرف عينيه واقترب يهمس بجوار أذنها
-ومستعد أقولك الوان هدومك اللي تحت ايه دا لو كنتي لبساهم اصلًا
جزت على شفتيها
-وقح وقليل الادب ياحضرة الظابط
دنى يلمس وجنتيها بشفتيه طابعًا قبلة
-البركة فيكي يابنت عمي
اقترب والدها يجذبه من تلابيه
-اه ياوقح ياحقير. : لوح لها يشير على والدها.
-الزارير ابوكي هيقطعها، بلاش هو قطعيها انتِ، منعت ابتسامتها من مشاكسته ولكنها وقفت مصدومة عندما نزع قميصه بقوة يلقيه بوجه صهيب
-خد القميص اهو وروح بيتكم ثم اتجه إليها يجذبها من رسغها
-وانتِ تعالي هنا علشان تشمي جرعة الهير، وين بتاعتك
صرخ صهيب
-عزززز، شوفلي عمك فين.
↚
ثم ياسادة: لا تُخبروا النّاسَ كذِباً عنْ سُهولةِ التّخلّي وأنَّ في البُعدِ نُضجٌ وقوةٌ أو أنَّ في الهجرِ راحةٌ بلْ قولوا قَولاً حقّاً.
أخبِروهم أنْ يتجاوزوا ويُحاولوا ويتشبّثوا ببعضهم البعضَ قدرَ ما يستطيعون، فوَجعُ فراقِ الأحبّةِ يُعادلُ آلامَ الموتِ، وأنَّ القلوبَ بعدَ الفراقِ تشيخُ وتُصبحُ مليئةٌ بالتّجاعيدِ.
ثم أخبروها أني زرعت لَها في كُلِ شبرٍ لغ. ماً من الذِكرى.
حتى إذا ما افترقنا كان مقت. لهُ أكيد
فحالنا كسنبلة القمح التي ظنت أن المنجل يريد عناقها...
بنظرات تحمل بين طياتها الكثير والكثير من العتاب طالعه قائلًا:
دا اتفاقنا ياجاسر. قالها صهيب.
طالع والده بألمًا تجلى بعينيه: -بقالي أكتر من شهر يابابا وبحاول اتحكم في اعصابي وقلبت الموضوع هزار، بس لحد كدا وكفاية، ايه الغلط اللي انا بتعاقب عليه، ليه مراتي تبعد عني اكتر من شهر، دا علشان حاولت احافظ على رجولتي قدام الكل، اتجه لعمه وتسائل: -غلطي ايه وانا شايف واحد حلوف بيقرب من مراتي وماسك أيدها بغض النظر كان بيعمل ايه ويقول ايه
نقل بصره الى جواد.
-ايه يابابا هو الغلط والحرام بقى مباح علشان عمي ميزعلش
-جاسر ممكن تهدى. قالها صهيب مقتربًا منه. ثم أكمل حديثه: -هتفضل لحد إمتى متهور ومبتعرفش تتحكم في اعصابك، ايه اللي بنتي غلطت فيه علشان تعمل فيها كدا قدام الناس وتفضحها بهمجية
-عمييييي. تملكه غضب جارف من كلمات صهيب، فاطبق على رسغها يجذبها إليه
-غلطي ولا لا ياجنى؟
طأطأت رأسها متأسفة ثم اردفت بصوت كاد أن يسمع: -منكرش اني مغلطتش، رفعت عيناها التي زينت بطبقة كرستالية من الدموع
-لكن غلطك كان أكبر يابن عمي، حتى ماادنيش فرصة اتكلم، انا اتفاجأت باللي عمله يعقوب، هو شايف إن دا عادي. ليه تكون عنيف في الرد كدا، انا كنت هعرف ارد عليه.
جز على أسنانه واقترب منها يضغط بقوة على كتفها مما جعلها تتأوه وهمس بفحيح: -متخلنيش اموتك دلوقتي، سمعاني حذرتك مليون مرة تبعدي عن الشخص دا انا مبحبوش، ليه بدوسي على كلامي
-جاسر. صاح بها صهيب غاضبًا وحاول دفعه بعيدًا عن ابنته
حاوطها بذراعه وحجزها بجسده من أمام عمه
-مراتي وانا حر، وياريت محدش يدخل بينا، تراجع بها خطوة للخلف.
-عمو صهيب انت غالي عليا، لا مش غالي بس انا بعتبرك ابوي لانك ابويا فعلا، بس اللي يحصل بيني وبين مراتي لينا لوحدنا، ياريت محدش يدخل، وبدل انا قولت هي غلطت يبقى هي غلطت ومتخفش عليها مش هموتها ولاحاجة، ومتفكروش هتخافو عليها اكتر مني
جفل صهيب من حديثه الذي غلى الدم بأوردته فاقترب مشيرا إليه بسبباته
-جاسر انت بتغلط بطريقتك كدا.
استدار يرمقها للحظات ثم تحدث بنبرة أكثر هدوئًا لينهي الحديث: -هترجعي معايا البيت ولا ارجع انا، بس اعملي حسابك لو خرجت من غيرك مش هتدخلي اوضتي تاني. انا بقول اوضتي مش بيت عمك.
شعرت وكأن دلو سقط فوق رأسها من نبرته التهديدية، لاحت بنظرها لوالدها الذي هز رأسه بالموافقة. ثم دلفت للداخل تجذب إسدالها وتحركت للأسفل دون الحديث إليه
زفر صهيب بضيق وقال بصوت مبطن بالتهديد.
-متفكرش انك بتحطني قدام الأمر الواقع كدا. متنساش انك كسرت بنت عمك قدام الكل ياحضرة الظابط. وانا وافقت ترجع معاك مش علشانك أبدا، علشان خايف تتعب وتفقد جنينها. قالها صهيب بنبرة جافة وهو يرمقه بسخط ثم تحرك تاركًا إياه متصلب بوقوفه
قبل قليل بغرفة مكتبه
استمع الى طرقات على باب المكتب، أذن بالدخول دلف أوس ملقيًا تحية السلام ثم اقترب منه
-جاسر راح لعمه صهيب وشكله مش ناوي على خير.
كان يعمل على جهازه وهو يستمع اليه، ثم رفع نظره إليه: -سبهم أن شالله يقطعوا بعض هم الاتنين، عمك صهيب بيضغط عليه كتير، وانا لو من جاسر كنت طلقتها وريحته
توسعت أعين أوس واقترب من مكتبه
-معقول يابابا حضرتك اللي بتقول كدا
قاطعهم دلوف عز وهو يضحك، أشار جواد إليه
-البشاير وصلت، مش بقولك الاتنين يستاهلوا بعض
قهقه عز يغمز لعمه: -أنا هربت منهم، جاسر مجنون هيجنن بابا، وبابا مبقش يتحمل عصبية جاسر.
أشار لهم بالجلوس وهتف
-سيبكوا منهم هما الاتنين هيعرفوا يتصافوا، المهم فيه حاجة عايزكم تشوفها
جلس أوس يستمع إليه بتركيز
أدار جهاز حاسوبه إليهم ثم أردف بنبرة عملية جادة: -دي مكاتب الشركة عندكم، الارشيف دا شايف فيه ناس بقت بتدخله كتير ازاي، أشار لأحدهما
-مثلا البنت دي ازاي تدخل الارشيف وتمسك حاجات زي دي وتدور فيها.
دقق عز النظر بها ثم أردف: -البنت دي تبع مجموعة البنداري، راكان بعتها سكرتيرة لجاسر في الوقت اللي بيكون موجود
ألقى جواد القلم من يديه بعنف ثم رفع عيناه لأوس وهتف موبخًا اياه: -احنا هنهزر، سكرتيرة ايه ياباشمهندس لواحد بيروح الشركة كل كام شهر مرة.
ايه ياأوس انت خبت ولا ايه، ثم استدار إلى عز يرمقه بنظرات غاضبة: -إنت ازاي تعدي حاجة زي كدا، اومال الكاميرات بتعمل إيه عندك في المكتب، بتقعد تتفرج على الناس ولا ايه
نصب عوده وتوقف ونيران جحيمية ثارت بصدره جعلته يزيح كل ما يقابله على سطح المكتب
-البنت دي عايزاها من غير شوشرة، وتتصل بعد ماتجبها براكان يقولي بعتها ليه، عايز اعرف نيته ياعز، مش عايز لعب سمعتني ولا لا.
أشار بيديه لخروجهم، استدار أوس للتحرك فهتف به غاضبًا: -عايز عينك في وسط راسك ياباشمهندس، كل حركة وخطوة في الشركة تكون مسيطر عليها، كشف الأمن بالكامل يكون على مكتبي يوميا
خطى متحركًا إلى عز
-كل التسجيلات تكون عندي الليلة سمعتني، عايز اعرف الناس الجديدة اللي دخلت الشركة، الملف يكون قدامي الليلة.
اومأ عز له بطاعة واجابه
-حاضر ياعمو، احنا واثقين في راكان علشان كدا ماحاولنش نعرف البنت بتروح هناك ليه.
لكمه جواد بصدره وهدر غاضبًا: -حتى لو اخوك لازم احتياطتك تبقى موجودة، ولو راكان بيلعب بديله من ورايا هيلاقي وعده
بمكتب النيابة العامة عند راكان
استمع الى رنين هاتفه. نظر لاسم المتصل لعدة لحظات ثم رفعه الهاتف وأجاب بعد عدة لحظات
-اهلا سيادة اللواء
-اهلا راكان. سؤال ومش عايز لف ودوران علشان منزعلش من بعض، عارف انك مش عيل ولا قليل علشان تلعب في مكان لجواد الألفي.
تحمحم لعدة لحظات مبتلعًا ريقه من حديث جواد الجاف، فتسائل بهدوء توقيرًا لشخص جواد: -ممكن اعرف اعتراض سيادة اللوا على شخصي ولا شغلي.
-البنت اللي بعتها لجاسر وراها ايه يا راكان. نهض راكان من مقعده وتعجب من حدته فاردف متسائلاً بهدوء: -مش فاهم حضرتك!
صمت جواد لبعض اللحظات محاولا استكشاف مايرمي إليه راكان فتحدث بعقلانية ليسحبه إلى مايؤل إليه: -ليه البنت اللي بعتها لجاسر دي، انت عارف جاسر مابيروحش الشغل.
جلس متنهدًا بعدما شعر بإنسحاب الهواء لجفاء جواد بالحديث معه لأول مرة.
-رغم اني مستغرب السؤال لكن هجاوب حضرتك. البنت دي مهندسة، وجاسر طلب بنت تكون مكانه في الشغل علشان حاسس أنه مقصر مع اخواته، فقال اهي تاخد دوره دي كل الحكاية، والبنت مضمونة.
-تمام. قالها وأغلق الهاتف دون حديث آخر. ظل جالسًا لبعض الوقت يراجع مشاهدها، ثم رفع هاتفه: -فيه بنت متعينة في الشركة جديد مهندسة، هي مديرة أعمال لجاسر، عايز كل معلومة عليها من يوم مااتولدت لحد اليوم اللي دخلت الشركة، علاقاتها ايه
-تمام يافندم. كل حاجة هتكون عند حضرتك بالليل
بالأعلى بغرفة عاليا وياسين
وضعت ابنتها بعد نومها بفراشها، ثم نهضت متحركة لحمامها لتنعش نفسها بحمامًا دافئ قبل مجئ زوجها.
خرجت بعد فترة واتجهت لمرآة الزينة وجلست لتجفيف خصلاتها. ذهبت ببصرها لذاك العقد الذي يوضع فوق مرآة الزينة، انحنت تجذبه وابتسامة عاشقة لمعت بعيناها تتلمس اسمها عليه وذهبت بذاكرتها لتلك الليلة
فلاش باك قبل ثلاثة شهور
دلف لغرفة ابنته بعدما استمع لصوت بكاؤها، وجد مربيتها تتحدث بهاتفها فأشار إليها
-ليه راسيل بتعيط؟
أغلقت الهاتف واتجهت إليه بخطواتها الأنثوية، وتلك التنورة التي تصل فوق ركبتيها بكعبها العالي، فتحدثت بنبرة هادئة: -آسفة يافندم، كان معايا فون مهم. رفعت البنت لأحضانها وبدأت تهدهدها بشكل ملفت لأبصاره، اقترب منها وجذب ابنته
-هاتيها وجهزي رضعتها. قالها وهو يجذبها بين ذراعيه. وجلس على الأريكة التي توضع بغرفتها.
-حبيبة بابي زعلانة وبتعيط ليه. انحنت تلك الدخيلة بشكل مغري أمامه وتحدثت بهدوء: -البيرونة يافندم، بس بلاش تتعب نفسك انا هرضعها، هاتها انحنت لتجذبها من بين أحضانه، فتساقطت خصلاتها على وجه ياسين بدخول عاليا التي هدرت بغضب:.
-ايه اللي بيحصل هنا. رمقتها بنظرة لو تقتل لألقتها صريعة بمكانها، بعدما وجدت قربها من زوجها بتلك الملابس التي تكشف جسدها بالكامل، أشارت إليها ثم اقتربت تدفعها بعيدًا وزمجرت غاضبة بها: -انزلي تحت عند الدكتورة خليها تديلك حسابك، انا مش محتاجة مربية
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم. رددها كثيرا وتنجو بها من عذاب النار
تسمرت بوقفتها تطالعها مذهولة واستفهمت باستهجان: -ليه يامدام.!
رمقت ياسين بصاعقة تلوح من زرقيتها: -أنا مش عايزة مربية لبنتي، قولها تمشي من وشي حالا
رغم اندهاشه من ردة فعلها العصبية، إلا أنه أشار بيديه: -انزلي زي ما المدام طلبت منك. سحبها من رسغها لغرفتهما بعدما اخذت طفلتها وتحركت مجفلة من تصرفه الغير لائقة كما ازعنت
وضعت الطفلة بمخدعها تمسد على خصلاتها لتغفو بنومًا هادئًا. توقف خلفها وانحنى يطوق خصرها من الخلف
-ممكن أعرف زعلانة ليه؟
دي حمد الله على السلامة، بقالي شهر بعيد عنك
شعرت بانتفاضة بجسدها من لمسة كفيه على جسدها.
-ياسين ابعد شوية. تراجع خطوة للخلف واستدار للحركة ولكنها تشبثت بذراعيه
-إنت زعلت.! تسائلت بها وعيناها تحاوره تنتظر اجابته
هز رأسه بالنفي وتحرك ولكنها أسرعت خلفه وأطبقت على ذراعيه
-عايزة اتكلم معاك شوية. أشار إلى ثيابه وتمتم: -هاخد شاور وبعدين نتكلم.
هزت رأسها بالموافقة. تحرك إلى الحمام. توقفت بمنتصف الغرفة تطالع تحركه ثم حررت من صدرها نفسًا طويلًا
-خايفة ياياسين. همست بها ثم جلست جال بذهنها فكرة لكي تريح ذاك النبض الضعيف المتألم. نهضت متحركة لهاتفه ثم سحبته بيديها واتجهت لشرفة غرفتها، حاولت فتحه ولكنه مشفر بكلمة سرية، ألقته على الطاولة تنفخ بضجر وتراجعت بجسدها تعقد ذراعها أمام صدرها تنظر للخارج.
استمعت الى طرقات على باب غرفتها فنهضت متحركة لترى من الطارق، فتحت الباب لترى الخادمة تجر عربة الأطعمة قائلة: -مدام الدكتورة بعتت الغدا وبتقول لحضرتك لو محتاجين حاجة تانية كلمينا
-ليه هو مفيش حد هيتغدى
-لا يامدام الدكتورة خرجت مع حضرة اللوا عند الباشمهندس حازم، والباشمهندش أوس سافر مع مدام ياسمينا.
اومأت برأسها تشير لها بالذهاب. جرت عربة الأطعمة للداخل، ثم قامت بوضع الطعام عليها بطريقة منظمة، خرج بتلك الأثناء يجفف خصلاته بتلك المنشفة الصغيرة، توقف ينظر لطاولة الطعام ظنا أنها من طلبتها
ابتسامة عريضة على ملامحه الرجولية، فتحمحم قائلًا بصوتًا رخيم: -دا إيه الرضا والتغيير الحلو دا، كدا هدلع واشبع دلال.
استدار إليها فنظرت إلى صدره العاري وتمتمت بإرتباك: -لا ماهو مش أنا اللي عملت كدا. جعد حاجبه مقتربًا منهابتساؤل: -مش فاهم. أشار إلى الطعام متسائلًا: -مش إنتِ اللي طلبتي الأكل دا
خطت تكمل ما كانت تفعله وأجفلته برد مختصر: -لا مش أنا. جذب المقعد واتجه ببصره للطعام
-ايه الأكل دا، أنا عايز أنام، هتقدري تأكلي الحاجات دي وتنامي.
ابتلعت لُعابها بصعوبة من هيئته المدمرة لقلبها الضعيف، وحاولت السيطرة على مشاعرها مرددة
-أنا ماليش نفس للأكل، لو جعان فيك تاكل، وبعدين الأسماك خفيفة الهضم
خطت بعيد عنه يكفي مايفعله بها قلبها اللعين، اقبض على كفيها يجذبها بقوة حتى سقطت فوق ساقيه
-لا هتاكلي متنسيش إنك بترضعي ومينفعش اكل لوحدي كمان.
وضعت كفيها على صدره رغمًا عنها بسبب جذبه القوي لها: -ياسين لو سمحت!
لف ذراعيه حول جسدها الضعيف متحكمًا بجلوسها
-قولتي عايزة نتكلم ليه غيرتي رأيك دلوقتي
رفعت نظرها وتقابلت بسواد ليله مردفة بشفتين مرتجفتين: -طيب ممكن تلبس حاجة، مينفعش كدا. نظر لنفسه منتبها لجلوسه دون ملابسه، فتوقف متمتمًا: -آسف ماأخدتش بالي، جذب كنزته وارتداها، تمنى لو كان الأمر بينهما عاديًا ولكن ذهبت امنايته هباءً
أشار لها بالجلوس وأمسك السكين يشير إليها
-دا بيتقطع كدا صح ولا ايه، ماليش في اكل السمك.
جذبت من أمامه الصحن الذي يحتوي بمختلف أنواع السمك وبدأت تقوم بتفصيصه
-دا مش عايز شوكة وسكينة يابن عمو جواد، دا بيتفتح كدا وبيتاكل كدا
امال إلى كفيها ووضع الطعام بفمه مستلذذ به: -اممم. طعمه هايل. قشعريرة انتابت جسدها حينما شعرت بملمس شفتيه على اناملها، طالعته لبعض اللحظات بصمت ثم اردفت دون وعي منها
-ياسين ليه ليليان راجعة تاني، مجوبتش على السؤال
اختتمت سؤالها بدمعة شريدة عبرة وجنتيها وهي تكمل حديثها.
-أنا شوفتكو يوم الولادة، هي كانت في حضنك، انا مش همنعك انك ترجع لحبيبتك بس في نفس الوقت ماتحاولش تقرب مني، احنا لازم نتفق
وضع سبباته على فمها
-ممكن ناكل ونبطل كلام فاضي، أشار بعينيه على السمك
-دوقيني ياله الجمبري دا، ولا رجعتي في كلامك
صدمت من رده الغير متوقع. فمدت إليه الطبق: -اتفضل كل اللي يعجبك انا شبعانة
ألقى المحرمة على الطاولة
-وأنا شبعت خلاص مش عايز اكل، نهض فأمسكت كفيه.
-لا خلاص اقعد كل، هاكل مش قصدي
نظر لكفيها المتشبث بذراعه ثم اتجه بنظره لعيناها واردف: -انا شبعت خلاص. توقفت واقتربت منه
-بس إنت كلمت طنط غزل علشان تحضرلك الأكل دا قبل سفرك بيوم، ولولا اللي حصل من جاسر وانت يوميها مشيت ومأكلتش، نظرت للأسفل تفرك كفيها تهرب من نظراته وتابعت حديثها: -أنا اللي طلبت السمك دا وانا اللي طبخته لما عرفت انك جاي
التمعت عيناه بالسعادة، دنى إليها ورفع ذقنها يبحر بموج عيناها.
-طعمه حلو تسلم ايدك. هقعد اكل رغم أنا ماليش في السمك، أنا طلبته من ماما علشان سمعتك بتقولي لجنى عايزة تاكلي سمك
تسارعت نبضاتها ترمقه بعينان تتألقان بحب وحنان ثم أشارت بعيناها للطعام
-طيب هنكمل اكلنا ولا لا
جلس بجوارها مرة أخرى وبدأو يتناولون الطعام وهما يختلسان النظر لبعضهما من حين لآخر. انتهى بعض دقائق، نهض قائلًا: -هغسل ايدي وانت كلميهم يجوا ياخدوا الأكل دا.
بعد فترة قامت بإشعال الشموع ذات الروائح العطرية بعدما شعرت برائحة السمك بالغرفة، واتجهت تعد قهوته
جلس بشرفة غرفتهما يحمل ابنته التي استيقظت تبكي وصدح صوتها، وصلت إليه بالقهوة
-قهوتك، هاتلي راسيل هغيرلها وارضعها. اومأ لها وتحركت للداخل
عادت إليه بعد فترة قليلة، وجدته مازال يرتشف من القهوة ويستمع إلى فيروز. جذبت المقعد وجلست على المقعد يبعد عنه ببعض الخطوات.
بسط كفيه ليمسك كفيها وتنهض متجه إليه، أجلسها بجواره وحاوطها بذراعه
-عاليا مستعدة نكمل حياتنا ونكون زوجين حقيقين. استدارت برأسها تنظر لوجهه القريب
-وليليان؟
-مين ليليان دي؟ معرفش حد بالاسم دا. قالها وهو ينظر للبعيد
تجرأت لترفع كفيها وتدير وجهه إليها
-لا انت عارفها كويس، انا شوفتك وانت حاضنها.
- وضع ابهامة على شفتيها
-يبقى كنتي عامية، أو قلبك اللي صورلك حاجات مش صح
تراجعت بجسدها بعيدا عنه
-إنت ليه بتهرب؟
جذب رأسها لأحضانه: -من وقت مافترقنا وانا مسحتها من حياتي ولا كأنها دخلتها، كنت عايش ومكنتش ناوي اسلم قلبي لحد تاني، لحد مافي يوم القدر رمى قدامي جنية بحر، بنت جميلة لكن مش رقيقة ابدا وحش ثائر عايزة تولع في اللي يقرب منها، هزتني من جوا، حاولت اكذب احاسيس علشان كدا كنت بعاملها بقسوة، مش عايز اعيش تجربة فاشلة تاني، لكن البنت دي كانت أقوى من جاذبية الكرة الأرضية. رفع عيناه وعانق عيناها.
-وقعت في حبها للأسف، ومن كتر حبي ليها كنت بحاول اتخانق معاها علشان بس اقرب منها وأشوف عيونها لما تقلب بالون معرفش احدده، بقت زي جرعة الهوا كدا. خلاص خطفت قلبي وعقلي لحد ماجه اجمل يوم عمري مااتخيلته ولقيتها بتهديني اغلى وأجمل هدية جنية صغيرة زيها
استدار بكامل جسده واحتضن وجهها يزيل عبراتها التي تلألأت بعيناها
-أنا هقول الدموع دي دموع فرح، عرفتيها هي مين علشان كدا بتعيطي، دنى يهمس لها.
-هي بعينها بلقيس حياتي، ملك الهكسوس بيقولك انت اجمل حاجة في حياته يابلقيسته
بتمنى نكمل حياتنا مع بعض ونعيش حياة هادية وجميلة ونجيب اخوات لراسيل
أطبقت على جفنيها مستمتعة بحديثه
دنى اكتر يهمس لها حتى لامست شفتيه وجنتيها
-اجمل بلقيس في الدنيا. توردت وجنتيها ترفع عيناها لتهمس له، ولكنها تراجعت بعدما استمعت لبكاء ابنتها
-هشوف راسيل. هز رأسه واتجه بنظراته للخارج.
-ايه الشعور الحلو دا، همس بها لنفسن. نهض من مكانه واتجه لخزانته لأحضار شيئا، أخرج علبة مزينة ثم اتجه لغرفة ابنته، كانت تقوم بإطعام ابننتها، ابتعدت بنظراتها خجلا بعد دخوله دون استئذان ووضع الصندوق أمامها وحاول أن يخفف من حدة توترها
-هنزل تحت شوية بابا وماما جم، هسلم على بابا. أشار للصندوق
-لو لبستي دا هفهم انك موافقة نبتدي حياتنا. قالها وتحرك للخارج يلتقط أنفاسه بصعوبة
استغفر ربي و اتوب اليه.
انتهت من اطعام ابنتها ثم نهضت متجهة لذاك الصندوق فكت تلك الرابطة التي تشبه الفيونكة، ثم فتحته بهدوء، بسطت كفيها لتلامس أناملها ذاك الرداء الأبيض الناعم. أخرجته تنظر إليه بإنبهار، رداء أقل ما يقال عنه، فستان الأميرات جمال روعته، توقفت أمام المرآة ووضعته عليها مبتسمة، تحركت سريعا للمرحاض وخرجت بعد دقائق محدودة
جذبته لترتديه على عجالة قبل مجيئه، ثم توقفت تنظر لنفسها.
توسعت عيناها بذهول وهي تراه أقل ما يشبه بقميص نوما يظهر مفاتنها بسخاء. تركت خصلاتها تنساب على ظهرها لكي لايظهره، ثم نظرت لفتحة صدره الكبيرة، تضع ابهامها بفمها، تفكر بشيئا حتى تخفي فتحة صدره:
-لا دي هتفضل كدا، لا لا مستحيل، هروح اقلعه، ازاي عايزني ألبس دا قدامه، وبقول عليه محترم. توقفت تنظر لنفسها مبتسمة: -بس الصراحة ذوقه يجنن، الفستان حلو اوي، بس مقدرش البسه قدامه اتكسف. فيه حد يتكسف من جوزه برضو.
هبت فزعة تسمي الله بعدما استمعت لهمسه بجوار أذنها
-حرام عليك خضتني والله. حاوطها بذراعه: -ألف سلامة عليكي من الخضة ياروح ياسين. ارتجف جسدها وتناست ماترديه مستديرة إليه: - ألف سلامة عليكي من الخضة ياروح ياسين. رفع أنامله يرجع خصلاتها لخلف أذنها واقترب يطبع قبلة على جبينها. رددت كلماته بهمس
روح ياسين
-عندك شك في كدا! تسائل بها.
تشبثت بقميصه بعدما خارت قواها، ابتسم على خجلها وتابع ردود أفعالها الطفولية التي راقت له، تشابكت أنامله بأناملها يسحبها إلى الخارج خرجت تنظر للغرفة التي قام بتزينيها
-إنت مكنتش تحت
هز رأسه بالنفي، رفع ذقنها يتعمق بعيناها
-نزلت علشان اجيب الحاجات دي، قولت لما تخلصي. تركت كفيه وتحركت تنظر للغرفة المزينة بالورود الحمراء، والشموع. حركت أناملها على حروف أسمها على ذاك القلب الأحمر.
رفعت رأسها وابتسمت: -معقول دا حضرة الظابط طلع رومانسي اهو. أطلق ضحكة رجولية مما جعلها تنظر إليه بعيونا عاشقة وقلبًا ينتفض من قربه عندما حاوطها بفولاذيته وتحرك إلى تلك الطاولة التي يوضع عليها كعكة صغيرة تجمع صورتهما وقام بإشعال الشمعة
خرج من جيبه خاتم الزواج ووضعه أمامها على الطاولة ثم استدار يحتضن وجهها وعيناه تبحر فوق ملامحها الجميلة: -عاليا تقبلي تكملي حياتك معايا، نبني حياة مع بعض لحد مانكبر.
ابتسمت من بين دموعها تهز رأسها تنتظر اعترافه بحبها تمنت لو ينطق تلك الكلمة التي تتكون من حروف نبضها
انزلت رأسها للأسفل وتمتمت
-ليه ياياسين، علشان راسيل عايز نكمل حياتنا مع بعض، مش عايزة أكون مجرد ضغط علشان البنت. انا ممكن
بتر حديثها عندما انحنى ليبعثر كيانها بخاصته وينثر عليها ترانيم العشق، ولما لا أن القبلة هي التعبير الأقرب في قاموس العشق للأعتراف دون حديث.
فصل قبلته ومازال محاوط وجهها، يغرز مقلتيه ببحرها الذي اختلط بخيط من الدموع ثم همس لها
- علشان بحبك. وضع كفيها على نبضه الأيسر ومازال يعانقها بنظراتها
-علشان دا عايزك إنتِ مش بينبض الا بقربك، دا بيتمنى واحدة بس اسمها عاليا. قالها بنبرة شجية ارسلت لجسدها ذبذبات أشبه بكأس الخمر، ليترنح جسدها مما جعلها تستند بكامل جسدها عليه.
آه عميقة كانت ابلغ مما يشعر به الآن وهي بأحضانه، طوقها بالكامل يهمس بجوار أذنها بعدما جلس وأجلسها بأحضانه
-لولو ساكتة ليه!
رفعت رأسها من أحضانه وبداخلها يصرخ بعشقه الندي من اهتزاز اوتارها التي تصخب بداخلها
دنى لتخلتط أنفاسهما مرة أخرى وتشابكت نظراتهما
-سامعك ياعاليا، مجاوبتيش على سؤالي، موافقة نكمل حياتنا ولا عندك اعترا، وضعت أناملها الرقيقة على فمه
- موافقة.
شعور بالهدوء غلف الأجواء، ولكن هناك دقات عنيفة تصخب بالصدور.
-قولتي ايه!
تبسمت وسكنت تبتعد من نظراته المخترقة: أدار وجهها إليه مرة أخرى ومازالت نظراته تعانق وجهها بالكامل
-تعرفي أنا حبيتك من إمتى، رفعت عيناها تنتظر بقية حديثه بلهفة عاشق
اقترب يلتقط تلك التوتية التي شبهها بها يهمس من بين قبلاته.
-من وقت ماالتوت الحلو دا نطق اسمي، كنت عايز ابعد عن تلك الجنية اللي وقعتني على جدور رقبتي، كنتِ وقت ما تقولي ياسين مكنتش بفكر في حاجة غير إني اخرص الشفايف دي علشان بتضعفني قوي
أطبق على جفنيه بعدما رفعت أناملها تتحسس وجهه كأنها نحاتًا واردفت بصوت خافت: -بس أنا زعلانة منك قوي.
ابتسامة خلابة على ملامحه يهز رأسه.
-لا متقوليش كدا، احنا ولاد النهاردة عايزك تنسي كل اللي حصل بينا، افتكري الليلة دي بس وكأننا لسة مقابلين بعض
افلتت ضحكة أنثوية ناعمة لتجعله قديسًا لتلك الضحكة وفقد السيطرة على نفسه ليسحب ذاك الخاتم وقام بوضعه بخنصرها ثم توقف يبسط كفيه اليها متحركًا بها إلى فراشهم. أشار بكفيه عليه.
-عايز دا يكون سكينة لروحنا، وقت ماتزعلي أو تغضبي دا مكانك اياكي في يوم من الأيام تبعدي عنه، لو جيت عليك في يوم من الأيام تعالي واشتكيني وانا هحاول على قد مااقدر اراعي ربنا وقلبي فيكي
رفع ذقنها وتابع حديثه: -تأكدي ياعاليا طول ماقلبي بينبض بحبك مستحيل اظلمك ولا افكر في غيرك، بلاش التردد اللي شايفه بعيونك دا
اشتعلت عيناها ببريق العشق، وكأن اليوم هو يوم ميلادها. دنى منها بعدما وجد صمتها وتمتم بصوت خافت.
-فين لسان بلقيس، شايف فيه تفاح احمر هنا عايز يتاكل بس، . لكمته بخفة ودفنت وجهها بكتفه: -بس بقى ياياسين والله بتكسف
حاول الثبات أمام رقتها التي بعثرت كيانه، وتراجع بخطوة محاولا السيطرة على تلك الرجفة التي اعترته.
- ياسين تمتمت بها بصوت هامس واقتربت تحتضن كفيه: -أنا موافقة أكمل حياتي كلها في حضنك. هنا فاق احتمال قدرته، فجذبها ليسند رأسه فوق خاصتها.
واضعًا كفها فوق شقه الأيسر: -وياسين بيوعدك عمرك ماهتندمي ياعاليا. قالها ثم رفع كفيها ليطبع قبلة بباطنه بعمق وحنان. ثم رفع عيناه إليها
بحبك. قالها. ككروان يغرد بعذوبة وكأن هذه الكلمة خلقت لهما وحدهما
تمنت لو توقف الزمن هنا، لتلف ذراعيه حول خصره تضع رأسها على صدره وتغمض عيناها تستمع لنبض قلبه.
انحنى ليحملها متجهًا إلى مخدعهما ليكمل معزوفة عشقه. ويدفق الحب بكل معانيه ليعزف لها أجمل سيمفونية تعزف على اوتار قلوبهما بأعذب الألحان. ليتناسى كل ماآلامهما وأصبحت الكرة الأرضية ملكهما. ويتوقف الكون من حولهما مع دقات قلوبهما التي تعزف وتعزف وتجعلهما كطائران من البلابل يغردان فوق السحاب وكأنهما يقضيان اجمل لحظاتهم.
بعد فترة ليست بالقليلة وضع رأسه على الوسادة وشعور الهدوء غلف المكان كعودة تائب زاهد من كل شيئ سواها وحدها، مرر أنامله على وجهها الذي أصبح أمامه لوحة من أجمل اللوحات. ظل يمرر أنامله كأنه نحات ينحت تفاصيلها بقلبه قبل عينيه. جذب رأسها ليضعها بأحضانه: -دا مكانك بعد كدا، طول ماأنا موجود مش عايزك تبعدي عنه.
تمسحت به كقطة أليفة تغمض عيناها وتذهب بثبات عميق كالذي أخذ من الدنيا ماتمناه لتغفو سالمة الروح والقلب
خرجت من شرودها تنظر لذاك الخاتم الذي وضع بخنصرها تتلاعب به
-وحشتني قوي ياياسين بقالك شهر كتير قوي على قلبي.
استمعت لصوت جاسر بالأسفل، نظرت من شرفتها وجدته يتحدث مع والده: -في ايه مراتي ورجعتها فين المشكلة
توقف جواد متخصرًا
-عملت ايه عند عمك، انا مبقولش لغوراتيمات جاوب وبس.
أشار بكفيه إليها: -اطلعي يامدام وانا شوية وجاي
تحركت جنى دون حديث، أوقفها جواد
-حبيبتي مالك، جاسر عمل فيكي حاجة!
توسعت عيناه ينظر لوالده بصدمة: -ايه اللي حضرتك بتقوله دا، تفتكر ممكن اعمل فيها ايه، دي مراتي يابابا، ومهما تغلط هتفضل اغلى من روحي وبعد اذنك انا لسة راجع من السفر وبقالي يومين منمتش.
بالأعلى تمددت على تختهما بعدما نزعت إسدالها واغمضت عيناها ترجو من الله أن يُمن عليها بالنوم، فمنذ عدة أيام لم تدق للنوم طعمًا، بعدما استمعت حديث والدها مع راكان بالهاتف: -عايز اعرف ياحضرة المستشار فعلا جاسر ساب القضية ولا لا. وحياة ولادك ماتخبيش عليا حاجة
علي الجانب الآخر وهو يجلس بمكتبه وأمامه حمزة. سحب نفسًا وطرده:.
-عمو صهيب عايزك تتأكد حتى لو جاسر لسة في القضية فالادارة واخدة احتياطتها كويس جدا ومأمنه متخافش. نهض صهيب من مكانه
-إنت قولت ياراكان هتحاول تبعده ليه دلوقتي راجع، قاطعه راكان
-هو رفض، وسيادة العقيد باسم حاول بكل طرقه يبعده لكن هو أصر، عايز حضرتك تتأكد مفيش خوف، وسيادة العقيد مأمنه كويس: -مش دا قصدي ياراكان، قصدي اللي هو عايز يعمله، وموضوع دخوله لعيلة التميمي.
هز راكان رأسه محاولا انتهاء المكالمة حتى لا يغوص بالتفاصيل التي امنه عليها جاسر قائلاً: -لا ابدا مفيش حاجة من دي، لا هو دلوقتي شغال في ظروف القضية بس
اطمئن صهيب قليلا فانهى حديثه، ثم جلس على المقعد يتمتم بخفوت
-اتمنى متكنش بتضحك عليا يابن البنداري. خرجت من شرودها و
فتحت عينيها بعدما شعرت بذراعيه تجذبها لأحضانه هاتفًا بصوت أقرب للهمس.
-جنجون وحشتي حبيبك ياقلبي. استدارت إليه تدفن نفسها بأحضانه تبكي بشهقات مرتفعة
عصرها بأحضانه قائلًا: -اشش خلاص أنا اسف ياروحي، جنى أنا بغير عليكي، رفع رأسه يخرجها من أحضانه وهمس لها: -مش من حقي أغير. رفرفت بأهدابها تبتعد عن شعورها بالاقتراب منه وجذبها لجنة عشقه. رفع رأسها مرة أخرى: -غلطي ولا لأ ياروحي
-آسفة قالتها بدموع تتلألأ من عيناها كالنجوم، ليقترب منها يلتقط تلك النجوم بخاصته واجابها.
-أنا اسف ياروحي، عارف اني غلطان في حقك اتمنى تسامحي حبيبك
شهقة خرجت من فمها ليبترها بطريقته الخاصة، ويذهب بها لعالمهم الخاص، عالم لا يوجد به سواهم
بعد عدة أيام استيقظت مبكرًا وجدته مازال غافيا، انحنت تطبع قبلة على جانب شفتيه: -صباح الورد حبيبي. أجابها بصوت مبحوح
-صباح الورد حبيبي. وضع كفيه على أحشائها
-اميري عامل ايه النهاردة. اعتدلت بجلوسها.
-اميرك زي الفل وبيقولك يابابي ممكن مامي تنزل المعرض النهاردة علشان عندها شوية اوردهات
اعتدل يمسح على وجهه ثم طالعها لفترة من الوقت: -مش احنا اتكلمنا في الموضوع دا وقولتي ممكن تأجلي لبعد ولادتك ايه اللي اتغير
جذبت هاتفها وفتحته
-حبيبي دي جاتلي ومينفعش ارفضها، تخيل لما سيدة مرموقة من المجتمع الهولندي تبعت لي مخصوص علشان ارسم لها صورة بنتها. علشان خاطري ياجاسر بلاش تحرمني من الحاجة الوحيدة اللي بتسعدني.
نهض متجهًا للحمام مردفًا: -تمام ياجنى، بس متتأخريش قبل العصر تكوني هنا.
تنهدت بهدوء تضع كفيها على صدرها، ثم نهضت لتقوم بتجهيز نفسها
بمكان اخر لأول مرة نذهب إليه وخاصة الوادي الجديد تجلس تلك الفتاة تبلغ من العمر ثلاث وعشرون عامًا بجوار والدتها ترتشف قهوتها: -بابي هيفضل على طول كدا يامامي، يوم هنا وعشرة عند الست التانية
توقفت وداد من مكانها بعدما أغلقت جهاز الكومبيوتر وأجابت ابنتها.
-سمر احنا كدا احسن يابنتي، بلاش تستني من باباكي حاجة، شوفي ناقصك حاجة
نهضت من مكانها واقتربت من والدتها
-ناقصني أحس إن ليا أب ياماما، ليه بابا دايمًا مهشمنا من حياته، ليه مابيجيش غير مرتين في السنة دا ظلم وحرام يادكتورة. قطبت جبينها متسائلة: -ماما أنتِ مخبية حاجة مش كدا، احتضنت كف والدتها تترجاها
-مامي لو سمحتي عايزة اعرف ليه إنتِ وبابي عايشين كدا وليه قابلة على نفسك يتجوز عليكي.
خلعت نظارتها الطبية ثم قبلت رأس ابنتها: -علشان انا مبقتش عايزة اكمل مع ابوكي، بابا اتجوز لما حس اني خلاص مبقتش عايزة اكمل
ليه! صاحت بها الفتاة تبكي ثم تابعت حديثها بأنين: -مامي انا يُعتبر يتيمة ولا مرة فرحت في حياتي زي أي بنت
زفرة حارة من جوف السيدة التي تدعى ب وداد ثم تحدثت لتغير حديثها:
-عجبتك المهرة اللي بابا جابها. هنا فهمت أن والدتها لاتريد الحديث، فسحبت نفسها وتحركت لغرفتها.
بإدارة مكافحة المخدرات وعلى طاولة دائرية توقف أحد الظباط المرموقين أمام الشاشة وتحدث أمام الموجودين
- الأخبارية من مصادرنا مؤكدة هيدخل البلد خلال الايام الجاية أكبر صفقة سلاح ومخدرات البلد، واكيد الصفقة دي لو دخلت من قبل مانسيطر عليها هيكون كارثي
أشار إلى الشاشة ليظهر بعض الأفراد
دول اكتر الناس المشكوك فيها وطبعا دا استنادًا للمعلومات اللي وصلتنا.
تراجع باسم بظهره وأكمل: - دا النمساوي وفي السجن هو بنته
اتجه بنظره الى الشخص الآخر
اوووه نعمان التميمي. ودا مش عارفين نمسك عليه حاجة. اومأ الظابط
-بالظبط يافندم. اتجه إلى اخر صورة وتوقف متسائلاً
-مين دا؟
أشار الظابط إليه قائلاً؟
-دا نائب شعب سابقًا وصديق لنعمان التميمي تربطهم علاقة صداقة، عايش في الوادي الجديد اسمه هادي الجيار، . تابع حديثه أثناء ظهور صور اخرى قائلًا: --له بنت من دكتورة بيولوجية البنت شغالة مُدرسة انجليزي في مدرستهم الخاصةبعد رفضها شغلها بالجامعة، علشان تبقى قريبة من مامتها، متجوز واحدة تانية بتكون اخت التميمي اسمها زهرة، عنده ولد اسمه عزيز شغال مع أبوه وهو اللي مسيطر على شغله وشغل خاله.
الشبكة دي أكيد بيرأسها اكتر من دول. قالها أحد القادة المرموقين.
أشار قائد آخر على الصور التي أمامه
-دلوقتي فكرتك عجبتني ياباسم، لكن مين الظابط اللي يقدر يدخل بينهم من غير مايحسوا
استند باسم على طاولة الاجتماعات وتحدث بإبانة: -مش أنا صاحب الفكرة، ابن جواد الألفي هو اللي قالي على الفكرة دي، بس طبعًا هو اللي عايز يقوم بالمغامرة دي وانا مش موافق
نظرات بينهم باعتراض.
-وليه الرفض!، بدل هيعرف يحقق اللي عايزن نوصله. توقف باسم واتجه الى الشاشة يشير على بعض الأشخاص
-اول حاجة علشان جاسر اتحرق قدام عزيز التميمي لما اتخطف بعد خروجه وعرفوا أنه ظابط وكمان عرفوا أنه مسك القضية لفترة، ثانيا ودا الأهم جاسر متهور يعني معندوش ضبط انفاعلي وممكن يخسر حياته مجرد أن مهمته تنجح ودا اكيد مش هوافق عليه
تحدث أحد القادة الآخرين: -جواد يعرف إن ابنه عايز يتولى المهمة.
-عرف ورفض. وطبعا انا مع قراره
قطعهم أحد القادة الأخرين.
-بس دا يعتبر الأعظم شئنا بينهما، لازم جواد يقتنع
-عايز الظابط دا، وبعد كدا هنشوف ايه القرار اللي نقدر نوافق عليه. القضية قضية وطن
بأحد المراكز بمحافظة العريش يجلس بمكتبه وأمامه جواد
زي مااتوقعنا وزي مارسمنا، هما خلاص مفكرينك بعدت، وخاصة بعد نقلك الوهمي لبور سعيد
نقر على المكتب واجاب جواد.
-بس موضوع السفر دا مرهق ولازم نشوفله حل، لولا تعينك اتنقل كاان ممكن يشكوا، المهم اسمعني ياجواد عارف بتقل عليك، بس انت أكتر واحد بثق فيه
-الميكرفون دا لازم يدخل وسطيهم ياجواد، ازاي حاول تفكر معايا
حك جواد ذقنه ثم اجابه: -جاسر زيارة عزيز التميمي للمركز مش مريحاني، نظراته بتوحي بحاجات تخوف. قطع حديثهم رنين هاتفه
-ايه حبيبي.!
-وحشتني. توقف جواد مستئذنا، انا برة لما تخلص تليفونك، اومأ له دون رد.
علي الجانب الآخر أجابته بصوتها المبحوح اثر استياقظها من النوم
-حبيبي هترجع إمتى؟
ابتسم يراودها: وقت مااوحشك، شوفي وقت ماتحسي انك عايزاني هتلاقيني عندك
اعتدلت جالسة وتمتمت بصوت مرتفع
-طب إنت وحشتني وتعالى ياله
قهقه بصوته الرجولي الذي ذبذب كيانها فتنهدت بحزن: -على فكرة حرام عليك، علشان بتلعب بمشاعري
-جنة حياتي إنتِ، على اخر الاسبوع حبيبي معايا قضية وبنخلصها، بعدها هتلاقيني في حضنك.
توردت وجنتيها من كلماته، وصمتت تستمع إلى كلامه المعسول الذي يجعل دقاتها كالبركان.
-ساكتة ليه حبيبي!
افلتت نفس عميقًا بكم اشتياقها له
-جاسر عارف أنا بدأت الشهر السابع دلوقتي وانت كل اللي حضرته في حملي مجرد ايام معدودة، بجد وحشتني قوي ومبقتش متحملة غيابك اكتر من كدا
توقف من مكانه واتجه لنافذة مكتبه ورد عليها بتروي: -آسف ياجنجون، مش أنتِ قولتي هتدعميني ياروحي.
-طبعا حياتي ربنا يوفقك، لكن غصب عني والله، المهم نستني فيه حفلة يوم الخميس لأكبر المشاهير في البلد وجالي دعوة حبيبي وفيها ناس مهمة في مجال عملي وعايزة أحضرها
-لا. قالها سريعًا دون تفكير ثم أردف لينهي الحديث: -لازم اقفل دلوقتي عندي شغل مهم، هكلمك بعدين
-جاسر استنى. تحمحم لينهي الحديث دون ازعاجها
-حبيبتي جواد جه عندنا شغل سلام.
جلست على الفراش تنظر بحزن حتى لم تسيطر على دموعها التي انسابت رغمًا عنها. ولجت غزل تحمل راسيل
-شوفتوا مين الحلو اللي جاي يصحي خالتوا علشان تنزل تفطر مع نانا. نهضت سريعا متناسية أحزانها ولكن غزل التقطت حزنها، حملت راسيل
-البنت دي عايزة اكلها ياماما غزل عايزة اكلها. قالتها وهي تداعب راسيل من عنقها، حتى ارتفعت ضحكات الصغيرة تضرب على وجه جنى
رفعت ذقنها تبعدها عن راسيل: -ليه الحزن دا على الصبح ياجميلة.
تذكرت مكالمة زوجها فهزت رأسها وابتسمت مفيش قايمة من النوم مش في مودي
اخذت الطفلة ووضعتها على الأرض و أعطتها لعبتها، ثم جذبت كفيها وأجلستها بجوارها:
-احكي لماما. مش احنا اتفقنا نتعامل زي البنت وامها
أغمضت عيناها وانسابت عبراتها رغمًا عنها تشير لنفسها: -مفيش ياماما أنا بس اللي بقيت مش متحملة يمكن من الحمل أو بُعد جاسر معرفش.
احتوت وجهها تزيل عبراتها: -يعني مش مخبية حاجة. هزت رأسها بالنفي وحاولت أن ترسم ابتسامة قائلة: -ابنك وحشني بس
قهقهت غزل بدلوف ربى ابنتها
-مامي بتعملي ايه بدور عليكي. توقفت تنظر لأبنتها بتمعن
-مالك ياروبي؟
هوت على المقعد قائلة: -جنبي وجعني قوي ياماما. قالتها مع صرخة ليصل إليهم الجميع
قامت غزل بفحصها تشير إلى أوس
-شيل اختك على المستشفى ممكن يكون الزايدة، لازم فحص بالأشعة.
كانت تبكي بصرخات، حتى تأكدت غزل من التهاب الزايدة لديها، باليوم التالي بالمشفى كان عز يغفو على مقعد يجاور فراشها. ربتت نهى على كتفه متمتمة: -حبيبي قوم ارتاح وانا وغزل هنا
هز رأسه رافضًا حديثها: -ارتاحي أنتِ حبيتي وانا لما هتعب هقوم أكيد.
جلست بجواره تنظر إلى نوم ربى
-الدكتورة قالت هتفوق بعد ساعة لسة، قوم ارتاح طيب في الأوضة التانية، ياله حبيبي متخافش عليها
اتجه بنظره إليها ثم إلى والدته وتمتم.
-طيب عندي حل احسن، خدي طنط غزل وروحوا علشان زمان ايهم مش مبطل عياط وانا هفضل هنا
قاطعهم دلوف جاسر ينظر إلى أخته بلهفة: -مالها ربى.! توقفت نهى
-اهدى حبيبي الزايدة التهبت والدكاترة تدخلوا، الحمد لله شوية وتفوق.
طالعه عز بتفحص: -إنت مروحتش. هز رأسه بالنفي واتجه إلى أخته، انحنى يطبع قبلة مطولة على جبينها: -حبيبة قلبي ألف سلامة. همست رُبى باسم زوجها، فاعتدل جاسر متجها بنظره الى والدته التي تغفو على الفراش الآخر ثم تحرك متجها إليها بعدما جلست على دخوله
-حمد الله على السلامة حبيبي مكنتش بتقول هتيجي اخر الاسبوع.
اقترب يقبل رأسها مبتسمًا: -يعني توحشيني ومجيش ياست الكل، غمزت له: -أنا بردو، نظرت لثيابه متسائلة: -إنت جاي من المطار ولا ايه
اومأ لها قائلاً: -يعني لو معرفتش من ياسين مكنش حد هيقولي. نهضت تعدل ثيابها بسبب نومها واتجهت لفحص ابنتها
-مفيش حاجة حبيبي تستدعى الخوف، وبعدين انت قولت عندك شغل محبتش اقلقلك.
جنى في الأوضة التانية على فكرة مردتش تروح هي كمان يعني لو عايز تشوفها.
أشار على رُبى ورغم لهفة قلبه على معشوقته: -طمنيني الأول ياماما عليها، معايا عشر ساعات بس ولازم ارجع. توقفت تطالعه بنظرات غير راضية، فتدخلت نهى: -سبيه ياغزل خليه يشوف مستقبله، ربنا يحميك ياحبيبي. ابتسم لها ثم اتجه لوالدته التي اردفت: -شوية وهتفوق كل حاجة تمام. استدار يسحب عز الصامت
-ايه اللي حصل خلاها كدا
جلس يمسح على وجهه واجابه
-أنا مكنتش موجود، توقف يطالعه.
البنت اللي راكان بعتها دي طلعت مصيبة وابوك قالب الدنيا
طالعه بجبين مقتطب وتسائل: -أزاي مش فاهم!
زفر بحزن واسترسل حديثه: -معرفش دا عند حضرة اللوا، أسأله
توقف متجها إلى زوجته، وقف لدى الباب يشير إلى عز: -فيه حد معاها في الأوضة.
هز رأسه بالنفي، فخطى للداخل يبحث عنها بنبضه قبل عينيه، وجدها تغفو، وخصلاتها متمردة على الوسادة، كور قبضته بعدما خيل له أحدًهم يراها بذاك الوضع. خطى إلى أن وصل إليها، ولم يشعر بنفسه سوى وهو يلتقط تلك الكريزة لتفتح عيناها بذهول من وجوده، اعتدلت سريعًا تحتضنه
- جاسر. ضمها بحب مراعيًا حملها.
-روحه ياقلبي. أخرجها من أحضانه ينظر لبطنها المنتفخة قليلا: -صباح الخير ياحلو بابي هنا. قالها وهو يجلسها بأحضانه يحتوي احشائها بكفيه. وضعت رأسها على صدره
-كدا ياجاسر عشرين يوم والله حرام
أوقفها يضع سبباته على فمها
-قومي البسي حجابك مفيش وقت، هنروح بيتنا.
طالعته بدهشة متسائلة: -وروبي، مينفعش
نهض ينظر بساعة يديه: -جنى هعدي على ربى كنتي لبستي ياله. قالها وتحرك للخارج.
بعد قليل بسيارة ياسين
-بتقول ايه. وليه طالبني ياعمو
اجابه باسم: -لما تيجي هتعرف، تأفف بضجر يرجع خصلاته للخلف بحركة تنم عن غضبه وأجابه: -تمام نص ساعة واكون عند حضرتك. توسعت عيناها تنظر إليه بذهول: -إنت هتروح له. جذب رأسها لاحضانه
-حبيبي هوديكي حي الألفي واشوفه عايز ايه وارجع لك مش هتأخر
تنهدت دون حديث، وصل بعد قليل متوقفًا بالسيارة أمام منزل والده: -انزلي ياجنى ياله. استدارت إليه.
-يعني جاي بتقولي 10 ساعات وكمان هتضيعهم في الشغل، امال يطبع قبلة على جبينها
-ياله جنجونة قلبي هعوضها، لازم امشي، ياسين منتظر عربيته. فتحت باب السيارة تصفعه غاضبة
-امشي ياجاسر، وياريت ترجع شغلك تاني
بعد عدة ساعات
جلست بالشرفة تنتظره، لمحت طيفه يدخل إلى منزل عمتها تراجعت لداخل الغرفة تراقبه من خلف الستارة وهاتفته متسائلة: -حبيبي اتأخرت قوي، قولت ساعتين ودلوقتي عدى اكتر من أربع ساعات.
نظر حوله اولا ثم أجابها
-قدامي شغل كمان شوية ياجنى، نامي حبيبتي ممكن اتأخر. قالها وأغلق الهاتف. شعرت بنيران تضرب صدرها
-ياكذاب يامحتل شغل. تمام يابن عمي
-دلف بعد فترة للغرفة. وصلت رائحة غريبة لأنفه. وضع كفيه على أنفه ينادي عليها، ولكنه تسمر بوقوفه بعدما وجدها تفترش الأرض وتأكل من تلك الروايح. تحدث بنبرة مقززة
-ايه اللي بتكليها دا!
رفعت إحدى انواع السمك إليه
-دا فسيخ وبصل ياحبيبي.
-في ايه ياختي، وايه! زمت شفتيها وتذكرت مافعله بها فهبت من مكانها وانتوت أن تأخذ حقها من ذاك الالعوباني كما وصفته
طالعها بهدوء ومن خبرته بها علم أنها تنتوي على شيئا مريبًا فهتف سريعًا.
-هعمل فيكي زي اخر لو شيطانك وزك، اهدي وقولي هديت جنانك دا عند ابوكي مش عندي خالص، اقتربت بخطى سُلحفية وبيديها تلك السمكة تتلذذ بمذاقها، وهو يتراجع للخلف يشير بيديه: -والله المرة دي ياجنى لو حاولتي تتلاعبي معايا هنومك من غير هدوم، وانتي عارفة اعمل ابوها، لم تهتم لحديثه واقتربت ومازالت على وضعها توقفت فجأة وهي تقول: - أنام من غير هدوم. اومأ برأسه ظنا أنها تراجعت ولكنها اقتربت فجأة منه قائلة: -دا من غير هدوم احسن، أهو الجو حر وانت عارف ياحبيبي مراتك مابتتحملش الحر. قالتها وهي تمسح كفيها بملابسه واستدارت وكأنها لم تفعل شيئا.
جز على شفتيه وهو يخلع قميصه يلقيه بعنف موبخًا إياها من رائحته ورائحة الغرفة، دلف إلى الحمام سريعًا وهو يضع كفيه على أنفه
-اوووف، ريحة مقرفة، والله ماهعديها يابنت صهيب. جلست على المقعد ووضعت قدميها فوق الطاولة متراجعة بجسدها تضحك بصوت مرتفع
-علشان تعرف تكذب عليا يابن عمي حلو، واه ياريت ترجع شغلك، خلاص مش عايزة منك حاجة، اصل لقيت ريحة الفسيخ احسن منك.
توقف عن السير يرمقها بنظرات نارية، ثم أشار إليها: -هدخل اخد شاور عارفة لو طلعت ومالقتش الأوضة مهيئة للنوم، وغيرتي باربي اللي انتي لابسها دي اقسم بالله
دفعت الكرسي وتوقفت قائلة: -من غير ماتقسم ياحبيبي هو انا اطول برضوا انام في حضن جوزي اللي غايب بقاله عشرين يوم. قالتها وتحركت متجهة إليه، تراجع بجسده
-لو قربتي بريحتك دي والله، دلفت للحمام تهز كتفها.
-هقرب ليه هدخل اخد شاور، وانت شوف لك حمام تاني. تمتمت بها وأغلقت الباب: توقف للحظات ينظر لباب الحمام المغلق ثم استنشق رائحته كفيه بتقزز متجهًا إلى الحمام الآخر
بعد فترة عاد وهي مازالت بالحمام، شعر بالقلق عليها. طرق الباب.
-جنى إنتِ كويسة، كانت تجلس بأرضية الحمام تقوم بتقئ ما في معدتها، لقد ضغطت على نفسها واكلت ذاك السمك حتى تغيظه. طرقات خلف طرقات ولم يعد لديها القدرة على الوقوف أو الرد، وغمامة سوداء تحاصر جسدها ولم تقو على سيطرتها. دفع الباب ودلف للداخل، اهتز جسده من مظهرها وتحرك إليها سريعًا
-حبيبتي ايه اللي حصل، حاولت دفعه ولكنها لم تقو. ساعدها بالوقوف لتستند على جسده
-جاسر أنا اسفة، ريحتي وحشة.
حاوط جسدها ينزع ثيابها متجهًا لكبينة الأستحمام متناسيا رائحة تلك الأسماك التي تحاوط جسدها. دقائق وهو يحاوطها لإنهاء استحمامها وهي تستند بالكامل عليه بعدما خارت قواها بالكامل. اجلسها على حافة البانيو واتجه يملأ بعدما وجد الرائحة مازالت موجودة، وضعها بهدوء في البانيو لفترة ثم أخرجها يساعدها على ارتداء ثيابها.
-مش عارف اقول ايه بس. حاوط جسدها بعدما وجد قوتها الواهية واتجه بها للخارج. دثرها بعدما وجد ارتعاشها
-اهدي ياقلبي شوية وترتاحي، ممكن يكون من الترجيع. أغمضت عيناها بضعف فلقد انهكها الاستيقاء
ظل لبعض الوقت بجوارها، استمع لرنين هاتفه
-كلمتك كتير مبتردش
اجابه راكان وهو يستقل سيارته
-كنت في مرافعة. خير في حاجة
-لازم نتقابل مينفعش الكلام في التليفون، ربع ساعة ونتقابل في مكانا.
-اوكيه. قالها راكان واغلق الهاتف، أما ذاك الذي انحنى يطبع قبلة على جبينها ثم تحرك للأسفل ينادي على العاملة
خرجت الخادمة سريعا
-نعم ياباشا، اطلعي فوق الجناح ينضف بالكامل وروايحه تتغير، . ساعة وارجع الاقيه تمام. قالها وارتدى نظارتها متحركًا للخارج. توقفت تطالع تحركه ثم صعدت للأعلى وهي تتحدث بهاتفها
-اول مرة ادخل اوضته اهو ياباشا، قولي احط البتاع دا فين
توقف احدهم يصرخ بها.
-اقفلي ياغبية بتلكميني من بيت ظابط، تلاقي المراقبة لقطتك
تبسم الآخر الذي يجلس على جهازه يهز رأسه ثم رفع هاتفه
-ازيك ياحضرة المستشار!
-اهلا بسيادة اللوا، ازي حضرتك
كانت نظراته على جهازه ثم تحدث باستبانة: -البنت اللي في الشركة مستبدلة ياراكان مش هي نفس البنت اللي بعتها. توقف مصطدمًا بسيارته حتى ارتفع صوت إطارها
-مستحيل ازاي دا يحصل، لا ممكن بعد اذن جنابك تبعت لي التفاصيل.
أغلق جواد ضاغطًا على الرسائل أمامه. استمع الى طرقات على باب مكتبه دلف باسم
-لو مجتش حضرتك متعبرنيش، توقف مبتسمًا
-اهلا حبيبي، عامل ايه وابنك عامل ايه
كلنا تمام الحمد لله. طالعه جواد باغته متسائلّا ياترى ورا الزيارة الحلوة دي ايه: قهقه باسم، وانحنى يرمقه بنظرة ذات مغذى: -عايزينك في الإدارة ياباشا
تراجع جواد يعقد ذراعيه على صدره.
-بطل صياعة وهات من الاخر انت كبرت على كدا، انت عارف انا خلاص مش راجع تاني ودا مش لحاجة، لكن حقيقي تعبان كفاية عليا الولاد ومصايبهم
أدار باسم تلك التحفة التي توضع على مكتبه
-بتكلم جد ياجواد محتاجينك في الإدارة، قضية كبيرة وناس كتيرة يعتبر حماية البلد.
إتكأ على مقعده ونظراته تحاوط باسم قائلاً: -على عيني ياباسم، لكن عندي اللي يمنعني، حالة قلبي ماتتحملش صدقني، لو تلاحظ مبقتش أخرج زي الاول وكل شغلي على التليفون واللاب
-أنت مخبي عليا ايه يا صاحبي. هز رأسه: -مفيش شوية تعب ومش عايزهم يأثروا على الصحة العامة.
اومأ باسم برأسه ثم دقق النظر بعينيه يستشف أي شيئا، ولكن خاب ظنه، استند على المكتب بذراعه: -طيب اسمعني كويس علشان مترجعش تقول خبيت عليك. قص له ماسيفعلونه. هب من مكانه مستندا بذراعه: -ابني لا. ابعد عن جاسر ياباسم، وقولت لك قبل كدا الموضوع منتهي، ابعد جاسر ياباسم لو سمحت، انا مش متحمل وجع تاني
-إنت اللي بتقول كدا ياجواد
قطع حديثهما دلوف الخادمة بمشروبتهما. وضعتها فأشار لها بالخروج.
-الموضوع دا تنساه سمعتني، أدار جهازه يشير إليه
-اتفضل جوا بيتي من مجرد اسم ابني بقى عندهم، تخيل بقى لو وصلهم اللي عايزين تعملوه، باسم ابني لا ومش هتكلم تاني
-معقول ياجواد، كنت مفكر انك مستحيل تعارض.
أشار على قلبه: -دا ضعف ياباسم مبقاش متحمل بحاول اكون قوي قدام الكل، بس الحقيقة أنا خلاص مابقاش فيا حيل افضل طول الوقت قلقان على ابني، كفاية عليا ياسين لو سمحت، انا هنا بكون على نار وهو هناك على الحدود، فقدان الولد اهون من انتظار خبره ياباسم انا عايش كل دقيقة وهم بعيد عني على اعصابي مش اعتراض أبدًا انا استودعتهم عند ربي، بس دا ميمنعش اني اخاف عليهم. اومأ باسم متفهمًا.
-ابنك عايز كدا. وانا قولت لا ياباسم قالها لأول مرة بعصبية حتى فقد السيطرة على اعصابه، وهاج: -جاسر لسة لحد دلوقتي متهور ابني وعارفه، عايز يوصل بسرعة، حتى ولو على حساب نفسه وعيلته، مش قادر يستوعب مراته حامل لقدر الله لو حصله مكروه ممكن يخسر كتير، انا بقول لو مجرد مكروه تخيل بقى لو وصلوا لنقطة زي ابنه ومراته، انا عيشت الأحداث دي وانت اكتر واحد قد ايه عانيت منها، ياريت ياباسم تحاول تقنعه، صهيب ضغط عليه بجنى، لكن هو متهور مش عايز يوزن الامور، مفيش حاجة بتيجي من يوم وليلة.
بعد فترة دلفت غزل إليه وجلست بمقابلته، خلع نظارته الطبية واتجه ببصره إليها: -مالك ياغزل؟
استدارت إليه تضع أمامه بطاقة دعوة: الكارت دا جه لجنى من شوية، امسك الكارت يطالعه ثم ابتسم
-برافو عليها حبيبة عمو، عرفت توصل لقلوب الناس بسرعة
اشاحت غزل بنظراتها بعيدًا عنه مردفة: -بس ابنك رافض تحضر الحفل، نظر إليها بذهول
-دا اتجنن، هي اللي قالتلك.
هزت رأسها بالنفي: -سألتها أنكرت، لكن عرفت من جاسر. كور جواد قبضته ثم نهض من مكانه: -هو فين دلوقتي
-خرج مع جواد من شوية.
-ابعتيلي جنى، وعايزك ترتبي تحضريها للحفل
-جواد ايه اللي بتقوله دا هتروح إزاي
-غزل انا لسة عايش ممتش علشان ابنك يتحكم فيها كدا، يروح يتعلم من عز اللي من مكان لمكان خلف ربى، الواد مبقاش حد قادره
مساء اليوم التالي، تجهزت جنى تنتظر ياسين لتوصيلها. دلفت عاليا إليها.
-الله الله ياجنجون طالعة قمر حبيبتي احتضنت كف عاليا
-أنا مضايقة علشان جاسر لو عرف هيقلب الدنيا عليا
رفعت ذقنها واجابتها
-هو إنتِ اللي طلبتي ولا عمك اللي أمرك بكدا، حبيبتي اكيد جاسر هيتفهم الموضوع، هو غيور شوية، حاولي تراعي الحتة دي، ابتعدي عن الأجواء اللي تضايقوا، أهم حاجة انك ترفعي اسم الألفي وتطلعي قد الثقة
ابتسمت تشير بيديها
-ياسين مستنيكي تحت، ومش هيسيبك، خلي بالك لو حد عاكسه هنفخك أنتِ وهو.
ضحكت جنى بصوتها الناعم: -حاضر هقدمه على أنه صديقي المقرب.
لكزتها وهما يتحركان مردفة: -لا حبيبتي قدميه على أنه جوزك. توقفت جنى تطالعها بذهول: -لا طبعا بعد الشر على جاسر، ربنا مايحرمني منه يارب
وصلت حيث وقوف ياسين، رمق عاليا بنظرة خاطفة يغمز لها بطرف عينيه
-جنجون هتتخطف مني النهاردة، تخيلي كدا لو حضرة الظابط قفشنا. اقترب جواد يطبع قبلة مطولة على جبينها.
-بنتي الحلوة يحللها كل حاجة، وبعدين الحلو لازم يتخطف، استدار يلكم ياسين بخفة: -إنت اهبل يالا. اومال رايح ارجوز معها ولا ايه، عيونك عليها
-روحي لبابا، حاولي متتأخريش
اومأت برأسها وتحركت.
بعد قليل وصل جاسر متوقفًا أمام جواد حازم: -هبدأ من اول الاسبوع، عايز اقعد كام يوم هنا علشان جنى بقت تزعل من غيابي، عايزك تمشي زي مارسمنا بالظبط
-إن شاءالله حبيبي، ربنا يوفقنا ونقدر نعمل حاجة. تحرك إلى منزله.
دلفت غزل الى جواد: -جاسر رجع هو مش المفروض سافر
نظر بساعة يديه وأجابها
-لا هو هيسافر أول الشهر
جحظت عيناها مصدومة: -أكيد بتهزر ياجواد، انت هتولع الدنيا بينهم كدا.
-ليه ياغزل، اولع بينهم علشان قولت للبنت روحي حققي نجاحك، طيب ماهو بيسافر الأسابيع علشان نجاحه، ياريت ماتدخليش بينا ياغزل. اطلعي اوضتك وقولي له ينزلي
-جواد لو سمحت
غزل. صاح بها غضب، ثم اقترب منها.
-من إمتى كلامي مابيتسمعش ايه يامدام شوفتيني كبرت وخرفت ولا ايه. قولت اطلعي وابعتيه. هزت رأسها وتحركت متجهة للخارج
كان متجهًا للأعلى فتوقف عندما صاحت غزل
-جاسر كلم بابا!
قطب جبينه وتسائل: -ليه تعبان ولا حاجة. تحركت من جواره تحاول ألا تضعف أمامه
تحرك ملقيًا السلام على والده
-عامل ايه ياسيادة اللوا، أشار جواد بعينيه على المقعد
-اقعد عايز اتكلم معاك في موضوع مهم
توقف أمام والده مذهولًا!
-ايه اللي حضرتك بتقوله دا
رفع جواد فنجانه وارتشف بعض منها ثم رفع نظره إليه
-بقولك حفلة فيها جميع المشاهير، وجالها دعوة ليه اخليه ترفضها، مراتك من حقها تحقق ذاتها، ايه الغلط في كدا
تلاحقت انفاسه من شدة نيرانها، وانتباته حالة من الجنون فمن يقترب منه الان سيحترق بها، حاول السيطرة على غضبه احترامًا لشخص والده.
سحب نفسًا عله يستطع الحديث، ثم جلس على المقعد ونظرات جواد تحاصره من حينٍ لآخر، نظر لردود أفعال وجهه التي تكاد تنفجر من الغضب. حاول تهدئته.
-اسمعني كويس ياجاسر، أنا مبحبش ادخل في حياة حد فيكم وزي ماانت شايف، رغم مصايبك في بداية جوازك بس كنت بسيبك مكنتش بدخل، ودا مش علشان اني مقدرش. لا دا علشان حياتكم الشخصية، لكن أفعالك مبقتش تحتمل، رغم أنا بغلط صهيب وعز لكن إنت تجاوزت كل الحدود، وتأكد لولا البنت بتحبك وباقية مكنتش اتحملت اللي انت عامله دا.
ارجع جسده متكئا على ظهر مقعده الجلدي وتابع حديثه: -مراتك دلوقتي ليها جمهور واسم بين الناس، ودا من اجتهادها وحبها لشغلها غير طبعا موهبتها اللي وصلتها لكدا، مش من حقك انك توقف قدام نجاحها وخاصة بعد ماوصلت للمكانة دي
تفاقم الغضب بداخله من حديث والده، واكفهر وجهه فاتجه بنظراته الغاضبة
-أنا مش عايز النجاح دا يابابا، مستحيل اوافق على كدا
توقف جواد من مكانه واستدار يجلس بمقابلته.
-يبقى انت اناني زي ماعمك قال ياحضرة الرائد، مراتك النهاردة اختروها سفيرة النوايا الحسنة لحب الجميع لشخصها، ادخل وشوف الناس بتتكلم عنها ازاي، ولا معجبينها بيزدوا ازاي.
امال بجسده وغرز عيناه بمقلتيه
-لوحاتها بقت بتطلع للخارج، وعليها اقبال وحضرتك جاي عامل فيها ابو لهب وتقول يجوز ومايجوزش
يبقى اسمح لي هنا انا اللي هقف لك وأقولك انت اناني.
هب من مكانه وأشار لوالده ملوحًا بكفيه بالهواء مستطردًا بهياج بعدما فقد السيطرة على نفسه
-محدش له يدخل بينا حتى لو حضرتك مع احترامي لحضرتك دي مراتي انا، وأنا بقولك الحال دا ميلزمنيش، وبدل راحت الحفلة من غير اذني يبقى تتلقى وعدها بقى
قالها وغادر سريعًا كالمطارد
تحرك إلى سيارته واستقلها متجهًا إلى المكان الذي يوجد به الحفل
قاد السيارة بسرعة جنونية كعاصفة هوجاء تلتهم كل من يقابلها.
غزل صاح بها جواد، لتخرج من غرفتها مهرولة
-في ايه. كلمي جنى بتصل بيها مبتردش، حاولي توصلي لها وانا هلحق ابنك المجنون، لو ردت عليكي خليها تخرج من الحفلة
بالحفلة كانت تقف بجوار ياسين، نظرت حولها ثم أردفت: -ياسين ياله نمشي. استمعت إلى اسمها يردد بالمذياع، اومأ لها ياسين، وسحب كفيها متجهًا إلى المكان المسموح لها بالوقوف
-اتفضلي مدام جنى الكلمة لكِ.
-شكرا كثيرًا للموجودين، وشكرا لثقتكم الغالية لشخصي، كنت أتمنى أن أحظى بتقديركم لشخصي، سعدت كثيرا باختياري لمنصب كهذا، ولكن عفوا اعتذر وأتمنى أن تقبلوا اعتذري لأكون ممتنة دون أن تفهموا رفضي بطريقة خاطئة، فأنا بعد عدة أسابيع سأحظي بجنيني ولم افكر بالابتعاد عنه، شكرا كثيرا لثقتكم الغالية وأتمنى أن تقبلوا اعتذاري. قالتها متجهة تهز رأسها بإمتنان لهم ثم تحركت إلى ياسين الذي ذهل من رفضها. سحب كفيها يساعدها على الحركة، ليصلا إلى طاولتهم المخصصة: -جنى ايه اللي عملتيه دا. طالعته معتذرة.
-مقدرش ياسين مش عايزة جاسر يزعل، وفي نفس الوقت ابني هيجي قريب. عايزة اهتم بابني وجوزي ماليش أنا في الشعارات دي.
وياله بقى علشان بجد حاسة اني بسرق، ابتسم وتحرك للخارج بجوارها وهناك أعين كانت تحاصرهما مع التقاط صورهما. خرج بجوارها متجهين لسيارته ولكنه توقف متسمرًا بمكانه وهو يرى جاسر مترجلا من سيارته: ارتجف جسدها من هيئته، مع ارتفاع رنين هاتفها، توقف يشير بيديه بطريقة مسرحية.
-اهلا مدام جنى، نورتي الحفل والله، ياترى الأميرة عيونها سفيرة علشان تحل المشاكل ولا علشان تعرض جمالها قدامهم. اقتربت منه تحتضن ذراعيه
-حبيبي ممكن نتكلم في بيتنا مينفعش كدا. اومأ برأسه وضحك ساخرا
-أيوة ماهو المدام مشهورة، أشار لبعض الكاميرات التي تلتقط صور المشاهير
-وبقت قدام الكاميرا فنانة عالمية
حاولت سحب غضبه فلفت ذراعها حول خصره: -نمشي حبيبي لو سمحت، لينا بيت اعمل اللي انت عايزه.
انحنى يحتضن ثغرها مع التقاط الصور حولهما، ثم رفع رأسه غامزا لها
-الصورة كدا أحسن ياروحي. جز ياسين على شفتيه بغضب، وتحرك إلى ذاك المصور بعدما حاوط جاسر خصرها وتحرك لسيارته مغادرًا المكان
توقف أمامه يخرج صورته العملية
-عايز الفيديو اللي اتصور حالا، تراجع الصحفي معترضًا ولكنه حاوره بطريقته ليجذب منه كاميرته ويقتطف ذاك الفيلم متحركا لسيارته دون حديث آخر.
وصل إلى منزله بعد قليل، وصعد إلى الغرفة دون حديث، دلف للحمام دقائق، وخرج يتمدد على فراشه دون أن يخاطبها، اقتربت منه وحاولت الحديث معه ولكنه لم يعريها اهتمام
بالصباح الباكر استيقظ من نومه وجدها تغفو بأحضانه رغم شعوره بها طيلة الليلة إلا أنه لم يحزنها وضمها لأحضانه. انحنى يطبع قبلة على جبينها
-أنا بقى لازم اعاقبك عقاب متتخيلهوش ياروحي.
استيقظت بعد فترة تبحث عنه، لم تجده، تنهدت ظنا أنه بالاسفل، اتجهت بعد قليل للأسفل تجلس على طاولة الطعام بعد إلقاء تحية الصباح
-هو جاسر فطر ولا خرج من غير فطار محستش بيه. رمقت غزل جواد بنظرة حزينة ثم اجابتها
-لا هو سافر حبيبتي لشغله
-ايه سافر!
بعد شهر كان يقود سيارته الجيب مرديًا نظراته الشمسية يتحدث بهاتفه
-انا عندي شغل مهم قوي ياجنى، مينفعش اسيبه.
أجابته على الجهة الأخرى وهي تجلس بألم بسبب ثقل جسدها فلقد أوشكت على انتهاء الشهر الثامن
-جاسر حاسة هولد قبل ميعادي بقولك اهو مستحيل أولد وانت مش موجود، كفاية عقاب بقى حرام عليك وحشتني يارب اموت لو محضرتش توقف مرة واحدة حتى أوشكت السيارة على الانقلاب
-بعد الشر عليكي، ليه تقولي كدا، عايزة توجعي قلبي وخلاص، جنى أنا مضغوط بالشغل عارف اني تعبتك وزودت تعبك بغيابي لكن والله غصب عني حبيبي.
بكت بصوت مرتفع تمسح دموعها
-أنا ماليش دعوة من حقي تبقى موجود جنبي الفترة دي، ودلوقتي انا تعبانة وعايزة ارتاح قالتها وأغلقت الهاتف وانهارت تبكي بصوت مرتفع
استمعت عاليا لصوت بكاؤها فدفعت الباب تبحث عنها
-جنى مالك حبيبتي؟
احتضنت عاليا وصوت بكاؤها لم تسيطر عليه حتى وصل إلى غرفة أوس بالطابق الأسفل، تحرك إليها سريعا ظنا أنها تتوجع بحملها. طرق على باب الغرفة
-جنى ادخل. اتجهت عاليا إليه سريعًا.
-اسفة ياباشمهندس ممكن طنط غزل تطلع تشوفها انا معرفش مالها
اومأ متفاهمًا وهبط للأسفل يبحث عن والدته
دقائق وصعدت غزل وجدتها تغفو على ساق عاليا تغفو ولكن شهقات بكاؤها متواصلة. دلفت تنظر لهيئتها بخوف
-حبيبتي مالها جنى. مسحت عاليا دموعها التي انزرفت رغما عنها من حالة انهيارها
-معرفش دخلت لقيتها كدا. جلست بالجانب الآخر تجذب رأسها من فوق ساق عليها تضمها لأحضانها.
-جنجون حبيبتي مالك أنتِ تعبانة، حاسة بإيه أغمضت عيناها قائلة: -عايزة انام. عايزة انام بس
مسدت على خصلاتها بحنو أموي تهمس لها بحنان أموي
-حبيبتي الجميلة نامي ياقلبي، ظلت لبعض الوقت ثم همست لعاليا
-قومي خدي راسيل من جواد عنده ايهم ومسك زمانهم جننوه
توقفت تشير إليها
-أنا هبات معاها مستحيل اسبها كدا
-شكرا ياعاليا على وجودك دايما جنبها، ربنا يبارك فيكي حبيبتي.
-ايه اللي بتقوليه دا ياطنط، جنى اخت ليا مش مجرد مرات اخو جوزي
استمعت لصوت ياسين بالأسفل
-هنزل شكل ياسين وصل. اومأت لها بإبتسامة فصاحت بها
-عاليا. أنا هبات مع جنى خليكي مع جوزك يابنتي مينفعش يكون راجع من سفر وتباتي برة. توردت وجنتيها مبتسمة ثم تحركت
بعد قليل دلف جواد إلى غرفة جنى
-نهى وصهيب كانوا هنا وعايزين يشوفها، قولت لهم انها نايمة، محبتش يشوفوها كدا
تنهدت غزل تنظر إلى نومها بأسى.
-ينفع اللي ابنك بيعمله دا شهرين وهو غايب عن مراته، دا ياسين معملش زيه في آخر أيام ولادة عاليا، جلس بالجانب الآخر بجوارها
-ابنك دا حيوان ولما يرجع بس. يارب ميكنش اللي بفكر فيه يطلع صح
المهم نامي حبيبتي جنبها وانا عندي شوية شغل تحت
أومأت برأسها ووضعت رأسها بجوار جنى بعدما فقدت اتزانها بسبب شعورها بالنوم.
عند جاسر تحرك بطريقه المعتاد نظر لتلك المهرة التي تتحرك أمامه بسرعة، فضغط على مقوده لتسرع السيارة بطريقها
توقفت الفتاه تشير إليه بغضب.
-استنى قدامك ترعة يافندم، ولكنه تحرك كما خطط، فهرولت خلفه وهي تعتلي مهرتها تصرخ بصوت مرتفع ليتوقف، نظر من مرآة السيارة وابتسامة خبيثة على وجهه، ثم استدار سريعا بخفة بعدما وجد جدول مائي كبير، ولكن لم يعد السيطرة على السيارة لتصطدم بتلك الشجرة وفينصدم جبينه بقوة بها، هرولت لوقوف السيارة، وهبطت بخفة ورشاقة متجهة إليه، فتحت باب السيارة وحاولت ايقاظها. فاق بعد دقائق ينظر لجبينه الذي نزف قليلا بسبب اصطدامه.
-إنت كويس، رفع نظره إليها
-أيوة. نظر حوله ورسم ذهوله
-ايه اللي حصل، أغمض عيناه وتصنع التذكر، ساعدته على الخروج من السيارة
-لازم تنزل من العربية حالا، العربية بدخن ممكن تنفجر. ابتسم إليها ابتسامة خلابة مما جعل وجنتيها تتورد
-بتضحك على ايه، متعرفناش شكلك مش من الوادي
اومأ لها يبحث عن هاتفه ونظارته
-أنا فعلا مش من الوادي، بس جالي وظيفة هنا
-وظيفة! تمتمت بها بإستغراب.
تحرك يبحث عن محرمة بسيارته ليزيل بعض الدماء من فوق جبينه
ناولته محرمتها
-اتفضل، ملست بأناملها على جرحه
-لا حاجة بسيطة مش مستاهل، بس شكلك ماهر اوي في السواقة
هز رأسه ومازالت ابتسامته تزين ملامح وجهه. توقفت متسائلة
-مقولتش انت هتتوظف ايه هنا
-طبيب بطري في مزرعة النايب هادي الجيار. توسعت عيناها بذهول تشير لنفسها
-مزرعتنا.!
قطب جبينه متصنع الدهشة
-ايه دا هو أنتِ بنت صاحب المزرعة
اوووه دا ايه الصدف الحلوة دي.
أشارت إلى سيارته واردفت: دلوقتي عربيتك ياحرام عايزة ميكانيكي، لو مش عارف البيت تعالى معايا علشان تقابل ماما
ضيق عيناه متسائلاً: -ماما مش المفروض اقابل بابا، أجابته بحزن من عيناها: -معتقدتش انك هتقابله ماما هي المسؤولة. تحمحم بعدما وجد اثار الحزن على وجهها: -هو والدك مش موجود، يعني متوفي، بس انا جالي خطاب أنه هو اللي طالب طبيب بيطري
ضحكة ساخرة خرجت من فمها تعالى يا. توقفت مردفة: -مقولتش اسمك ايه!
نظر لنظارته واجابها باختصار غريب، اسمي غريب. طالعته بإعجاب مستنكرة الاسم ثم اردفت: -مش الاسم غريب شوية!
ابتسم لها متمتمًا: -ماانا بقولك اسمي غريب، ضحكت بصوت أنثوي تلوح بكفيها
-لا مقصدش، انا قصدي اسم غريب مش ماشي على شخصيتك
رفع حاجبه ساخرا من ردة فعلها واجابها مازحًا: -هكلم ابويا يغيره علشان يعجب جنابك هزت رأسها بعدما سيطرت على ضحكاتها
-ابدا والله اصلك كاريزما وحليوة وشايفة اسمك غريب شوية.
-يادي النيلة لو سمعتك جنى كانت قرقشتك قالها بهمس، ورغم صوته الهامس إلا أنها التقتطه، فتسائلت
-مين جنى.؟
توقف متسمرًا بمكانه ولم يعد لديه القدرة على النطق، فاقتربت
-إنت يااخينا روحت فين!
هز رأسه وتحرك دون حديث متذكر ًا جنيته وماذا ستفعل به إذا شعرت بما يفعله، ابتعد ببصره
-دي هتموتني ربنا يستر.
بتكلم نفسك، طالعها بصمت للحظات ثم أشار إلى الطريق
-لسة كتير، هزت رأسها بالنفي
-ابدًا، عشر دقايق.
بعد عدة أسابيع نهضت من منامها تصرخ من شدة آلامها هبت نهى من نومها بعدما قررت بأخذها منزل والدها إلى حين عودة جاسر
بكت بصرخات مرتفعة افزعت الجميع، هرول عز إليها وجد والدتها تساعدها على ارتداء ملابسها
-حبيبي جهز العربية اختك شكلها بتولد.
تحرك سريعا بثيابه المنزليه إلى الاسفل، ليحضر سيارته، بينما توجهت إليها ربى
- ولادة ولا ايه!
اومأت نهى تشير إليها: -كلمي ماما بسرعة ياروبي، انا هاخدها مع عز وعمك، شكلها خلاص
بكت تصرخ باسم زوجها، ضمتها ربى تنظر إلى نهى
-حضرتك هتنزلي بالبيجاما، انا معاها لحد ماتغيري. هرولت نهى بعدما لاحظت ثيابها، قابلها صهيب
-فين البنت يانهى! فوق هغير بس رُبى هتنزلها فين عز يساعدها
صعد صهيب لاابنته بقلب اب متلهف
-حبيبتي ياله انا معاكي
-جاسر يابابا اتصل بيه انا عايزة جوزي
حاوطها من أكتافها ينظر إلى ربى.
- رُبى هتتصل بيه ياقلبي. ياله وهو هيجي لنا هناك ياله
وصل بعد قليل للمشفى بعد تجمع العائلة بالمشفى. قامت الممرضة بتجهزيها للولادة رفعت رأسها بإنهاك
-ماما جاسر مجاش.! ملست غزل على رأسها تقبلها
-جاي في الطريق حبيبتي، الطيارة على وصول، باباه كلمه ودقايق وهتلاقيه
أطبقت على جفنيها تضع كفيها على بطنها متألمة.
-ماما هو أنا هموت.! ارتعبت نهى لحديثها: -حبيبتي ايه اللي بتقوليه دا، أغمضت عيناها تهمس اسمه ثم غابت بسبب إنهاكها. بكت نهى
-البنت تعبانة قوي ياغزل، الولد فيه حاجة ولا إيه. حاولت امتصاص رعب نهى قائلة: -ايه اللي بتقوليه دا، كل الحكاية الولد مقلوب، أن شاءالله خير هروح اصلي وادعي لها. تحركت غزل سريعًا من أمامها اتجهت ترمق جواد الذي تفهم نظراتها فتحرك خلفها.
-ايه ياغزل الوضع مش مطمني البنت بقالها ساعتين جوا، ودكتور داخل ودكتور خارج، اتجه بنظره لصهيب
-ابوها هيموت من القلق محدش بيطمنا ليه
-الولد الحبل السري لافف عليه وهيتعملها عملية خير إن شاءالله المهم جاسر فين مش مبطلة سؤال عنه
نظر بساعة يديه: -الطيارة المفروض تكون وصلت القاهرة إن شاءالله خير ويلحقها
وصل إلى المشفى بخطواته المهرولة، وكأن المسافة تقاطعها الآلاف الكيلومترات.
-جنى عاملة اايه.! رفع صهيب نظره إليه بنظرات معاتبة، قاطعت ربى نظراتهما
-ادخلها بابا وماما معاها جوا وطنط نهى. دلف سريعا بقلبًا ينتفض اشتياقًا على محبوبته، وجد الممرضة تجرها لداخل غرفة العمليات.
-استنى. صاح بها وتحرك سريعًا إليها
انحنى يقبل جبينها
-حبيبتي انا هنا، جنى سمعاني
همست باسمه. ابتسم يحتضن كفيها روح وقلب جاسر.
رفع رأسه للممرضة هدخل معاها، مش هسيبها لوحدها. نظرت للدكتورة أومأت لها، اشارت لممرضة أخرى
-خليها تجهزك، هي رفضت دخول العمليات قبل وصولك. ابتسم وانحنى يهمس بجوار أذنها
-بحبك مهلكة قلبي، هستناكي إنت كنان، متتأخريش على حبيبك. ابتسامة ظهرت على ملامحها لتغلق عيناها وتذهب بنومها بسبب مخدرها
بعد فترة قليلة استمع لبكاء طفلهما ابتسم يلمس على خصلاتها
-جنى افتحي عيونك ياقلبي كنان جه.
حملته الممرضه وتحركت إلى الطبيب الذي يجاور غرفة الولادة. سأل الطبيبة
-هي اخدته فين!؟
-الدكتور يطمن عليه متخافش عليه، هو كويس لكن زيادة تأكيد
بعد فترة فتحت عيناها تردد
-جاسر ابني. قبل كفيها الذي يحتويه بين راحتيه
-أنا هنا حبيبي. دقائق واستفاقت بالكامل، فتحت عيناها وجدته يضع رأسه بالقرب من رأسها
-وحشتيني ياروح جاسر
-فين ابني! أشار لنفسه
-يعني أول حاجة تسألي عليها ابنك وجوزك لا.
رفعت عيناها ونظرت إليه بعتاب: -لسة فاكرة إن ليك حبيبة، مش هقول زوجة، شبعت عقاب ياترى ولا لسة، اتمنيت أموت وأنا بولد علشان ترتاح مني وارتاح من عقابك المؤلم دا، عرفت تاخد حقك قوي ياحضرة الظابط
- جنى حقك عليا، أنا آسف. بكت تضع كفيها على جرحها، لا تعلم ابكي من آلامها ام تبكي من اشياقها وعقابه لها. أسند رأسها يجذبها لأحضانن
-كدا يا جنى عايزة تموتيني، ارتفعت شهقاتها.
-أنا كنت بموت كل يوم وحضرتك بتعاقبني، عملت ايه لدا كله قولي ياحضرة الظابط، ليه دايما بتوجع فيا من أقل غلط ليا، علشان بحبك اكتر من روحي، بتذلني بحبك ياجاسر
احتضن وجهها
-اشش اهدي حبيبي بلاش تتكلمي وأنتِ كدا، صدقيني بتغلطي، انا بس مضغوط في الشغل. مقدرش ابعد ياروحي. ازال دموعها يبحر بعيناه على ملامح وجهها التي انطفأت بالكامل: -كدا ينفع، عملتي في نفسك ايه، ليه وشك مخطوف كدا، دي الأمانة اللي حافظتي عليها.
مازالت عبراتها تنزل على وجهها بصمت تنظر له بإشتياق، رفعت أناملها على وجهه: -عايزة ازعلك وقلبي مش مطوعني
انحنى يضع جبينه فوق جبينها
-علشان قلبك معايا مالكيش سيطرة عليه. تعمق بعيناها
-زي ماانتِ مسيطرة على قلبي، قالها وهو يلتقط كرزيتها عله يعود روحها التي ماتت بسبب غيابه
بعد فترة مازال جالسًا بجوارها ينظر لنومها بسبب ادويتها، دلفت نهى بابنه
-لسة نايمة اومأ لها قائلا.
-فاقت شوية، وتعبت الدكتورة عطت لها مسكن، هي ليه عاملة كدا، حضرتك قولتي هتراعيها
ربتت على كتفه وجلست بجواره وهي تحمل ابنه
-هي الحامل بتكون كدا، يومين وتفوق، غير طبعا غيابك أثر على نفسيتها. مسد على خصلاتها: -غصب عني والله، حاولت بس معرفتش
-ولا يهمك حبيبي، عارف جنى مبتقدرش تزعلك، المهم كنان انا جبته بلاش يكون في غرفة الاطفال خليه هنا، باباك اللي قالي اجيبه.
تناوله منها ثم طبع قبلة على جبينه، يشكر الله على نعمته
-بابا شافه. أومأت له بابتسامة
-أيوة ياسيدي واذن له كمان، ربنا يبارك لكم فيه، خلي بالك منها. قالتها ونهضت للخارج. مازال ينظر لطفله. ابتسم عندما رفع الطفل كفيه الصغير يبكي. دلفت غزل تأخذه
-هاته حبيبي، طنط نهى تعبانة انا خليتها تمشي
-مشيت ازاي، مالها!
طالعته بحزن وتحدثت: -بقالها فترة تعبانة، وبتاخد كيماوي ومحدش يعرف غيري أنا وباباك
هب من مكانه مذهولا.
-كانسر! اومأت له بحزن وعيناها على جنى الغافية
-مراتك ياجاسر اهدى، غلطانة انا علشان فكرتك عاقل وقولت لك
انسابت دموعه متسائل: -عمو صهيب يعرف؟
هزت رأسها بالنفي: -أنا وبابا بس اللي نعرف، وانت كمان حتى عز ميعرفش، اهتم بمراتك يابني
قالتها تحمل الطفل واتجهت به إلى الفراش الآخر تضعه عليه ثم تمددت بجواره. نظر إلى زوجته بقلبًا دامي
-دي ممكن تموت لو عرفت.
بعد شهر. بعدما أجل جواد سبوع طفلهما بسبب تعبها بعد الولادة، أجله لكي تستعيد صحتها، بغرفتها مساء حفلة سبوع طفلها
توقفت تنهي زينتها، استمعت لطرقات على باب غرفتها، فسمحت بالدخول
دلفت غزل بابتسامتها البراقة
-أم كنان خلصت ولا لسة. وضعت بعض أدوات تجميلها على طاولة الزينة وتوقفت متجهة إليها، بردائها الأخضر الزاهي، وحجابها الأبيض. احتنضتها غزل تستعوذ من عيناها.
قل اعوذ برب الفلق ايه الجمال دا ياروحي، لا انا كدا اعترض إن حد يشوف قمري ويصيبها بالعين
انفرجت ابتسامتها بإتساع تشير لنفسها
-دا ليا ياطنط، اومال أقول لحضرتك ايه، دا ماشاء الله عليكي اللي يشوفك يقول اختي. صمتت ضاحكة وهمست: -بس من امتى طنط غزل تحولت وبقت من السات المصرية
قرصتها بوجنتيها: -لفي ياغلباوية، يالي مغلبة ابني ومجننها
افلتت ضحكة أنثوية خافتة وأردفت بمحبة.
-مين اللي مجنن مين، بلاش تظلميني حضرتك. انسابت تلك القلادة التي تجمع صورهما مع ابنهما يوم ولادتها
-دي هديتي حبيبتي. اتمنى متخلعهاش، وعلى فكرة هتكون وراثية بما انك مرات الكبير، مرات أوس معها شبهها، لكن دي الأصلية وراثة من جد الجدود، وان شاءالله بكرة تلبسيها لمرات كنان
لمستها تنظر إليها من خلال المرآة
-حلوة قوي ياطنط، دي صورنا احنا التلاتة.
احتضنت وجهها ثم طبعت قبلة على جبينها مردفة: -مرات ياسين بردو معها واحدة يمكن شوفتيها، بس زي ما قولتلك عمك أصر انكم انتوا التلاتة تكونوا زي بعض، وطلب من الجواهرجي زيها، لكن دي بتاعة العيلة
اومأت مبتسمة
-فهمت ياطنط. بتر حديثهم دخول جاسر وهو يحمل طفله بجواره صهيب.
-جنجون خلصتي. بتر حديثه وهو يطالعها بعينه العاشقة، تناولت غزل الولد وهي تطبع قبلة على جبينه، فاقترب منها وتعانقت نظراتهما بالنبض حاوطها يجذبها لأحضانه يضمها بقوة هامسًا إليها
احبك بكل لغات العالم مهلكتي
أخرجها من أحضانه ليعانقها برماديته ليصل إليها شعوره بها، دنى يهمس لها
اطرديهم بدل مااطردهم أنا
رجفة قوية أصابتها وخاصة عندما رفع نظره لوالدته.
-عايز ابارك لمراتي ياماما لو سمحتي، الحج جواد كان بيدور عليكي، ثم اتجه لصهيب الذي يسبه وهتف
-سامعك على فكرة بس بعد اذنك كنت سامع حد بيدور عليك تحت
دفنت وجهها بذراعه تلكزه بعدما ارتفعت ضحكات غزل واقتراب صهيب منه
-إنت مش هتحترم نفسك يالا خالص، انت ايه ياشيخ جبروت
حاوطها بذراعه مبتعدا
-خلاص متزعلش، اقعد باركلها معايا، انا عارف الليلة دي عيونك فيها اصلا
ارتفعت ضحكات غزل وهي تجذب صهيب بعدما وضع الطفل بمهده.
-تعالى ياصهيب. سيبك منه
جلس صهيب على المقعد ووضع ساقًا فوق الأخرى
-طب بالعند في ابنك الفلاتي والله ماانا خارج. اتجه بنظره لجنى التي توردت وجنتيها
-معرفش عجبك فيه ايه، دا آخره، استغفر الله العظيم يارب
حمل ابنه ووضعه بأحضان صهيب
-طيب خدو وانزل بيه الحفلة واعتبره ابنك متنازل عليه. ولا أقولك خليك حارصه هنا لما اقول لمراتي كلمة عيب تسمعها. قالها وهو يجذب كفيها وتحرك للخارج.
-يابن ال، قالها صهيب ضاغطًا على ضروسه، رفع عيناه لغزل التي أدمعت عيناها من الضحكات
-فرحانة بابنك المنحرف
بعد شهرًا اخر من ولادتها
توقفت جنى بمعرضها أمام بعض الموجودين تشير لتلك اللوحة تتحدث عن ما تشير إليه
كان يتابعها بعيونًا هائمة لاحت نظرة إليه وهي تتحدث عن نوع الالوان، فوجدت نظراته تخترقها، حمحم مبتسمًا: -آسف شردت شوية.
هزت رأسها دون حديث، فتحدثت تلك الفتاة التي ترافقه: -ميرسي بجد، عايزة اقولك من جمال اللوحة، مامي شبهتها بالموناليزا. وبتقولي كمان ألوانك زي العالم الأيطالي دافشني.
ابتسمت فأنار وجهها وأصبحت أيقونة للجاذبية.
-مش لدرجة دي يعني، دافشني مرة واحدة.
توقف يخترقها بنظراته، هامسًا لنفسه: -ماهذا الجمال الرباني، سبح بخضروايته على وجهها حتى توقفت عيناه على شفتيها التي بلونها الاحمر الطبيعي من يراها يقسم أنها متجملة بلونها الأحمر، حركته غريزته لتذوقها، مما جعله يغمض عيناه ومازال يحادث نفسه
-هل بمذاق الفراولة التي تشبهها ام الكريز. آفاق من شروده على صوت صديقته التي لكزته: -أنا دلوقتي عذرتك يايزن، اوبس الجاليري واو بريفكت حبيبي.
اتجهت بنظرها إلى جنى مبتسمة: -أنا سعيدة بمعرفتي بيكي مدام جنى وأتمنى أن تقبلي دعوتي على للحفل
تراجعت جنى بخطواتها متجهة لمكتبها بخطواتها الأنثوية قائلة: -سوري. بعتذر منك جدا، انا مبحضرش حفلات، تحركت إليها
-بجد هكون سعيدة جدا لو حضرتي الحفلة، وكمان صديقاتي مش مصدقني اني اتعرفت عليكي، ارجوكي توافقي
ذهبت ببصرها لعاليا التي وصلت لتقف بجوارها
-اهلا استاذ يزن.
اومأ برأسه: -اهلا مدام عاليا.
ضيقت جنى عيناها، فأشارت عليه
-استاذ يزن وأستاذة هالة كاستمر دائم للمعرض، الفترة اللي مكنتيش موجودة كانوا دايما هنا ويعتبر اشتروا نص اللوحات
ابتسمت الفتاه التي تدعى هالة
-شوفتي، وأنتِ مش عايزة تحضري حفل خطوبتي، صدقيني هكون سعيدة بوجودك
-تمام هفكر وارد عليكي
اقتربت هالة تتشبث بكفيها
-قولي موافقة، ثم رفعت عيناها لعاليا
-قولي لها عاليا، خليها تحضر، وكمان هكون سعيدة لو حضرتي معاها.
اتجهت لمقعدها وجلست تضع ساقًا فوق الأخرى تطالعها بصمت ثم هزت رأسها
-إن شاءالله
ابتسمت الفتاة وتجلت السعادة بعيناها قائلة: -أنا النهاردة اسعد واحدة، وميرسي جدا انك وافقت، اتجهت بانظارها لذاك الذي توقف صامتًا
-شوفت علشان اعاند في اصدقائي، واعرفهم أني مش كذابة
اومأت جنى قائلة: -اوكيه بس مش وعد اكيد
حيتها مبتسمة وتحركت تشير للوحات.
-هاخد دول لحد ماتحضري غيرهم بس عايزة المرة الجاية لوحة للفتاة الشابة الجميلة اللي عرفت تقلد دافشني في فترة بسيطة
ومتنسيش تكون بخشب المازونيت زي اللي اخدناهم. اوكيه
هزت رأسها دون حديث، ثم أشارت إلى عاليا
-عاليا خليكي معهم لحد مايخرجو لهم لوحاتهم
بعد فترة جلست بجوارها عاليا
-جنى مالك. رفعت عيناها إليها
-مش مرتاحة للناس دي
-ولا انا!
سيبك منهم لازم ارجع دلوقتي، زمان جاسر على وصول، يادوب الحق اجهز نفسي.
غمزت عاليا بعيناها
-ياسيدي ياسيدي. جمعت أشيائها فاستمعت لرنين هاتفها، نظرت إليه، وعلت دقات قلبها كالطبول، فرفعت الهاتف وهي تتحرك للخارج تشير لعاليا: - جاسر. نطقتها بسعادة هائلة لذاك العاشق
-إنتِ فين حبيبي؟
استقلت سيارتها وأجابته بنبرة سعيدة: -مروحة، لسة خارجة من الجاليري، انت رجعت ولا لسة
توقف ينظر من نافذة مكتبه ورد عليها قائلا: ساعتين حبيبي وأكون عندك إن شاءالله، عايزك تجهزي علشان هنبات برة.
-نبات برة. رددتها بذهول ثم تابعت
-إزاي وكنان
اتسعت ابتسامته متذكر حديث والده منذ قليل فأجابها
-له بدل الجد اتنين والجدة اتنين، بس أنا ماليش غير حبيبة واحدة، وجنجونة قلبي مالهاش غير حبيب واحد مش كدا ولا إيه
ارتجف قلبها بالسعادة فهمست له: -هستناك متتأخرش علشان وحشتني قوي
-قبل ماتجهزي هتلاقيني قدامك
بحبك. قالها وأغلق الهاتف اغمض عيناه مستمتعا، وذهب بخيالاته إليها.
وصلت إلى حي الألفي بعد فترة قليلة. دلفت للداخل قابلها جواد
- جنى اتجهت إليه بعدما قامت بخلع حذائها ذو الكعب العالي.
اسفة ياعمو، الشوز تعب رجلي. سوري
جلس وأشار لها بالجلوس، نظرت بساعة يديها، تريد الصعود حتى تستعد لزوجها
دقق النظر بها ثم أردف: -تعرفي واحد اسمه يزن العابدين
عقدت حاجبيها متسائلة: -معرفوش قوي، دا زائر وزبون للجاليري، بس معرفوش شخصيا.
طيب حبيبتي الزائر دا بصفته ايه يبعتلك ورد، وكمان دعوة على بيتك، هو ميعرفش إنك متجوزة، توقفت واتجهت تجلس بجواره: -صدقني ياعمو أنا اتفاجأت بالحاجة زي حضرتك بالظبط، والغريب أنه كان في الجاليري من ساعتين تقريبا معرفش ليه بعت ورد البيت
احتضن جواد كفيها يربت عليهما
-إنت تعرفي لو جاسر كان هنا وشاف الورد دا ولا الكارت دا كان عمل ايه
اتجهت ببصرها لتلك الورود، ثم نظرت لعمها
-جاسر واثق فيا ياعمو، وعارف حبي له.
اقترب يحتضن وجهها
-حبيبتي انا مبقولش هيشك فيكي، بس الغيرة نار يابنتي، والراجل اللي ميغرش على أهل بيته يكون ديوث، انا مش قصدي غيرة جنونية مريضة، أنا أقصد إن مفيش راجل محترم مش هيغير على مراته لما يشوف كلام زي دا
وانا عارف ابني ومتأكد هيقلبها عليكي، فالناس اللي زي دي بلاش تديلهم وش حبيبتي
هزت رأسها وأجابته
-حاضر ياعمو، انا أصلا مابتكلمش غير في حدود شغلي، صدقني اتفاجأت بالحاجات دي.
طبع قبلة على جبينها يمسح على وجنتيها: -عارفك عاقلة ياجنى، حاولي تتلاشي غضب جوزك يابنتي
رفعت كفيه تلثمهما بمحبة
-حضرتك احسن عمو في الدنيا ربنا يبارك لنا في حضرتك ياعمو
زاغت ابصارها بالغرفة ثم تحدثت
-جاسر هيرجع النهاردة، كلمني وقالي قدامه ساعتين ويكون في القاهرة
ابتسم على خجلها فأردف مشاكسًا
-ودا جاي ليه، مش لسة ماشي من شهر. توسعت عيناها تنظر إليه بذهول: -شهر ياعمو شوية
قهقه عليها بصوت مرتفع، يشير بيديه.
-قومي ياختي، قال شهر شوية
تحركت سريعا من أمامه، فاوقفها قائلا
- جنى بلاش تعرفي جاسر بحاجة النهاردة، بكرة احكي له. ابتسمت ثم تحركت. وصلت لغرفة ابنها
-كنان عامل ايه
أجابتها بعملية: -كويس يامدام، مصحيش كتير النهاردة، والدكتورة اخدته ساعتين عند الباشمهندس
انحنت تطبع قبلة على جبينه
-حبيب مامي وحشتني، طبعت قبلة على وجنتيه وهي تحتضنه
-ياختي كميل شبه بابي ياناس
وضعته بمهده ثم اتجهت لمرحاضها وقامت بتجهيز نفسها.
مر الوقت إلى أن جاء موعد وصوله. تحركت تقف أمام المرآة تنهي زينتها، استمعت إلى صوت سيارته بالأسفل
لمعت عيناها بالسعادة مع دقاتها العنيفة، دقائق واخترقت رائحته رئتيها استدارت تنظر إليه بعدما استمعت لفتح الباب، بعيونًا عاشقة وبإشتياقها الكامن بصدرها، طالعته ثم هرولت إليه تعانق رقبته مما جعله يحملها يدور بها يضع رأسه بعنقها
-وحشتيني ياجنتي
دفنت وجهها بحناياه واغمضت عيناها.
-شهر ياجاسر، ينفع كدا، دا لو بتعاقبني مش هتعمل كدا
رفع ذقنها محتضن خاصتها لفترة من الوقت، فصل قبلته معتذرًا
-آسف. ضغط شغل
امسك كفيها يديرها وأطلق صفيرًا ثم جذبها بقوة لتصطدم بصدره ثم رفعها من خصرها
-خمس دقايق بس تغيري هدومك وتلبسي حاجة للخروج، أشار لتلك العلبة
-ألبسي دا وانا هاخد شاور، خمس دقايق بس ياجنجون بسرعة
-ليه رايحين فين؟
نظر بساعة يديه
-جنجون خمس دقايق حبيبتي
تحركت تجذب ذاك الرداء واتجهت للداخل.
بعد قليل انتظرها بالأسفل
-ماما كنان امانة عندك ساعتين وراجعين
-متقلقش حبيبي قولتلي مليون مرة.
هبطت بردائها الأبيض الناعم وحجابها الأزرق. طالعتها غزل بحب. تحركت إلى أن وصلت إليها
-طنط غزل كنان نايم لو صحي وديه لماما
ربت على كتفها
-اتبسطي مع جوزك ومالكيش دعوة بكنان.
ابتسم بجاذبية لجمالها الذي سحر عيناه، واسترسل وهو يعانقها برماديته يحتضن كفيها: -مش عارف هنرجع امتى ياغزالة، قالها وهو يسحب كف زوجته متحركًا للخارج، ظلت تراقب تحركهما إلى أن اختفى من أمامها
بعد فترة وصل إلى مكانًا على شاطئ البحر، هبط من الطائرة يشكر بيجاد
-يسلمو ابو نسب، لما احب ارجع هكلمك
لوح بيجاد وصعد بطائرته للأعلى، بتحركه بعيدًا عن إقلاع الطائرة.
وصل إلى جزيرة بجوار البحر. ظلت تنظر حولها متسائلة
-جاسر احنا فين؟
حاوطها بذراعيه، متجهًا لذاك المنزل الذي يشبه الكوخ هامسًا بجوار أذنها
-في قلبي ياروحي، عينك على حبيبك بس، مالكيش دعوة بكل دا
-يعني ايه، المكان دا مش في مصر أكيد، احنا برة مصر ياجاسر، أيوة
يالهوي عليك الولد.
بتر حديثها يضع إبهامه على ثغرها.
ودنى يهمس لها حتى لمست شفتيه وجنتيها: -جنى ممكن تنسي كل حاجة دلوقتي، انا واخد تلات ايام بس بالعافية، ممكن ماتفكريش غير في جوزك. لف خصرها بذراعه مطبق الجغنين وصدره يعلو ويهبط يدمغ وجهه بخصلاتها يستنشقها
-وحشتيني. قالها ثم رفع رأسها يعانق عيناها التي ارتجفت كحال جسدها لتهمس اسمه.
مما جعله يعقد بخاصته علاقة منفردة تخصها وحدها، ينثر عشقه المترنم على ثغرها. لم يكتفي للعاشق ذاك فقط، ليسحب فؤاده فؤادها يخطف أنفاسها وروحها ليسكن اشتياقه وتهدأ دقاته بسعادة اللقاء، كأن لقائهما الاول. ولكن لا يذكر لعاشق سوى تعانق النبض بالنبض والروح بالروح
بعد فترة ليست بالقليلة كانت تسكن بأحضانه أمام المدفأة يحاصرهما ذاك الوشاح الثقيل على اكتافهما
-عملتي ايه في الشهر دا
تسائل بها جاسر.
رفعت عيناها إليه واجابته
-هكون عاملة ايه وانت بعيد، هتفضل كدا، ليه عملت كدا
مرر أنامله على وجنتيها ينظر لثغرها الذي أصبح كالسراب لروحه مهما اقتنص منه لم يرتوي ثم تنهد قائلاً: -احنا اتكلمنا كتير في الموضوع دا، ووعدتيني هتوقفي جنبي
رجعت كما هي تضع رأسها على كتفه قائلة: -بس مبقتش قادرة اتحمل البعد دا، جاسر انت بتوحشني قوي، معقول شهر، كل مرة بقيت تزيد في المدة، وابنك بيكبر ولازم تكون جنبه.
اعتدلت وجلست بمقابلته تحتضن وجهه
-حبيبي متزعلش مني بس بجد انت بتوحشني وانا مبقتش قادرة اتحمل
أغمض عيناه منتشيا بقرب أنفاسها وحديثها الذي نزل على صدره ثلجًا ليلطف لهيب صدره من الاشتياق، نظرت لحالته وعلمت أنها ضغطت عليه، فاقتربت تقبله ليجذبها إليه يستمتع برائحتها المسكرة، وكأن الله جل وعلا جمع عشقها بالكامل له ليتزاحم داخل قلبه
نهض من مكانه يحملها بين ذراعيه
-هقولك دلوقتي ازاي متحسيش ببعدي
بعد فترة كانت.
تغفو بأحضانه يمسد على خصلاتها مرة ويمرر أنامله على وجنتيها مرة أخرى. جذب سجائره وابتسم على كلماتها قبل نومها، فقام بإشعالها ومازالت نظراته عليها، قطع نظراته إليها صوت هاتفها برسالة
-شكرًا ياجنى على قبول الدعوة، اتمنى يكون الورد والهدية عجبوكي.
هستناكي سعادتي مش هتكمل غير بوجودك، سعيد جدا اني اتعرفت وقربت من بنت رقيقة وجميلة زيك، محظوظ قوي بالشهر دا، اول مرة أقرب من بنت ناعمة كدا، من وقت مالمست ايدك وانا مش على بعضي، يابخت جوزك بيكي. انا بعد الساعات بسرعة علشان اشوفك تاني، وشكرا على القهوة، لسة حاسس بطعمها.
توقف الدم بعروقه، حتى شعر بإنسحاب انفاسه، ابتعد عنها بعدما ألقى سيجارته بالمطفأة، ووضع رأسها على الوسادة، ثم توقف عندما أحس بإرتفاع حرارة جسده، وألم يغزو جسده بالكامل. نيران محترقة تشعل بصدره حتى شعر بأنه يريد أن يصرخ من أعماق قلبه كالذي داخل قبرًا محطما المكان بأكمله
ركل المقعد بغضب ليهوى بقوة على الأرض، مما جعلها تتململ بنومها
فتحت عيناه مبتسمة
-إنت لسة صاحي؟
اقترب منها ونظرات جحيمية يريد إحراقها بها، ثم وضع الهاتف أمام عيناها
-ايه دا ومين.؟
نظرت للرسالة بصدمة تبتلع ريقها بصعوبة
جاسر. صفعة قوية على وجهها
لحظات واستمع إلى صوت بالخارج
بالجامعة
خرجت من الجامعة تنظر بساعة يديها ثم رفعت هاتفها: -إنت فين ياعلي، اتأخرت قوي
-آسف ياهنا. ربع ساعة وأكون عندك. زفرت بضيق ثم هتفت
-خلاص هاخد تاكسي، مش ضروري تيجي. قالتها وأغلقت الهاتف تتمتم.
-لما انتوا مش قد الوعود بتوعودا ليه اوف. ارتدت نظارتها وتحركت للخارج. توقف أمامها
-أنا مسألتش الصبح عربيتك اتصلحت قولتي اه، بتضحكي عليا
زمت شفتيها مبتعدة بأنظارها عنه، جذبها من رسغها
-مبحبش الدلع يابت، اركبي بدل ماابوسك قدام الكل
توسعت عيناها تطالعه بصدمة
-إنت بتقول إيه. رفع نظراته فوق خصلاته مقتربا منها
-تحبي نجرب، اعملي حركة كدا وشوفي هعمل ايه
بتر حديثه رنين هاتفه: -جواد. انا محاصر.
جذبها يدفعها بقوة بالسيارة ورفع هاتفه: -الحق ياعمو جاسر!
↚
قبل عدة ساعات كانت
تغفو بأحضانه يمسد على خصلاتها مرة ويمرر أنامله على وجنتيها مرة أخرى. جذب سجائره وابتسم على كلماتها قبل نومها، فقام بإشعالها ومازالت نظراته عليها، قطع نظراته إليها صوت هاتفها برسالة
-شكرًا ياجنى على قبول الدعوة، اتمنى يكون الورد والهدية عجبوكي.
هستناكي سعادتي مش هتكمل غير بوجودك، سعيد جدا اني اتعرفت وقربت من بنت رقيقة وجميلة زيك، محظوظ قوي بالشهر دا، اول مرة أقرب من بنت ناعمة كدا، من وقت مالمست ايدك وانا مش على بعضي، يابخت جوزك بيكي. انا بعد الساعات بسرعة علشان اشوفك تاني، وشكرا على القهوة، لسة حاسس بطعمها.
توقف الدم بعروقه، حتى شعر بإنسحاب انفاسه، ابتعد عنها بعدما ألقى سيجارته بالمطفأة، ووضع رأسها على الوسادة، ثم توقف عندما أحس بإرتفاع حرارة جسده، وألم يغزو جسده بالكامل. نيران محترقة تشعل بصدره حتى شعر بأنه يريد أن يصرخ من أعماق قلبه كالذي داخل قبرًا محطما المكان بأكمله
ركل المقعد بغضب ليهوى بقوة على الأرض، مما جعلها تتململ بنومها
فتحت عيناه مبتسمة
-إنت لسة صاحي؟
اقترب منها ونظرات جحيمية يريد إحراقها بها، ثم وضع الهاتف أمام عيناها
-ايه دا ومين.؟
نظرت للرسالة بصدمة تبتلع ريقها بصعوبة
جاسر. صفعة قوية على وجهها.
صمتًا مميتًا لكليهما سوى من أنفاسه المرتفعة وكأنها اشواك تخربش رئتيه من شدة ما شعر به من لطمها.
طالعها بعينًا مذهولة حينما شعرت وكأن هناك صاعقة صفعتها دون رحمة، وضعت كفيها على وجنتيها. جاحظت العينين بصدمة وكأنه طعنها بخنجر مسموم. اكتسح الحزن والألم معًا وجهها، فانسابت عبراتها تحرق وجنتيها، حاولت السيطرة على ماتشعر به من آلام تبرح جسدها بالكامل نهضت بهدوء تجذب فستانها وترتديه وقف يتأمل شحوبها بأعين دامعه، واحس بلهيب نيران صدره، اقترب بعدما وجدها تحاول غلق سحّاب فستانها وحاول مساعدتها. التفتت إليه تضع كفيها أمامه دون النظر أو الحديث، كأنها أصيبت بشلل ليتوقف لسانها. تحركت إلى هاتفها ورفعته.
-بيجاد ارجع فورًا. الرحلة خلصت!
علي الجانب الآخر بالفندق الذي يقيم به بيجاد مع عائلته، نهض من مكانه
-فين جاسر كان بيقول هترجعو بعد يومين، ايه القعدة مش عجبتكم
أمسكت حجابها وتابعت حديثها من خلال مكبر الصوت بوجوده: -معلش كنان وحشني ومش متحملة ابعد عنه، لو سمحت ياريت خلال دقائق تكون هنا انا هستناك برة مكان ماوصلتنا.
اتجه بنظره لغنى بريبة متسائلًا: -تستنيني ليه هو جاسر مش هيرجع معاكي. اقترب منها وحاول الحديث ولكنها ابتعدت بنظرها واجابته
-هو برة معرفش ظروفه بس ابني وحشني ولازم ارجع حالًا. قالتها وأغلقت الهاتف
توقف أمامها بقلبًا يتمزق مما فعله بها.
- جنى. احتضن وجهها ولكنها تراجعت للخلف كالملسوعة، هنا شعرت وكأن كفيه نيران تحرق وجنتيها بعدما كانت تشعر حنانًا، ابتعدت مستديرة تجمع أشيائها الخاصة بتلك الحقيبة التي احضرتها. طالعت المكان بنظرات سريعة بعينان تختلط بدموع القهر بعدما كانت تشعر كطائر يحلق بالسماء، الان أصبحت كطائر ذُبح عنقه دون السماح له بالحرية. استمعت إلى ذاك ضغط على الزجاجة التي بيديه حتى مزقت أوردته وانسابت دماء من كفيه.
توقفت مذهولة تطالعه بعينين تقطر المًا، ولو أحس أحدهم بما تشعر لشعر أنها كالذي بداخل قبر تريد أن تصرخ وتملأ الدنيا صراخًا ولكن كيف وهي التي شعرت بذبحها على يد معشوقها
هوى على المقعد خلفه ينظر لكفه الذي
ينزف دمًا. وهمس.
- ياريتها اتقطعت قبل ماتتمد عليكي، تحركت إليه بجسد فاقد للحياة، وجذبت كفيه تفتحه لتخرج الزجاج من كفيه ومازالت عبراتها تنسدل بصمت. انتهت لما تفعله، وحذبت وشاحًا صغيرًا تلفه حول كفيه ثم توقفت قائلة: -متحاولش تستعطفني، علشان اللي قدامك دي موتها مبقاش فيها روح قالتها و
امالت لتحمل حقيبتها أطبق على كتفها بحدة، وهدر بها بعدما عجز بالحديث إليها.
-جنى اسمعيني أنا مش بستعطفك، أنا باخد حقك من ايدي، رفع ذقنها
-أنا اسف صدقيني مكنش قصدي. نزعت نفسها منه بعنف
-مالكش وقت عندي للكلام، ومش عايزة اسمع حاجة، كان الأولى تسمعني، لكن أنا اللي استاهل علشان دايما بتساهل معاك
-جنى اسمعيني!
-وأنا بقول مش عايزة اسمع مبتفهمش، جرت حقيبتها وأتت لتفتح الباب استمعت إلى حركة بالخارج، اتجه سريعًا للنافذة، وجد بعض المرتزق يترجلون من سيارة سوداء، اتجه سريعًا إليها يسحبها من كفيها واردف بنبرة يشوبها الخوف: -تعالي لازم نمشي من هنا فورًا، جذب كنزته وتحرك متجهًا للخلف وهو يرتدي ثيابه يشير إليها برعب تجلى على ملامحه: -تليفوني فين. تسائل وهو يلتفت حوله برعب. تحرك للداخل سريعًا، وهي تطالعه بصمت. جذب اشيائه سريعًا، يشير إليها: -سيبي الشنطة دي، بصي شايفة الشباك دا هطلعك عليه، تنزلي على مهلك وتروحي للمكان اللي قولتي عليه لبيجاد، رفعها سريعا.
-ياله ياجنى اتحركي بسرعة. هزت رأسها تطالعه بخوف: -مين الناس دي ياجاسر. جذب مقعد خشبي وفتح النافذة ينظر للخارج بحذر ثم سحب كفيها إليه: -ياله حبيبي، انا هعطلهم لحد ماتوصلي
لأ لأ. قالتها بدموع تنساب بقوة، بدأت الاصوات ترتفع بالخارج. نظر إليها بعجز: -بتحبيني صح. لو بتحبيني اثبتي دا، ياله ياجنى علشان خاطري.
اقترب منها وقبلها قبلة سريعة يهمس لها: -بعشقك ياروح جاسر. يالة اتحركي علشان نرجع لكنان كدا هنموت هنا
بكت بشهقات، وضع كفيه على فمها
-وحياة جاسر عندك لتمشي ياجنى
-مقدرش! اردفت بها معترضة. نظر لعيناها وتحدث بصوت خافت: -ابننا هعيش من غيرنا، وحياتي عندك ياجنى وحياتي، استمع لدفع الباب الخارجي. فطالعها برجاء
-ياله حبيبي علشان ابننا، انا هلحقك
-اوعدني. اقترب ينظر لعيناها
-وحياة جنى عندي.
هبطت سريعًا ثم اغلق النافذة بعدما راقب تحركها بين الأشجار حتى اختفت تمامًا. امسك جهازه وحاول الاتصال مرار وتكرارًا بالدعم الأقرب له من خلال السفارة، ولكن محاولته باتت بالفشل، اتجه لجواد بعدما فقد الأمل
عند جواد حازم قبل قليل، يحادث باسم بالهاتف وهو يقود سيارته
-بص ياسيدي الشحنة اتمسكت كما يقول الكتاب، وطبعا دي ضربة معلم في الجول عقبال يارب الأسلحة.
علي المقابل حدثه باسم بعقلانية: -خليكم زي ماانتم ياجواد، لازم جاسر يبان أنه لسة في بورسعيد، وانت خد بالك من الخدم حلو الطريقة اللي احنا شغالين بيها
مازال يقود سيارته وتابع حديثه: -عزيز ملاحق جاسر ياعمو، ساعات بيعجزنا، مش بالع أنه شغال بعيد القضية
-سيبك منه مفيش حاجة تخليه يشك اللي مخوفني شحنة الأدوية الفاسدة اللي صاحبك مسكها بالصدفة وكمان ساومه عليها
تذكر مافعله جاسر ببورسعيد فأطلق ضحكة صاخبة.
-اهي دي اللي مجنناني ياعم، الواد زي مايكون القضايا بتجري تحت رجله كل مكان يطلع ببلوة. قهقه باسم عليه قائلاً: -بطل قر يالا، دي ارزاق ياغبي، وصاحبك مرزوق
ظل الأثنين يضحكان إلى أن قاطعه جواد: -شوفت بيقول ايه. كنت نايم وحلمت وبعدين صحيت لقيت مجرمين بيعزموا عليا اشرب سيجارة
ضحكة صاخبة من باسم حتى أدمعت عيناه ؛: -ابن خالك فلاتي، مقولتليش ازاي مسك الشحنة دي.
تذكر جواد تلك الليلة، خرج جاسر من مركز الشرطة التابع لمحافظة بورسعيد
-لازم اسافر الوادي حالًا، بقيت عامل زي السائح اللي بيزور محافظات مصر ببلاش. لكمه جواد بضحكة، ثم اتجه لسيارته
-أنا بقى راجع القاهرة علشان نكمل خطتنا ونشوف الست الخدامة وصلت لحد فين
لوح بكفيه واستقل سيارته متحركًا، بينما اتجه جاسر للداخل يجذب اشيائه للمغادرة، قابله المسؤل عن مكتبه.
-آسف ياباشا؛ كويس اني لقيت معاليك، اتجه يضع سلاحه بخصرة، ويجذب مفاتيحه ونظارته قائلًا: -فيه ايه يامحمود؟ اجابه على الفور
-جالنا إخبارية من واحدة ست بتقول فيه أدوية فاسدة هتدخل المينا الليلة
جعد جبينه متسائلاً: -ودي لعبة ولا حقيقة. اقترب محمود يضع له ورقة: -قالت دي رقم الباخرة اللي عليها الشحنة وهتوصل الساعة واحدة
أطلق زفرة حارة يمسح على وجهه، دقائق وهو يقطع مكتبه ذهابا وإيابًا يفكر في تلك المعضلة.
- طيب دا لو كمين هتتصل بالمركز ليه، ولو حقيقي ليه مجتش تبلغ بنفسها. ياربي ايه دا كمان لازم اسافر الطيارة هتفوتني. تذكر جواد فرفع هاتفه اجابه جواد
-ايه يابني!
جواد انت فين دلوقتي، خرجت من بور سعيد ولا لسة
-خرجت ياباشا بقالي اكتر من نص ساعة وعلى الطريق السريع اهو.
-تمام، قالها ثم اغلق الهاتف. قطب جبينه وتسائل: -ياترى الواد دا بيسأل ليه، مجنون قالها وتحرك. خرج من شروده بعد وصوله إلى الجامعة وترجل من السيارة وجدها تتحدث بهاتفها تحرك يسبها
-الحلوة الأمورة مصاحبة حشاش، ماشي ياست الشقية إنتِ
عند هنا قبل قليل خرجت تتأفف
-إنت فين يا علي.
أجابها علي خطيب سنا قائلًا: -آسف ياهنا. ربع ساعة وأكون عندك. زفرت بضيق ثم هتفت: -خلاص هاخد تاكسي، مش ضروري تيجي. قالتها وأغلقت الهاتف تتمتم
-لما انتوا مش قد الوعود بتوعودا ليه اوف. ارتدت نظارتها وتحركت للخارج. توقف أمامها
-أنا مسألتش الصبح عربيتك اتصلحت قولتي اه، بتضحكي عليا
زمت شفتيها مبتعدة بأنظارها عنه، جذبها من رسغها: -مبحبش الدلع يابت، اركبي بدل ماابوسك قدام الكل.
توسعت عيناها تطالعه بصدمة: -إنت بتقول إيه. رفع نظراته فوق خصلاته مقتربا منها
-تحبي نجرب، اعملي حركة كدا وشوفي هعمل ايه
بتر حديثه رنين هاتفه: -جواد. انا محاصر في اليونان
تسمر بوقوفه
-فين! سانتوريني، ولا مكان تاني وبعدين ليه مولقتش انك في اليونان
تحرك يستمع لتلك الأصوات وهمس له
اتصرف ياجواد، تفتكر دول بتوع القضية، صمت
ينظر من ثقوب النافذة، ضيق عيناه
-مين دول؟
جذب جواد هنا سريعًا يدفعها بقوة بالسيارة ورفع هاتفه: -تمام ياجاسر، هحاول نوصل للسفارة
اتجه لمهاتفة باسم:
-الحق ياعمو جاسر محاصر باليونان
هب باسم من نومه فزعًا: -إنت بتقول إيه يابني، مين وفين بالظبط. قالها وهو ينهض من فوق فراشه
ابتلع ريقه يطالع هنا يشير إليها بالصمت: -اتصل من ثواني وقالي فيه حد حاصره، وهو بالقرب من سانتوريني.
اقفل اقفل ربنا يستر، اتجه يهاتف احد من القادة للوصول للسفارة لإنقاذ مايمكن إنقاذه
عند جاسر، اختبأ بمكان ما حيث يظهر إليه المكان بأكمله، وبدأ يصطادهم شخصًا تلو الآخر إلى أن توقف فجأة
ينظر لسلاحه الذي نفذت رصاصته
ثم تسلل بهدوء، يبحث عن شيئا يدافع به عن نفسه، ولكنه تعثر بأحد المقاعد بسبب الظلام الذي يحاوطه ليجد شخصًا أمامه يوجه إليه السلاح:.
-انظر ياهذا. لا تحاول العبث معنا، هيا أخرج مالديك وإلا سأقتلك بالحال
تنهد براحة حينما علم بأنهما ليسو سوى لصوص. نظر لذاك المقعد وتجول بالمكان سريعا عندما تذكر معشوقته، فأشار إليه للأعلى، ليرفع الآخر عيناه وإذ به يلقيه بالمقعد بخفة فيسقط على الأرض وينهال عليه ضربًا، وأخذ سلاحه وتحرك سريعًا للخارج يبحث عن جنى.
عند جنى. هرولت لبعض الوقت حتى شعرت بإنقطاع انفاسها، هوت على الأرض تبكي بشهقات وتنظر خلفها بخوفٍ، لم يعد لديها قدرة للحركة فجلست بجسدٍ مرتعش تهمس اسمه وتدعو من الله أن ينجيه، رفعت هاتفها سريعا لعل تلك المحاولة أن تنجبه. نظرت لهاتفها بخيبة أمل عندنا وجدت بطاريته أوشكت على النفاذ، رفعته سريعًا متوقفة لالتقاط شبكته بوضوح:.
-بيجاد. صرخت بها وهو يصعد لتلك السيارة الذي تأجرها ليصل إليهم ويعرف ماذا يحدث اولًا، ولماذا قررو الرجوع
-أنا جاي ياجنى، بس استني في الشاليه. صرخت تبكي بشهقات مرتفعة
-فيه ناس هجموا علينا، وجاسر، جاسر لوحده في الشاليه، ألحقه يابيجاد، هيموتوه لا زمانهم موتوه.
-جنى اهدي انا جاي خمس دقايق واكون عندك إنتِ فين، أنا مش فاهم حاجة، نظرت حولها بتيه وصاحت ببكاء: -معرفش انا شكلي توهت في الغابة، مش مهم المهم تلحق جاسر.
قاد السيارة بسرعة جنونية يتحرك للمكان المنشود:
عند جاسر، تخلص من معظمهم ولكن سلاحه فرغ من خزينته، اتجه للنافذة لكي يخرج خلف جنى، بعدما تأكد ماهم سوى لصوص للسرقة، فتح النافذة وأتى للخروج منها استمع لتحطيم باب الغرفة ودخل أحدهم يرفع سلاحه إليه.
-الى أين ياهذا!
تراجع جاسر مبتعدًا عن النافذة حتى لم يتحركوا خلف جنى، دلف اخر
-سيدي يبدو بوجود سيدة ولكنها لم تكن موجودة، اقترب ذاك الذي يشبه الجدار البشري
-اين التي معك.؟
أشار للغرفة وأخبر الآخر:
-هيا ابحث عن الاشياء، اتجه بنظره الى جاسر الذي توقف عاجز، لم يقو على الحركة خوفًا من التسلل خلف جنى، ناهيك عن سلاحه وذخيرته التي نسيها بالسيارة
اقترب ذاك الرجل يطالعه بتفحص
-اين السيدة؟
هز كتفه قائلًا: -لا أعلم عن ماذا تتحدث!
دلف اخر قائلًا: -كل الرجال قُتلت سيدي، يبدو أن ذاك صياد محترف
تحرك الرجل مستديرًا يحدجه بتفحص: -نعم لقد رأيت ذاك، واعجبني كثيرًا، هيا اجلبوه سوف ننتفع به، يبدوا أنه من الاثرياء. قالها وهو يحدق بساعته وأشياء جاسر الثمينة.
بالخارج وصل بيجاد، سحب سلاحه يتمتم لنفسه: -أزاي ماخدناش بالنا أن المكان دا اصطيادي للمرزتقة. اووف ياجاسر، ربنا يستر. تحرك بحذر ينظر حوله، حتى توقف خلف أحد الأشجار بعدما شاهد خروج أحدهم، رأى أحدهما يجذب جاسر من ذراعيه. وهناك أحد الأشخاص ينتظر بالسيارة.
-نعم ثلاثة، سنلعب قليلا يابيحو. قالها وهو يتحرك بحذر حتى توقف بالقرب من سيارة أحدهم وقام بإطلاق النار على أحد اطارتها، وفعل بالآخرى ذاك، بعدما وضع كاتم سلاحه ثم تراجع مرة أخرى خلف الشجرة منتظر وصولهم
تحرك الاثنين إلى أن وصل إلى تلك السيارة يشير لأحد السيارت: -هيا خذوه للسيارة الاخرى، وراقبوه بحذر، أريده حيا نظر إلى سيارته متأففًا.
-سأبدل ذاك الاطار، وانتم هيا. تحرك ليخرج إطار السيارة وترك سلاحه فوق السيارة على بعد مسافة منه عندما اتجه لجلب الإطار.
تحرك الآخر متجهًا لسيارته، ذهب جاسر بنظره بتلك الانحاء يفكر لينجو من تلك الفاجعة، علم أنه إذا دخل تلك الشبكة الإجرامية، لا يستطيع النجاة منها سوى بمعجزة. حدث نفسه: -ياله ياجاسر انقذ نفسك، لمح شيئا بالسيارة، يبدو أنها زجاجة إحدى المشروبات الكحولية. لحظات ماهي إلا لحظات وفتح باب السيارة بقوة جاذبًا تلك الزجاجة ليدفعها فوق رأس الذي يحاوطه، بذاك الوقت قام بيجاد بإطلاق أعيرة نارية عشوائية، ليحدث تشتت، تحرك المرتزقة اتجاه جاسر ولكنه دفع السلاح بقدمه بقوة ليغرز بعنقه باقي الزجاجة.
واستدار بنظره لمكان انطلاق الرصاص، لمح بيجاد يشير بيديه للتحرك إليه. تحرك مهرولا، اتجه الرجل الباقي ليجذب سلاحه بالوقت الذي وصل جاسر إليه وجذب سلاح بيجاد وأطلق رصاصته لتستقر بصدره ليهوى قتيلا على الأرض
اتجه بنظره إلى بيجاد: -بتتصطاد عصافير يابني، ايه كم الرصاص اللي في الهوا دا.
قهقه بيجاد يجذبه من ذراعه: -دول تلاتة ياحبيبي، حد قالك انا ظابط، اعمل ايه كان لازم اطفشهم وخلاص، فكرت هيعملوا زي افلام ابيض واسود ويسبوك ويهربوا، لكن شكلك نمس وعجبتهم
تحرك يتجول في المكان
-رايح فين يابني، ياله نمشي قبل مابقيتهم يوصلوا، استنى انت كمان دول سرقوا حاجتنا ولاد التييت
تحرك إلى أن وصل للحقيبة التي جمعوا بها اشيائهم مع أحد القتلى.
-حقير كنت مفكرني اهبل. وصل بيجاد إليه وتسائل: -جنى تاهت في الغابة. سقطت الحقيبة من يديه يطالع بيجاد بصدمة
-يعني ماوصلتش لعندك
هز رأسه بالنفي. فتحرك سريعا متجهًا خلفها كالمجنون.
لا لا جنى. قالها وقلبه كالمضخة بداخل صدره، تحرك سريعًا وهو يركض كالفهد وبدى على ملامح وجهه الرعب يسب نفسه، ماذا يحدث اذا فقدها. توقف بعدما قطع الكثير من المسافات يصرخ بصوتًا اهتزت له الأشجار، شعر بأن الكون يدور به فزاغت نظراته يبحث عنها بلهفة مرة أخرى، وصل إليه بيجاد منسائلًا:
-ايه مالهاش اثر. اتجه ببصره إليه.
-التليفون، فين تليفونك مش هي كلمتك منه يبقى اكيد عندها شبكة، بسرعة. أخذ هاتف بيجاد وظل يهاتفها ولكن تلك الرسالة الغبية هذا الهاتف ربما أن يكون مغلقًا
تحرك ولم ييأس وبجواره بيجاد متجهين إلى الخروج كما شرح لها جاسر.
عند جنى ظلت تتحرك بخطوات متعثرة إلى أن أرهقت وجلست مكانها تنتظره ربما سيلحقها كما وعدها. استندت على الشجرة وعبراتها تتسابق على وجهها كالشلال إلى أن يئست من الخروج. لحظات واستمعت إلى صوته يصرخ باسمها.
نهضت من مكانها متجهة إلى الصوت علها تستطع الوصول إليه ولكنها توقفت عندما وجدت ذاك الصقر الذي توقف على الشجرة. ظلت تطالعه لبعض الوقت وكأنها ترسمه بعيناها همست لنفسها.
-سبحان الخالق وماأروعك وابدعك ربي، اقتربت منه خطوة، تمنت أن تتلمسه، لقد تناست ما تشعر به من جماله، استمعت لبعض الخطوات، توقفت خلف الشجرة مع ارتجافة جسدها تدعو من الله أن يكون زوجها وليس سواه، توقف جاسر يلتقط أنفاسه مرة أخرى ذهب ببصره لشيئا يسقط على الارض، بسط كفيه وسحب هاتفها يتمتم بصوت خافت وابتسامة تجلت على ملامحه: -جنى! خرجت من خلف الشجرة بعدما استمعت لصوته. تحركت متوقفة أمام الشجرة علها تتأكد من رؤيته.
توقف بذهول وعيناه مسلطتان بقوة ليتأكد هو الآخر. ركض سريعا بعدما تأكد من وجودها جذبها بقوة لأحضانه وآه حارقة خرجت من أعماق قلبه بعدما سكنت روحه
أخرجها يملس على وجهها حلو التقاسيم كالأم التي تفحص وليدها.
- حبيبتي انتِ كويسة، تجول بنظراته عليها فتراجعت تتمتم بصوت جعلته أكثر جفاء: -كويسة الحمد لله، اتجهت ببصرها إلى بيجاد الذي وصل للتو
-حمد الله على سلامتك ياجنى. اومأت له دون حديث، ثم تحركت أمامهم.
-عايزة نرجع حالا
تحرك خلفها قائلا: -جنى استني رايحة فين، مش من هنا. تحرك بيجاد وتحدث بجدية
-احنا لازم نتحرك من هنا فورا، قبل ماحد من المرتزقة يعرف اللي حصل، ثم اتجه بنظره إلى جاسر: -فيه حاجة لسة في الشالية
توقف متخصرا يسحب انفاسًا ويزفرها بهدوء: -قولي ازاي تحجز شاليه في منطقة زي دي يابيجاد ماتخدش احتياطتك.
هز رأسه وتحدث بإبانة: -والله يابني احنا جينا كذا مرة هنا، هو مش نفس الشالية بس نفس المنطقة، اسف ماأخدتش بالي إن المكان دا تحت سيطرة المرتزقة.
اومأ برأسه وتحرك يجذب جنى يحاوط أكتافها بعدما وجد حالتها الرثة، تحركت دون حديث بعدما فقدت السيطرة على اتزانها
وصل بعد قليل لمكان الذي ستقلع منه الطائرة الطائرة للقاهرة:
بحي الألفي قبل قليل.
بعد اتصالات باسم المكثفة ووصول السفارة لمكانهم وأخباره بمغادرتهم آمنين. اتجه يهاتف جواد للأطمئنان عليه
-أيوة ياعمو، كنت لسة هكلم حضرتك الحمدلله الموضوع طلع سرقة وجاسر وبيجاد سيطروا على الوضع وهما خرجو من المكان كله
-طيب كويس. اتصلت بيك علشان اطمنك وأقولك بلاش خالك يعرف
-حاضر ياعمو. متخافش مفيش حد هيعرف
بغرفة عاليا وياسين.
تجلس على الفراش تتطلع بصورهما، وابتسامة عاشقة على وجهها وهي تمرر أناملها على صورته، بتر خلوتها رنين هاتفها: -عاملة ايه؟ وحبيبة باباها عاملة ايه؟
تراجعت تستند على الفراش وأجابته: -كويسين إنت عامل ايه، خلي بالك الجو بارد قوي الأيام دي
ابتسم وهو يرفع أنامله يغرزها بخصلاته: -خايفة عليا!
شاكسته مبتسمة؟
-لا ياحبيبي خايفة لما تيجي تعدي راسيل
- والله. يعني انا مش فارق، صمت لحظة وتسائل بنبرة تشع عشقًا؟
-اومال حبيبي دي طالعة ليه، أوعي يكون زلة لسان هزعل قوي
تمددت على الفراش وارتفعت ضحاتها: -لا بلاش وحياتي تزعل، علشان متقلبش لملك الهكسوس
أثلجت صدره بضحاتها ومشاكستها البريئة، صمت لبعض اللحظات وتنهد بصوت مرتفع حتى شعرت به
-عاليا وحشتيني بجد!
-وأنت كمان! أغمض عيناه يسحب نفسًا يتخيلها أمامه ثم هتف: -مفيش كلمة حلوة في غربتي دي، على فكرة أنا على الحدود وممكن لا قدر الله. بترت حديثه سريعا معتدلة.
-بعد الشر عليك ربنا يرجعك بالسلامة وميحرمناش منك ابدًا
-ياااا. الله منك ياعاليا، قوليلي اعمل ايه بس
افلتت ضحكة خافتة تهمس بصوت خافت: -قولي انك هتيجي قريب، مش كفاية المدة دي
نهض من مكانه وتحرك للخارج ومازال يهاتفها: -إن شاءالله على اخر الاسبوع، علشان ناوي اخد اسبوع كامل اشبع من مراتي فيه، توردت وجنتيها من مغذى حديثه. تحدث قائلا: -بوسي لي راسيل، بس عايزك تبوسيها بوسة كبيرة من شفايفها.
قالها وأغلق الهاتف ينظر لتلك السحب السوداء التي حجبت النجوم، أغمض عيناه وابتسامته العاشقة مازالت تزين ثغره
بمنزل صهيب.
طرق على غرفة ابنه، خرجت ربى إليه
-عمو صهيب فيه حاجة؟
-لا ابدا حبيبتي، بس بسأل عن عز هو فين
هزت كتفها دون علم ثم أشارت على بعض كُتبها: -معرفش، انا كنت بحضر حاجة، وكلمني وقالي عنده شوية شغل
اومأ لها ثم تحرك للخارج بعدما لثم جبينها
-تصبحي على خير حبيبة عمو. قابله عز على الدرج.
-كنت فين دا كله؟
توقف أمام والده يطالعه باستفهام من عينيه، جذبه صهيب من كفيه متجها إلى مكتبه: -تعالى عايزك. تحرك عز خلف والده الذي ولج لمكتبه واغلق الباب، ثم أشار له بالجلوس
-اقعد! جلس عز بإرهاقٍ ثم تسائل: -فيه حاجة ولا إيه؟
-تعرف ايه عن القضية اللي جاسر ماسكها ومتلفش وتدور عليا انا عارف انتو الاتنين سركم مع بعض
تراجع بجسده يستند على المقعد وتمتم بصوت خافت بسبب إجهاده.
-معرفش، جاسر مبقاش زي الاول، اعتدل يدقق النظر بعين والده
-بس حضرتك بتسأل ليه هو فيه مشكلة ولا إيه؟
ظل صهيب يحدجه لفترة ثم أشار له: -قوم نام احسن!
اعتدل يستند على مكتب والده
-حضرتك قلقتني هو فيه حاجة
هز رأسه بعدما تأكد بعدم معرفة ابنه شيئا. ظل جالسًا لفترة بعد خروج عز، ثم رفع هاتفه وقام بمهاتفة أحدهم
-بسوم عامل ايه؟
كان يقود سيارته راجعًا لمنزله بعدما اطمئن على خروج جاسر من الأراضي اليونانية فرد قائلًا بخفة ظله المعتادة
-اهلا بالكبير، فينك يادوك
نقر صهيب بقلمه عدة مرات ثم باغته متسائلّا: -باسم من غير لف ودوران انا مش مرتاح لشغل جاسر ببورسعيد، ليه يشتغل ببور سعيد رغم أنه اولى له القاهرة، وياريت تكون صريح معايا.
توقف باسم بالسيارة، صمت قليلا ثم اجابه بخبرته التي اكتسبها عبر وظيفته لخروجه من المأزق: -وأنت تفتكر أن أي واحد فينا بيختار المكان اللي يقدر يخدم فيه وطنه ولا ايه ياصهيب، ماترجع بالذاكرة شوية وافتكر انا كنت شغال فين قبل مااتنقل القاهرة، وجواد كان فين، الموضوع مش ليه ساب القاهرة، الموضوع أنهم محتاجين ظباط كفئ في المكان دا، ومتنساش مشوار جواد سابق ابنه، ودا ظهر من كام قضية جاسر كافئ فيها، وعايز أكدلك انا ماليش اي تدخل، يعني الإدارة هي المسؤولة أن الظابط دا يشتغل هنا ودا هنا.
-اتمنى تكون صادق في كلامك ياباسم، اتمنى. غير باسم الحديث وأردف: -كنت عايز اسألك عن حاجة اهم من دي. صمت صهيب لمتابعة حديثه
-جواد ماله ياصهيب مخبي ايه علينا واكيد انت عارف
قطب صهيب جبينه متسائلًا: -تقصد ايه!
تنهد باسم و نظر من نافذة السيارة
-حاسس فيه حاجة مخبيها علينا عن صحته
-لا مفيش حاجة معتقدش أنه يخبي حاجة. قاد باسم السيارة مرة أخرى.
-اتمنى، لكن جواد متغير ومتأكد أنه مخبي حاجة، اللي يخلي جواد يطلب مني إن ابنه يبعد عن القضايا الصعبة يبقى تأكد أنه فيه حاجة
شعر صهيب بالارتياب فسائله: -امتى الكلام دا؟
اجابه باسم: من شهر تقريبًا أو اكتر، انا انشغلت ونسيت اسألك
-تمام ياباسم انا هعرف ولو اتأكدت اكيد هعرفك
-تمام يابص. قالها باسم واغلق الهاتف متابع طريقه
أما صهيب الذي توقف متجهًا إلى منزل جواد
بمنزل حازم الألفي.
اغلق حاسوبه وتراجع للمقعد يدلك عنقه، ثم نهض متجها إلى شرفته ليشاهد ماذا تفعل تلك الجنية الصغيرة.
نظر إلى غرفتها وجدها تغرق بالظلام، نظر بساعة يديه يحادث نفسه: -اول مرة تنام بدري البت الغبية دي، استند على السياج ينظر للحديقة حتى اعتدل ناصب عوده عندما وجدها تجلس بجوار تقى وفارس. استدار متحركًا للأسفل، خطى إلى أن توقف خلفهم ليرى ماذا يشاهدون بذاك الوقت والجو البارد يحاوطهم. ضحكت تقى على شيئا جعله يقترب ليرى ماذا يوجد بتلك الشاشة. توقف وإذ به يصيح بهم
-بتعملوا ايه في الوقت دا؟
هبت تقى من مكانها وابتلعت لُعابها
-جواد! رمقها بنظرة نارية
-فيه واحدة محترمة تقعد للساعة واحدة تضحك كدا مع الشباب لا وكمان مخطوبة، طيب احترمي خطيبك ياختي، أشار على المنزل
-على جوا ياله. توقف فارس مقاطعه
-حيلك حيلك ياحضرة الظابط، هي قاعدة مع حد غريب، دي بنت خالها وابن خالها يعني احنا مش من الشارع.
-اسكت يالا. قالها جواد بغضب ثم أشار إليه بسبباته: -اياك تقرب منها، دي مش زي البنات اللي كنت مصاحبهم في المانيا، رمق تلك الصامتة وتابع
-خليك مع اللي شبهك، ثم اتجه بنظره الى تقى: -ياريت الأستاذة تحترم الراجل اللي مكتوبة على اسمه، فارس مش اخوكي علشان تقعدي جنبه كدا لوقت متأخر، دا يحل لك يااستاذة، غوري من وشي. قالها بعصبية لا يعلم لماذا شعر بنيران بصدره عندما وجدهما بذاك القرب من فارس.
توقفت هنا وصفقت بيديها
-برافو درس أخلاقي ممتاز، بس ياترى حضرة الشيخ بيطبقه ولا لا. اقتربت منه وغرزت عيناها بمقلتيه: -متحدفش الناس بالحجارة وبيتك من ازاز ياحضرة الشيخ، ايه نسيت انك الصبح كنت بتقولي هبوسك، ولا دي أضغاث احلام. رمقته بنظرة مشمئزة واستدارت الى فارس
-كمل يابني سيبك منه، دا عايز يعمل شو على قفنا
قهقه فارس يضع كفيه على فمه يلكزها: -عيب يابت. أبيه جواد محترم، قالها وهو يراقص حاحبيه.
رفعت حاجبها الأيسر تطالعه بسخرية: -فارس أبيه جواد دا وانت قاعد قدامه حبيبي وبتسمع له وهو بيشرح دروسه القيمة
تحرك جواد بعدما سحب كف أخته ودلف للداخل
رمقها فارس بنظرة هادئة ثم باغتها بسؤال: -بتحبيه بجد ولا اعجاب!
نظرت أمامها ثم هزت كتفها قائلة: -عجبني كريزمته قوي، لكن هو عايش في الماضي
اعتدل يستمع إليها بإهتمام: -مش فاهم ياهنا، يعني ايه عجبك، وهو عايش في الماضي!
استدارت بجسدها وتربعت أمامه.
-فارس هو انت قولت حاجة عليا لعمو جواد!
ابتعد ببصره عنها وأردف: -هتفرق؟
اقتربت منه تدير وجهه إليها: -لا بسأل بجد، انت فعلا كلمت عمو وقولت عايز تخطبني
سحب نفسًا طويلا وزفره، ثم اتجه بنظره إليها
-الاول مش عايزك تزعلي من كلامي
-اللي هو. احتضن كفيها يمسد عليه
-اللي هو انك جميلة وحنونة، بلاش تستقلي بنفسك وبتربيتك ياهنا
ضيقت عيناها بذهول تشير لنفسها.
-أنا! نظر لعيناها وتابع مسترسلًا حديثه: -هنا أنتِ عايزة اكتر من انك تروحي تقولي لشاب انك معجبة بيه، عارفة معني اللي عملتيه ايه، اول حاجة انك نزلتي بتربيتك مهما كان الشخص دا قريب منك، لكن أنتِ بنت ومعروف في دينا بحياء البنت، إنما إنتِ ماشاء الله مفيش حياء خالص
-مبقاش الكلام اللي بتقول عليه دا يافارس. رمقها بنظرة كلطلقة نارية.
-الدين دين ياباشمهندسة في عصر، احنا ممكن نكون بعدنا أو نقدر نقول طورنا شوية في معتقداتنا في بعض الاشياء إلا في الحلال والحرام، الفرق بين البنت والولد، راجعي نفسك ياهنا خليكي عزيزة بلاش تخلي اللي قدامك مستقل بيكي
-لما شايفني كدا ليه روحت قولت لعمو جواد انك عايز تخطبني.
-كنت! قالها بصوت مرتفع، لم يرحمها بصفعات كلماته وأكمل استرسال حديثه: -رجعت ومكنش باقي في العيلة غيرك، فكرت في ام لأولادي قبل الجمال والرفاهية، قولت انك متربية قدام عيوني، وبما انك بنت عمي فأنا أولى بيكي، حبيت اخد رأي عمو جواد الاول، رغم أنه رفض التدخل وقالي، شوف البنت الأول، لكن حبيت اسأل عمو بخبرته وللأسف مااستفدتش منه حاجة، لحد ماجيتي وركبتي معايا وقولتي دون حياء وكأنك بتشربي حاجة ساقعة إنك بتحبيه وهو رافض.
نهض من مكانه بعدما نفض ثيابه
-المهم عايز اقولك كلامي مع عمي جواد كان مجرد اقتراح وترشيح مش أكتر، لكن بدل جواد عاجبك مبروك، انحنى بجسده: -لو بتحبيه خليه هو اللي يجري وراكي بعقل البنت المتربية في حي الألفي رغم اشك انك اتربيت هنا اصلًا.
اتمنى متزعليش من كلامي انا بعزك وحياة ربنا وكان لازم افوقك، ياله قومي من البرد تصبحي على خير، قالها بعدما حمل جهازه الالكتروني اللاب توب وتحرك للداخل. بالشرفة كانت هناك نظرات نارية مصوبة اليها، دلف إلى غرفته مرة أخرى يعاتب نفسه
-إنت وعدت نفسك انك مستحيل تفكر في حد في العيلة دي، رجعت تاني ليه.
حتة عيلة تلعب بيك، ارجع خصلاته للخلف بعنف بحركة تنم عن غضبه ثم ألقى نفسه فوق الفراش، يسحب هاتفه يحاكي جاسر ولكن هاتفه مازال مغلقا
عند جاسر وجنى
وصلا للأراضي المصرية، اتجه لسيارته بجراج المطار، بعدما ودع غنى وبيجاد، استقل السيارة بجوارها يطالعها للحظات بصمت ثم تنهد وهتف بنبرة حزينة: -جنى هتفضلي ساكتة كدا!
رجعت بجسدها للخلف واغمضت عيناها لتقطع أي حديث بينهما.
قاد السيارة دون حديث آخر متجهًا لمنزله، يرمقها من فترة للأخر حتى توقفت السيارة أمام منزله:
نظرت حولها بعدما توقفت السيارة وأغُلقت البوابة الالكترونية، اتجهت ببصرها إليه: -جيبنا هنا ليه، عايزة اروح لابني، رجعني حي الألفي مش عايزة اكون هنا. ترجل من السيارة متجهًا إليها وقام بفتح باب السيارة، وقام بسحبها من رسغها.
-انزلي حبيبتي مينفعش نرجع دلوقتي، الكل نايم، غير انا قولت لماما هنرجع بعد يومين هتقلق لما تشوفنا رجعنا تاني
نزعت كفيها منه وهدرت به، كفى لقد طفح بها الكيل: -ماليش دعوة هتفكر ايه، عايزة ارجع البيت مش عايزة أفضل هنا
جذبها من ذراعها وتحرك للداخل دون حديث: -متعليش صوتك، قولت الصبح يبقى الصبح، ياله علشان متغباش عليكِ.
-ايه هتكمل ضرب فيا ياحضرة الظابط: تجمد بمكانه ثم استدار إليها وانتفض جسده من كلماتها: -جنى قولت لك مكنش قصدي، غصب عني. تحركت للداخل دون حديث
-مش عايزة مبررات ياحضرة الظابط، كالعادة عندك الف سبب وانا الهبلة اللي بسامح
جذبها بقوة حتى ارضطدمت بصدره، ثم لف ذراعيه حول جسدها: -آسف. عارف غلطت، والله أنا اتفاجأت زيك كدا، رفع كفيه وقام بنزع حجابها من فوق كفيه.
-لو عايزة تقطعيها اقطعيها. رفع ذقنها بإبهامه ونظر بداخل عيناها
-طيب قوليلي اعمل ايه وأنا مجنون بيكي، ازاي اتحمل الكلام دا، واحد باعت بيقول لمسة ايدك، رفع كفيها يتحسس أناملها ينظر إليهم
-أزاي قدرتي تخلي شخص غيري يمسك ايدك، رفع نظره مرة أخرى وتعمق بعيناها يسبح بخط الدموع الذي ظهر بها، لانت ملامحها سوى من ذاك الحزن الذي تجلى بعيناها.
عانقها برماديته، فانسابت عبرة غائرة عبر وجنتيه، مما جعل قلبه ينبض بعنف كلما تخيل جلوسها مع ذاك الشخص: -شرب معاكي قهوة ياجنى، قهوتك لسة طعمها في بوقه. هنا انهار كيانه، وقد نجحت بإيصاله لذاك الشعور الذي جعل انكساره تجلى على ملامحه، فشعرت برجفة بسائر عمودها الفقري وخاصة حينما انحنى يحتضن وجهها
يطبع قبلة حارة على جبينها.
واستدار يواليها ظهره متحركًا للأعلى بعدما أردف بنبرة منكسرة: - عارف اذيتك كتير، وتعبتك بس دا من حبي فيكي، ومش هتغير ياجنى هفضل زي ماانا . توقف على الدرج
-مش هتنازل عن غيرتي مهما حاولتي
ظلت بمكانها تطالع تحركه للأعلى ثم جلست على الأريكة تحتضن وجهها وتبكي بصمت.
بعد فترة صعدت لغرفتهما، اتجهت إلى المرحاض بعدما وجدته يجلس بالشرفة، دلفت إلى الحمام لتنعش نفسها بحمامًا دافئًا، انتهت بعد قليل متحركة إلى فراشها تستلقي عليه نظرت بساعتها فتبقى القليل على آذان الفجر، نهضت من مكانها واتجهت تبحث عن اسدالها لكي تقيم فرض ربها الذي تناسته بكثرة مامرت بيه اليوم
ظلت على مصلياتها لبعض الوقت تدعو ربها بعد صلاتها حتى غفت فوقها دون إرداة منها
ذهبت بأحلامها.
خرجت تصرخ بفستانها الابيض تركض خلف ذاك الجثمان الذي يحمل على الاعناق، ظلت تصرخ وتصرخ، حتى سقطت على ركبتيها وصرخاتها مازالت بالارتفاع ورغم صوتها المرتفع ولكن لم يلتفت إليها احد، اختنق صوتها تحاول أن تخرجه تحاول تنزل دموعها ولكن عبراتها أبية عن النزول، صرخة عالية حتى شعرت بإنقطاع احبالها الصوتية باسم زوجها لعل أحدهم يشعر بها ولكنها كالذي يدفن في قبر ولا يستمع إليها احدا، هبت من نومها تصرخ باسمه ليهب من مكانه راكضًا إليها يجلس أمامها: -جنى مالك فيه ايه؟
نظرت حولها بذهول لتجد نفسها بغرفتها ومازالت بإسدالها، رفعت عيناها الباكية إليه تسائله بصوت متقطع: -إنت كويس. رفعها من فوق الأرض بعدما أيقن بنومها ثم اتجه إلى الفراش
يضعها بهدوء كأنها اغلى الماسات لديه، مسد على خصلاتها يهمس بصوته الحنون: -نامي ياقلبي، شكلك كنتي بتحلمي
أغمضت عيناها بعدما شعرت بإرهاقها تهمس له.
-لما الفجر يدن صحيني. جلس بجوارها ومازالت أنامله تخلل خصلاتها، حرك أنامله على وجهها الجميل ثم انحنى بعدما فقد سيطرته ليقتطف تلك الكريزة التي يعتبرها ملاذه للحياة بعد رحلة تعب شاقة
فتحت عينيها تنظر لداخل عيناه بصمت، لم يتحدث ولكنه نهض متجهًا للمرحاض ليتجهز لصلاة الفجر، اعتدلت تستغفر ربها وتردد دعواتها ليزيل الله هم وحزن قلبها.
بعد عدة ساعات بحي الألفي، وخاصة على طاولة الافطار، جلس الجميع بجو من البهجة لتجمعهم العائلي فاليوم هو يوم الجمعة
حمحم سيف وبدأ حديثه ليصمت الجميع للاستماع إليه
- علي خطيب سنا كلمني ياجواد وعايز يتمم الدخلة أول الشهر ايه رأيك
أشار إلى صهيب وحازم
-لو اخواتك موافقين وشايف ظروفك تسمح معنديش مانع، انا شايف أننا اتأخرنا فعلا على الفرح. هز صهيب رأسه ووافق جواد رأيه.
-خلاص ياحبيبي على خيرة الله، ربنا يسعدهم. ثم اتجه بنظره الى جواد حازم وعز
-شوفوا العروسة لو نقصها حاجة ياجواد. اومأ برأسه دون حديث
وصلت غزل وهي تحمل كنان الذي ارتفع بكاؤه. نهض صهيب من مكانه بعدما لاحظ على زوجته التعب قائلًا: -هاتيه ياغزل. ناولته إياه ثم تحدثت:
-الواد حاسس ان أمه مش موجودة مش مبطل بُكى.
-ليه هو جاسر لسة ماوصلش، تسائل بها جواد حازم مما جعل جواد يرفع عينيه مردفًا بتساؤل: -جاسر مش هنا، انت متعرفش ولا إيه، قالها وهو يلوك طعامه بهدوء وعيناه تخترقه كالصقر، ثم تابع متسائلاً: -ايه اخبار قضية بورسعيد. حمحم حازم: -جواد لو سمحت بلاش كلام في الشغل النهاردة، افصل يابني ايه متعرفش
نهضت ربى بعدما استمعت الى رنين هاتفها
-أيوة حبيبتي. تحركت لتحاكي اختها.
بالإسكندرية وخاصة بفيلا بيجاد المنشاوي، قبل قليل. استيقظت على بكاء طفلتها، نهضت من مكانها
-حبيبة مامي اشش اهدي ياقلبي، اتجهت ببصرها إلى مربيتها
-البنت بتعيط ليه؟
-والله يامدام غيرت لها واكلتها، بس شكلها موجوعة من حاجة، ضمتها لأحضانها وتحركت للخارج تهدهد لها بصوتها الحنون
-حبيبة مامي اهدي ياقلبي، وقامت بإطعامها وهي تمسد على خصلاتها الحريرية، بعدما أعطت لها بعض أنواع الأدوية لتهدئة نوبة آلام انتفاخها.
جذبت هاتفها تنظر بساعته ثم اتجهت لتحاكي اختها: -عاملة ايه ياقلبي. تحركت ربى لغرفتها وهي تجيبها
-كويسة الحمد لله، وحشاني ياغنى
-آسفة والله ياروبي عارفة طنط نغم مسافرة ومفيش حد مع مالك وحمزة، لقيتها مش كويسة لو جيت عندكم وسبتهم. وعد ماما نغم ترجع وهجي شهرين كمان، لانكم وحشتوني جدا
ضحكت ربى واجابتها: -كدا كدا هتيجي؛ علشان فرح سنا أول الشهر. ابتسمت غنى بحبور
-ربنا يسعدها. المهم نسيت أسألك.
-هو جاسر وجنى اتخانقوا في الرحلة ولا ايه
-اتخانقوا، ليه بيجاد كلمك!
وضعت غنى ابنتها على فراشها وتابعت حديثها مع اختها: -لا احنا كنا معاهم، وفجأة جنى اتصلت وقالت عايزة ترجع علشان الولد
-لا. اهدي كدا وفهميني، انا مش فاهمة، جاسر وجنى مش موجودين
بمنزل جاسر.
فتحت عيناها بتثاقل، شعرت بثقل فوق ساقيها، فتحت عيناها كاملة وجدت نفسها محاصرة بأحضانه، رفعت ذراعيه من فوقها بهدوء ثم حررت نفسها من بين قبضته، شعر بها ورغم استياقظه إلا أنه صار كما هو. تراجعت بجسدها ترجع خصلاتها للخلف تطالع نومه الهادئ لفترة، رفعت كفيها لتضعها على خصلاته كما تعودت كل صباح ولكن تراجعت بعدما تذكرت مافعله بها. اتجهت بنظرها لهاتفها وسحبته بعدما ارتدت روبها الثقيل وتحركت لشرفة غرفتها.
-ممكن اعرف ايه الرسالة اللي بعتها دي، انت ازاي تسمح لنفسك يااستاذ تبعت لواحدة متجوزة رسالة زي دي
حاول يزن الحديث ولكن ارتفع صوتها.
-ياريت تحترم نفسك بعد كدا مش معنى تبقى ذبون عندي تنسى نفسك، وعايزة أوضح لحضرتك حاجة الورد اللي حضرتك بعته رميته في الزبالة حتى مسمحتش ادخله بيت جوزي، واياك ثم اياك تتصل أو اشوف وشك تاني والرقم دا تنساه، ولو فعلا راجل قرب مني تاني. فكرتك محترم. لكن للأسف طلعت انسان قذر. قالتها ثم أغلقت الهاتف.
جلس على الفراش يستمع إلى حديثها الذي غلى الدم بعرقه كالمرجل الذي جف مائه. مما جعله اخرج الوحش الضاري بداخله فنهض وتناسى ما فعله بها واتجه يفتح النافذة بغضب وعيون نارية يجذب منها الهاتف ويلقيه: بغضب بالجدار واستدار يهزها بعنف
-إنت ايه، ليه مصرة تخرجي شيطاني، ازاي تتصلي بواحد قذر زي دا، ايه مش متجوزة راجل يامدام
تحركت دون أن تعريه اهمية، فجذبها بعنف متجها إلى غرفة الملابس.
-البسي يالا ارجعك بدل مانندم احنا الاتنين. نزعت نفسها تشير إليه بغضب
-ماتلمسنيش، سمعتني اياك تلمسني. قالتها واتجهت تجذب ثيابها وتحركت تغلق باب الغرفة بوجه لتبدل ثيابها. توقف ينظر للباب بحزن، لم يستطع الصمود أمام حزنها، دفع الباب ودلف إليها وجدها تقوم بنزع ثيابها، صرخت به بنبرة صوتها الباكي، وصل إليها بخطوة يضمها لأحضانه
-آسف اسف، عارف انا غبي ومتسرع، جنى. قالها بنبرة متألمة.
-ليه مُصر اني اكرهك ياجاسر، بتعمل كدا علشان اكرهك مبقتش متحمل حبي، وضع كفه على فمها، بعدما عجز عن صمتها بطريقته وانحنى يهمس لها وهو يجذبها بقوة لأحضانه: -جنى اسكتي، ايه اللي بتقوليه دا، انا جوايا نار تحرق العالم كله، ليه مش حاسة بحبيبك لدرجة دي شايفة كدا، ليه مش شايفة بغير عليك بجنون
نزعت نفسها وتحولت كعدوة لما شعرت به من الآلام قلبها
-دا مرض مش غيرة، انت مريض وعايز تتعالج ياجاسر.
دارت حول نفسها وبدأت تهذي بجنون
-ايه عايز تقنعني أن دا حب، حب ايه اللي يوصل إنك تشك فيا
اقتربت ترمقه بنظرات نارية: -ايه مصدوم، قولي قدمت لي ايه غير الوجع واني ارضخ لقرارات حضرة الظابط، بتحاول تضغط عليا علشان عارف ومتأكد اني بحبك.
اقتربت تدفعه بقوة بصدره وهدرت بتوبيخ: -اه للاسف بحبك بغباء، بحبك بهبل بنت هبلة ملقتش غير واحد مغرور تحبه، اقترب يطبق على ذراعيها وحاول أن يهدأ من غضبه فسحب نفسًا وهتف بصوتًا جعله هادئًا: -جنى بلاش تتكلمي وانتِ مضايقة مني، علشان متغلطيش، اهدي وبعدين نتكلم.
تراجعت بجسدها واطلقت ضحكة صاخبه بطعم مرار قلبها: -شوف ازاي، أيوة صح أما ماليش اغلط في الباشا، إنما الباشا له كل الحق أنه يغلط ويدوس عليا، له حق أنه يدمر مستقبلي وحياتي، اقتربت وغرزت عيناها بمقلتيه: -له حق أنه يعامل مراته على أنها واحدة خائنة
-اخرصي، قالها وهو يرفع يديه للأعلى ليلطمها على وجهها مرة اخرى ولكنه كورها بالهواء وهو يجز على أسنانه.
برقت عيناها وكأن صاعقة صافعتها للمرة الألف، حتى شعرت بفوهة بركانية تحت اقدامها، لتحمر عيناها التي تكومت بها سحب ممزوجة بالغضب والحزن بآن واحد
تراجعت بقلب فاض به الألم والغضب والحزن لتقطر دمعات عيناها رغمًا عنها ثم أشارت ليديه وصرخت بهياج: -كمل ايه لتكونش مش واخد على كدا، كمل ماانا بقيت الحيطة الواطية اللي تخرج غضبك فيها.
هوت على المقعد بعدما ضعف جسدها وخارت قواها ورددت بقلب ممزق كالمطعون بخيبة الألم من عشقها الضاري له، لتقص له مدى معاناتها دون النظر إليه
- عايز تضربني تاني ياجاسر، لدرجة دي بقيت مش قادر تتحكم في غضبك.
بتضربني!
رفعت عيناها وتقابلت بعيناه الحزينة، تهز أكتافها لأعلى
- عملت ايه لدا كله يابن عمي، ايه شايف حبي مش مكفيك ولا مش واثق في بنت عمك. اقترب منها وأشار بسبباته محذرًا إياها: -اسكتي ياجنى بدل ماازعلك.
-تزعلني! ليه هو حضرة الظابط مش واخد باله أنه كسرني
جلس أمامها واحتوى وجهها وبنبرة جياشة وعينا تقطر اسفًا: -بعض الشر عليكي حبيبتى من الكسرة، مش قصدي نوصل لكدا، لف ذراعيها يحتويها بين أحضانه
-سامحيني عندك بفقد عقلي ياجنى.
رفع رأسها يعانق عيناها كعناق ذراعيها بجسدها.
-لو شايفة دا غرور ومرض زي ماقولتي انا موافق، جنى أنتِ مش مجرد حبيبة، أنتِ عشق اندفن جوايا لسنين واتحملت كتير، لو بأيدي اخبيكي جوا صدري مش هتأخر
شهقة خرجت من فمها تبتعد عنه
-سبيني لو سمحت ياجاسر، عايزة افضل لوحدي، بلاش نتكلم دلوقتي انا زعلانة ومقهورة منك. نهضت من مكانها تشير إليه للخارج بعدما أزالت عبراتها
-اطلع عايزة اغير هدومي، لازم نرجع حي الألفي
مساء اليوم بمدينة العريش.
دلف أحد العساكر يؤدي تحيته العسكرية: -فيه هجوم يافندم على بعض المناطق الحدودية، هب ياسين فزعًا من مكانه
-الهجوم فين بالظبط
-اخبره العسكري بأحد النقاط التي تم الهجوم عليها، انتفض مهرولا للخارج بعدما علم أنها وحدة كريم، استدعاء للجميع لتمركز بأماكنهم. واتجه إلى جهازه اللاسلكي لاخبار قادته والاطمئنان على كريم ولكن لا يوجد خبر. استنفار جوي بعد الهجوم الغاشم على بعض وحدات الجيش، ويوجد الكثير من الشهداء.
بحي الألفي
كان جواد يعمل على جهازه كعادته، استمع الى طرقات على باب غرفة مكتبه، دلف جاسر مطأطأ الرأس بعد السماح له بالدخول. رفع عيناه من فوق الجهاز، وأشار إليه بالجلوس قائلًا: -لحظة يابابا وهكون معاك
جلس مستندًا بجسده على المقعد وأطبق على جفنه. أنهى مايفعله ثم اغلق الجهاز بدخول غزل بقهوته
-القهوة ياابو جاسر، عملتها باللبن ومش عايزة اعتراض.
كانت نظراته تحاصر ابنه، علم من ملامحه وجود مشكله تواجهه، أشار إلى غزل بالخروج، ولكنها جذبت المقعد وجلست بمقابلة ابنها
-حبيبي جيت وقولت تعبان ومردتش تقول رجعت بدري ليه، انت مكنتش قايل هتقعد يومين مع مراتك ايه اللي حصل
اتجه ببصره لوالده وأجابها مرددًا
-هجم علينا مرتزقة، وخلصنا من تحت ايدهم بالعافية.
شهقة قوية خرجت من فم غزل قائلة: -بتقول ايه ياجاسر! مرتزقة يابني فين عقلك اي اللي يخليك تروح مكان بعيد عن الأمن
رفع كفيه يخلل أنامله بخصلاته بغضب
-اهو اللي حصل ياماما، بيجاد اللي حجزه، مكنش يعرف اصلا، الحمد لله اننا رجعنا، كنتوا زمانكم بتترحموا علينا.
-بعيد الشر عنك ياروح ماما، ليه يابني على طول واجع قلبي كدا، علشان كدا جنى حابسة نفسها ومش عايزة تتكلم مع حد، دا حتى عاليا راحت لها وحاولت تكلمها رفضت، تلاقيها مش قادرة تستوعب اللي حصل لها.
رفع جواد فنجان قهوته وارتشف بعضها: -إنت عارف كان ممكن يحصل ايه ياحضرة الظابط لو وقعت في ايدهم: سحب نفسا وطرده قائلًا: -عارف يابابا، عارف ومتأكد كمان، انا هربتها وللاسف الغابة كانت كبيرة وتاهت فيها ومعرفتش ترجع لبيجاد، لحد ماقدرت اتخلص منهم، بس طبعا عاشت رعب
-حبيبتي يابنتي، وانا بقول البنت راجعة مش على بعضها ليه، دي كانت ممكن تموت بسكتة قلبية، اتجهت ببصرها لابنها.
-غابة ياجاسر، دا الغابات يابني كلها حيوانات مفترسة
جذب فنجان والده قائلًا بمزاح حتى يخرجهم من حدة الموقف
-حضرتك اللي بيشرب لوحده بيزور، وانا نفسي فيه، قالها وهو يرتشف منه بعض الرشفات ثم أجاب والدته: -الغابة دي غابة أشجار زينة ياماما، مفيهاش حيوانات، المكان دا معمول لشهر العسل بس طبعا فيه جزء منه بالقرب من البحر، وبعض الاماكن مفيش أمن كافي زي المكان اللي كنا فيه.
-حمدالله على سلامتكم، لكن بعد كدا لازم انت تراجع محدش غيرك، بيجاد مش شغله دا، وارجع اقول أن المكان مفهوش حاجة ممكن يكون أول مرة تحصل بالغلط، اتجه بنظره الى غزل
-المكان دا رحناه كذا مرة، بس نصيبهم حلو تلاقي حضرة الظابط مديون بحاجة فربنا خلص منه، مش صعبان عليا غير البت اللي فوق. قومي روحي اطمني عليها.
اومأت برأسها ثم نهضت متحركة للخارج. اتجه بنظراته الصقرية لابنه وباغته بسؤال: -دا اللي المفروض الكل يعرفه، إنما سبب الحزن اللي في عينك دا ايه
سحب نفسًا وزفره بهدوء
-فيه واحد اسمه يزن العابدين بيجري ورا جنى
-أيوة عارف. توسعت عيناه بذهول يطالع والده بصدمة
-حضرتك بتقول ايه! وليه انا معرفش
-تعرف ايه مش فاهم، هو الموضوع مستاهل. كانت إجابة واهية تحمل من الثبات ما رسمه جواد بعناية.
-حضرتك شايف أن واحد يعاكس مراتي دا عادي.
اكمل جواد قهوته وكأن الذي أمامه لا يحترق بنيران الغيرة التي تشعل بداخل صدره. وضع فنجان قهوته بهدوء وثبات وكأن شيئا لم يكن وهو ينظر بداخل عيناه: -اللي يتقال في المواقف دي، ايه كان رد مراتي عليه، واللي يتعمل برضو استخدام العقل قبل ماالتهور اللي متأكد انك وجبت بيه مع مراتك ياحضرة الظابط، يوصلها أنها تقفل باب اوضتها يوم كامل حتى متنزلش لأول مرة تسلم عليا بعد رجوعها.
نهض جواد من مكانه يعقد ذراعيه خلف ظهره، وتحرك بهيبته التي فرضها على ابنه ليتوقف أمام والده توقيرًا له ثم تحدث: -أنا عديت يوم الحفلة وقولت دا حقك، رغم من حقها أنها تثبت نفسها، وسافرت ورمتها وكأنها عملت جريمة في حقك، رغم انك دوست على قرار ابوك، بس قولت حياته ومينفعش ادخل فيها
رفع كفيه على كتفه وتابع حديثه
-قولت لك حاول تسيطر على غضبك علشان الغضب نار بتحرق، لكن معرفش هتفضل متسرع لحد امتى.
نظر لعين ابنه وباغته بسؤالٍ اخر: -عملت ايه في مراتك ياجاسر بعد ماعرفت بموضوع يزن
بتر حديثهم دخول صهيب ملقيا التحية، ثم وزع نظراته بينهما
-مالكم وقفتوا كلام ليه؟
استدار ورسم ابتسامة إلى عمه
-حبيبي ياعمو عامل ايه!
جلس صهيب بمقابلة جواد الذي تحرك إلى مقعده وأقام بالرد على أخيه: -قعدت مع سيف وشوفت ناقصه حاجة
هز رأسه ثم أشار إلى جاسر: -سبني مع بابا شوية ياجاسر. تحرك جاسر دون حديث وصعد إلى غرفته.
بجناح ياسين قبل قليل
أنهت استحمام ابنتها وبدأت تلاعبها لبعض الوقت، حتى غفت بهدوء بعد شعورها بالتعب. نهضت وادت فرض ربها ثم اتجهت إلى مطبخها لتعد مشروبها المفضل، متحركة ل شرفتها تنعم بنسمة الهواء البارد لعشقها لفصل الشتاء.
فتحت هاتفها تتفحص الأخبار، ولكنها هبت فزعة بعدما ظهر أمامها ذاك الخبر المشؤم. هجوم غاشم على قواتنا الباسلة بالمناطق (، )، رفعت الهاتف لتهاتفه مرة والى أخيها مرة، ولكن الهاتف مغلقًا، شعرت وكأن جدران الغرفة تطبق على صدرها، ف تحركت سريعا متجهة إلى غرفة جاسر، طرقات مرتفعة مع جسد منتفض وعينان تشعان الخوف بمقلتيها.
نهضت جنى من مكانها بتكاسل تفتح الباب، توقفت مصدومة من دموع عاليا التي انسابت رغمًا عنها وبنبرة متحشرجة بالبكاء
-فين جاسر؟
قطبت جبينها وبعيونا متسائلة: -في ايه، عايزة جاسر ليه. مسحت دموعها التي ازدادت وهتفت: -قولي لي هو فين ياجنى، مش عايزة انزل تحت لعمو جواد واقلقه
سحبت كفيها للداخل بعدما أحست بريبة حديثها، وتيقنت يخص ياسين
-عاليا ياسين حصله حاجة؟
تسائلت بها جنى بقلب يزداد نبضاته، شهقة بكاء خرجت من جوفها
-معرفش بتصل بيه مابيردش، والمكان اللي هو فيه انضرب دلوقتي
ضمتها جنى تربت على ظهرها وتفكر ماذا عليه أن تفعل، بعد خروج جاسر ولم تعلم عنه شيئا، لحظات وافتتح الباب يطل منه. توقف عندما وجد عاليا بغرفته بملابسها المنزلية، وخصلاتها المتمردة على وجهها. فاستدار متراجعًا.
-آسف مخبطش معرفش انك هنا. وعت جنى لما تردتيه عاليا، فاتجهت إلى وشاحها تضعه فوق رأسها متجهة إلى جاسر: -جاسر! استدار بعدما استمع لبكاء عاليا
-في ايه.! اقتربت منه تطبق على ذراعه
-عاليا بتقول في هجوم في المكان اللي فيه ياسين وبتتصل بيه وبكريم محدش بيرد
توسعت عيناه بشدة وللحظة شعر بأن لسانه توقف ولم يعد لديه الحديث، كأن الذي استمع إليه ماهي الا تفوهات.
رفع نظره الى عاليا وابتلع ريقه بصعوبة متسائلا: -من أمتى الكلام دا.! اقتربت منه عاليا تزيل عبراتها!
-الضرب كان من ساعة، دا اللي ظهر في الخبر
استدار للخارج، خرجت جنى خلفه سريعًا
-جاسر، استدار يطالعها باستفهام، وصلت إليه تحاوطه بنظرات متسائلة: -رايح فين وهتعمل ايه!
-نظر لثيابها وأشار لها بالدخول.
-ادخلي ممكن أوس يخرج فجأة، وانا هتصرف، مش عايز حد يعرف حاجة دلوقتي. قالها وتحرك سريعا للأسفل، وقام بمهاتفة باسم
-عمو باسم، نهض باسم من مكانه معتذرًا من صديقه واجابه: -حمدالله على سلامتك، لسة فاكر تكلمني.
-عمو وحدة ياسين مضروبة فعلا، فيه اخبار بتقول فيه هجوم داعشي، أعلنوه من دقايق
ذُهل باسم من حديثه فتحدث مجيبا إليه: -أنا برة من فترة ومفتحتش اخبار. طيب دقايق وهطمنك.
-هنتظرك. قالها جاسر وتحرك ذهابا وايابا بالحديقة، بعدما شاهد معظم مواقع التواصل تعلن عن خبر سقوط شهداء لدى الجيش في محاولة ارهاب غشيم تدينه جميع الأديان السماوية
لحظات واستمع الى رنين هاتفه، رفعه سريعًا
-ياسين!
اجابه ببعض الكلمات القليلة.
-أنا كويس طمن بابا وماما، مفيش حاجة، صمت للحظات ثم أردف بنبرة حزينة: -كريم اتصاب في الهجوم، وانا في المستشفى العسكري دلوقتي، لازم اقفل بلاش تعرف عاليا بإصابة اخوها، المهم طمن بابا علشان ميقلقش.
تنهيدة عميقة بعدما شعر بالراحة، حينما هاتفه أخيه، قام بمهاتفة باسم وطمأنه، ثم تحرك إلى منزله قابله عز وجواد حازم
-جاسر اطمنت على ياسين. اومأ برأسه بخروج صهيب وجواد من الداخل
طالعهم جواد بنظرات تقيمية ثم تسائل: -واقفين كدا ليه!
نزل عز ببصره للأسفل دون حديث، بينما جواد الذي اتجه بنظره الى جاسر قائلاً: -الحقيقة ياخالو عرفنا فيه هجوم في العريش على بعض وحدات للجيش جينا نطمن بعدما فشلنا في الوصول لياسين
توهجت عيناه بالرعب ملتفتًا إلى جاسر
-ايه الكلام دا، كلمت اخوك!
اقترب صهيب من جواد وحاول السيطرة على نظرة الرعب الذي تسللت لقلبه واردف: -اهدى اكيد مش في مكان ياسين، ربنا يحمي اولادنا جميعًا. ارتجف جسد جواد حتى شعر بفقدان الوعي فتحامل على نفسه مرددا
-كلم اخوك، أو شوف حد يطمنا قاطعه جاسر مقتربًا من والده يجذبه من ذراعه
-بابا ياسين لسة قافل معايا وهو كويس، قال المكان المضروب وحدة بعيد عنه. أهدى.
نظر إليه عله يجد الصدق بعيناه، فهز رأسه وأكد حديثه: -والله ياسين كلمني، بيقول الدنيا تهدى وهيكلم حضرتك
تحرك للداخل يستند على الجدار، وكأن تنفسه سحب من رئتيه، حاول الصمود ولكن كيف لهذا القلب أن يصمد بعد ماتحمله، جلس على اول مقعد قابله
-صهيب. همس بها بدخول سيف وحازم
-ياسين كويس مش كدا. قالها سيف وهو يوزع النظرات عليهم جميعًا.
هز جاسر رأسه: -الحمد لله ياعمو، اتجه بنظره لوالده الذي شعر بالاختناق فتحرك يجذب كوب المياه ليساعده بإرتشاف القليل منه، ثم تسائل: -بابا حضرتك كويس.! استمعت غزل التي هبطت من الدرج تحمل كنان وهي تداعبه، لكنها توقفت مستمرة عندما وجدت الجميع يحاوط جواد. اتجهت سريعًا إليه تنظر حولها برعب!
-في ايه مالكم! ثم استدارت ترمق جواد الذي حاوط رأسه بين كفيه، رفعت عيناها إلى جاسر
-ابوك ماله، ثم اتجهت إلى صهيب.
-جواد ماله؟ قالتها وهي تقترب من بسيقان مرتعشة، أعطت كنان لوالده وجلست أمام زوجها، ليه محدش بيرد عليا. قالتها والخوف يتسلل داخلها
-جواد! رفع رأسه ونظر لداخل عيناها محاولا الحديث ولكن كيف له وهو يشعر وكأن أحدهم يضع صخرة جبلية فوق صدره. رطب لسانه ثم سحب نفسًا شعر صهيب بما يمر به جواد فاردف بهدوء: -مفيش ياغزل، شدنا مع بعض شوية.
شيعت نظرها إلى صهيب تطالعه بتدقيق ثم اردفت مستنكرة حديثه: -عايز تفهمني أن جواد هيبقى كدا بسبب انكم شدتوا مع بعض، استمعت إلى خطوات جنى على الدرج وهي تهتف باسم زوجها
-جاسر. استدار يطالعها بصمت يدعو الله أن يمر هذه الليلة على والديه مرور الكرام، خاصة بعد إغلاق ياسين لهاتفه، كيف يقنع والدته أنه بخير، لحظات فقط كفيلة أن يفقد تنفسه. فتحرك سريعًا إلى جنى بكنان.
-خدي الولد واطلعي، طمني عاليا ياسين كلمني وهو كويس، همس لها
-ماما متعرفش، بينما جواد الذي سحب كف غزل ينظر لعيناها المرتبة:
-أنا كويس عايز ارتاح. قالها وتحرك لغرفته والعيون تحاوط تحركه بألم
بالأعلى بغرفة ياسين
صعدت جنى بعدما اخذت ابنها من زوجها واتجهت الى عاليا، وجدتها جالسة تحتضن ابنتها وعبراتها تنساب بصمت
-عاليا. رفعت عاليا نظرها إليها وجدت ابتسامة تزين وجهها.
-ياسين كويس، جاسر كلمه وقال إنه كويس، بس هو مينفعش يكلمك حاليا، بسبب رفع حالة الطوارئ بعد الضرب
وضعت ابنتها بمهدها ونهضت تمسح دموعها واردفت متسائلة بلهفة: -إنتِ مابتكذبيش عليا صح ياجنى، اقتربت جنى تضمها بذراعها
-والله ابدا جاسر قالي اطمنك، وشوية وياسين هيطمك اكيد
حمدت ربها مرددة عبارات الشكر لربها: -اللهم لك الحمد والشكر يارب. قالتها ساجدة شكرًا لربها، ثم اتجهت تسأل جنى.
-طيب كريم، ياسين مقالش حاجة عن كريم. هزت رأسها بعدم معرفتها. اومأت عاليا متفهمة، ثم نهضت متجهة إلى مرحاضها، هروح اصلي ركعتين لله، قلبي وجعني.
ربتت جنى على ظهرها فتحركت متجهة إلى الداخل، بينما خرجت جنى لغرفتها، صعد بعد قليل بكتفين مهتدلين من الحزن والألم، عقله يصفعه بما يخفيه عن والده، اليوم فقط شعر بنظرة الرعب بأعين والده على اخيه، ماذا سيحدث له إذا علم بما يفعله. دلف إلى الغرفة وجدها تخرج من حمامها ترتدى بورنس الحمام، توقفت تطالعه بصمت، حرب شعواء بين عقلها وقلبها من حالته الحزينة، صفع القلب العقل ينهره بحده: -ايه اللي بتقوله دا، مستحيل اتخلى عنه مش شايف حالته ازاي. تحركت إلى أن وصلت لوقوفه. كان ينظر بالغرفة بتشتت كأنه طفل فقد والديه، احتضنت ذراعه ثم رفعت كفها على وجهه: -جاسر إنت كويس. هز رأسه بالنفي ثم تحرك إلى الأريكة وهوى بجسده كاملًا على الأريكة، يضع كفيه على عينيه. جلست بجواره ومازالت تحتضنه بنظراتها. احتوت كفيه بين راحتيها متسائلة: -جاسر ياسين كويس. اومأ برأسه دون حديث. أزالت كفيه من فوق عينيه.
-جاسر إنت مخبي ايه، فيه حاجة حصلت تاني. قالتها وهي تمسد على خصلاته حتى غفى. نهضت من مكانها
-
بعد يومين من تلك الأحداث التي حدثت بالجيش، نهض من نومه من فوق تلك الأريكة، التي اتخذها كي لا يزعجها، امسك هاتفه وقام يحاكي أخيه: -ياسين ايه الاخبار
تحرك ياسين للخارج
-النهاردة الوضع مستقر شوية، عندنا كام مناورة، يومين وهنزل، المهم بابا وماما عاملين ايه!
-كويسين حبيبي. كريم عامل ايه!
-كويس، الحمد لله. اغلق الهاتف ثم
ذهب ببصره على جنيته النائمة، نصب عوده وتحرك يتمدد على الفراش بجوارها، لقد اشتاق إليها حد الجنون، خلل أنامله بخصلاتها ثم نزل يرفعها من فوق عيناه، مقتربًا من أنفاسها يستنشقها بهيام. فتحت عيناها بعدما شعرت به، اعتدلت سريعًا
-جاسر بتعمل ايه، اعتدل مثلها واجبها
-بعمل ايه يعني، مراتي وحشتني
نزلت من فوق الفراش إلا أنه جذبها بقوة لتسقط فوق الفراش يحاوطها بذراعه.
-جنى احنا هنفضل كدا لحد امتى
انتفض جسدها من قربه وضعفت من أنفاسه التي ضربت وجهها، ابتلعت لعابها بصعوبة: -جاسر ابعد، انا زعلانة منك ومستحيل تقرب لي بدون اذني
انحنى من ثغرها واردف ب.
-هتفضلي مقاطعة حبيبك كدا ياجنى، يعني مش فارق معاكي بعدي، جنى أنا هسافر بكرة، هتخليني اسافر وأنا زعلان، طيب ودعيني ببوسة حتى قالها يلمس ثغرها. دفعته بقوة ونهضت سريعا تهدر به: -قليل ادب. قالتها وتحرك. استمع الى رنين هاتفها، جذب ينظر لتلك الرسالة
-أنا اسف مدام جنى، صدقيني مكنش قصدي أزعج حضرتك، اتمنى تقبلي اسفي.
ضغط على شفتيه وكاد أن يدميها
-أنا ازاي نسيتك؟
قام بتدوين شيئا وقام بإرساله، وانتظر الرد.
-أكيد دا اسعد يوم في حياتي.
نصب عوده واتجه إلى خزانته يتمتم بفحيح
-احسن يوم ياحيوان، انا هعرفك ازاي تقرب من حاجة تخصني
وصل بعد قليل لذاك المقهى، الذي أرسله للمقابلة
جذب المقعد وجلس بمقابلته
ابتلع ريقه قائلًا بتذبذب بعدما علم بهويته متذكرا صورته على شاشة هاتفها:
-اهلا يافندم حضرتك مين.! حاول ألا يوضح خوفه أمامه فأشار قائلًا:
حضرتك التربيزة دي بتاعتي
نزع نظارته ثم ضغط على شفتيه بحركة ساخرة.
-أنا جوز المدام اللي كل. ب زيك مستنيها
في هذه اللحظة كان الصمت مميتًا لكليهما، ود لو دمر هذا المكان بأكمله.
ارتجف جسده من هيئة جاسر، فتحدث بتقطع: -مدام مين مش فاهم قصدك!
عند جنى خرجت من الحمام تبحث عنه، استغربت خروجه الوديع وحدثت نفسها: -معقول يكون سمع الكلام ومشي، ازاي دا اكيد سخن، ذهبت ببصرها لهاتفها الذي وجدت شاشته مضاءة تحركت إليه لتجد تلك الرسالة الذي ارسلها.
جحظت عيناها، فخرجت سريعا بعدما جذبت اسدالها متجهة إلى غرفة أوس
طرقت على باب الغرفة ولكن لا يوجد رد. اتجهت إلى هاتفها وقامت بهاتفة أخيها
-عز! الحق جاسر في العنوان دا(. ) بسرعة قبل مايرتكب جريمة
بعد دقائق معدودة وصل عز إلى المقهى، توقف جاحظ العينين بعدما وجد معركته دامية مع ذاك الشخص الذي ذهبت ملامحه بالكامل. هرول إليه، يجذبه من ذراعيه
-جاسر إنت اتجننت. دفعه جاسر وهو يجذب الآخر يجره خلفه.
-أنا هعرفك ياحقير ازاي عينك دي تترفع على ست
فتح الآخر عيناه التي تورمت مثل حال وجهه واردف بضحكة ساخرة
-ولا تقدر تعمل حاجة، اهم حاجة أنا قربت منها وشميت ريحتها اللي جننتني، مضايق علشان كانت بتكلمني وبتقابلني، ايه مكنتش تعرف بعلاقتنا
رغم انتفاضة جسد عز من ذاك المنحط، واراد أن يحطم رأسه، ولكنه اقترب من جاسر وحاول السيطرة عليه مرددًا بهدوء بعدما وجد نيران تخرج من عينيه وحركات اعضائه النافرة:.
-جاسر متبقاش مجنون، اهدى بيحاول يضايقك، ولكن هل يستطع أحد منع ذاك الأسد المفترس عن غزالته الشهية، خطى إلى أن وصل إليه توقف وادعى الثبات ولكن هناك ثوران لبركان قائظ الاشتعال. انحنى مستندا على تلك الطاولة
-قولتلي انكو على علاقة وبتكلمك وبتتقابلوا. دنى منه ونظر بقوة داخل عينيه وهدر
-آه. كنا على. لم يكمل حديثه عندما.
قام بتحطيم فكه بالكامل، لم يكتف بذلك بل رفع المقعد فوق رأسه. ارتعب عز من حالة يزن الدامية وحاول أن يسيطر على جاسر، إلا أنه
انفجر كالبركان ليجذبه من تلابيبه ويتجه به لسيارته، يدفعه بقوة ويقودها بسرعة جنونيه، وحديث ذاك المختل نيران تحرق دواخله بالكامل
وصل بعد قليل إلى ذاك المكان ثم جذبه يجره من ساقيه حتى وصل لتلك الحفرة المشتعلة بالنيران وانحنى بجسده ينظر لجسده الدامي.
-أنا هعرفك ازاي تبجح في مرات جاسر الالفي، لازم اشويك زي السمك واقلبك كدا على جنابك، اهو احرق العضلات اللي بتتفاخر بيها يازبالة. رفع يديه بانهاك
-هوديك في داهية.
-وأنا مستني الداهية دي، قالها وهو يدفعه بساقيه بقوة ليسقط لتلك الحفرة وترتفع صرخاته وجلس جاسر يضع ساقًا فوق الأخرى.
-اصرخ ياحيوان عايز اسمع كنت بتقول ايه، وصل أوس بجوار عز الذي حاكه بعدما فقد السيطرة عليه توقف أوس صارخًا يلكمه بقوة: -الله يخربيتك ياجاسر، امسكه محاولا أبعاده لإنقاذ ذاك الذي يصرخ يبتعد عن النيران متسلقا الخندق
-اللي بتعمله دا غلط. لوح بكفيه.
-امشي يالا من قدامي بدل ماارميك معاه. استمع الى رنين هاتفه ابتسم ساخرا بعدما وجد رقم والده: -رد على ابوك، قوله بيقولك هو مش موجود. جحظت عيناه من بروده، فلكمه بقوة يدفعه على عز
-فوق يامجنون، هتودي نفسك في داهية. اتجه بنظره لذاك الذي ارتفع صرخاته فأشار لرجله
طلعوه يشم شوية من دا، ونزلوه يسخن شوية كل عشر دقايق
جذبه أوس متجهًا إلى سيارته
-طلعه يابني، ثم رمق عز بنظرة فهمها:
جذب جاكيته وتحرك وهو يتمتم.
-لما اروح اشوف ست الحسن والجمال، ألم معجبين ابوها وحياتك عندي لاخلي عيشتك مرار يابتاعة معجبيني. تذكر شيئا ثم رفع هاتفه
-و. لع لي في المكان اللي عندك، اياك تخرج من غير ما تخليه رماد
-طيب والأمن ياباشا!
-مش شغلتي. شغلتك تنفذ وبس
أوقفه أوس
-يولع في ايه ياجاسر، انت مش طبيعي يابني، انت عارف مين دا ويمكن يعمل ايه.
اشعل سيجاره ورمقه قائلاً: -وانت متعرفش تخرص شوية، دا مجرد حشرة وكان لازم اعلم عليه، علشان اوصل رسالة لشوية الزبالة اللي بعتينه، افهم ياغبي، انا عارف بعمل ايه
قالها وتحرك خطوة، ثم رجع إلى أوس المذهول
-متخافش مش هولع في المعرض بتاع جنى، انا هولع في معرض عربيات ذاك المجهول، اهو إضربهم بنفس ضربتهم
لكزه بصدره
-دا شغلي ومالكش دعوة بيه. قالها واستقل سيارته متجها لمنزله، رفع هاتفه يصرخ لجواد.
-إنت نايم على ودانك، وهم باعتين واحد حقير يلاعبوني بيه، عايزين يخوفوني ويلهونا ياحضرة الظابط، ركز اكيد هم عرفوا حاجة، مايعملوش كدا الا إذا بيفكروا في حاجة
-مش فاهم ايه اللي بيحصل؟
انا عشر دقايق واكون عندك. قالها جاسر مغلقًا هاتفها
بعد فترة دلف إلى منزله قابله جواد الذي خرج من مكتبه متجهًا للخارج، توقف أمامه ينظر إليه بذهول:.
كنت فين بتصل بيك بقالي ساعتين، اجهز علشان هيجوا يكتبوا كتاب سنا. دقق النظر بهيئته
-ايه اللي عمله في نفسك كنت بتتخانق ولا ايه
التفت لوالده وهو يصعد للأعلى
-كنت بتعرف على معجب مراتي ياحضرة اللوا. بس مالحقناش نتعرف شكله طري قوي، اقترب جواد منه
-إنت شارب ايه يامتخلف على الصبح. دنى من والده وهمس له ببعض الكلمات، جحظت أعين جواد قائلاً
-إنتِ مين مربيك يالا.!
-ايه دا ياحج جواد هو انا متربتش، معلش شكلك نسيت تربيني من كتر عيالك. الواحد بيخلف واحد ولا اتنين إنما أنت ماشاء الله مخلف دستة عيال رزلة
قهقه عز وهو يضع كفيه على فمه قائلًا: -كنت عايز اسأل بس اتكسفت، اقترب من جواد وربت على كتفه
-ماتقولي الوصفة والطريقة. ووعد هخبيها على ابنك اللي مش متربي دا وانا هربيه.
مرت الايام سريعًا إلى أن رجع ياسين. كانت تجلس بالحديقة تحمل ابنتها تمسد على خصلاتها، تحرك وتوقف خلفها يرسمها بعيناه بإشياق نبضات قلبه، اقترب بخطوات هادئة إلى أن جلس خلفها ولف ذراعيه يحتضنها من الخلف يهمس بجوار أذنها
-وحشتيني. أطبقت على جفنيها وبكت بشهقات قبل أن تدير نفسها إليه وتحاوط عنقه
-كدا ياياسين، هونت عليك الوقت دا كله، كدا تسيب قلبي موجوع.
أخرجها من أحضانه يحتضن وجهها بين راحتيه: -قلب ياسين أنا اسف غصب عني، قرب رأسها يطبع قبلة مطولة على جبينها: -وحشتيني قوي يالولو، بجد وحشتيني
رفعت عيناها الباكية إليه واردفت لأول مرة دون خجل
-وانت ياقلب لولو. ملست على وجهه
بحبك قوي. دقات عنيفة أعلنت حربها بصدره، لينزل ببصره إلى ابنته، ويقوم بحملها، ثم شبك كفيه بكفها يجذبها لتتوقف، ليحاوط جسدها، ويتحرك للأعلى ليقص لها معذوفة اشتياقه بطريقته الخاصة.
مرت الايام سريعًا إلى أن جاء اليوم الموعود لحفل زفاف سنا. قبل الزفاف بيوم، رجع من عمله ووضع اشيائه الخاصة على طاولة الزينة وتحرك ليأخذ حمامًا منعشا، في حين ذهبت الفتيات لحفل الحنة الذي يقام بمنزل سيف، ورغم جفائها بتلك الأيام إلا أن نظراتها على طاولة العشاء حكت الكثير عن اشتياقها الكامن الذي تحاول تخفيه من ابتعادها عنه. تحرك للأسفل
قابلته المربية
-كنان عايز والدته يافندم، ومش لقياها.
حمل طفله يرفعه بالهواء ليقهقه الطفل
-حبيب بابي زعلان انت كمان من مامي
تعالى نرخم عليها شوية بنت صهيب. وصل إلى منزل عمه، استمع الى صوت الأغاني يصدح بالمكان
-الله الله. امك عاملة فيها لوسي، وحياتك لاربيها الليلة بنت صهيب المنفلتة.
قابلته مليكة تنظر إليه بتساؤل
-بتعمل ايه هنا. حمحم ليتجلى صوته بعدما شاهدها تتمايل بجسدها المغوي كعادتها بجوار ربى
-عايز جنى ياعمتو، ممكن تقولي لها تطلع، مش حلوة ادخل.
ربتت على كتفه قائلة: -لو كنان عايزها هاتو اخدو لها. امال مازحا إلى عمته: -مينفعش ابو كنان ياعمتو
بجناح ياسين قبل قليل. كانت تغفو بأحضانه، نهضت بتكاسل تنظر لجسدها المحاوط بجسده، رفعت نظرها إلى وجهه تمرر أنامله على وجهه، ابتسمت بحب حينما تذكرت ما فعله بها منذ قليل. تراجعت بجسدها تجذب روبها لتنهض متحركة إلى الحمام.
خرجت بعد قليل وجدته يحمل ابنته وقهقهات ترتفع بالغرفة، اقتربت منه مع ابتسامتها الخلابة، ثم حاوطت جسده تطبع قبلة على وجنتيه
-صح النوم، الحفلة زمانها بدأت، سحبها إلى أن جلست فوق ساقيه، يضع رأسه بعنقها يستنشق رائحتها بهيام
-ريحة الفراولة بتنعش روحي. اقتربت من شفتيه تغازله
-لا وانت الصادق ياحبيبي دي ريحة التوت. اقتنص شفتيها بقبلة سريعة ثم غمز لها: -أيوة صح احلى توت من احلى شفايف. نهضت تضحك بصوت مرتفع.
-بقيت منفلت يابن عمو جواد، نهض خلفها بعدما وضع ابنته بمهدها، يجذبها
رايحة فين.
أشارت على نفسها واجابته: -حبيبي عايزة انزل حفل الحنة، طنط ميرنا هتزعل، وتلاقي البنات كلها هناك
اقترب وحاوط جسدها يضع جبينه فوق خاصتها
-قولي لهم حضن جوزي كان وحشني
تمسحت بصدره تهمس بصوت مرتبك بعدما عصرها بأحضانه
-ياسين مينفعش وسع بقى هيقولوا علينا ايه
تراجع متجها إلى الحمام
-تمام حبيبي اجهزي، توقف يشير إليها.
ممنوع اشوف اي مكياج ياعاليا، سمعتيني. قالها وتحرك للحمام، تنهدت تضع كفيها على صدرها
-معقول احبك كدا، مين يصدق اكتر شخص كرهته يكون اكتر شخص أحبه في حياته
بعد انتهاء حفل الحنة. صعدت إلى غرفتها وجدته يدخن سيجاره بالشرفة، تحركت تجذب منامتها، ثم تمددت على فراشها، تختلس النظرات من فترة لأخرى، نهض من مكانه ودلف للداخل القى نفسى بجوارها
اعتدلت جالسة على الفراش
-جاسر لو سمحت!
زفر مختنق، ارتفع رنين هاتفه، نظر للهاتف ثم إليها وتحرك سريعًا للشرفة
-أيوة ياسمر
-إنت فين ياغريب، اجابه ونظراته على جنى وأجابها
-اخدت من الدكتورة اسبوع اجازة، بنت عمي بتتجوز
-طيب مش تدعينا. حاول إنهاء المكالمة قائلًا مرة تانية. اسف لازم اقفل دلوقتي
عند سمر توقفت والدتها خلفها
-شايفة اهتمامك بغريب بيزيد ياسمر.
تنهيدة عميقة ثم استدارت لوالدتها: -شكلي حبيته ياماما، بس معرفش ليه دايمًا بيتهرب مني، بحسه ببقى مش عايز يتكلم معايا
ربتت والدتها على كتفها ثم اردفت
-هشوف نيته لما يرجع
عند جاسر هاتف جواد
-اتصل بيهم وشوف الميكروفونات كلها شغالة ولا لا. عايز اخلص من هناك بسرعة. اجابه جواد
-تمام متقلقش، جلس على المقعد ينظر للأمام لفترة حتى غفى بمكانه، بعد فترة:.
فتح عيناه وجد نفسه مازال نائمًا على ذاك المقعد. حرك رقبته يمينًا ويسار عندما شعر بتشنجها، ذهب ببصره لتلك النائمة، نظر بساعة يديه وجدها الثالثة فجرًا. دفع المقعد بقوة حتى افزعها بنومها
-فيه ايه. ألقى نفسه على الفراش بجوارها
-مش جايلي نوم وعايز اتسلى قومي ارقصيلي.
أرجعت خصلاتها وهدرت به: -إنت مجنون مصحيني الساعة تلاتة الفجر تقولي ارقصيلي. نهض من مكانه لحظات ثم عاد وهو يمسك تلك البدلة بيديه، ثم أشار بها وعايزك تلبسي دي
تمددت على الفراش مرة أخرى وهتفت ببرود
-اطفي النور عايزة انام وروح العب برة، ولا احلم بعيد عني مش ناقصة جنان على الفجر
تجعد جبينه ثم اقترب منها: -دا اخر كلام؟
-ومفيش غيره قالتها بإزدراء.
تحرك إلى الشرفة فابتسمت بخبث ظنا أنه رضي بالأمر الواقع ولكنها اعتدلت بجلوسها سريعًا، عندما اغلق باب شرفتهما وقام بتشغيل أغنية شعبية ورفع الصوت قائلا
-جاي على بالي اسمع شعبي عندك مانع، معرفش الكائن دا بيقول ايه، بس ممكن اشوفها على جثة وهي بتتمايل بجسدها الأنثوي المغري ثم أشار عليها بإستهزاء
-اهو نغير الجثة دي ونشوف حاجة حلوة.
لحظات فقط كانت كفيلة إلى أن تقفز من فوق مخدعها وتصل إليه بأنفاسًا تريد إحراقه بالكامل
-بتقول ايه يامحترم. أطبق على جسدها يحملها متجهًا إلى فراشهم يهمس لها
-بقول يارب لو مسمعتش كلامي الليلة اموت ياجنجون
اهتز جسدها ورغم ذلك دفعته بقوة وحاولت التحرك بعيدًا عنه، احتجزها
-يعني افهم من كدا حياتي مش فارقة معاكي
ارتفعت دقات قلبها التي أصبحت كالطبول فرفعت عيناها التي خطت بها طبقة كرستالية.
-إنت ضربتني ياجاسر. انحنى بأنفاسه الحارة: -لو عملتها تاني اقطعيها ياقلب جاسر، ولو عايزة تقطعيها دلوقتي أنا موافق، بس قوليلي اعمل ايه في غيرتي. همس بجوار شفتيها المرتجفة: -كل مااحبك اكتر اتجنن اكتر، أنتِ حاسة بحبي ياجنى، عارفة مستعد أعمل ايه علشان بس اخدك في حضني.
ازال عبراتها ينظر لعيناها الدامية بدموعها: -خلاص مبقتش فارق معاكي. أغمضت عيناها تستمع لنبرته التي اشتاقتها كثير، فهزت رأسها بالنفي. فانحنى يقتنص كرزيتها متمتم بصوت خافت:
جنى وحشتيني. انهارت حصونها بالكامل. لتنساب عبراتها أكثر وأكثر عاجزة عن الحرب الشعواء التي بداخلها. انحنى يدفن انفاسه بعنقها لينهي ثباتها بالكامل يهمس لها بأعذب كلمات العشق، ليدون بطريقته ترانيم عشقه بعد انقطاع دام لأكثر من شهرًا.
بصباح اليوم التالي
بعد جلسة معاتبة بينها وبين نفسها، نهضت تحمل اشيائها متجهة لذاك الفندق الذي يقام به الحفل قبل وصوله.
مساء يوم الحفل توقفت أمام المرآة
تنتهي من زينتها، رفعت نظرها إلى هنا التي تتلاعب بهاتفها
-يابنتي خلصي زمان العروسة خلصت. انا هسبقك علشان عايزة اشوف كنان مع طنط غزل ولا لا. قالتها وتحركت متجهة لغرفة العروس. دلفت متمتمة بحبور: -الله الله. ايه الجمال دا ياروحي
طالعتها سنا بتدقيق ثم غمزت لها
-أنا برضو. دا البنفسج هيو، لع يابنتي. دلفت عاليا مرددة.
-العريس وصل يابنات. حدجت جنى بتمهل ثم اقتربت منها تهمس لها
-شكلك مش مُريح يانصة، انا شوفت الفستان اللي المفروض يتلبس مش دا أبدًا
رفعت حاجبها ساخرة: -ياسين بيدور عليكي تحت يالولو، روحي شوفيه. قهقهت عاليا تهز رأسها بدخول ربى
-مالكم بتضحكوا على ايه، اتجهت بنظرها إلى سنا: -ماشاء الله على الجميل. اجهزي ياحبي عمو هيطلع حالًا.
لفت انتباهها وقوف جنى تهمس لعاليا. قطبت جبينها واقتربت: -إنتِ يابت ناوية على ايه، ماتتلمي ياختي مش ناوية تجبيها لبر
أشارت على نفسها بذهول: -أنا.! ليه عملت ايه يااُخت المغرور. قهقهت البنات على كلماتها فتحدثت عاليا مقاطعة: -والله مغروين مش مغرور واحد، قاطعهم دلوف جواد بجوار سيف.
صمت للحظات بالغرفة بعدما دلف جواد متجهًا إلى سنا، توقف أمامها مع ابتسامة مريحة ثم احتوى وجهها: -الف مبروك حبيبة عمو السعادة دايمًا لحياتك، عايزك دايمًا راسك مرفوعة، مهما كانت ظروفك ماتتخليش عن عزة نفسك
اتجهت بنظرها لوالدها الذي ابتسم لها يهز رأسه، ثم اتجهت بأنظارها إلى جواد.
-ربنا يبارك لنا في حضرتك ياعمو، اكيد هكون كدا مش تربية سيف الألفي. طبع قبلة حنونة على جبينها، فاقترب والدها يضمها لأحضانه: -ألف مبروك ياحبيبة قلبي.!
نزلت دمعة رغمًا عنها تأثرًا بوالدها: -الله يبارك فيك ياحبيبي. عانقت ذراع والدها لتهبط للأسفل
تحركت الفتيات خلفها سوى جنى التي توقفت متسمرة عندما صاح جواد بها: -جاسر فين لحد دلوقتي ماوصلش
ابتعدت بنظرها عن عمها.
-معرفش ياعمو، ممكن مايكون فيه حاجة شغلاه. دنى من وقوفها
-بت اللي واقف قدامك جواد الألفي مش عيل، فين جوزك
-أنا هنا يابابا. قالها وهو يدلف للداخل يرمق تلك الواقفة بنظرات نارية
-إنت كنت فين بقالك ساعتين
اقترب من جنى وجذبها من خصرها بقوة يضغط عليه وتحدث من بين أسنانه: -المدام كانت بتلعب معايا
طالعهم جواد بجبين مقتطب: -تلعب معاك! ليه هو حضرة الظابط عيل، علشان يتلعب بيه.
افلتت ضحكة تبتعد عن نظرات عمها. ضغط بقوة آلامتها فكتمت ضحكتها قائلة: -الحمد لله انا مقولتش حاجة عمو اللي قال. غرزت عيناها بمقلتيه قائلة بتشفي: -هو حضرتك طفل ينضحك عليك ماشاء الله راجل طول بعرض، حتى أيده تقيلة بيعرف يقطع بيها الخشب حلو
ظل جواد يوزع نظراته بينهما بصمت ثم هتف متحركًا
-مجنونة اتجوزها مجنون، هستنى ايه. ربنا يصبرني.
جذبها بعنف بعد خروج والده وهدر بها: -وحياة ربنا لاعرفك إن الله حق، علشان تعرفي تلعبي حلو. تحرك مغادرا بعدما دفعها بعيدًا عنه، ولكنه تسمر مستديرًا بعدما لاحظ فستانها: -ايه دا! جذبت هاتفها لتتحرك للخارج
-مايخصكش. كور قبضته وتراجع إليها بخطوات سلحفيه وعيناه ترمقها بسهام نارية
-على الرحب والسعة يامدام. بس كدا!
تراجعت للخلف تشير بسبباتها
-جاسر إياك تقرب بقولك اهو. أشار لذاك الفستان.
-اخلعيه والا هقطعه. صاحت به هادرة
-ماله ولا علشان مش انت اللي جايبه
-أه. هيتخلع والا هقطعه. اقترب وامسكه يتلاعب بسحابه فدفعته هادرة
-حاضر هخلعه، بس ابعد كدا
سحبها من خصرها بقوة لتستقر بأحضانه.
-تضحكي عاليا ياجنى وتفهميني انك مستنياني في بيتنا، وفي الاخر تلعبي بيا، انحنى يهمس إليها: -طيب اعاقبك بإيه دلوقتي. حاولت التملص من قبضته، فاستدارت. تحاوط عنقه مردفة بدلال: -بحضنك ياروحي عاقبني بحضنك، بس بلاش اغير الفستان وحياتي عجبني ياجاسر
أشار عليه
-ضيق ياجنى. استدارت له
-ابدا ياجاسر حلو اهو، وحياتي ياجاسر
-لا. غيره قالها وخرج حتى لايضعف أمامها
بعد شهر من حفل الزفاف.
دلف بهدوء واتجه إلى فراش ابنته اولًا، وجدها تغفو بثبات، استمع الى صوت المياة بالحمام
-اه منك يابلقيس مبتسمعيش الكلام. ظل واقفًا يطالع ابنته مبتسمًا
-حبيبة بابي وحشتيني، مامي الهبلة جايباكي هنا ليه
استمع الى خطواتها بالخلف.
استدار يطالعها بنظرات حاوطت جسدها بالكامل. توقفت مبتلعة ريقها بصعوبة قائلة: -إنت رجعت إمتى، مش المفروض ترجع بكرة، شايفة مبقتش تستقر هناك. خطى إليها بخطوات هادئة وعيناه مازالت تبحران على وجهها، اقترب من وقوفها وأجابها بنبرة عاشقة: -اعمل إيه في قلبي اللي مسيطر عليا، ومبقاش يسمع كلامي
تغضن وجهها مستفهمة
-قلبك يسمع كلامك في ايه ياحضرة الظابط. جذبها بقوة حتى اصطدمت بصدره، فأطبقت على فتحة روب الحمام.
-ياسين إبعد انا مخصماك ومش هكلمك تاني
كانت عيناه تتجول على جسدها الذي ظهر معظمه أمام عينيه الصقرية، لكزته بصدره
-بقولك زعلانة منك إنت بتعمل ايه وبتبص على ايه. عيب كدا، وانا اللي مفكراك محترم
بدهاء قطب جبينه
-ماهو أنا محترم، أشار على نفسه: -والله أكتر واحد محترم في العيلة دي حتى اسألي ماما.
-أيوة صح فعلا انت اكتر واحد محترم لدرجة من كتر احترامك تخلي الواحد يموت بحسرته، وكل كلامك زعيق، انا صوتي وحش وعورة ياياسين
-أنا قولت كدا
رفعت حاجبها ورمقته بنظرات نارية: -شغل اللؤم دا مش معايا
-بترمي بلاويك عليا يابلقيس، هو انا كنت موجود علشان ازعلك
تملصت من بين ذراعيه متراجعة تلملم ثوبها، ولكنها جحظت عيناها تنظر إليه بذهول بعدما، لف رباط روبها على كفيه لينفتح بالكامل ثم غمز بعينيه.
-كدا نقعد على مائدة الاعترافات، ونجمع الأدلة، قالها وهو يحملها متجها إلى فراشهم
بعد فترة توقفت تنهي زينتها
-ياسين هخرج مع جنى نروح للدكتور علشان كنان بقاله يومين مش مظبوط، جاسر قال هيوصلها، بس عنده شغل فأنا هروح معاها
اومأ لها وهو يرتدي ساعته.
-كلمتي كريم النهاردة، استدارت تجمع اشيائها: -أيوة حبيبي، الحمدلله، بدأ يمشي شوية شوية، اقتربت منه وطالعته بنظرات ممتنة: -شكرا ياياسين، شكرا على كل حاجة، وقوفك مع كريم، وكمان خروج بنت عمي من السجن، ضمها لأحضانه
-متقوليش كدا، انتي روحي ياعاليا، وكريم صديقي المقرب، أما ابن عمك دا مش هرتاح الا لما ادفنه حي
احتضنت وجهه تنظر لعيناه.
-وحياتي عندك تبعد عنه، ربنا ينتقم منه. طبع قبلة على جبينها واتجه لينهي مايفعله: -لازم أخرج حالا. فيه اجتماع ضروري
اومأت مبتسمة وحملت حقيبتها متجهة إلى جنى
بمكتب باسم.
جلس أمامه كلا من جواد وجاسر
-مش عارف اقول ايه غير اني فخور بيكم فوق ماتتخيلوا، وحوش الالفي سيرتهم مزلزلة الإدارة
-الحمد لله يافندم، صمت جاسر ثم أردف: -البنت بنت هادي الجيار كويسة، يعني لسة عايشة
اومأ له باسم بتفاخر تنطقه عيناه.
-ابن جواد الألفي بجد. بس صحابك هيتجننوا عايزك تاخد بالك من نفسك كويس، بعد الضربة الأخيرة دي مش هيسكتوا
نهض من مكانه ينظر إلى جواد
-أنا من حقي إجازة دلوقتي وتكون طويلة المدى، عايز اخد مراتي المالديف ياعم وتكون على حساب الحكومة
قهقه باسم ثم نهض من مكانه متجها إليهما يطالع جواد
-وانت مش عايز شهر عسل يابني ونفرح بيكم. ضحك متهكمًا، شهر عسل من غير العروسة. توقف عندما اندفع الباب ودلف جواد بهيبته.
وزع نظراته عليهم ثم أشار على نفسه
-عيل ياباسم، عيل علشان تضحكوا عليا، اقترب من ابنه وحدجه بنظرات لهيبية
-قولي اعمل فيك ايه، عايزني ارفع ايدي على راجل، ليه يابني عايز تكسرني انا وامك
تحرك باسم إليه: -جواد ايه اللي بتقوله دا، دا بدل ماتبارك وتتباهى بيهم
ضرب جواد على سطح المكتب بقوة
-بلاش انت ياباسم، متخلنيش اخسرك، دول هجهز اكفانهم وانت اكتر واحد عارف دا. اتجه بنظرات متألمة إلى جاسر.
-قولي ليه كدا، طيب مش خايف على نفسك خاف على امك. خاف على مراتك وابنك. لكز جواد بصدره
-مفيش حاجة ياخالو دي قضية تهريب عادية، وأنا ابني جوا وكر مهربين، ازاي تستغفلوني كدا. ياخسارة ياباسم، احميه بقى لو تقدر ياحضرة العقيد
دلف راكان بذاك الوقت مبتسمًا، ولكنه توقف متسمرًا، عندما وجد صمتهم. اقترب جواد منه ساخرًا.
-مبروك ياحضرة القاضي، بس يارب تكون فرحان بنجاحك اللي جه على حساب دول انت وسيادة العقيد. قالها وتحرك للخارج بخطوات متعثرة
تحرك جاسر خلفه سريعا: -بابا استنى. توقف أمامه ورفع عيناه التي تجلت عبراتها بها.
-وحياتي عندك ماتزعل، مش دا اللي ربتني عليه، الحق ودافع عن الأرض ياحضرة اللوا، كنت هتكون مبسوط وولاد البلد بيضيعوا يوم عن اللي قابلوه، كنت هتكون مبسوط والصغير قبل الكبير ماشي يدافع عن نفسه دون اللجوء للقانون، كان لازم نوقف دا يابابا
احتوى وجهه يضغط على وجنتيه.
-أنا فخور بيك يابن جواد، لكن قلب الاب اللي جوايا بيصرخ، انا عيشت المراحل دي اكتر منك، وعارف اللي هتلاقيه بعد كدا. ودلوقتي منكرش انك بتضعفني، لدرجة لو طايل اخبيك منهم جوا حضني ويطعنوني انا مش هقول لا. ياريتهم يخلصوا مني قبل مايوصلولك ياحبيبي، دول مافيا يابني وانت مش قدهم، انت دخلت جحر التعابين ومش فاهم عملت ايه، روحت جوا بيتهم وطعنتهم وطالع بطلع لسانك بكل بجاحة ليهم، مش هيسكتوا، علشان يعرفوا الكل أنهم مابيتخانوش، والخيانة عندهم مفيش غير الموت.
جذبه يضمه بقوة لأحضانه: -دا مش ضعف على قد ماهو خوف من اللي جاي يابن جواد
خرج من احضان والده بخروج راكان وجواد حازم
-متخافش عامل حسابي، وواخد احتياطتي كويس. اومأ له وتحرك دون حديث عندما شعر بألام تفتك بقلبه
أشار باسم إليهم بالانصراف
-خليك مع باباك ياجاسر، واتجه إلى جواد
-ابعت فريق أمني مدرب على أعلى كفاءة
بعد عدة ساعات خرجت جنى برفقة عاليا من عند الطبيب متجهة إلى سيارة الحراسة. اوقفتهما إحدى السيدات.
-لو سمحتم فيه دكتور قلب هنا يابنتي. أشارت إليها عاليا
-أيوة في الدور التاني
-معلش يابنتي ممكن تقوليلي فين، واطلع منين الاسانسير. تحركت عاليا معها قائلة
-جنى هوديها الاساسنير، تحرك خلفها الحارس الشخصي. اومأت لها جنى بتفهم وأتت للتحرك لسيارة الحراسة فوضعت أخرى.
-ممكن تقرأي الورقة دي عايزة اعرف دا العنوان ولا لا. أمسكت الورقة لمجرد ثواني لتشعر بالتخدر بجسدها، حتى توقفت اعضائها بالكامل تنظر بعجز لتلك السيدة التي سحبت كنان من يديها وتحركت سريعا الى تلك السيارة، لحظات ماهي سوى لحظات لتسرع السيارة وخلفها جنى تصرخ بوصول جاسر مع سيارة أخرى.
أسرعت سيارات الحراسة خلف سيارة جاسر، بينما هوت جنى على الارض تصرخ باسم ابنها. وصلت عاليا إليها
ركضت إليها تساعدها على الوقوف، بوصول جواد حازم يجذبهم سريعًا متحركين من المكان
-عاليا، ارجعوا مع العربية حي الألفي اعترضت جنى تبكي
--ابني ياجواد. صرخ بها
-جنى لو عايزة ابنك لازم تتحركو من هنا، أشار للسائق بيديه ليتحرك بيهم سريعا بينما هو قاد سيارته وتحرك خلف جاسر وقام بمهاتفته
-جاسر انت فين.
-معرفش، العربية بتدخل اماكن معرفش ياجواد معرفش، قالها بعجز
-تمام فيه عربيات الحراسة وراك، خلاص عربيتك بانت قدامي على الجهاز، جاسر اوعى تخلع ساعتك لو سمحت، انا وراك. لا اله الا الله.
محمد رسول الله قالها وهو عيناه على الطريق، بإحدى الشوارع دلفت سيارة جاسر خلف تلك السيارة التي بها ابنه، ثم استمع الى انفجار خلفه، نظر من مرآة السيارة، جحظت عيناه برعبا بعدما وجد انفجار سيارة الحراسة. زاد سرعة سيارته وهو يهمس بفحيح.
-ياولاد الكلب، وربي ماهرحمكم. خرجت السيارة على الطريق الصحراوي، تبتعد مسافات عن الطريق العمومي، وهو خلفها ودقات قلبه بالارتفاع، حتى توقفت السيارة أمامه على بُعد من الامطار، ترجل منها أحد الخارجين عن القانون يشير بسلاحه لابنه
-شوفت عرفنا نجيبك ازاي. ارمي سلاحك. ألقاه من غير تفكير قائلا
-الولد مالوش علاقة، انا قدامكم اهو.
أشار للآخر
-هاتوه، ثم هتف بنبرة تحذيرية.
-هتعمل حاجة هنقتله. تحرك ونظراته على بكاء طفله الذي قطعت نياط قلبه. وصل إلى قائدهم
-عايز الولد. ألقى الولد بكل تجبر ليحضتنه متراجعًا به، وصل جواد وسيارة أخرى للحراسة، جذب أحدهم جاسر من ذراعه بقوة
-بتلعب بينا. هز رأسه برعب ينظر إلى ابنه الذي اختطفوه
-تمام هرجعهم، سيبوا الولد
هدر أحدهم
-خليهم يمشوا وامشي معانا من غير صوت. هز رأسه مجيبًا.
-تمام بس ياخدو الولد. وانا معاكم. وصل جواد محاوط المكان بالكامل وهتف بصوته الصاخب
-مفيش خروج غير بموتكم سلموا انفسكم، دفع الرجل جاسر وهو يضع سلاحه ويجهزه لإطلاق رصاصته، صرخ جاسر بجواد
-انسحب ياجواد، رفع نظره إليهم بنظرات فهم محتواها وأشار على كنان.
تحرك للخلف ونظراته تراقب كنان حتى ابتعد عنهم وحمله جواد سريعًا متجها إلى سيارة الحراسة. الولد دا بحياتكم. قالها وقاد سيارته سريعا خلف جاسر وخلفه سيارة الشرطة التي وصلت لدعمهم وصلوا إلى نهاية الطريق. جذبوا جاسر، ينظروا لذاك الجبل، ثم اتجهوا إلى سيارة الشرطة
وضع الرجل سلاحه برأسه وهتف.
-قولهم يرجعوا هنقتلك. ابتسم بسخرية، ينظر إلى كفيه المقيدين وهتف: -حياتي مش هتفرق خالص. نزل جواد متجهًا إليهم يشير بسلاحه
-مش هتخرجوا احياء من هنا
نظر أحدهم لعدد الشرطة ثم لعددهم إلى أن أطلق جواد رصاصته برأس أحدهم وونشب القتال بين الشركة والخارجين إلى أن فقدوا السيطرة فقال أحدهم.
-لازم نخرج من هنا بس قبل كدا لازم ناخد طارنا من دا، دفعه جاسر برأسه ليوقعه من فوق الجبل، ولكن قام أحدهم بإطلاق رصاصة لتستقر بقلبه ثم دفعه ليهوى على الأرض بالحال، لم يرحمه بذاك بل دفعه بساقيه ليسقط من فوق الجبل، صرخ جواد وجن جنونه وهو يراهم يفعل بابن خاله ذاك
ليفرغ سلاحه بالكامل بجسد ذاك المجرم، زحف جواد من ذاك التل للاسفل يصيح بصوتًا كالرعد متجهًا إلى جاسر، وصل إليه يصرخ كالمجنون بعدما شعر بفقدانه.
ساعات عصيبة واستنفار أمني داخل المشفى العسكري، وصرخات وصيحات من الجميع سوى من تلك الجالسة على الأرضية الباردة تضع رأسها فوق ركبتيها تهمس لنفسها
-هو وعدني وعمره مايخلف وعده
خرج الطبيب وآثار الحزن تبدو على ملامحه. توقف الجميع بنظرات منتظرة الحديث
رفع صهيب اولا نظره إلى الطبيب وهتف بهدوء ماقبل العاصفة: -لو سمعت غير أنه كويس صدقني هحطك مكانه. خرجت غزل من غرفة العناية تنظر لزوجها مبتسمة.
-كأن الدنيا مستكرة اسم جاسر ليعيش بينا ياجواد. قالتها لتهوى بين يدي صهيب الذي يجاورها مغشيا عليها
هنا صمتت الألسنة وبرقت الأعين تنساب بعبراتها. صرخات وصياحات بالمكان الذي أصابهم نوبة جنون
رفع راكان نظره إلى جواد الذي حاول الوقوف إلى أن قدماه خانته مرددًا بصوتًا يملأه الايمان بالله
-كنت حاسس ومنتظر اللحظة دي
اللهم لا اعتراض، اللهم لا اعتراض
حاول باسم وراكان إسناده إلا أنه رمقهم بنظرة متألمة.
-أنا لسة واقف على رجلي. محدش يقرب مني. حاول وحاول إسناد نفسه ينظر إلى جسد غزل الذي رفعه أوس وحازم وهو عاجز من الوصول إليها
فردد قائلًا: إنا لله وإن إليه راجعون.
↚
قبل شهر من موت جاسر وخاصة اليوم التالي من زواج ابنة عمه سيف
اتجه لغرفة الرياضة بعد صلاة الفجر، قام بأداء تمريناته اليومية كما اعتاد، ثم تحرك إلى شرفة الغرفة ينظر إلى منازلهم الجديدة التي اُسست بجوار منازل اعمامه. جلس يرتشف من زجاجة المياه وذهب بخيالاته بذاك المنزل مع حبيبة الروح. ابتسامة خلابة ظهرت برماديته وهو يتخيل أطفاله بحديقة المنزل، حدث حاله.
ترى كم عددًا من الأطفال سينجب، مسح على وجهه ومازال يحادث نفسه
مجنون، دي لو عرفت هتقطعني وترميني للكلاب، استمع إلى خطوات هادئة بالغرفة، استدار وجد مجنونته الصغيرة
صباح العشق يامعشوقة القلب. قالها وهو يجذها لتجلس على ساقيه
كان يبدو على وجهها اثار النوم. وضعت رأسها بصدره وتحدثت بنبرة متحشرجة بالنوم: -جاسر بتعمل ايه؟ قومت مالقتكش. أخرجها من أحضانه يحتوي وجهها حلو التقاسيم لقلبه العاشق.
-وحشتك، ولا مجرد مكاني بارد
لفت ذراعيها حول جسده تدفن نفسها داخل أحضانه
-وحشتني قوي، وزعلانة علشان سبتني وجيت تعمل رياضة، ودا اخر يوم هنا وبعد كدا هتسافر وتسبني وياعالم المرة دي غيابك هيكون قد ايه.
انحنى برأسه يدفنها بعنقها. مغمض العينين منتشيًا يستطعم رائحتها الندية العبقة المسكرة. داعبها بأنفها وكأن عشق العالم تزاحم بها داخل قلبه ليخصها وحدها بعد ما استرجع ذكرياته بها ليلة أمس. فهمس اسمها بنغمات تخرج من شفتيه وهو يرسمها:
-قولي لي ليه مابترحميش قلبي ياجنى، استولتي على روحي بفتنتك الخلابة ياروح جاسر.
خللت اناملها بخصلاته واقتربت تنظر إليه بهيام مأخوذة بطلته العاشقة لقلبها. ابتسمت عيناها كحال قلبها الآن من لمسته الخجلة حينما حرك أنامله على جسدها متلاعب بمشاعرها
لتضحك بصوت مرتفع ليجعل قلبه مضخة
-وبعدين معاكي. اهدي على الصبح وقولي صباح الخير
لمست وجنتيه قائلة: -زي ماعملت فيا بالظبط، دوق من اللي بدوقهولي.
ثبت رأسها لينثر ترانيم عشقه عندما أشعلت دقاته بعشقها اللاذع. لا يعلم كم مر من الوقت وهو يحتضتن تلك الكريزة لتبث لروحه الانعاش
تراجع برأسه متوقفًا بعدما فقد سيطرة مشاعره واقترب من السياج الحديدي يبعد بنظراته عن تلك الجنية.
نهضت بعدما استعادت نفسها، وخطت تتوقف بجواره وتشابكت أناملها الرقيقة بأنامله الحادة
ثم استندت برأسها على ذراعه
-جاسر هتفضل في الشغل دا كتير، رفعت رأسها تتعمق بعيناه.
-حبيبي كنان بيكبر وانت مش موجود، شوف امبارح اول مرة يتمتم بحروف بابا، اهو هو مقالهاش بالظبط بس كفاية بب دي طالعه منه تخليك تنسى أي حاجة
التفت اليها واحتضن وجهها بين راحتيه ونظراته تخترق كل انش بها
-وعد الشهر دا اخر شهر. اسمعيني عايز أكدلك اللي بعمله دا مهم جدا علشان ابننا لما يكبر، ومش ابننا بس اطفالنا كلهم، عارف اتظلمتي معايا بدون ذنب بس دا شغلي وواجبي الديني قبل الوطني ياقلب جاسر.
-يعني ايه! تسائلت بها وقلبها يزداد دقاته. وضع جبينه فوق جبينها وحاول يسحبها لعالمه حتى لا يرهبها بما يفعله، وهمس لها
-يعني جاسر بيعشقك ياروح جاسر، مش أنتِ بتحبيني ياجنجون، قالها بنبرة متحشرجة عاشقة مما اختل توازنها لتستند عليه تهمس له
-جنى عاشقة حتى الممات يابن عمي.
هنا تدفق الحب بجميع معانيه، ولم يخلو من معاجمه بجميع اللغات ل تتقابل الأرواح وتمتزج نبضات القلوب بعضها ببعض. ليفوق النبض ويجذب قلب المحب ليجعل قوته أضعاف مضاعفة لقوة الجاذبية الأرضية.
انحنى بعد وصلة غرام داعبتها الشفاة لتنتقل إلى ماهو أسمى من التعبير ليحملها ومازال يبعثر كيانها بترانيمه الخاصة بها ليصل لغرفتهم التي يحاوطها دفئ مشاعرهم بذاك الفصل قاسي البرودة، ولكن كيف لبرودة فصل الشتاء أن تقتنص ذاك الحي الذي يشعه الدفء والحنان عامة، وتلك الغرفة خاصة
بمنزل صهيب.
دلفت لمرحاضها وقامت بالتقئ لعدة مرات لما يسببه ذاك المرض اللعين بجسدها الضعيف، خارت قواها لتجلس على الأرضية بعدما أنهكت صحتها، استيقظ صهيب على صوت آلامها. نهض متجها إلى الحمام، توقف متسمرًا عندما وجد انهيارها بذاك الشكل، خطى إليها ومازالت علامات الصدمة تتجلى بعينيه، انحنى بجسده ليرفعها بين ذراعيه متسائلا بلهفة: -نهى ايه اللي حصل، أشارت إلى الخروج.
-وديني السرير ياصهيب مش قادرة اقف. هز رأسه وحاوط جسدها ليصل لفراشهم. ساعدها بالتسطح، ودثرها جيدًا، وجلس بجوارها يمسد على رأسها
-مالك يانهى، وليه وشك عامل كدا، إنتِ تعبانة. أطبقت على جفنيها وهمست بصوت مرهق: -اتصل بغزل، جسمي وجعني هتديني حقنة مسكنة. اومأ برأسه سريعًا ونهض متحركًا إلى هاتفه، لحظات واجابته غزل بصوتٍ ناعس: -صباح الخير ياصهيب.!
اجابها على الجانب الآخر وحاول أن يكون رزين بحديثه حتى لايثير إليها الرعب
-معلش ياغزل صحيتك من النوم، شكل نهى واخدة برد شديد، ومش مبطلة ترجيع وجسمها بيرجف، لو تقدري تيجي تديلها اي مسكن، مش عايز انزل بيها دلوقتي
هبت من مكانها وتحركت لغرفة ثيابها تخرج اسدالها
-لا انا جاية، هلبس واجي لك فوراً. فتح جواد عيناه ونظر لارتداء ملابسها
-حبيبتي رايحة فين دلوقتي الساعة لسة سبعة. قالها بعدما نظر بساعته.
اعدلت حجابها واتجهت إليه تطبع قبلة على جبينه: -صهيب كلمني، شكل نهى تعبانة، جرعة امبارح كانت تقيلة عليها، وللأسف نسيت اتابعها بسبب الفرح
اومأ لها متفعهًا، ثم اعتدل على فراشهما يمسح على وجهه. طالعته بعدم رضا
-جواد قومت ليه، نام لازم ترتاح يعتبر منماش غير ساعتين، نام وانا هطمن عليها واجي. نزل من فوق السرير
-لا هقوم اصلي الضحى، واتمشى شوية في الجنينة، عايز اشم الهوا بتاع الصبح دا.
ابتسمت له ثم ألقته بقبلة عبر الهواء وتحركت للخارج
بغرفة ياسين. كان يقف أمام المرآة يغلق سترته الصوفية، ويرتدي ساعته، بالخلف تضع عاليا اشيائه بحقيبته، اغلقتها وتحركت تقف خلفه ثم همست بنبرة متقطعة: -خلصت شوف لو فيه حاجة ناقصة
استدار بعدما شعر بنبرتها الحزينة، وتحرك حتى توقف أمامها، رفع ذقنها بانامله: -ليه الحزن دا، لازم ارجع، بقالي اسبوع اجازة، وأنتِ شايفة حالة البلد، بدل ماتشجعيني توجعي قلبي.
انبثقت دمعة تسيل على خديها لترتجف شفتيها قائلة: -ربنا يرجعك بالسلامة، المهم تاخد بالك من نفسك، والجو في العريش دلوقتي بارد قوي، دفي نفسك حلو علشان متتعبش
امال برأسه ليطبع قبلة مطولة على وجنتيها ثم همس بجوار أذنيها: -طول مادعواتك ملزماني، هرجع لك بسرعة، ادعي لي بس إنتِ. رفعت عيناها التي تزينت بطبقة كرستالية ونظرت بداخل عيناه
-بدعيلك كل وقت، ربنا مايحرمني منك
تحرك إلى حقيبته بعدما ضعف أمامها.
لازم امشي حالا علشان متأخرش
لا إله إلا الله
تحركت خلفه إلى أن وصلت لباب الغرفة
محمد رسول الله
ظلت تتابعه بعيناها حتى وصل لآخر الدرج ثم استدار يشيعها بابتسامة قائلًا: -ادخلي ياله. هزت رأسها ولم تتحرك سوى بعدما اختفى عن نظرها.
دلفت للداخل تستند على باب غرفتها وعيناها تزرف دموعها التي أصبحت كالشلال إلى أن هوت خلف الباب تبكي بشهقات تدعوا الله أن يرده سالمًا إليها ويبعد عنه الأذى. لا تعلم كم من الوقت مر عليها وهي بتلك الحالة إلى أن بكت ابنتها تناديها
-ما. ما. نهضت بجسد حزين حتى وصلت إليها وجدتها جالسة بمخدعها، رفعتها تحملها ثم قبلتها على وجنتيها لتتناسى حزنها.
صباح الخير على رسولة مامي، يالة علشان نجهز ونروح بيت جدو نادر النهاردة. صمتت متذكرة زوجها واكملت حديثها: -ونقعد يومين هناك، بدل بابي مش موجود. تحركت بها إلى الحمام الملحق بالغرفة لتقوم بتحميمها قبل خروجهما بفترة
بغرفة غنى، شعرت بأنامل صغيرها على وجهها فتحت عيناها مبتسمة
قُصي صباح الخير على عيون مامي
مامي. تمتم بها الطفل، فاعتدلت جالسة وأشارت بذراعيها ليصعد إلى فراشها.
صعد إليها وحملته تضعه فوق بيجاد النائم بجوارها. ظل يضرب بكفيه الصغير على وجه والده حتى فتح بيجاد عيناه وهو يتمتم باسم والده
- بابا. جذبه حتى سقط أمامه وهو يداعبه وصوت قهقهاته بالارتفاع
-يعني بدل ماما اللي تعاكسني انت ياصغنن اللي تصحيني، زمت شفتيها بعبوس متراجعة على تختهما.
-انسى بعد كدا اصحيك تاني، استدار إليها وتنهيدة عميقة زفرها على عدة مراحل قائلا: -غنى ماتحاوليش تستعطفيني، علشان هنسافر يعني هنسافر، ودا اخر كلام
قالها وتحرك وهو يحمل ابنه فوق عنقه
-مين هينزل يلعب مع جدو جواد شوية قبل مانسافر. رفعت غنى رماديتها الحزينة إليه وتمتمت بحزن: -يعني زعلي مش فارق معاك. توقف لدى الباب ينادي على مربية ولاده، التي هرولت إليه: -نعم يااستاذ بيجاد. انزل قصي إليها.
-نزلي قصي لجده جواد تحت وجهزي تِيا. اومأت برأسها بطاعة وتحركت وهي تحمل قصي. توقفت غنى متجهة إليه وعيناها عبارة عن فوهة بركانية: -ممكن اعرف ازاي توقف قدام النانا كدا وانت من غير هدوم
جذبها بقوة حتى اصطدمت بصدره العاري غامزًا لها بطرف عينيه: -ام سفيان غيرانة ولا ايه. حاولت التملص من بين أحضانه وتحدثت بغضب من غيرتها التي تسللت لداخلها كالشيطان الذي يهمس لمؤمن بالبعد عن صلاته.
-اشش اهدي ياروحي، ليه العصبية بس على الصبح، انكمشت ملامحهاوتزمرت عابسة
-بيجاد وسع كدا، سيبك من حركاتك دي. انحنى ليحملها واكمل وصلة غرامه: -هو انا لسة عملت حركات، لسة هنشوف الحركات ياقلبي دلوقتي، حركت ساقيها بالهواء معترضة، إلى أن انزلها بهدوء: -ممكن اعرف مالك ياغنى من وقت مارجعنا من الفرح وانتِ مكشرة في وشي.
احتضن وجهها بين راحتيه: -غنى احنا اتفقنا من زمان وقت الدراسة هنسافر برة علشان تعليم ولادنا، ليه الاعتراض دلوقتي، سفيان اخد على هناك وخلاص مابقاش ينفع انقله. غير شغلي مش هينفع افضل في مكان وأنتِ في مكان. اقترب يهمس بجوار شفتيها: -لو موافقة تبعدي عني وتفضلي هنا انا مش همنعك ياغنى. قالها ثم طبع قبلة مطولة على جبينها ودلف مرحاضه.
سحبت نفسا وحررته بحزن لا تعلم ماذا عليها أن تفعل، لا تريد البعد عن والديها، ولا تريد البعد عنه اتجهت إلى غرفة ثيابها وابدلتها متحركة للأسفل، قابلتها عاليا وهي تتشبث بكف ابنتها الصغير وتتحرك ببطئ لكي تساعدها على الحركة. توقفت غنى مبتسمة
-مستعجلة على مشيها بكرة هتجري وراها. حملتها عاليا واقتربت من غنى مرددة تحية الصباح
-صباح الخير ياانطي غنى.
جذبتها غنى تقبل وجنتيها بصوت مرتفع: صباح الحلو اللي بيضحك على عروسة ابني
-ياخبر احنا نطول نناسب المنشاوي باشا. قالتها عاليا بضحكتها الجميلة. وصلت الفتيات إلى مائدة الطعام. اقتربت غنى من جواد تطبع قبلة على جبينه
-صباح الخير ياحبيبي. لمعت عيناه بالسعادة من وجودها بجواره
-صباح الخير ياروح بابا. اقتربت عاليا قائلة: -صباح الخير عمو جواد
ابتسم لها
-صباحك ورد يابنتي، ثم رفع ذراعيه ليحمل راسيل.
-حبيبة جدو رايحة عند جدها. قالها وهو يقبل جبينها
جذبت عاليا المقعد واردفت: -بعد إذن حضرتك طبعًا. رفع نظراته إليها برضا واجابها: -بدل جوزك موافق ماليش اعترض حبيبتي.
-متشكرة لحضرتك. اتجه بنظره الى ابنته.
-عيون غنايا حزينة ليه. تلاعبت بمفرش المائدة ثم سحبت نفسًا لتثبط نوبة بكؤها فهي لاتريد الابتعاد عن احضان والديها، لا تعلم لماذا تشعر بنفسها كأنها طفلة تبلغ من العمر سبعة أعوام. وضع كفه على يديها التي تضغط على مفرش المائدة
-مالك حبيبتي، بكلمك مش بتردي ليه؟
رفعت عيناها اللامعة بعبراتها وأجابت والدها: -هنسافر النهاردة يابابا، وانا مش عايزة اسافر، عايزة افضل هنا.
سحب نفسًا وطرده بهدوء، ثم مسد على خصلات راسيل وحاول ألا يحزن قلب ابنته كما شعر الآن. حمحم ليتجلى صوته الذي اختنق بالحزن
-حبيبتي جوزك قبل ماياخد الخطوة دي اخد رأيك ولا لا
اومأت رأسها مع انسياب عبراتها. ثم تابع جواد حديثه: -ليه زعلانة طيب دلوقتي، مش المفروض تكوني في المكان اللي جوزك فيه، ولازم كمان تكوني راضية علشان تعرفي تعيشي حبيبتي سعيدة، بلاش تفكري في السلبيات فكري في الإيجابيات.
-بس انتوا بتوحشوني قوي يابابا، ازاي هقدر اعيش بعيد عنكم
انحنى جواد يزيل عبراتها بحنان ابوي
-وانتِ كمان هتوحشينا ياحبيبة بابي، لكن دي الحياة يابنتي، كل واحد مننا لازم يؤدي أمانته على أكمل وجه، واللي شايفه من غير زعل انك مكبرة الموضوع، دا بيجاد كل شهر هيجيبك إلا إذا بتدلعي بقى ومش عايزة السفر خالص
قاطعهم دلوف عز الذي ألقى جسده على المقعد: -صباح الخير ياعمو، اومال فين جاسر.
نظر بساعة يديه واجابه: -شكله لسة نايم، وصلت الخادمة التي تتجسس عليهم وتصنعت انشغالهم بوضع الطعام لتستمع إلى حديث عز
جذب عز التوست يضع عليه المربى وهتف
-عايز اسأله هيسافر بور سعيد إمتى، فيه ورق لازم يتمضي
كانت نظرات جواد على تلك التي تتصنت للحديث، فاستدار إلى عز واجابه: -جاسر هيسافر النهاردة بس معرفش امتى بالظبط، معتقدش أنه هيصحى دلوقتي، منمش غير الصبح
استمع الى صوت أوس بالخلف.
-صباح الخير ياآل الألفي. قالها وهو يسحب ابنته ينادي على المربية
-خدي مسك فطريها ونزليها تلعب شوية قبل مدرب السباحة مايوصل، غمز الى جواد
-مبتردش الصباح ليه ياابو جاسر ايه مش عجبين معاليك
أطلق عز ضحكة مردفًا: -لا طبعا انت مين علشان تعجبنا
ألقاه أوس بحبة زيتون
-إنت معندكوش اكل يالا، قوم روح بيتكوا، احنا مخلفينك وناسينك
جذب عز من أمامه الطعام.
-لا معندناش اكل، وجاي اشحت من عندكم، عندك مانع. قاطعهم وصول بيجاد الذي أردف بفكاهة
-صباح الخير على مائدة رحمن حي الالفي، رفع جواد نظره مدققا به ليرى ردة فعله مع زوجته بعدما وجد الحزن على ملامحها الجميلة.
اقترب بيجاد يجذب مقعدًا وجلس بجوار غنى
-حبيبي فطرت من غيري ولا ايه، هزعل بجد. ابتسمت وهي تضع الطعام أمامه واجابته بحب: -اقدر برضو يابيجاد.
-أنا هقوم بدل مامرارتي تتفقع من بيجاد ومراته. غمز له بيجاد بطرف عيناه
-الغيران مننا يعمل زينا يازيزو باشا
-ممكن تبطلوا كلام وتفطروا وانتم ساكتين، أشار على الطعام
-افطروا الأول وبعد كدا هرجوا براحتكم
-طنط غزل فين! تسائل بها بيجاد وهو يلوك طعامه.
اجابه جواد وهو يرتشف من كوب عصيره: -عند عمك صهيب شوية.
ضيق عز عيناه متسائلا
-عندنا! ازاي انا مشفتهاش.
نهض جواد من مكانه واردف: -هدخل المكتب لما تخلص فطارك تعالى لي انت وأوس. قالها جواد وتحرك
بالأعلى بغرفة جاسر
استيقظ يتكأ على ذراعه يطالع زوجته بنومها بعيونًا تلمع بالعشق، رفع خصلاتها من فوق وجهها ليظهر صفحات القمر أمامه
ابتسم بهيام على جمال حبيته الهادي
دنى يستنشق رائحتها مغمض العينين.
ثم همس بجوار أذنيها: -مش عارف هسافر وابعد عنك الكام يوم دول ازاي. ابتسمت بمنامها بعدما شعرت بأنفاسه، فرفعت كفيها على وجهه وتحدثت بنبرة متحشرجة: -ماهو حبيبي مش هيتأخر عني مش كدا. تمدد يسحبها لأحضانه لتضع رأسها بصدره يمسد على خصلاتها بحنو مردفًا بنبرة ممزوجة بالعشق: -وعد هحاول المرة دي متأخرش، تنهيدة عميقة بقلبًا ينبض بالخوف
-جنى فيه سر عايز اقولك عليه، بس عايزك توعديني مهما يحصل مايطلعش.
اعتدلت على الفراش، ليجذبها لأحضانه مرة أخرى، ويلف ذراعيه حول جسدها واضعًا ذقنه فوق كتفها
-قولت لك اوعديني مش تتنفضي كدا، هو انا قولت لك حاجة علشان تترعبي كدا. حاولت الالتفات إليه إلا أنه مازال متحكمًا بجلوسها وتابع قائلًا: -القضية اللي باباكي سألني عنها، واللي طلقتك بسببها انا لسة شغال فيها
لكزته تتملص من بين ذراعيه وطالعته بذعر: -انت بتقول ايه ياجاسر!
يعني عملت اللي اتفقت مع جواد عليه.
اومأ برأسه واسترسل قائلا: -عارف إن جواد قالك كل حاجة، رغم اني زعلت منه علشان مكنش المفروض تعرفي بس دا كان في صالحي. حرك كفيه على ملامح وجهها وعيناه تخترق عيناها.
-عرفت قد إيه اني افرق معاكي، ومستعدة انك تضحي وتتنازلي حتى عن نفسك علشاني. جذبها بقوة يضع جبينه فوق جبينها وأكمل حديثه: -حبيبتي عايزك تتأكدي لو مكتوب لي حاجة في أي مكان هتحصل، ارجوكي عايز جنى بنت صهيب القوية، انا بقولك دلوقتي علشان وقت مااضعف الاقيكي بتقويني، محدش يعرف الموضوع دا غير تلاتة راكان، وجواد، وعمو باسم ودول عرفوا بسبب شغلهم.
راكان هو وكيل النيابة في القضية، وجواد تمويه علشان موضوع بورسعيد، وطبعا عمو باسم القائد بتاعنا
قطبت جبينها متسائلة: -يعني عمو جواد ميعرفش معقولة
احتوى وجهها بين راحتيه: -جنى اياكي بابا يعرف، هو حاول بس انا اقنتعته بكدا، اياكي ياجنى هزعل منك وهفقد الثقة فيكي
رفعت كفيها على وجهه وانسابت عبراتها
-أنا خايفة عليك، جاسر هموت لو بعدت عني، مقدرش اعيش من غيرك
اقتربت تقبله ثم احتضنته بعيناها.
-اوعى تبعد عني حبيبي، انا سمعت بابا بيقول الناس دي بتموت اي حد حتى لو كان وزير الداخلية نفسه، دول إرهابيين صح
احس بانكسار ضلوعه، لانه يعلم صحة حديثها ورغم ذلك تبسم وفعل مثلما فعلت
-جوزك قدهم، وبعدين هو جهازنا ضعيف علشان يقدروا علينا.
-خايفة. انت عايز تعيش وسطهم، تاكل وتنام معاهم. ازاي هقدر اعيش هنا وانت هناك معرفش عنك حاجة افرض. اشتدت عبراتها تهز رأسها ثم احتضنته وشهقة خرجت من جوفها متمتمة بصوت اعتراضي:.
-لا ياجاسر، بلاش تعمل كدا، فكر في حاجة تانية غير انك تروح عند الناس دي. عصرها بأحضانه لا يعلم لماذا أخبرها الان، لا يعلم هل كان يجب أن يقص لها. ولكن كل الذي يشعر به أنه لا لايستطع البعد عن احضانها، هذه المرة غير تلك المرات. شعور بداخله يحكي الكثير والكثير. تمدد على الفراش وجذبها لأحضانه يضع رأسها فوق صدره موضع نبض قلبه. رفعت رأسها ثم حركت أناملها على شقه الأيسر.
-حافظ على نفسك ياجاسر علشان طول ماقلبك بينبض قلبي كمان بينبض، ووقت مايوقف عن النبض هتلاقي قلبي وقف
داعب خصلاتها وعيناه تحكي الكثير والكثير ثم أردف بقلبًا ينبض بالعشق
-اوعدك ياقلب جاسر هيفضل قلبك ينبض بعشق جاسر. أغمضت عيناها واعادت رأسها فوق صدره مرة أخرى ثم رفعت ذراعيها تحاوط جسده وغفت كأنها اخذت النوم هروبا لكي تبتعد عما استمعت إليه.
بعد عدة أيام وخاصة بمحافظة الوادي الجديد. جلس بمكتبه يستمع إلى مايقال بمجلس هادي الجيار ونعمان التميمي، اللذان وصلا إلى الوادي منذ يومين، تحدث هادي معقبًا: -الصفقة دي لو اتمسكت يبقى كدا ضعنا، لأن فلوسنا كلها فيها
نفث نعمان تبغه واجابه بفخر: -متخفش عامل حسابي، ومحدش هيقدر يوقفها
توقف عزيز وسكب مايحرمه الله ليتجرعه مرة واحدة ثم تسائل: -ماتقول الخطة ياخالو بدل ماتسبنا زي الاطرش في الزفة.
نصب نعمان عوده وتحرك إليه: -اسمعني ياعزيز، كويس احنا دلوقتي اتاكدنا أن عين الحكومة بعيد عننا هما خلاص اتأكدوا ملناش دخل في اللي حصل في بورسعيد، والصراحة كانت ضربة معلم انك تلعبها وتشغلهم بتلك الصفقة، وتوهناهم شوية، منكرش إن الموضوع خسرنا وبنفس الوقت استفادنا بيه لهينا ابن الألفي بعيد عننا واهي قضية يلعب فيها لمجهول، غير الطُعم بتاع شوية الهيروين اللي برضو اتنازلنا عنهم علشان نوصل لكدا.
جلس نعمان وهو ينفث تبغه يشير إليهم: -الاسلحة والمخدرات هنستلمهم مع بعض. جحظت أعين الجيار باعتراض: -ايه اللي بتقوله دا يانعمان، انت اتجننت عايز نستلم الاتنين مع بعض
رفع اصبعه يشير إليه: -وبنفس الوقت ونفس المكان
توقف زمجر رافضًا: -لا اكيد بتهزر يعني بدل مانخسر واحدة ممكن نخسر الاتنين. لوح بيديه وثارت جيوش غضبه قائلًا: -دول مليارات يانعمان مش مليار واحد دول عشرين مليار، اكيد ناوي تقضي علينا.
التوت زواية فمه بإبتسامة عابثة ونزع رماد تبغه قائلًا: -لا دا اللي هيتم ياهادي. أشار إلى عزيز الذي جلس يتجرع من الخمر ثم تحدث: -عزيز هتبعت الرسالة وتؤكد لجماعتنا التسليم ليلة رأس السنة. والشحنتين مع بعض وفي المكان المحدد
نزلت كلمات نعمان على رأس الجيار كصاعقة يهز رأسه بالرفض: -بلاش جنان يانعمان.
اسمعني ياهادي ليلة رأس السنة انسب وقت، الكنائس فيه بتتحرق والأمن كله بيكون بيحميها، مبكنوش فاضيين مع شوية من عندنا والدنيا تهيج ونضرب ضربتنا
مط عزيز شفتيه ثم أشار لوالده
-كلام خالو ممتاز يابابا، ودا الوقت الأمثل اللي فعلا الحكومة هتكون متأهبة بعيد عننا
نزع سماعته بعدما أستمع لحديثهم
-اه ياولاد الكلب. جمع اشياؤه وجلس يحتضن رأسه يفكر كيف سيدخل إلى منزل النعمان دول أن يراه أحد.
استمع الى طرقات على باب الغرفة، ثم دلف عامل المزرعة: -ياضكتور الحق البجرة بتولد
ال ايه يا خويا. اقترب الرجل الذي يبلغ من العمر خمسون عاما
-مالك ياضكتور، بقول لحضرتك البجرة بتولد
-ودي اعملها ماتخليها تولد انا مالي قالها بغضب مازال متأثرًا بالحديث الذي استمع إليه حتى تناسى لماذا هو هُنا الان
-مالك ياضكتور هو حضرتك مش سامعني. قطع حديثهم سمر مردفة.
-غريب انت لسة هنا البقرة بتولد وحالتها متعثرة. هنا توقف محمحم
-أيوة أنا رايح لها اهو، تحرك للخارج فأشارت إليه سمر
-فين شنطتك، هتولدها كدا
-أولد ايه؟
- غريب مالك مش معايا خالص، هتكون ايه يعني، قصدي البقرة
اومأ وتحرك يحمل حقيبته متمتم
-نقصني بقرة كمان ودي اعمل فيها ايه ياربي، ازاي ياباسم تنسى دي، ماله المهندس الزراعي، طبيب بيطري يارب
ساعدني، وصل إلى مكان التجمع جحظت عيناه ينظر للبقرة.
-هي دي البقرة؟ تحرك الرجل إليه سريعًا: -فينك ياضكتور، البقرة بقالها ساعة وهي بتولد
أخرج جونتيه وهتف: -فين المية السخنة. نظر إليه الرجل مستغربا: -مية سخنة ليه، انا بقولك البقرة اللي بتولد مش أم اسماعيل
حرك نظارته وعنف الرجل محاولا السيطرة على غضبه
-ماانا عارفة أم اسماعيل اللي بتولد. قصدي البقرة قالها بعدما وجد الأعين عليه
أشار الرجل إلى البقرة: -طيب ماتدخل وتشوف شغلك.
-ادخل فين لا أنا هنا كويس. ابتسمت سمر ثم فتحت حقيبته لتساعده
-ياله ياغريب وبطل هزار، مش وقت هزارك
نظر إليها بأعين متسعة كاد أن تنزل عبراته وهمس لنفسه:
-ياريته هزار. امسك كيسا بلاستيكا ولفه حول معصمه، ثم انحنى بجسده للأمام يشير إلى الرجل بعدما تحركت سمر لتجيب على هاتفها
-هي بتولد منين. جحظت أعين الرجل
-هو حضرتك متأكد انك ضكتور، اصلي اشك. تمتم إليه
-وأنا كمان شاكك. وصل إليه أحد العاملين بالمزرعة يغمز له.
-عايز مساعدة يادكتور، تنهد براحة بعدما علم بهويته. فاقترب بقلب قوي ووقف امامه
-بسرعة ساعدني أولد البقرة دي قبل مابنت الجيار ترجع
أشار إلى اقدام صغير البقرة قائلاً: -متخافش شد رجليها
-ايه! قالها مذهولا. فقدم الرجل أمامه وتحدث بابتسامة عريضة: -حضرتك سمعتك كانت مسمعة عندنا في البلد. أشار للرجل الواقف بالقرب منهم
-روح يابني هات اكل للبقرة علشان نقدر نتحكم فيها لما الدكتور يولدها.
بذاك الوقت اقترب الرجل يجذب ارجل مولودها ينظر لجاسر
-اعمل اي حاجة علشان الفلاحين ماياخدوش بالهم
نظر إليها مشمئزا يهمس لنفسه: -تعالي ياحضرة اللوا شوف ابنك بيولد بقرة. قالها بابتسامة عذبة
ضحك مساعده قائلاً: -اه والله دا حضرتك بلاش اكمل
-لا كمل قالها وهو ينظر لما يفعله ذاك الرجل. هز الرجل رأسه بابتسامة
فجذب كف جاسر ينظر لذاك الكيس.
-والله شكلك هتودينا في داهية. ارتفعت ضحكاته وهو يجذب ارجل مولود البقرة بقوة ليخرج كاملا فغمز للرجل
-صورني علشان ابعتها لحضرة اللوا
-بتتكلم بجد. سقط ابن البقرة أمام عيناه فشهق: -اااه هو كدا مات. كتم الرجل ضحكاته بصعوبة وناوله مقصًا
-قص الحبل دا: نظر للمقص ثم إلى مايقصه قائلاً: -طيب ماتسيبه هو هيضركم في حاجة
هنا لم يستطع الرجل كتم ضحكاته ولكنه توقف عندما شاهد سمر بجوار رجلا اخر فهمس له.
-قصه من عند الحتة دي. قالها وهو يشير إليه: -بس دا دم حرام.
-احم. ياله ياباشا الوقت مش في صالحك. رفع المقص وقام بقصه مثلما قال له الرجل فانحنى متسائلاً: -صورتني ولا لا. قالها بوصول سمر متسائلة
-ايه ياغريب حالة البقرة كويسة
نزع ذاك الجونتي الملطخ بالدماء وهو يهز رأسه مشمئزًا: -كويسة، اكلوها كويس علشان ترضع ابنها. قالها وتحرك بعدما اشمئز من الرائحة يشير للرجل حتى ينهي ذاك العمل
فاقترب الرجل من سمر.
-هاخد الدكتور ياست سمر يشوف المعيز، كان فيهم واحدة الصبح عيانة
اومأت له موافقة ونظراتها على تحرك غريب.
وصل إلى الملحق الذي يستقر به متجها إلى المرحاض سريعا ليقوم بإفراغ مافي معدته. توقف الرجل بالخارج حتى انتهى وظهرت على ملامح وجهه النفور
توقف يلتقط أنفاسه ثم جفف وجهه قائلاً: -أنا يعتبر خلصت اللي جاي علشانه هنا، بكرة هرجع وانت شوف أي حِجة
-إنت عارف أن التميمي والجيار هنا
-عارف. قاعدين في الفيلا، علشان كدا اصريت اقعد هنا
سحب نفسًا وزفره واستأنف:.
-مينفعش اقابلهم ابدا، عزيز ونعمان عرفني، الجيار شافني بس ماشكش المهم لازم امشي قبل ماعزيز يوصل
تمام. يعني كل حاجة هنا تمام
اومأ له ينظر بساعة يديه
-اخر طيارة هتكون بعد ساعة، يادوب اجهز نفسي، مش عايزك تقول حاجة لحد ما امشي من المطار
-تمام يافندم. قالها الرجل وتحرك
فتح هاتفه ينظر لتلك الصورة وابتسم
-ياشماتة جنى فيا. استمع إلى خطوات خلفه، استدار إليها وجدها سمر متجهة إليه
-رجعت امتى؟
-قطب جبينه متسائلاً: -رجعت منين مش فاهم!
طالعته بحب قائلة: -مش كنت مع محمود علشان تشوف المعيز.
اومأ لها مبتسما أيوة صح افتكرت، معلش عندي صداع ومش مركز
اقتربت تقف بالقرب منه ثم باغتته بسؤالا
-غريب انت ليه بتهرب مني
ضيق عيناه متسائلًا: -اهرب منك! مين قال كدا
جلست على درجة السلم الرخامية ومازالت نظراتها تحاوطه
-طيب ليه مجتش عيد ميلادي امبارح
ابتعد بنظراته للبعيد مردفا: -كنت مصدع، وانا ماليش في جو الحفلات دا.
توقفت واقتربت منه حتى لم يفصل بينهما سوى خطوة
-حتى بعد ماانا عزمتك!
ابتعد خطوة للخلف بعدما فهم نظراتها واردف بنبرة جافة بعض الشئ: -مش فاهم، يعني علشان بشتغل في المزرعة مجبور احضر حفلاتك
شعرت بالحزن من ردة فعله ورغم ذلك تسائلت: -إنت بتحب واحدة اسمها جنى صح
-لا مش صح. ابتسمت بعيونا لامعة ولكنها انطفأت سريعا عندما أكمل حديثه: -أنا بعشقها لأنها مراتي وام ابني.
-إنت متجوز. نظرت لاصبعه ثم رفعت عيناها إليه: -ليه مقولتش انك متجوز
زفر مختتقًا وكأن حديثها طوق من نار فأجابها: -علشان دي حاجة تخصني انا متخصش الشغل، استدار متحركا للداخل: -بعد اذنك عايز اخد شاور. قالها ثم اغلق الباب متنهدا بحزن عليها لانه شعر بإعجابها
توقفت مذهولة تطالع دخوله بحزن، تحركت إلى منزلها سريعًا وعبراتها تفرش الأرض أمامها، قابلها أباها
-سمر!
توقفت تزيل دموعها ونظرت إليه بجفاء: -نعم. اقترب منها يتفحصها بنظراته ثم أردف: -جهزي نفسك علشان هنسافر بورسعيد
طالعته بذهول واردفت قائلة: -أنا مش مسافرة مع حضرتك انا حياتي هنا مع ماما وبس، قالتها وتحركت من أمامه سريعا. أوقفها عزيز الذي ترجل من سيارته واستمع إلى حديثها: -استني عندك يابت. استدارت له وعقدت ذراعيها فوق صدرها قائلة: -اسمي سمر مش بت يا استاذ عزيز.
اقترب منها يحدجها بنظرات نارية، ثم جذبها من رسغها بقوة: -عايزة توصلي لايه يابت، بابا قالك اجهزي، يبقى تجهزي من غير كلام كتير
استدارت وتحركت سريعًا للداخل دون رد. اتجه بنظره لوالده
-خالو بيقولك حضر لمؤتمر هنا علشان ترجع ترشح نفسك لمجلس الشعب، لازم ترجع تاني
دلف إلى المنزل واجابه: -تفتكر هنجح. ضحك عزيز قائلاً
-الورق ورقنا ياباشا
بسويسرا داخل منزل بيجاد الألفي
كانت تهرول خلف طلفها المشاغب.
-قصي تعالى هنا. اسرع الطفل وهو يطلق ضحكاته الطفولية. استمعت إلى دلوف زوجها وهو يتحدث إلى الخادمة بالكنة الانجليزيه ويعطيها حقيبته، هرول الطفل إليه: -بابي. انحنى بيجاد يحمله يرفعه بالهواء بابتسامته. عقدت ذراعيها وتصنعت الحزن. اقترب بيجاد يجذب رأسها ثم طبع قبلة فوقها: -حبيبتي زعلانة ليه؟
أشارت إلى ابنها: -ابنك بقى صعب طول اليوم لعب مفيش اكل وكمان مدربه بيشتكي منه
طبع قبلة على وجنتيه يغمز له.
-دا كله منك ياصغنون. ضحك الطفل وهز كتفه لوالده: -قول لمامي قصي يحب مدرب لا
جلس على الأريكة وقهقه عليه ثم اتجه بنظره لوالدته
-قصي يحب مدرب لا ياماما. ابتسمت متحركة إلى المطبخ تنادي على الخادمة: -جهزي الغدا واطلعي لنانا فوق خليها تجهز تيا وتنزل بيها
-حاضر مدام. قالتها الخادمة بطاعة
استمعت الى رنين هاتفها فأسرعت إليه
-أكيد بابي
بسيارة جاسر قبل قليل.
-أنا خلصت المهمة يافندم بالوادي، كل الأجهزة هنا شغالة ومن غير ماحد يكتشفها، وكمان جهاز تتبع في عربية عزيز ونعمان. هادي ماحطلوش حاجة علشان مش مهم قوي
اجابه باسم متنهدًا: -برافو جاسر. كنت عارف ومتأكد إنك قدها، قاطعه باسم
-فيه ملحوظة دلوقتي.
الدكتور اللي المفروض انا مكانه حاليا، دا هيفضل عندكم ولا هيخرج، لحد دلوقتي وعزيز مفكر أن غريب اللي صاحبه باعته هو اللي موجود، ودلوقتي عزيز في الوادي المفروض هيحصل لقاء. ايه الخطوة اللي حضراتكم هتخدوها لحد ميعاد التسليم
نقر باسم على مكتبه واجابه: -دي عاملين حسابها، عزيز ونعمان هيرجعوا بورسعيد النهاردة بعد ما يعرفوا اللي حصل ليزن العابدين
توقف مصطدم بسيارته وارتفعت أنفاسه: -الحقير دا عمل ايه تاني؟
تفتكر كان هيسكت بعد اللي حضرتك عملته، قدم فيك بلاغ، بس راكان البنداري لبسه مليون تهمة ورماه في السجن وطبعا بعد ما يعرفوا هيتجننوا وخصوصا المعرض اللي حضرتك ولعت فيه، انت مجنون يابني، رايح تولع للراجل في معرضه
اكمل قيادة سيارته وتحدث متهكمًا
-اقسم بالله ومستعد اولع فيه شخصيا، أنا مجنون واعملها، توقف عن الحديث متسائلًا: -ليه راكان عمل ايه؟
-اوووه لا دا الراجل خبيرر ومُز كبير قوي وصاحبك عرف يعلم عليه كويس، انت تايه عن راكان
تنهد مبتسما ثم تحدث: -برافو راكي، لازم أزوره بهدية. قهقه باسم ثم تحدث بجدية: -جاسر تفتكر اللي عملته هينفعنا
ابتسامة ساخرة تجلت على شفتيه
-اسمع اللي باعته ياباشا وحضرتك تعرف. قالها ثم اغلق الهاتف: تحرك بالسيارة لبعض الوقت ثم قام بمهاتفة أخته: -غنون حبيبي عاملة إيه.
أجابته باشتياق ونبرة حزينة: -كدا ياجاسر، ينفع اسافر من غير ماتودعني، وكمان جاي تكلمني بعدها باسبوعين
-آسف ياغنون، مبحبش الوداع، غير كان عندي شغل مهم ومعرفتش انزل حبيبتي. بدا على وجهها الحزن الذي ظهر بنبرة صوتها: -وحشتوني قوي ياجاسر.
تفاقم الحزن بداخله على نبرتها واشتياقها الحزين ثم أجابها بنبرة لدعمها: -حبيبتي كلها كام يوم وتنزلي، اكيد هتنزلوا في رأس السنة، المعروف عمو ريان مبيحبش ولاده يكونوا بعيد عنه الليلة دي، فأكيد هتنزلوا، وبعدين دا كلها اسبوعين ياغنون ايه يالطفلة دا أنتِ في اسكندرية كنتِ بتيجي كل كام شهر. رفع هاتفه عندما شعر بشيئا. ابتسامة لاعوب على وجهه، فكأن كل مايخطط له سيتحقق، انتبه لحديث أخته: -يعني هتحتفلوا ولا زي كل سنة بابا يطلع لنا بحلال وحرام.
ضحك عليها واردف: -لا السنادي هننزل اسكندرية ونحتفل كلنا عند ريان باشا، جنى بتحب اسكندرية في الشتا، وطبعا لازم ننزل علشان جنجون.
-أيوة ياعم حد قد جنجون ودلعها، أكمل حديثه على طريقته حتى انتهى من مكالمته وهو يردد لنفسه
-اغبية. بس ازاي يتجسسوا على تليفوني، نظر لهاتفه الآخر وحمد ربه أنه لم يستخدم ذاك الخط. فرفعه وقام بمهاتفة جواد منه
بجروب آل الألفي.
علي طاولة الاجتماعات توقف أوس أمام الشاشة: -دا منتجع سياحي، بس بطريقتنا
نظر الجالسون للشاشة بتركيز وتسائل
أحدهم: -أزاي بطريقتنا. اجابه أوس.
-هيكون عبارة عن قرى منفصلة خاصة، فيه رجال أعمال محترمين بيحبوا الحاجات الخاصة لأنفسهم مع شوية حاجات مختلفة، يعني مثلا كام متجر بأسعار تسويقية، مسجد بين القرى، قاعات مختلفة للمناسبات. ظل يشير إلى الشاشة ويشرح مايريدونه إلى قطع عز حديث أوس يشير لتلك المهندسة: -الباشمهندسة نجلا هتكون مسؤلة عن التصميم، وكمان تعمل دراسة تفصيلية لاقتناع.
اتجهت بنظرها إلى عز مذهولة، وأشارت على نفسها بذهول: -أنا!، ابتسامة خبيثة يشير إليها
-اتفضلي ياباشمهندسة، عايزين اقتراحات. قالها حتى توقفت واتجهت إلى الشاشة متعثرة، لحظات حتى سيطرت على نوبة الخوف، ثم أشارت إلى الشاشة وبدأت بتخبط حديثها
ظل عز يخترقها بنظراته إلى أن انتهت، فصفق إليها ونهض من مكانه.
-خلاص ياجماعة الباشمهندسة ارائها مقبولة هتعمل دراسة جدوى، وهتناقش مهندسة التصميم. ثم استأنف حديثه حتى لا يوجد وقت للاعتراض.
- الاجتماع القادم كل حاجة هتكون جاهزة. أشار بيديه للخروج قائلًا: -الاجتماع انتهى. بعد دقائق خرج الجميع ولم يتبقى سوى أوس وعز
-تفتكر هتعمل ايه؟
رفع عز رأسه من فوق جهازه الذي يراقب به جميع مكاتب الشركة.
-هتجري تبلغهم بالمشروع. انت خلص اللي في ايدك بسرعة علشان نوصل في ميعادنا للمناقصة
اومأ أوس له وجلس لينهي عمله.
مرت الايام سريعا الى أن جاء اليوم الذي قلب الموازين. على الحدود كان هناك مالايعرفون قيم وأخلاق يتاجرون بالبشر سواء بالقتل دون وجه حق أو ادمان الشباب ليذهب العقل وينساقون خلف من ليس لهم دين ولا عقيدة، فيبدأ من يعرفون بتجار الدين يرسخون مذاهب تشكيكة في ديننا الاسلامي لينحازون إليهم من لا عقل لهم.
صباح الواحد والثلاثون من ديسمبر بمحافظة بورسعيد. جمع جاسر وجواد اشيائهم الخاصة يتقدمون بذاك المستند الذي اعتمد بنقلهم سويًا إلى محافظة القاهرة
بمكتب عزيز بشركته. ضحكات صاخبة وهو ينظر إلى خاله: -قولت لك ياخالو نقدر نعملها، اهم غاروا من بورسعيد كلها ورجعوا ايد ورا وايد قدام.
رمقه نعمان وهتف بحدة: -سيبك منهم وركز ياعزيز وجهز نفسك، لازم تستعد كويس، وجهز طيارة خاصة احنا مش عارفين ايه اللي ممكن يحصل، متنساش دول قعدوا اكتر من ست شهور هنا منعرفش وصلوا لايه، ومتفرحش كتير، لازم نسافر الليلة العريش علشان محدش يشك في حاجة
اومأ له وتحدث: -متخافش ياخالو، كل حاجة متظبطة من امبارح، والكل في أماكنه التمام، المهم عايز دعم من اخوانا في سينا علشان لو غدر من حد نقلب على الكل.
توقف نعمان وأشار بيديه مؤكدًا: -دخلوا من شهر متخافش، وكله تمام، انا لازم ارجع علشان سمرة رجعت النهاردة ولازم احاول أقنعها تسافر معايا العريش
وضع كوبه مستدير وتسائل: -سمرة رجعت! قالها بصدمة ثم اتجه بنظرات متسائلة: -ليه رجعت بعد السنين دي كلها
تحرك للخارج قائلاً: -أنا اللي أمرت بكدا، لازم ترجع كفاية سفر، لازم ترضى بالأمر الواقع لازم تعرف كل حاجة عن الشغل.
بعد عدة ساعات وخاصة بمدينة اسكندرية. توقف ريان ونغم لاستقبال حافلًا بكلًا من عز وأوس وجاسر بزوجاتهم مع ابتسامته ووجه البشوش
-مصدقتش والله إلا لما شفتكم
ابتسم عز يشاكسه: -حظ بقى ياعمو، لينا نصيب نقضي الليلة معاكم، بس اكيد من غير احتفال اتجه بنظره الى جنى وربى واستأنف
-نعمل ايه فيهم أصروا نقضي الليلة في اسكندرية. اومأ لهم وهتف
-اسكندرية نورت والله
وصلت الخادمة فأشار لها ريان.
-جهزي العشاء ضيوفنا وصلوا. تحرك الجميع سوى من جنى وجاسر. استدارت إليه وعيناها متحجرة بالدموع
-إنت وعدتني انك هترجع لي صح
احتضن وجهها ثم انحنى وطبع قبلة مطولة على جبينها: -وعد ياجنجون هرجعلك وهنكون في القاهرة الصبح، المهم أنتِ عارفة هتعملي ايه.
اومأت له تتهرب بنظراتها من عيناه، ضمها لأحضانه: -خدي بالك من نفسك، ومحدش يتحرك من هنا قبل ماارجع، رفع ذقنها وإزال عبراتها. ود لو أخذها إلى مكانًا لا يعلمه سواهم، نظرات فقط إليها وهو يفكر ماذا سيفعله اذا انقلب مخططهم، أشفق عليها كثيرًا فلوضع مؤلم لديها. أحس بالاختناق بعدما وجد دموعها:
-ليه الدموع دي، اللي يشوف دموعك يقول مش راجع
وضعت كفيها على فمه.
-بعد الشر إن شاءالله هترجع، رسمت ابتسامة ونظرت إليه نظرة اذابته عشقًا، ثم رفعت نفسها تطبع قبلة على وجنتيه.
-أنا واثقة في جاسر الألفي. مازالت نظراته تحاصرها لا يعلم لماذا يعتريه القلق، حاولت خروجه من حالته عندما شعرت به ف فركت كفيها وتحدثت بخفوت: -ارجع بسرعة علشان نحتفل بنجاحك، انا متأكدة انك هتقدر عليهم، ومجهزة حفلة لحبيبي لحد مايزهق. ابتسمت عيناه لتلك الزوجة الهادئة. انفرج ثغره بابتسامة هادئة ثم انحنى يطبع.
قبلة سريعة على شفتيها هامسا لها بحبك هنا أحست برجفة تعتري فؤادها فانسابت عبراتها بكثرة واحتضنته بعيناها وانا بعشقك ياجاسر، خليك فاكر أن جنى هتموت من غيرك
-الله الله. طيب اطلعوا فوق، عيب كدا، راعو الخدم، ألحق ياريان باشا
بمنزلك فُجر وفسوق
استدار جاسر إليه وأطلق ضحكة غامزا.
-غيران صح. اقترب بيجاد يضع كفوفه بجيب بنطاله: -والله يابني انت عديت الكل، اقول ايه بس، فرحان في حمايا والله. كانت نظراتها عليه كأنها تحتفظ ملامح وجهه بدقة لآخر طلة له لكي تزين بها لوحاتها، شعر بذراعيها تلتف حول خصرة، فنزل ببصره إليها بعدما كان منشغلًا بحديثه مع بيجاد.
فهم بيجاد مايحدث فحمحم قائلًا: -جنى غنى ورُبى فوق بيسألوا عليكي، اطلعي لهم. هزت رأسها وتلاشت قدرتها على السيطرة حتى ارتفع بكاؤها، فسحبها سريعا للخارج حتى لا يستمع إليها أحدًا
-دا وعدك ليا، يعني انا غلطان اني شاركتك شغلي، انا كدا زعلان منك
مسحت دموعها تهز رأسها
-غصب عني ياجاسر، مش قادرة اتحمل فكرة انك داخل النار واسكت
استمع الى صوت عز يبحث عنهما.
-جنى ادخلي واعملي زي مااتفقنا، يالة اثبتي لي انك مرات جاسر الألفي حق وحقيقي، ياله حبيبي قدامي ساعة لازم اتحرك
اومأت له ثم تحركت للداخل بخروج عز من الباب، تحرك إليه بعدما وجد دموع أخته
-فيه ايه مالكم؟
اتجه يستقل سيارة بيجاد يشير إليه
-اطلع منين يابيجاد
أشار إلى المخرج السري.
-بلاش العربية دي، هتلاقي عربية بالسواق بعد ماتطلع من هنا. اومأ له وحمل حقيبته الصغيرة قائلًا: - لا إله إلا الله.
صدمة أصابت عز بالذهول حتى تصنم جسده لبعض الوقت مهرولًا إليه
-جاسر، انت رايح فين!
-بيجاد هيفهمك. سلام لازم اتحرك
قالها وتحرك سريعا.
-بيجاد! قالها عز وهو يطالع خروجه المتلهف، اقترب بيجاد منه يربت على كتفه
-عنده مأمورية صعبة شوية، ودلوقتي هو خارج للقبض عليهم
-إنت بتقول ايه! يعني جابنا هنا تمويه ولا حماية، لا انا لازم افهم ايه اللي بيحصل بالظبط، وازاي مايفهمنيش.
هز بيجاد رأسه بعدم معرفة ثم تحدث: -كل اللي اقدر اقوله هو قالي عنده قضية صعبة ومحتاح تمويه الليلة وخروج سري
-جنى عارفة. قالها عز واستدار متحركًا إليها بجنون.
بعد ساعة على الحدود كان الجميع متربص، الشرطة متأهبة بمواقعها كما خُطط لهم، وبالجانب الآخر هؤلاء المخربون لعقول شبابنا. مع إطلاق تمام الثانية عشر وارتفاع تلك الألعاب النارية بسماء القاهرة احتفالا بالسنة الجديدة، اقتربت إحدى السيارات العملاقة بعد مااطلقت إشارتها لتعلم الجميع بوصولها، اقترب أحد الأفراد المنوبين ولهم الثقة الكاملة لنعماني والجيار.
ترجل من السيارة شخص عملاق وبيديه بعض الحقائب التي يحمل بها الأموال لتجلب ذاك الفساد
وضع الحقائب يفتحها امامه. تحدث الرجل: -اين النعمان، لماذا لم يأتِ؟
-نقودك امامك لا نريد طيلة الحديث، هيا دعهم يجلبون البضاعة
دقائق حتى نقلت الأسلحة إلى سيارتهم مع تحول المكان إلى معركة دامية بين رجال الشرطة البواسل مع تلك المجرمين الخارجين عن القانون
كانت الغلبة بها إلى رجال الشرطة.
امسك جواد ذاك الرجل المسؤل الاول عن التميمي
-اهلا ياروح خالتك. قالها وهو يجذبه بعنف يلقيه بسيارة الشرطة بعدما ألقى القبض على عدد كبير من الخارجين عن القانون
بعد قليل بالمكان الذي يختبئ به النعمان تامينًا له استمع الى رنين هاتفه الخاص
-الشحنة اتمسكت ياباشا والرجالة كلهم اتمسكوا مفيش غير الشافعي هرب بطلق ناري، واصحابنا هيولعوا في الدنيا.
هوى ساقطا بعدما استمع الى تلك الكلمات ليسقط هاتفه وشعر بانسحاب أنفاسه، يفك رابطة عنقه، . تحرك عزيز إليه بذعر يطالعه متسائلًا
-خالو ايه اللي حصل؟
روحنا في داهية، بيتنا اتخرب. تلك اخر كلماته التي قالها بعدما سقط مغشيا عليه.
باليوم التالي انتشر الخبر بجميع المواقع وتفوق قواتنا في القبض على اكبر تشكيل عصابي داخل وخارج مصر، مع التصوير الدقيق لقواتنا أثناء القبض عليهم. استنفار أمني بجميع المراكز مع محاولة حماية جميع الضباط الذين قاموا بتلك العملية الفائقة
تحرك جواد إلى الإدارة بعدما شاهد ابنه وجواد حازم بتلك العملية ليهيب نفسه استعداد كامل بالحماية لانه على علم بماذا سيحدث
مساء اليوم التالي.
صعد إلى غرفته لتقابله جنيته الصغيرة بهيئتها التي خطفت انفاسه، رفعها من خصرها بعدما هرولت إليه تحتضنه: -حمدالله على سلامتك حبيبي، دار بها وهو يضحك فلقد أخرجته من حزنه بعد مواجهته مع والده، انزلها بهدوء وهي تحتضن وجهه تلمسه ليطمئن قلبها، انحنى لينثر عشقه المتراكم بقلبه لسنوات عديدة حتى اختطف أنفاسها ليتركها بعد دقائق رغمًا عنه
- وحشتيني التقطت أنفاسها بصعوبة تطالعه بنظراتها العاشقة.
-ألف مبروووك ياحبيبي، دايمًا من نجاح لنجاح.
اكتفى بتنهيدة عاشقة وهو يديرها بكفه ليرى ذاك الرداء الشفاف يتميز بروعة تصميمه عاري الاكتاف، يصل إلى تحت الركبة بقليل ويظهر أكثر مايخفي
وقف يتأمل جمالها الخاطف للب عقله قبل قلبه، ثم اقترب وهو يحاوط خصرها هامسًا
لقد تخطيت ثنايا الروح مهلكة قلبي.
فعشقي لكِ يغزو شرياني كما تغزو المياه الأنهار التي يزين ضفوفها الاشجار، أما هنا يزين عشقي نبض قلبي الخارق بصدري، قالها وانحنى و يعزف لحنه الممتع المثير على خاصتها ليقص لها بطريقته الخاصة أنها وحدها من سكنت وتغلغلت بداخل القلب لتمتزج روحها بروحه وتصدر الحانا، تغرد على أثره الكروان بأعذب الألحان.
بصباح اليوم التالي توقف أمام المرآة يتجهز لنزول عمله، نظر إلى نومها الهادئ، فاستدار متحركًا إليها، امال بجسده يطبع قبلة بجوار شفتيها
-أنا نازل حبيبي محتاجة حاجة. فتحت عيناها بارهاق متسائلة: -الساعة كام؟
تراجع خطوة يشير إليها: -الساعة عشرة، عندي مقابلة مهمة مع القادة، وبعدها عندي مشوار لراكان البنداري، بابا دخل فيه شمال امبارح لازم اروح اعتذرله
اعتدلت تجذب الغطاء على جسدها ثم أخبرته بميعاد الطبيب.
-فيه ميعاد لكنان النهاردة على 6 لو هتتأخر هروح مع عاليا
اغلق زر قميص معصمه واجابها: -لا هرجع لك بدري. نهضت بعدما ارتدت كنزته الموضوعه على الفراش
وخطت إلى أن وصلت إليه، رفعت أناملها تعدل ياقته مبتسمة: -لا خليك براحتك، عاليا عايزة تشتري شوية حاجات هنخرج من عند الدكتور نعمل شوبينج
قبّل جبينها وتحرك حتى وصل إلى الباب.
-طيب خلي بالك من نفسك ومن كنان، حاولي متبعديش عن المراقبة، لسة القضية ماخلصتش حبيبي بلاش اقلق عليكم
اومأت مبتسمة واجابته بطاعة
-حاضر. فتح الباب ولكنه تراجع إليها مرة أخرى يطبع قبلة سريعة على شفتيها هامسًا لها
-شكرًا ياجنايا على سهرة امبارح، هتفضل في الذاكرة العمر كله، اتمنى تكرريها. وضعت رأسها بصدره وتوردت وجنتيها خجلة.
-بس بقى ياجاسر هزعل والله، رفع ذقنها يغمز لها: -لا بدل ما تقولي كدا، قولي هتعلم رقصة جديدة لاحتفال جديد. وضع جبينه فوق جبينها وآآه جياشةطويلة متخمة بالعشق والنبض كانت أبلغ من أي حديثًا للحظات حتى تحدث هامسًا: -مش مصدق السعادة دي كلها، عايزك كدا على طول، دايما تثقي في عشقي وبس. لمس وجنتيها ورسمها برماديته.
-عايزك تتأكدي انا اتولد وعيشت بجد من وقت مابقيتي في حضني. مازالت نظراته ترسمها كأنها قمر يلمع بالفضاء ليصبح مشعا بنوره وتابع حديثه: السعادة في حضنك ياجنى والتعاسة لما تبعدي عني، نزل بكفيه لشقها الأيسر دا بينبض، يبقى دا بينبض
أغمضت عيناها واختبأت بأحضانه ليعصرها وهو يشعر كأنه امتلك العالم ومافيه.
بعد عدة ساعات بعدما خرج من قصر البنداري
-جاسر فيه معلومة إن ناس غريبة دخلت مصر من شهر تقريبا، ودلوقتي جالنا إشارة أنهم بسيارة متجهين للعاصمة. تحرك سريعا واستقل سيارته
-جواد انا قلبي مش مريحني، البنات برة، انا هروح لهم وانت راقب الوضع، الحقير مااعترفش على النعمان لحد دلوقتي ودا مش خير ابدًا، واحنا مش عارفين نوصلهم، انا مش مرتاح لحد مااسجنهم.
حمحم جواد مردفًا: -جاسر الراجل اعترف انك الدكتور البيطري، يعني اكيد عرفوا انك السبب في دا كله. قاد السيارة وتحرك متجها إلى زوجته
-سيبها لله، المهم اسمعني، بابا زعلان جدا مننا عايزك تقرب منه وتفهمه ليه عملنا كدا، كل ماابص لعيونه مبشوفش غير حزن، ابويا صعبان عليا قوي، لو اعرف دا رد فعله مكنتش هعملها
اجابه جواد مطمئنا إياه: -عمو باسم قال هيطمنه، هو خايف متنساش أنه اوعى مننا ربنا يستر.
بعد قليل وصل إلى زوجته توقف ليترجل من السيارة ليصعد إليها بعدما اطمأن من وجود سيارة الحراسة، ولكنه توقف متسمرًا بعدما شاهدها تهرول خلف سيارة وتصرخ باسم ابنه.
تحركت سيارة الحراسة خلف تلك المصفحة، لحظات وهو ينطلق بسرعة مهولة، يهاتف جواد: -جواد بسرعة عند جنى والبنات، خطفوا كنان ياجواد. قالها صارخًا ليتحرك خلفهم بجنون. ظلت مناوشات بين سيارة الحراسة وتلك المجرمين إلى توصل لذاك المكان الصحراوي، ليحدث بينهما مشاجرة عنيفة ليضطر بها جاسر الاستسلام بعدما خيروه بينه وبين ابنه، بوصول سيارة الشرطة وجواد. صارت مناوشات مرة اخرى، ليأمرهم جاسر بالتوقف عندما وضعوا السلاح برأس ابنه ويضطر الخضوع إليهم. تحرك إليهم بعدما ألقى سلاحه، وعيناه تحتضن ابنه الملقي على الأرض وبراسه سلاح أحدهم. جذب جاسر ليتراجع معهم يشير إلى جواد بعدما حاصرتهم سيارات دعم الشرطة.
-كنان ياجواد، اطلع بكنان من هنا
هرول جواد إلى الطفل الذي ارتفعت صيحاته وجواد يصرخ بهم
-محدش يضرب، قالها بعدما هددوه بقتل جاسر، ليضعوه بتلك السيارة لتتحرك مهرولة بعيدا عن الشرطة، قاد جواد سيارته بسرعة جنونية بعدما أعطى كنان للحراسة
-رجعوه بسرعة. وتحرك للحاق بجاسر
قطع طريقهم بمهارته ونشبت المعركة مرة اخرى، وجاسر مقيد اليدين بتلك الأثناء. امسكه أحدهم.
-هتقرب هنقتله ارجعوا، نظر جاسر نظرات فهم جواد مغذاها، ليدفع الرجل برأسه وليخرج جواد طلقته النارية، لتستقر به، واقترب من جاسر لحمايته بعدما تعارك الطرفين ولكن قبل الوصول يطلق ذاك المجرم طلقته لتستقر بصدر جاسر ويهوى على الأرض سريعا. لحظات جنونية يصرخ بها جواد بعدما سقط الكثيرمن قوات الشرطة، ومشهد مروع وهو يرى ذاك المتجبر وهو يدفع بقدمه جاسرليسقط من فوق التلة. جن جنون جواد عندما شاهد ذاك المشهد ليثير كالوحش الضاري بسلاحه بطلقات نارية. هرول يصرخ باسم جاسر.
بحي الألفي
خرج جواد يسحب كف مسك ابنة أوس من جهة وراسيل التي تتعلم الحركة. وهو يتحدث معهما كأنهما يفهموه: -نهرب من نانا ونلعب شوية في الجنينة. توقفت مسك تمط شفتيها للأمام
-جدو انا عايزة اركب عجلة زي سيفو. جلس أمامها وابتسم عليها قائًلا: -حبيب جدو يركب عجلة ويوقع ينفع يامسك، طب نستنى بابي لحد مايجي علشان جدو بقى عجوز كبير مالوش في العجل قطع حديثه عندما ذهب ببصره لخروج عز مفزوعًا إلى سيارته.
توقف يطالعه بريبة وأحس بقبضة تعتصر صدره فتمتم:
الواد دا بيجري كدا ليه، ممكن صهيب يكون تعبان. خرج من حديثه مع نفسه صوت غزل
-جواد الجو برد ادخل بالعيال، و اتصل بياسين واطمن عليه، استدار إليها يشير لأحفاده: -خديهم جوا. قالها واتجه إلى سيارته تحركت غزل خلفه
-جواد رايح فين في الجو دا؟
-زوزو انا راجع عندي مشوار سريع، قالها وتحرك بسيارته بعدما شعر أن هناك أمر خطير، امسك هاتفه لمهاتفة عز الذي لم يجاوبه. دقائق مرعبة وعقله كاد أن ينفجر. تسارعت أنفاسه حتى كاد النبض عن التوقف، استمع لرنين هاتفه، نظر إليه وجده جواد فهتف سريعًا:
-جواد اتصلي بعمك صهيب أو عز خلي حد فيهم يكلمني ضروري. سمعتني.
توقف جواد عن الحديث وهو يطالع جاسر بسيارة الإسعاف و شهقة خرجت منه حتى توقف جواد فجأة ليرضطدم إطار السيارة ويحتك بالأرض حتى كادت سيارته بالأنقلاب
-فيه ايه، بتعيط ليه؟
قالها جواد ودقاته كالطبول، لا يعلم لماذا انسابت عبراته رغمًا، لا يعلم لماذا شعر بانشقاق قلبه، دموع خلف دموع اذهل منها لأول مرة حاله يكون بذاك.
الآلاف السيناريوهات أمام ناظريه ولا احد منه يرحم عقله، لحظة اثنين حتى وصل لإنسحاب أنفاسه يهمس بقلبًا مروعًا، وهناك شعورًا طغى عليه أن أحدًا من ابنائه مصاب، ابتلع جمارة جوفه الذي شعر بأنها من قعر جهنم متسائلاً: -جاسر! هنا ارتفعت شهقات جواد وانقطع حديثه سوى من صوت بكائه
ابتلع غصة مؤلمة شقت جوفه واردف ببكاء
-ضربوه بالرصاص ورموه من فوق الجبل.
هنا توقف نبض قلبه ليفتح زر قميصه، ورغم برودة الجو إلا أنه شعر بنيران تكوي صدره. فارتجف لسانه الذي هربت منه الحروف: -عايش!
-اه. همسة ضعيفة بشهقة بكاء قوية قالها جواد
بعد دقائق معدودة. وصلت سيارة الإسعاف لمشفى الخاصة بالشرطة والقوات المسلحة
وضع أمني مستنفر بعد وصول الاخبار ولم يكن سوى ابن جواد الألفي.
الكل يتمتم هنا وهناك بإصابة ابن قائدهم إصابة خطيرة وقد تكون مميتة، كان باسم اول الموجودين، توقف يزأر بجميع الأطباء في حالة من الذعر بعدما علم بإصابة جاسر الخطيرة
وصل إليه أكبر الأطباء بتلك العمليات الجراحية الخطيرة
-ابني يطلع عايش يادكتور سمعتني
اومأ له وتحدث هاتفًا.
-إن شاءالله سيادة العقيد، عدة دقائق فقط لم يكن سوى دقائق توصل بها جواد إلى المشفى التي كانت تبعده بكثيرًا من الكيلو مترات. ترجل بسيقان مرتعشة. دلف للداخل والجميع يتأهب لدخوله، دلف ذاك الاسد بوجه يرسم به جميع علامات الألم والحزن، وقلبًا يغلف به رائحة الموتى لابنه البكري، دلف وانظاره إلى تلك الغرفة التي يتوقف أمامها الكثير، رغم أنها تبعده بأمتار قليلة إلا أنه وجدها وكأنها بابعد بقعة على سطح الارض، ردد مترجيا ربه الذي لا يخذل العبد ابدا، حينما قال رب العالمين ادعوني فاستجب لكم.
ربي استودعك قرة عيني، ربي ابني برعايتك فاحفظه دعاء خلف دعاء حتى توقف أمام الجميع فجأة
عيناه الشاردة تتجول على الجميع، كجندي حارس للحدود. حتى توقفت عيناه على ذاك الجالس الذي يضع رأسه بين كفيه ويردد ادعيته بصمت.
اقترب عز قائلًا: -عمو أنا كنت لسة هتصل بحضرتك، هنا رفع صهيب رأسه وعيناه الغارقة بالعبرات، عبرات الحزن والألم، عبرات خلف عبرات حتى توقف بسيقانه المرتعشة يهمس اسمه بخفوت، اقترب منه صهيب وعيناه تعلقت بأعين أخيه
-هيقوم انا متأكد، متأكد من كدا ياجواد، والله جاسر هيقوم منها بس انت قول يارب. استدار بجسده صامتًا
ينظر لتلك الغرفة الذي اعتبرها ثلاجة موته، وتلفظ بحياته كالذي يلفذ أنفاسه الأخيرة.
-ابني بين ايد ربنا، وربنا ارحم من رحمة الام بابنها، ظل يرددها حتى وصل إلى باب الغرفة من يراه يزعم أنه فوق التسعون عامًا. ضمه باسم يربت على ظهره وحاول الثبات أمامه: -جاسر هيعيش ياجواد، هز رأسه وقلبه لا ينقطع عن الدعاء إلى أن جذب عز إحدى المقاعد يربت على كتف عمه.
-عمو اقعد متفضلش واقف كدا، جلس كالمغيب. رنين هاتفه لم ينقطع، أخرجه عز يطالعه، فذهب ببصره لوالده بدموع عيناه: -طنط غزل. كأن اسمها اعاده إلى أرض الواقع، فتسأل بشفتين مرتعشتين
-فين أو. س. عايز أوس وياسين ياصهيب. قالها بوصول حازم وسيف الذي وقع نظره على ابنه الجالس وثيابه الملطخة بدماء ابن عمه. هرول إليه
-جواد ايه اللي حصل.؟ مسح عبراته واطبق على جفنيه.
-جاسر مضروب بالنار وحالته خطرة، بحث بعيناه بوسط الزحمة الموجودة يبحث عن جواد. تحرك عندما وجده جالسًا مطأطأ الرأس وكأنه يخفي دموعه عن الجميع همس اسمه بخفوت
-جواد. ظل كما هو إلى أن وصل أوس ينظر للجميع بضياع حتى توقفت نظراته على والده
- بابا رفع عيناه لابنه واردف
-روح مع عز هات مامتك، قولها بابا اغمى عليه وبس، مفيش كلمة تانية تتقال. ذهب ببصره لتلك الغرفة وانسابت عبراته
-جاسر كويس صح يابابا. اومأ رأسه.
-إن شاءالله. بعون الله قالها بخفوت وقلبٌ كالفوهة البركانية. ليتحرك أوس بعدما شعر بحالة والده، بعد فترة
وصلت إلى المشفى كالمجنونة، توقفت تتلفت حولها كأنها تبحث عن احدهما، نهض صهيب متجهًا إليها
- جنى التفتت إلى والدها ويظهر على وجهها الذعر تحركت إليه
-جاسر، جاسر فين؟ رددتها وعينها تتقطر منها الدموع كالشلال
ابتلع غصة بطعم المرار يضمها لأحضانه
-ادعي له يابنتي.
أحست بالدوار وكأنها تلقت ضربة بلقبها قبل رأسها جعلتها تتمتم كالمجنونة
-يعني ايه ادعي له، هو قالي راجع. ابتعدت عن والدها تنظر بوجوه الجميع
-جوزي فين؟
تحركت سريعا وسقطت على ركبتيها أمام جواد تهمس له
-متسمعش كلامهم هو كويس، راح يرجع كنان، انحنت تضع رأسها على ساقيه
-جاسر هيرجع انا متأكدة، ممكن يكون تعبان شوية اه، بس هيرجع، اعدلت رأسها عندما وضع جواد كفيه فوق رأسها.
-ان شاءالله حبيبتي. قالها بعدما حفر الحزن ثقوبا بقلبه الضعيف
انسابت عبراتها وهي تهمس لنفسها
-جاسر وعدني هو هيقوم، أنا عارفة ومتأكدة.
وصلت غزل بجوار أوس وعز وبعدها دلف الجميع. ولجت بخطوات مبعثرة والألم يتشعب بقلبها وهي تردد بينها وبين نفسها.
يارب ظلت ترددها إلى أن توقفت متسمرة بعدما وجدت جلوس جواد وصهيب وبدا على ووجهما الحزن الشديد. توقفت تتحرك بعيناها كأنه تعد اولادها لتعلم ايهما الناقص. أخير خرج جواد عن صمته فتوقف بجسدًا جعله إلى حد ما منتصبا واقترب منها
-تعالي حبيبتي. تحركت إليه وكأن قلبها ذهب ولم يعد لديها ما تشعر به
توقف بالقرب منها، وجذبها لتصبح بأحضانه. هنا أطبقت على جفنيها وانسابت شلالات عيناها.
--ابني عايش ياجواد، ولا بعتلي علشان أودعه. أغمض عيناه حتى يمنع دموعه قائلا بقلب مؤمن راض: -واذا ياغزل، هدية وربنا احتاجها. ارتجف جسدها بالكامل تهز رأسها بذعر
-لا لا. مين ياسين، ولا جاسر. قالتها بدلوف ياسين.
تشبثت بجاكتيه ودموعها تسبق كلماتها
-جاسر اللي جوا ياجواد، جاسر اللي جوا. صح هو الناقص، قولي لا، اكذب عليا وقولي الولاد كلهم كويسين، صمتت تهمس
- غنى بدأت تردد كالذي فقد عقله فصرخت حينما وجدت صمته.
-مين من وولادي جو. ولكنها صمتت عندما وجدت جلوس جنى بعيدًا بأحضان صهيب وجسدها يرتعش
-آآه صرخت بها غزل تلكم جواد بصدره
-يااااارب، قالتها بقلب ام محترق
حاوط جواد جسدها يساعدها بالجلوس. جلست مليكة ونهى بجوارها لتخفيف عنها
بمنزل نعمان التميمي
ظل يثور كالثور الهائج، حتة ظابط مش عارف تجيبه ياعزيز، مالك خبت ولا ايه
جلس يدخن بشراسة: -كان خلاص وقع بايدنا لولا ابن عمه الزفت. طيب وبعدين فيه اخبار عايش ولا مات.
تحدث الرجل مطأطأ الرأس: - في العمليات بيقولوا حالته خطرة. هب من مكانه يشير إليه
-عايزه بأي طريقة أنشالله تولع في المستشفى
هز الرجل رأسه بخنوع قائلا
-دي مستشفى عسكري. قاطعهم عزيز
-كلم الدكتور بتاعنا يدخل، لازم يدخل بس الاول يطمنا أنه هيعيش، لازم يعيش ميت. قالها هادي الذي توقف وأكمل حديثه: -لازم يكون عبرة لأي حد يقرب من عرين الجيار.
طالعه عزيز بنظرات متسائلة مش فاهم يابابا. أشار إليهم بالجلوس.
-اقعد وأنا افهمك ومش عايز غلطة، لأن دا اخر امل، ثم أشار إلى نعمان
-كلم الدكتور بتاعنا يدخل، لازم الواد يكون عندنا لو لسة فيه روح واحنا هنتصرف، وافتحو عقلكم وتعملوا زي ماهقولكم بالظبط
بالمشفى عند جاسر بعد عدة ساعات
تم نقله للعناية المشددة ومنعت زيارته سوى من والدته فقط
كان الحزن و التوتر سيد الموقف بين الجميع والقلق يتغلغل بصدروهم ويأكلهم بضراوة. وصل ريان المنشاوي بجواره زوجته و بيجاد وغنى.
ساعات عصيبة لم يستطع أحد أن يغمض فيها جفنيه، نهضت جنى أخيرًا من مكانها بمساعدة والدتها وتحركت إلى أن وصلت أمام غرفته، اوقفتها الممرضة
-ممنوع الدخول يافندم. تحركت وكأنها لم تستمع إليها لتدفع الباب الزجاجي ولكن صاحت بها ليتوقف عز متجها إليها: -خليها تدخل، دا جوزها
-ممنوع قالتها دون جدال. أشار جواد بعينيه لباسم ليحتوي الموقف، توقف باسم متجها إلى الممرضة
-وسعي يابنتي كدا، خليها تدخل تشوف جوزها.
ممنوع يافندم قالتها الممرضة بعصبية، أشار باسم للمسعفين
-خدوا البت دي من قدامي، وشوفوا ممرضة تانية تجهز المدام تدخل لجوزها. توقف صهيب متجها الى ابنته
-حبيبتي بلاش تدخلي دلوقتي، لم تنظر إليه بل ثبتت نظراتها عليه من خلال زجاج النافذة. وصل طبيب آخر إليه
-واقفين كدا ليه.! تسائل بها الطبيب
-مراته هتدخل تشوفه
-ممنوع قالها وهو يدلف للداخل مغلقا الباب خلفه.
نظرت بحزن وتحدثت بصوتًا باكي: -بابا عايزة اشوف جوزي، قوله يدخلني
ربت صهيب على كتفها
-حبيبتي شوية كدا وهخليهم يدخلوكي. ارتاحي. وضعت رأسها على زجاج الباب وانحدرت دموعها فوق وجنتيها وشعرت بإعتصار قلبها ويحترق بداخلها تمنت لو يخرج الان ويعانقها بابتسامته، أطبقت على جفنيها عندما شعرت وكأن آلام الكون تجمعت بصدرها لتهمس اسمه تضع كفيها على صدرها.
مرت ساعات أخرى والوضع كما هو سوى من اغماء غنى التي حقنت بمخدر. خرج صهيب من غرفتها متجها إلى الجميع. توقف بعدما استمع الى صوت توقف الأجهزة، حالة هرج ومرج بالخارج، هرولت الأطباء إلى غرفة العناية. ظل الجميع في حالة تأهب وذعر معا الى أن صاح جواد بصوت صاخب.
-مش عايز اسمع نفس. هوت جنى على الأرضية تحتضن نفسها تهمس باسمه من بين شفتيها المرتجفة واه محترقة صرخت بها وهي تحتضن ملابسه عندما شعرت بتفتيت قلبها إلى شظايا محترقة جاااااسر
تحركت مليكة إليها بعدما فقدت نهى الحركة تحاول إيقافها ولكنها تراجعت بجسدها بعيدًا عنها
اصيب جواد بشلل كامل في خلايا جسده عندما وجد انهيار الجميع حوله واشتعلت عيناه بغضبًا عارم عندما فقد السيطرة عليهم.
-باااااااس. مش عايز نفس، اللي اسمع صوته هرميه برة. اتجه بنظرة جامدة إلى غزل وأشار إليها ثم إلى غرفة ابنه
-إنتِ مش دكتورة ادخلي شوفي ابنك، قوليلي ايه اللي بيحصل جوا. انا مش واثق في حد.
اقترب ياسين محاولا السيطرة على والده بعدما وجد شحوب وجهه، ورغم صراخه إلا أن جسده يرتجف. اسرع أوس بجوار عز وياسين إليه
أشار إليهم بتحذير:.
كله يرجع بعيد الباب مش عايز حد واقف ابدا. رمق غزل التي ارتجف جسدها ونظرات قاتمة كالون سماء مغيمة موجهًا صوته الذي افزعها:
-ادخلي شوفي ابنك قلبه وقف ليه. قالها بصوت كالرعد لأول مرة هنا لم يرحم ضعفها، هنا لم ينظر لكسرة امومتها، نظرات جافة ورغم صراخاته أمام الجميع إلا أنها شعرت بانهياره الداخلي. فتحركت بجسد مرتجف لتتوقف أمام باب الغرفة وهي تراهم يحاولون إنعاش قلبه ثم ألقت نظرة على جواد ودلفت للداخل.
وصل راكان ينظر إليهم باعتذار، لسة واصل من المطار حالا بعد ماعرفت
رفع صهيب رأسه فنهض متجهًا إليه
اتجه كالمجنون إلى راكان
-اتبسط، يارب تكون سعيد دلوقتي، .
-عمو صهيب احنا. صفعة قوية على وجه راكان، شهقات من الجميع وهو يجذبه من تلابيبه
-كام مرة سألتك وقولت لي مفيش حاجة، والدنيا تمام، ظل يدفعه بقوة
-كام مرة حذرتك وقولت لك أنه امانة عندك ومش عايزه يتأذي. اقترب عز وحاول ابعاد والده عن راكان.
بابا . لو سمحت الدنيا مش ناقصة، قاطعهم خروج غزل من الداخل. وحدقتها تتسع شيئا فشيئا وصدمتها مما رأته بالداخل وكأن أحدهم من طعنها بخنجر ليفتت جسدها إلى قطع صغيرة. وقفت تنظر إلى زوجها بقلبًا يتمزق المًا، وروحًا محترقة، تدعو الله أن يسلب روحها لما تشعر به الآن، نظرة ضائعة بابتسامة حزينة مرددة
كأن الدنيا مستكترة اسم جاسر ليعيش بينا ياجواد. قالتها لتهوى بين ذراعي صهيب القريب منها.
صرخة شقت جوف ربى تهز رأسها بعدما استمعت حديث الطبيب
اسف البقاء لله. قالها وتحرك.
صرخات مرتفعة واغماءات لربى وغنى
أطبق على جفنيه، وهنا انهارت حصونه بالكامل مرددًا. كنت حاسس ومنتظر الخبر
إنا لله وإنّ إليه راجعون ليحاول الوقوف. اقترب منه باسم وراكان إلا أنه أشار بكفيه ورمقهم بنظرة منكسرة.
لسة قادر أسند نفسي محدش يقرب مني. استند على المقعد متوقفًا، ليصل إلى زوجته التي حملها أولاده. ترنح جسد صهيب وأحس أن ساقيه فقدت القدرة على حمله، نظرة سريعة لأبنته التي وجدها تحتضن ملابس زوجها بقوة ونظرات ضائعة كأنها لم تشعر بما يدور حولها، فقد القدرة كاملة وتذكره لابتسامة جاسر ومشاكسته، ليضع كفيه على صدره وهوى على الأرض بعدما عجز عن الوقوف وكأن أنفاسه تسلب منه ليهوى كاملا دون حراك.
بعد فترة دلف جواد بساقين مرتعشتين، ووجع حاد بكامل جسده وألم صدره يخترق روحه، اتجه بنظره لملاكه المسجى على فراش المشفى.
لأول مرة يسقط الجبل باكيا بشهقات لأول مرة ينكسر ذاك الرجل وهو ينظر لابنه بعيون الحسرة قائلاً: -يعني بدل ماتدفني انا اللي ادفنك. قالها وكأن أحدهم اختنقه بقيدٍ من نيران. ارتعشت ملامحه واحس
دموع الوجع ساقت إلى روحه لتنتفض
ليسقط أمامه بعدما شعر بتهشيم عموده الفقري، ليخرج صمته.
بصرخاته اخيرا وهو يرى ملامح وجهه التي تشوه بعضها، بكف مرتجف ولسانًا ثقيل
-نور عيني يابني، نور عيني وقلبي ياحبيبي. حرك أنامله على وجهه، واستند برأسه على رأسه
-ياقطعة من روحي، ابوك النهاردة اتهد ياجاسر. ااااااااه يارب، ارزقني الصبر يارب، قالها وهو يرفع جسده يضمه بقوة لاحضانه
-وآآآه وآآآه حارقة من جوف الألم الذي تسلل بداخله مردد.
ياريتني انا ياحبيبي. ياريتني انا اللي موت وانت لا . اه ياجاسر كسرت ضهر ابوك وعريته، يااااارب.
ساحت دموعه بقوة يطبع قبلة الوداع على جبينه
ربنا يصبر قلبي على فراقك ياحبيبي
دلفت الممرضة تشير الى ياسين
-بابا. تمتم بها ياسين مقتربا منه، ليرفع رأسه وهو يغطي وجه ملاكه متحركًا للخارج قائلاً: -تعالى خليهم يحضروه لمثواه الاخير
ثم تحرك مردد
اللهم لا اعتراض. اللهم لا اعتراض.
صباح اليوم التالي تجهز الجميع لوداع الشهيد سوى من غزل التي حقنت بمهدئات وصهيب الذي وضع على الأجهزة الطبيبة بعدما تعرض لأزمة قلبية حادة. تحرك الجميع إلى أن وصلوا لدفن الجثمان
توقفوا لتوديعه. نزعت غنى نفسها من بين احضان زوجها وهرولت تدفع كل من يقترب منه
-وسعوا كدا محدش هيقرب منه، انا مستحيل أدفن اخويا في التراب، اللي هيقرب هدفنه مكانه
اقترب بيجاد وياسين إليها.
-غنى حبيبتي مينفعش كدا. لطمة قوية على وجه ياسين
-هتقرب مني هضربك، اتجهت بنظرها إلى بيجاد وصرخت به تهز رأسها
-محدش يقرب مني، اخويا مش هحطه تحت التراب مهما يحصل، سمعتوني. هوت بركبتيها أمام جثمانه
-جاسر قوم حبيبي شوف عايزين يعملوا فيك ايه، وضعت رأسها فوق التابوت تبكي بشهقات مرتفعة
-قوم ياجاسر هنموت بعدك، قوم علشان انا مش هخلي حد يقرب منك.
هعيش ازاي ونصي تحت التراب طب خدني معاك، ينفع انت تموت وانا اعيش. رفعت نظرها إلى والدها
-إنت مستحيل تكون اب، سمعتني مفيش اب يدفن ابنه تحت التراب
تدخل أوس بعدما أشار إلى عز ليحضتن جنى الحاضرة الغائبة. تراجعت جنى بجسدها وتحدثت: -أنا كويسة يااوس، ابعد عني ماسكني كدا ليه، ثم أشارت بعيناها على غنى
-هي غنى بتعيط ليه، مين اللي مات
نظرت حولها ونظرت إليه بتساؤل.
-احنا هنا بنعمل ايه، وسبنا جاسر في المستشفى وجينا هنا ليه
عز. همس بها أوس فاقترب بعدما اجلس ربى بجوار والدته
-جنى حبيبتي تعالي معايا. استدارت تهز رأسها قائلة: -لا انا هروح لابني زمانه بعيط، وانتوا خلصو اللي بتعملوه براحتكم. قالتها وتحركت ليشير عز الى فارس ليتحرك خلفها سريعا
سيطر بيجاد وأوس على غنى التي تدهورت حالتها تصرخ ولم تصمت سوى بعد اغمائها.
اقترب أحدهما يهمس بأذن باسم الذي ذهب ببصره سريعا الى جواد
-إزاي دا حصل وانتوا كنتوا فين. نظر بساعته وأشار للرجل
-هدفن والحقك بسرعة. اقترب من الجميع يهمس إلى الشيخ بعض الكلمات ليبدأ بنقل الجثمان إلى مثواه الأخير.
أخرجو الجثمان من التابوت وتحرك أوس لاستعداده مع عز لتلقيه. هنا.
ارتجف جسد جواد وشعر بإنسحاب الهواء من رئتيه ليشعر بكم الألم، شحب وجهه بالكامل وكأن الدماء جففت من عروقه هنا تمنى أنه الذي يضعوه بدلا منه، ليسقط على الأرض
فزع أولاده فتحركوا سريعا إليه، فيما تحرك باسم إلى الشيخ لدفن الجثمان عندما فزع الجميع من حالة جواد
نزل إلى الأسفل راكان ليتلقى الجثمان بمساعدة يونس، بعدما تحدث الى سيف الذي استعد للنزول.
-خليك انا هنزل معاه، بدل ماتتعب تحت، ماتخفش جاسر كان اخ مش صديق بس، فيما حمل اولاد الألفي جواد متجهين إلى السيارة وحالة الذعر مرسومة على والوجوه
تحرك باسم سريعا بسيارته بعدما أخبره أحد الضباط
-مستشفى الألفي ولعت ياباشا، ومعرض مدام جنى، وحاولوا اختراق الحي بس سيطرنا عليه
-ايه دا كله يابني، انتوا نايمين. صرخ بها باسم وتحرك بسيارته كالمجنون يضرب على المقود
-ياولاد الكلب ياولاد الكلب، حتى الموت مرحمتوش.
عند جنى وصلت إلى حي الألفي. توقفت تنظر إلى سيارات الإسعاف الموجودة، ورغم ذلك تحركت وصعدت إلى غرفة ابنها، كأنها رسمت لنفسها عالم خاص بها. دخلت إلى غرفة ابنها مبتسمة
-حبيب مامي انت صحيت، نظر إليها الجميع بذهول. حملت الطفل واتجهت إلى غرفتها تحمل اشيائها
-ايه رأيك نروح نستنى بابي في بيتنا
اقتربت منها المربية
-مدام جنى!
التفت اليها قائلة: -خدي اجازة، انا هتولى ابني بنفسي، قالتها وهي تسحب حقيبتها وهبطت للأسفل. قابلها فارس
-جنى رايحة فين حبيبتي
فتحت شنطة سيارتها
-رايحة بيتي هستنى جوزي هناك، قالتها وهي تغلق باب سيارتها ثم تحركت تضع ابنها بمكانه، واستقلت السيارة أمام أعين فارس المذهولة
وصلت إليه هنا متسائلة
-فارس جنى راحت فين
زفرة مختتقة وعجز بعدما انسابت دموعه.
-شكلها اتجننت، ياربي هنلاقيها منين ولا منين. قالها وهو يتجه إلى سيارته
وصلت بعد قليل منزلها ترجلت تحمل طفلها وهي تداعبه وأصوات ضحكاته بالارتفاع. دلفت للداخل بعدما أشارت للعاملة
-منيرة هاتي شنطتي وطلعيها فوق.
توقفت تضرب كفيها ببعضهما متمتمة بعبارات حزينة
-عيني عليكي يابنتي، وعيني على الباشا. راح ياحبيبي في عز شبابه ربنا ينتقم منهم
بالمشفى توقف راكان أمام غرفة غزل
-يونس طمني اخبار مدام غزل ايه.
جلس يمسح على وجهه بحزن
-مفيش استجابة للعلاج ولا هي ولا الباشمندس صهيب للاسف، انا متابع الدكتور خطوة بخطوة بس للاسف شكلهم مش عايزين الحياة اصلا ولا متمسكين بيها
استند بذراعه يحتوي رأسه بين راحتيه
-مين يصدق اللي حصل، مش قادر اقتنع أن جاسر مبقاش موجود
رفع راكان رأسه بتعابير وجهه صامتة وابتعد بنظره البعيد، فقطعه يونس.
-صعبان عليا أهله فقدان الابن اصعب من اي حاجة. هز رأسه موافقه ثم تسائل يونس: -الناس دي عندهم حياة الناس عادي، دا معملوش اعتبار لمكانته ياأخي
تهكم راكان
-وكانوا عملوا حساب ليا لما قتلوا شمس ولما خطفوا ليلى وزين. المهم مش هوصيك مش عايز مخلوق يعرف مدام غزل وصهيب عندك هنا. قاطعهم صوت هاتف راكان
نهض من مكانه سريعا متحركًا للخارج
-أنا في الطريق
بعد عدة أسابيع.
دلفت نهى إلى غرفة ابنتها، طالعتها پأعين حزينة ومعالم الصدمة تلون صفحة وجهها، خطت إليها بجسدًا متعب، إلى أن جلست على الفراش تراقبها. استدارت جنى مبتسمة: -ماما! قاعدة كدا ليه
بوجه مشعًا ب ضروب الألم والحزن، أشارت على ثيابها
-حبيبتي ايه اللي إنتِ لبساه دا، غيري فستانك دا ياجنى وانزلي تحت حبيبتي مينفعش اللي بتعمليه.
أمسكت زجاجة عطرها وقامت بنثرها عليها، ثم أمسكت احمر الشفاة وزينت شفتيها به، تنظر لنفسها برضا ثم استدارت إلى والدتها: -ايه رأيك ياماما حلوة، هعجب جاسر، هو بيحب اللون الارجواني اوي، رفعت إحدى وشاحتها ولفته على عنقها
-كدا احسن ولا بلاش منه. كدا كدا هو مابيحبش أخرج من غير حجاب برة الاوضة، افلتت ضحكة واستأنفت حديثها وهي ترتدي قلادة زواجها.
-على قد ماغيرته مجنناني بس بعشقها، اه اخر مرة زعلت منه، استدارت تنظر لوالدتها وهمست لها
-اقولك سر. وضعت كفيها على وجنتيها واغروقت عيناها بطبقة من العبرات تحت جفنيها قائلة: -من غيرته اتجنن عليا وضربني بالقلم. هزت رأسها لوالدتها، وضحكة ممزوجة بالحزن
-ضربني وانا قومت عليه
الحد شهر كامل. ورغم كدا مقدرناش نبعد عن بعض، استدارت مرة أخرى لتنهي ماتفعله، ارتفعت شهقات نهى متوقفة خلفها.
-متعمليش فيا كدا يابنتي، بلاش توجعي قلبي
-اوجع قلبك. قالتها مستنكرة.
احتضنت نهى وجهها: -حبيبتي اسمعيني، ايه اللي بتعمليه دا ياروح ماما، جاسر خلاص مبقاش موجود. ألقت فرشاة الشعر وصرخت بوجه والدتها: -وبعدين بقى في اسطوانة كل يوم دي، انا جوزي راجع ولو سمحتي ممكن تسبيني اخلص قبل مايوصل، تنهدت بحزن واقتربت من والدتها
-ماما حبيبتي متزعليش مني، حضرتك بتزعليني، ارجوكي ياماما.
استمعت الى طرقات على باب الغرفة. وضعت وشاحها على خصلاتها: ولج عز بقلبًا مثقل بضروب الألم، خطى إلى أخته ينظر إليها وكأن أحدهم يخنقه بقيد من نيران تلتف حول عنقه من حالتها الميؤس منها. احتوى كفيها ونظراته تفحصها ثم تحدث بنبرة متألمة: -جنى حبيبتي ايه رأيك نخرج مشوار مع بعض. تراجعت تهز رأسها رافضة ثم هتفت: -ايه اللي بتقوله دا ياعز، قاطعهم دخول جواد وهو يستند على عكازه الذي لازمه في أيامه الأخيرة، هرولت إليه.
-عمو حبيبي ليه تعبت نفسك بس، كنت اطلبني لعندك وانا هنزلك
احتضن رأسها يطبع قبلة فوق رأسها
-عاملة ايه حبيبة عمو. ابتسمت
له: كويسة الحمد لله ياعمو
رفع نظره إلى عز ثم هتف: -ايه رأيك تخرجي مع عمو مشوار، نغير جو. هزت رأسها تفرك كفيها
-آسفة ياعمو، مش عايزة حضرتك تزعل، اخر مرة خرجت من غير اذن جاسر زعل اوي وخاصمني وهاجرني شهرين، وانا خلاص وعدته معملش حاجة تضايقه، رفعت عيناها المبتسمة وتابعت حديثها.
-متزعلش مني حبيبي، بس مقدرش ازعل جوزي، لما يجي استأذنه ووعد هخرج معاك
هوى على المقعد وحاول السيطرة على عبراته، فاردف بتقطع
طيب مش عايزة تزوري بابا في المستشفى، جاسر هيزعل منك لما يعرف إن باباكي عيان وأنتِ
ليه هو بابا فين!
سحبها عز يضع وشاحها ويسحبها بقوة للخارج. يكفي تلك الأيام وهي لم تتغير، وصل بها بعد قليل أمام غرفة والدها.
-بصي شوفي دا بابا. نظرت لوالدها بذهول، عندما وجدته بتلك الحالة فاستدارت إلى عز
-ايه اللي حصل، وصلت نهى وجواد الذي هدر به
-عز اتجننت، ابعد عن اختك
صاح عز وانسابت عبراته
-لازم تفوق ياعمو، هزها بعنف
-جاسر مات فوقي بقى، مبقاش موجود. وزعت نظراتها إليهم ودفعته بقوة تتراجع بجسدها
-كذاب. انت كذاب، انا جوزي عايش
قالتها وتحركت للخارج صارخة، تمسح دموعها بعنف: -كذابين جاسر عايش. أشار له جواد
-الحقها. ثم أشار إلى ربى.
-حبيبتي قربي منها، جنى مش قادرة تستوعب الصدمة. ساعدت والدها
-طيب حبيبي تعالى علشان ترتاح
مساء اليوم دلفت ربى إليها تحمل طعامها. وجدتها تجلس بالشرفة وتحتضن ثيابا له تستنشقها وهي مغمضمة العينين
-جنى! فتحت عيناها تنظر إليها بصمت. وضعت الطعام أمامها تمسد على خصلاتها وحاولت منع دموعها
-كلي اي حاجة حبيبتي، ينفع كدا.
-إنتِ مصدقاني صح، مصدقة إن جاسر عايش. احتضنت وجهها مع انسياب عبراتها بعدما فقدت السيطرة عليها
-حبيبتي فين ايمانك بربنا.
دفعتها جنى بقوة وهرولت للخارج.
انا هثبت لكم. تحركت بخطوات متعثرة حتى كادت أن تسقط. صاحت ربى على عز عندما وجدتها تتحرك اتجاه البوابة، ثم هرولت خلفها تجذبها لأحضانه: جنى بلاش تعملي كدا لو سمحتي، علشان خاطري ياجنى بلاش توجعي قلوبنا ياقلبي. خرجت من أحضان ربى. تتراجع للخلف وأحست بالاختناق واعترتها رعشة تهز رأسها بعيونًا دامية وهمست بنظراتها التائه بكل مكان كأنها تبحث عنه، ظلت تتراجع بظهرها وعيناها ضائعة تهمس لنفسها كأنه يستمع إليها.
-كفاية بقى، ياله اظهر، حرام عليك، والله حرام عليك. انا زعلانة منك بجد زعلانة. وضعت كفيها على صدرها: -نار هنا ياجاسر نار، حاسس بيا، طب لو حاسس تعالى. ظلت تتراجع وربى تتقدم منها ببكاء حتى اصطدم ظهرها بالشجرة فأطبقت على جفنيها: -أنا تعبت والله تعبت. اقتربت ربى تجذبها لأحضانها مرة أخرى، تبكي على بكائها
-جنى ياقلبي لازم تؤمني بالله ياحبيبتي، ايه الضعف دا كله
دفعتها بقوة وهدرت بصوت مرتفع.
-اخرصي يابت مش عايزة اسمع صوتك، ابعدي عني. دفعتها بقوة أكثر حتى سقطت ربى على الأرض تبكي بشهقات مرتفعة، اسرع عز إليهما. نظرت جنى إلى ربى وارتسم الوجع بملامحها، ثم رفعت عيناها إلى أخيها
-محدش يقولي جوزي مات سمعت، انا جوزي عايش، حتى لو خرجته من قبره واقنعتني أنه هو
اقترب عز
-تعالي حبيبتي مينفعش كدا
-آآه. صرخت بها كالمجنونة بعدما وجدت دموع أخيها تضع كفيها على وجهها.
-مش عايزة اشوف حد، محدش يقرب مني. اتجهت بنظرها إلى ابنها الذي يبكي بأحضان والدتها
-خدي الولد دا من هنا. صرخت وصرخت وهي تضع كفيها على اذانها حتى لا تسمع بكاء طفلها
ثم هوت على الأرض تبكي بصوت مرتفع إلى أن خفض صوتها: -أنا مش مجنونة، انا عايزة جوزي وبس، مش عايزة غير روحي ترجعلي، احتضنت نفسها تنظر لأخيها بعيونا راجية.
- رجعلي روحي ياعز، مش انت بتحبني، طيب لو بتحبني انا عايزة جاسر. ثم ابتعدت بنظراتها إلى بوابة المنزل تهمس بعدما انقطعت احبالها
ياجاسر. ياجاسر. كفاية على جنى كدا.
بمكتب راكان
جلس يتفحص جهاز جاسر بكل دقة، ثم ضرب عليه بقوة
-لا مش معقول. ماهو اللي دفنته دا مش انت، ازاي خرج من المستشفى
قبض على خصلاته بعنف وكاد دماغه ينفجر
-معقول يكون جاسر، لا لا. أيوة ليه لا، طيب اسأل جواد ازاي هو الوحيد اللي شافه. صمت قليلا
-دكتورة غزل فاقت. أيوة، قالها راكان وتحرك من مكانه
بمكانًا اخر رفرف بأهدابه عدة مرات وهمس بصوت كاد أن يسمع
أنا فين
ابتسم الطبيب ينظر لذاك الواقف بجواره.
-حمدالله على السلامة ياراجل، ايه دا كله شهرين كنا فقدنا الأمل
رفع عيناه متجولا بالمكان
-انتوا مين، انحنى الآخر أمامه يشير إلى وجهه
-ايه نستني ولا ايه
أغمض عيناه عدة مرات يفتحها ويغلقها
-إنت مين وأنا. صمت قائلا
- مش فاكر حاجة.
↚
فتح عيناه عدة مرات وهمس
-أنا فين!
امال أحدهم بجسده ونظر لمقلتيه واردف ساخرًا: -ايه نستني ولا ايه؟
أغمض عيناه مرة أخرى عندما شعر بآلام تفتك برأسه يهمس بخفوت
انا مش فاكر حاجة، انا مين وانتوا مين
رفع عزيز نظره بصدمة للطبيب، الذي حقنه قائلاً
-اهدى وارتاح وان شاءالله هتفتكر انت مين. قالها ينظر لعزيز ثم تحرك للخارج
توقف خارجًا ونظرات متسائلة، اقترب الجيار يوزع نظراته عليهما
-ايه الواد مات ولا ايه!
ارجع عزيز خصلاته بغضب كاد أن يقتلعها من شدة غضبه، ثم لكم الجدار خلفه: -يعني ايه؟ اوعي تقولي فقد الذاكرة
هز الطبيب رأسه مردفًا، احتمال، واحتمال. توقف عن الحديث إلى أن اطبق عزيز على عنقه
-لا فوق وأكدلي كدا، أن كان حقيقي ولا لا. تدخل الجيار يدفع عزيز بعنف
ثم اتجه للطبيب متسائلًا: -ايه اللي يخليك تقول ممكن!
انحنى الطبيب وجذب تلك الأشعة ورفعها إليهم.
-أنا كنت شاكك بعد ماعملت فحصواته، بس برضو مايأكدش أنه فاقد، ممكن يكون بيتلاعب وخاصة بعد ماشاف عزيز، فاحنا لازم نكون حريصين في التعامل معه
أشار الجيار إليه بالخروج، ثم جلس موجهًا نظراته إلى عزيز: -كان عندنا أمل في الواد دا، احنا مش هنفضل هربانين كدا
اخذ نفسًا طويلًا من لفافة تبغه ينفثها بالهواء: -لسة فيه أمل ياباشا، الدكتور بيقول يمكن ويمكن
ألتوت زاوية فمه بعبث متسائلًا: -إزاي يابو العريف!
أخرج صوتًا معترضًا وهو ينفث تبغه بالهواء: -بلاش انت ياخالو اللي تتريق، قالها عزيز عندما دلف والشرر يتطاير بوجهه بعدما أخبره الطبيب
جلس يمسح على وجهه بعنف: - ريمون بيدور علينا انت عارف لو وقعنا في أيده النتيجة ايه، هيموتنا، الواد دا لازم يفوق، ولازم ناخد بضاعتنا بأي طريقة. قالها بغضب محموم يندلع من عيناه
نهض عزيز من مكانه وهتف: -الواد لو فاقد الذاكرة هينفعنا، ولو مش فاقدها هينفعنا برضو.
اسمعني ياخالو. لو فاقد هنستغله كويس ونشغله، ونبدأ من تحت وبايده كمان. اما لو مفقدهاش
هنرجع فلوسنا برضو. وكمان حاجة ممكن نبيعه بدولارات انت ناسي هو مين
بتر حديثه بعدما استمع الى طرقات كعبها العالي وهي تدلف للداخل بشعرها الناري
-عايزة أخرج من هنا، مبحش الحبسة دي. نهض عزيز وتقدم منها
-عاملة ايه ياسمارة. جذبت سيجاره وجلست تضع ساقًا فوق الأخرى.
-مش كويسة يابن عمتي، عايزة اهرب من المكان دا. رفعت عيناها لوالدها
-هو انت جبتني هنا علشان تحبسني
نهض نعمان يشير إلى عزيز: -خدها وديها عند سمر اختك، مش نقصني زنها، وانتِ اعقلي لحد ماانشوف هنعمل ايه
-اوووف. قالتها باهتياج من عيناها. اقترب عزيز منها يحتضن كفيها ثم رفعه يطبع قبلة عليه
-ليه زهقانة كدا حبيبتي، اصبري يومين بس والدنيا هتبقى تمام.
نزلت بجسدها تسحبه من عنقه واقتربت تهمس بشفتيها المطلية بالاحمر الناري: -زيزو حبيبي عايزة امشي من هنا. قالتها وهي ترفع أناملها تحركها على وجهه، مما جعلته يرتجف من قوة مشاعره التي ألهبتها وخاصة عندما لمست شفتيها وجنتيه
جذبها بعنف لتصبح بأحضانه كاملًا
-هتفضلي لحد امتى كدا وأنتِ بتبعدي مش كفاية علينا دا كله. دفعته متراجعة للخلف واطلقت ضحكة تغمز إليه: -هفكر يازيز، وارد عليك. قالتها وتحركت خلف والدها.
بالمشفى جلس بجوار أخيه محتضنًا كفيه يربت بحنو عليه: -كدا ياصهيب تعمل فيا كدا، بدل مااسند عليك. ياله حبيبي ريح قلبي مبقاش متحمل، افتح عيونك، اخوك اتكسر كفاية عليه لحد كدا.
دلف عز إليه. خطى إلى أن وصل إليه
-عمو ايه اللي جاب حضرتك بس، حضرتك تعبان مينفعش تتحرك
كانت عيناه تسطر بالحزن على أخيه، فتحدث ومازالت نظراته على صهيب
-ابوك لازم يفوق ياعز، لازم يفوق، مش عايزه يستسلم للموت، كفاية عليا اللي راحو.
ربت عز على كتفه وانسابت عبراته
-طيب حبيبي قوم ارتاح، كفاية عليا بابا وجنى، الحمل تقل قوي ياعمو وضهر انحنى
جذبه جواد لأحضانه وعجز عن منع دموعه لتتساقط رغمًا
-متقولش كدا حبيبي، ابوك هيخف، وجنى هتخرج من صدمتها، ربنا رحيم بينا أنا واثق فيه. جذب عصاه ليقف مستندًا عليها، ساعده عز بالوقوف وخرج معه متجها إلى غرفة زوجته، قابله يونس وهو يمر على مرضاه.
-ازي حضرتك سيادة اللوا، عامل ايه النهاردة! توقف جواد أمامه ورد عليه بخفوت: -الحمد لله يابني، الحمد لله. ابعتلي دكتور صهيب عايز اطمن عليه وكمان اطمن على حالة غزل
طالعه يونس بأسى ثم اجابه: -حاضر، هو في العمليات نص ساعة ويكون عند حضرتك، بس فيه حاجة حلوة حبيت تعرفها.
-حلوة! نطقها جواد وهو يهز رأسه مستنكرًا معنى الكلمة ثم نظر إليه منتظر حديثه. تحدث يونس سريعًا بعدما وجد حالته: - دكتورة غزل فاقت من دقايق، وكنت جاي أخبر حضرتك. تحرك متجهًا إليها دون حديث. فتح الباب بهدوء وجد الممرضة تحاول تهدئتها بعدما استيقظت بالكامل رفعت نظرها للذي دلف للداخل، شهقة خرجت من فمها.
- جواد. جاسر، عايز اشوف ابني، لازم اشوفه، قالتها وهي تنزع الابر من وريدها. ولكنها رفعت عيناها بصدمة تنظر لذاك الذي يستند على عصاه. ارتجفت شفتيها تهتف: -جواد مالك؟
جذب المقعد وجلس بجوارها يحتضن كفيها ثم رفعه يقبلهما
-وحشتيني يازوزو، اخيرا فوقتي ياروحي
قطبت جبينها متسائلة: -اخيرًا فوقت ليه هو أنا نايمة من زمان ولا ايه!
ربت على كفيها ومازالت نظراته تحتضنها. بسطت راحتيها تمررها على وجهه.
-جواد خدني اشوف ابني، هو نايم هروح أصحيه، ياله. قالتها وهي تنزل بساقيها المرتعشة تضعها على الأرض، ولكنها شعرت بالدوار فتوقف جواد يساندها بذراعه
-حبيبتي ارتاحي أنتِ بقالك فترة كبيرة نايمة.
-يعني ايه؟ دقاتها تتسارع بعنف كادت تخرج من قفصها الصدري، وعبراتها تسيل بلا توقف متسائلة بلسان ثقيل: -جاسر! قالتها متوقفة مرة أخرى تستند على الفراش تهتف بنبرة متقطعة: -عايزة اشوف ابني، يعني ايه نايمة بقالي كتير، اكيد مش كتير قوي. تحركت خطوة والدوار يداهمها، دلف ياسين بذاك الوقت، توقف وابتسامة حزينة على وجهه: -ماما! حمدالله على سلامتك حبيبتي.
أشارت إليه بعدما فقدت الحركة، وجواد يطالعها بقلبًا أكله الألم واحزان هلكت روحه، فلم يعد يشعر بما حوله
تشبثت بذراع ياسين تستند عليه وهمست بصوتًا خافت من شدة آلامها: -وديني عند اخوك، عايزة اشوفه.
تجمد جسد ياسين وشعر بإنسحاب أنفاسه ناهيك عن نبضات قلبه التي بدأت بالتلاشي. لحظة اثنين حتى لم يعد لديها القدرة للتمهل قائلة: -حبيبي واقف ليه، اوعى تكون صدقتوا كلامي، لا انا كنت تعبانة، هروح دلوقتي اكشف عليه واصحيه.
كلماتها فتت قلبه ولم يتحكم بدموعه ليبتعد بعيناه عنها. لفت وجه ابنها إليها: -مش مصدقني، أنا بس هحاول حبيبي، انا ربنا عمره ماخذلني، وان شاءالله ربنا رحيم بينا ياله حبيبي، ياله عايزة اشوف اخوك وحشني قوي
- غزل. ربنا يباركلك في ياسين وأوس حبيبتي، وعوضي ربنا في الفقيد
برودة اجتاحت جسدها ليشحب وجهها ويصبح كالأموات، ابتلعت ريقها الذي شعرت كالأشواك تغزو جوفها.
-بتقول ايه ياجواد، انا مش قولت لك هكشف عليه تاني، اسكت ياجواد بلاش تحرق قلبي اكتر ماهو محروق لو سمحت. احتضنت ذراع ابنها بدخول ربى وأوس. توقفت توزع النظرات بينهما، ثم تحركت بوهن إلى أن وصلت لأبنتها، تنظر لثيابها: -إنتِ لابسة اسود ليه حبيبتي، ليه الفال الوحش دا، روحي غيري وتعالي، خدها يأوس خليها تغير.
رفع أوس بصره لوالده غير مستوعب حالة والدته. توقف جواد متكأ على عصاه واقترب منها يجذب رأسها لأحضانه ثم همس بجوار أذنها: -احتسبيه عند ربنا شهيد وياخد بايدنا للجنة.
جحظت عيناها بصدمة وكأن حجرًا ثقيلًا ضرب صدرها، ناهيك عن غصتها التي أصبحت كالنيران المشتعلة به لتشعر بانسحاب أنفاسها قائلة بتقطع: -بتقول ايه ياجواد، ابني. قصدك جاسر. يعني هو راح خلاص، يعني هيبقى ذكرى زيه زي خاله، يعنى اسمه بس. هزت رأسها تتراجع بتخبط.
-لا. لا. متصدقش الكلام اللي قولته، انا هثبتلك، فاكر لما قالوا إنك مت وطلعت عايش، هو كمان هيطلع عايش، انا هروح أنعش قلبه، هو محتاج لحضن أمه بس وهتسمع النبض تاني. هتشوف دلوقتي وتتأكد. تحركت خطوة إلى أن توقفت بسبب بكاء ربى الذي ارتفع بالمكان بشهقات مرتفعة قائلة بصوت باكي متقطع: -جاسر اندفن بقاله شهرين ياماما، يعني مابقاش موجود. حبيبي اتحرمنا منه ومبقاش له وجود، ربنا يصبرنا.
ضربات عنيفة وعيون زائغة تطالعهم بجسد شُل بالكامل حتى فقدت حواسها وصوت ابنتها يصفع اذنها، شهرين. اندفن. ربنا يصبرنا، مبقاش موجود
ماهذا الحديث المميت لقلبي ياالله، ماهذا الألم الذي اخترق الروح ونزف ليمنع التنفس، ربي لقد أرهقت روحي فازهقها، ربي لم اعد اتحمل كل هذا
كلمات تخترق صدرها وهي تتراجع تهز رأسها وعيناها على زوجها الذي صمت بالكامل وهو يحتضنها بعيناه التي ترجاها بها.
-حبيبتي يكفي مااشعر به، لا تزيدي فوق آلامي آلام. قابلته بحديث عيناها
لم يعد للقلب مكانًا للاحزان فلقد اكتمل وكفى! ماهذا ياالله ليتك اخترتني ولم اشعر بكل هذا الألم، فآلامي اليوم تخطت كل آلام الكون.
هوت بمكانها وتحجرت دموعها تنظر بتيه بكل مكان كالضائع الذي فقد كل مايملك، اقترب جواد يشير إلى أبنائه
-ساعدوا ماما ترجع سريرها
ساعدها اولادها إلى أن وصلت لفراشها بخطوات متعثرة وروحًا فارقت جسدها.
-أوس شوف الدكتور. تحرك أوس ونظراته الحزينة على والدته، إلى أن خرج من باب الغرفة...
ساعدتها ربى بالجلوس ووضعت خلفها وسادة محتضنة وجهها: -ماما حبيبتي سمعاني. لم تنظر الى ابنتها، نظرات شاردة بعيون كالشلال لم تتوقف عبراتها.
جلس بجوارها واحتضن أكتافها
-زوزو حبيبتي، بلاش تخوفيني حبيبتي، شوفي ولادك منهارين ازاي، انتِ اقوى من كدا. ينفع نعترض على ربنا ونقوله ليه
دموع صامتة فقط، لايوجد صراخ ولا أي ردة فعل عيونا جاحظة ببكاء كزخات المطر
مسد على رأسها واستعطفها بكلماته: -كفاية وجع قلبي. جوزك بيسند نفسه بالعافية يازوزو، شكلي هلحق ابنك
شهقة خرجت من فمها تطالعه بعتاب.
-خدني معاك ياجواد، مبقاش ليا لازمة، هعيش ازاي وقلبي بقى تحت التراب
انا تعبت ياجواد، تعبت الناس بتدفن واحد وانا بدفن اتنين، قولت اخلي اسمه يستمر في الدنيا، وكأن الاسم مالوش أنه يعيش، هو لدرجة دي اسمه وحش وربنا مش حابب وجوده، والله لو اعرف لكنت غيرته، كنت هغيره، بس ابني يفضل في حضني
-ماما. قالتها ربى ببكاء تضع رأسها على ساق والدتها ونشجت بمرار
-أنا عايزة جاسر ياماما، عايزة اخويا.
أشار جواد إلى ياسين الذي هرب إلى النافذة يزيل دموعه بعنف
-خد اختك حبيبي، خليها ترتاح. مسد على رأس ابنته
-قومي حبيبتي شيدي حيلك علشان ابن اخوكي، كفاية جنى وغنى. قومي ياروبي كدا كتير على ابوكي حبيبتي
امال ياسين بجسده يحتضن أخته يضمها لأحضانه: -تعالي نطمن على غنى ياروبي، بلاش تتعبي ماما.
دلف الطبيب بجوار أوس، وقام بفحص غزل متحدثًا: -دكتورة غزل الزعل والانفعال مش كويس لحالتك إحنا قولنا ايه. أشار جواد لأوس لخروجه خلف الطبيب
أغمضت عيناها عندما لاحت أمام نظراتها فلذة كبدها، ضحكاته، حديثه. صرخة ملتاعة من قلب ام مكلوم. بكاء بشهقات مرتفعة تخرج بها قيح جراحها. وكأنها تخرج آفات لذكرياتها الحزينة.
-ليه الألم مكتوب عليا من اول ماجيت للدنيا، كأنها بتعاند وجودي وبتقولي وجودك عليا تقيل فاستحملي بقى.
شهقات مرتفعة وهي تخرج تلك آلالام من ذكريات مستعصية النسيان، هنا تقلبت مرارة حياتها وتناست نعم الله عليها. تضم جسدها تبتعد عن زوجها، لتستأنف حديثها بقلبٍ ينزف: وجيت وكملت عناد الدنيا معايا، روحت دفنت ابني ياجواد، دفنت ابني من غير ما أودعه.
دنت من وجهه وغرزت مقلتيها التي تلونت بلون دمائها تهمس بحرقة قلبها: -استكترت عليا اخر حضن ياجواد، طيب كنت سبني اشم ريحته، والله كنت عايزة اشمه بس علشان اقفل عليها بأنفاسي. ريحته ياجواد، ريحة ابني ضاعت من الدنيا ياجواد، ليه تعمل فيا كدا. هونت عليك، هونت عليك واستكترت الوداع الاخير.
أغمض عيناه يستمع إليها بقلبًا مفتت حفر بثقوب الحزن. كأن عقلها نكر ماحدث. ماذا عليه فعله اليوم، اليوم فقط تعتريه نوبة قلق ممزوجة بالحزن على زوجته، سحب نفسًا طويلا يزفر عندما شعر بانسحاب: -دا ايمانك ياغزل، دا ايمانك بربنا وثقتك في حبيب عمرك
نهضت تستند على الجدران
-عايزة ازور ابني ياجواد، وديني لابني هو هيحس بيا ويعذرني، ياحبيبي دلوقتي قلقان عليا علشان مرحتلوش.
-لا إله إلا الله. رددها جواد ثم توقف بعدما وجد إصرارها. قابله أوس على باب الغرفة
-بابا رايحين فين.!
-ساعد والدتك حبيبي، علشان نزور اخوك. اومأ له دون حديث: بعد قليل بالمقابر. ترجلت من السيارة
تنظر حولها. ليه هنا منزلتش الفيوم
-حبيبتي مينفعش الفيوم علشان يكون قريب. تحركت تردد بلوعة نيران قلبها.
-قريب مننا! خطت بعض الخطوات إلى أن تحركت إلى منتصف المقابر، توقف فجأة برجفة وكأن ذاك المشهد تكرر مرة أخرى، ليعود بعد مرور ثلاثون عامًا مع اختلاف الكنية
بخطوات مرتعشة وجسد منتفض، ولسانًا ثقيل رددت: -السلام عليكم ايها المؤمنون السابقون ونحن بكم لاحقون.
قالتها تتحرك مستندة بابنها وخلفها زوجها. إلى أن وصلت إلى مقبرته. ، هنا شعرت بانسحاب الأرض من تحت أقدامها عندما توقفت ببصرها على تلك اللافتة التي يدون عليها: الشهيد بإذن الله الرائد جاسر جواد الألفي
اااااه حارقة كادت تزهق روحها عندما رددت الاسم بشفتيها لتهوى على الأرض بعدما فقدت الشعور بما حولها
تضع رأسها على مقبرته تبكي بعويل
ياحبيبي يابني. تلمست باناملها اسمه المنقوش فوق مقبرته.
تردد بقلبها قبل لسانها
جاسر ياروحي انا هنا. آسفة يانور عيني. وحشتك ياحبيبي. انت وحشت ماما اوي ياجاسر. مع كل كلمة نطقتها تنساب عبراتها تحرق وجنتيها وتعتصر قلبها لينزف دون دمًا، وآآه تصرخ بها تود لو تحطم تلك المقبرة التي تبعدها عن احتضان فلذة كبدها. وضعت رأسها بعدما شعرت بعجزها من الوصول إليه:
انطفى قلبي برحيلك ياروحي وفقدانك.
صعب قوي ياجاسر، اوي ياروح ماما، رفعت عيناها إلى جواد: -إزاي قدرت تتحمل الوجع دا ياجواد، انا مش قادرة اتحمله، قلبي مش قادر يصدق. قلبي مش قادر يصدق أن ابني راح من الدنيا. جلس بجوارها يهمس لها ببعض الآيات القرآنية ليبرد نار قلبها. حتى هدأت تمامًا بأحضانه، لقد نالت اليوم أعظم مصائب الدنيا. قلبي مولع نار ياجواد، أطفي نار قلبي ياجواد، كأن وجع الكون دخل قلبي، ازاي أبرد قلبي من ناره ياجواد.
ادعي له ياغزل، واحتسبيه عند ربنا ياقلبي، هو محتاج دعواتك اكتر من اي حاجة. نظرت إلى أوس الذي انحنى بجسد يضع رأسه فوق مقبرة أخيه وكأنه يشكي له مما يشعر به. فنهضت وتحدثت بتقطع: أحتسبته عند الله شهيداً وجمعني الله بك في جنات النعيم، رحمك الله يا بني. رحمك الله ياروح غادرت الدنيا دون وداع امك. لك الجنة بإذن الله.
قالتها محتضنة أوس الذي ضعف وشهق ببكاء مرتفع ليضع رأسه بأحضان والدته: -ربنا يصبرنا ياحبيبتي، ربنا يصبرنا ياأمي
تحركت تحت جناح أوس الذي ضم أكتافها واتجه إلى السيارة، بينما ظل جواد بمكانه لبعض الوقت يدعو إليه
بعد اسبوع اخر بحي الألفي الحزين.
تجلس بالحديقة تضع رأسها على ركبتيها تنظر بشرود، وأطفالها يلعبون حولها. جلس بجوارها يمسد على خصلاتها: -عاملة ايه حبيبتي النهاردة! ظلت كما هي لبعض الوقت دون حديث إلى أن تحدث بيجاد مرة أخرى!
-غنى ياله حبيبتي علشان ترتاحي جوا.
ابتلعت غصتها المؤلمة متسائلة ومازالت على حالتها: -تفتكر جنى صح يابيجاد، ممكن يكون جاسر لسة عايش، واللي اندفن دا مش هو. نهض من مكانه وانحنى يحملها فكانت فقدت كثيرًا من وزنها. ضمها لصدره وهو ينادي على مربية أطفاله
-خلي بالك من الولاد. قالها متحركًا حيث غرفتهما. وضعها على السرير بحنو وظل يمسد على خصلاتها قائلًا: -نامي ياحبيبة قلبي. حاولي تنامي
أغمضت عيناها ولم تنبت بحرف اخر.
ظل بجوارها إلى أن ذهبت بنومها. انحنى يطبع قبلة حنونة على جبينها. يحمد الله على نومها فمنذ خروجها من المشفى لم يغمض لها جفنٌ. استمع الى صرخات ابنائه. تطلع إليهم من الشرفة، وجدهما يهرولون إلى غزل. استدار ينظر لزوجته، ثم تحرك للأسفل. توقف أمام غزل
-حمد الله على سلامتك طنط غزل. هزت رأسها وتحركت تجيبه بصوتًا متقطع: -الله يسلمك حبيبي. توقفت أمام المصعد متسائلة: -فين جنى وكنان. هرولت إليها عاليا.
-ماما غزل حمدالله على سلامتك. رسمت ابتسامة حزينة
-فين جنى وكنان، في اوضتهم فوق
وجهت نظرها إلى جواد الذي وصل للتو واجابها: - جنى في بيتها ياغزل، مش راضية ترجع. استدارت تطالعه بصدمة كادت أن توقف قلبها
-عايزة جنى وكنان هنا حالا ياجواد، بلاش تستكروا عليا ريحة ابني واسم ابنه من حواليا، روح لها يااوس. وقولها ماما بتؤمرك ترجعي بيت جوزك فورا
اقتربت ربى تحتضن ذراعيها.
-ماما اطلعي ارتاحي الأول وبعد كدا هنشوف جنى. ارتفع صوتها رغم بكاؤها: -عايزة ابن اخوكي حالا، هو ومراته اللي فضلني منه، ايه صعبة
-ماما لو سمحتي بلاش توجعينا اكتر مااحنا موجعين، جنى اصلا مش مصدقة إن جاسر الله يرحمه مبقاش موجود مش بعقلها. قالها ياسين متألمًا
-ايه. ايه اللي بتقوله دا؟
طلعي ماما وساعديها حبيبتي تاخد شاور وتغير هدومها. قالها جواد متحركًا إلى غرفة مكتبه.
بمنزل حازم بغرفة جواد التي يكسوها الظلام. يجلس على مكتبه ينحني بجسده يضع رأسه فوق المكتب، يحمل غصته داخل روحه يتذكر حديثه بعدما نزل من فوق التلة ليجذبه لاحضانه
-جاسر افتح عيونك، شوية وهنوصل للمستشفى، سامعني، جاسر اياك تستسلم.
ارتجف جسده الذي شحب يهمس بتقطع: -جواد. ابني، انقذ ابني، هيقتلوه. انحنى جواد يضمه بقوة ويبكي قائلاً: -ابنك رجع حي الألفي، المهم انت قوي نفسك ياجاسر، سمعني اقوى علشان جنى، جنى من بعدك هتموت. ابتسم بعينيه يهمس اسمها ثم غاب عن الوعي. صرخ جواد باسمه بصوتًا زلزلت له الجبال ثم نهض يرفعه بقوة لأحضانه بوصول أحد الشرطيين ليساعدونه ليخرجوا به من ذاك المكان بوصول سيارة الإسعاف، فاق من ذكرياته المؤلمة حينما استمع الى طرقات على باب الغرفة، ولجت إلى الغرفة بعد السماح إليها بالدخول. أشعلت الضوء ثم اقتربت قائلة: -جواد. رفع رأسه إليها فكانت حالته لا تقل المًا ووجعًا عن البقية، بل أكثرهم تألمًا لوجوده بالقرب منه بأخر أيامه.
جلست هنا بمقابلته على الفراش وتسائلت بنبرة متألمة: -هتفضل حابس نفسك كدا ياجواد، طيب لما تعمل كدا جاسر هيرجع، دا أمر وكلنا هنمر بيه
جذب سجائره وبدأ ينفثها ولم يجيبها، نهضت من مكانها تجذب منه السجائر
-مش شايف نفسك بقيت عامل ازاي، كفاية لو سمحت، العيلة كلها واقعة مش ناقصين حد تاني.
طالعها متسائلاً: -لسة خالو صهيب مفقش. هزت رأسها بدموع انحدرت من مقلتيها كالشلال مجيبة بنبرة متحشرجة: -لا والدكاترة بيقولوا رافض الواقع، عقله رافض الواقع
ضغط على شفتيه يمنع دموعه قائلًا: -يابخته، ياريتني اكون مكانه، عارفة ياهنا اكبر أن ربنا رحيم قوي بخالو، لانه لو حاسس باللي احنا حاسين بيه ممكن يموت
هزت رأسها وارتفعت شهقاتها.
-عقلي مش قادر يستوعب ياجواد، ازاي اصدق اني مش هشوف جاسر تاني، اه على وجعنا من فراقه، ولا جنى اللي رافض اي حد يقول قدامها أنه مات
آ اآه لو محصلش قدامي كنت مستحيل اصدق. لحظة بلحظة يا هنا كله راح، حاولت أنقذه بس معرفتش والله حاولت. تفتكري دلوقتي خالو بيقول عليا ايه، اني فرطت في ابنه صح، أكيد هيقول كدا
كانت تقف على أعتاب غرفته واستمعت إلى حديثه الذي شق صدرها، فدلفت سريعًا للداخل.
-ايه اللي بتقوله دا ياحبيبي، خالك عمره مايفكر كدا، دا عاش الأحداث دي وعارف ان دا أمر ربنا. نزلت دموعه يزيلها بعنف
-أنا هروح لخالو وافهمه مكنش بايدي حاجة. توقفت مليكة أمامه
-جواد بلاش توجع قلب خالك، احنا ماصدقنا وقف على رجله حبيبي، عجبك يعني يرجع يتعب تاني، ابعد عن خالك ابوس ايدك.
خطت هنا إلى الخارج بعدما فقدت السيطرة على بكاؤها. جلست بين منازل اعمامها تتلفت حولها كأنه تبحث عن السعادة التي كانت تصخب هنا وفجات تلاشى كل شيئًا، نظرات ضائعة وعيونًا باكية إلى أن جلست تقى بجوارها تحتضن كلتاهما الأخرى وكأن شعارهم البكاء على الفقيد الحنون بات يلازم حياتهم اليومية.
بجناح ياسين بعد وصوله لوالدته لغرفة جاسر، وطلبت من الجميع تركها. لم يعد يتحمل الصمود، دلف لجناحه يختلي بنفسه، حتى لا يرى أحد ضعفه
جلس بشرفته وذكريات أخيه امامه كأنه حي يرزق، مسح على وجهه بعنف يدعو الله بسريرته.
-اللهم اربط على قلوبنا بالصبر، كيف لك امي أن تتحملي هذه الآلام التي تنخر العظام. تنهيدة حارقة لو وصلت لأحدهم لأحرقته، يريد أن يحطم كل مايحاوطه، ليس اعتراضًا ولكن نيران بداخله على ذاك مصاصين الدماء الذين ليس لهم دين ولا ذمة عند الله.
كأن الله نزع من قلوبهم الرحمة ليتحولوا لعبدة شياطين يتاجرون بأروح الناس. دلفت إليه تحمل طعامه، وضعت الطعام على طاولة دائرية كحال كل يومًا، فلم يعد يوجد التفاف حول المائدة التي تضج بتجمعهم وضحكاتهم كأنه أخذ كل شيئا كانوا يتمتعون به معه
مسدت على خصلاته تحتضن رأسه.
-ياسين جبت لك الغدا. هز رأسه بعدما فقد سيطرته على غصة بكاؤه قائلًا: -شيلي الاكل ياعاليا ماليش نفس. قالها وتوقف. منعته من الحركة بوقوفها أمامه: -وبعدين قلة الاكل هترجع اللي راح، فين ايمانك ياحضرة الظابط.
-وفين النفس اللي تاكل وانا اخويا تحت التراب ياعاليا، قوليلي فين النِفس اللي تقدر ترجع تضحك تاني وأنتِ دافنه روحك وسندك تحت ومش قادرة تحتضنه أو تتكلمي معاه. امال بجسده وانهار اخيرا أمامها، انهار ذاك الجليدي يبكي كالطفل
-تعرفي حاسس بايه. هز كتفه ودموعه تسبق كلماته يهمس بشهقاته لأول مرة منذ شهرين بعد دفن أخيه.
قائلًا بنبرة متقطعة مؤلمة: -حاسس إن انا عريان، هز رأسه يشير لنفسه: -اه عريان ياعاليا، أصله مكنش مجرد اخ وبس دا كان ابونا رغم صغر سنه بس كان بيعرف يحتويني، رغم هزاره بس كان قوته جواه، وضعفه لنفسه.
انا تعبان ومش قادر اقول تعبان مش قادر اقول بقيت ضعيف ومكسور من غيره، علشان شايف اللي حواليا كلهم بقوا زي اشجار الخريف اي ريح بتوقعها، امي منهارة، وابويا بيحاول يتماسك علشان المفروض يبقى كدا، مالوش أنه يضعف علشان عارف ضعفه هيوقعنا كلنا. اقترب منها ينظر بداخل عيناها: -مين يصدق إن جواد الألفي يقعد على كرسي متحرك شهر ياعاليا، انت كنتِ تصدقي قوة الراجل دا تنهار، بصي حواليكي وشوفي جنى اللي اتجننت ومفيش على لسانها غير أنه هيرجع، انا مستنياه وهيرجع، ابعدي ياعاليا عايز انام يمكن ماقومش بعدها اهو محسش بالألم الصعب دا.
ألقت نفسها بأحضانه تبكي بانهيار
-بعد الشر عليك ياحبيبي متقولش كدا وتوجع لي قلبي ياياسين، حرام انا مش متحملة وجع، انا بتحصر على جنى، وبدعي ربنا ماعشش احساسها ابدا.
لف ذراعيه حول جسدها يطبع قبلة فوق رأسها: -هنام شوية واروح لها، لازم أقنعها تيجي هنا، دا لو أوس مقدرش عليها، انا خايف على أوس قوي، دا من وقت موت جاسر مبيتكلمش مع حد خالص، غير إن قعدته كلها عند عمو صهيب في المستشفى، بتمنى يطلع حزنه بدل مايحصل له حاجة.
بالوادي بمنزل الجيار تجلس بشرود بغرفتها، دلفت والدتها: -عاملة ايه دلوقتي حبيبتي. نهضت متألمة تهز رأسها وأجابتها: -الحمد لله ياماما، احسن. جلست والدتها تمسد على شعرها
-عرفتي اللي حصل.
رفعت عيناها تنتظر حديث والدتها
-الظابط اللي كان عامل دكتور. هزت راسها منتظرة التكملة
-عمل كمين لأبوكي ووقعوه هو التميمي بشر اعمالهم، ودلوقتي هربانين زي الفيران والحكومة بدور عليهم في كل مكان.
ابتسمت سمر قائلة: -يعني خلصنا من شرهم. طالعتها بأسى ثم تنهدت بألمًا بصدرها
-فرحانة علشان ابوكي هيتسجن ياسمر
اشتعلت حدقيتها كجمرات ملتهبة
-كنتي منتظرة مني ايه ياماما وهو بيمص دم الشباب، انا ابويا يطلع تاجر مخدرات. علشان كدا انفصلتي عنه.
مسدت على خصلاتها وأخبرتها بما يشق صدرها: -ابوكي اتجوزني علشان ابويا كان عمدة البلد، علشان الاطيان واسم العيلة هما اللي وصلوه لكدا، وقبل مايتجوزني كان متجوز ام عزيز ومخلف وضحك عليا ومثل الحب لحد مااتمكن من كل حاجة وللاسف لما عرفت كان فات الوقت
تمددت تضع كفيها موضع جراحها
-متزعليش ياماما، ربنا اخد حقك، وبعتلك واحد زي حضرة الظابط يرجعهولك
اومأت لها ثم استأنفت حديثها بأسى
-بيقولوا اتقتل.
هبت من مكانها متناسية آلامها
-ايه مين اللي اتقتل. غريب!
ابتسمت والدتها ساخرة تهز رأسها بأسى: -طلع اسمه جاسر مش غريب ياسمر
- جاسر رددتها بقلب ينبض بحبه وانسابت عبراتها متذكرة حديثه عندما حاورته متسائلة عن اسمه.
بعد شهر آخر
بمطروح وخاصة بذاك المكان الذي يختبأ به الفسدة. جلس ذاك الطبيب الفاسد
-الواد فعلا فاقد الذاكرة ومش فاكر حاجة. يعني كأنه طفل وعايز تشكيل، ودا دوا استوردته مخصوص علشان يفضل عيل تشكلوه
صفق عزيز بابتسامة: -أيوة هو دا الكلام. فرحني كدا، قولي
اخبار تفرحني. ثم تابع حديثه
-يااااه اخير كام شهر وانا منتظر اللحظة دي تعبنا ابن الألفي. بس كله يهون علشان اخد حقي بايدي.
وضع الطبيب الدواء أمامهم ونهض متحركًا
-اتمنى مايحصلش غلط بأخذ الدوا، هيكون صعب التحكم على المخ. رفعه عزيز يحركه بين أنامله وابتسم: -دا أنا بنفسي اللي هتابع متخافش.
بالداخل فتح عيناه يشعر بآلام تفتك برأسه، دلف نعمان إليه يطالعه بنظراته الصقرية، يحدث حاله: -مين يصدق انك دلوقتي قدامي لا حول لك ولا قوة، يجي ابوك يشوفك دلوقتي، كان نفسي افرح فيه. بس ملحوقة، هاخد حق ابويا وحقي منك يابن الألفي. تصنع الحزن وجلس أمامه: -عامل ايه يابني. رفع نظره يحدجه بنظرات صامتة للحظات ثم تحدث: -إنت مين، وليه محدش بيرد عليا انا فين ومين اللي عمل فيا كدا.
ربت على كتفه وأكمل حديثه المتقن بكفاءة: -إنت ابن صاحبي اسمك غريب المصري، ابوك الله يجازيهم الشرطة قتلوه وانا انقذتك من بين أيديهم
-غريب المصري. رددها بلسانه ثم تسائل: -مين غريب المصري، وانت تقربلي ايه
قاطعهم دلوف عزيز يتلاعب بمسبحته وابتسامة خبيثة على وجهه ثم اقترب منحنيا بجسده يربت على كتفه بقوة: -حمد الله على سلامتك ياغريب زعلنا عليك ياراجل. كانت نظراته على عزيز مريبة فتسائل: -وانت مين؟
نصب عوده وتوقف يحك ذقنه ثم أشار على نفسه متصنع الاستغراب: -إنت ازاي نستني، حد ينسى حبيبه برضو، دا احنا الاتنين كنا اقرب من بعض واحب الاصدقاء
ظل جاسر يوزع نظراته بينهما بريبة، رغم أنه لم يتذكر شيئا إلا أن حديثهم زعزع الشك بداخله
دلفت سمرة تنادي على والدها.
-بابا قولت عزيز هيوديكي. ولكنها توقفت تنظر لذاك الجالس على فراشه بجسد ضعيف. ورغم جسده المرهق، إلا أنه وسيم للغاية، اقتربت منه تنظر لوالدها، الذي توقف سريعا بعدما وجد نظرات ابنته المتفحصة إليه قائلاً: -دي سمرة بنتي ياغريب، وخطيبتك
جحظت عيناها تنظر لوالدها بصدمة، رغم إعجابها الشديد به إلا أن والدها فجأها بحديثه، سحب والدها كفها وتحرك للخارج
-حبيبتي تعالي قبل ماتقعدي مع غريب عايز منك طلب.
خرجت ومازالت نظراتها على جاسر إلى أن وصلت إلى مكان والدها
-مين دا يابابا؟
أشار إليها يهمس: -دا الظابط اللي وقعنا كلنا، ولازم تهدي كدا وتعملي زي ماهطلب منك، الواد دا لازم تخليه جذمة في رجلك، ازاي دي شغلتك وانتِ اكتر واحدة بتعرفي توقعي الرجالة كويس، شهر واحد وألقيه جاي وبيتحايل عاليا ويبوس ايدي علشان يتجوزك.
جلست تضع ساقًا فوق الأخرى تتلاعب بخصلاتها: -اعتبره حصل يابابا. هي سمرة قليلة، دي سمرة نعمان التميمي اللي كل الرجالة تتمنى بس نظرة
ابتسم لها ثم توقف متسائلاً: -طيب عزيز هتعملي معاه ايه دا مجنون، توقفت متحركة للداخل
-سيبه عليا، دلفت للداخل وعيناها تخترق جاسر الذي نظراته مشتتة بينهما فأردفت تنظر إلى عزيز: -عزيز عايزة اتكلم معاك ممكن
نهض من مكانه يشير إليها بالخروج.
بمكتب راكان مازال يحاول فتح جهاز جاسر ولكن دون جدوى، وضع رأسه بين راحتيه، استمع الى طرقات على الباب، دلفت الخادمة بجوار ليلى تحمل فنجان من القهوة، أشارت ليلى بوضعها ثم هتفت: -خلي النانا تاخد بالها من زين ليوقع بالعجلة في حمام السباحة
اومأت بطاعة وتحركت للخارج. تحركت خلف راكان وقامت بتحريك أناملها بهدوء بفروة رأسه
-عندك صداع؟
أغمض عيناه مستمتعًا بلمستها هامسًا: -شكلي بقيت مدمن للمساج بتاعك. قالها ونصب عوده يسحب كفيها متحركًا إلى الأريكة ليتمدد عليها متخذًا ساقيها وسادته
بدأت تحرك أناملها بهدوء واستدارة بسيطة ثم تحدثت: -حبيبي مش هتشرب القهوة
هز رأسه رافضًا: -لا. عايز انام. ظلت تمسد على خصلاته وتسائلت: -مالك ياراكان، بقالك فترة مهموم، مبقتش تشاركني حاجة.
احتضن كفيها يطبع قبلة عليه ثم أجابها: -قضية جاسر ياليلى. مش عارف انام وانا عندي شك أنه يكون عايش
استمعت إليه باهتمام ثم اردفت: -طيب حبيبي ليه مابتعملش تحليل DNA أخرج تنهيدة عميقة ثم أجابها
-لو شوفتي حالتهم مش هتقدري حتى تفكري في الموضوع، العيلة كلها مكسورة، عايزة اروح اقول لابوه اللي فضل شهر مشلول ممكن يكون ابنك عايش واديله امل وبعد كدا نكتشف أنه ميت
-طيب والعمل ناوي تعمل ايه؟
فرك وجهه بقوة يضع كفيه على وجهه
-العمل عمل ربنا، بعد مافكرت في باسم لقيتها صعبة
- هي صعبة أه بس مش هيبقى زي باباه، المهم بدل ماتفكر لنفسك هو هيفكر معاك
اومأ لها ربنا يسهل، اعتدل ينظر بساعته. هنام ساعتين علشان عندي مدوالة. طبع قبلة على جبينها ونهض قائلًا: -هطلع اخد شاور الأول، نهضت من مكانها تحتضن ذراعه
-ياله علشان اساعدك.
بعد اسبوع بمكتب باسم. جالسًا بمقعده، متراجعًا بجسده، مطبق الجفنين. استمع الى طرقات على باب مكتبه ثم دلف راكان
-ازي حضرتك سيادة العقيد. اومأ يشير إليه بالجلوس
جلس راكان وتسائل: -فيه اخبار عن حضرة اللوا
-ربنا يصبره، صعب الموضوع مش سهل، واللي يوجع اكتر أن صهيب لسة زي ماهو مفيش قابلية للعلاج، وشكله هيلحق ابن اخوه.
طيب بمناسبة ابن اخوه. عندي سؤال بس اتمنى من حضرتك تسمعني للآخر دون مقاطعة، وكمان لازم اخرص احساسي
قطب باسم جبينه متسائلاً: -الموضوع كبير قوي كدا علشان المقدمات دي
اومأ راكان يؤكد إليه، ثم هتف دون جدال: -أنا شاكك في الجثة اللي اندفنت، حاسس أنه مش جاسر.
رفع رأسه يطالعه بذهول، وكأن أحدهم طعنة بصدره، ليشعر ببرودة تجتاح جسده، فاهتز صوته قائلًا: -جثة ايه اللي بتقول عليها!
نهض راكان من مكانه وآمال بجسده يحدجه بنظراته: -جثة جاسر انا شاكك فيها ياسيادة العقيد، انا اللي دفنته بعد وقوع سيادة اللوا ولاده كلهم جريوا عليه وانا ويونس اللي نزلنا، وطبعا كشفت وشه، تقدر تقولي واحد مضروب بالرصاص بصدره، ليه العملية مالهاش اثر، ليه وشه مشوه، اللي اندفن وشه معظمه مشوه، غير دا بشرته سودا، صوابع أيده بها تعذيب.
هب باسم من مكانه يرمقه بنظرات كالطلقات النارية: -إنت اتجننت ولا ايه، اعقل ياراكان، انت فاهم معنى كلامك دا.
تراجع جالسًا يومئ برأسه
-بقالي 3 شهور هتجنن دورت وجبت كاميرات المستشفى، دخلت حساب جاسر لعل الاقي حاجة يكون مدونها، اي خيط مفيش، جاسر كان دايما يعمل حروف لأشخاص قضايا وتحت كل حرف بيكون مكان أوراقه وتفاصيل القضية واي اسرار
-إنت بتقول إيه ياراكان!
ارجع خصلاته للخلف بعنف وهتف بنبرة خافتة: -بقول أننا اتقرطسنا ياسيادة العقيد، ولازم تتصرف
-اتصرف! تقصد ايه بأتصرف دي
-نعمل تحليل حمض نووي للجثة الموجودة
طالعه بأعين متسعة يهز رأسه بعنف: يرميه بوابل من كلمات فظة غليظة كأنها سهام اخترقت صدر راكان ورغم ذلك اجابه راكان
-هنعمله ياسيادة العقيد.
-أكيد بتهزر صح! انت عايز مني اروح اقول لجواد اللي دافن ابنه بقاله تلات شهور اللي دفنته دا مش ابنك، ولازم تعمل تحليل وتتأكد، ويبقى عنده امل وبعد كدا الامل يقتله. اتجننت ياراكان، افرض طلع هو، انت مشفتش حالته كانت ازاي، انا ماصدقت أنه سامحني ورجع يتكلم معايا ويثق فيا رغم أنا لو مكانه كنت ضربت رصاصة في صدره.
اقترب منه وغرز عيناه بمقلتيه هادرًا: -صهيب ممكن يموت دا رافض الحياة، عايزني اخلي جواد بحالة اخوه بعد مااعشمه، مستحيل، فتح فمه للحديث ولكن باسم أشار له بالصمت
-اسكت ياسيادة المستشار، اكيد جواد مش غبي علشان ميعرفش ابنه، انت ناسي أنه اخر واحد شافه.
اقترب راكان من وقوفه وتحدث: -أنا مش همشي لما حضرتك تسمعني، جلس بعدما وجد ملامحه قد هدئت، فاردف بهدوء لإقناعه: -في شغلنا لازم ناخد بالنا من الصغيرة قبل الكبيرة، غير الدلايل. ولو فيه شك واحد في المية بنمشي وراه، انا هنا معنديش شك انا متأكد، اللي اندفن دا مش جاسر.
مسح باسم على وجهه بعنف كاد أن يقتلع جلده ثم أردف: -طيب افرض زي مابتقول، هيستفادوا ايه. صدم راكان من حديثه: -حضرتك مستوعب الكلام اللي بتقوله!
أقل حاجة يعملوها يحسروا أبوه عليه ياحضرة العقيد ودي طرقهم كتيرة وطلباتهم اكتر
زفر مختنقًا ثم تابع حديثه: -احنا مش هنعرف سيادة اللوا بأي حاجة، لازم نفكر بحاجة غير مانوصله.
استدار إليه بصدمة: -إنت عايز تموتني صح، ماهو جاي تخلص عليا وترتاح. أفلت راكان ضحكة يهز رأسه: -ابدا والله. ماهو أنا بفكر بقالي فترة ومكنش حد قدامي غيرك، لازم تساعدني علشان اقدر اوصل، وقلبي يرتاح، لو جاسر عايش اكيد ناوين له على حاجة، اللي وصل المستشفى جاسر، واللي شافه سيادة اللوا جاسر، لكن اللي اندفن مش هو
ذهب باسم بشروده هاتفًا.
-قصدك بدلوه وقت الغُسل. جلس يشير إليه بيديه: -أيوة دا اللي عايز أوصله لحضرتك، بس اللي مش قادر استوعبه، دخلو مستشفى عسكري وخرجوه ازاي، من غير اذن
احتضن باسم رأسه بين راحتيه ثم اجابه: -أكيد دكتور، علشان مفيش حاجة تخرج من غيرهم.
اومأ له متفهما ثم أكمل حديثه: -حريق مستشفى الألفي ومعرض مدام جنى وهجوم الحي وقت الدفن دا كان تخطيط يافندم علشان يشتتوا أهل جاسر، بس اللي مكنش في الاعتبار وقوع سيادة اللوا اللي كان في مصلحتهم اكتر من اللي عملوه
توقف باسم واستدار يجلس بمقابلته
-قصدك عملوا كدا علشان محدش يكشف موضوع الجثة دا
أخرج سيجاره مستئذنا إياه مع ابتسامة خفيفة.
-اعتقادي أن الضرب وقت الدفن تشتيت بدليل حضرتك مكملتش وانسحبت، وكمان عز وحازم مكملوش بعد ما عرفوا هجوم الحي، والباقي لما جواد وقع. يبقى كان التوقع حد غريب ينزل مع الجثة. أو، صمت لفترة وتابع حديثه: -كانوا مخططين لحاجة تانية، بدليل العربية اللي رصدت مدام جنى لحد البيت وفضلت لتاني يوم. هما اكيد مكنوش مرتبين لدا، بس كان فيه تخطيط تاني ايه هو منعرفش. بس الكاميرات اللي رصدت عربية مدام جنى خلتني اربط الأحداث. وزي مابقول لحضرتك دا مجرد تخمين.
تنهد باسم بحرارة تحترق جوفه كمن ينصهر عندما توقف عقله يهز رأسه متسائلًا: -برضو ازاي هنعمل تحليل نووي من غير ما جواد يعرف.
بسيطة ياسيادة اللوا. من تحت لتحت
هنفتح المقبرة
تراجع بجسده يغمض عيناه بعجزًا: -إزاي! مينفعش افهم جواد صديق عمري وجاسر كان ابني
-طيب من حق الصداقة تقطع الشك باليقين، علشان لو اتأكدنا أنه عايش لازم نتحرك ونعرف هو فين، وهل هو عايش ولا قتلوه
-تمام. هفكر وارد عليك.
هز رأسه برفض قائلاً: -اسمها هنفتح المقبرة ونعمل التحليل
-طيب العينة هنجبها من جواد ازاي
نظر إليه برفع حاجب: -شكل موت جاسر وقف عقلك ياسيادة العقيد، ممكن ناخدها من حد تاني، ياسين أوس أو من كنان نفسه
هب من مكانه بعنفوان وهو يهدر به: -أنا عارف انت ناوي تموتهم كلهم، إياك تقرب من كنان، اياك ياراكان متبقاش مجنون بجد.
-خلاص حضرتك اتصرف وشوف أوس أو ياسين ودول مش صعب توصلهم ولا صعب توصل كمان لسيادة اللوا، حضرتك اللي مصعب الدنيا. فكر في الاصعب ازاي نفتح المقبرة دون علم من آل الألفي
عند جاسر نهض من مكانه بصعوبة يتحرك من المكان يطالعه بألمًا وكأنه يطبق على صدره، تحرك بعض الخطوات إلى أن دلفت تلك الفتاة.
-غريب ليه قومت من مكانك. وضع كفيه على صدره متألمًا فأجابها: -تعبت من النوم، عايز امشي. استدار بنظره إليها يدقق النظر بها ثم تسائل: -بتقولي انك خطبيتي. اقتربت منه تحتضن ذراعيه
-تعالى نتمشى برة فيه جنينة فواكه حلوة يمكن تتذكر حاجة. سحب كفيه من ذراعيها وكأنه شعر بنيران تلتهم صدره من قربها متوقفًا يطالعها بنظرات تقيمية
-علاقتنا كانت ازاي والمفروض فيه ورق ليا. يعني اسمي وحاجات من دي.
دلف الجيار يرمقه بنظرة غامضة واقترب منه: -عامل ايه النهاردة ياغريب. ابتسم مردفًا: -الحمد لله كويس، بس عايز اتمشى برة شوية، قطعت حديثهما سمرة
-عمو هادي غريب بيسال عن اسمه وأوراقه
تهكم بنظراته يحدث نفسه. حتى وانت فاقد الذاكرة حس البوليسي عندك يابن جواد. دنى منه وأشار على الكومود عندك كل حاجة خاصة بيك هنا. تحرك بهدوء يفتحه وقلب به.
ثم جلس متعبًا: -كنت شغال طبيب بيطري، حرك أيده على صورته بابتسامته وظل يدقق بها
هز الجيار رأسه.
دا اللي باين، بس احنا لينا شغل تاني لما تفوق هنتكلم. قالها وتحرك للخارج قبل أن ينقض عليه فكلما تذكر مافعله أراد اهلاكه لا محالة
بعد اسبوع جلس ياسين أمام باسم وراكان يوزع نظراته بينهما بريبة
-حضرتك طلبتني ياعمو، انا قدامي ساعتين وراجع شغلي، فيه حاجة ولا إيه!
نقر راكان على المكتب لعدة مرات ينظر لباسم الذي هز رأسه رافضًا ماسيفعله. قطع راكان الصمت بينهم
-عايزك تمضي على الورقة دي ياياسين، ومن قبل ماتتكلم، انت اكتر انسان هيفهم احنا عايزين ايه بالظبط، أوس ميعرفش شغلنا، وطبعا والدك مش بحالة تسمح نطلب منه دا، وغير دا كله مش متأكدين من حاجة مجرد إجراء اطمئنان
قطب جبينه يرفع الورقة يطالعها مستغرب حديث راكان. ضيق عيناه للحظات، ثم وضع الورقة على المكتب.
-شكل حضرتك مبدل الورقة، دي ورقة بتقول. صمت للحظة ثم رفع الورقة مرة أخرج يقرأها بصوت مرتفع. إلى أن شعر بانسحاب أنفاسه ينظر إليهم بوجه شاحب متمتم بلسان ثقيل
-فتح مقبرة جاسر. ليه؟
توقف راكان يجذب المقعد وجلس بجواره يربت على كتفه
-اسمعني انا كوكيل نيابة شكيت في جثة جاسر، عايز أتاكد اللي اندفن دا جاسر ولا لا.
كان يطالعه بضياع وضربات قلب كالطبول حتى شعر وكأن سكب فوقه دلو من الماء ليشعر ببرودة تجتاح جسده بالكامل فردد بتقطع: -قصدك إن جاسر ممكن يكون عايش لو الجثة مش بتعته، بس ليه تقول كدا
نهض باسم يضمه من أكتافه: -حبيبي دا مجرد تأكيد عايزين نتأكد مش اكتر، يعني احتمال يكون جاسر
هوى على المقعد وبلسان ثقيل مرددًا.
-واحتمال يكون مش هو! دقق النظر إلى راكان متذكر دفنه لجاسر فتسائل: -ليه شكيت.! انت مش شاكك، انت متأكد صح
ابتعد راكان ببصره ولم يرد عليه
جذب القلم وقام بالامضاء
-وأنا كمان عايز اتأكد، بدل حضرتك شكيت يبقى اكيد مش جاسر
ابتسم راكان يشير إلى باسم: -قولت اختيار ياسين كان الأصلح. كدا باقي الطبيب اللي يدخل يعمل التحليل.
-دا عندي. أردف بها باسم ثم اتجه بنظره الى ياسين: -مش عايز بابا يعرف حاجة، وانا هاخد احتياطات لحد منخلص ونعرفك
بس عايزين حاجة كمان
-أجابه ياسين يهز رأسه: -عينه تحليل صح. عايزها من مين بالظبط
-لو منك يكون افضل علشان محدش يشك في حاجة.
قاطعه راكان بعدما وجد إصرار ياسين
ولو من ابوك هيكون افضل وافضل
رمقه باسم يشير إليه بتحذير: -راكان متقربش من جواد لو سمحت، لو سمحت بلاش نحسسه بحاجة.
تحرك راكان ووقف بجوار ياسين وتعمق بعيناه: -ياسين هجيب العينة من غير ماحضرة اللوا يحس، هو عارف هيعمل ايه
-عينة ايه؟ عايزين حاجة معينة
هز رأسه بالنفي: -لا ابدا. اي حاجة، شعر، فرشة سنان، دم، اي حاجة تقدر تجبها بس تكون متأكد منها
بعد عدة أيام بمشفى البنداري، خرج راكان متجهًا إلى مكتب باسم الذي كان يتأهب لدخوله. وصل بعد قليل، يلقي ذاك الظرف على مكتبه.
-افتح وشوف. امسك الظرف بأنامل مرتعشة وإذ به يهوى على مقعده
-يعني اللي اندفن مش جاسر.
فرك راكان جبينه بقوة بصدرٍ محترق: -انضحك علينا ياسيادة العقيد، اخدوه من وسطنا بكل براعة
كان يتمتم بخفوت: -يعني كدا جاسر ممكن يكون عايش. أردف بها باسم!
-لا. قالها راكان متوقفًا، مش عايزك تبني احلام وتعشم ياسين، احنا لسة منعرفش عملوا ايه، وليه خطفوا واحد كان يعتبر ميت اصلًا، وهل لسة عايش ولا مات. بلاش نسبق الأحداث.
وإيه اللي مفروض يتعمل حاليا معرفش. قالها راكان بعجز ثم تابع حديثه: -بندور على إبرة في كوم قش، بس انا مش هيأس، دلوقتي قدامي أمل أنه ممكن يكون عايش، احنا لازم نعرف هنتصرف ازاي بعد ماعرفنا، وارجوك خلي بالك مش عايزين حد يعرف
اومأ له باسم متفهما
مرت الأسابيع. اسبوع يلو اسبوعٍ، والامل بدأ يتلاشى من القلوب.
بحي الألفي كان الوضع كما هو فاليوم تم افتقاد الشهيد لمدة ستة اشهر، تقف أمام صورته وعيناها جفت من كثرة بكاؤها. احتضنها زوجها من الخلف
-وبعدهالك ياغنى، هتفضلي كدا. مسحت دموعها تضع رأسها بأحضانه قائلة: -حاسة اني في كابوس يابيجاد، وعندي أمل اني افوق منه، معرفش ماما وبابا ازاي قادرين يتحملوا الوجع دا، انا قلبي مولع نار. كل ماابص في عيون ابنه كأني شيفاه قدامي، لحد مابقيت مش عايزة اشوفه.
مسد على خصلاتها طابعًا قبلة حنون
-طيب تعالي نخرج على الجنينة شوية، عايز اتكلم معاكي. صمت بعدما وجد رفضها. لمس وجنتيها مردفًا: -هسافر بكرة اصفي كل حاجة هناك وارجع، يعني هغيب اسبوع وفي نفس الوقت قلقان عليكي ياقلبي
حاوطت جسده تضع رأسها بصدره
-أنا كويسة، هروح اقعد عند ربى شوية، زعلانة عليها قوي فقدت جنينها من قبل ماتفرح بيه
احتضن وجهها ينظر لعيناها.
-أيوة عايزك قوية أنتِ الكبيرة، لازم تسانديهم، بصي لمامتك عاملة ازاي، ورغم كدا واقفة علشانكم، خليكي جنبهم وانا هخلص وارجع لك
اومأت له بهدوء، ثم سحبها وتحرك للخارج
بمنزل صهيب جلست على فراشها تتلمس صورة أخيها وعيناها لم تتوقف عن دموعها
-قولي ازاي هقنع نفسي انك مبقتش موجود، رغم الشهور مش عارفة اقنع نفسي، يابختها جنى. حبيبتي رسمت حياتها وكأنك موجود، قلبي عليك ياحبيبي ملحقتش تفرح بحياتك.
دلف عز إليها. اقترب منها وجلس بجوارها يضمها لأحضانه
-بابا فاق ياربى. فتح عيونه أخيرًا
رفعت رأسها تطالعه مبتسمة تحمد ربها
-ياااه اخيرا حاجة تفرح، وهو عامل ايه. وضع رأسه فوق رأسها يضمها بقوة
-مش بيتكلم، الدكتور بيقول هياخد وقت. المهم هروح له أنا وأوس ونجيبه وأنتِ خلي بالك من جنى، عارف برمي عليكي حمل رغم تعبك بس انا بحاول اقف ومقعش، بساند الكل علشانكوا. جنى مش معانا خالص، اتكلمت مع دكتور يجي يشوفها.
وضع كفيه على أحشائها
-مش عايزك تزعلي على ابننا اللي راح، مش هيبقى اغلى من اللي اتكسرنا بسببه، على الأقل دا لسة ماطلعش للنور.
شهقة مولعة بنار الاشتياق
-وحشني قوي ياعز، خرجت من أحضانه تحتضن وجهه
-عارف نفسي في ايه. حضن واحد بس منه، صدقني مش طالبة حاجة كتيرة، هو وجع فقدان الاخ مؤلم قوي كدا
طيب اومال الابن ايه. حبيبتي ياماما فقدت الاتنين بنفس العمر
قطعهم صوت نهى تداعب كنان بالخارج. نهض يضمها لأحضانه.
-قومي علشان ايهم بقى شقى وتاعب ماما مع كنان ومتنسيش تعب ماما كمان. حاسس الدنيا كلها بتسحب فيا يا ربى ومفيش حد استند عليه غيرك
أزالت دموعها وخرجت وجدت غنى تحمل كنان متجهة للحديقة
- غنى. توقفت مستديرة ورسمت ابتسامة
-عاملة ايه ياقلبي، طنط نهى قالت انك نايمة. وصلت إليها ثم انحنت تطبع قبلة على وجنة ابن أخيها
-عامل ايه حبيب عمتو. صفق بيديه.
ماما. بابا رددها وهو يطلق ضحكاته، حتى رأى عز يهبط الدرج، تملص من بين أحضان غنى
مهرول بخطواته الطفولية إليه يتمتم
- از. از توقف يفتح إليه ذراعيه حتى دلف لأحضانه للأعلى بضحكاته
يضرب عز على وجهه. ضمه لأحضانه يطبع قبلة على رأسه.
-حبيب عز روح عند عمتو، وأنا هروح اجيب تشكوليت لكنان. صفق وتحرك إلى غنى التي توقفت بدموع تغرق وجهها تتخيل أخيها وهو يحمل ابنه. شهقة عالية خرجت منها واتجهت مهرولة إلى منزل والدها مرة أخرى
بالوادي استمعت وداد إلى طرقات على منزلها، نهضت بعدما دثرت ابنتها بالغطاء وتحركت لتتفاجئ بعزيز متنكرًا بذاك النقاب
-عزيز بتعمل ايه هنا.! دلف للداخل يهدر بفحيح.
-فين بنتك المحترمة قالها وهو يدفع باب غرفتها لتقوم فزعة من منامها قائلة في ايه!
-في ايه.! اقترب يجذبها من خصلاتها ولم تعتريه إصابتها
-فيه اني جيت اربيكي ياحيوانة، لو مهربتهوش في اليوم إياه مكنش دا بقى حالنا.
-شعري ياعزيز سيب شعري. بتوجعني
ايه انت مش اخدت حقك، بص شوف لسة بطني مفتوحة بسبب واحد خسيس زيك، انت ليه مُصر اني هربته
دفعها بقوة قائلاً: -قومي لمي هدومك ابوكي عايزك، دخلتك يوم الخميس.
ابعد ايدك عن بنتي يالا، قالتها وهي تشير إليه بسلاحها.
-ابعد ولا اصرخ وألم عليك الناس. اقترب بخطوات جحيمية إليها -طيب اضربي يادكتورة وشوفي هعمل لك فيها ايه، لم يرحمها ودفع السلاح بقوة من يديها بعدما ألقاها بالوسادة بوجهها ثم جذب سمر واتجه بها للخارج وسط صرخات وداد، فتراجع إليها ليدفعها بقوة ساقطة على الأرض ليصطدم رأسها برخام الدرج وتسقط مغشيا عليها. صرخت سمر تنادي باسم والدتها الا أنه دفعها بقوة بالسيارة واستقلها بجوارها يشير للرجل.
- على مطروح يابني بسرعة. تحرك الرجل بسيارته مسرعة، رفع هاتفه
-الجماعة سلموا البضاعة ياباشا. مبروك يانعمان باشا
برافو عزيز كنت عارف ومتأكد إنك هتنجح. قهقه ينظر لتلك المنكمشة مرددًا: -البركة في سي غريب وخططه الجهنمية، هو وصلك ولا لا
لا لسة. ومتصلش، نظر من زجاج السيارة وتحدث: -متخافش يحيى كلمني وقالي أنهم داخلين عليكوا، لازم ياخدوا حذرهم
قاطعه متسائًلا: -إزاي أقنعت الواد دا أنه ابن تاجر مخدرات.
قهقه التميمي وهو يتناول مشروبه المحرم
-تلاعب بصور الظابط لمجرم بسيطة، والصراحة سمرة معلية الفولت بذكاء
هدر غاضبا: -الموضوع دا طول ليه، أنت قولت ندخل الواد وبعد كدا هتبعد بقالها شهرين طالعة خارجة معاه، خالوا انا ممكن اقتله من غير مايرف لي جفن
-اسمعني بس الواد دا انا مش مرتاح له لازم نسيح دمه، قطب عزيز جبينه متسائلًا: -ياريت حضرتك توضح ياخالو!
-اسمعني ياعزيز احنا علشان نعرف نسافر بعد مااختك تتجوز النزلاوي، ويساعدنا في الهروب محتاجين سيولة، وطبعا احنا مش عارفين ندخل ولا نخرج من مطروح فاهدى لحد مانضرب ضربتنا في الحملة الجديدة نلم فلوسنا ونهرب وبعد كدا هنصفيه متخافش
تمام. قالها مجبرًا، ثم اغلق الهاتف يحك ذقنه يفكر بشرود، نظر لتلك التي تبكي بجواره. فابتسم ساخرًا: كنتِ مفكرة انك كدا فلتي مني، بعد ماطفشتي الكلب.
رمقته باحتقار.
-أنا معرفوش علشان اطفشه، افهم بقى، دا واحد جه واشتغل ومشي انا مالي، مش انتوا اللي بعتينوه
جذبها من خصلاتها بقوة: -اومال ايه هربه قبل ما يخلص شغله، ايه اكيد عرفتي أنه جاي علشان يوقعنا
-وحياة ربنا ماكنت اعرف، واتفاجأت زيك بالظبط
رفع حاجبه يطالعها بسخرية: -بدليل رسايل الغرام يابت
تراجعت بعيدًا عنه تنظر للخارج
-هو مايعرفش انا اللي كتبتها لنفسي.
عند جاسر وصل إلى المكان المنشود، ترجل من السيارة قابله الجيار بالترحيب: -برافو عليك يابطل، كنت عارف انك قدها وهتعرف ترجع صاخ سليم
تحرك للداخل دون حديث قابلته سمرة تلقي نفسها بأحضانه: -حبيبي اتأخرت ليه. حمحم متراجعًا.
-الطريق طويل وكان لازم ناخد حذرنا من الشرطة، المكان ملغوم جيش و شرطة، قالها وهو يدلف غرفته وهي خلفه، نزع كنزته الشتوية وألقاها بإهمال ثم تحرك للداخل وهي خلفه، ليجذب ثيابه. توقفت أمامه تتلاعب بصدره: -وحشتني قوي ياغريب، ايه ماوحشتكش، ليه من وقت الحادثة حاسة إنك بتبعد عني.
رفع حاجبه مستفهمًا: -ليه كنا بنعمل ايه قبل الحادثة معلش فكريني، قالها وهو يجذبها بقوة من خصرها لتلف ذراعها حول عنقه تهمس بالقرب من شفتيه
-كتير ياغريب، ونفسي نرجع زي الأول
تراجع فزعًا، لا يعلم ماهذا الشعور الذي يرواده، يوجد هنا بصدره. ابتلع ريقه بصعوبة قائلاً: -ممكن فنجان قهوة من ايدك الحلوة
انحنت بثيابها المثيرة التي تظهر مفاتنها بسخاء، تتلاعب بخصلاته.
-مالك حبيبي.! انزل كفيها وتحدث: -آسف سمرة انتِ عارفة موضوع الحادثة لسة مأثر. ألقت قميصه بغضب وهدرت مزمجرة: -وبعدين ياغريب الحادثة بقالها فترة وحضرتك كل شوية اعتذار
تمدد على الأريكة هاتفًا
-اطلعي واقفلي الباب، مليون مرة اقولك مابحبش اللي بيعلي صوته
اقتربت جاثية على الأرض أمامه
-حبيبي آسفة، ماهو إنت اللي مش عايز تفتكر حب السنين دي كلها ضيعته منتظر مني ايه وانت بتعاملني كأني غريبة. اقتربت تلمس خاصته.
-حتى مابقتش تبوسني ياغريب، فين غريب بتاع زمان اللي كان بيخليني أسعد واحدة على وش الأرض. رفع كفيه على خصلاتها الذهبية
-آسف. اوعدك هحاول اتأقلم على الوضع الجديد. دنت حتى اختطلت أنفاسهما: -طيب مش عايز مني حاجة. حمحم متراجعًا
-اه. دنت أكثر تنظر إليه بإعحاب
-اؤمر ياحبيبي
-تطفي النور تعبان عايز انام عندي شغل بالليل
طبعت قبلة بجانب شفتيه تغمز له
-عيوني ياعيوني. قالتها وتحركت بغنج أنثوي وأغلقت الباب خلفها.
رفع أنامله موضع قبلتها يحركها وشعور بالغثيان ينتابه، وضع ذراعيه تحت رأسه ينظر لسقف الغرفة
-ليه مش حاسس بالحياة دي، أطبق على جفنيه عندما شعر بصداع يفتك به. ظل لفترة حتى غاب بنومه
بقصر البنداري
ظل يعمل على جهازه لفترة طويلة إلى أن دلفت إليه زوجته
-راكان هتفضل تشتغل لحد امتى، الساعة واحدة
-نامي حبيبي عندي شغل مهم. اقتربت إلى أن استندت على المكتب.
-لسة موضوع جاسر. تراجع يمسح على وجهه وتحدث بحزن: -اربع شهور ومعرفناش نوصل لحاجة.
ربتت على كتفه وانحنت تحتضن كفيه
-قوم ارتاح شوية وكمل الصبح وان شاءالله توصل لحاجة، بس من رأيي لو لقيتوا التميمي هتلاقوا جاسر.
استمع الى هاتفه: -أيوة. اهلا سيادة المستشار، معايا صورة تطابق الصورة اللي بعتها
-ابعتها بسرعة يارؤوف بمكانها
لحظات ووصلت الصورة إليه
توسعت عيناه وابتسامة زينت ملامحه ثم امسك هاتفه
-فين دا؟
-مطروح ياباشا، احنا كان ممكن نمسكه بس لما حضرتك طلبت لو شكينا نعديه ونعمل احتياطات، عملت زي ما حضرتك طلبت
-رؤؤف عايز تفهمني أنه بيتاجر في الممنوعات
-للاسف. وفيه حاجة كمان الجيش هنا عامل مناورات وتأهب، يعني كان ممكن يموت أو يتمسك، أنا عديته زي ماطلبت
-طيب ابعت رقم العربية بسرعة
-امرك ياسيادة المستشار، بس عايز اعرف ليه عايز الموضوع سري.
-الموضوع دا مهم جدا يارؤوف، والأهم لو شوفته تاني تحجزه عندك بأي حاجة دون ماحد يشك سمعتني
-تمام راكان باشا!
بتلك الغرفة التي تطل على الحديقة، دلفت نهى بطعامه وضعته أمامه وجلست بجواره تحتضن كفيه: -صهيب جبت لك الغدا، ياله علشان تاخد دواك
-جواد. خرجت من بين شفتيه بتقطع وهو يطالعها بعيونًا راجية. ابتسمت له
-جواد كويس حبيبي، مش معقول كل غدى هروح اجيبه يتغدى معاك، سيبه النهاردة مع مراته وعياله.
- نهى . جواد نهضت من مكانها وتحركت للخارج حتى لا تضعف بالبكاء أمامه، قابلها سيف
-صهيب صاحي يانهى. أزالت عبراتها تهز رأسها بحزن
-عايز جواد ياسيف، وجواد قافل على نفسه، مبيكلمش حد، حتى بعت له كنان مردش عليا
-طيب انا هدخل اشوفه، وانتِ لو بعتي لجواد وقولتيله صهيب عايزك هيجي. اقتربت تنظر إليه بحزن
-كفاية عليه وجعه، مش علشان بيدوس على نفسه علشانه، يبقى احنا كمان ندوس عليه، انت شايف جنى عاملة فيه ايه.
تحرك للداخل يهز رأسه
-هشوفه طيب. دلف سيف للداخل
-مساء الانوار دكتورنا العظيم
رفع رأسه ينظر الى سيف بصمت ثم تراجع ينظر بالخارج. جذب المقعد ووضع الطعام يقربه
-أنا جعان مأكلتش، تخيل من كتر الشغل نسيت أكل.
-امسك الملعقة ووضعها بفم صهيب اولا، ثم قطع الخبز وبدأ يلوكه ببطئ متحدثًا: -فيه مشكلة في الضرايب ياسيدي، قال ايه مدفعناش ضرايب بقالنا خمس سنين، بس طبعا أوس قوم الدنيا حريقة وعامل رعب في الشركة، من الصبح وحياتك وانا مع ابن اخوك زي الكتكوت المبلول
-سيف. حلمت بجاسر. وقعت الملعقة من يد سيف رافعًا عيناه التي تحجرت بالدموع
-ربنا يرحمه ياحبيبي، هو محتاج دعواتنا. سيف، رددها صهيب مرة أخرى.
- انا حلمت بجاسر في القبر بيعيط
أطبق على جفنيه مع دموعه التي انسابت ثم فتحهما مرة أخرى
-بيعيط علشان زعلان مننا ياصهيب، مش مبطلين عياط ليل نهار، هيرتاح ازاي.
حرك كفيه المرتجف يمسك كف سيف
-عايز ازوره، وديني له ياسيف
-صهيب لو سمحت بلاش تقطع قلب جواد وغزل دول بيسندوا نفسهم بالعافية
-عايز أزوره ياسيف، وديني عنده لو بتحبني
ارتعشت ملامح سيف يهز رأسه بالموافقة. قائلًا: -طيب ممكن تتغدى علشان دواك.
بغرفة ياسين كان يتحدث بهاتفه
-حاضر هشوف ياسيادة المستشار حد في المكان دا، وارد عليك. قالها يضع كفيه على صدره يدعو الله من داخله
-يارب. يارب.
بالأسفل بغرفة مكتبه بعلامات الحزن الذي زادت من عمره أعوام فوق عمره
استمع الى طرقات فوق المكتب
-جواد. دلفت مليكة إليه
-عامل ايه ياحبيبي. رفع رأسه يهزه
-الحمد لله. بعتلك علشان تطلعي لغزل، مبقتش قادر اسيطر على حزنها
اقتربت منه تطالعه بحزن قلبها
-وانت ياجواد هتفضل كدا.
تراجع ينظر إلى جهازه: -أنا ايه. أنا شغال اهو وكويس
-كويس ياجواد. تسائلت بها بأسى
-الحمد لله يامليكة، انا الحمد لله.
عند جاسر خرج يسير بين الأشجار ينظر للسماء. لكنه توقف أمام تلك الفتاة التي جذبته تتلفت حولها بخوف
-عامل ايه. دقق النظر بها ولكنه لم يتذكر شيئا. تراجع للخلف بعض الخطوات
-مش إنتِ اللي جيتي من يومين عروسة حسين النزلاوي
تلفتت بخوف واقتربت تهمس: -اسمعني كويس قبل ماحد يشوفنا، انت مش اسمك غريب، انت اسمك جاسر الألفي، دول عصابة خاطفينك
دنت أكثر بعدما وجد تحرك يحيى إليهما ينادي عليه.
-وشغال ظابط، لو فعلا خايف على نفسك اهرب من هنا. وصل يحيى يوزع نظراته بينهما متسائلاً: -فيه ايه واقفين كدا ليه
كانت نظرات جاسر على سمر بضياع ثم تحرك سريعًا يهرول بين الأشجار دون هدى
ظلت نظراتها عليه حتى اختفى من أمامهم، ثم اتجهت إلى يحيى
-كنت مفكراك غيرهم يابن عمي، هتفضل لحد امتى وانت عبد لعزيز، فوق يا يحيى وانتقم من الناس اللي سرقت حياتك وحياة ابوك
-اسكتي ياسمر لو سمحتي. اسكتي لو سمعوكي هيموتوكي.
دفعته بصدره وهدرت معنفة إياه: -اموت بشرف احسن مااموت وانا عبدة لشوية مجرمين. بكت بدموع الخذلان وحاولت تترجاه بدموع عيناها
-طيب أنقذه يايحيى، حرام انت مستقبلك ضاع، بلاش تضيعوا مستقبله، تعرف عنده طفل، طيب انت امك و ابوك ماتوا، أهله ذنبهم ايه يعيشوا مفكرين أن ابنهم ميت
احتضنت كفيه تنظر لعيناه برجاء.
-وحياة الحب اللي كان بينا يابن عمي تنقذ الظابط، وعد يايحيى هنسى كل حاجة ومستعدة اتجوزك كمان، ولو عايز تفضل شغال معاهم انا موافقة، المهم انقذه، دنت تهمس له
-طيب أقل حاجة بدل الأدوية اللي بياخدها، والله لو اعرف لاعملها.
تراجعت خطوة للخلف تشيعه بنظرة أخيرة قائلة: -افتكر ان الناس اللي انت عبد عندهم هما اللي حرموك انك تبقى ظابط ياحضرة الظابط.
قالتها وتحركت سريعًا. هوى على الأرض يتذكر آلام الماضي التي دفنت منذ سنوات، ظل عدة ساعات وهو جالس بمكانه لم يتحرك انش واحد إلى أن رجع جاسر يجلس بجواره ينظر للبعيد متسائلًا
-إنت شغال هنا من زمان
استدار أخيرًا إليه، وأجابه
-مش بعيد قوي، يعني خمس سنين ليه
تراجع جاسر يستند على الشجرة
-يعني كنت عارفني قبل كدا
هز رأسه بالنفي وعيناه تخترقه.
-لسة عارفك قريب، لاني مشفتكش هنا. طالعه بصدمة: -يعني ايه! هو أنا مش شغال هنا من زمان
اقترب يهمس له: -لا. ولو عايز تعرف متاخدش حبوب من اللي بيدهوالك تاني، ولا اي علاج سمعتني. قالها ونهض من مكانه
دلف للداخل وجد هادي الجيار يصفع سمر على وجهها
-هتتجوزيه غصب عنك، كفاية كل شوية بنأجل، اسمعيني يابت الجوازة دي هي الحل لحياتك، يااما ادفنك. قالها وهو يدفعها بقوة كادت أن تسقط لولا ذراع يحيى الذي تلقفها.
دفعته بقوة تبكي قائلة من بين بكائها
-هموت نفسي ولا إني اتجوز واحد حقير بيتاجر في دم البشر زيكو كدا
سمر ادخلي اوضتك. صاح بها يحيى، ثم اتجه بنظره الى عمه
-سبيها ياعمو وانا هقنعها
رمقته باحتقار تبصق بوجهه، ثم تحركت للداخل.
-عمو لو سمحت سمر مش هتيجي بالشدة، وبعدين متنساش أنها هتفضل كدا طول ماطنط وداد في المستشفى، فأنا بقترح نأجل الجواز شوية، كدا كدا لسة على التسليم ست شهور يعني يمكن وقتها تقتنع، اما تجوزها دلوقتي وتهرب من جوزها ويقلب عليك ومتعرفش تسافر بعدها
جلس يفكر بكلامه ثم اومأ له قائلاً
-هشوف!
بعد شهرين آخرين.
مابين عشق لاذع وهجر مؤلم ذكرى مستعصية النسيان شقت القلب من الألم والخذلان، دونتها بدفترها ثم نهضت إلى رسمتها.
دلفت غزل تجلس خلفها تنظر للذي ترسمه
-بترسمي ايه ياجنى؟
-تفتكري هرسم ايه ياطنط غزل، برسم حبيب عمري، أشارت إلى صوره التي ملأت المكان
-شوفي كدا. منور الأوضة إزاي. نهضت تمسك تلك اللوحة التي اتقنتها بعناية
-شوفتيه وهو بيعوم ازاي. قربت تحتضنها واردفت بنبرة حزينة.
-وحشني قوي، بس معلش أكيد ظروفه أقوى منه
وضعت اللوحة ثم جلست مكانها مرة أخرى. توقفت غزل إلى أن وصلت إليها ثم انحنت تطبع قبلة على رأسها
-ياريته زي ما بتقولي يابنتي، ياريته
قالتها وتحركت للخارج
بعد قليل استمعت الى طرقات الباب
دلفت نهى تضع طعامها أمامها
-حبيبتي تعالي كلي. ظلت كما هي ولم تتحرك من مكانها. اقتربت نهى تجذبها لأحضانها
-حبيبتي ليه مقعدتيش مع الدكتور، أنتِ عارفة دا كام دكتور يجي ويمشي.
وضعت رأسها على ساق والدتها
-ماما أنا مش مجنونة، انا عايزة جوزي بس. رفعت نظرها لوالدتها
-جاسر عايش!
احتضنت نهى وجهها تنظر لملامحها التي بهتت بالكامل: -حبيبتي جوزك مات من زمان، داخل على سنة يعني لو لسة عايش كان زمانه ظهر، بلاش تعملي فينا كدا.
تراجعت تصرخ تجذب خصلاتها بعنف: -ليه محدش حاسس بيا، اضحكي عليا وقولي أنه عايش. انا جوزي عايش، سمعتيني. قالتها بحالة جنونية لتجذبها نهى لأحضانه تقبل رأسها باكية: -حاضر ياجنى، جاسر عايش. ممكن تعدي، دلفت الخادمة بصندوق قائلة: -مدام. الصندوق دا جه لحضرتك
دفعته بقوة من يديها
-امشي اطلعي برة مش عايزة اشوف حد. قالتها وهي تهوى بجسدها على الأرض. جلست نهى بجوارها
تضم رأسها لأحضانها: -طيب اهدي محدش هيجي تاني.
ذهبت ببصرها لذاك الصندوق الذي بُعثر مافيها. بسطت كفيها تجذب تلك البطاقة بعدما تسللت رائحته إلى رئتيها ثم هبت من أحضان ولادتها تردد بصوت متقطع: - الكارت والورد دا من جاسر ياماما. نهضت من مكانها تهرول للأسفل، إلى أن وصلت للحديقة تتلفت حولها وتحركت تبحث بعيناها، خرجت نهى خلفها تنظر إليها بحزن قائلة: -جنى حبيبتي، بلاش تعملي كدا هتزعلي بابا منك يابنتي نظرت للأمام رأته من ظهره متجهًا لسيارة جيب سوداء. تحركت سريعا بأقدامها الحافية تهرول خلفه، وتصيح باسمه: - جاسر. هزة عنيفة أصابت جسده عندما استمع إلى صوتها، ورغم ذاك تحرك بخطوات ضعيفة متهالكة تمنى لو يستدير إليها ولكن كيف، وصل للسيارة واستقلها قائلاً: -سوق بسرعة. هرولت للخارج تصيح باسمه إلى أن اختفت السيارة من أمامها جثت على الأرض تبكي بشهقات، رآها عز الذي وصل للتو كادت سيارته تصدمها لولا توقفه حتى كادت سيارته بالانقلاب، ترجل سريعا متجها إليها ينظر إلى حالتها مصدوما، حاوط جسدها يضمها بوصول والدتها إليها.
-حبيبتي قاعدة كدا ليه، كانت نظراتها مازالت على أثر السيارة
أطبقت على جفنيها وانسابت عبراتها بصمت، أوقفها يضمها لأحضانه ينظر لوالدته متسائلًا: -ايه اللي حصلها ياماما، وازاي تخرج من البيت. جذبها بين أحضانه متحركًا للداخل، تحركت بجسدٍ خاوي من الحياة، طبع قبلة على مقدمة رأسها، ودثرها جيدًا يزيل عبراتها يهز رأسه حزنًا على ماتوصلت إليه
-ارتاحي ياقلبي، أغمضت عيناها، خرج لوالدته بغرفة كنان.
-ايه اللي حصل ياماما. أغلقت الأضاءة على حفيدها وتحركت للخارج
-جالها ورد وصندوق فتحته وفضلت تقول جاسر وخرجت برة زي المجنونة كدا، محلقتهاش خفت الولد يصحى ويعيط
مسح على وجهه بحزن
-تاني ياجنى، بعد مااتحسنت، توقف عن الحديث متسائلًا
-فين الصندوق دا ياماما!
-في اوضتها ياحبيبي.
بالداخل نهضت من فوق فراشها، واتجهت تجذب ذاك الصندوق، أخرجت تلك البطاقة، تتلمسها بأناملها، ثم رفعتها لانفها تستنشق رائحتها، واتجهت إلى فراشها
-تتمدد تحتضن ذاك الصندوق ودمعاتها تغرق وجنتيها شهقت تضع كفيها على فمها تهمس من بين شهقاتها
-كدا ياجاسر. جنى هانت عليك، أنا زعلانة منك قوي. هزت رأسها تحتضن صندوقها بقوة: -لأ حبيبي مش زعلانة بس تعالى مهلكتك وحشتها قوي قوي.
بعد عدة أيام وظلت كما هي بغرفتها ولا تريد رؤية احدٍ. دلفت والدتها. كانت تجلس بشرفتها تنظر للخارج بشرود
-شوفي ياجنجون مين اللي جه يشوفك، روح لمامي وقولها وحشتيني يامامي. وصل الطفل إليها
-ماما. ردد الطفل بضحكات، ظلت كما هي تنظر للخارج، اقتربت والدتها تنظر إليها بحزن: -حبيبتي ابنك عايزك، شوفي بيمسك ايدك، حبيبتي ابنك مالوش ذنب.
أدارت وجهها إليها تحتضنه: -جنى ابنك بيكبر يابنتي ومحتاجك جنبه، حبيبتي فوقي علشان ابنك
وضعت رأسها على ركبتيها ومازالت على حالتها قائلة: -مش عايزاه، خديه عند جده، مش عايزة حد، عايزة جوزي بس ياماما، تقدري ترجعيلي روحي، أنا مبقتش أنفع حد، عايشة من غير روح، بنتك مفهاش غير جسم بس
نشجت نهى بمرار والدمع يتساقط
وخرجت كلماتها متقطعة من بكائها.
-يابنتي حرام عليكي متعمليش فينا كدا، ابوكي هيموت من الزعل عليكي. استمعت لصوت الطفل
-بابا. بابا. رفعت نظرها إليه اخيرا تطالعه بتدقيق، نهضت حتى جلست أمامه
-تعرف أنا بكرهك أوي ياكنان، بكرهك علشان انت السبب في كل دا. جذبت نهى الطفل من أمامها بعدما وجدت حالة ابنتها ونادت على عز.
-عز. صرخت نهى بعز عندما وجدت جنى تحمل الطفل وتخرج به قائلة: -إنت بتعمل ايه هنا، مش عايزة أشوفك. استيقظ عز على صراخ الطفل وصوت والدته، هب من نومه، اتجه بنظره لربى الغافية على ذراعه، وضعها بهدوء على الوسادة، وتوجه للخارج، وجد جنى تهبط للأسفل تحمل طفلها الذي يبكي بأحضانها
هرول خلفها عندما صاحت والدته
-ألحق اختك، اختك هتعمل حاجة في ابنها. نهضت روبي من نومها على صوت نهى، هرولت للخارج، توقف عز أمام جنى.
-جنجون رايحة فين ياقلبي، احتضنت ابنها متراجعة تبعده عن أيدي عز
-ابعد ياعز، ايه عايزة أخرج مع ابني مشوار. دنى منها وحاوطها بذراعيه يجذب الطفل من بين أحضانها
-هاتي كنان ياقلبي، ماما تأكله وبعد كدا خديه مشوار، كانت نظراتها على طفلها الذي يبكي بأحضان أخيها. اقتربت منه تحتضن وجهه
-حبيبي إنت جعان، عايز تاكل، أبعده عز عن يديها.
-جنى حبيبتي، روحي مع ربى وماما هتأكل كنان وتجيبه. دنت تجذب ابنها وصرخت بوجه عز: -سيب ابني ياعز، محدش له دعوة بيه، ايه مفكرني هعمل في ابني حاجة. مسدت ربى على خصلاتها
-جنجون حبيبتي، لا ياقلبي هو بس بعيط ومش هتقدري عليه لوحدك، ايه رأيك نتمشى شوية برة. قالتها وهي تنظر إلى عز الذي أومأ لها بعينيه
استدارت تحدجها بهدوء: -لو هتوديني لجاسر هخرج معاكي.
تسمرت ربى بجسدها واعتصر قلبها ألمًا عليها، فدنت تحتضنها وانسابت عبراتها
-جنى بلاش تعملي كدا لو سمحتي، علشان خاطري ياجنى بلاش توجعي قلوبنا ياقلبي. خرجت من أحضان ربى ثم هوت على الأرض تبكي بصوت مرتفع
-أنا مش مجنونة، انا عايزة جوزي وبس، مش عايزة غير روحي ترجعلي، انتوا ليه بتعملوا كدا.
قالتها وهي تدلف للداخل وبكائها يرتفع بكل مكان. كان يقف بقلب منفطر على ابنته التي ذهب عقلها بسبب موت زوجها، جلس على المقعد وانسابت عبراته
-مش هقول غير إلا يارب، يارب يشفيكي يابنتي ويصبرك
ربتت نهى على كتفه
-صهيب. متزعلش بكرة هتخف وتكون أحسن
رفع عيناه الباكية
-سنة يانهى ولسة مصرة أنه عايش، البنت ضاعت يانهى، انا اتكلمت مع جواد النهاردة وأصر ياخدها المستشفى مش قدامنا غير الحل دا.
توسعت عيناها تنظر إليه بذهول: -عايز تودي بنتك مستشفى المجانين ياصهيب. وضع رأسه بين راحتيه وهتفت بصوت متحشرج: -عايز بنتي تخف يانهى، يوم عن يوم البنت بتضيع، البنت كارهة ابنها وممكن تعمل فيه حاجة
وضعت رأسها بأحضانه تبكي
-متقوليش بنتي مجنونة ياصهيب لو سمحت.
باليوم التالي
دلف إليها جواد حازم وتوقف خلفها ليرى ماذا تشاهد.
ارتفعت ضحكاتها مع انسياب عبراتها. جذب المقعد وجلس بمقابلتها
-عجبك الفيديو؟
اوي اوي. قالتها بابتسامة حزينة
استند على الطاولة ونظر إليها
-جنى أنا مش هقولك انسيه، بس هقولك لازم تتقبلي الواقع. جاسر مبقاش موجود
-دا عندك ياحضرة الظابط. تنهدت مبتعدة بانظارها ثم اردفت
-اطلع برة عايزة ارتاح.
جنى اسمعيني. رمقته بنظرة نارية.
-وأنا مش عايزة اسمع، اطلع برة
قاطعهم عز مقتربا منهما وهو يحمل كنان
-صباح الخير ياماما. شوفتي مين جاي لك يصبح عليكي. نهضت متجهة إلى الشرفة ولم تكترث لحديثهم
-عايزة اقعد لوحدي. خد الولد واطلع برة وياريت تاخد ابن عمتك معاك. بلاش تعاملوني على اني مريضة. قاطعهم رنين هاتفها فهرولت إليه قائلة
-أكيد جاسر، هو قالي هيكلمني، ولكن خاب أملها لما وجدتها غنى.
عند جاسر بعد اسبوع. ولج لمكانه ونبضات قلبه تكاد تخرج من بين ضلوعه، أطبق على جفنيه وصورتها الحزينة لم تفارقه
هوى على المقعد يسحب وشاحها يستنشق رائحتها
-هموت واضمك ياروح قلبي، هانت ياقلب حبيبك، ولج يحيى يتلفت حوله
-جاسر جبتلك تليفون بس بسرعة قبل ماحد ياخد باله
نظر حوله بتوجس وسأله: -جايبه منين التليفون دا. خرج يحيى وهو يراقب المكان
-اخلص بس يارب مراتك متعملش حاجة تهد اللي عملناه. تحرك إلى ركنا مبتسمًا.
-خد بالك كويس. اومأ يحيى برأسه وتوقف يدخن سيجاره بينما دلف جاسر للداخل، فرك جبينه محاولا تذكر الرقم. ولكن خانته ذاكرته. فأسرع يفتح حقيبته ينظر بين أوراقه حتى عثُر على بعض الأوراق، ابتسم بعدما تذكر عندما وضع رقمها بحروف سرية
قام بالرنين على هاتفها مرة وأخرى ولكنها لم تجيب على هاتفها. ابتلع ريقه وشعر بغصة تمنع تنفسه.
عند جنى احتضنت جسدها تضم قميصه وتبكي بصمت، استمعت لهاتفها ولكنها لم تعريه إهتمام، مرة وأخرى، اعتدلت عندما زاد رنينه مرة أخرى
-أيوة قالتها بصوت متقطع.
-بحبك، وحشتيني مهلكتي. اعتدلت منتفضة تبكي وتضحك في نفس الوقت هامسة بضربات قلبها العنيفة
-جاسر. قالتها بهمس اخترقت قلبه حتى شعر بعدم سيطرته، تمنى لو أن له جناحين ليطير إليها ويحطم جسدها بين أحضانه، همست مرة أخرى.
-حبيبي وحشتني، كدا ياجاسر تبعد عني كل دا، هم مفكرينك مُت طلعوني مجنونة
-جنتي بحبك أوي، خلي بالك من كنان، افتكري دايما أنه حتة مننا احنا الاتنين ياجنونة قلبي، بحبك مهلكتي. قالها وأغلق الهاتف سريعا عندما فقد سيطرته بالكامل
هوى على فراشه يضع يديه على صدره يحاول تهدئة نبضاته القوية
صرخت بصوتها.
-جااااسر، متقفلش حرام عليك، جاسر صرخت وصرخت إلى أن اقتحم والدها غرفتها، هرول إليها يجثو أمامها يضمها لأحضانه عندما وجد جلوسها بالأرض
أشارت على الهاتف: -بابا جاسر كلمني يابابا، قولتلكم عايش محدش صدقني، شوفت يابابا جوزي عايش وكلمني
بكى صهيب على بكائها. كانت تقف على باب الغرفة تبكي بصوت مرتفع على أفعال بنت عمها
حملها عز يضعها بهدوء على فراشها، بينما قام صهيب بحقنها وهي تردد.
-جاسر عايش يابابا، هو كلمني وقالي بحبك مهلكتي، ليه يعذبني كدا يابابا، وحشتني قوي ياجاسر، قالتها واغمضت عيناها تذهب بسبات بسبب ذاك المخدر
عند جاسر
انهمرت دموعه على صوتها الحزين، يعلم أنها ستعاقبه فيما بعد ولكن يكفي انها وابنه بخير. ولجت إليه سمرة
-بتعمل إيه إيه ياغريب هنا، ازال دموعه سريعا، فرفع بصره ورسم ابتسامة.
-حاسس بصداع، فقولت اريح، الحج نعمان رجع وصل ولا لسة. دنت منه وبدأت تتلاعب بقميصه: -لأ الحج نعمان هيتأخر، راح يزور ناس مهمين، المهم ياغريب مش ناوي بقى تلم شملنا ونعمل دخلتنا.
تراجع بجسده محمحما: -سمرة قولتلك قبل كدا مبحبش الطريقة دي، اقتربت المسافة التي أبعدها عنها حتى اختلطت أنفاسهما ولمست شفتيها وجنتيه تهمس بإغراء انثى: -غريب مينفعش نأجل أكتر من كدا، انا بحبك ونفسي نتلم مع بعضنا، ايه انت كمان مش عايز
بتر حديثهم يحيى عندما ولج
-غريب ياله نعمان باشا بعتلنا نقابله
نهض سريعا وهو يرمقها بجانب عينيه
-هنمشي خلي بالك من نفسك، قالها وتحرك سريعًا للخارج يلتقط أنفاسه.
بعد عدة ايامًا أخرى
ظلت تطالعها بعيون حزينة، وهي تعزف مقطوعتها على البيانو. نهضت من مكانها ومسدت على خصلاتها ثم انحنت تطبع قبلة مطولة على رأسها. انبثقت دموعها تهمس لوالدتها
-ماما هو ازاي الواحد يعرف يعيش من غير روحه، انا مش عارفة اعيش ياماما وهو بعيد عني. دلفت ربى وهي تحمل بعض الفواكه تضعها أمامها وجلست بجوارها
-جنجون حبيبتي ممكن تاكلي حاجة، علشان ميغماش عليكي ياقلبي. رفعت عيناها إلى ربى.
-وايه فايدة الأكل ياربى وأنا عايشة من غير روحي. اندفعت دموع ربى كالمطر وطالعتها بعيناها الباكية
-ماهو علشان مايزعلش منك حبيبتي، عايزة جاسر يزعل منك ياجنى.
وضعت كفيها على فم ربى تهمس إليها
-متقوليش كدا مش هيقدر يزعل مني، انا متأكدة اصلك متعرفيش اللي بينا ايه، هزت رأسها وتراجعت
-دا مش مجرد حبيب بس.
دموع خلف دموع وهي تهز أكتافها للأعلى عندما عجزت عن وصف ماتشعر به. أزالت عبراتها تنظر للخارج.
-بينا حاجة اكبر مايكون، مش عارفة اوصفها. تراجعت مرة أخرى إليها واستأنفت كلماتها
-هو نبض قلبي ياربى، من يوم ماخرج من هنا وانقطعت أخباره وانا قلبي واقف. أمسكت كف ربى التي ارتفع بكاؤها
-شوفي اهو، وفرقي كويس دلوقتي بين نبض قلبي وبين لما يرجع يادكتورة، اعرفي أن اخوكي هو لجنى الحياة، وطول ماهو مش موجود جنبي يبقى مالهاش لازمة.
أزالت ربى دموعها تضم رأسها وبكت على بكاؤها
-ربنا يصبرنا ياجنى على فراقه، ربنا يصبرنا
تنهيدة حزينة ثم نهضت من مكانها
-هو موجود ياربى، روحه حواليا بس ليه مرجعش معرفش، متعمليش زيهم وتقولي عليا مجنونة، وعارفة ومتأكدة أنه موجود
نهضت ربى من مكانها بعدما شيعت نهى بنظرة مأسوية على حالتها ثم توقفت بجوارها
-بعد الوقت دا كله ياجنى لسة مصرة.
استدارت إليها سريعًا: -حتى لو بعد مليون سنة. هفضل على أمل أنه يرجع لحد ماربنا يريحني.
ذهبت ببصرها لصحن الفواكه ثم ابتسمت مقتربة منه لتتناول بعض حبات الكريز وابتسامة عريضة متذكرة زوجها، وضعتها تتحسس الفراولة بأناملها ولاحت بذاكرتها مافعله بها بتلك الليلة وماحدث له بسببها.
تراجعت لفراشها قائلة: -أنا تعبانة وعايزة ارتاح، ممكن تسبوني لوحدي.
تمددت على الفراش وتكورت كالجنين وجذبت كنزته كعادتها تحتضنها بأيامها الأخيرة.
أغمضت عيناها تستنشقها، وآآآه حارقة اخرجتها جوف نيران قلبها مع دموعها التي تساقطت كاللؤلؤ من عيناها، ضمتها بقوة تهمس
-تعبت خلاص مبقاش فيا حيل ياجاسر، هو أنا فعلًا اتجننت زي مابيقولوا، وانت فعلا مشيت، فعلا هانت عليك جنى تموتها كدا.
وضعت كفيها على صدرها عندما شعرت بآلامه تكتم شهقاتها التي غادرت قصبتها الهوائية بألم ككسر العظم.
-لا صعب فراقك وجعه صعب، يارب. يارب ليس ضعفًا بإيمانك ولكني اطلب رحمتك بعبدك الضعيف، ارحم ضعف عبدك وقويه يارب. دعوات خلف دعوات إلى أن ذهبت بسبات عميق ودموعها مازالت صديقة لياليها.
بعد أكثر من ساعة وهي تغط بنومها الملائكي التي تتهرب منه بواقعها المرير. شعرت بأحدهم يضع كفيه على خصلاتها، وانحنى يستنشق رائحتها بوله. ابتسمت بمنامها، ظل واقفًا بمكانه يرسمها بعيناه، تمنى لو شق صدره ودفنها بداخله. فتحت اخيرا شمسه وجنة حياته بعسلها. ولكنه تسمر بوقوفه بعدما وجد شحوب وجهها. جنته تحولت مثل المريض الطريح لفراشه. ياإلهي من هذه. اعتدلت جالسة تفتح عيناها وتغلقهما عدة مرات. وهو يرسم ملامحها الذابلة وكأنها حطمت ولم يتبقى منها سوى أشلاء انثى.
فاق من تأمله بعدما نهضت من مكانها تتشبث بذراعه وتدور حوله وعيناها ترسمه، هل حقا انه حقيقة أم حلمًا. ربي لن اقو على ذاك الألم الذي ينخر بعظامي كما ينهش الحيوان المفترس فريسته
هذا روحي. نعم. اينعم لقد رددت روحي إلى آلان. رفعت كفيها تضعها على وجنتيه تغمض عيناها وابتسامتها لم تفارقها تهذي بكلماتها العاشقة وتهمس اسمه
جاسر.
همسة ملتاعة من شفتيها المرتجفتين. لتبتعد بعض الخطوات الضعيفة المتهالكة لقلبه تحدج به بحزن قلبها
-إنت واقف قدامي، يعني انت موجود وسايبني ميتة، انت برة عايش وواخد روحي معاك، دنت منه تتعمق برماديته التي تعشقها تهز رأسها ودمعاتها تتساقط من محاجرها كالنجوم المتلألئة بفصل الربيع، لتتحدث بنبرة متقطعة سريعا: -مش مهم، مش مهم أي حاجة، المهم انك موجود صح. مررت أناملها على وجهه.
-إنت حقيقة صح حبيبي، أنا مبحلمش. رد عليا حبيبي ساكت ليه
تعثرت نبضاته من حالتها، فاقترب منها يجذبها بقوة لأحضانه يعتصرها ليذيب عظامها.
شهقة من بين شفتيها مع ارتجاف جسدها. عندما تأكدت من وجوده
لفت ذراعيها على جسده لتتأكد للمرة الألف أنه حقيقة وليس حلم رفعت رأسها تطالعه وانسابت عبراتها بقوة دون توقف فانعقد لسانها وهي تتلمس وجهه، و ابتسامة مع بكاؤها وهي تصرخ بضمه مرة أخرى تهتف اسمه بلوعة واشتياق.
استمعت الى طرقات إلى باب غرفتها. وصوت جواد بالخارج
-حبيبتي افتحي الباب عايز اتكلم معاكي
انحنى يطبع قبلة على شفتيها وهمس إليها: -هرجع لك تاني، قالها وارتدى نظارته وخرج مثلما دخل. هرولت خلفه تصرخ باسمه.
دفع جواد الباب بقدمه بقوة إلى أن انفتح على مصراعيه ينظر إليها بلهفة بعد صراخها: -جنى! توقفت بالشرفة تصرخ باسمه. تحرك إليها عز سريعا الذي ترجل من سيارته وهرول للأعلى عندما وجدها تصعد فوق السور.
تلقفها جواد بقوة. بدخول عز
وهي تشير إلى الخارج وتمتم بكلمات غير مفهومة سوى اسمه الذي اخترق قلب جواد قبل اذنه عندما دلف مذعورا من صرخاتها. ليجدها بأحضان جواد حازم وهي تلكمه بقوة وتصرخ به
-سبني عايزة اروح لجوزي. حيوان. دفعته بقوة مع اختطاف سلاحه من خصره
-ابعد لو قربت هموتك. اقترب عز يشير بيديه
-جنى اهدي حبيبتي. ارمي المسدس
-صرخت بقوة. ودوني لجاسر، مش عايزة اقعد هنا.
هوى جواد على المقعد بعدما خانته ساقيه وانسابت عبراته. جن جنون عز بسبب شحوب وجه عمه، فحاول الاقتراب وهو ينظر لجواد حازم
-ابعد ياجواد. جنى هتديني المسدس. استنى ياعز، اقترب جواد قائلا
-جنى المسدس ابعدي المسدس، دا جاهز على الضرب، حبيبتي ارمي المسدس
ضغطت على زناده وهتفت مزمجرة بغضب ناري خرج من عيناها قبل شفتيها
-حيوان قولت لك قبل كدا انا مش حبيبة حد غير جاسر.
صدمة شلت أجساد الجميع عندما اخترقت طلقتها صدر جواد ليهوى على الأرض غريقا بدمائه
صرخ عز يخطف السلاح من ايديها. امسك جواد كفيه
-اهدى ياعز خوفتها. أنا كويس. قالها ثم غاب عن الوعي
تراجعت تنظر لكفيها برعب مع ارتجاف جسدها بالكامل إلى أن شعرت بغمامة سوداء لتسقط مغشيًا عليها.
بعد شهر ساءت حالتها وخاصة بعد إصابة جواد حازم. وصل جواد إلى منزل صهيب، ولج للداخل وجدها تجلس بشرود كعادتها. أطبق على جفنيه متألمًا على حالتها، رغم مرور ذاك الوقت إلا أنها مازالت تعتقد بوجوده. اتجه وجلس بجوارها يمسد على خصلاتها، ثم جذب رأسها يضمها لأحضانه: -عاملة إيه ياحبيبة عمك. ظلت كما هي كأنها لم تراه ولا تسمع مايقوله.
رفع ذقنها ينظر لمقلتيها: -جنى أنتِ عارفة عمك بيحبك قد إيه صح، انهمرت عبراتها تهز رأسها دون حديث
-لازم تروحي مع بابا للدكتور حبيبتي وتحكي له كل حاجة بتحسي بيها، وايه اللي بيحصل معاكي. ارتجفت شفتيها قائلة: -جاسر عايش ياعمو أنا شفته وهو كلمني، انا مش مجنونة والله جاسر عايش
طبع قبلة على مقدمة رأسها وانبثقت عبرة رغما عنه واستجمع شتات نفسه: -حبيبتي جاسر عند اللي خلقه ينفع نعترض على قدر ربنا.
نزعت نفسها تبكي بصوت مرتفع تشير لقلبها: -وأنا بقولك حبيبي عايش ياعمو، والله جوزي عايش وكلمني، انا مش مجنونة، انتوا ليه مش بتصدقوا إن جوزي عايش ياعمو، ابنك عايش والله عايش، وهيرجع والله هيرجع مش هيتأخر، اكيد فيه اللي مانعه. قالتها وهي تجلس تحتضن نفسها
-تعالى ياجاسر عرفهم اني مش مجنونة، جنى هانت عليك ياجاسر ليه تعمل فيا كدا.
بكى صهيب بالخارج على حديث ابنته. دقائق وولج الطبيب بجوار صهيب وبعد الكشف أشار لهما
-هحجزها ومتخافوش عليها إن شاءالله تتحسن
نظرت لوالدها بصدمة: -عايز توديني مستشفى المجانين يابابا، اتجهت لجواد الذي هرب بأنظاره
-لدرجة دي ياعمو شايفني مجنونة، ابنك عايش، انا عايشة يبقى هو عايش. صرخت متراجعة تهز رأسها: -أنا جوزي عايش مش مجنونة، صاحت باسمه ولكنها غابت عن الوعي عندما ضمها جواد لأحضانه وحقن الطبيب.
ليتني أمتلك تلك العصا السحرية، لكي أحقق الاماني المركونة خلف جدار صمتك.
لكنت جئت إليك بألوان السعادة من كل بلد حفنة. قام بتدوينها وقام بإرسالها
فتحت الفون بعدما استمعت لتلك الرسالة. أطبقت على جفنيها وهي تقرأ كلماته
-ثم ذهبت بنومٍ عميق
بعد عدة أيام.
تدهورت حالتها وانقطعت عن الحديث والطعام، فتح باب غرفتها بالمشفى ودلف إليها، كانت تحتضن نفسها كالطفل ونظراتها تائه كالذي لا يشعر بشيئا، حملها بهدوء، حاوطت عنقه ووضعت رأسها بعنقه تبكي بشهقات مرتفعة
-اتأخرت ليه. ضمها بقوة يطالع الذي يراقب المكان.
-المهم اني جيت. دفنت نفسها بداخل أحضانه.
-خدني من هنا! ابتسم على طفولتها ثم تحرك وخرج من الباب الخلفي للمشفى، تحركت السيارة سريعا لوجهتها، كان يضمها بقوة كأنها ستهرب منه، نظر لنومها بسبب الأدوية وطبع قبلة على جبينها ثم اتجه بنظره ليحيي
-يحيى وديني المكان اللي قولتلك عليه، وارجع انت علشان محدش ياخد باله، واعمل زي ما قولتلك
ثم رجع بنظراته لتلك التي تبتسم بنومها تهمس اسمه، رفع كفها يقبل باطنه.
-آسف ياعمري. اسف. قالها وهو يضمها كالأم التي تحتضن طفلها حتى وصل لمكانه المنشود. توقفت السيارة. ليترجل منها بهدوء ملتفتا حوله، ثم حملها ليتحرك إلا أن أوقفه ذاك الصوت الذي صاح باسمه
جاسر. جعل جسده يرتجف، وعيناه على زوجته المبتسمة بأحضانه.
↚
بعد عدة أيام
تدهورت حالتها وانقطعت عن الحديث والطعام، فتح باب غرفتها بالمشفى ودلف إليها، كانت تحتضن نفسها كالطفل ونظراتها تائهة كالذي لا يشعر بشيئا، حملها بهدوء، حاوطت عنقه ووضعت رأسها بعنقه تبكي بشهقات مرتفعة
-اتأخرت ليه. ضمها بقوة يطالع الذي يراقب المكان.
-المهم اني جيت. دفنت نفسها بداخل أحضانه.
-خدني من هنا! ابتسم على طفولتها ثم تحرك وخرج من الباب الخلفي للمشفى، تحركت السيارة سريعا لوجهتها، كان يضمها بقوة كأنها ستهرب منه، نظر لنومها بسبب الأدوية وطبع قبلة على جبينها ثم اتجه بنظره ليحيي
-يحيى وديني المكان اللي قولتلك عليه، وارجع انت علشان محدش ياخد باله، واعمل زي ما قولتلك
ثم رجع بنظراته لتلك التي تبتسم بنومها تهمس اسمه، رفع كفها يقبل باطنه.
-آسف ياعمري. اسف. قالها وهو يضمها كالأم التي تحتضن طفلها حتى وصل لمكانه المنشود. توقفت السيارة. ليترجل منها بهدوء ملتفتا حوله، ثم حملها ليتحرك إلا أن أوقفه ذاك الصوت الذي صاح باسمه
جاسر. جعل جسده يرتجف، وعيناه على زوجته المبتسمة بأحضانه
توقف مستديرًا ينظر إليه. ارتسمت ابتسامة عريضة على محياه.
-هدخل جنى علشان نايمة. اومأ له متفهمًا، ثم تحرك للداخل، وضعها على الفراش بهدوء كأنها أغلى الجواهر الثمينة، ثم قبّل رأسها هامسًا
-حبيبي بابا برة هشوفه وهرجعلك. ابتسامة بنومها وكأنها تستمع إليه وتشعر به، لا يعلم أنه يراودها أحلامها ككل ليلة منذ اختفائه
تحرك للخارج ونظراته عليها إلى أن خرج للخارج.
اتجه إلى والده يلقي نفسه بأحضانه. احتضتنه يربت على كتفه
-عامل ايه ياحبيبي.؟ نظر لوالده يتفحصه بعيناه ثم اجابه بأعين حزينة: -حضرتك اللي عامل ايه يابابا. وماما اخبارها ايه! قاطعه جواد حازم
-إنت عايش!
ابتسم يجذبه لأحضانه
-لا انا عفريته. لحظات وهو متيبس بوقوفه حتى لم يبادله عناقه سوى بعدما ربت جاسر على ظهره
-وحشتني ياحلوف.
لونت الصدمة معالم ملامحه يستعيد ذكرياته على مشهد ضربه بالرصاص، ومشهد خروج جثمانه. تراجع يهز رأسه غير مستوعب مايحدث، تمتم كالمعتوه وهو ينظر إلى خاله
-ازاي، اومال مين اللي اندفن، يعني. لا طيب سنة كنت فين
اقترب جاسر منه
-جواد ممكن تهدى وأنا افهمك على كل حاجة
-تفهمني! استدار إلى خاله متسائلا بصدمة: -طيب لما هو عايش ليه قولت لي اتجوز جنى.
تجمدت الدماء بأوردة جاسر، التفت إلى والده سريعًا وكأن أحدهم طعنه بخنجر بارد. ابتلع جواد ريقه من نظرات ابنه فحاول تغيير الحديث
-جواد اسمع جاسر علشان تعرف هتعمل ايه، انا عايزك تفهم منه كل حاجة علشان تعرفوا انتوا الاتنين هتعملوا ايه
اقترب جاسر منه وتحدث بنبرة متألمة.
-جواد أنا مكنتش اعرف انا مين، كنت فاقد الذاكرة، لسة عارف بس من قريب، اول حاجة عملتها كلمت بابا وطلبت منه اقابلك مفيش حد اثق فيه غيرك. ايه لسة مش مصدق
ظل يدقق النظر به لفترة
-يعني إنت كنت ميت ولا عايش عايز افهم
لكزه جاسر: متفهم يابغل ميت ازاي وانا قدامك اهو. ايه كنت عايزني اموت حق وحقيقي، طيب انا قاعد على قلبك ومش هموت لما اموتك معايا
هنا انسابت عبراته رغم عنه يضمه بقوة يصرخ بصوتًا مرتفع.
-والله انت صح، ايوة طولة لسانك. دا انا دموعي نشفت عليك يابغل
قهقه جاسر وهو يداعبه برأسه. ظل الاثنين بحالة من المزاح.
بالخارج جلس جواد ينظر لتلك المزارع حوله. توقف جواد حازم خلفه
-إزاي جاسر طلع عايش، وحضرتك عرفت إمتى
أشار له بالجلوس. ثم جلس على تلك الطاولة الخشبية يدقق النظر بجواد
مردفًا: -تفتكر لو كنت اعرف كنت عيشت الألم دا كله.
-يعني ايه.؟
. تنهيدة عميقة وشعور بالراحة رغم الحزن والألم الذي أحرق قلبه.
-عرفت بعد ماجنى ضربتك بالرصاص
ذهب بذاكرته لذاك اليوم
فلاش باك قبل شهرين من آلان
تحرك جواد إلى منزل صهيب كعادته. دلف إليه
-مساء الخير يا صهيب. ابتسم يشير إليه قائلًا: -تعالى عايز اتكلم معاك. أردف بها صهيب بلسان ثقيل بسبب تعبه
تحرك جواد مستندًا على عصاه ثم جلس بمقابلته: -عامل ايه دلوقتي. قالها جواد وهو ينظر لكفيه الذي بدأ يحركه بتثاقل.
نظر لكفيه وأجابه: -كويس الحمد لله ايدي بدأت تتحرك. ربت على كفيه الموضوع على الطاولة
-إن شاءالله ترجع زي الأول ياصهيب
-جواد! رفع نظره ينتظر حديثه فتابع صهيب قائلًا: - جنى. ضيق عيناه متسائلًا: -مالها جنى ياصهيب
-تاخدها للدكتور نفسي، يوم عن يوم بتسوء حالتها، انا خايف تضر نفسها.
شعر جواد بقبضة تعتصر صدره فابتعد بنظره بعيدًا عن أخيه: -مقدرش ياصهيب، مقدرش اتحمل فكرة أنها توصل لمستشفى الأمراض العقلية. سبها شوية متنساش جاسر كان بالنسبالها ايه وطبيعي أنها تقعد فترة لحد ما تستوعب
هز رأسه وانسابت عبراته مردفًا: -جواد من يومين كانت عايزة تموت كنان وبتقول هو السبب، يعني ممكن تضر ابنها، خايف على الولد وخايف لتسوء حالتها، هي بتحبك وهتسمع كلامك.
أطبق على جفنيه متألمًا على ماتشعر به قائلًا: -هحاول ياصهيب اشوفلها دكتور كويس.
مساء اليوم التالي بتمام الحادية عشر
كان جالسًا بحديقة منزله بعد حديثه مع باسم بتقديم استقالته، شعر بأقدام أحدهما خلفه. رفع عيناه وجده خاله
فنهض يقف أمامه: -اهلًا ياخالو، حضرتك محتاج حاجة
أشار جواد إلى تلك الطاولة الدائرية التي توضع بمنتصف الحديقة، ثم أشار له بالتحرك إليها.
جلس لبعض اللحظات بصمت، إلى أن اقتطعه جواد متسائلا: -ليه عايز تستقيل، خايف لتموت زي جاسر
هز رأسه بالنفي سريعًا وأجابه: -مبقاش ليا نفس، ماليش نفس ياخالو اكمل من غير جاسر الله يرحمه، مش هقدر صدقني مش هقدر
ربت على كتفه: -حبيبي كلنا معرضين للخسارة، انا اكتر من تلاتين سنة خسرت جاسر الحسيني ودا كان بالنسبالي نصي التاني. ابتسامة حزينة ينظر إلى جواد.
-هتصدقني لو قولت لك كنت بشوف فيك انت وجاسر شبابي، كان نفس العلاقة ويمكن اكتر، مهما تقول على اللي بينكم بس مكنتوش زينا. استأنف بصوتًا متحشرج عندما تذكر وكأن الأحداث كانت بالأمس قائلًا: -نفس السن حبيبي، استشهد بنفس السن، كأن القدر بيعيد نفسه وعلى رأي غزل كأن اسم جاسر مالوش الحياة
-خالو آسف. أزال دمعته الغادرة التي انبثقت من جفنيه. ثم أشار بكفيه ينظر إلى جواد.
-بدول دفنته تحت التراب، وبعد سنين يتكرر المشهد بس المرة دي ضهري اتكسر ياجواد، اتمنيت في المرتين أكون أنا اللي اندفن مكانهم، بس المرة الأخيرة كانت اصعب وأمر من اي حاجة. مهما اقولك مش هتحس بوجع خالك ازاي
انسابت دموع جواد حازم يبتعد بنظره عن خاله ثم تحدث بشهقات: -والله ياخالو حاولت انقذه، بس مالحقتش والله مالحقت ولو بأيدي اموت مكانه مكنتش هتأخر.
ضم رأسه وثقلت أنفاسه ليصمت للحظات وكأن لسانه عجز عن الحديث، سحب نفسًا ليعيد توازنه، ثم أردف بهدوئه المعتاد
-متبقاش اهبل يالا. انت ابني وهو ابني بس الفرق بينكم الكنية مش اكتر، تفتكر هتكون أقل وجع يابن حازم، ليه ابوك ليه فيك اكتر مني، نسيت مين اللي مربيك يابغل
امسك كف جواد وقبله: -ربنا مايحرمنا منك ياحبيبي ودايما فوق راسنا لحد ماتربي ولادنا.
ربت على كتفه بحنان وهنا تذكر كنان، حدج جواد بنظرة ثم أردف: -تفتكر جنى هتقدر تربي كنان لوحدها دلوقتي ياجواد. ضيق جواد عيناه
-وحضرتك هتروح فين، اكيد هتربيه زي ماربيتنا. ابتعد ببصره واستأنف ماشق قلبه رغمًا عنه
-وأنا مش ضامن عمري، ولا بقى ليا حيل يابني
-بعد الشر عنك حبيبي ربنا يبارك لنا في عمرك.
تزآر الوجع بداخله حتى شعر وكأن جبلًا ثقيلًا فوق صدره، ليردف بتقطع كالطفل الذي يتعلم النطق:
-جواد عايزك بعد سنوية جاسر تكتب على جنى، مش هلاقي حد هياحفظ على ابن جاسر ومراته غيرك
هب من مكانه كالملسوع يهز رأسه بعنف ودقات عنيفة كادت أن تصيب قلبه بالتوقف. وكأن كلماته سقط على أذنيه كالصاعقة التي تصيب الصمم، فاردف مستنكرًا:.
-مستحيل، مستحيل ياخالو مع احترامي لحضرتك، جنى لو اخر ست في الدنيا مستحيل اقرب منها، مستعد اكون الاخ اللي يساندها طول حياتها، لكن اتجوزها واخد مكان جاسر، يبقى موتني الأول
امسك كفيه يجذبه بقوة ليجلس على المقعد وهتف دون جدال. وطالعه بكم الآلام التي شقت صدره وامطرت شلال من أنهار الحزن ليتجمع بمقلتيه.
-على عيني اطلب منك دا، انا بطلبه وكأن سكين على رقبتي يابني، بقولك خد روحي ياجواد، تفتكر أنا وغزل هنكون عاملين ازاي واحنا بنطلب منك تتجوز حبيبة جاسر. ربت على كتف جواد واستأنف
-ساعات الواحد بيعمل حاجات مضطر أنه يعملها زي مابنقول الضرورة تبيح المحظورات
هز رأسه وغزت عيناه بحور من الدموع تنساب على وجنتيه ليهتف بألم روحه.
-آسف ياخالو. لو طلبت روحي مش هتأخر، اعذرني مستحيل اقدر اخد حاجة كان بيعتبرها حياته، انا هنا هكون اللي موته بجد. سامحنى
كفكف جواد دموعه واحتضن وجنتيه
يهز محاولا السيطرة على دموعه حتى لا يضعف أمامه
-جواد عايز أقولك سر بس اوعدني تحافظ عليه
اومأ بعيناه الباكية منتظر حديثه
-خالك قلبه مبقاش متحمل، الشريان التاجي محتاج عملية، والعملية خطيرة، يعني ممكن في أي وقت مكنش موجود بينكم، والمرض مالوش علاج.
جحظت أعين جواد حازم مرددًا
- شريان تاجي ياخالو. لم يرد على حديثه ولكنه تابع قائلًا:
-جواد أنا مقدرش اثق في حد غيرك، مستحيل اترك ابن ابني لحد غريب، ومستحيل اظلم جنى وامشي ورا هواها، البنت لسة صغيرة
-خالو اسكت لو سمحت. آسف كلامك بيوجع، مستحيل اعملها لو هتقتلني
نظر بقوة لعيناه واستأنف قائلا حتى لا يتحدث معه مرة أخرى: -اسمعني ياخالو انا خلاص لقيت البنت اللي هتشاركني حياتي ومستحيل أتنازل عن قلبي المرة دي.
توقف جواد يتسند على عكازه ثم أردف: -اسمعني يابن حازم علشان مش هعيد كلامي تاني.
-أنا مش عارف هعيش بكرة أو لا، أو ممكن منكملش كلامنا، بس اعرف انا وصيتك من دلوقتي على مرات اخوك وابنه، وانا دلوقتي هروح لجنى ولو جنى بعد سنوية جوزها وافقت انت هتوافق، توقف عن الكلام يحدجه بنظرة صارمة وأكمل حديثه: -لو ينفع حد من ولادي مكنتش جتلك. قالها وانسحب متجها إلى منزل صهيب. بعد قليل صعد إلى غرفتها دلف بعدما طرق الباب لعدة مرات دون رد. دخل وجدها تجلس بالشرفة تحتضن ركبتيها و تضع رأسها عليها. تحرك بخطوات بطيئة إلى أن توقف ينظر إليها بأسى، فلم تشعر بدخوله.
- جنى قالها بصوت خافت، رفعت عيناها تطالعه بصمت. جلس بمقابلتها يطالعها لبعض الوقت، قطع صمتهم حديثها وهي تنظر إلى الخارج
-وحشني قوي ياعمو، وحشني لدرجة مش قادرة اتنفس في الدنيا دي من غيره. رفع كفيه يمسد على خصلاتها
-حبيبة عمو لازم تفوقي يابنتي هتفضلي لحد إمتى كدا. الاسبوع الجاي هتكون سنويته، يرضيكي الناس تقول عليكي اتجننتي
اعتدلت تنظر إلى عمها بنظرات متألمة تهتف ببعض الحدة:.
-خليهم يقولوا اللي يقولوه، انا اللي يهمني دلوقتي اني اشوفه وبس
-جنى وبعد هالك، شايفة عمك متحمل كفاية يابنتي عليا كدا، لازم تقوي وتفوقي علشان ابنك، ابنك محتاجك
--ابني محتاج أبوه اكتر مني
احتضن كفيها وطبع قبلة عليه ثم رفع كفيه على خصلاتها
-بتحبي عمك ياجنى، وهتسمعي وتنفذي اللي أقوله. وقبل ماتردي عليا اعرفي انا بعمل كدا علشان كنان، ودا على قلبي ياحبيبة الغالي.
ابتسامة ساخرة خرجت من عيونها قبل شفتيها حينما ارتابت من حديثه، لا تعلم عن أي شيئا سيحدثها، ولكن شعرت بإنتفاضة قلبها فأردفت بقوة وهي تنظر بمقلتيه دون أن يرف لها جفن.
-بس بحب جاسر اكتر من أي حاجة ياعمو، ومستحيل حد يقدر يجبرني على حاجة متعلقة بيه، وقبل ماتحكم بأي كلام. جوزي وحبيبي سواء عايش أو لا جاسر وهفضل كدا طول حياتي. قالتها والتفتت تنظر مرة أخرى للخارج وكأن لم يوجد احد معها بالغرفة. إلى أن سمعت حديثه: -وهو روحي اللي اتسحبت مني، هو نبض قلبي اللي وقف من يوم ماشفتهم بيدفنوه، هو قوتي اللي ضعفت ومبقاش ليا حيل من بعضه، هو ضهري اللي انكسر ياجنى، ابني البكري اول فرحة عمري، اول كلمة بابا منه، اول ضحكة ملكتني الدنيا، اول فرحة نستني أحزاني واحزان امه، عوضنا على اللي خسرناه زمان.
استدارت إليه اقتربت بجسدها تتأمل ملامحه وابتسامة حزينة على وجهها وهي تطالعه
- وأول واخر حبيب ليا ياعمو، هو روحي وحياتي وكل حاجة حلوة ومرة، هو الحياة وهو الموت نفسه، وجوده حياة وبعده موت
ضمها لأحضانه وهنا انهارت دموعها لتنساب على وجنتيه
-طيب ريحي عمك وقوليلي ازاي ارتاح وانا شايفك كدا
خرجت من أحضانه ورسمت ابتسامة: -أنا كويسة والله كويسة ياعمو، ممكن تقول مجنونة، بس عندي احساس أنه عايش معرفش ليه.
عارف ياعمو جاسر شبهك قوي، لا مش شبهك بس كل حاجة وخدها منك مفيش بس غير عيونه، سحبت بصرها تنظر للخارج وتنهيدة عميقة بكم آلام قلبها
-كنت بغير عليه من واحنا صغيرين اخويا بقى ومبحبش حد من البنات تتكلم عليه، وكل خناقتنا أنه ميجيش عندي الكلاس، وخناقة ورا خناقة لحد مافي مرة علشان اعانده وقفت اتكلم مع شاب واضحك، عايزة اقهره وبس زي ماهو بيقهرني ويجي يقعد يضحك مع صحباتي الفرحانين بعيونه.
انسابت عبراتها كنجوم متلألئة من شدة حزنها وتابعت حديثها بألم شق صدر جواد: - أول مرة يتعصب عليا وقتها، يومها قالي كلام كتير يوجع، ومش بس كدا خاصمني اسبوع كامل، وكنت هموت من خصامه، وعايزاه يكلمني بأي طريقة، بس هو عاند رغم تدخل عز وجواد بينا. مسحت دموعها وكأن ذكرياتها بالأمس
-مثلت اني عيانة ماهو مكنش قدامي حل، مجرد ماعرف بس كان فوق دماغي، تذكرت حديث والدتها ترفع أكتافها للأعلى والأسفل دليل على آلامها.
-أكيد ماما فاكرة ماهي زعلت وقالت الكذاب بيروح النار وإياكي تكذبي بعد كدا، طيب اعمل ايه كان لازم الصالحه. أطبقت على جفنيه وعذاب قلبها يهاجمها مستأنفة معاناتها: -لو كنت أعرف أن دا عشقي له كنت أنا اللي رحت وقولت له بحبك، مكنتش ضيعت دقيقة واحدة، بس أنا هبلة هبلة قوي ياعمو، هبلة لدرجة رحت أقوله جايبالك عروسة. وهو يهزر ويقولي تعالي نحط زيتنا في دقيقنا ونولع في حي الألفي.
ضربت على قلبها وتابعت بقهر: -وأنا الهبلة أقوله لا. رغم دا كان بينتفض جوايا من لمسة أيده من كلمة يقولها، وبرضو جنى الهبلة مش عايزة تعرف أن دا حبيبها اللي بدور عليه بين الكل، ليل نهار قدام عيوني، وانا الهبلة اللي بقنع نفسي أنه زيه زي عز، لحد ماجه ووقف قدامي وقالي بحب واحدة وهتجوزها.
اتجهت مرة أخرى تنظر إلى جواد بدخول صهيب ونهى وهزت رأسها بنبرة متقطعة: -وقتها بس حسيت قلبي بيولع، حسيت عايزة اضربه واقوله لا أنا مش موافقة، مش موافقة واحدة تاخدك مني، همست ببكاء: -بس مقدرتش للمرة المليون استهبل واعدي الموضوع واقوله مبروك.
بأنفاسًا بدأت بالتسارع وبكاء يتزايد.
- وقفت وباركتله، دوست على قلبي وعليه ووقفت ضحكت وقولت له مبروك، كل يوم اموت عن اليوم اللي قبله وأنا شايفة حبيبي ملك لواحدة تانية، مت والله ياعمو ومبقتش عايزة الحياة دي
سابني ومشي، هيعمل ايه وهو شايفني في حضن راجل تاني. استندت على الطاولة واقتربت تنظر داخل مقلتيه
-راجل لعب بمشاعري في عز ماانا مش عارفة مشاعري لمين. هزت رأسها بعجز من توقف دموعها.
-أيوة عارفة انا استاهل، بس مكنتش استاهل اتوجع كدا، مكنتش استاهل اشوف حبيبي في حضن واحدة تانية. آآه، ياوجع قلبي جاسر سابني وراح يقضي شهر عسله، كفاية ياجنى لسة عايزة ايه من الدنيا هتتحملي. هتتحملي لما يرجع ويبقى قدامك مع مراته، هتتحملي يقعد جنبك ويهزر معاكي زي الأول وأنتِ لسة شايفة أنه اخوكي وقلبك جواكي بيقولك دا حبيبك إنتِ، وشوفي واستحملي المشاهد دي. شهقة خرجت من جوفها الذي أصبح كالجمرة، -لازم اتعاقب واتعاقبت، لكن العقاب هنا كان كبير وصعب لدرجة اتمنيت اموت ولا اتعذب كدا.
تقاذف الدمع من عيونها كزخات المطر التي تتساقط بالشتاء تهمس وهي تشير إلى قلبها
-قلبي وجعني قوي، ومبقتش قادرة اتحمل وجعه. وضعت رأسها على ركبتيها تنظر للخارج وتابعت حديثها الذي انزف قلوبهم: -والله لو الانتحار مش حرام كنت قتلت نفسي ارحم من العذاب دا، الحب عذابه وحش قوي ياعمو، والأوحش والأعذب إن حبيبك يكون قدامك وملك حد تاني.
آه خفيضة ورغم انخفاضها إلا أنها تحمل كم آهات العالم أجمع. اصريت ابكي على اطلال ذكرياتي معه. لحد مااتعودت واتعايشت مع الألم. ومرت الايام وجنى ووجع قلبها اتصاحبوا مع بعض.
لحد ماجيه من شهر العسل وأول حاجة عملها جالي يسأل عليا. أطبقت على جفنيها وكأن قلبها ينزف بألمًا كاد أن يزهق روحها: - ضمني وقالي مالك ياقلبي ليه كل مااتصل مابترديش عليا، حسيت بدقات قلبه لأول مرة احساس غريب عن كل مرة، لأول مرة اشعر بدقاته، معرفش يمكن كانت كدا من الأول بس أنا اللي كنت اغبى واحدة في العالم، لأول مرة أحس بشعور غريب، وقتها بس دعيت ربنا مايحرمنيش من قربه حتى لو هفضل كدا طول حياتي، المهم يكون هو سعيد، مش هقدر ابعد عنه، مستعدة أضحي بنفسي المهم اكون قريبة منه، كفاية عليا صباح الخير بتاعته، كفاية فنجان القهوة اللي بيطلبه مني. دا كان كفاية عندي والله ياعمو، ورضيت بكدا، حتى لما وافقت على يعقوب اتفقت معاه لو وصل بينا الجواز هيكون جوازنا صوري، انا مستحيل اكون لحد غيره، اتحملت فيروز وعمايلها، دوست على كرامتي علشانه هو وبس، مكنش قدامي غير إن ادعي ربنا يريح قلبي، عايزة قلبي يرتاح وبس سواء ببعده أو بقربه، وربنا كان رحيم بيا قوي ياعمو. واتجوزنا ورغم اللي حصل بينا بس كانت اجمل سنتين في حياتي كلها، كل لحظة كانت عندي بسنين عدت عليا معشتش جمالها، جاي بعد دا كله تقولي انسيه وابدأي حياة جديدة علشان ابنك.
حديث مؤلم خرج من بين ثنايا قلبها وهي تحتضن كفيه تنظر لمقلتيه الدامعة: وعدته قبل كدا مستحيل أكون لغيره، وأنا دلوقتي بوعدك لو هفضل طول حياتي كدا انا راضية اعيش على ذكرياته، ذكرياته مش قليلة ياعمو علشان انساها، ورغم كدا بقولك احساسي بيقولي هو عايش، معرفش تقول مجنونة ولا مش مجنونة بس حاسة أنه حواليا. اتجهت بأنظارها إلى ذاك الصندوق واشارت بعينها:.
-جاسر عايش وهو اللي بعت الورد دا، انا ريحة جوزي مستحيل انساها لو بعد مليون سنة وبكرة أكدلك كلامي
ضم صهيب أكتافها ثم طبع قبلة على رأسها: -طيب حبيبتي انا عايز ارتاح، وزي ماعمك قالك، بتقولي هتعيشي على ذكريات جوزك، طيب ابنك ليه تحرميه من كلمة بابا. قاطعهم دخول عز يجاوره رُبى. استدارت للخارج.
--ابني مالوش غير أب واحد يابابا، لو له نصيب يبقى الحمد لله، أما بقى لو مالوش يبقى نصيبه كدا، وياما اطفال عاشوا كدا.
جلس عز بجوارها من الجانب الآخر ثم جذبها لأحضانه: - وأنا اوعدك ياحبيبة اخوكي هكون له الأب اللي اتحرم منه، ومستحيل اغصبك على حاجة
رفعت رأسها إلى أخيها
-محدش يقدر يغصبني على حاجة ياعز، انا هعيش لابني وبس على أمل يرجع. ماهو لازم يرجع.
-جنى لو بتحبي ابوكي لازم توافقي على كلام عمك حبيبتي، متسمعيش كلام عز، لازم تقتنعي إن جوزك مش هيرجع. نهضت من مكانها وهتفت دون جدال:.
ياريت علشان أفضل قاعدة بشوية العقل اللي لسة معايا تنسى أي كلمة من اللي حضرتك قولتها، حتى لو كلامكم صح، أنا بعد جاسر يحرم عليا السعادة أو اكون ملك لراجل تاني حتى لو الراجل دا مالك العالم كله. قالتها ونهضت من مكانها متوقفة ثم استطردت بنبرة كادت أن تحرق روحها: -جاسر عايش سواء رضيتم بدا أو لا بس هو عايش.
عند جاسر.
اغلق باب غرفته فمنذ حديث سمر وألمًا برأسه كاد أن يفتك برأسه، اتجه الى الاوراق التي تثبت اسم غريب
امسكها لعدة دقائق يفحصها ولكنه لم يتوصل لشيئا. كور قبضته ونهض يدور بالمكان كالمجنون
-أنا ظابط، ازاي، بدأ يضرب على رأسه بقوة مما ازداد الألم. دقائق واستمع الى طرقات على باب الغرفة، جمع أشيائه ثم أذن بالدخول
دلفت سمرة تتحرك بخيلاء انثى مغوية، إلى أن وصلت تضع أمامه الطعام.
-ليه منزلتش تتغدى معانا ياغريب. أطبق على جفنيه عندما تداهمته آلام تفتك به فتراجع بجسده فوق الفراش
-عندي صداع وعايز انام. أمسكت تلك الحبوب تشير إليه
-اه نسيت تاخد علاجك. تناول منها قرص الدواء يطالعه بصمت ثم تسائل
-هي الحبوب دي بتاعة ايه. فركت كفيها تهرب من سؤاله لبعض اللحظات ثم لوحت بيدها متصنعة المزاح.
-هتهزر ولا ايه، انت ناسي الدكتور قال لازم تاخده لمدة سنة، توقفت متجهة إليه حتى تشغله، جلست بالقرب منه ثم انحنت بجسدها الذي يكشف امام بأغراء وهمست بغنج أنثوي
- غريب وحشتني قوي، انا اتكلمت مع بابا وطلبت منه نعمل فرحنا اخر الشهر ايه رأيك اوعى ترفض
تراجع يستند على الفراش وجذب سجائره يشير إليها بالخروج
-سمرة خدي الاكل واطلعي عايز انام لو ينفع تأجلي أي كلام دولوقتي.
لفت ذراعيها حول عنقه ودنت من شفتيه المطلية بالأحمر الناري
-بقولك وحشتني تقولي اطلعي برة. دفع عزيز الباب ودلف ينظر إليهم بجسد منصهر بعدما وجد تقاربهم، فهدر غاضبًا
-اطلعي برة عايز اتكلم معاه في شغل
زفرت تطالعه بحدة واردفت
-بعدين هو تعبان هياكل وينام
-سمارة. صرخ بها. حدجه جاسر بنظرة رتيبة يرسم ملامحه بمخليته، بدأت الشكوك تنخر عظامه يحدث حاله.
-أيعقل أنه وقع اسيرًا بين تلك العصابة، كيف. اسئلة بدأت تصفع عقله إلى أن نهض من مكانه يشير إلى سمرة
-سمارة انا كويس هنتكلم في الشغل شوية وبعد كدا هطلع لك
ابتسمت ثم وضعت دوائه امامه: متنساش تاخد علاجك علشان الصداع ميزدش
رسم ابتسامة وهز رأسه دون حديث.
كان عزيز يثور داخله كالبركان يريد أن ينفجر بهما. تحركت للخارج وعيناه تأكلها كالاسد المفترس الذي يريد الانقضاض عليها. استدار إلى جاسر يرمقه بنظرة نارية واردف دون وعي من شدة غضبه: -بلاش تتلزق في البت وبلاش تقفلوا الباب عليكو
ضيق عيناه متسائلًا: -وانت مضايق ليه، مش خطبتي اتلزق ولا متلزقش حاجة تخصنا وحدنا.
هب من مكانه ولم يسيطر على غضبه واطبق على عنقه: -اسمعني يالا انا متحملك غصب عني، لكن هتقرب من سمارة هدفنك مكانك
ولج هادي إلى الغرفة سريعا بعدما استمع الى كلمات عزيز. اقترب يدفعه بعيدًا عن جاسر الذي كاد أن تزهق روحه بسبب انقضاض عزيز عليه، دفعه بعيدًا
-اتجننت. شيعه بنظرة تحذيرية قائلًا: -اسمعني كويس واياك تتمادى مع غريب، دفعه بقوة للخارج ثم استدار إلى جاسر.
-متزعلش منه هو لما يتعصب مابيشوفش قدامه، قالها وجذب عزيز للخارج، دفعه بقوة داخل غرفته
-إنت اتجننت ايه اللي بتعمله دا يامتخلف
ثار ضجيج عزيز وبدأ يحطم كل ما يقابله
-الواد دا لازم اقتله، أنا مبقتش مستحمله
ارجع الجيار خصلاته بغضب كاد أن يقتلعها من شدة غضبه.
-أيوة موته، ونقعد نشحت بعد كدا، اسمعني ياعزيز الواد متجيش جنبه لحد مانستلم الشحنة وبعدها يبقى ادفنه، انا مش هفضل عايش هنا كتير، لازم نخرج خارج مصر ياغبي ودا مخرجنا الوحيد
كان واقفًا بالخارج يتنصت عليهما بعدما تسلل خلفهما.
ظل لفترة يستمع إلى حديثهما بذهول ثم خرج خارج المنزل يتخبط بسيره ويردد بينه وبين نفسه: -يعني انا فعلا مش غريب. ظل يتحرك بين الأراضي وهناك عيونا تراقبه حتى هوى على الأرض يحتضن رأسه من شدة آلامه فمنذ اسبوعين لم يتناول علاجه الذي يحتوي على مادة كبيرة من المخدر التي تساعد على تلف أنسجة المخ. اشتد الألم مما جعل دمعة من عيناه تنبثق رغمًا عنه. رفع عيناه المغروقتين بالدموع بعدما استمع الى حديثها.
-مالك تعبان؟
ظل يطالعها لدقائق معدودة ثم تسائل بلسان ثقيل: -عايز اعرف ايه اللي حصل وليه انا هنا، وازاي اهلي مدوروش عليا.
جلست بجواره ثم وضعت كفيها على جبهته
-إنت مش سخن عيونك حمرا ليه
أطبق على جفنيه متألمًا ثم همس بتقطع: -صداع شديد بقاله كام يوم
نهضت تتلفت حولها ثم بسطت كفيها إليه: -تعالى نروح لدكتور في البلد، اتحجج بأي حاجة لازم دكتور يكشف عليك ويشوف ايه السبب ممكن يكون من الحادثة.
توقف بمقابلتها ونظر إليها بتيه
-إنتِ بتعملي معايا كدا ليه، وانت بنت الراجل اللي اتسبب في دا
سحبت كفيه واتجهت إلى سيارة يحيى:
-علشان انت تستاهل تهرب من هنا يا. توقفت تنظر إليه مبتسمة وتذكرت حديثه عن اسم غريب فهتفت: -سألتك مرة اسمك مش ماشي على شخصيتك خالص، اتريقت عليا وقولت هكلم ابويا يغيره.
هنا فقد عقله فاطبق على كتفها بعنف وتحدث بغضب: -عايز افهم ازاي بتقولي اسمي مش غريب وانا قولت لك اسمي غريب، انت مزقوقة عليا يابت ولا ايه، انت مين وعايزة مني ايه
دفعت كفيه بعنف ونظرت بعينيه.
-أنا عارفة انا مين الدور والباقي عليك ياحضرة الظابط. انت اسمك جاسر جواد الألفي، ظابط مكافحة مخدرات مثلت علينا انك دكتور بيطري علشان تدخل بيت ابويا وتزرع فيه كاميرات وأجهزة تنصت ونجحت، بس للاسف الصبية بيتوعهم شالو كل حاجة وطلعوا من القضية مفيش غير شوية التسجيلات اللي بدينهم وطبعا اكبر محامين ماسكين قواضيهم وهيطلعوا منها بما انك مت. هيلعبوا في التسجيلات دي. انا سمعتهم بيقولوا كدا. انتحلت شخصية دكتور. عزيز عرف بعد ماقبضت عليهم واستوليت على فلوسهم، حضرتك رجعت الوادي علشان نسيت تاخد جهاز الكمبيوتر بتاعك. وعزيز عرف انك رجعت اتجنن وحاول يقتلك انا سمعته بالصدفة وهو بيتكلم مع بابا رحت وساعدتك تهرب بعربيتي علشان محدش هيقدر يوقفك من البلد وانت راكب عربيتي، وقتها عزيز عرف واتجنن وطعني بالسكينة.
قالتها وهي تضع كفيها على بطنها وانسابت عبراتها بقوة وتابعت حديثها بصوتها الباكي
-بعدها بفترة عرفت من ماما أنهم قتلوك، لحد ماجبوني هنا علشان يجوزني واحد زيهم وشوفتك وعرفت الحكاية كلها. بحثت عنك وعرفت انك ميت بالنسبة لأهلك، اقتربت وامسكت كفيه تترجاه
-والله لو اعرف أخرج من هنا واوصل لأهلك كنت رحت وبلغتهم انك عايش.
كل اللي عرفت اوصله مين كان معاك في القضية دي. بحثت في صفحتك الشخصية حاولت اوصل لمعلومات تخرجك من تحت ايد ابويا
-ليه بتعملي دا كله ليه؟
تسائل بها بحذر وهو يعلم أنها ابنة الرجل المتسبب في هذا كله
-علشان انت املي الوحيد انك تنقذني منهم، لو انت رجعت الظابط هتعرف تتعامل معاهم، اما لو فضلت مجرم زيهم يبقى ضيعت نفسك وضيعتني معاك
أخرجت هاتفها وفتحته ووضعته أمامها.
-شوف الصور دي يمكن تحاول تتذكر حاجة. نظر إلى الصور بتشتت ولكنه هذا رأسه متراجع للخلف
-معرفش مين دول. هزت أكتافها بانهزام بعدما فقدت الامل. فاقتربت منه
-دا والدك اسمه اللوا جواد الألفي، ارجوك ركز في الصورة، حاول تتذكر حاجة
أدمعت عيناه ولا يعلم لماذا أصابته رجفة قوية وهو يرى والده بتلك النظارة السوداء ويجاوره أحد الأفراد يقوم بمساندته
-الصورة دي امتى!
شبكت أناملها بخصلاتها تزفر بحزن بعدما فقدت الوصول معه إلى شيئا ثم أجابته!
-دي صورة لقيتها على صفحة الشخص دا وعرفت من الفريندس أنه ابن عمك
تمتم اسمه بتقطع عز صهيب الألفي
ظل يردد الاسم وأصوات داخليه وصور طفوليه وضحكات صاخبة هنا وهناك جعلته غير قادر على التحمل ليهوى على الأرض يحتضن دماغه يصرخ بها عندما اشتد صداعه: -ابعدي عني اياكي تلمسيني. وصل يحيى على صرخاتهم يوزع النظرات بينهما ثم هتف.
-سمر بتعملي ايه هنا. التفت إليه تلقيه بنظرة صامتة ثم استدارت إلى جاسر مرة أخرى
-عايز تفوق لازم توصل لدكتور، جلست امامه وبدأت تقلب إليه بالصور إلى أن وصلت إلى صورة جنى وضغط على كتفه
-طيب عارف مين دي. توقف يحيى بجوارها ثم التفت بعدما علم بالصور
امسك الهاتف بكف مرتعش ودموع غزت من جفنيه بكثرة دون توقف يهز رأسه كالمجنون
-ابعدي عني بقى. قالها ونهض متحركًا سريعا. توقفت تنظر إلى يحيى بغضب.
-أنا مش هيأس، لازم ترجعله ذاكرته حرام عليكم انتوا قتلة. قتلة وتجار مخدرات. قالتها والتفت للتحرك ولكنه أطبق على ذراعيها واقترب منها
-عايزة اعمل له ايه، اساعده ازاي انا مستعد. احتضنت كفيه
-قول والله يايحيى. هتساعده
هز رأسه بالموافقة. اقتربت منه وألقت نفسها بأحضانه
-ربنا يخليك ليا يارب، لف ذراعه يضمها بقوة لأحضانه وآه عاشقة خرجت من جوفه.
-وحشتيني قوي ياسمر. خرجت من أحضانه وابتسمت بخجل مبتعدة عنه تفرك بكفيها. دنى يضمها من أكتافها
-مقولتيش اعمل ايه لحضرة الظابط، بس خلي بالك انا بغير وبغير قوي كمان. احتضنت ذراعه تضع رأسها على كتفه
-مستقبلنا بين أيده يايحيى حاول تساعده علشان ترجع يحيى حبيبي
أومأ وأوعدها
-وعد وحياة سمر لافضل معه لحد ما ترجع ذاكرته.
مرت الايام والحال كما هو إلى أن جاء يومًا ستنقلب به الموازين. ذهب إلى أحد الأطباء بصحبة يحيى بعدما اشتدت آلامه. قام الطبيب بفحصه وعمل الفحوصات اللازمة، نظر إلى الاشاعات التي ظهرت، . وكذلك لبعض التحاليل
-التحليل بيوضح وجود مادة مخدرة بتتلف خلايا المخ. مسح على وجهه بعنف حتى كاد أن يدميها
-أنا موقف العلاج بقالي أكتر من شهر يادكتور، ازاي مفيش تحسن، وليه الصداع دا.
-الصداع نتيجة المادة المخدرة، انت تحمد ربنا انك مأخدتهاش كتير، دي مجرد كام مرة، انا هكتب لك على حاجة كويسة وكمان تساعدك على تنشيط الذاكرة، بس اكيد مش العلاج كل حاجة
أومأ متفهمًا ثم تسائل: -العلاج اللي اخدته له تأثير سلبي فيما بعد. نظر الطبيب للفحوصات وأجابه.
-أنا جاوبتك، والحمد لله النسبة البسيطة دي نقدر نسيطر عليها، المهم حاول تتحمل الصداع، هيكون صعب في البداية بس إن شاءالله مش هياخد وقت. انت كنت بدخن
هز أكتافه معرفش، بس انا حاليا بشرب سجاير. اومأ له وهتف
-حاول تقلل شوية علشان تخف بسرعة
عند راكان
-فين في مطروح بالظبط.؟
اجابه الظابط الذي بدأ بمراقبته من قبل راكان بعدما وزع صوره سرًا في جميع كمائن الجيش والشرطة العسكرية وخاصة في المناطق الحدودية.
-هو من ساعة في مركز صحي، بس اللي لاحظته أن دخل سوق عربيات وغير العربية هو واحد هبعتلك صورته وخرجوا من طريق تاني
حك راكان ذقنه مردد لنفسه
-الواد دا بيعمل ايه، ازاي يبقى مش عارف أنه جاسر، وبيستعمل عقله. لا الموضوع كدا يخوف.
حمحم بعدما استمع الظابط يحاكيه دون انتباه منه فأردف: -تمام انا هحجز وهكون عندك على أول طيارة، بس مش عايز اي حد يعرف هويتنا، مطلوب منك تبعتلي عنوان مكان اعرف اتواصل معاك فيه من غير ماحد يكشفني، وعايزه من غير مايحس في المكان دا، مااحنا مش عارفين أحواله
-تسائل الظابط: -حضرتك متأكد أنه الظابط اللي اتقتل
أخرج راكان العينة التي أحضرها ياسين ينظر إليها وأجابه.
-هنعرف إذا كان هو ولا شبيه، المهم عايزه بس بطريقة محدش يشك ولا هو نفسه، ، ودكتور موثوق نعرف نتيجة الحمض النووي، قالها وأغلق الهاتف يتطلع إلى صوره بتركيز إلى أن وصل لتلك الشامة الموجودة على كتفه. هز رأسه مبتسمًا: -والله غلبتني يافاشل، بس مش خسارة فيك. نقر بقلمه على المكتب وابتسامة واسعة على محياه، إلى أن دلفت ليلى بقهوته مبتسمة.
-لا حبيبي رايق. نهض من مكانه وتناول منها فنجان القهوة يضعه على المكتب، ثم سحب كفيها متجهًا إلى الأريكة: -عايز انام في حضن مولاتي ساعتين قبل مااسافر
مسدت على خصلاته وانحنت تطبع قبلة على جبينه بعدما توسد ساقيها متسائلة: -ياترى تنيني مسافر فين. اعتدل يجذبها لتصبح بأحضانه
-لقيت جاسر ولازم اسافرله، لازم اعرف الحكاية كلها
-هتسافر فين. تسائلت بها مصدومة
مساء اليوم الثاني بإحدى الشاليهات بمحافظة مطروح.
دلف أحد الرجال إلى راكان
-فيه راجل برة بيقول اسمه جمال
أشار إليه بالدخول. دلف رجل يبدو عليه الكبر ورغم كبر سنه إلى أنه ذو هيبة يبدو على ملامحه الوقار. وقف راكان لاستقباله
-اهلا وسهلا بحضرتك
اومأ له الرجل
-اهلين بيك ياسيادة المستشار، اكيد حضرتك تعرفني
أشار له راكان بالجلوس، ثم تحدث بشخصيته الوقورة:
-سيرتك سابقة معرفتك ياشيخنا
ابتسم الرجل بعرفان
-شو بدك بالظبط، سيادة الظابط قالي انك بدور على قريب الك إهنا.
صمت راكان للحظات ثم أشار لرجله الخاص أن يحضر حاسوبه واشيائه الخاصة
-بعد قليل من الحديث تسائل الرجل الذي يعد من أهم القبائل البدوية بذاك المكان الذي يوجد به جاسر
-هيكون عنيدك المغربية، ولا تخف هنجيبوه من غير ماحد يشك
مرت الساعات إلى أن انتهى من صلاة المغرب وانتظر مهاتفة ذاك الشيخ، ولكن قطع انتظاره صوت هاتفه الذي أخرجه من شروده
-أيوة!
اجابه على الجانب الآخر
-ازي حضرتك ياسيادة المستشار
. معاك ياسين الألفي.
تنهد بهدوء ثم أردف: -أنا برة حاليا ياياسين، أول ماارجع هكلمك
-عارف وقت حضرتك مزحوم بس كنت عايز اسأل حضرتك وصلت لحاجة، انا بقول لو بابا عرف هيعرف يعمل حاجة
قاطعه سريعا بعدما استمع الى صوت دراجة بخارية بالخارج
-ياسين متقولش حاجة لوالدك لما اكلمك مضطر اقفل حاليا
لحظات ودلف إليه جاسر
-عايز اقابل منصور الدفراوي، اقترب راكان منه ونظراته تخترقه من أعلى لأسفل، تقابلت النظرات لبعض الدقائق.
ضيق عيناه متذكر الصور التي شاهدها على هاتف سمر ورغم شكه إلا أنه ظل صامتًا. ولكن كيف إلى شخصية مثل شخصية راكان أن يصمت
-إنت مين وعايز الدفراوي ليه. اقترب منه جاسر ومازالت النظرات تتراشق بينهما، جاسر بتمنيه أنه يعرفه، وراكان بفحصه لشخصيته ليؤكد ظنونه لفقده الذاكرة.
تراجع جاسر خطوة يفحص الشالية وينظر بأرجاءه إلى أن قطع نظراته المخترقة راكان
-مفهوش كاميرات متخفش. إنت غريب مش كدا.
طالعه بصمت بعدما خابت آماله، ليتمتم لنفسه من هذا الرجل
-أنا منصور الدفراوي، اقعد مش إنت غريب مرسال السيد نعمان التميمي
جلس جاسر ومازالت نظراته تحاصر راكان يحدث نفسه: -ياترى إنت مين، وليه بتبص لي كدا، اتمنى تكون انت اللي في الصور، حمحم راكان وبدأ حديثه
-معاك ايه من أنواع الصنف
دقق جاسر النظر بملامحه وظل يتابعه بصمت لفترة ثم تسائل
-احنا اتقابلنا قبل كدا، قطع حديثهم دخول الخادمة.
-القهوة ياباشا. أشار على الطاولة فتحركت لتضع القهوة ولكنها اسقتطها على قميصه ليهب من مكانه يصرخ
-اه مش تفتحي!
هتف راكان بعد صراخه:
-اهدى محصلش حاجة، أشار إليها
-خدي قميصه اغسليه
اقترب جاسر وهاتفه بقوة
-إنت تعرفني قبل كدا
علشان اجاوبك على السؤال دا محتاج تخلع قميصك
-نعم! قالها جاسر بذهول، توقف راكان يشير إلى قميصه
-اخلع قميصك.
-ولو مخلعتوش؟ أخرج تبغه وبدأ ينفثه بهدوء رغم غضبه من طريقته ثم أردف: -يبقى القهوة هتحرق وهتندم على فشلك. فاشل. فاشل. روادت الكلمة عقله بقوة، وصور وتخيلات بدأت تعصف به حتى ازدادت آلام رأسه فخلع القميص وألقاه بغضب، بسط راكان تي شيرت إليه
-إلبس دا علشان ماتاخدش برد، استدار إليه لتخترق أعين راكان تلك الشامة ليجلس بهدوئه وبدأ ينفث تبغه وهو يبتسم بخبث
هوى جاسر على مقعده وطالعه بشرر من عينيه.
-ممكن اعرف ايه لزوم الضحكة الصفرة دي. نهض من مكانه واقترب منه، رفع كفيه على خصلاته
-إنت بتستخدم جل ولا ايه يابني، حرام شعرك دا تستخصر فيه كريمات من الغالية بتاعة زمان. قالها وهو يجذب خصلة ينظر إليها
-تؤتؤ. ياحرام دا حصل تساقط مذهل لشعرك. الافضل تكشف عليه
دفعه بعنف واعين يتطاير منها الشرر، ثم أخرج سلاحه الأبيض يضعه على عنق راكان.
-مش عارف ليه مش مرتحالك، وجاي واقف قدامي وبتستهزئ بيا، انا بقى هعرفك بتكلم مين
نظر راكان إلى المطوة التي توضع على عنقه وأردف بهدوء: -شيل المطوة ياغبي هتعورني، يخربيتك حتى وانت ناسي برضو غباءك سابقك
حدجه جاسر بنظرات نارية
-إنت مين وعايز مني ايه ومتقولش انك منصور الدفراوي، انا عارف الحج منصور كويس
ركله راكان بركبته حتى تراجع يمسك ساقيه متألمًا. ثم أخرج سلاحه.
هتقرب مني هفضي دا في دماغك الغبية دي. صاح على الخادمة
-شيلي الصينية دي. قالها وهو يرمق تلك الخصلة التي أخذها منه لتفهم محتوى حديثه ثم اتجه بنظراته إلى جاسر
-اسمعني علشان مش بحب اكرر كلامي
هتتصل بالتميمي وتقوله الدفراوي حصل له ظروف وكلمك وهيوصل بكرة الضهر وبدل ماتروح وترجع هتستناه هنا
اقترب منه ولم يعتري لسلاحه ثم انحنى يغرز عيناه بأعين راكان
-لما اعرف انت مين الاول!
دفعه راكان باقدامه بقوة حتى سقط على المقعد
-اتنيل اقعد وانت تعرف يامتخلف، انت مديني فرصة اتكلم. نظر بساعة يديه ثم أردف: -إنت تقرب ايه للتميمي. تسائل بها راكان
حك جاسر ذقنه يطالعه بخبث ثم اجابه: -وأنا اجاوبك بتاع ايه، مش يمكن شرطة.
شرطة! قالها راكان مستهزئًا
ألقى عليه بعض الصور ثم أشار إليه
-شوف دول يمكن مخك المتخلف يتذكر حاجة
بعد اسبوعين دلف لذاك الشاليه
ألقى راكان ذاك الظرف أمامه.
-جاسر جواد الألفي. ظابط بمكافحة المخدرات، قبضت على اكبر شبكة إجرامية من حوالي سنة، واخر مهماتك إخماد عملية توزيع حبوب مخدرة وأسلحة من خلال دخولك لقصر الجيار.
لكن للأسف رجالتهم اعترفوا أنهم أصحاب العملية، وخرجوا منها بس التسجيلات اللي انت سجلتها لهم تدينهم ودا تحايل على القانون، حاولوا قتلك ونجحوا بكدا، واخترقوا المستشفى العسكري وبدلوا الجثة وعملوا كل حاجة علشان يحصلوا عليك. ليه دا اللي لسة ماوصلتوش. بس اللي فهمتوا أنهم عايزين من وراك حاجة
رفع عيناه إليه.
-هبعت اجيب الدكتور هنا، مينفعش اغامر بيك وتنزل القاهرة، انت متعرفش انا عملت ايه علشان اوصلك، وبعمل ايه حاليا في التميمي علشان اشتته عن مراقبتك
-بيراقبني ليه!
دار راكان حول جلوسه
-هو التميمي غبي علشان يسيب ظابط عايش تحت أيده وهو عارف انك مش سهل، وبدليل الأدوية اللي بتاخدها.
هنا تذكر تلك المواد المخدرة فتحدث: -هبعت للدكتور في اقرب وقت. وعايزك تتأكد انا مش ضدك ابدا انت ابن اللوا جواد الألفي يعني انت مش غريب انت جاسر جواد الألفي
كان جالسًا يحتضن رأسه بين راحتيه فهتف بهدوء: -عرفت من فترة. طالعه راكان بذهول
-يعني إنت عارف انت مين
رفع رأسه يهزها بالنفي. وقام بقص ماصار بينه وبين سمر
ضيق راكان عيناه متسائلًا: -دي بنت الجيار. أومأ له واستأنف.
-اللي فهمته منها هي اللي ساعدتني أخرج من الوادي بعد ماعزيز عرف هويتي
جلس راكان وأخرج زفرة حارة يشير بسبباته
-بس برضو لازم تاخد احتياطاتك، مهما كانت دي بنته
رفع رأسه ومازال على وضعه وتسائل: -طيب ويحيى دا ايه حكايته!
نهض راكان من مكانه وجلس أمامه
-يحيى كان في كلية الشرطة، بس أبوه اتمسك بمخدرات وطبعا القوانين في الشرطة بتقول ايه، وبعدها مات في السجن بسكتة قلبية، وبعد كدا انقطعت أخباره.
اومأ جاسر متفهمًا ثم تحدث: -يبقى هو بينتقم من عمه، واكيد سمر ليها علاقة بكدا. اللي فهمته بعد كدا أنهم كانوا بيحبوا بعض زمان
امتقع وجه راكان يحذره
-احذر ياجاسر، انت متعرفش نوايا الناس دول ايه
نهض من مكانه وأخبره
-بس دول ساعدوني اروح لدكتور ودلوقتي الحمدلله حاسس بتحسن
ارتسمت ابتسامة واسعة على محياه وهتف: -يعني كنت عارفني يابغل
هز جاسر رأسه بالنفي. واستطرد قائلا.
-كنت بحاول اتذكرك، لأن صورتك من الصور اللي سمر جبتهالي
-لكن للأسف مفيش حاجة، والدكتور قالي مع الوقت هتفتكر، ومتضغطش على نفسك
هز رأسه متفهما واضاف بلهجة محذرة أسرارك بلاش حد يعرفها ولما تتذكر متقولش لأي مخلوق
-فيه صور بتراودني واكترها صور ابويا علشان كدا لازم أقابله
جلس راكان وحاول استيعاب حديثه لعدة لحظات ثم تحدث بنبرة مؤكدة.
- اكيد هخليك تقابله بس مش دلوقتي، عايز اطمن عليك الاول وبعدها هقرر تقابله امتى.
حدجه راكان لفترة يحدث نفسه
-لازم يتذكر، مش ضامن وجوده معاهم ممكن يعملوا فيه ايه، أخرجه من شروده سؤال جاسر
-إزاي بابا ماحاولش يتأكد من اختفائي. انت بتقول لوا. ازاي راحت عليه دفن الجثة
ابتسم راكان يطالعه بحماس
-أيوة كدا عايز جاسر يرجع لأصله.
ابتلع ريقه يطالعه بهدوء.
-هم كلهم مفكرينك مت ودا من خلال لعبتهم اللي لعبوها صح، وأنا اللي اكتشفت أن الجثة مش بتعتك، يعني اعذرهم محدش شك بعد دفنك، وعلشان اتأكد مفيش غير ياسين ودا أنا اللي عرفته، والعقيد باسم، اه فيه حاجة كمان لازم تعرفها.
مراتك! هنا رفع رأسه ودقات عنيفة اخترقت صدره ينظر إليه منتظر حديثه بلهفة لا يعلم لماذا يشعر بكم هذا الألم من ذكراها. تفهم راكان مايشعر به فاستأنف: -مراتك مش مصدقة انك مُت، وقافلة على نفسها من وقتها، ومش بس كدا اللي وصلني أن حالتها تدهورت وحاولت تقتل ابنك
هنا هب من مكانه فزعا وصورة جنى أمام عيناه. ضحكاتها همساتها مما جعله يتمتم اسمها
- جنى. ابتسم راكان واقترب مكملا مابدأه.
-اه جنى، فيه حاجات كمان لازم تعرفها
-والدتك فضلت محجوزة في المستشفى شهرين غايبة عن الوعي ورافضة الحياة، اقترب خطوة ولم يعد بينهما فاصل ونظر لداخل مقلتيه
-جواد الألفي. كررها راكان بنبرة رخيمة
قائلاً: -جواد الألفي عجز لمدة شهر على كرسي متحرك. دموع فقط. دموع تحرق وجنتيه وهو يستمع إلى ماشق قلبه وبدأت الأحداث تظهر انصب اعينه. صور والده وحديثه
أطبق على جفنيه يمنع دموعه، ربت راكان على كتفه معتذرا.
-لازم تفهم الوضع. اسف فيه حاجة اخيرة واصعب كمان
فتح عيناه يطالعه برجاء يكفي مااستمع إليه. لم يرحمه راكان واقترب يهمس بإذنه: -عمك صهيب فضل في غيبوبة ست شهور، لدرجة يونس وقف الأجهزة من عليه لأنه كان رافض الحياة، ودلوقتي عاجز. ضغط راكان على شفتيه يمنع دموعه من حالة جاسر وهو يتراجع مذهولا للخلف وأستأنف راجيا من الله أن فكرته تجني ما فكر فيه:
-عمك صهيب بيتكلم بصعوبة، وعرفت بدأ يحرك أيده بسيط من قريب.
هوى على المقعد بعدما خارت قواه، وهنا بدأت بعض الأحداث توضح أمامه
نهض من مكانه
-عايز انزل القاهرة حالا مستحيل افضل هنا دقيقة واحدة
أومأ برأسه وحاول ألا يفقد أعصابه
-حاضر هتنزل بس لازم تهدى وتفكر هتقنع التميمي والجيار ازاي
-يحيى اللي هيقنعه، انا هفضل بعيد وكأن ماليش معرفة بحاجة
-مابلاش يحيى. توقف وارتدى الكاب هو يشير إليه
-دا واحد عايز ينتقم لمستقبله تفتكر هيخوني.
تحرك خطوة للخارج ثم توقف.
-عايز رقم بابا لازم أكلمه. اقترب منه مستاءً وحدثه بنبرة رافضة: -مينفعش انت كدا بتكشف نفسك
استدار إليه واجابه دون تردد
-ابويا لازم أقابله في اسرع وقت، هاتلي رقم تليفونه بقولك
جز راكان على أسنانه يتمتم
-غبي. عارف مش هخلص منك
امسك هاتف وبسط يديه
-دا تليفون متراقب مني، مستحيل حد يعرف يدخلك منه، لو حد حاول يراقبك منه هعرف، وعلى فكرة عز ابن عمك اللي عمله
هز رأسه وابتسم
-طول عمره عفريت. خطى إليه يلكزه.
-إنت بتلعب بيا يالا. يعني افتكرت
كان يطالع الهاتف وكأنه لم يستمع لحديثه. فلكزه بقوة
-بكلمك على فكرة. دنى منه جاسر وابتسامة ساخرة تجلت بملامحه
-تخيل افتكرتهم كلهم الا انت. تفتكر ليه يمكن علشان واحد مغرور وبارد
دفعه بقوة حتى تراجع بجسده وارتفعت ضحكاتهما: -ماخلاص عرفنا انك التنين المجنح
توقف يطالعه بصمت لا يعلم ايسعد ام يحزن
بعد عدة ايام اخر
دلف راكان إلى حي الألفي وتوقف أمام البوابة الرئيسية.
-ايه ادخل ولا تفتشني.
ألقى الضابط تحيته العسكرية يشير لأمن البوابة
-افتح لسيادة المستشار يابني. دلف للداخل وهو يتحدث إلى جاسر المستلقي بداخل السيارة.
-أنا هوقف العربية قدام بيت عمك صهيب واحاول أشد الإنتباه. اتمنى ياجاسر متعملش حركة تضيع تعبي، ربع ساعة بالكتير هتطلع اوضة مراتك هي مابتنزلش تحت دا اللي فهمته من ياسين ومن امبارح من وقت مابعت لها الورد وهي مش على لسانها غير انك عايش. طمنها وانزل، حاول ماتتخطاش الوقت علشان اعرف احتوي الدنيا تحت.
اومأ متفهما وترجل راكان من السيارة، بجوار زوجته التي رمقت جاسر بابتسامة، بقدوم جواد يجاوره حازم وسيف لمقابلتهما
تحرك جاسر صاعدا للأعلى سريعا في الوقت الذي انتبه الجميع على زيارة راكان برفقة زوجته إلى منزل جواد بسابق موعد.
فتح باب الغرفة بهدوء وقام بإغلاقه ظل يطالعها لبعض الوقت، جلس على ركبتيه وعيناه تفترسها، ثم انحنى يطبع قبلة على جبينها فتحت عيناها بعدما شعرت بوجوده. ابتسمت ظنا أنه يراود أحلامها
- وحشتيني. قالها بعيونا محتجزة بالعبرات. نهضت من مكانها تردد اسمه
- جاسر انت هنا حقيقي
استمع الى طرقات على باب غرفتها. فجذبها يطبع قبلة على خاصتها واتجه إلى الشرفة ينظر للخارج وهي خلفه تنادي باسمه.
-جاسر متمشيش لو سمحت. قفز من النافذة ليصل إلى سيارة راكان بدخول جواد حازم بعدما دفع الباب بقدمه يصيح بعز على صرخات جنى
حاول منعها عندما وجدها تتجه إلى الشرفة لتلقي نفسها. صرخ جواد حتى تجمعت العائلة بذاك الوقت استأذن راكان مغادرًا حي الألفي
لحظة فقدت جنى عقلها عندما استمعت الى كلمات جواد حازم وهو يشير إليها بالقاء سلاحه لتربط كلامه بكلام عمه وتشعر بنيران تشعل صدرها لتطلق طلقة نارية تخترق صدره جواد.
دقائق من الهرج والمرج وهي تصرخ بالجميع إلى أن فقدت قواها وسقطت مغشيا عليها ليتم نقل جواد إلى المشفى.
باليوم التالي بغرفة جواد حازم بالمشفى. فتح عيناه يردد اسمها، توقف جواد مقتربا منه
-حمدالله على السلامة حبيبي. اومأ بعينيه يردد اسمها
-جنى. ربت جواد على كتفه
-هي كويسة متخفش، ملحقتش تعمل حاجة في نفسها. اقتربت مليكة تبكي
-حاسس بايه ياحبيبي
ابتلع لعابه محاولا الحديث ولكنه لم يقو ليغمض عيناه مرة أخرى.
بعد فترة عاد جواد إلى منزل صهيب ومعه الطبيب، توقف أمام صهيب
-لازم الدكتور يشوفها مبقاش ينفع اتركها كدا
هز صهيب رأسه بعجز وانسابت عبراته
بعد فترة عاد جواد إلى منزله مصطحب بجواره ذاك الصغير
بغرفة غزل، جلست ربى بجوار والدتها
-ماما حبيبتي محتاجة شوية مراجعات وسديهات، المناقشة قربت وأنا معملتش حاجة.
رفعت عيناها إليها: -حبيبتي ماليش نفس لحاجة، ممكن تسيبي ماما ترتاح شوية. احتوت كف والدتها بحنان واستنكرت حديثها: -فين دكتورة غزل القوية اللي مكنش حاجة تهزمها، لو سمحتي ياماما أنا محتاجكي الايام الجاية قوي، انا تعبانة قوي ياماما
ثقل تنفسها تنظر لأبنتها بعجز ورجفة قلبها من حزن ابنتها البائن بملامح وجهها بعدما كان يشع بالفرحة والحبور
لتتحول ملامحها إلى الحزن والعبوس وكأن عمرها تخطى الأربعون.
فتحت أحضانها لأبنتها
-تعالي حبيبتي. أطلقت العنان لتلقي نفسها بأحضان الحنان. ولما لا و حضن الام افضل مكان لنزع الخوف والشعور بالحنان. ربي يرحم والدتي وأمهاتكم جميعا
مسدت غزل على رأسها تقبلها: -ألف سلامة عليكي حبيبتى، عارفة قصرت معاكي وشيلتك حِمل تقيل، قطع حديثهم دلوف جواد وهو يصطحب كف الصغير.
-مين جاي يزور النانا الجميلة. هرول كنان إليها بخطواته الصغيرة يتمتم بصوت طفولي وهو يصفق: -نانا. نهضت من فوق فراشها سريعًا تفتح ذراعيها
-قلب وعيون نانا. ضمته بقوة لأحضانها تستنشق رائحته وكأنها تستنشق رائحة حبيب الروح، ولما لا والابن المفقود هو الروح المفقودة. حملته متجه به إلى ثلاجتها الصغيرة تجلب إليه الشيكولاته، ثم جلست فوق الأريكة ووضعته بأحضانها
-حبيب نانا عامل ايه النهاردة. أشار إلى أسنانه.
-اوف اوف. ضمت وجهه تقبلة بقوة
-هنا اوف اوف. رفعت عيناها التي لمعت بالسعادة
-سنانه بتوجعه، تحرك إلى أن جلس بجوارها
-نهى بتقول بيطلع ضروس وبيعيط كتير وعايز أمه
ضمته لأحضانها تفتح إليه ماجلبته
-كنان حبيبي هتاكل واحدة من دي بس علشان اوف اوف
قهقه لها عندما لم يفهم حديثها. انبثقت عبرة عبر وجنتيها
-تدوم الضحكة ياقلب نانا. تدوم الضحكة ياحبيبي وربنا يتولاك
اتجه ببصره الى ابنته الصامتة.
-روبي حبيبتي عز جه من الشغل انزلي له وكمان ايهم عند راسيل اخدته عاليا
هزت رأسها وتحركت للخارج توقفت على باب الغرفة تنظر إلى والدتها التي انشغلت بكنان بعيونًا حزينة، ثم تحركت إلى غرفة ياسين، دلفت للداخل وجدت عاليا تجاورهم بالجلوس وتقوم بتركيب بعض الألعاب.
جلست بجوارها وتنهيدة حزينة خرجت من فمها. رفعت عاليا نظرها إليها متسائلة: -عملتي ايه. هزت رأسها بحزن وبنبرة متألمة: -حاولت أخرجها لكن ماعرفتش، هي قالت هتخرج بس كنان جه وانشغلت بيه ومكملناش كلامنا
وضعت عاليا الألعاب أمام الأطفال واستدارت إليها
-ايه رأيك نخلي كنان هنا، كدا كدا جنى مبتسألش عليه، وأنا شايفة طنط نهى بتتعب كفاية عليها جنى وعمو صهيب
سحبت كم من الهواء تهز رأسها رافضة حديثها.
-مينفعش ياعاليا، عمو صهيب مش هيوافق
نهضت عاليا تجذب كفيها، واتجهت إلى الشرفة وجلست بمقابلتها
-بالعكس مجرد ما تقولي علشان ماما هيوافق، غير أن البيتين جنب بعض وقت مايحتاجه هيلاقيه
مسحت ربى على وجهها تهز رأسها بالعجز، ثم توقفت: -عز رجع من الشغل، خلي ايهم مع راسيل وشوية وهرجع اخده منك، مبقاش عايز الدادة بتاعته
ابتسمت لها قائلة: -حبيبتي ولا يهمك انا هاخد بالي منه.
بغرفة غزل.
غفى الطفل بأحضان غزل ظلت تمسد على خصلاته وتبحر بعينها على ملامحه التي نسخة مصغرة من والده
جلس بجوارها يضم رأسها لأحضانه
-ايه رأيك ننزل نتمشى تحت شوية كنان نام. رفع ذقنه ينظر لعيناها
-جنى نقلتها المستشفى. حالتها بدأت تسوء عن الأول
انسابت دموعها تدفن رأسها بأحضانه
--ابني وحشني قوي ياجواد، كل يوم اقول بكرة هنساه زي خاله، لكن قلبي نار ياجواد. صمتت تشهق بقوة قائلة.
-هتصدقني لو قولت لك اتمنيت كلام جنى يكون حقيقي. والله اتمنيت اصلي مريت بوجعها، هي معذورة ياجواد. بس انا زعلانة منك جالك قلب توديها المستشفى
نهض من مكانه وسحب وشاحها يطبق على كفيها بحنان
-ياله تعالي ننزل نقعد مع صهيب شوية، سايب سيف عنده، من وقت مااخدت جنى وهو قافل على نفسه
تمددت على الفراش تنظر الى كنان
-عايزة انام ياجواد. ماليش نفس أخرج. روح انت عند صهيب
بتر حديثهما رنين هاتفه: -أيوة!
علي الجانب الآخر: -همس بصوت متقطع خافت
- بابا
هب من مكانه يتسائل بأنفاسًا سريعة: -مين معايا!
شهقة خرجت من فمه وهو ينظر حوله بضياع ثم اغلق الهاتف بعدما فقد الحديث
هوى جواد على المقعد بعدما فقد توازنه وكأن الأرض تسحب من تحت أقدامه، ينظر بتيه إلى غزل التي تسائلت: -مين اللي اتصل ياجواد. هز رأسه عندما فقد الحديث
دقائق وهو يحاول لملمة شتات نفسه، حتى توقف يستند على عكازه متحركا للخارج دون حديث آخر.
بعد فترة وصل إلى المقابر. ترجل من السيارة بسيقان مرتعشة وكأن سيقانه رفضت تحركه إلى هذا المكان
ظل يتحرك بخطوات متعثرة إلى أن وصل إلى مقبرته، هنا فقد جميع حواسه فسقط على الأرض أمام المقبرة
استند برأسه وانسابت عبراته
استمع الى صوت خلفه. رفع عيناه بعدما أزال دموع ضعفه
جلس بجواره ينظر للمقبرة. طالعه جواد بذهول: -بتعمل ايه هنا، انا عارف مقابركم مش هنا
ظلت نظرات راكان على المقبرة ثم تحدث.
-جاي أقبض عليك ياباشا، قالها مازحًا
عاد جواد ينظر للمقبرة دون حديث، حتى توقف راكان يبسط كفيه إليه
-المكان دا مش مكانك، فيه مكان تاني انا متأكد هيعجبك اتمنى تجي معايا من غير ماتسأل عن حاجة، دا لو واثق في راكان
ازدادت دقات قلبه يشير بعينيه إلى المقبرة
--ابني فين ياراكان، اتمنى تحترم عقلية جواد الألفي
ابتسامة هادئة، يساعده على النهوض متحركًا إلى سيارة راكان.
-لا المرة دي العزومة عليا علشان اشكي ابن حضرتك الحلوف
طالعه بصمت دون حديث لا يعلم لماذا يشعر بريبة حديثه، لا يعلم لماذا هذا الشعور الذي يراوده. اتجه بنظره الى سائقه وهتف
-ارجع انت ياجمال، انا هروح مشوار مع حضرة المستشار
استقل السيارة بجواره إلى أن وصل إلى سيارة أخرى بمكان اخر بعد عدة مناورات من راكان
بعد فترة دلفت السيارة إلى محافظة الفيوم ومنها إلى منزل العائلة.
توقفت السيارة بداخل حديقة المنزل، كل هذا وجواد صامت، ولكن كانت اعينه ترشق راكان بكثيرا من الاسئلة
ترجل راكان واستدار إليه يفتح باب السيارة يشير إليه بالتوجه للداخل
تحرك وهو يستند على عكازه، ودقات قلبه تتقاذف بداخل وتتسارع أنفاسه حتى أوشكت على التوقف
أسنده راكان عندما لمس حالته. نظر إليه راكان مستغربًا صمته توقع ذهوله.
فُتح الباب أمامهما. نظر إلى ذاك الشاب الذي توقف ينظر إلى جواد كأنه يحفظ ملامحه. زاغت أعين جواد يبحث عن جاسر وكأن رائحته تجذب قلبه، ليترك ذراع راكان متحركًا للداخل يبحث بعينيه مردد بحال قلبه.
-جاسر هنا. جاسر عايش. هذا ما أكده قلبه الضعيف. توقف بمنتصف الردهة وشعر بخيبة قلبه الضعيف، يسب حاله
- اجننت يارجل. اين ذهب عقلك وايمانك بربك.
خرج ياسين من الغرفة اولا يهتف باسم والده. استدار جواد يطالعه بشك اختل توازنه
-ليجلس اخيرا بعدما فقد الوصول إلى مبتغاه. تحرك ياسين إلى والده
-ايه اللي بيحصل هنا يابن جواد!
تسائل بها جواد وهو يرمق ياسين بأسف
قطع حديثه خروج جاسر بخطوات مبعثرة وجسدًا واهن حزين يهمس اسم والده.
بابا. ثوان كفيلة لفقدان اتزانه وذهاب عقله ليستند متكأ على المقعد وبعينين متسعة كاتساع بين السموات والأرض. ينظر إلى ابنه بذهول. تجمد الدم بعروقه وشحب وجهه يردد بلسان ثقيل.
جاسر. اقترب منه يلقي نفسه بأحضانه وارتفع صوت نشيجه كطفل فقد والديه آلان. لحظات مميتة لم يشعر سوى بتوقف قلبه، شحب وجهه بالكامل ليسقط بين ذراع ابنه، ولم يسيطر على دموع عيناه، أيعقل أن ربه ربط على قلبه ليعود قرة اعينه، هل حقا يعود الميت بعد موته
احتضن جاسر وجهه بعدما وجد شحوب وجهه
-حبيبي أنا جاسر، اللي اندفن مش انا، خطفوني من المستشفى وكنت فاقد الذاكرة ولسة قريب افتكرت.
-بابا سامعني. تثاقلت أنفاسه واهتزت الجفون يدقق النظر بملامحه يهمس بتقطع
جاسر. دفن رأسه بصدر والده
-وحشتني حبيبي والله غصب عني اشوف كسرتك دي. رفع كفيه المرتجف كحال جسده يحتضن وجهه وعيناه تفترس ملامحه كحيوان مفترس. يمرر أنامله على وجهه كأنه يتاكد من وجوده
-انت عايش ياحبيبي. هز رأسه بدموع عيناه، يرفع كف والده يقبله
-أنا في حضنك ياحبيبي. ابنك لسة عايش. انا موجود قدامك اهو.
ابني ابني جاسر. رددها بلسان ثقيل وهو يضمه بقوة لأحضانه، كأن قوة جواد الألفي كانت بابنه واااااه عميقة خرجت من جوفه لتمحي أحزانه
-حبيبي انت لسة عايش. احمدك واشكر فضلك يارب. ظل يردد بقلبه قبل لسانه.
اللهمّ لك الحمد كلّه، ولك الشكر كلّه، وإليك يرجع الأمر كلّه علانيّته وسرّه، فأهل أنت أن تحمد، وأهل أنت أن تعبد، وأنت على كلّ شيءٍ قدير. اللهمّ لك الحمد حتّى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرّضا. اللهم لك الحمد كالذين قالوا خيراً ممّا نقول، ولك الحمد كالّذي تقول، ولك الحمد على كلّ حال.
ضمه بقوة لأحضانه وكأنه سيتركه ويغادر مرة أخرى. تحرك ياسين يجلس بجوار والده من الجهة الأخرى وانحنى يطبع قبلة على رأسه بعدما وجده يحتضن رأس جاسر بقوة
ربت على كتفه متسائلا: -بابا حضرتك كويس! هز رأسه وابتسامة من بين دموعه، ينظر إلى جاسر يمرر كفيه على وجهه
-هعوز اكتر من كدا ايه علشان اكون كويس ياياسين. اخوك رجع من الموت
أفلت ضحكة من بين دموع يضغط على وجنتيه.
-اخوك ابو أربعين روح رجع تاني، هكون طماع لو عوزت حاجة تانية يابني، لا دا انا اللي المفروض اتبرع بكل حاجة، هو فيه احسن واغلى من كدا. وضع جبينه فوق جبين جاسر يحتضن رأسه
-رجعت روح ابوك ياحبيبي. بكى على ردة فعل والده يضم وجهه بحنان ثم قبل جبينه وكفيه
-ربنا يخليك ليا ياأحسن اب في الدنيا
توقف ياسين يساعده على النهوض ولكنه رمقه بنظرة مستاءة.
-ابعد يالا. انا قادر اقف لوحدي، وأسند نفسي. استند على المقعد متوقفا ومازالت نظراته على ابنه يضمه لأحضانه
-سندي اهو، رفع نظره الى جاسر يسحبه من عنقه يضمه: -علشان تعرف انك سند ابوك يبقى لازم تكون قادر توقف تسند ابوك. اتجه بنظره الى راكان الذي توقف مستند على الجدار يطالعهم بدموع انبثقت رغما عنه
-عارف اكيد انت ورا دا. شكرا
ازال عبراته متأثرا بذاك المشهد، ثم اقترب ورسم ابتسامة.
-الصراحة متوقعتش ردك دا. قولت هتهد الدنيا وتغضب وتقول مخبين ومش مخبين. رجع بنظره الى جاسر قائلا:
-لاني متأكد ابني مايعملش كدا
قهقه راكان رغم حدة الموقف يشير إلى جاسر
-عارف قالي ايه. تذكر حديثه
فلاش
تنين! أردف بها راكان ثم رمقه
-يعني إنت كنت عارف وبتستهبل يالا
مط جاسر شفتيه، مش لما اتأكد انك عارفني. لوح بكفيه مشيرا إليه: -اه هتقولي كنت عارف انك عايش. طيب ليه راجع لي دلوقتي
ارتسمت ابتسامة ساخرة على وجهه.
-لا ياحبيبي عيني عليك من زمان، بس سبتك براحتك
طالعه برهة وتلاقت عيناه المشتعلة بالغضب بعيناه الباردة
-طيب علشان بضايق منك لما تقلب للزج كدا. اسمعني علشان معنديش خلق لحضرة المستشار الفذ
-عايز اقابل ابويا. تقولي مينفعش همسك المسدس دا وهخلص منك.
توقف راكان يضع كفوفه بجيب بنطاله، واقترب من وقوفه وبنبرة باردة اجابه
-وريني اخرك هتعمل ايه
رفع عيناه مزمجرًا ورغبة جامحة في اقتلاع رأسه بعد حديثه البارد: -تمام انا هوصله ومش محتاج لمساعدتك الموقورة، دنى خطوة واضعًا كفه على كتفه: -عارف لو طلعت قدامي تاني، هكلم سيادة اللوا واقوله على اللي عملته فيا
وشوف بقى هيعمل فيك ايه
التوى زواية فمه بعبث ثم رفع أنامله يحك ذقنه.
-يعني عايز توقعني مع ابوك. ربت على كتفه يستند عليه ورمقه بنظرة خبيثة
-اقابل ابويا ومراتي، ازاي ماليش فيه
ذكائك اللي بتعرضه عليا شغله ازاي اقابل ابويا ومراتي من غير ماحد يعرف ويحس.
مط راكان شفتيه ونظراته ثابتة عليه
ثم اومأ برأسه
-تمام. هعملك اللي انت عايزه بس وحياة أبوك لا اخلصه منك بعدين
جذب سيجاره وأشار إليه بالخروج
-الزيارة خلصت كنت منورني والله، كان بودي اعزمك على قهوة سادة بس معنديش بن. ثم صاح قائلا.
-يحيى. وصل الضيف أصله يتوه
جز على نواجزه مقتربا منه يهمس له
-اتنفخ حلو عليا بس اوعى لتفرقع
كان يقص لجواد الذي مازال يطالع ابنه باشتياق.
-حاسس بايه دلوقتي يابابا. تسائل بها ياسين
ابتسم جواد ومازال تحت صدمة وجوده، اتجه إلى الأريكة يسحبه كطفل ذات الخمس أعوام، جلس وأجلسه بجواره يحاوط أكتافه.
-حاسس إن ربنا احن من أي حاجة، وكأن الايام اللي عدت دي محستش بيها. اللهم لك الحمد. احكي لبابا ياحبيبي. قولي ايه اللي حصل ياله
-سامع. يارب تكون حاجة مستاهلة وجع قلوبنا، ثم رمق ياسين
-إنت عرفت امتى؟
-لسة امبارح والله يابابا. بس كنت عارف الجثة اللي اندفنت مش بتاعه من كام شهر، رفع رأسه إلى راكان وأشار إليه
-حضرة المستشار رفض اعرفك، علشان مكناش متأكدين أنه عايش
قص له ماصار منذ افاقته إلى أن تقابل براكان.
احتضن كف والده
-أنا مينفعش ارجع دلوقتي، مينفعش نسيبهم وهم ممكن يخططوا لقتل حد فينا
وافقه راكان الرأي. وتحدث: -دا رأيي مش لازم حد يعرف بوجوده، انا مكنتش عايز حضرتك تعرف لكن هو أصر على مقابلتك
-بابا. استدار ينظر إليه بنظراته الحنونة، كأن كلمة بابا لأول مرة يسمعها من طفل يبلغ من العمر اشهر معدودة، كأنه لأول مرة يستمع لتلك الكلمة التي تجعل قلبه معذوفة موسيقية
هز جواد رأسه ينتظر حديثه
-عايز اشوف ماما وجنى!
هنا تذكر وجود جنى بالمشفى، هز رأسه بالرفض
-ماما مش وقتها خالص حبيبي. لازم تهدى ونعرف ازاي نمهد لها ومن رأيي بلاش مامتك حاليا لحد ما تشوف هتعمل ايه. أما جنى سهل تشوفها، جنى محدش هياخد بكلامها. ضحك يطالعه
-البت طلعت حاسة بيك فعلا، الوحيدة اللي رفضت موتك
نهض من مكانه يشير لوالده
-عايز اشوفها لو سمحت يابابا
نهض راكان يشير إليه وتحدث بنبرة تحذيرية.
-فهمه خطورة الوضع ياحضرة اللوا، لازم تهدى وتفكر في كل ردة فعل
رمق راكان بنظرة نارية
-هشوف مراتي الليلة ياراكان وبأي طريقة، ومش هأجل ولا لحظة
حمحم ياسين مردفًا
-خلاص يابابا، خليه يشوفها
نهض جواد وتوقف أمامه
-حبيبي أنا مراعي شعورك، بس انت لازم تقعد مع نفسك وترسم لنفسك ازاي تدخلها مينفعش انا ادخل. صمت للحظة ثم تحدث: -جنى في المستشفى ياجاسر، ودا هيكون صعب انك تشوفها حاليا.
تحرك للخارج سريعا ولم يمهله لتكملة حديثه
-أنا هعرف اوصلها مش عايز مساعدة من حد. زفر جواد يمسح على وجهه
-اهو المرة دي هيندفن حق وحقيقي
أشار إلى راكان
-هتتواصل معاه ازاي
رفع هاتفه وقام بمهاتفته لعدة مرات ولكنه لم يجيبه
تحرك للخارج متسائلا: -ليه الفيوم اللي خلتنا نتقابل فيها. اجابه راكان
-علشان بعيدة وصعب التميمي يشك في وجودنا، خلي بالك علشان مراقبينك وكمان مراقبين حضرة العقيد باسم.
اومأ متفهما ثم تحرك.
-لازم نرجع القاهرة حالا. قبل مايتهور، وعايز حد موثوق فيه يكون ظله ياراكان
اومأ له قائلا: -عامل حسابي، وكمان الواد اللي معاه انا اختبرته عدة مرات الواد امين ومراقبه
بعد عدة ساعات وصل جواد وراكان إلى القاهرة. أشار جواد إلى ياسين
-روح انت ياياسين علشان ماما زمانها قلقانة. قولها عندي شغل وهتأخر ساعتين. ثم قام بمهاتفة جواد حازم
-جواد عامل ايه حبيبي
عند جواد نهض من فوق فراشه لخارج الحديقة.
-بقيت كويس ياخالو الحمد لله
طيب حبيبي، لو تقدر تجي لي تعالى على العنوان اللي هبعتهولك
-عايز جواد ليه؟ تسائل بها راكان
نظر جواد للامام واجابه
- لازم جواد يعرف، لازم يتحدوا مع بعض مفيش حد هقدر أثق فيه غيره
دا اخوه، الناس دي ميتهزرش معها ياراكان.
شوف جاسر وصل لفين لو عرف يطلع بيها خليه يروح بيت باسم الزراعي. وانا هستناه هناك. قبل ماأرجع حي الألفي وحد ياخد باله، لازم اشوف هنعمل ايه الايام الجاية.
بعد فترة وصل جاسر إلى منزل باسم بعدما اختطف جنى من المشفى، بمساعدة ياسين الذي اخترق قوانين والده، ولحقه ليخرج بها. وصل إلى المنزل يترجل من السيارة بهدوء ولكنه توقف بجسد مرتجف بعدما صاح جواد حازم
جاسر
نهاية الفلاش
دلف إلى الغرفة وجدها تفتح عيونها
اقترب منها ونظراته تتفحصها باشتياق
اعتدلت تنظر إلى المكان بتيه. تحدث نفسها
-أنا فين! استمعت إلى خطواته الهادئة استدارت بنظراته إليه. قرب منها
-جنى!
شهقت بعدما دنى منها يجذبها يطالعها بإشتياق، لحظات فقط كفيلة لأنهيار كل منهما.
-جاسر إنت حقيقة، رفعت كفيها الذي ارتجف من شدة صدمتها على وجهه، وشهقة خفيضة باسمه وكل أوصالها ترتجف، تلاقت أعينهما بنظرة يتعانق فيها نبض قلوبهما.
رغم أنها كذبت موته ولكن وجوده بعد تلك الفترة، أصاب قلبها وفقدت قدرتها على التحمل مما خارت قواها فهوت بركبتيها. لا تعلم لماذا شعرت بالحزن رغم وجوده، رغم اشتياقها، تزاحمت دموعها تجري على وجنتيها كمجرى الشلال. هوى بمقابلتها يجذبها لأحضانه
-حبيبتي اهدي انا هنا. وضعت رأسها بعنقه تستنشق رائحته كالمدمن. أغمضت عيناها تدفن نفسها بداخل أحضانه وشهقات مرتفعة، لتتأكد أنه حقيقة.
حاوطها بذراعيه يهمس لها: -حبيبتي اهدي انا هنا. خرجت من أحضانه تمرر كفيها على وجهه مرة أخرى بدأت أناملها تتحرك بحرية على وجهه بالكامل. تصنم جسدها وشعرت بنخر عظامها فتوقفت سريعًا
-إنت عايش، انت حقيقة. يعني انا بقالي سنة بتعذب. انا كنت بموت. توقفت تدور حول نفسها كالمجنونة تتراجع للخلف
-دا انا بقيت مجنونة رسمي. توقف تطالعه بحزن لا تعلم تسعد ام تحزن.
-أنا بقيت مجنونة رسمي ياحضرة الظابط. بقيت مجنونة من كتر ماكنت بقولهم انك عايش. اقتربت تلكمه بقبضتها الصغيرة بصدره
-ليه تعمل فيا كدا. ليه ياجاسر حرام عليك دا انا مت. لسة هتموت فيا لحد امتى
-سنة. سنة وجاي تقولي وحشتيني. أخرسها بطريقته كي لا تحزنه أكثر مما يشعر، كفى مايمر به من ظروفًا مأسوية، يريد أحضانها، لا يريد أكثر من ذلك.
جذبها لأحضانه يشد على عظامها يعتصرها وكأنه يريد أن يدخلها بداخله، ادخل كفيه يتحسس جسدها وكأنه يعد فقراتها فقرة فقرة، ويتلمس شريانها ليتأكد من سلامتها، داعب وجهها وهو يستنشق أنفاسها
-وآه جياشة من نبضه.
-وحشتيني بعدد الناس على الكون، أخرجها من أحضانه يحتضن وجهها ونظراته تفترس ملامحها الجميلة الغائبة عن النظر الحاضرة بالقلب والعقل
-آسف ياروح جاسر. اسف بس وحياتك انا مكنتش عارف أنا مين.
أخرجها من أحضانه يقبلها بلهفة حتى سحب أنفاسها. فصل قبلاته يحتضنها بعيناه مثل يديه التي تحتويها كالأم التي تحتضن ابنها: -جنى أنا كنت ميت فعلا. وربنا رجعني دي مقابلتك ليا. دي مقابلتك لحبيبك.
ارتجف جسدها لم يدعها لتفكيرها. وضع جبينه فوق خاصتها يشتم عبيرها الذي دغدغ أوصاله ليزيد من ارتجافة قلبه. يهمس لها بعشقه لتصبح هشة بين ذراعيه. ليضرب على اوتار نبضاتها الهادرة بعشقه. ليتلاشى تنفسها وقامت بتحريك أناملها على وجهه
-يعني أنا مش مجنونة. طلعت مش مجنونة وانت موجود. لمس ثغرها
-طيب اثبتلك إزاي انك اعقل واحدة في الدنيا.
ذابت كل الآلام وتلاشت الاحزان وهو يجذبها بطريقته الخاصة ليدخلها لعالمه الخاص هامسًا
-حبيبك جوا حضنك ياروح حبيبك، دا أكبر دليل انك اعقل واحدة، أغمضت عيناها مستمتعة بأنفاسه الحارة التي ضربت وجهها.
جنجون ارجع تاني ولا ايه مالك مغمقها كدا. نظر إلى ثياب المشفى وأشار عليه
-طيب غيري حتى لبس المجانين دا
اهو لبس المجانين دا انت السبب فيه
حاوط خصرها
-احسن مجنونة والله. بعشقك ياروح جاسر. قالها وهو يضع رأسه بعنقها هامسًا
-ارحمي قلب حبيبك ياجنى. رفع رأسه
-والله كله غصب عني. وضعت جبينها فوق جبينه
-عايزاك تحكي لي كل حاجة واياك تخبي عليا حاجة
داعب أنفها بأنفه واغمض عيناه مستمتعًا بأنفاسها العطرة.
-وحياة جنى عندي هقولك كل حاجة.
تراجعت تنظر إلى الغرفة
-بيت مين دا وليه جايبنا هنا. امسك قميصه يضعه بكفيها
-غيري هدومك ولما ترجعي هقولك كل حاجة
خرجت بعد فترة كان يتحدث بهاتفه وهو يعد وجبة طعامهم. استدار يرمقها بنظرة خاطفة ثم أغلق هاتفه
أطلق صفيرا مقتربا منها
-ايه القميص الحلو دا. تنهدت وهي ترفع خصلاتها تنظر إلى نفسها بالمرآة
توقف خلفها يضمها إلى صدره من الخلف.
-فين جنى، مش شايف غير بقايا لجنى. أطبقت على جفنيها عندما لافحت أنفاسه عنقها وأجابته
-اخدتها معاك ياجاسر. استدارت إليه تتعمق بالنظر إليه: -جنى من وقت مااختفيت وهي ماتت
قرب رأسها يمرر أنامله على عنقها إلى أن وصل إلى أول زر لقميصه وقام بفتحه. تراجعت خطوة للخلف
انت هتعمل ايه.؟
صعق من حديثها في بادئ الأمر، ولكنه تفهم حالة تناقضها الان، فاقترب منها وحاول خروجها من حالة تشتتها وصدمتها فاردف بتسلية.
-يعني نومت المستشفى كلها وخاطرت بنفسي علشان اجيبك احكي لك حدوتة، لا اعقلي كدا يابنت صهيب بدل مااتجنن عليك
نهضت غاضبة
-لا اتجنن يااخويا. أطلق ضحكة صاخبة يضرب كفيه ببعضهما لم تفهم مغذى ضحكاته، إلا حينما جذب قميصه
-عايز قميصي دا حالا وارجعي المستشفى. شهقت تمتم
-يخربيتك. قالتها عندما وجدت زاريره تتناثر على الأرض
لملمت القميص تطالعه بصدمة.
-ايه دا يا مجنون. جلس على الفراش وبدأ يقص لها معاناته بتلك الشهور. تحركت إلى جلوسه وجلست على ركبتيها أمامه
-ايه. يعني انت كنت فاقد الذاكرة لولا البنت إياها
رفع عيناه إليها وابتلع غصة أحزانه مردفًا بنبرة متحشرجة: -يعني انا فعلا كنت ميت ياجنى، كان مستحيل حد يوصلي لولا ربنا بعتلي سمر في الوقت اللي خلاص بقيت شخص تاني
وضعت رأسها على ساقيه وعقدت عزمها على تعويضه عن كل مامر به آلام. مسد على خصلاتها.
-عارف انك اتأذيتي قوي بس غصب عني حبيبي والله. رفعت رأسها تحتضن معشوق روحها بنظراتها التي تدفقت منها كل معاني الحب. رفع ذقنها وأوقفها يتلاقها بأحضانه يعزف لها سيمفونية عشقه الخاص ليمسح كل مامر بهما دقائق وهو يشعران أنهما كطائران يغردان بأجنحة العشق فوق سحابتهم الوردية لينهل كل منهما من رحيق عشق الآخر. وكأن لا يوجد على سطح الكرة الأرضية سوى العاشقين ليتوقف دوران الأرض وعقارب الساعة ولم يتبق سوى نبض قلوبهما التي تهمس باسم كل واحد منهما.
مرت دقائق وردية تمنى أن يتوقف بها هنا. وهو يستمع للحن اسمه من تلك الشفاه التي هي ملاذ خمره للعشق
بعد فترة كانت تسبح بنومها وهو يخلل أنامله بخصلاتها البنية الناعمة
انزل رأسه يستنشق رائحتها بوله. استمع الى طرقات على المنزل
جذب الغطاء ودثر جسدها به ثم جذب قميصه ليرتديه متجهًا إلى الباب
فتح الباب ولكنه توقف مذهولا لما رآه
وكأن أحدهم يسحب تنفسه وهو يردد بعيون جاحظة
انت! مين جابك!
↚
ضمها لأحضانه وبدأ يداعب خصلاتها مرة ويرسم بأنامله ملامح وجهها التي يعشقها. اخفض رأسه بعدما فقد سيطرته عندما همست بمنامها اسمه. اصهرت قلبه ليشتعل بعشقها ليسكب عسل عشقه على خاصتها. مما جعلها تتململ بنومها تفتح بنيتها
- جاسر
ابتسم لها يضع رأسه بجوار رأسها هامسًا ببحته الرجولية: -عارفة من وقت مااتذكرت واتمنيت يوم واحد تكوني في حضني كدا وتناديني بهمسك القاتل لروحي دا
رفعت نصف جسدها لتختبئ بأحضانه.
لتشرق شمس شتائه ويدفئ قلبه البارد ببعدها، ابتسامة عاشقة أنارت وجهه وكأنه عاد لصبوته تداعب صدره كقطة سيامي
لف ذراعه يجذبها بقوة لتختفي بداخل أحضانه همست بنبرة متحشرجة من آثار نومها
-وأنا كنت مستعدة ادفع عمري كله علشان انام في حضنك لو للحظات بس
أغمض عيناه يستمتع بمذاق كلماتها التي نزلت على جمرة قلبه المشتعلة بحبها هامسًا لها: -ليه بابا دخلك المستشفى حبيبي؟
رفعت رأسها من أحضانه تنظر لداخل رماديته: -علشان مصدقتش انك مش هترجع تاني، علشان ضربت جواد لما حاول ينقذني يوم ماكنت عندي كنت هموته
دا انضرب بسلاحه وطبعا سين وجيم وعمو علشان مايعرضنيش للخطر دخلني المستشفى ميعرفش أن الخطر هو بعدك مش اي حاجة تانية
لمس وجنتيها بانامله: -لدرجة دي كنتي مصدقة اني عايش
اعتدلت تجذب الغطاء عليها واتجهت بجسدها إليها.
-هو ايه عايش دي، انا مبحبش الكلمة دي، انت وعدتني وانا كنت حاسة بوجودك، رغم أنهم دفنوا شخص تاني قدام عيوني بس قلبي ماوجعنيش وقتها ياجاسر، حسيت زي كل مرة انك في سفرية هترجع، اه كنت حزينة بس قلبي مااتحرقش عليك
انبثقت دمعة عبر وجنتيها تخلل اناملها بأنامله تستأنف معاناة قلبها
-اه بعدك كان واجعني لكن قلبي كان بيدق ورافض فكرة انك مش موجود.
كنت بستنى كل يوم على أمل ترجع، استنيت كتير وكنت مستعدة استنى العمر كله
كانت رماديته تفترس ملامحها الحنونة بشغف ليجذبها مرة أخرى لأحضانه هامسًا بهمسه الرجولي
-أنا أذنت لك تقومي من حضني، داعب وجهها بأنفه يدغدغ مشاعرها لترفع كفيها على وجهه وتنهيدة عميقة زاخمة بأيقونة عشقه تنظر إلى عيناه وتسبح بجمال نظراته وهمساته ناهيك عن لمساته التي جعلتها كأنها فوق بساط الريح تسبح بالفضاء دون ملل.
لتضع رأسها بعنقه تتمتم بكلمات عشقها له
-أنا ملكك وانت ملكي ياجاسر ومش مسموح لحد فينا يبعد عن التاني لو ناوي تبعد عني يبقى موتني ارحم من عذاب فراقك.
رفع رأسها وبنظرات حزينه رمقها قائلاً: -تأكدي ياجنى من وقت ما قلبي قال جنى عمري مافكرت ابعد عنك، دايما الظروف كانت أقوى مني، عايزك تثقي في حبيبك انه مستحيل يبقى عايز يبعد عن حضنك. انا عايز حياة زيك بس مش كل اللي بتمناه بنلاقيه، احنا مااتخلقناش علشان نحب في بعض وبس، كل واحد مننا له رسالة لازم يأديها، احتضن كفيها ورفعهما يلثم كل واحد منهما على حدا، وعيناه تبحر على وجهها قائلًا: -حتى لو ربنا ماأردش اكمل حياتي واستشهدت يبقى اعرفي مكاني عند ربنا أعظم واعظم، واكيد مكانك في قلبي زي ماهو وهنتقابل بمكان احسن بكتير، اه الفراق موجع بس برضو مكتوب علينا.
وضعت كفيها على فمه وببكاء يغزو وجنتيها: -اسكت ياجاسر حرام عليك كفاية مبقاش فيا حتة متوجعتش
طبع قبلة على جبينها معتذرًا
-آسف ياقلب جاسر، لكن لازم ايمانك يقوى عن كدا، انت كنتي هتقتلي ابننا ياجنى، ينفع كدا، عايزة تموتي حتة مني دا حبك ليا
ضمته وارتفعت شهقاتها تهز رأسها بعنف: -ابدا والله ياحبيبي عمري ماكنت هعملها دا مجرد كلمات خرجتها من وجع فراقك، ازاي أضر روحي بس.
ابتعدت تطالعه بدموع عيناها: -دا قطعة مصغرة منك، انا كنت ببعده عني علشان وجعي مايزدش ياجاسر، انت مشفتوش لسة دا بقى جاسر الصغنن. قطعة مصغرة منك، ياقلبي عليه وهو يجي يقولي.
-مامي قومي نمتي كتير، قلبي حبيبي عايز يتاكل. هزت رأسها وازدادت عبراتها: -محبتش افرح وهو بيقول ماما وبابا وانت مش معانا، كان نفسي تسمعه وهو بيقول بابا، كنت لما بسمعه من البلكونة وهو بيلعب مع عز ويقول بابا قلبي كان ينزف ياجاسر، علشان كدا كنت ببعده عني
رفع ذقنها بإنامله وابتسم: -بتقولي جاسر صغير عايز يتاكل
هزت رأسها بابتسامة لمعت عيناها باثرها فدنى من شفتيها وعيناه تخترق عيناها.
-طيب جاسر الكبير حرام يتاكل ولا بقى رخم ومالوش في الاكل
افلتت ضحكة خجلة تلكمه بصدره
-بس إنت على طول كدا بتحب تهزر، انا بقول ايه وانت بتقول ايه
قهقه بصوت مرتفع يجذبها بقوة لتسقط فوق صدره بعدما تسطح قائلًا من بين ضحكاته: -ماليش دعوة لازم اتاكل يعني الشبر ونص عايزة تاكليه والطول دا كله مش عجبك.
غمز بعينيه يداعب شفتيها
-طيب جربي على الأقل هتشبعي بسرعة، أما الصغير دا مش هيسلك سنانك.
ارتفعت ضحكاتها تلكمه تدفن رأسها بصدره: -بس بقى متبقاش قليل الادب
هب معتدلا يرسم الذهول
-يالهوي انا هبقى قليل ادب، تراقص بحاجبه
-طيب هو في أجمل من كدا ياجنجون ماتيجي نجرب
تراجعت بضحكاتها: -تجرب ايه يا مجنون. ذهب ببصره لذاك الطبق الذي يوضع به الفواكه
امال بجذعه يجذبه ثم أشار إليه
-قصدي نجرب الفاكهة دي، دايما دماغك شمال انا عجبني الرمان دا
زوت مابين حاجبيها تنظر إلى الرمان
-لا والله.!
وضع حب الرمان بفمها مقتربا منها
-اه والله. ثم مرر إصبعه على ثغرها
مقتربًا عايز ادوق حبيبي
ارتجف ثغرها كحال جسدها من لمسته، لا تعلم لماذا تشعر بتلك المشاعر وكأنها أول لمساته، زاغت عيناها تبتعد برأسها عنه، أدار وجهها إليه
-مالك ياجنى!
وضعت رأسها على كتفه تبتعد عن نظراته الهائمة التي تجعل قلبها يتقاذف داخل قفصها الصدري، لتهتف بصوت خافت: -هتعمل فيا ايه تاني ياجاسر، مبقدرش اعيش وانت بعيد عني، هو أنا فعلا كدا مجنونة
اعدل رأسها ينظر لعيناها
-زي ماأنا مجنون بيكِ ياجنى، اول حاجة فكرت فيها بعد مارجعت لي الذاكرة اشوفك بأي طريقة، رغم رفض بابا
-عمو! اعتدلت تطالعه مذهولة وتسائلت: -عمو كان عارف انك عايش
ربت على كفيها يهز رأسه بالنفي ثم أجابها.
-لا حبيبي لسة عارف النهاردة، بس راكان عارف من شهرين أو اكتر، وياسين عرف من أسبوع بس متقبلناش غير امبارح بس
-ياسين كان عارف انك عايش من اسبوع وساب عمو جواد يدخلني المستشفى
-جنى الموضوع مش سهل، انا امي لسة متعرفش لحد دلوقتي، ومش هقولها غير لما اخلص شغلي
هبت من مكانها فزعة: -لا دا انت مجنون، يعني ايه، يعني هتفضل مستخبي، لا ياجاسر مش معاك في كدا، هو فيه اجمل لما طنط غزل وأخواتك يعرفوا انك عايش.
احتضن وجهها وحاول تهدئتها واقناعها: -جنى ممكن تسمعيني، لازم الناس دي يتقبض عليها دول خطر جدا
تراجعت تبعد كفيه عن وجهها تهز رأسها رافضة حديثه
-ولو ياجاسر، لازم طنط غزل وأخواتك يعرفوا. صمتت للحظة ثم رفعت عيناها التي ازرفت دموعها
-دا بابا عجز بسبب خبر موتك، يادوب ياحبيبي لسة بيعرف يسند نفسه، تخيل لما يعرف انك عايش.
مسح على وجهه بعنف محاولا تهدئتها: -عارف. راكان قالي كل حاجة، وعلشان الوجع دا كله لازم اخد حق وجع السنة دا كله
-جاسر انت معرفتنيش حاجة عن السنة اللي بعدت عني فيها، عايزة اعرف كل حاجة
قام بقص لها كل مامر به إلى أن وصل إليها
نظرت إليه بذهول تشير لنفسها
-يعني إنت خاطب واحدة تانية
-جنى اهدي مش زي ماانتِ متخيلة.
اشعل حقول نيران قلبها بنار الغيرة حتى تحولت إلى كتلة نارية، تتسابق أنفاسها تشعر وكأن جدران الغرفة ينطبق على صدرها، فتحت فمها للحديث ولكن هربت الحروف من مخارجها وكأنها لم تعد تعلم كيفية الحديث ولم يتبقى سوى انفجار عبراتها.
لتنساب بكثرة حتى أصبحت كنوة شتاء متصاعدة، تراجعت تجذب الغطاء تداري جسدها ثم نزلت من فوق الفراش تتحرك بجسد مرتجف وحال لسانها: -عملت ايه في دنيتي علشان اتوجع الوجع دا كله، مرة فيروز ودلوقتي البت الجديدة. هو لدرجة دي السعادة مش مكتوبالي، يعني مش كفاية بعدك عني لا واحدة كمان تشاركني فيك. ليه، انا قلبي خلاص مبقاش فيه حتة صغيرة.
طالعها بأعين عاجزة كيف يمتص ألمها، لقد أزهقت روحه بكلماتها، ونزف قلبه، فنهض متجهًا إليها وحاول الاقتراب منها: -جنى عمري. أشارت بيديها لتوقفه
-وديني المستشفى ياحضرة الظابط، ياريتك مارجعت، على الاقل كنت رسمت لنفسي حياة اعيش فيها، وابني احلامي مع حبيب خيالي.
-جنى اسمعيني لو سمحتِ
اتجهت إليه وبرقت عيناها بشهقاتها المرتفعة لما استمعت إليه صارخة به.
-ايه. ايه حضرة الظابط لحد امتى هكون من اول اولياتك، لحد امتى هدوس على وجع قلبي. ارتجف جسدها من بكاؤها ولم تعد قدماها قادرتين على حملها لتهوى على الأرض بركبتيها يرتفع نحيبها
-يارب خدني بقى مبقتش قادرة اتحمل الضغط دا. يارب خدني قالتها وهي تنزل برأسها اسفًا وبكاء قطع نياط قلبه. ليجذبها لأحضانه.
ويخرصها بطريقته، ظل لعدة دقائق وهو يحاول السيطرة على حزنها حتى تمدد على الأرضية يجذبها لأحضانها يهمس لها بعض الكلمات لتهدئ وهمس بنبرته الحزينة:
-عارف انا دايمًا باجي عليكي، بس وحياة ربنا ياقلبي عمري ماهقرب من واحدة ولا أخليها تلمس حاجة تخصك، طيب عارفة رغم أنا كنت فاقد الذاكرة وهما فهموني أنها خطيبتي بس مكنتش بخليها تقرب مني، زي مايكون قلبي كان رافض الفكرة.
مسد على خصلاتها وانحنى يطبع قبلة مطولة على جبينها
-يارب اموت بجد لو حاولت أذي قلبك ياجنى
رفعت عيناها التي تورمت تهمس له
-قلبي بيوجعني قوي ياجاسر، حاسة مبقتش قادرة اتنفس
انحنى برأسه يقبل موضع قلبها، يهمس لها بعيونًا تهيم عشقًا لها
-ألف سلامة على قلبك ياروح جاسر. غرز رماديته بعيناها
-وعد من حبيبك مستحيل أقرب من اي ست غير جنجونة قلبي. دنى يلمس ثغرها بخاصته
- بحبك بجنون ياجنة قلبي.
أغمضت عيناها تدفن نفسها بأحضانه، حتى توقف يحملها متجهًا إلى فراشهما يضعها عليه بهدوء، ثم يتسطح بجوارها يضمها بقوة ويذهب بسباتًا عميق
مرت عدة ساعات حتى استمع الى آذان الفجر، ليعتدل يستغفر ربه ليزول الشيطان من فوق رأسه، ويذكر ربه متجهًا إلى الحمام ليغتسل ويخرج بعد قليل ويتجه إلى الحي القيوم ليقيم الصلاة التي اقسم بها رب العالمين
والفجر وليال عشر.
انتهى بعد قليل ليذهب ببصره لتلك الغافية بنومها الهادئ، اتجه إليها يمسد على خصلاتها يهمس بجوار اذنها
-حبيبي الفجر أذن قومي علشان تصلي
تمتمت بنومها
-هنام كمان شوية بس. أزال الغطاء ثم رفعها بين فولاذيته القوية ليتجه بها إلى الحمام ينزلها بهدوء لتعانق رقبته
-جاسر عايزة انام
قام بوضعها تحت الدش لتنساب المياه فوقها وهي بين النوم واليقظة إلى أن فتحت عيناها تستوعب ما يفعله.
فتحت عيناها تطالعه بحب متذكرة حديثهما قبل نومها، لتحتضنه تضع رأسها بصدره
-بحبك قوي ياجاسر. ابتسم بحنان وهو يقوم بمساعدتها بالاغتسال لفترة ثم ساعدها بإرتداء قميصه، وتحرك يبحث في المنزل عن شيئا ترتديه لأداء صلاتها. إلى أن عثر أحد الثياب لحياة زوجة باسم. بسط كفيه
-البسي دا لحد ماتصلي، لما اشوف ياسين هيجيب الهدوم امتى
هزت راسها وتناولت منه ذاك الرداء.
انتهت بعد فترة لتجده يجذب صينية بها كوبا من اللبن وبعض السندويشات
واتجه إلى الشرفة، يسحب كفيها بيدٍ والصينية بيدٍ
-تعالي ياحبيبي. جلس وأجلسها على ساقيه يضمها بذراعها ويطعمها بالآخر
عايزك تفوقي ياجنى، عايز جنى حبيبتي اللي سبتها من سنة. نهض من مكانه واتجه إلى المرآة
-شوفي كدا. عجبك شكلك دا، شوفي جسمك كأنك طفلة عندها عشر سنين
حاوطت خصره
-إنت رجعت يبقى كل حاجة هترجع، المهم انك رجعت ياجاسر.
أخرج رأسها ثم رفع ذقنها يطالعها بأعين مظلمة بنيران عشقه هاتفًا بنبرته صوته الأجش بمشاعره: -وحياة كل وجع لأخليهم يندموا
استدارت إليه سريعًا تحتض وجهه: -مش عايزة انا راضية المهم تكون جنبي، ابعد عن الناس دي ياجاسر لو بتحبني
حاوط خصرها واتجه إلى الفراش ساعدها بالجلوس بعدما نزع ثياب صلاتها ثم جلب كوب اللبن وساعدها بإرتشافه.
-أنا مش بس بحبك ياجنى علشان تقولي لو بتحبني. مرر إبهامه على وجهها الذي انطفأ بريقه ثم طبع قبلة خاطفة على ثغرها.
-بلاش تخيريني بين حبي وبين واجبي ياجنى، بلاش لو فعلا بتحبي جاسر لانك كدا بتخسريني شخصية جاسر. يرضيكي جوزك يكون ضعيف ويتمسك بيكي ويتنازل عن حق ربنا في الدفاع عن الأرض والعرض.
طالعته مذهولة. مد يديه يكمل ارتشافها للبن واستأنف: -ماهو لو سبت المجرمين دول يتاجروا في المخدرات والأسلحة يبقى بقضي على جيل الشباب، اللي بعد كدا مش هنلاقي اللي يدافع عن أهل بيته وأرضه. انا كدا ادتلهم فرصة يتلاعبوا بعقول الشباب
رفع كفيه يجمع خصلاتها المبتلة، ثم اتجه وجذب فرشاة الشعر وجلس خلفها وبدأ يمشط خصلاتها البنية ثم طبع قبلة فوقها وهمس لها.
-تخيلي لما كنان يكبر ويلاقي الحاجات دي عادية ويتعاطها هو أو غيره هتكوني مرتاحة. لا حبيبي ربنا بعتنا نعمر الأرض بالخير مش بالفساد ياروح جاسر
جذبها لأحضانه حتى تراجعت بظهرها لتصبح بأحضانه.
-أنا مش هقول حاجة هسبلك الاختيار، ووعد اللي تقولي عليه هعمله، عايزة نقوم نرجع بيتنا والصبح الكل يعرف انا عايش وموجود معنديش مشكلة، المهم تكوني مرتاحة، بس افتكري ابننا لما يكبر حياته وحياة شبابنا ايه، ماهو مفيش حاجة يدمروا بيها الشباب الا المخدرات والانترنت والاتنين اسوء سلاح للأسف، يعني لو حاربونا بالأسلحة كان اهون
استدارت له بعدما أنهى من جدائل خصلاتها مبتسمًا.
-كنت بحب اشوف ضافيرك وأنتِ صغيرة، ولما كبرت كنت دايما اتخيل اعملك ضفاير. هتصدقي لو قولتلك كنت بقعد مع روبي وهي بتلعب بعروستها علشان اشوفها وهي بضفر شعرها واتعلم منها علشان لما نتجوز اعملك شعرك كدا. وكنت اشوف فيديوهات واكلم نفسي امتى نتجوز علشان اعملك كدا
نظرات عاشقة ترشقه بها لتقترب تضع رأسها بين طيات عنقه تقبله هامسة له.
-ياااه. حرام عليك حبيبي توجع قلبي كدا. يعني السنين دي كلها وانا هنا، قالتها وهي تضع كفيها موضع قلبه. وضع كفيه فوق كفيها
-ومش هتخرجي من هنا حتى بعد موتي، حب صبايا وشبابي أنتِ ياجنى، والعوض اللي كنت بتمناه من ربنا، بعد سنين عجاف امتلكت الدنيا كلها بيكِ
أطلقت تنهيدة بنيران عشقه الجارف
بعشقك ياروح جنى
شعر بضخامة صدره ليجذب رأسها لصدره مغمض العينين واه كفيلة لشعوره بتلك السعادة. لمست كفيه مردفة:.
-جوزي أحسن ظابط في الدنيا وإن شاء الله هيقدر عليهم ويقبض عليهم ماهو ابن سيادة اللوا جواد الألفي مش معقول يكون ضعيف
احتضن وجهها واقترب يدمغها بقلبة حنونة
-ربنا مايحرمني منك ياحبيبة قلبي
ياله ننام شوية علشان ارجعك على الساعة تمانية قبل ماحد يحس
تمدد يفرد ذراعه لتتوسده مبتسمة وتحاوط خصره لتذهب بسبات والإبتسامة تزين ثغرها. داعب وجنتيها.
إلى أن استمع الى رنين جرس الباب، فاتجه إليه بعدما وضعها بهدوء على الوسادة وجذب الغطاء ليدثرها به جيدًا
فتح الباب فوجد باسم متوقفًا أمامه بنظارته السوداء، ابتسامة ساخرة على ملامحه
-اه جينا للعكننة بقى، انت ايه اللي جابك وجاي مع مين
لكمه بصدره بعدما رفع نظارته: -دي مقابلتك ليا ياحلوف وانا اللي موت نفسي عياط علشانك، خسارة فيك شوية الدموع
رفع جانب وجهه بشبه ابتسامة ساخرة.
-مش شايف حتى دمعة توحد ربنا، لا وماشاء الله طولت عن الأول وحلويت زي مايكون جوزتني مش دفنتني
جذبه لأحضانه وارتفعت ضحكاته
-والله افتقدتك يامتخلف مكنتش لاقي حد يضحكني
تراجع بجسده يشير إلى نفسه مذهولا
-ليه حد قالك عليا اراجوز، مالك فشتك عايمة اتكونش عينوك وزير الداخلية على جثتي يااخويا
ضمه باسم ومازالت ضحكاته مرتفعة إلى أن حاوطه جاسر يدفن رأسه بأحضانه.
-وحشتني قوي ياعمو. ربت على ظهره واختنق صوته وكأن الذي كان يضحك منذ لحظات قد تبخر، ليردف
-فداك عمو ياروح عمك. أخرجه يحتضنه وجهه بقوة وانسابت عبرة
-كدا ياجاسر تعمل فينا كدا، طيب طمنا بعد مافوقت على نفسك
قبل كتفه يزيل عبراته التي انسابت رغما عنه
-حبيبي والله الموضوع كان كله احتياطي مش اكتر
ربت على كتفه قائلًا: -برافو على راكان والله مش عارف اشكره ازاي. رجع لنا روحنا.
استمع الى خطوات صغيرة وصوت بالخارج التفت وجد كنان يهرول أمام جواد حازم ويضحك
تجمد جسده للحظات وهو يطالع قطعة مصغرة منه. جلس على عقبيه يفتح ذراعيه إليه ولكنه تراجع خوفًا إلى جواد يتمتم
دود عمو. قالها وهو يشير إلى والده.
انسابت عبراته بغزارة. يالله ماهذا الشعور الذي ينخر بالضلوع. ابنه فلذة كبده، يستعين بغيره خوفًا منه. ابتلع ريقه الذي جف من اختفاء ابنه خلف جواد خائفًا منه فهمس بتقطع: -كنان حبيبي تعالى لبابا
احتضن ساق جواد بقوة يدفن رأسه بينهما خوفا من جاسر الذي زادت دموعه. جلس جواد على عقبيه، واحتضن كنان وابتسم يشير على جاسر.
-عارف مين دا كنان. ياالله كيف لطفل لم يتعدى السنتين أن يفهم مايرمى له من الحديث. فاقترب منه يمد ذراعيه
-حبيبي تعالى في حضن بابا
امسك أنامله الصغيرة وجواد يشير إليه
-روح لبابا حبيبي دا بابا. انت اسمك ايه
نظر إلى جواد يتمتم بصوته الطفولي
كنا، ن قالها بتقطع. قبله جواد يصفق له وأكمل بابا اسمه ايه.
-عز. هنا انهار بكاء جاسر يسحبه لأحضانه يضمه بقوة وكأن أحدهم. طعنه بخنجر بارد، تراجع به وكأن احدًا سيختطفه من أحضانه
-لا ياحبيبي بابا اسمه جاسر. همس الطفل وهو بأحضان والده
-بابا جا، سر نا نا. قول
ظل يقبله بكل انش بوجهه
-روح بابا انت حبيبي. أغمض باسم عيناه التي انزرفت عبراته من ذاك المشهد يربت على كتف جاسر
-جاسر الولد مش فاهم حاجة لسة صغير. حمله بين ذراعيه متوقفًا
-حبيب بابا انت. كبرت ياقلبي.
لمس الطفل وجهه يمسح دموعه وتحدث بصوت طفولي متقطع
-عايز عز. ضمه متجهًا للداخل ينظر إلى باسم وجواد حازم
-آسف. قالها ودلف للداخل يضمه مع بكاؤه بعدما اغلق الباب على جواد حازم. حاول تهدئة ابنه مع دموعه التي انسابت رغمًا عنه وكأنه أصبح طفل مثله
-حبيبي ماما جوا. دلف للداخل وجدها تعتدل على الفراش بعدما استمعت لصوت بكاء طفلها. هبت من فوق فراشها متجهة إليه بعدما وجدت جلوس جاسر بالأرض يحاول الهائه.
-كنان. هرول الطفل إليها يهتف اسمها بصوت بكائه
-دنا ماما. رفعت عيناها لزوجها الذي خارت قواه ليجلس ينظر لذراعيه الذي تركهما ابنه خوفًا منه
حملته واتجهت إليه تجلس بأحضانه على الأرض وهي تضم كنان
-شوف بابي رجع من السفر ياكنان، بابي كان رايح يجيب تشكوليت لكنان ورجع
لم يفهم معنى حديث والدته. رفع الطفل عيناه التي مازالت بها اثار الدموع. جذبت جنى كف زوجها تضعه فوق رأس ابنها.
-كنان حلو جميل عايز بابا ياخده في حضنه. أنزلته من أحضانها تضعه بينهما
-وحاوطت جسد زوجها وابنها معًا حينما وجدت نظرة الألم والحزن على شعور ابنه نحوه
رفع كفيه يمسد على خصلاته، فابتسم الطفل إليه، انحنى يطبع قبلة فوق جبينه يداعبه حتى ارتفعت ضحكاته ونسي أحزانه منذ قليل
رفعه من فوق الأرض يضمه لأحضانه يستنشق رائحته وهو مغمض العينين وآآه جياشة من قلب متعذب بفراق فلذة كبده لتنساب دموعه رغمًا عنه.
-حبيب بابا انت ياروحي، لمس وجهه والده. وضعت جنى كفيها فوق كف ابنها حبيبي دا بابا. ياله مين دا كنان
طالعها الطفل بنظراته بصمت، فهزت جنى رأسها إليه: بابا، مين دا كنان ياله حبيبي بابا. لمس الطفل وجهه قائلاً:
-بابا. آآآه صاح بها جاسر وهو ينهض يضمه بقلبه قبل ذراعيه يدور به بالغرفة ويقبل كل انش بوجهه
-روح وقلب بابا انت.
ارتفعت ضحكات الطفل، ظنا أن والده يلاعبه ولا يعلم أن هذه ماهي سوى لحظة اشتياق كعودة الروح للجسد
تحرك به للخارج.
-تعالى نلعب برة ايه رأيك. هز رأسه بابتسامته. بحث بمنزل باسم عن دراجة ابنه، دلف يبحث بغرفة الألعاب ولكنه لم يجد سوى طائرة ورقية. أخرجها وسحب كفيه، متحركًا للخارج. يحاول أن يجد شيئا يسعده بها، حاول وحاول وتمنى أن يجلب إليه نجمة من السماء، نزل ببصره إليه بعجز، يريد أن يخرج على أكبر متجر ألعاب ليبتاع له كل مابه.
جلس على عقبيه بمستواه.
-بابا هيتصرف علشان كنان يكون أسعد طفل في الدنيا. كان ينظر لوالد ولم يعي لحديثه.
-استندت على الجدار تعقد ذراعيها أمام صدرها
-كدا انا أخرج منها يعني. رفع نظره إليها مبتسمًا
-جهزي الفطار هنلعب شوية في الجنينة انا و كنان. أشار إلى المطبخ
-بابا كان جايب حاجات امبارح عندك في التلاجة، اعملي كوباية لبن للبطل.
قالها وأمسك كفيه الصغير متحركًا للخارج، وصل إلى حديقة المنزل ثم مط شفتيه يتلفت حوله، فجلس على عقبيه يحتضن كف ابنه
-الطيارة دي مش هتنفع تطير هنا، رفع هاتفه يحادث باسم: -بيتك الخربان دا مفهوش لعبة للولد ياسيادة العقيد، كفاية عليا عقيد وانت اخرك غفير
قهقه باسم وهو يقود سيارته: -تليفون مين دا يالا. وضع ذراعيه متخصرا.
-تليفون ابويا. انا بسأل عن لعبة لحضرة الظابط الصغير كنان الألفي مش بقولك تعالى اعاكسك، مازال يضحك ثم أجابه: -طيب ياابو حضرة الفصعون، عندك اوضة في الجنينة هتلاقي فيها العاب ودي هدية رجعوك
-ابتسم متهكما: -هدية رجوعي لا والله كريم اللي يسمعك وانت منتفش قوي وبتقول هدية رجوعي يقول الرجل بنى لي برج خليفة. خايف ادخل الأوضة الاقي فيها كاوتش عربيتك القديم. ارتفعت ضحكات باسم حتى أدمعت عيناه
-وحشتني يامتخلف!
-شكرا ياسيادة عقيد المزرعة. قالها وأغلق الهاتف، ثم ذهب ببصره إلى غرفة صغيرة بالحديقة، اتجه إليها فتحها وأخرج بعض الألعاب. امسك سلاح لعبة يقلبه بكفيه
-لا شاطر يابسوم، جايب مسدس لابنك، مش لما تتعلم انت الاول. نظر لابنه الذي تحرك بالغرفة يسحب ذاك الحصان المتحرك. ضيق عيناه يحادثه
-بتعمل ايه يابابا!
أشار إلى الحصان. فضحك عليه ثم تحرك ورفعه فوقه.
- هتطلع بتحب الخيل ولا ايه يابن جاسر. استمع الى خطوات زوجته خلفه وهي تحمل كوبًا من اللبن
-بقالي ساعة بدور عليكم. خطت إلى أن وصلت إلى ابنها الذي فوق الحصان
-طيب انزل حبيبي اشرب اللبن الأول
هز رأسه بالنفي وهو يلعب بآلة تحكم الحصان. مسدت على خصلاته تطبع قبلة تنظر إلى جاسر الذي يقوم بقوم بإفراغ الالعاب الكهربائية.
-ياله حبيبي اشرب شوية صغننين، كنان بطل هز رأسه مرة أخرى ولكنها حاولت معه إلى أن ارتشف نصف الكوب وهي تدلله، كان يقف خلفهما يطالعهما بعشق عيناه. اتجه ببصره يبحث بالألعاب إلى أن وصل إلى تلك السيارة الكهربائية. تحركت إليه
-بتعمل ايه. كان يفحصها ثم أجابها: -بشوف حاجة من الحاجات دي شغالة ولا لا، جذب كفيها بعدما تناول منها الكوب يضعه فوق طاولة التنس
-ايه رأيك في دي. نظرت لتلك البندقية.
-تؤ. أخرجتها من بين شفتيها ثم استدارت تنظر إلى ابنها الذي انشغل بالألعاب
-احنا هتفضل هنا كتير، مش كنت بتقول هترجعني المستشفى
رفع نظره من فوق مايفعله ثم أشار له بالنفي: -لا مش هترجعي انا كلمت بابا وهو هيتصرف، هو اللي بعت كنان، هيتصرف بكل حاجة. قام بتشغيل السيارة فاشتغلت ينادي على ابنه متجهًا إليه يحمله إلى أن وصل لتلك السيارة ووضعه بها.
-ياله حبيبي امسك دي ولفها كدا. ظل معه لبعض الوقت وهو يشغله بالألعاب حتى أنهك بلعبه. أما جنى التي دلفت للداخل وقامت بإعداد وجبة افطارهم مع صوت الموسيقى الهادئة على صوت ام كلثوم. حمل طفله متجها به للداخل عندما شعر بإرهاقه، ضمه لأحضانه ومازال يداعبه، دلف للداخل وجدها تقوم بإخراج الطعام على طاولة بالحديقة، جذب المقعد وجلس وأجلس كنان على ساقيه، يشير إلى جنى.
-مين دي تعرفها. أغمض الطفل عيناه يصفق بيديه يضحك ثم هز رأسه بالموافقة
-دانا ماما. قبله بقوة يضع جبينه فوق جبينه يداعبه.
-دانا ماما. اسمها جنى ولا اقولك بلاش جنى خالص اسمها مامي يالا قال دانا
ضحك الطفل بشقاوة، فانحنى يداعبه
-اكلك منين ياقط ياصغير. وصلت إليهم ببعض الطعام تضعه فوق المنضدة تنظر إليهما بإبتسامتها الجميلة. طالعها بتدقيق مبتسمًابعدما أنار وجهها بعيونها اللامعة بالسعادة.
-جذبت المقعد بجواره وبدأت تطعم ابنها إلى أن انتهى من طعامه. دنى منها يهمس بجوار أذنها
-طيب وانا ماليش في الدلع. رفعت نظرها إليه ترد عليه بصوت خافت
-إنت ليك في الدلع كله حبيبي. قالتها وهي تمسد على وجهه.
امال برأسه مرة أخرى يقترب من ثغرها
-عايز أفطر لازم تفطريني. اتجهت إلى الأطعمة وهتفت مبتسمة.
-عمو جواد جايب كل حاجة بتحبها، زي مايكون طول الوقت اللي فات دا مكنتش بتاكل علشان كدا جايب جميع انواع الاكل اللي بتحبه
جذب رأسها هامسًا لها
-بس أنا اكلي المفضل حاجة تانية
ارتجف جسدها من همسه وانفاسه التي دغدغ بها مشاعرها مما جعلها تضع رأسها بعنقه تستنشق رائحته الرجولية بوله.
-وحشتني قوي. النهاردة بس حاسة بالحياة. أطبق على جفنيه فهو علم بكم الآلام التي مرت بها. جذبها بقوة لتجلس فوق ساقيه الأخرى، يضمها بذراع ويحمل ابنه بذراعه الآخر قائلا
- انا عارف انك بتحبيني ومتأكد من دا قوي، بس مكنتش اعرف انك بتحبيني قوي كدا.
تعمقت بالنظر لعيناه تردف بنبرة شجية
-ليه بتقول كدا، شوفت حبي قليل عليك علشان تقولي كدا. رفعت كفيه تضعه على موضع قلبها
-هنا مفيش غير دقات لجاسر وبس، دا حب اكتر من خماستشر سنة ياجاسر، من اول ما قلبي عرف يعني ايه حب وأنا الهبلة العبيطة اللي مفكرة دا حب اخوي، وبعد دا كله نتحوز ونعيش مع بعض
اه عشنا مع بعض سنتين بس بالسنتين دول كل لحظة فيهم وانا في حضنك بعمر كامل وانا بعيد عنك.
ضمها بقوة لأحضانه وكأنها ستختفي من العالم يضع رأسه بخصلاتها
-آسف ياجنى، آسف على كل لحظة بعدنا فيها عن بعض، وعد مني ياروحي بعد ما اخلص القضية دي مش هبعد عن حضنك ولو دقيقة واحدة
لمست وجنتيه وابتسمت
-المهم تكون كويس وقدام عيوني ياجاسر، انا مش طالبة اكتر من كدا
قبل يديها التي تضعها على وجنتيه وجذب رأسها ينثر ترانيم عشقه فوق ثغرها لبعض الوقت ثم نهض يسحب كفيها وهو يحمل ابنه ودلفا للداخل.
-بحي الألفي قبل عدة ساعات
ولج جواد بعد توديعه لابنه إلى منزله وجد ياسين بإنتظاره طالعه مبتسمًا بعدما ضاعت الابتسامة لشهور ثم تسائل: -مامتك نامت ولا صاحية!
تحرك بجواره متجهًا إلى مكتبه ودلف للداخل مجيبا
-تعبتني جدا لحد ما اقتنعت، وكويس أن حضرتك عملت حسابك وكلمت عمو باسم وفهمته. جلس على الأريكة وفرد ساقيه متألمًا. اقترب ياسين
-حضرتك كويس. اومأ له بابتسامة مريحة كطفل حصل على جائزة وأشار له بالجلوس.
-عايزك تروح المستشفى وتكلم الدكتور وقوله بابا اخد جنى هيسفرها برة، ومش عايز حد يعرف، لو عز سأل عليها خليه يتعامل مع الموقف دون ماعز يشك. في الوقت دا لا زم أنك تقنع عز أن كدا احسنلها وانا هتابع حالتها بنفسي
قطب جبينه متسائلاً: -عز مستحيل هيقبل الوضع دا، وهيحاول أنه يضغط على الدكتور. صمت لفترة ثم نظر لوالده
-حضرتك بتفكر في ايه يابابا، وليه مش عايز جاسر يجي هنا.
اعتدل بجسده يطالع ابنه ثم اجابه: -علشان لو جه هنا هيقتلوه هناك، اه انا بقولهالك مش تستغرب، دول ناس طايلة وممكن متجيش في جاسر بس ممكن تيجي في اي حد من العيلة. ايه نسيت عملوا فيك علشان يلهو اخوك عن القضية ولا الخدامة اللي دخلوها بيتي وبيت حازم، لازم نكون سابقينهم بخطوة، الكل عارف أن جاسر ميت، يعني عدم معرفتهم دلوقتي مش مشكلة كبيرة
-طيب جنى، ليه عايز تقنع عز أنها في المستشفى.
-ايه ياحضرة الظابط عايز أحرم اخوك من مراته، طيب هو خطط علشان يعرف يفلت منهم اسبوع ويجي يشوف مراته وابنه، انا احرمه منهم ليه، لازم اشوف حاجة ابعد بيها جنى عن حي الألفي والمستشفى مكنش قدامي غير بيت باسم اللي في اكتوبر، اهو بعيد عن الكل وفي نفس الوقت مفيش حوله غير مزارع والفلاحين اللي حارسين المزارع دول عارف تاريخ كل واحد فيهم وعارف هيعملوا ايه لو حسوا بالخطر، غير الكاميرات اللي مالية البيت وحرس باسم اللي مختارهم بعناية.
اومأ ياسين متفهما ثم هتف متسائلا: -طيب كنان ازاي هيوصل لابوه
أغمض عيناه بعدما تمدد على الأريكة
-بعد الفجر جواد هياخده هناك وبحجة جنى عايزة تشوف ابنها والدكتور كلمني ومكنش قدامي حل غير اقرب جواد من جنى الا بالطريقة دي
يعني ايه تقرب جواد من جنى، حضرتك كنت عايز تجوز جنى لجواد لولا ظهور جاسر
تنهيدة عميقة ممزوجة بالألم ليجيبه
-كان مجرد اقتراح على صهيب وحازم علشان ابن اخوك. نهض ياسين مذهولا يدور بالغرفة.
-ايه اللي حضرتك بتقوله دا، ليه احنا رحنا فين علشان تجوز جنى لجواد، دا روح جاسر فيها
-ايه كنت هتتجوزها انت ياحضرة الظابط ولا اجوزها لأوس
ارتعش ياسين بجلوسه. يحرك رأسه برفض: -مش قصدي يابابا. اعتدل جواد بجلوسه، وسحب نفسًا يزفره بهدوء ثم رفع عيناه لابنه.
-ساعات فيه حاجات بتبقى مرغم تعملها حتى لو غصب عنك ياياسين، وانسى الموضوع دا وركزلي في اللي طلبته، بكرة لازم كنان يكون عند أبوه، خليه يشبع منه قبل مايسافر
قالها ونصب عوده متوقفًا يجذب عصاه، ليغادر فأوقفه ياسين
-ليه ماوقفتش جاسر يابابا مش كفاية وجع قلب.
-لانهم مش هيسبوه عايش، وكلنا اعمارنا مقدرة يابن جواد رغم الوجع والفقدان بس مينفعش امنع اي حد فيكم على أداء واجبه انا في وقت من الأوقات عارضت بس طلعت غبي وضعيف الايمان. استدار برأسه ورمقه قائلاً: -يعني زي ماانضربت بالرصاص وانت راجع من شغلك، رغم انك مكنتش في مهمة بس كان ممكن تموت، لو لينا اعمار مكتوبة لسة في الحياة مما تهرب هيجي أجلها حبيبي.
وأينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة.
مش دا كلام ربنا، احنا ايه يابشر علشان نعترض ونحرص، أول مرة أحس أني غبي، وربنا فوقني، ورغم اعتراضي رجع لي روحي بس الدرس كان مؤلم يابني بكرة لما ابنك يكبر هتفهم كلامي، بس نصيحة مني اترك المخلوق للخالق مفيش حد هيحافظ عليه قد ربنا. وانا استودعت ربنا في كل ماأملك. قالها وتحرك للخارج
صعد إلى غرفته وجد زوجته تقرأ بكتاب الله. ومااعظمه من كلمات تهدئ من ضعف القلوب وتقويه بالأيمان وتنير القلب قبل الوجوه.
اللهم اجعل القراءن العظيم ربيع قلوبنا يارحمن يارحيم
ظل يتابعها لعدة دقائق بصمت، طالعها بعيون مليئة بالحب والحنان وهي ترتدي ذاك الرداء الأبيض، حقا كانت بأعينه ملاك من ملكات الحور لقلبه الشغوف بعشقها. صدقت قرائتها ورفعت رأسها بابتسامتها الخلابة التي تخطف لبه. اتجه إليها يقبض على كفيها بحنان أبوي قبل عاشق، يساعدها بالوقوف
حاوطت خصره تضع رأسها على صدره.
مهما طالت السنوات يظل صدره ملجأها ليسحب احزان قلبها. لف ذراعيه حول جسدها وانحنى برأسه يضعها بخصلاتها واطبق على جفنيه
-عاملة ايه حبيبة جود!
خرجت من أحضانه تعانقه بعيناها
-ياااه ياجواد من زمان قوي ماقولتش الكلمة دي
احتضن وجهها بين راحتيه وانحنى يطبع قبلة حنونة على جبينها
-آسف ياقلب جود. عارف قصرت معاكي وأهملتك الايام اللي فاتت، وعد ياغزالة قلبي هنسى كل حاجة واعيش لغزل واحفادنا وبس.
انسكبت دمعة من طرف عينيها فازحها بإبهامه ينظر إليه بقلبًا مفتت بالألم بسبب أوجاعها. سحب أحزانه بعيدًا عنها وحاول سحب أحزانها ليهتف بنبرة حنونة: -ليه البكى دا ياقلبي. ارتفع نشيجها تضع رأسها بصدره حتى لم تسيطر على شهقاتها
-مش قادرة ياجواد، انا ضعيفة قوي ومش قادرة اتحمل وجعه قلبي، ادعي لي ربنا يربط على قلبي، حاسة الدنيا بتخنقني وبتقولي مالكيش انك تفرحي.
سنة عذاب والم ومش قادرة اتخطى فقدان ابني، قولي عملت ايه علشان تقدر تواجه الألم دا.
-اشش اهدي ياغزل حرام عليكي متقوليش كدا ياحبيبتي، كدا ياغزل ينفع تعترضي على ربنا، يعني احنا مين علشان نقول لربنا ليه
سحبها إلى فراشهما وساعدها بنزع ثياب صلاتها. ثم نزع ثيابه يشير إليها لجذب بيجامته.
-خلاص نسيتي جوزك ياغزل، حتى مبقتيش تساعديني في لبسي. اومأت له تتحرك متجهة لغرفة ثيابه لجلب ملابسه، جلس محاولا السيطرة على حزنه، كيف له أن يتعامل معها بعد معرفته بوجود ابنه قطع شروده مع نفسه، حينما ربتت على كتفه تطبع قبلة على وجنتيه معتذرة
-حقك عليا حبيبي. قالتها واتجهت إلى ناحية الفراش الأخرى لتتمدد تواليه ظهرها لتغفو هروبًا من ظهور حزنها أمامه حتى لا يضعف بسببها.
ارتدى ثيابه وتسطح بجوارها يسحبها لأحضانها يمسد على خصلاتها هامسًا بجوار أذنها: -شعرك ابيض ليه كدا يا زوزو، مش ناوية تصبغيه، لا انا ماليش دعوة، انا راجل مزاجي وبحب مراتي تفضل في عيوني صبية وشقية، وحضرتك نسيتي كدا. اعمل ايه دلوقتي وانا شايفك كدا. طول الوقت حزن وقافلة على نفسك، ثم ملس بيده على قميصها الاسود الطويل
-والقميص دا مبيتغيرش، طيب يعني.
لاحظي انك وحشتي جوزك، ولا يروح يتجوز بنت صغيرة تعيشه الكام يوم اللي فضلينه
استدارت إليه سريعا ترمقه بنظرات نارية وكأن اشتعال غيرتها حولتها إلى شخص اصابه الجنون، لترفع ابهامها بتحذير
-أنا مبحبش الهزار حتى في الكلام دا يابن عمو حسين، بنت مين اللي صغيرة اللي ترجع شبابك إن شاءالله ودلوقتي انا بقيت وحشة ومعجباش الباشا
ارتفعت ضحكاته يداعب خصلاتها
-دا انت اللي باشا ياغزالتي
ضيقت عيناها تدقق النظر بعيناه.
-مالك النهاردة ياجواد، شايفة وشك منور وكأنك رجعت عشر سنين لورا
تسطح يضع كفيه تحت رأسه مردفًا
-كويس انك اخدتي بالك ياغزل
اعتدلت تستند على ذراعها تحاصره بنظراتها
-جواد إنت بتحب عليا
نظر إليها بذهول حتى توسعت عيناه فجأة، فأطلق ضحكات صاخبة كادت تصم أذنها. اعتدلت جالسة تدفعه بكفيها.
-لا والله انت وراك حاجة النهاردة ولو مقولتش ايه سبب الضحك دا هسيب لك الاوضة، وروح للمكيفاك كدا، دا انت مضحكتش كدا يمكن من عشر سنين، أشارت بيديها عليه عندما ازدادت ضحكاته
-شوف بتضحك ازاي. طيب قوم روح للمفرحاك كدا ياسيادة اللوا
جذبها بقوة حتى سقطت فوقه وهو يحاصرها بذراعيه ومازالت ضحكاته تنير وجهه، رفع خصلاتها التي غطت وجهها تحاول الفكاك من قبضته.
-وسع ياجواد، زعلانة منك، زهقت مني علشان حزينة على ابني واكيد اتعرفت على واحدة صغيرة، مش واحدة شعرها ابيض زيي
بتر حديثها بجوفه للحظات مسيطرًا على نوبة غضبها. بعد قليل توسدت ذراعيه
-مش تقولي مالك النهاردة
جذب رأسها لصدره، يمسد على خصلاتها وتنهيدة عميقة مغمض العينين للحظات حتى رفعت رأسها
تلمس ذقنه.
-جواد اوعى تكون اضيقت مني الايام اللي فاتت وعرفت واحدة حق وحقيقي. ابتسامة حنونة طالعها بها ثم رفع ذقنها وتعمق النظر برماديتها
-مجنونة ياغزالة روحي، كنت عملتها وانا شاب لما اعملها وانا عجوز يامجنونة
-عجوز! مين دا إن شاءالله اللي عجوز
لمست وجهه باناملها ونظرة عاشقة تحيط هالته من عيناها
-مين دا اللي عجوز إن شاءالله، انت اجمل راجل في الدنيا
وضعت رأسها بحنايا عنقه، تحيط جسده بذراعها.
-انت عوضي حبيبي عن كل ألم وكل حزن سكن روحي، واللي متعرفش قيمة راجل زيك يبقى حرام عليها الحياة اصلا
ضمها بقوة لأحضانه فقد نجح فيما سعى إليه وهو نسيانها اوجاعها ولكن كيف للقلب أن ينسى حزن فقد الغالي
بغرفة أوس.
انتهى من صلاة القيام ونهض متجها إلى غرفة ابنته وجد زوجته تقص لها قصة سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم. تراجع إلى غرفتهما وجلس يجذب ذاك الإطار الذي يجاوره، رفعه يجذبه يطالعه. صورة تجمع إخوته جميعهم جاسر وغنى، وياسين وربى وهو مرر أنامله إلى أن وصل إلى صورة أخيه وضعفت جفونه لتنبثق دموعه رغمًا عنه بعد تذكره لبعض من ذكرياتهما، وضع الإطار سريعًا يزيل عبرات ضعفه. وصلت إليه ياسمينا أسرعت إليه هاتفة: -أوس مالك حبيبي؟ «هز رأسه يتمدد على الفراش مواليها ظهره بعدما أزال دموعه.
-ياسمين أطفي النور تعبان وعايز انام
جلست بجواره على الفراش تربت على كتفه
-أوس مالك حبيبي انت تعبان
استدار إليها وبنبرة متألمة
-ممكن تاخديني في حضنك من غير اسئلة. تمددت بجواره سريعًا دون حديث تمسد على رأسه لبعض الوقت حتى ذهب بسباتًا عميق
بغرفة ياسين
دلف إلى غرفته يبحث عن زوجته، وجدها تخرج من مرحاضها تلتف بمنشفتها. توقف يطالعها بعيونًا عاشقة.
اصطدمت بوقوفه عندما كانت منشغلة بمنشفة رأسها. تلاقها بذراعيه لتصبح بأحضانه. ارتجف جسدها تهمس بتقطع
-جيت امتى؟
رفع كفيه ونزع منشفة خصلاتها لتنساب قطرات المياه لعنقها وهو يفترسها بملامحه الصقرية، دنى ينحني برأسه بحناياها يستنشق رائحتها بوله عاشق حد النخاع
-ريحة الورد تجنن ياروحي. زاغت ابصارها تبتعد عن نظراته الافتراسية لتهمس بتقطع: -ياسين ابعد شوية الفوطة هتوقع. همس بجوار أذنها.
-خليها توقع هيكون احسن، ارتجف جسدها من أنفاسه الحارة التي داعبت عنقها المرمري. شعر بضعفها بعدما خارت قواها لتستند بجسدها عليها لينحني يحملها بين ذراعيه هامسًا بصوت خافت: -الفوطة وقعت ياقلبي تعالي ألبسك علشان متبرديش. حاوطت عنقه تدفن رأسها بصدره بعدما توردت وجنتيها من تلميحاته
بعد فترة كانت ترسم دوائر وهمية على صدره تناغشه بضحكاتها الأنثوية المزهقة لقلبه. ضربها بخفة.
-ايدك ياماما، دي ملك الحكومة. لكمته بضحكاتها الناعمة
-ماهو أنا الحكومة ياحضرة الظابط. قهقه عليها بصوته الرجولي الذي خلب عقلها لتتطلع إليه بموج بحرها: -اول مرة تضحك من زمان قوي ياياسين. تدوم ضحكتك حبيبي، اخيرا رجعت الضحكة لعيونك
جذب رأسها لصدره يتلاعب بخصلاتها ثم قبل جبينها واعتدل جالسًا يجذبها لأحضانه.
-عاليا فيه موضوع مهم قوي، يعتبر حياة أو موت وعايزك تسمعيني للأخر، وإياكي حرف من اللي هقوله يطلع برة الأوضة دي مهما كانت الظروف، رفع ذقنها يتعمق النظر ببحر عيناها قائلًا
-جاسر عايش!
نطت من فوق الفراش تصرخ
-جاسر عايش. دفعها بقوة يكتم أنفاسها بخاصته للحظات، ثم تركها يشير بابهامه محذرا إياها بعدما سحب أنفاسها بقبلته.
-اسمع صوتك هخنقك، مجنونة هتفضحيني. وضعت كفيها على صدرها تحاول تنظيم أنفاسها إلى أن هدأت. رفعت عيناها إليه منتظرة حديثه: قام بقص ماحدث من اول اكتشاف راكان إلى مقابلته بجاسر
انسابت دموعها بقوة على وجنتيها مما جعلها تجذب روبها ترتديها متوقفة تدور بالغرفة كالذي فقد عقله
-يعني جاسر عايش. اتجهت بنظراتها لزوجها تترجاه بعيناها بحقيقة حديثه. أومأ لها بعينيه المبتسمة.
-حبيبتي ياجنى يعني كان إحساسها صح، يعني مش مجنونة زي ماكلنا اتهمنها
اومأ لها واستأنف حديثه: -بالظبط كدا، شوفت الحب مش أنتِ ياست بلقيس
اقتربت منه ومازالت تحت تأثير الصدمة ولم تكترث لحديثه
-يعني إنت قابلته، شوفته قدام عيونك، لمسته كدا واتاكدت أنه هو ياياسين
سحبها بقوة لتجلس تحت حنان ذراعيه. تمسحت بصدره
-ياسين بجد جاسر عايش. ذهب بذاكرته إلى مقابلة راكان منذ يومين
فلاش باك.
ترجل من سيارته متجها إلى عمله، وجد راكان يعرقل طريقه
-عايز اقبض على حضرة الظابط
رسم ابتسامة على وجهه وشاغبه بحديثه: -ياترى خطفت قلب سيادة المستشار ولا ايه. خلع نظارته ينظر لمقلتيه
- قابلت جاسر، واتكلمنا، ولازم دلوقتي تيجي معايا علشان تقابله!
تجمد بجسده، ودقات عنيفة تصخب بصدره، وشعر وكأن الأرض تدور به
-إنت كلمته، يعني اتأكدت أنه هو
ارتدى راكان نظارته واستدار إلى سيارته.
-الحقني بعربيتك، وبلاش تهور اللي يشوفك هيقول ماله دا. اجمد كدا صاحبك جاي عليك، اعمل حجة وتعالى ورايا على بيتكم في الفيوم
اومأ برأسه سريعا بوصول كريم
-حمدالله على السلامة ياسيد الناس، القاهرة نورت تاني. لم ينظر إليه كان مازال تحت تأثير الصدمة، ونظراته تراقب مغادرة راكان، لم يشعر بكريم الا حينما ربت على كتفه
-ياسين إنت معايا
اه. استدار يهز رأسه وتحرك للداخل وخرج خلال دقائق متجها إلى الفيوم.
وصل بعد فترة. ترجل من سيارته سريعا لا يعلم كيف وصل إلى هنا، كأنه طائر ب جناحين، وهناك صور لأخيه تراوده وعقله يرسم الكثير من كيفية اللقاء
بالداخل، قبل قليل
كان جاسر ينتظره على أحر من الجمر
اتجه إلى راكان الذي جلس أمام حاسوبه وكأنه يراقب أحدهما فتسائل
-قولت هيجي وراك، اتأخر ليه. رفع رأسه من فوق جهازه
-ممكن زحمة طريق، أهدى اكيد جاي
خلل أصابعه بخصلاته يرجعها للخلف بقوة، ثم تحرك ذهابا وإيابا.
نفث راكان تبغه وقام بتوبيخه
-مش عارف اركز منك، دا اخوك اومال لو مراتك هتعمل ايه. توقف جاسر يرمقه باستياء يشير إلى جهازه
-اشتغل وانت ساكت، هتفهم احساسي ازاي. انا مش مستني ياسين بس. انا منتظر عيلتي كلها، فيه ريحة امي وابويا واخواتي وابني. يمكن حاجة تصبرني على انا فيه، بدل حضرتك رافض مقابلة ابويا.
قطع حديثهم فتح الباب ودلوف ياسين بخطوات متمهلة ورغم خطواته الهادئة إلى هناك عيونا صقرية جائعة تبحث بلهفة بأركان المنزل عن أخيه
توقف جاحظ العينين عندما وجده متوقفًا بمقابلته، يردد بتقطع
-جا. سر. تحرك جاسر إليه بينما توقف الآخر وكأن ساقيه فقدت الحركة ولم يعد لديه القدرة على التحرك انش واحد، حتى ارتجفت عيونه محاولا التأكد من وجوده. وصل إليه جاسر
ونظرات اشياق متعانقة قبل تعانق الأجساد
جذبه بقوة لأحضانه.
-حبيبي اتأخرت ليه؟
هنا آفاق من صدمته وآآه عميقة خرجات من ثنايا روحه
-حبيبي حمدالله على سلامتك، عانق الأخوان بعضهما البعض بقوة وكأن كل واحد منهما يأخذ قوته من الاخر. جاسر الذي وجد به رائحة والديه، وياسين الذي أعاد الله سنده وقوته. ظل لعدة دقائق وكلا منهما يمتص من الاخر مايريده.
أخرجه جاسر يحتضن وجهه
-عامل ايه وبابا وماما عاملين ايه
أزاح دموعه يهز رأسه بدموع عيناه
-هيكونوا عاملين ايه من غيرك، ماما حالتها وحشة قوي، وبابا بلاش اقولك أنه اتكسر.
كور قبضته بغضب متجها بنظراته إلى راكان وحاوط كتف أخيه: -عايز ابويا لازم اقابل ابويا، انت قولت هتقابله ليه رجعت في كلامك
زفر راكان باستياء واردف: -كان لازم اخدك على قد عقلك، اللي بتطلبه دا صعب، عايز تقابل مراتك وابوك ازاي بس.
وصل إليه بخطوة، ودفع الطاولة بقدمه ليسقط جهازه ليتحطم فوق الأرضية
-عايز اقابل ابويا ياراكان، و النهاردة سمعتني لازم أقابله بأي طريقة، وزي ماجبت ياسين هتجيبه
جز على أسنانه ينظر لجهازه المتحطم
-إنت ياغبي ابوك مش هيتحمل فكرة انك عايش ويسيبك تعمل اللي عايزه، دا اب فقد ابنه وفجأة بعد سنة رجع قدامه، ازاي هيتنازل عليك بعد ماداق وجع بعدك
أطبق على عنقه وهمس بفحيح.
-ابويا هتجيبه ياراكان يااما انا اللي هرحله، سمعتني، لازم ابويا يعرف اني عايش
لكمه بقوة مبتعدًا عنه
-طيب بكرة النهاردة مينفعش، علشان ابوك مش في البيت عند باسم دلوقتي
خرج من شروده على حديث عاليا
-دا حلم دا ياياسين، معقول الميت بيرجع
-عاليا جنى عرفت جاسر عايش، وراحلها وهي دلوقتي معاه، عايزك لما ترجع متسبهاش ولا لحظة، علشان نعرف نرد على كلامها اللي بتقوله.
-يعني جاسر عايش صح والله عايش. قالتها وهي تصفق بيديها والسعادة تتقاذف من عينيها. جلست على ركبتيها تنظر إليه
-حبيبي براحة عليا وفهمني ازاي جنى معاه دلوقتي هي مش في المستشفى
جذبها من عنقها واخرصها ثم تراجع
-تعالي ننام جننتيني دا جنى نفسها معملتش كدا
وضعت اصبعها على شفتيها وأخرجت زفرة تعاتبه
-كدا ينفع اللي عملته. تسطح يشير بعينيه.
-ولو منمتيش هعمل حاجات تانية، اطفي النور، دا طلعتي أجن من الكل. ياله، قالها بنظرة صارمة لتجذب الغطاء وتغلق الإنارة الخافتة تتمتم
-قلب ابو رجل مسلوخة.
-هتنامي بالروب ولا ايه. دفعت الغطاء وصاحت غاضبة
-حضرة الظابط مش صابر البس هدومي كل كلامه زعيق وبس. أخفى ابتسامته ثم توقف متجها إلى غرفة الملابس ليجلب لها تلك المنامة
-اتفضلي علشان تعرفي بس انا كريم وجبت لك حاجة تلبسيها
رفعت حاجبها ساخرة لا والله
-عاليااا.
اوووف على عاليا وسنينها، ماكنت حلو دلوقتي نفسي اعرف بتقلب بسرعة ليه
قالتها وتحركت متجهة للحمام
-نام ياحضرة الظابط. يارب تحلم بوحش ياكلك. وضع كفيه تحت رأسه وابتسم على حديثها ظل لفترة ثم رفع هاتفه
-جواد عامل ايه
اجابه جواد قائلا: كويس الحمد لله
-اسمعني كويس ونفذ اللي هقولك عليه.
صباح اليوم التالي على طاولة الطعام
بحثت بنظرها على كنان ثم اتجهت إلى عاليا
-هو كنان فين؟
رفعت نظرها إلى ياسين الذي اتجه لوالدته
-بابا قال لازم يروح لمامته شوية كل يوم، مش لازم تبعد عنه
-في المستشفى والصبح ياياسين. قالتها غزل مستنكرة.
احتضن كفها: -ماما كل يوم الصبح جنى بتخرج للحديقة حوالي ساعتين وكمان عاملين برنامج علاجي حلو برة المستشفى والدكتور شايف قربها من ابنها احسن علاج، كنان هيكون اكتر واحد يقدر يرجعها لحياتها
ابتعدت بنظرها عن ابنها تزيل عبراتها متذكرة حديثها مع جواد بصباح اليوم
وعد ياجواد هحاول انسى، هحاول ابعد عن الحزن وارجع زي الاول، بس لو سمحت بلاش تلومني في الحزن على ابني، أنا هحاول
قبل رأسها يحتضن وجنتيها.
-غزل أنتِ كدا بتموتيني كل ما اشوفك كدا قلبي بيوجعني، لو عايزة جواد يموت فعلا خليكي قافلة على نفسك كدا مابقاش عندي كلام اقنعك بيه، بس تأكدي قلبي بينزف من عجزي، ومامتنسيش أن جاسر كان روحي وحياتي ياغزل مش ابنك لوحدك
بعد عدة أيام عاد جاسر إلى مرسى مطروح مع احتياطات راكان وجواد الكاملة لسلامته، وصل إلى مدخل المحافظة وجد يحيى بانتظاره
-حمد الله على السلامة يافندم.
حضنه جاسر بمحبة ثم أشار له بتحذير.
-بلاش الكلمة دي هزعل منك، وعايزك تتعامل معايا زي الأول وكأن مفيش حاجة حصلت
أشار يحيى على تلك الحقيبة
-دي راكان باشا جابها وقالي حضرتك عارف هتعمل ايه
فتحها ووجد بها تلك المواد المخدرة
زفر بأختناق متسائلاً: -هم طبعا مفكرني سافرت علشان اجبلهم الزفت دا
اومأ له ثم هتف.
-أنا شايف إن دا احسن حل علشان تعرف وتخرج براحتك، وانا كلمت الراجل بتاعنا في لبنان وفهمته كل حاجة، متخافش هو هيعرف يقنع عزيز انه عرف يخرجك من المينا من غير ماحد يشك فيك أو يفتشك، يعني ابعدنا عنك اي شبهات تدينك ويخليهم يشكوا فيك
سحب كم من الهواء يزفره بقوة يرجع خصلاته بغضب ثم توجه إلى يحيى وتسائل
-انتوا مين بالظبط. انزل بصره للأرض واجابه.
-سيادة اللوا، هو اللي اتعامل بموضوع لبنان، وكمان طلب مني اكون ظلك علشان ميحصلش اي خطر يضرك، وبتمنى أن حضرتك تسمع كلامه من فضلك
- بابا رددها بينه وبين نفسه متجها إلى السيارة يشير إلى تلك الحقيبة
-حطها في العربية وربنا يستر مانتمسكش بيها على الطريق
ضحك يحيى قائلا
-متخافش معانا حصانة. استقل السيارة يرتدي نظارته
-طيب يابتاع الحصانة ماتفرحش قوي راكان دا ممكن يبعيك في لحظة.
ارتفعت ضحكاته عندما استمع الى صوت راكان بسماعته
-سامعك ياجسورة وعندنا حسابات اغلط كويس
لم تتحرك عضلة من وجهه واستمر بطريقة بروده قائلا
-مش عيب تتصنت على الناس، تبقى مستشار قد الدنيا وتتصنت عيب في حقك على فكرة
-سبه راكان واغلق الهاتف بوجهه. هنا ارتفعت ضحكات جاسر يغمز إلى يحيى
-سوق يابني، دا واحد فاضي ايه اللي جابه مرسى مطروح اصلا.
وصل إلى المنزل الذي يقيم به التميمي. هرولت إليه سمارة لتلقي نفسها بأحضانه تراجع للخلف يشير بيديه: -خليكي عندك سمارة. توقفت تطالعه بشك ثم اقتربت بغضب: -ليه بقى إن شاء الله دا مقابلتك ليا بعد اسبوع كامل
رسم ابتسامة يشير لملابسه
-ابدا بس وانا جاي سمعت فيديو في الباص بيقول الست لو قربت من الراجل بدون عقد فدا حرام وهندخل النار وانا خايف عليكي حبيبتي تدخلي النار
-ياسلام بتهزر مش كدا!
غمز بعينيه إليها: -اصبري دا باقي اسبوعين ومش هاخدك في حضني بس لا هنعمل حاجات اكتر. اقتربت منه وهو يتراجع للخلف حتى اصطدم بالحائط خلفه
-لسة هستنى اسبوعين ياغريب، اللي سمعته دا للناس اللي مبحبوش بعض بس أنا بحبك وانت بتحبني مش انت بتحبني
-غريب. صاحت بها سمر عندما وجدت اقتراب سمارة منه، تراجعت سمارة ترمقها بنظرات نارية
-ايه محدش قالك المفروض تخبطي، على واحد وواحدة بيحبوا بعض.
تحركت سمر تدفعها بقوة تسحب كفيه
-امشي ياشيطانة من وشي بابا عايز غريب، واتهدي لما يبقى جوزك ياختي
خرج مهرولا للخارج ينظر لسمر بابتسامة امتنان.
-سيبك منها دي واحدة حقيرة. المهم ادخل لبابا جوا اقتربت تهمس إليه
-بابا هيحاول يختبرك في حاجات ركز وخلي تواصلك مع يحيى مفتوح طول الوقت. يحيى بعتني اقولك كدا
أومأ ودلف للداخل
قابله الجيار يفتح ذراعيه
-برافو عليك يابطل، ازاي عملت كدا. اتجه ببصره إلى يحيى وأجابه.
-مفيش حاجة تخليك تقول كدا، الحاجات دي دخلتها في العاب الأطفال والسيد حماد عرف يخرجني من هناك وهنا برضو مشكوش في حاجة
ارتشف عزيز مشروب الكحول قائلا: -مين اللي قابلك هناك. غرز عيناه بمقلتيه متسائلاً: -حماد ولا منير. جلس يضع ساقًا فوق الأخرى ينظر لأظافره ثم رفع عيناه إلى عزيز واجابه بنبرة متهكمة
-لا دي موديلز شهيرة هانم. قاطعهم دلوف سمارة
-احنا عايزين نقدم الفرح بتاعنا، غريب مكسوف يطلب منكم كدا.
جحظت عيناه ينظر إليها بذهول. فاتجه سريعا ببصره إلى يحيى الذي صدمته لم تقل عن صدمة جاسر، فتح فمه للحديث ولكن قاطعه عزيز عندما هب من مكانه
-إنتِ بتقولي ايه ياسمارة، اتجننتي، تحركت إلى أن جلست بجوار جاسر تضع ذراعها على كتفه
-مالكش دعوة ياعزيز، انا بكلم خطيبي مش كدا ياغريب
انزل ذراعها بهدوء وتوقف ونظراته على عزيز الذي أصابه الجنون وهتف.
-أنا مطلبتش حاجة وزي ماعزيز قال مش وقته، انا راجع تعبان من السفر، وعايز ارتاح، نكمل كلامنا بعدين
تحرك إلى غرفته يغلقها خلفه سريعًا، تحرك يبحث بأرجاء عن مراقبة، توقف متسمرًا بعدما وجد تلك الكاميرا المعلقة بالنجفة. تراجع بجسده وكأنه لم يرى وقام بخلع ملابسه بهدوء ملقيًا نفسه على الفراش وتصنع النوم وهو يفكر كيف له أن يتخلص من تلك الكاميرا.
باليوم التالي استيقظ وقام بإشعال سيجاره ثم توقف يبحث بحقيبته واضعًا السيجارة على الفراش، بجوارها بعض الأوراق الغير مهمة، ليمسك رمادها بالفراش، وبالأوراق جذب ثيابه وتحرك إلى الحمام وابتسامة ساخرة على وجهه. ملأ البانيو غير مكترث لرائحة الدخان بالخارج وليكمل استحمامه. استمع الى طرقات قوية.
ولكنه لم يهتم ودخل العاملون بالمنزل محاولون السيطرة على الحريق الذي اشتعل بالفراش بالكامل. استمع الى طرقات على باب الحمام
-غريب اطلع بسرعة اوضتك بتولع
خرج بعد قليل متصنع الدهشة
-إزاي ولعت الأوضة. قالها بذهول هو ينظر لأرجائها. رمق التميمي عزيز بنظرة تشكيكة ثم جذبه للخارج
-إنت اللي ولعت في الأوضة
نزع نفسه وتحرك للخارج سريعا بعدما استمع الى حديثه بصدمة.
مرت الايام سريعا وجاسر يحاول بكل طرقه أن يصل إلى ذاك الرجل الذي يقوم بتمويلهم بالأسلحة والمخدرات
بحث عن الأسماء الحركية إلا أنه لم يتوصل لشيئا
نظر بساعة يديه وتحرك للخارج وجد سمر تجلس تطالع النجوم بصمت. جذب مقعد وجلس يراقبها بهدوء، شعرت بوجوده فاستدارت مبتسمة: -إنت مخرجتش معاهم.!
لا خرجت وأنا عفريتي. افلتت ضحكة ناعمة فجلست بمقابلته
-مجتش فرصة اسألك عامل ايه دلوقتي واخبار الصداع.
ذهب ببصره بعيدا عنها وتذكر الأيام السابقة مع تعايشه لذاك الصداع الذي كان نتيجة تناوله لتلك المواد المخدرة، فأردف: -الحمد لله بقى يقل عن الأول. استندت على الطاولة مقتربة منه
-افتكرت كل حاجة ولا لسة
ابتسامة واسعة على وجهه وهو يطالعها بامتنان
-الحمد لله افتكرت كل حاجة، حتى اخوكي المتخلف دا افتكرت عمايله معايا.
تراجعت بظهرها وعبس وجهها تبتعد عن عيناه قائلة: -عمرك سمعت عن اخت بتكره اخوها وبتتمنى موته النهاردة قبل بكرة
أصابت قلبه بالحزن عندما علم ماتشير إليه، سحبت نفسا وانسابت عبراتها
-دخل ماما دار عجزة الحيوان، بعد مامضها على كل ماتمتلك، وعمل شهادة تثبت أنها غير مؤهلة للأعتناء بنفسها
اتجهت بنظرها إليه وانسابت عبراتها بقوة حتى ارتجف جسدها من شهقاتها.
-بكرهه وعايزاه يموت، ماما الدكتورة اللي كل كان بيعتبرها مثله الأعلى المتخلف طلعها مجنونة، معرفش ليه الحكومة سايبة واحد مجرم زي دا
-سمر. كرر ندائه عليها عدة مرات إلى أن نظرت إليه فهتف: -كل مايدينو رجالتهم شالوه، حتى الفيديوهات اللي معايا معرفتش اوصلها واللي فهمته أنهم نجحوا في تلاعب الفيديو اللي وصل للنيابة، وبكدا مفيش حاجة تدينهم. بس وحياة وجع اهلي عليا لاربطهم بالكلبش كلهم اصبري عليا.
ظلت كما هي تنظر للبعيد وعيناها تتدفق منها العبرات إلى أن أخرج هاتفه الخاص يضعه أمامها قائلاً بابتسامة عذبة: -تعالي شوفي القمر دا، وانسي عزيز الكلب ميستهلش دموعك دي، وانا هقف جنبك مستحيل اخليه يقربلك، أنتِ جميلك في رقبتي طول عمري
مسحت دموعها تطالعه بابتسامة حزينة
-إنت جميل قوي ياجاسر، وتستاهل تعيش حياتك، حرام تفضل مع المجرمين دول
اومأ لها وحاول خروجها من حالتها.
-بلاش انت جميل دي، جنى لو سمعتك هتموتك وطبعا انا مقدرش أقف معاكي ضد جنجون
-ياااه باين عليك بتحبها قوي
فتح هاتفه ينظر لصورها وابتسامة لامعة بعشقها وكأن لايوجد سواه بالمكان قائلاً: -لو فيه اكتر من العشق كنت عشقتها اكتر واكتر، جنى بالنسبالي الحياة ياسمر، هي موجودة يبقى أنا موجود
مراتك حلوة اوي بتحبها!
هز رأسه بالنفي وابتسامة عاشقة لمعت بعيونه
-لو فيه في الحب أعلى من مراحل العشق يبقى هي عندي كدا.
وضعت خديها بكفيها تستند بذراعيها
-ياسيدي!
جنى هي الروح لجسدي، يعني من الاخر انا موجود علشان هي موجودة
-يابختها ياعم المغرم
مازالت نظراته على صورها هاتفا
-قصدك يابختي بيها!
لا بجد يابختها بحبك
فتح رسالة من ضمن رسائل احزان قلبها وأشار إليها: اقرأي دي وانت تعرفي يابخت مين بمين.
بسم الله على قلبي المحطم، وبسم الله على ملهمي الذي مازالت رائحته تفوح بداخلي
بعد السلام والتحيه عليكما.
وبعد أن تبخرت أشواقي لتلك الأحضان التي اشتهيها، واعتدت روحي
التي تفوح بها رائحه الالم
اجل علمت انها من مهلك روحي
أ فلا أحد غيره معذبي ومهلكي
استيقظت ذات صباحًا بعد أن لافحت الشمس وجههي لتخبرني كيف لكِ أن تغفو عيناكي وخليلُ قلبك يبعد المسافاتِ.
فتحت عيناي التي انطفأ بريق العشق بها تبحث عنك بين الأركانِ.
حبيبي الذي ضاقت بي الدنيا بعده
كيف لي ان اصف لك أشواقي وعذابي.
كيف لي ان اصف ذاك النبض الذي اختبأ بين اضلعي يؤلمني من فراقك
أجل مهلكي انا الذي حفرت الألم بداخلي، انا الذي ضعت بين دموعي وآهاتي
من ذا يبلّغك بأنّي مُتعبُة؟
والشوقُ في جنباتِ قلبي يلعبُ
من ذا يُبلغك بكُلِّ بساطةٍ
أنِّي بدون وجودك أتعذّبُ
جاسري وحنين أشواقي مني اليك روحي تتعذب، ألم يدلك قلبك أنني متلهفة لرؤياك
ألم يدلك قلبك عاشقي بل مهلكي أن روحي لقُربَك تتعطش.
أزال دموعه التي انسابت رغمًا عنه بعدما تذكر ماحدث لهما بالماضي
كانت سمر منشغلة بالصور، إلى أن وصلت إلى صورة كنان
-مين دا ابنك. شبهك قوي على فكرة اكيد ابنك. ابتسم يهز رأسه قائلاً:
شوفي دا كنان عنده سنتين، بس لمض ولسانه طويل
افلتت ضحكة تنظر إليه: -هيجيبه من بعيد، نسيت نفسك، انا دلوقتي فهمت حالتك يوم ماكنت بتولد البقرة.
ارتفعت ضحكاته متذكرًا ذاك اليوم، وتناسى ما كان يؤلم قلبه منذ قليل، فلقد لاحظت سمر حزنه وحاولت إخراجه بطريقتها دون أن يشك.
رفعت نظرها لتسأله عن صورة غنى التي تشبه ولكن
اقتربت منه فجأة تقبله بعدما جذبت عنقه ليصبح بمستواها
دفعها بقوة فاقتربت منه قائلة
-غريب انا بحبك قوي ومستحيل أتنازل عنك لسمارة.
-إنتِ بتقولي ايه يابت. والله لاشرب من دمك. قالتها سمارة وهي تجذبها بعنف. أما ذاك الذي توقف مذهولا في بادئ الأمر من فعلتها الجريئة، رمقته بنظرة ليفهم مغزاها، فاتجه يدفع سمارة بعيدًا عنها
-اتجننتي ازاي تمدي ايدك عليها.
طالعته بنظرات نارية: -نعم. انت بتقول ايه، ايه عجبك بوستها دا انا خطبتك حتى مابترداش تمسك ايدي، وطالع بحلال وحرام. ايه رأيك بقى البنت دي مستحيل تقعد في البيت دا الا لما نتجوز وعلى الله تقرب منك تاني
وصل عزيز مترجلا من سيارته على صوت صراخ سمارة، هرول إليها
-مالك بتزعقي ليه حد مزعلك
أشارت إلى سمر التي تحركت تقف خلف جاسر خوفًا من بطش عزيز.
-اختك الزبالة شوفتها بتبوس خطيبي.
اتجه بنظراته إلى سمر ضاحكًا فأخير وجد مايفعله لكي يفسخ الخطبة. تمهل بحديثه ورغم شعوره بالراحة اتجه بنظره الى جاسر
-الحق على خطيبك، مش عليها، ثم اتجه إليها
-علشان تعرفي مين بيحبك بجد ومين بيلعب بيكي. قالها وهو يجذبها ويتحرك للداخل
تنفست سمر الصعداء تهوى على المقعد تحمد الله أن عزيز لم يضربها ككل مرة.
رمقها جاسر بسخط وهتف محذرا إياها: -مهما كان اللي يحصل اياكي تقربي مني تاني سمعتي، اتجننتي ايه اللي عملتيه دا
توقفت تطالعه بذهول: -اه كنت سكت لحد ماتيجي وتاخد التليفون وتعرف أن حضرتك بتمثل عليهم مش كدا، كان لازم اعمل حاجة تشتت انتباهها.
جذبت كفيه واجلسته
-انسى اللي حصل وفكر هتعمل ايه في المصيبة دي، كدا مش هتسكت وهتضطر تتمم جوازكم دي زرقة وانا عرفاها
-هو عزيز مش بيحبها. تساىل بها جاسر.
ارتفع جانب وجهها بشبه ابتسامة ساخرة: -دي مالهاش في الحب، دي متجوزة خمس مرات قبل كدا، جواز فسح. لازم تشوف هتعمل ايه، انا هقوم زمان يحيى رجع بيدور عليا
اومأ لها ثم أخرج هاتفه بعد مغادرتها ونهض من مكانه
-راكان فيه مصيبة ولازم أخرج منها بأي طريقة
اعتدل يستمع إليه بتركيز ثم اجابه متهكمًا: -ماتتجوزها ياخويا، وعيشلك يومين حلوين اهو ارتاح من زنك.
-راكاااان. صاح بها جاسر فتوقف ونيران غاضبة تشعل صدره من ضحكات راكان الذي تلاعب بمشاعره
صمت للحظات ثم تحدث: -ايه بطلت ضحك. اعتدل راكان يمسح على وجهه ومازالت ابتسامته لها صدى إلى أن هتف
-قولها عندك حمى شوكية ولا اي حاجة امنع الجواز دا
صمت جاسر للحظات ثم هتف
-أنا هنزل الفيوم بكرة، عايزك تبعتلي جنى وكنان وحشوني وجهز تقرير طبي بالإيدز
اووووه. ايدز مرة واحدة يابني
-اه، واقفل بقى
قاطعه راكان. استنى.
-انزل القاهرة بلاش الفيوم
لا لا بلاش القاهرة دلوقتي، هضعف وهقابل امي لأنها وحشتني جدا، وانا مش عايز أضعف دلوقتي. خليني بعيد احسن، انا لما بكلم ياسين واسمع صوتها بتجنن مش هقدر مرحلهاش لولا وعدت بابا كنت زماني رحت لعندها المرة اللي فاتت
تنهد راكان ثم تحدث: -تمام هكلم سيادة اللوا علشان يعرف يخرج جنى بأسلوبه من حي الألفي من غير ماحد يشك
-شكرا ياراكان. قالها وأغلق الهاتف ثم رفعه مرة أخرى يحادث حبيبته.
-كانت تجلس أمام رسمتها التي ترسمها بإبداع وابتسامة رائعة تزين ملامحها دلفت والدتها وجدتها تستمع إلى الموسيقى وترسم مع ابتسامة غابت لوقت طويل. تحركت إلى أن توقفت خلفها، ثم انحنت تقبل رأسها
-حبيبتي بتعملي ايه!
أشارت على الرسمة قائلة: -برسم جاسر ياماما، أيه رأيك في الصورة حلوة. شوفي المرة دي لبسته تي شيرت زيتي، بعشق اللون دا عليه
جلست بمقابلتها تطالعها بحزن.
-وبعدهالك ياجنى هتفضلي لحد امتى كدا، مش كنتي بتقولي مش هتيجبي سيرته تاني وهتفوقي، وبابا خرجك من المستشفى علشان كدا
نهضت من مكانها وأخرجت ثياب نومها، نظرت والدتها إلى تلك المنامة الحمراء
-هتلبسي دي.
تحركت قائلة: ماما روحي نامي حبيبتي وهاتيلي كنان علشان ينام في حضني زي كل ليلة علشان يعوضني غياب أبوه. قالتها ودلفت المرحاض تغلقه خلفها.
تنهيدة حزينة تناظرها بعيونًا متألمة على حالة ابنتها، توقفت الكلمات على أعتاب شفتيها وهي تراها تخرج من الحمام بعد فترة قليلة ترتدي ذاك القميص. وآه حارقة من قلب ام متألم على فلذة كبدها. توقفت نهى متجهة إليها تسحب كفيها
-ايه رأيك اصرحلك شعرك، رفعت نهى تستنشق رائحته ثم رفعت كفيها تمسد عليه بحنان اموي.
-ماشاء الله حبيبتي شعرك طول عن الاول، استدارت لوالدتها تحتضن كفيها مبتسمة: -ماما أنا مش صغيرة علشان تعامليني كدا، روحي ارتاحي حبيبتي وأنا هنشف شعري واسرحه لوحدي
ملست على وجهه امها
-حبيبتي وشك تعبان ليه كدا، لو علشاني والله ياماما أنا كويسة كويسة قوي كمان ياروح قلبي
قبلت جبينها متحركة للخارج بعدما فقدت الحديث معها. دلفت للداخل وجدت صهيب يتحرك ببطئ بالغرفة بعد جلسة العلاج الطبيعي. تحركت إليه تساعده.
-صهيب مستنتش ليه. أوقفها بيديه
-خليكي يانهى أنا همشي لوحدي، عايز اعتمد على نفسي كفاية اللي إنتِ فيه
لم تكترث لحديثه ووصلت إليه تحتضن كفيه تتحرك بجواره إلى أن وصلوا الشرفة، ساعدته بجلوسه مبتسمة: -ربنا مايحرمني منك ياابو عز، هروح اجبلك كاسة عصير من اللي بتحبه
عانق كفيها يجذبها ثم أشار إلى المقعد: -اقعدي حبيبتي انا كلمت منيرة وهتعملنا احنا الاتنين
-جنى عاملة إيه دلوقتي!
ابتعدت بنظرها عنه حتى لا تحزن قلبه وأجابته
-كويسة حبيبي طلبت كنان ينام معاها، خليت منيرة تودهولها وتكون قريبة منها لو احتاجت حاجة
-الحمد لله حاسس انها فاقت وشوية شوية هترجع لحياتها تاني
صمتت ولم تجيبه
بغرفة جنى أنهت لملمة خصلاتها بدخول منيرة تحمل كنان
-كنان نايم يامدام ادخله ولا ارجعه اوضته. نهضت من أمام مرآة الزينة واتجهت تحمله وتضمه لأحضانها تقبله
-روحي إنتِ. تذكرت حديث معشوقها عن حالتها.
-منيرة هاتيلي شوية فواكه وكوباية لبن
-من عيوني! وضعت ابنها فوق فراشها ثم انحنت تقبله بعيونها العاشقة وهي تمرر أناملها على ملامحه التي تشبه والده. وضعت أنفها بخصلاته تستنشق رائحته وكأنها تستمد رائحة زوجها منه، تمددت بجواره ومازالت تداعب ملامحه هامسة لنفسها
-بابا وحشني قوي حبيبي، ياترى عامل ايه دلوقتي. استدارت تجذب هاتفها لمحادثته، ولكنها تذكرت حديثه.
-حبيبتي اوعي تتصلي بيا مهما حصل وانا لو وقتي مسموح هكلمك اكيد
تعاظم اشياقها بداخل قلبها وهي تتذكر اخر لقاء بينهما، وصوته الحنون بأذنيها. أطبقت على جفنيها محاولة تهدئة روعها حتى لا تهاتفه بسبب اشتياقها الكامن بداخل قلبها. قطع حزنها رنين هاتفها، التقتطه سريعًا وهي ترى صورته تنير شاشة هاتفها، انسابت عبراتها عندما شعرت بشعوره بها.
-حبيبي. كلمة رغم بساطتها الا أنها اخترقت ثنايا روحه ليجلس بمكانًا فسيح مبتعدًا عن كل ما يؤلم روحه ينظر للبحر
-روح حبيبك. استمعت لتلاطم الأمواج فنهضت من فوق فراشها
-إنت على البحر. نظر بتيه لايعلم كيف وصل إلى هنا فأجابها
-مشيت كتير معرفش وصلت ازاي، يمكن علشان وحشاني محستش بنفسي
جلست أمام لوحاتها التي تحمل صوره.
-جاسر وحشتني قوي، عايزة اشوفك، عارفة بحملك فوق طاقتك، بس حقيقي مش قادرة اتنفس حاسة الاسبوع اللي عدى بسنين وانت بعيد عني. لو ممكن
قطع حديثها قائلاً: -جهزي نفسك بكرة راكان أو ياسين هياخدوكي الفيوم، ونتقابل هناك
-الفيوم. قالتها مذهولة ثم تسائلت
-الفيوم بعيدة عنك ليه كدا
ارجع خصلاته للخلف بسبب الهواء وتابع حديثه: -مش مهم المهم اشوفك.
-طيب خليك عندك وانا اجي لك مرسى مطروح وحجة ممكن اكون نازلة مصيف. صمت للحظات يفكر بحديثها ثم أجابها: -مينفعش ياجنى، ممكن الشكوك تكون حواليكي، يعني ازاي جوزك ميت ونازلة مصيف
-اسكت ياجاسر مش عايزة اسمع الكلمة دي ابدا ربنا يخليك ليا يارب
غير مجرى حديثه وتسائل:
-بتشوفي ماما. تذكرت ماصار لها بتلك الأيام فأردفت مستنكرة مافعله ياسين
-ياسين اخوك دا عايزة اضربه
زوى مابين حاجبيه متسائلاً: -ليه عمل ايه حبيبي!
أجابته بقلب ممزق: -تخيل بيقولي انا جمعتك بجاسر علشان محدش هياخد على كلامك، بس دا ميمنعش انك متتكلميش مع ماما في أي حاجة
-ليه بيقول كدا!
تابعت حديثها قائلة بنزق
-حضرة الظابط خايف اعرف ماما غزل انك عايش، وبعت لي عاليا تراقبني. خنقني بجد
تجمعت برك الدموع بعيناها تطالعه برجاء
-عايزة ارجع بيتنا ياجاسر، مش عايزة اقعد هنا، عايزة ابني يكبر في بيتنا.
ودا رافض حتى ارجع جناحنا اللي في بيت عمو جواد، كل كلامه أوامر بس متخرجيش من هنا، أنا مبقتش أقابله ولو دخلي بشتمه وبطرده
صمتت تزيل دموعها واستانفت: -رايح يقول لبابا محدش يقرب من جنى ياعمو علشان دا علاجها ممنوع تخرج لوحدها ممنوع وممنوع.
فاض به الألم والغضب معًا فحاول تهدئتها: -معلش حبيبي هما خايفين كلام يخرج هنا ولا هنا، بابا واخد احتياطاته مش اكتر علشان الخدم، خايف يكون حد من الخدم مش موثوق فيه زي زمان
كفكفت دموعها وهاتفته بنبرة حزينة
-اللي وجعني بجد حبي ليك بقى عندهم جنان
-متزعليش ياجنجون انا اللي مجنون بيكِ ياستي، قالها مازحًا ثم غير الحديث
-كنان عامل ايه. ذهبت ببصرها لأبنها الغافي واجابته
-نايم اهو.
-هو عندك؟
تنهدت وأجابته: مبقتش انام غير في حضنه الصغير اهو يعوضني اشتياقي لابوه
-أكيد بتهزري صح.
افتح الكاميرا وانت تعرف.
نظر إلى صورة ملاكه الغافي بفراشه. مرر أنامله على صورة ابنه مبتسمًا
-هو ماله صغنن كدا ولا السرير اللي كبير. ظل يطالعه لدقائق ثم هتف -قومي الواد دا بقى راجل ونايم مكان أبوه
وجهت الكاميرا عليها واجابته بضحكاتها: -بس يابابا هزعل منك، انا هنا راجل مع ماما لحد ما ترجع.
افترسها بنظرات عينيه العاشقة قائلاً: -حبيبي ايه الجمال دا، يعني تحلوي وانا بعيد كدا
نظرت لثيابها ونظراته ثم جلست على الفراش
-افهم من كلامك اني كنت وحشة وانت هنا
هز رأسه بالنفي وآآه جياشة مليئة بالاشتياق
-دلوقتي بس اتمنيت اكون طائر بأجنحة علشان اوصلك واخدك في حضني لحد ماتذوبيني عشقًا مهلكتي
انزلقت دمعة رغما عنها مع ارتجافة قلبها تطالعه بحنان عيناها كحنان الام لرضيعها.
-حبيبي إن شاءالله هترجعلي قريب وتعمل كل اللي عايزه المهم تاخد بالك من نفسك
سحب نفسًا طويلا حتى شعر بثقل تنفسه ينظر غارقا ببحور عيناها
-أنا بعمل دا كله علشانكم، لازم أأمن حياتكم
تململ طفله بنومه يهمس باسم والدته.
انحنت تقبله تمسد على خصلاته، مما شعر بتآذر آلامه بالبعد عن تلك الجنة الصغيرة. كانت نظراته تتجول على أناملها التي تخلل خصلات طفله ولم يستمع لحديثها معه، ذهب بخيلاته بنومه على ساقيه ومداعبة خصلاته
-جاسر روحت فين!
كاد وجع البعد أن يضعفه فغير الحديث قائلا بمزاح: -الواد دا ينام في اوضته ياجنى، مش مسموح لك تاخدي حد في حضنك غيري سمعتيني، وكمان البسي قدامه لبس كويس، هتنامي جنب الولا بقميص نوم، اتجننتي.
ارتفعت ضحكاتها تهز رأسها بشقاوة
-جسورة حبيبي الغيور من ابنه، ابني هينام في حضن مامته ياحضرة الظابط ولو تقدر تجي مكانه معنديش مانع
-لا والله!
غمزت بعيناها تقبل وجنة طفلها تهمس إليه!
-حبيبي اللي شبه باباه وعايز يتاكل
جز على أسنانه يرسل بعيناه سهام لو تقتل لقتلتها قائلا
-ماشي ياجنى هتروحي مني فين!
ارتفعت ضحكاتها يطالعها بعيونًا قاتلة لقلبه الضعيف وهو يرى دلالاها بتلك المنامة التي سلبت عقله حتى فقد اتزانه مردفا بصوت صاخب
-اقفلي يابت واتخمدي، وإياكي تنامي كدا جنب الواد. قالها وأغلق الهاتف وهي مازالت تضحك على مظهره الذي صورته بالطفولي
ابتسم بحالمية ينظر لأمواج البحر هامسًا لنفسه.
-مهلكة ياجنة حياتي، ليتني نسمة هوا لأقبل وجنتيك، وآه عاشقة من نبض قلبه وبداخله امنيات كثيرة. رغم حالميته بها إلا شعر بألمًا يخترق روحه
لما استمع إليه عما حكته عن ياسين. نقش احرفه ليهاتفه
بغرفة ياسين
أنهى صلاة قيامه يضع سجادته بمكانها ثم التفت لزوجته التي تعد حقيبتها، تحرك إلى أن وصل خلفها، يرفع خصلاتها يضعها على جنبًا يضع ذقنه على كتفها
-هتقعدي كام يوم هناك. رفعت عيناها من فوق أكتافها مبتسمة.
-يعني اسبوع، مش عايزة ماما تزعل مني وتقولي اهملتيني في عز تعبي
طبع قبلة على وجنتيها: -تمام حبيبتي المهم خدي بالك من نفسك ومن راسيل، وقت ماتحبي ترجعي كلميني
استدارت بجسدها تحاوط خصره
-ماتيجي معايا تقضي اليوم هناك، ماما هتفرح قوي، بدل الحمدلله اطمنا على جاسر
رفع ذراعيه يزيل خصلاتها من فوق وجهها، محتضنا وجنتيها.
-مينفعش، مقدرش اسيب بابا وخصوصا بعد معرفتنا بوجود جاسر، وكمان الناس اللي شغالة عندنا في الحي كتيرة وبابا لوحده مش هينفع ياخد باله من كل حاجة، غير طبعًا جنى دي اكبر مصيبة خايف تقول لماما وتهد اللي بنعمله
اومأت برأسها متفهمة ثم ضحكت بعدما تذكرت مناوشته مع جنى، أمسكت زر كنتزه تتلاعب به ثم اردفت
-قسيت على جنى ياياسين، رايح تقولها متخلنيش احجزك في المستشفى حق وحقيقي والدليل كلامك دا مش خايف تشتكي لجاسر.
ضحك بصوته الرجولي يشير إليها بيديه: -من جهة هتقول حفظها، دي مصيبة وهتعرفه، لازم اضغط عليها ياعاليا، حياة اخويا اهم من زعل جنى، مبقناش نثق في حد فلازم ناخد احتياطتنا
احتضنت كفيه وبنبرة حزينة
-صعبان عاليا قوي طنط غزل، مش عارفة ردة فعلها هتكون إزاي بس اللي متأكدة منه هتتصدم صدمة كبيرة، مشفتهاش بتتعامل مع كنان ازاي، دي بتعامله كأنه جاسر
بتر حديثهما رنين هاتفه، ابتسم يغمز إليها.
-اهو ياستي. لكزته تشير للهاتف
-افتح اللاسبيكر علشان خاطري عايزة اسمع صوته
-نعم ياختي!
تسمعي صوت مين، رمقها بعينيه يشير للداخل
-روحي شوفي بنتك امشي. قالها وهو يتحرك اتجاه الشرفة
-ايه ياياسين ساعة علشان ترد
تحمحم معتذرا ثم اجابه: -التليفون مكنش جنبي. قاطعه باستنكار على رده البارد
-بكلم راكان مابيردش، وخايف اتصل ببابا مش ضامن تليفونه، عايزك تجيب لي جنى بكرة الفيوم من غير ماحد يشك
استفهم باستهحان.
-ليه الفيوم يعني، طيب ماتيجي انت هنا بيت عمو باسم، على الأقل بابا يشوفك هو كمان
اجابه بعيونا مليئة بالقلق
-عزيز حاسه مراقب بابا معرفش ليه، دخلت فجأة عليه وشوفت صورة بابا على تليفونه، فأنا مش عايز اغامر بحاجة. راكان عارف بيعمل ايه وهيعرف يتصرف ومش عايز اتعب بابا، انت حاول تخرج جنى من حي الألفي وتعمل زي ماراكان فهمك المرة اللي فاتت
تسلل القلق بداخله فتسائل بنبرة قلقة
-وعزيز يراقب بابا ليه!
-معرفش ودا اللي بحاول اتأكد منه، انا بحاول على قد مااقدر ابعد شكهم فيا، اعمل زي مابقولك كدا، وخد حذرك كويس
صمت للحظات وهتف: -ياسين عايز اكلم ماما من غير ما تحس وياريت لو تفتح كاميرا، قلبي وجعني قوي من وقت ما شفتها اخر مرة.
-حاضر ياجاسر، بس هتعمل زي اخر مرة بجد مش هساعدك تاني، لولا وجود بابا كنت زمانك بوظت الدنيا
انبثقت دمعة حارقة لوجنتيه.
-ياسين امي وحشتني ومن حقي اشوفها مش قادر اتحمل فكرة أن بيني وبينها حيطة ومشفهاش، شعور صعب قوي ياسين
-حاضر ياجاسر، كفاية علشان هعيط وكدا هنزلها هقولها كل حاجة
ابتسم يزيل دموعه قائلًا: -أوس أخباره ايه؟
-مش عارف؟ مش عارف قالها متعجبًا
-بجد مش عارف من وقت اختفاءك وهو من الشغل للبيت مبيقعدش معانا، وعامة مفيش حد بيقعد مع حد دلوقتي
-عايز اكلمه. استدار للخارج.
-أنا نازل عنده المكتب هو بيشتغل على مشروع جديد، هتلاقيه صاحي، وكمان ماما كانت بتساعد ربى في بعض الابحاث، اه على فكرة روبي هتبقى دكتورة نسا رسمي الشهر الجاي
-حبيبة اخوها وحشتني قوي. دلف إلى غرفة المعيشة يهمس له افتح الكاميرا
تبسم ياسين ينظر لوالدته
-الغزالة لسة صاحية ولا ايه؟
رفعت رأسها عما تفعله تطالعه بابتسامة
-حبيبي فكرتك نمت. تحرك إليها ثم انحنى يطبع قبلة فوق جبينها.
-مجاليش نوم فقولت انزل ارخم على ربى
تهكمت ربى وهي تعمل على حاسوبها
-أيوة ظابط دمه تقيل مستنية منه ايه
ضمت غزل رأسه تضع كفيه فوق رأسه
-بس ياروبي ياسين دمه مش تقيل هو بس عصبي شوية. ظلت تنظر إليه لبعض اللحظات ثم هتفت: -مراتك نامت. اتعشيت حبيبي
اومأ لها مبتسمًا ومازال يحرك هاتفه لتظهر أمام جاسر
نهضت ربى تلقي نفسها بينهما
-اااه اخيرا خلصنا يامامي، لازم انام شهر بعد كدا.
ضغط جاسر على شفتيه يمنع بكاؤه وهو يراهم أمامه دون أن يحدثهم مااصعب هذا الشعور ياالله
لكزها ياسين
-ابعدي يابت هو احنا مش جوزناكي جاية ترمي نفسك علينا ليه، روحي شوفي جوزك بدل مايتجوز عليكي
-سامع حد جايب في سيرتي بالباطل
نهضت ربى تلقي نفسها پاحضان عز
-تعالى خد حقي من المفتري دا يازيزو
لف ذراعيه حول جسدها يضمها لأحضانه متحركًا حتى وصل لجلوس غزل وألقى نفسه بجواره، انحنى يقبل جبينها.
-عاملة ايه الغزالة النهاردة؟
لمعت عيناها بنجومها تهز رأسها تبتعد بنظرها عنه حتى لا تبكي
-كويسة حبيبي، جنى عاملة ايه، رحت اشوفها قالولي نايمة، مش عارف تجيب كنان معاك وحشني مشفتوش النهاردة
ارجع بجسده مغمضًا عينيه.
-كنان نايم دلوقتي، جنى كويسة الحمد لله، حالتها اتحسنت جدا على ايد الدكتور دا، وبقت تنزل الجنينة ورجعت شغلها النهاردة مع عاليا، احسن بتمنى ترجع تضحك تاني والله ياطنط، لأنها تعباني جدا، بس اللي وجعني أنها لسة مُصرة على وجود جاسر
ربتت على ظهره وهاتفته بنبرة تقطر ألما من ثنايا روحها
-حبيبي اعذرها اللي راح مكنش عادي، دي روحها، الله يكون في عونها، اصعب ألم يمر على الحبيبة
غير ياسين الحديث متسائلًا.
-عز أوس خلص شغله
اومأ يشير بخروج أوس من الغرفة يملس على عنقه
-أنا طالع ارتاح تصبحوا على خير
أوقفته غزل: -حبيبي تعالى اشرب حاجة مع اخواتك
اتجه إليها يقبل جبينها
-ماليش نفس ياست الكل، عندي شغل بدري هطلع ارتاح، ياله تصبحوا على خير
- أوس قالها ياسين متوقفا إليه
-بقولك عايز عربيتك بكرة علشان جنى عندها جلسة ومعرفش هترجع في نفس اليوم ولا هتبات.
ارتفع حاجبه متعجبًا ثم تسائل: -وعربيتك فين، وبعدين انا معرفش مش مرتاح للدكتور دا، عايز اعرف ايه كورس العلاج اللي يخليها اسبوع برة المستشفى وقال ايه تحسن طبيعي، اتجه بنظره الى عز
-إنت ساكت ليه على الموضوع دا، بكرة تشوف ايه حكاية الدكتور الاهبل دا
كتم ياسين غيظه من ذكاء أوس يريد أن يلطمه على وجهه وخاصة بعد وقوف غزل
-يعني ايه جنى بتتعالج برة المشفى مش فاهمة وكمان بتاخد كنان معاها.
فتح ياسين فمه للحديث ولكنه قطعهم دلوف جواد.
-قاعدين كدا ليه الساعة اتناشر ياله كل واحد يطلع اوضته
تنهد بارتياح عندما سحب عز ربى وخرج وتحرك جواد إلى غزل
-ياله حبيبي علشان ننام.
اتجه أوس لوالده: -بابا عايز اتكلم مع حضرتك في موضوع دكتور جنى دا
أشار إليه بيديه: -حبيبي الدكتور دا موثوق فيه، وانا بنفسي بتابع معه متخافش، ثم اتجه بنظره الى ياسين
ايه اللي حصل لدا كله
حمحم ياسين مستطردا: دكتور جنى اتصل وعايز يشوفها بكرة
فهم جواد مايشيراليه.
-خلاص انا هتصرف، حاوط جسد غزل وصعد للأعلى دون حديث آخر
رمق أوس ياسين قائلاً: -برضو اسأل على الدكتور دا، انا مش مرتاح له، متنساش جنى دي كانت ايه لجاسر، مش عايز تهاون في موضوعها هحاسبك ومش هرحمك. قالها وتحرك للأعلى
زاد الألم ليخرج من رماديته على هيئة حزن بنبرته قائلاً: -خلاص ياسين انا هقفل سلام
كور ياسين قبضته بحزن بعدما شعر بأخيه وتحرك متجها إلى جواد حازم
بالحديقة كان يتحدث بهاتفه.
فارس. اعتدل مستدير يشير إليها إلى أن ينهي مكالمته ثم اتجه إليها
-نعم ياهنا.
فركت كفيها واقتربت منه قائلة: -عايزة منك خدمة
ضيق عيناه منتظر حديثها. فقصت له ماتريده
أشار إليها بالمغادرة
-امشي يابت من هنا بدل مااضربك قلمين على وشك، ناقصني بنات متخلفة. اقتربت تجذب كفيه قائلة: وحياتي يافارس.
-وحياتي يافارس! رددها بذهول ثم أردف: -هو أنا قولت لك قبل كدا انك غالية عاليا. شكلك بتفهمي تركي بس. اسمعي ياست هنا علشان خلقي ضيق ماهو احنا ولاد صهيب كلنا مجانين بشهادة الأطباء على رأي عز
-أنا مبحبش البنت اللي ترمي نفسها على ولد. فكك مني علشان مكسرش دماغك. وياله وريني جمال خطواتك بدل مارميكي طعم للسمك.
تحرك يهز رأسه
-البت دي مش متربية وعايزة اللي يربيها، معرفش عمو سيف كان فين.
هرولت خلفه تمسك كفيه بعدما وجدت دخول سيارة جواد إلى الحديقة
حك فارس ذقنه يطالعها بنظرة خبيثة وهي تومأ رأسها منتظرة موافقته. تحرك وهو يعانق كفيها إلى وصول جواد وابتسامتها تنير وجهها
ترجل جواد ينظر لكفيهم المتشابكين، ابتسامة ساخرة تجلت بعينيه
-دا ايه الحب اللي مالي حي الألفي دا، شايف النجوم بتتحتفل بيكم
دفعها فارس بقوة حتى أصبحت بين ذراعي جواد يشير إليه بسخط.
-لو منك هروح اكتب عليها حتى عرفي، البت مجنونة بيك يااخي، وانت عامل فيها من شبرا. ياسيدي ريحها وخليها تبعد عن دماغي. أشار إليها غامزا
-كدا عداني العيب بدل مانعمل فيلم هندي رميتك في حضنه لو هو باقي عليكي هيضمك ويقولك متبعديش عني ويحارب القطط الموجودة في الحي أما بقى لو رماكي احفظي كرامتك يابنت عمي ودوسي على قلبك المصدي بحبه
-ياله باي وعيشوا اللحظة وعكسها. قالها وتحرك يهز رأسه متمتم.
-البت دي هبلة عايزاني أمثل حبها. غبية متعرفش سمي اللي بيمثل
بتكلم نفسك ياحبيبي. أردف بها عز
نظر إليه بتهكم يشير إلى هنا
-البركة في بنت عمك الهبلة، انا طالع انام عيلة كلها هبلة والله العظيم، قالها وهو يرى عز يحمل ربى. اقترب منه
-نزلها ياحبيبي، دي مش طفلة عندها عشر سنين دي اللي قدها جدة
وضعت ربى رأسها بصدر عز خجلا
رمقه عز غاضبا
-امشي يالا من هنا. تحرك فارس وهو يطلق صفيرا ثم توقف وهتف.
-خايف على ضهرك والله نفسي اعرف بتاكلوا ايه. اكتر حاجة بتعملها العيلة دي تشيل نسوانها. صمت للحظات يحدث نفسه: -هوو انا بكرة هشيل مراتي كدا. ليه أن شاءالله معندهاش رجلين، دا في المشمش اشيلها وضهري يوجعني أن شالله ماتشالت. استدار بعدما استمع الى ضحكات جواد حازم، تهكم بينه وبين نفسه
-اهبل وعبيط، اقسم بالله البت هنا دي قادرة وفعلا مالهاش غيرك ياغبي اهو حلة ولقيت غطاها.
بعد عدة أيام بالفيوم.
خرجت من مرحاضها تبحث عنه، دارت عيناها بالغرفة، فهي تركته غافيًا. تحركت إلى غرفة الملابس استمعت إلى حديثه مع تلك الفتاة
اشتعل قلبها بنيران الغيرة، فدفعت الباب بقوة تقترب منه بنظرات نارية تريد إحراقه بها
-بتعمل ايه؟
وضع كفيه على شفتيها وأكمل حديثه
-تمام حبيبتي، إن شاءالله هرجع بعد يومين. سلام
ركلته بقوة تدفعه بجنون
-حبك بورص ياامور، هي مين دي اللي حبيبتك أن شاءالله.
قهقه عليها وهو يراها كقطة شرسة، لم يرحم قلبها المسكين، ليستند على كتفها
-خطيبتي عندك اعتراض. صمتت تجز على اسنانها حتى لا تطبق على عنقه. لحظات كفيلة بسحب أنفاسه إلا أنها صدمته حينما قالت
-تعرف عمو جواد كان هيجوزني جواد ابن عمته. ياخسارة اهو كنت غيرت نوع البرفيوم بتاع الرجالة
صمت للحظات يهز رأسه يتلاعب بخصلاتها.
-تغيري نوع البرفيوم. اممم، طيب ياروحي عاجبك النوع اللي هتغيره. تحركت إلى الخزانة بعد مااصابت هدفها
-الصراحة ياجسور انا غايبة عن الوعي وقتها الريحة ملحقتش اشمها، بس ياحبيبي هتفضل تستهبل كدا ممكن اشمها عادي. دنت بجسدها وابتسامة ساخرة بعدما وجدت تغير ملامحه
-هو انا ماقولتلكش. صمت ينتظر حديثها.
-يووووه من حبي فيك بقيت انسى اسمي حتى، خايفة اقوم في يوم ماافتكرش انا متجوزة ولا أرملة ماهو انت عند الكل. مطت شفتيها تنظر ليديه التي يضغط عليها حتى ظهرت عروقه من كثرة انفعالاته ناهيك عن لون عيناه التي تغيرت. لم تعريها حالاته واكملت حديثها
-روح كمل اتصالك مع خطيبتك، اه متنساش تقولها تجهزلك عشا رومانسي ياامور.
قالتها واستدارت تخرج ثيابها وإذ بها تصرخ وهو يرفعها بين ذراعيه متجها إلى خزانته. انزلها بهدوء امام الخزانة وقام بدفع كل زجاجات عطوره حتى انسكبت جميعها. كدا ريحتي وقعت على الأرض ياجنجون ممكن اغيرها لوتحبي بس لازم تتعاقبي على كلامك حتى لو هزار
اختبأت بأحضانه تدفن رأسها بصدره.
-جاسر مش قصدي اللي فهمته، انا بضايقك بس ماهو انت ضايقتني، بس زعلت على اللي عملته مين قالك أن ريحتك وحشة دي اجمل ريحة في الكون كله. رفع ذقنها يفترسها بعيناه كالحيوان المفترس وكلماتها تصم أذنيه لينحني إليها يعاقبها بطريقته العنيفة. طريقة عاشق مجنون بغيرته الجنونية، تناسى أن مابين ذراعيه زوجته حبيبته ملاكه ولم يتذكر سوى أن أحدهم سيمتلكها غيره.
بعد فترة كانت تجلس أمام مرآة زينتها تنظر بانعكاسها لنومه الهادئ، كالذي اقتنص جائزته. ظلت نظراتها عليه ثم اتجهت تنظر إلى نفسها وعلاماته التي تركها. لا تعلم تفرح ام تحزن بما فعله.
مررت أناملها وتحجرت عيناها بنجومها المتلألئة نتيجة مافعله بها. نهضت من مكانها بألمًا يخترق جسدها بعدما انهت زينتها واتجهت لتتمدد بجواره، رفعت كفيها على وجنتيه ودنت تدفن رأسها بعنقه تعشقه بكل حالاته، تعلم جنون غيرته ورغم ذلك طعنت قلبه بها، تعلم أنها تجاوزت بالحديث ولكن كان لعاقبها نصيب الأسد، لتفترس بين فكيه كالغزالة الضعيفة لا حول لها ولا قوة.
شعر بها فجذبها بقوة ليخبئها بالكامل بأحضانه كأنه يبعدها عن عيون الجميع
-لو كنتِ عملتي اللي قولتيه ومجتيش احضني صدقيني كنت هزعلك اوي
ظلت كما هي بأحضانه تهمس له
-إنت ترياق لسمي ياجاسر
-إنتِ الروح للجسد ياحبيبة جاسر
بعد عدة ايام عاد إلى مرسى مطروح
قابلته سمارة ونيران الغضب تخرج من عيناها
-فيه عريس يختفي قبل فرحه ياغريب كدا. يعني مش كفاية أجلت الفرح شهر، أنا مبقتش متحملة برودك
ألقى ذاك المظروف أمامها.
-شوفي دا وبعدين صرخي. ومليون مرة اقولك مبحبش الصوت العالي
فتحت الظرف وإذ بها تنصدم، رفعت رأسها تشعر ببرودة تجتاح جسدها مرددة كالمجنونة
-ايدز. عندك ايدز!
أغمض عيناه يضع كفيه تحت رأسه
-سمارة انا تعبان وعايز انام ممكن تخرجي. اقتربت منه متسائلة: -إزاي دا حصل، لا مش مصدقة، احنا نعمل تحليل في مكان تاني
-سمارة لو سمحتِ مش قادر اتكلم دلوقتي
خرجت كالمجنونة تدور حول نفسها وحملت الظرف متحركة لسيارتها.
-لا ماهو أنا مستحيل اتنازل عنك.
بعد فترة عادت تجلس أمام منزلها تنظر للامام بشرود. اقترب منها عزيز، جلس خلفها يضمها لأحضانه
-مالك حبيبتي قاعدة كدا ليه زي اللي ميت له حد
رفعت نظرها تطالعه بحزن
-غريب ياعزيز طلع مريض ايدز وكمان حالته خطرة
-إنتِ بتقولي ايه!
ألقت الظرف بيديه
-شوف وانت تصدق، امسك الظرف يقلب فيه ثم رفع رأسه رافضا مايقرأه.
-لا الموضوع دا مش لازم اسكت عليه اكيد فيه حاجة غلط. دا من بيت مفيش غير على لسانهم دين وقيم وأخلاق. تذكر فيروز يهز رأسه
-ممكن فيروز السبب. ارجع خصلاته بغضب كاد أن يقتلعها من جدورها
-ودا اتأكد منه ازاي. صمت قليلا ثم نهض
-مفيش غير سمر هي اللي تقدر تأكدلنا دا
بعد مرور ثلاث شهور بعد ظهور جاسر
نهضت تمسك أحشائها تهرول إلى الحمام تقوم بالتقئ. جثت على الأرضية بوهن وجسدها ينتفض بقوة، دلفت غزل تبحث عنها
- جنى.
تحاملت ناهضة وهي تتحرك بوهن
-أنا هنا طنط غزل. استدارت تطالعها بشهقة
-حبيبتي مالك ايه اللي عامل فيكي كدا. تراجعت على الفراش تلقي نفسها
-شكلي اخدت برد، ممكن تاخدي بالك من كنان. قالتها وغمامة سوداء تحيطها حتى أغمضت عيناها لتذهب باغمائها، ربتت غزل على خصلاتها اعتقادا ذهابها بالنوم
باليوم التالي توقفت تنظر لذاك الاختبار بقلبًا ينتفض حتى ظهر خطين به. ابتسامة لمعت بعيونها
-ياكرمك يارب، وضعت كفيها على احشائها.
-هيكون لنا ابن تاني ياجاسر.
ااااااه قالتها بفرحة عارمة تنتظر اتصاله على أحر من الجمر. مرت ايام ولم يهاتفها. دلفت عاليا إليها ذات يوم
-حبيبتي تعالي ننزل الجنينة
نظرت الى عاليا قائلة
-جاسر مكلمش ياسين؟
هزت رأسها بالنفي
جلست حزينة وهتفت: -عاليا أنا حامل لازم جاسر يعرف
بتقولي ايه حامل!
ألف مبروك ياقلبي. طالعتها بحزن
-حامل وجوزي مش موجود، أنتِ واخدة بالك من المصيبة
وضعت عاليا كفيها على فمها بعدما فهمت حزنها.
-وبعدين!
-ياسين أو راكان لازم يكلموه
ضمتها عاليا تربت على ظهرها
-هقول لياسين متشليش هم حبيبتي
مساء اليوم وقفت تساعده بأرتداء ملابسه وهتفت قائلة: - ياسين كلمت جاسر
اغلق زرائر قميصه وقام بتمشيط خصلاته دون الرد عليها
فلكزته بكتفه: -ياسين جنى حامل. قالتها بدخول غزل بعدما وجدت باب غرفتهما مفتوح
ليسقط مابيديها توزع نظراتها بينهما بذهول
-جنى مين اللي حامل.
بمنزل صهيب. تحرك كنان بغرفة والدته وهو يعبث بأشياء والدته، يخرج مايوجد بأدراجها. دلف صهيب خلفه يخطو بخطوات بسيطة بسبب ثقل قدمه.
-حبيب جدو انت هنا. ياله أخرج حبيبي. ارتفعت ضحكات الطفل وهو يحمل صورة جاسر يشير إلى صهيب
-بابا جاسر
امسك ماامسكه كنان ينظر بحزن لصورة جاسر. اتجه يجلس على الفراش يطالعها بأعين مشتاقة
ياحبيبي يابني. آآه، قالها وهو يضم صورته لأحضانه يتمتم بنبرة متقطعة من بكائه.
-وحشت عمك قوي ياحبيبي، كدا هان عليك صهيوبة ياجاسر، وحشني صوتك حبيبي وشقاوتك، ياحرقة قلب قلوبنا عليك. قبل صورته ينظر إلى الأشياء التي بعثرها حفيده حتى توقفت عيناه على ذاك الاختبار، انحنى يجذبه ينظر به ويقلبه بين يديه
-اختبار حمل. بتاع مين دا
دلف عز ينادي على والده
-بابا فينك. قالها ودلف للداخل بعدما استمع الى ضحكات كنان وهو يتحرك بالغرفة.
-جدو. جدو. تحرك سريعا لوالده حينما لم يجد رده. توقف متسمر ينظر لشحوب وجه والده الذي رفع اختبار الحمل
ايه دا ياعز، مين اللي حامل
قالها صهيب بدخول غزل متسائلة: فين جنى ياصهيب.
↚
توقفت عاليا أمام ياسين
-حبيبي فيه حاجة لازم تعرفها. كان يقوم بتمشيط خصلاته، فاستدار إليها منتظر حديثها: -فيه حاجة، راسيل كويسة
-جنى حامل!
ألقى فرشاة الشعر من يديه، مضيقًا عيناه
-جنى مين اللي حامل
لكزته ضاحكة: -احنا عندنا كام جنى بس ياياسين متركز شوية جنى بنت عمك
-الله يخربيتها المجنونة دي ازاي حامل يعني!
ياسين. صاحت بها عاليا ثم اردفت بهدوء: -لازم تعرّف جاسر، شوف هتوصله ازاي الموضوع كبير مش زي ماانت متخيل دي واحدة حامل والكل مفكر أن جوزها ميت
- المطلوب مني يعني اعمل ايه، بدل دي واحدة غبية ومقدرتش الموقف وعملت حسابها. تحرك إلى باب الغرفة وفتحه متجها للخارج ولكنه توقف يبحث عن هاتفه فتراجع للداخل
-شوفتي أنتِ والمجنونة نستيني كنت عايز ايه
-ياسين ممكن تقولي هتعمل ايه.
هاج وتلفظ باستهجان: -اعمل ايه في ايه ياعاليا؟
قطبت جبينها مستنكرة رده وهتفت: -ياسين مش ملاحظ انا بقولك الموضوع كبير بقولك جنى حامل. قالتها عاليا بدخول غزل عندما استمعت إلى صرخاتهم
توقفت توزع نظراتها بينهما
-جنى مين اللي حامل
ارتفعت دقات قلبه تتنازع بقوة من وجود والدته، فتجلجل لسانه ينظر إلى عاليا بعينه: -جنى مين ياماما؟
اقتربت غزل من عاليا تنظر إلى ابنها قائلة: -سمعت عاليا بتقول جنى حامل.
ابتلع ريقه وحاول أن يشتت والدته فهتف
-دي جنى كانت تعبانة فعاليا بتقول تعبها زي الحامل مش كدا ياعاليا
ارتجفت عاليا وتمتمت بصوت خافت
-أيوة!
قطبت غزل جبينها متسائلة: -إنت بتقول إيه يابني. بتر حديثهم دلوف ربى
-ماما الحقي طنط نهى اغمى عليها بعد مااخدت الجلسة. تحركت غزل خلف ابنتها سريعا، بينما اتجه ياسين بانظاره إلى عاليا
-عجبك كدا، مسح على وجهه بغضب قائلا.
-انا عارف ماما مش هتسكت، متأكد انها هتفتح الموضوع تاني
-انا آسفة ياياسين مكنش قصدي
تحرك ذهابا وإيابا بالغرفة
-اعمل ايه، مينفعش اتصل بجاسر ابدا، هو اللي بيتصل بيا، صمت ثم حمل أشيائه الخاصة: -هروح لراكان ولا بابا يتصرفوا
ماإن همت للحديث إلا أنه أشار بكفيه
-مش عايز ولا كلمة، وروحي عند الأستاذة اللي معملتش حسابها دي لما اعرف اخرتها ايه
بغرفة نهى. أفاقت من اغمائها، ملست غزل على شعرها.
-عاملة ايه حبيبتي دلوقتي؟
أغمضت عيناها بإرهاق
-صهيب فين ياغزل؟
رفعت رأسها إلى ربى متسائلة: -عمك فين!
هزت ربى أكتافها بعدم معرفتها وهتفت: -انا عملت زي ما حضرتك طلبتي قولت له هروح للدكتورة علشان حملي بس، ولما رجعنا مكنش موجود، يمكن خرج مع بابا
نهضت غزل متذكرة حديث عاليا عن جنى.
-نهى انتِ اخدتي مضاد قوي هينومك حبيبتي علشان الألم، حاولي ترتاحي ومتخافيش صهيب ماهيعرف حاجة مع إني مش معاكي انك تخبي عليه، هو اصلا دايمًا يسألني عنك بس انا بقوله دا طبيعي في السن دا، بس هو بيدور ومش هيسكت انا عرفاه.
أغمضت عيناها تهمس بتقطع: -بلاش صهيب يعرف ياغزل كفاية عليه غياب جاسر، المرة دي مش هيتحمل. قالتها وذهبت بنومها. أطبقت غزل على عيناها بألمًا ثم أخرجت تنهيدة حارقة متجهة الى ابنتها: -حبيبتي تواصلي مع الدكتور اللي في ألمانيا لازم نهى تسافر وتعمل العملية انا مش هسكت عليها ولازم عز يعرف بمرض أمه مش هنفضل مخبين كدا
انسابت دموعها تجلس بجوار نهى.
-مش هقدر اقول لعز ياماما، عايزة أقوله مامتك بتموت بقالها اكتر من سنة وأنا مخبية عليك، غير أنه اتكسر اوي ياماما بعد موت جاسر، حضرتك متعرفيش حالته ايه انا ساعات بقوم من النوم الاقيه قاعد في اوضة المكتب وبيكلم صورته بدموعه
تسرب الحزن ليحرق روح غزل بعد ذكراها بفقيدها الغالي فاتجهت للخارج قائلة: -روبي خلي بالك من انطي نهى هشوف جنى وراجعة لك
بغرفة جنى قبل قليل.
دلف عز وجد صهيب يحمل بيديه اختبار حمل جنى يطالعه بذهول فاقترب مناديًا إياه: -بابا! رفع صهيب رأسه ينظر لابنه
-ايه دا ياعز، هي روبي حامل ولا ايه
اقترب عز ينظر للذي بيد والده
-اه يابابا انا كنت لسة جاي اقولك أنها لسة جاية من الدكتور والحمد لله هنجيب جاسر صغير قريب. قالها عز بعيون مليئة بسُحب الحزن بدخول غزل التي توقفت تنظر للذي بيد صهيب وهي تنادي.
-جنى! استدار عز بإبتسامة: -اهلا طنط غزل، جنى مش هنا هي مش عندكم ولا ايه، اقتربت إلى صهيب تنظر للذي بيديه
-اختبار مين دا؟
ابتسم صهيب يشير إلى عز
-باركي لأبو ايهم إن شاءالله ربنا يرزقه بابن تاني، هنا تذكرت حمل ابنتها فاستدارت مبتسمة
-حبيبي آسفة نسيت اباركلك، ألف مبروووك ربنا يباركلك في ذريتك يارب
امسك كفيها يحتويها ثم نظر إلى عينيها: -وعد لو جه ولد لأسميه جاسر.
وضعت كفيها على فمها وانسابت عبراتها كزخات المطر تحرق وجنتيها
-اوعى. بلاش يابني الاسم دا مالوش نصيب يكون موجود على وش الدنيا
رغم شعوره بالألم الذي ينخر عظامه إلا أنه هز رأسه بالنفي: -ليه بتقولي كدا ياطنط غزل، إن شاءالله نخلد اسم جاسر ويكون موجود. هزت رأسها بالنفي
-لا ياحبيبي، جه مرتين ومالوش نصيب ياحبيبي.
ألقى نفسه بأحضانها وارتفع صوت بكائه: -انا مخنوق وتعبان قوي ياطنط، قلبي مولع نار ونفسي احرق الدنيا كلها، بس مش بايدي حاجة، بعيب على جنى بس ياريتني زيها، ياريتني اعيش في دنيا تانية وانسى الوجع
ربتت على ظهره تحاول منع عبراتها ولكن كيف للام أن تمنع حزن قلبها على فقد عزيزها. ابتعدت تحجب حزن قلبها أمامهم.
-ربنا يباركلك في ولادك ياحبيبي، هو ساكن قلوبنا، بلاش لو بتحبني كفاية اتنين جاسر يابني الله يرضى عنك.
أنا هشوف جنى فين. قالتها متحركة
ولكنها توقفت بعدما صاح صهيب
-غزل! استني. قالها وتوقف متجهًا بخطوات بطيئة. طالعت سيره برسم ابتسامة
-الحمد لله يا صهيب بقيت تمشي كويس. اومأ يردد الحمد والثناء ثم أردف:
-تعالي نروح مشوار. اومأت له دون حديث. وصلوا بعد قليل إلى مقبرته.
توقفت غزل بساقين مرتعشة تنظر حولها بضياع إلى أن سقطت انظارها على قبر ابنها تقرأ تلك اللافتة التي جعلتها تهوى أمامها وأجهشت روحها بالبكاء حتى شعرت بإنتازع قلبها من محله. رددت ببرك عيناها:
آه ياحبيبي غابت شمسي وذبلت ورودي ياجاسر، حاولت اتلاشى وجع فراقك بس مقدرتش يابني
اتجهت بنظرها إلى صهيب الذي تحرك بالجانب الآخر.
-شوفت ياصهيب ابني فين، شوفت زهرة حياتي، جاسر اللي روحه كانت بتهرب الحزن من العيون، ابو عيون تسحر القلوب، شوفت آخرته فين قولي ياصهيب أطفي نار قلبي الحزين عليه ازاي، ازاي ياصهيب اقدر اوقف حزني عليه وهو يستاهل الحزن كله، واخرة وجع قلبي التراب يمنعني احضنه واشم ريحته
ملس صهيب على قبره يردد دعاء فقدانه.
ثم اقترب من غزل وجلس بجوارها.
-انا مجبتكيش علشان تعيطي، أنا جبتك علشان لازم كلنا نفوق من الحزن اللي ملى قلوبنا، استودعيه عند ربنا ياغزل، مش بقولك كدا علشان ميستهلش الحزن بالعكس دا يتحزن عليه العمر كله، بس ولادنا بيموتوا جنبنا، خايف على أوس وعز ياغزل الولدين دول حالهم مش عجبني، لازم تفوقي كمان علشان جواد ياغزل. همس وهو ينظر إلى القبر.
-وأنا أولكم لازم أفوق، عارف خسارته كبيرة ومتتعوضش، ومهما قولت فيه مش هيكفيه، دا كان روحي قطعة من قلبي هو مش ابنوكوا بس، كان ابن روحي:
استدار برأسه إليها وتابع حديثه بقلب فتته الوجع وارهقه الحزن:.
-هتصدقي لو قولتلك من اول ماجنى كبرت ودعيت ربي أنها متتجوزش غيره، كنت بدعيها كل صلاة، ولما اتجوز فيروز انا حزنت عليه، علشان استخسرته في أي واحدة تانية، كنت اناني قوي وبدعي يكون لبنتي وبس ولما واجهته كان يقولي أنها زي اختي، كلمته دي وجعتني من جوا، وفقدت الأمل. حتى لما طلبت منه يتجوزها ويبعد بيها قولتها له علشان مرخصهاش قدامه كنت عايزه يتعلق بيها زي ماهي اتعلقت بيه بجنون، كل مرة أقوله طلقها، علشان بكون فرحان من جوايا وانا شايف جنونه بيها.
سحب نفسا حتى يمنع خيانة عيناه، عندما تحجرت عبراته وأكمل
-لما ضغط عليه بطلاقه علشان قولت دي اكتر واحدة هتضغط عليه ويبعد عن اللي في دماغه...
هنا فقد السيطرة وانسابت عبراته
-بس مسمعش كلامي وطلق جنى ياغزل ومشي في طريقه، وطلع اذكى مني وصبرني بكلمة طلاق وفي نفس الوقت رجعها لحضنه، ورغم دا كله كان رايح للموت برجله
-صهيب! اردفت بها غزل بصوت متقطع.
أطبق على جفونه يعتصرها.
-انا حاسس اني شاركت في موته ياغزل، كان لازم اضربه على وشه واقوله اسمع كلامي غصب عنك، بس سبته ياغزل، سبته يروح للموت بعد ماضحك عليا وقالي انا هفضل قاعد على قلبك ياصهيوب متخفش. ضحك عليا ياغزل، ضحك عليا ونومني لحد مافوقت على كسر ضهري، على خسارته للأبد.
دموع فقط مع اختناق صوته، حتى ارتجف جسده، يشير لنفسه.
-انا ضعيف قوي ياغزل، مش يغرك اني بتكلم معاكي وبصبرك بس لازم نقوي بعض، مينفعش الحزن ياكلنا، ومينفعش إيمانا يكون ضعيف قوي كدا، خلاص أمانة وربنا استردها، لازم نقول الحمد لله، لازم نرجع نسند على بعض، جواد ممكن يوقع مننا في أي وقت ياغزل، شال على قلبه كتير، وانا مش قادر استوعب ازاي قادر يطبطب على دا ودا وهو جواه حزن زي الجبال
نهضت متحاملة على نفسها تنظر لذاك القبر مردفة.
-عندك حق ياصهيب، أنا لازم اكون اقوى بإيماني أكتر من كدا، تفتكر ربنا هيقبله شهيد
-توقف واتجه إليها
-ادعي له بالرحمة، وان شاءالله نفكر في حاجة نعملها له صدقة
اومأت ومازالت نظراتها الحزينة على تلك المقبرة.
-ياله ياغزل نرجع جواد ميعرفش إننا خرجنا. رفعت عيناها مترددة ثم هتفت:
-فيه موضوع مهم لازم تعرفه. قالتها مازالت نظراتها على مقبرة جاسر. دقق النظر بعيناها المترددة فأردف: -نهى عندها كانسر. مش كدا ياغزل.
ارتفعت شهقاتها تهز رأسها واقتربت تربت على كتفه: -مكنتش عايزة أوجع قلبك صدقني، وهي طلبت مني إنك متعرفش حاجة
-انقذها ياصهيب، انا حاولت معاها، خايفة اعملها العملية ومقدرش اكملها انت عارف ظروفي
-الكانسر فين ياغزل، وازاي قدرتي تخبي عليا حاجة زي دي
لم تدري بما تجيبه، ظلت تنظر إليه لبعض الوقت صامتة، ثم تحركت من مكانها قائلة: - Breast Cancer.
هزة عنيفة أخترقت جدار قلبه وأحرقت روحه وكأنه شعر بخناجر مسمومة بصدره: -سرطان ثدي! ااااه حارقة خرجت من جوف آلامه حتى فقد إتزان جسده، فجلس مكانه يشعر بدوران الأرض تحت قدمه: -المرض دا انتشر ياغزل بنسبة كام
ابتلعت غصة حزنها وجلست بمقابلته
-صهيب انا بعملها معالجة إشعاعية من وقت مااكتشفنا المرض، والحمد لله المرض ماانتشرش ولا حاجة بس لابد من العملية، مينفعش تفضل على الجلسات الإشعاعية بس.
نهض بجسد مرتجف وشريط حياتهما أمام عيناه، تحرك بتثاقل إلى أن وصل إلى سيارته يشير للسائق بفتح بابها عندما شعر بثقل ذراعيه. هرولت غزل خلفه تصيح باسمه
-صهيب. استقل السيارة دون حديث إلى أن وصلت إليه تطالعه بحزن
-آسفة ياصهيب!
-اركبي ياغزل.
بحي الألفي دارت عاليا بكل مكانًا تبحث عن جنى، ثم أمسكت هاتفها تهاتف ياسين
-دورت عليها مش لقياها. توقف من مكانه معتذرًا لصديقه: -بتقولي ايه. توقفت تبحث بعيناها بالحديقة.
-بقالي اكتر من ساعتين بدور عليها مش لقياها، وفونها مقفول
-طيب ياعاليا ساعة اخلص شغلي واشوف مدام جنى راحت فين
قبل ست ساعات: دلفت عاليا إليها بابتسامتها الخلابة وهي تسحب بكفيها ابنتها
-انطي جنى وحشة يامامي وعدتني بالخروج ومن امبارح قافلة على نفسها
رفعت جنى نظرها من فوق هاتفها
-عاليا فين ياسين، قطبت جبينها متسائلة: -ليه فيه حاجة. احتضنت رأسها بين راحتيها
-انا حامل ومش عارفة اوصل لجاسر.
شهقة خرجت من فمها تهز رأسها مذهولة من حديثها. زفرت تفرك جبينها
-طيب هتعملي أي؟
-خلي جوزك المحترم يحاول يوصله، أو يكلم راكان
اومأت عاليا تبحث عن ابنتها
-فين راسيل. اشارت جنى على باب الغرفة
-خرجت، شوفيها تلاقيها راحت عند أيهم وكنان.
خرجت عاليا قائلة: هشوف راسيل واكلم ياسين
تمددت جنى تضع كفيها على أحشائها وابتسامة ناعمة على وجهها
-نفسي اشوفك وأنا بقولك أنا حامل. أغمضت عيناها مبتسمة مع ذكرياتهما، لا مش هقوله بالتليفون، لازم احتفال كفاية المرة اللي فاتت. ظلت تلمس على بطنها
-وحشتني أوي حبيبي تلات أسابيع كتير قوي عليا، بس لازم أتحمل علشان ترجع لنا بالسلامة. أغمضت عيناها وابتسامة تنير ملامحها البريئة.
متذكرة تلك الليلة التي أخرجت جنانه
فلاش باك.
عايزة تغيري ريحة البرفيوم مش كدا. ابتلعت ريقها تنظر لهيئته التي تغيرت وهتفت: -جاسر مش قصدي اللي فهمته، انا قصدي لم يجعلها تكمل حديثها حيث اقتنص كل ما يمتلكه، فنار الغيرة حولته لمفترس، وتخيلات تهز رجولته التي داست عليها، حاولت الابعاد عنه بعدما وجدت تحوله ولكن كيف لها أن تستطع على عاشق سيطرت عليه نيران الغيرة لتحرق داخله ولم يشعر بنفسه بما يفعله كل مايريده أن يثبت لها انها تخصه وحده وليس سواه بعد فترة بعدما أخرج غضبه الذي أحيته بداخله ابتعد متجهًا للمرحاض دون حديث، اعتدلت تمنع دموع عيناها تململم شتات نفسها الذي بعثره. جذبت الغطاء عليها تطبق على جفنيها محاولة ألا تبكي فهي من أخرجت شياطين نار غيرته. ظلت لدقائق لم تتحرك انش واحد، تنظر لجسدها بحزن عيناها، خرج يجفف خصلاته بمنشفته ثم توقف ينظر إليها بصمت لبعض اللحظات، وشعور قاس يفترس قلبه كحيوان مفترس وهو يراها بتلك الحالة، ورغم ماشعر به إلا أنهاقترب منها قائلًا بجنود:.
-قومي خدي شاور علشان ننام، بابا اخد كنان علشان ماما متشكش في حاجة. أزالت عبراتها التي انسابت رغمًا عنها كانت تظن أنه سيخرج ويعتذر مما فعله بها ولكنه خرج وكأنه لم يفعل شيئا. نزلت بقدمها على الأرض بجسد منهك واتجهت بخطوات ضعيفة متجهة للحمام مردفة بخفوت: -نام أنا مش نايمة.
متتأخريش في الحمام، مستنيكي علشان ننام ومش عايز كلام كتير.
تحركت ولم تكترث لحديثه، ظلت فترة بالمرحاض تنتعش بحمامها الدافئ، ولم تشعر بدخوله وهو يرفعها بين ذراعيه يلف جسدها بالمنشفة
-ساعة بتاخدي شاور، ولا بتعاندي وخلاص. جذب البورنص
البسي دا واخرجي ياجنى، مش عايز ازعلك، انا مش جايلك من اخر الدنيا علشان تحرقي دمي، انا قولت لك كل حاجة، محبتش اخبي عليكي حاجة، احتضن وجهها يرفعه: -جنى فتحت كتابي كله قدامك، متعمليش كدا علشان مضطرش اخبي عليكي حاجة.
أشارت على نفسها وأجابته بصوت متحشرج بالبكاء: -شوفت عملت فيا، نظر لعلاماته التي تركها بجسدها ثم مرر أنامله عليها بحنان
-جنى إنت ملكي وهتفضلي ملكي لحد ماتموتي فبلاش تخرجي غضبي عليكي الكلام اللي قولتيه دا مرفوض في قاموس جاسر الألفي. زي ماانت مرفوض لك أي حاجة تخصني، اعملي واغضبي لو فكرت بس مجرد تفكير ابعد عن حضنك
حاوطها بذراعيه يضمها لأحضانه.
-غيرتي مجنونة ياجنجونة، اللي يقرب منك احرقه، فاهمة احرقه واحرقك معاه بس بطريقتي، واوعي تفكري هعدي موضوع جواد دا بالساهل الوقت بس مش مناسب لحضرة اللوا وابن أخته، مجرد أنه فكر بس دي لوحدها جريمة. ضغط على خصرها
يهمس بجوار أذنها إنتِ جنى الجاسر، جنايا أنا سمعتيني
تحركت للخارج متجهة إلى مرآة الزينة.
-روح نام ياجاسر، انا مش نايمة معاك، وهكلم عمو جواد يجي ياخدنى وانت ارجع لشغلك ولامورتك الحلوة وقولها حبيبتي براحتك
تحرك إلى الفراش وقام بنزع كنزته متمددًا على الفراش
-متتأخريش على حضن جوزك ياجنجون. قالها بنبرة استفزازية، مما جعل وجعها أضعاف مضاعفة. فارتجفت شفتيها قائلة: -قولت لك نام. انا مش نايمة
أطلق زفرة قوية من جوف المحترق بنيران الغيرة فمازال حديثها يحرق روحه، ثم استدار ينظر إليها.
-فيه قميص اسود عندك إلبسيه وتعالي متتأخريش
استدارت إلى المرآة وبدأت تجفف خصلاتها ولم تعيره اهتمام ظلت فترة حتى انتهت تنظر إلى نفسها بالمرآة والى جسدها ومافعله بها.
نظرت إليه من خلال المرآة وجدته مستغرق بنومه. نهضت متوقفة ولم تستطع البعد عن أحضانه الدافئة، تآذر الوجع بداخلها، ليس وجعًا جسديًا ولكن وجع عشقها الذي لم تقو عن ابتعاده، ارتدت ذاك القميص تنظر لنفسها وابتسمت بسخرية على جمالها بذاك القميص الذي أظهر مفاتنها الأنثوية بسخاء. تخيلت نفسها بتمايل جسدها بالرقص به، ولكن كيف بعد مافعله بها، تسطحت بجواره تسبح ببنياتها على ملامح وجهه التي عشقتها منذ الصغر، تذكرت ماكانوا يفعلانه سويا، كيف لها أن تجهل العشق ودقات القلب بحجرته ذاك الوقت، رفعت أناملها ترسم ملامحه بقلبها قبل عيناها، ورغم ما تشعر من آلام إلا أنها تبسمت تضع أناملها على خاصتها المتورمة مرة وعلى آلامها مرة، ثم اقتربت من أنفاسه ومازالت أنامله ترسمه، فتح عيناه عندما شعر بها يجذبها لأحضانه.
-كنت هزعل منك لو مجتيش، أغمضت عيناها تدلف لأحضانه تضع رأسها بحنايا عنقه تستنشق رائحته بوله تهمس له: -زعلانة منك قوي ياجاسر، شوفت شوهتني إزاي
ضمها بقوة حتى شعرت بذوبان جسدها بين ذراعيه يهمس لها
-آسف ياجنى، عارف وجعتك بس دا ميجيش ربع وجعي. مرغت رأسها بصدره كقطة أليفة، تلف ذراعيها حول جسده: -إنت ترياق سم حبي ياجاسر، مقدرش ازعل منك ولا أقدر ابعد عنك، بعشقك بجنون، تقول ايه بقى.
رفعت رأسها تسبح برماديته: -عشقي اللاذع حبيبي مهما تعمل هتفضل عشقي اللاذع
وضع جبينه فوق جبينها ملمسًا خاصتها بخاصته هامسًا بكل نبضة بقلبه
إنت الروح لجسد جاسر ياجنى
لو خايفة من غضبي متلعبيش على غيرتي يابنت عمي، علشان متتحرقيش بيها، ومتحاوليش تبعدي عن دايرة عشق جاسر وتأكدي مهما ابعد ومهما أقول بس أنتِ متوشمة بقلبه مالكيش مفر بالبعد، حتى لو غصب عنك، قولي اللي تقوليه، مجنون، عاشق، محب، مريض نفسي.
اه بدل مرتبط بيكي مش مهم المهم دايما تكوني زي دلوقتي كدا جوا حضني واتنفس انفاسك واسمع نبض قلبك واستمتع بهمسك واتذوق رحيق شفايفك انا كدا وهفضل كدا
أغمضت عيناها مبتسمة تشعر وكأنها امتلكت العالم وما به. جذب رأسها ليرجعها مرة أخرى لصدره ليغمض عيناه منتعش الروح والنبض
ملست على صدره تهمس له
-عايزة أرقص بس جسمي وجعني ينفع كدا. تراجع برأسه ينظر إليها بذهول وارتفعت ضحكاته
-بتتكلمي بجد. أشارت على قميصها.
-القميص عجبني جدا وعايزة أرقص بيه ايه عندك اعترض. نهض عندما لم يستطع السيطرة على ضحكاته
-والله مجنونة. استندت على مرفقيها تنظر لضحكاته
-نامي ياجنجون بدل مااخليكي ترقصي بجد
رفعت حاجبها وشعور الغيرة يسيطر على قلبها
-وياترى حضرة الظابط بيشوف رقص برة
اقترب منها وبصوته الأجش وعيناه تعانق عيناها
-ليه مراتي مش مكفياني، ولا إنتِ شايفة إن جوزك خاين وممكن يغضب ربنا كمان
اقتربت تدفن نفسها داخل أحضانه.
-مش قادرة اتحمل فكرة إن فيه واحدة تانية بتحاول تقرب منك ياجاسر، لف ذراعيه حول جسدها يرفعها لتصبح فوقه واحتضن وجهها
-عارفة الحب اللي في الدنيا دا كله ليكي لوحدك في قلبي ياجنى، اجمعي حب العشاق كلهم وحطيه جوا قلبي ليكون ملك لوحدة بس
رفع أنامله يجمع خصلاتها التي أخفت ملامحها يضعها خلف أذنها بعشق ثم أكمل مسترسلًا حديثه بصوته الأجش
وعيناه العاشقة تحتضن عيناها.
-حبك ليا مكفيني ياجنة حياتي. وضعت رأسها فوق صدره تحتضن جسده
-عايزة انام ساعات كتيرة قوي ياجاسر، كتيرة اوي حبيبي مش عايزة حد يصحيني ولا يبعدني عن حضنك، كفاية الايام اللي بتبعد عني فيها مبكنش عايشة
ضغط يضمها بقوة لأحضانه وكأنها ستختفي ثم أغمض
هو الآخر ذاهبًا بثبات عميق كأنه لم ينم منذ فترات طويلة
فاقت من شرودها على رنين هاتفها بنغمته المفضلة، اعتدلت سريعًا تلتقط الهاتف: -حبيبي!
خرج من منزل التميمي متجهًا إلى يحيى الذي ينتظره بالسيارة فتحدث: -روح حبيبك. آسف ياروحي اتأخرت عليكي بالاتصال كنت مشغول
-تلات أسابيع ياجاسر، هونت عليك. توقف يشعر بقبضة تعتصر فؤاده: -ايه ياروح جاسر اسف ياجنى مينفعش كل شوية أتصل بيكي، الدنيا عندي مكنتش تمام، وعزيز بيراقب بابا خوفت يكون شك فيا فكان لازم اعمل احتياطي
انسابت عبراتها رغمًا عنها خوفًا عليه من فقدانه فهمست بتقطع: -وحشتني!
سحب نفسًا طويلًا وكأنه آخر أنفاسه ليردف قائلًا: - انا هتجنن عليكي ياجنجون، اسمعيني كويس واعملي زي ماهقولك، انا حجزتلك تذكرة بعد ساعة بالكتير تكوني في العنوان اللي هقولك عليه فيه سوبر جيت هيطلع بعد ساعة، وبلاش تعرفي حد انا هكلم ياسين واقوله بعد ماتيجي، علشان محدش يمنعك، معايا تلات ايام حبيبي بس مينفعش أخرج من مرسى مطروح، هبعتلك عنوان شاليه هتنزلي من الاتوبيس هتلاقي سمر مستنياكي هي عارفكِ أنتِ متتكلميش مع حد.
-سمر دي اللي ساعدتك!
-أيوة حبيبي ياله بسرعة علشان تلحقي توصلي
-طيب كنان اجيبه معايا!
أجابها وهو يستقل السيارة بجوار يحيى: -لا مينفعش تجيبي كنان، متخافيش عليه بابا وماما هياخدوا بالهم منه، ياله بسرعة
-حاضر. فيه حاجة لازم تعرفها
-جنجون حبيبي لما تيجي ياله علشان الوقت. قالها وأغلق الهاتف:
-نهضت سريعًا تجمع أشيائها الخاصة بحقيبة صغيرة، تحركت بعض الخطوات متذكرة شيئًا، فذهبت لجذبه ووضعه بالحقيبة.
عند جاسر أشار إلى يحيى بالتحرك
-انت متأكد من الناس دي
اومأ يحيى برأسه قائلًا: -الراجل كان صديق لوالدي، في الأول حاول معايا علشان ابعد عن عمي، بس انا كنت رافض، فهو دلوقتي ماصدق اني رجعت له تاني
هز رأسه يفكر بشيئًا ما
-ليه هادي ونعمان عايزين الراجل دا يموت
تهكم يحيى وأجابه: -علشان نضيف ومسيطر على السوق
-إزاي نضيف ومسيطر على السوق قصدك ايه؟
اجابه يحيى قائلاً: -الراجل دا تاجر سيارات اللي هي تجارتهم الوهمية، وله في حاجات كتيرة تانية بس مالوش في الشغل البطال، فالناس بتحبه وكمان اخد مجلس الشعب من هادي الجيار بسمعته الحلوة. فهمت الموضوع
أومأ جاسر يطرق على باب السيارة
-طيب نفذ اللي هقولك عليه انا هتصل بالشيخ منصور الدفراوي دا، وهروحله.
عايزك تروح مكتب عزيز الحيوان دا وتحاول تعمل اي فيلم وتحط الجهاز دا في مكتبه من غير مايشك، وخلي بالك من الكاميرات، لازم نعرف الراجل بتاعهم دا مصري ولا لبناني ولا جنسية تانية، ماهم بدل بيبعدوك يبقى خايفين منك او انك عارف الراجل دا ومش عايزينك تعرفه، أو هو اللي طالب كدا، فأنت لازم تتصرف، الجهاز دا صوت وصورة، هتقدم التذاكر زي كل مرة وراكان هيتصرف. ابعت الفيديو الاخير بتاعنا لراكان علشان يتصرف فيه ويتأكدوا من سفرنا، وهقابلك في مكانا زي كل مرة.
استدار يحيى إليه
-عرفت أن عزيز بيراقبك، وشايف العربية اللي ورانا
-ابتسم بسخرية ينظر من مرآة السيارة
-خليه يراقبني، انت هتنزل زي ماهم بعتينك وانا رايح المينا كالعادة. ركز انت في شغلك، انا عايز اخلص بقى زهقت داخلين على أربع شهور وماوصلناش لحاجة، الموضوع بيخ اوي يا يحيى
-تمام انا هتصرف متشغلش بالك، انا عارف أنهم منعينك تروح هناك لأنهم خايفين.
حك ذقنه وهو يراقب تلك السيارة يهمس لنفسه: -لازم يخافوا، لاني مش ناوي ارحمهم
توقفت السيارة. ترجل من السيارة متجها للخلف يخرج حقيبته ويتحرك إلى الأتوبيس الذي سيقوم بنقله إلى مكان سفره إلى إحدى الدول لجلب تلك المواد المخدرة كما اعتادوا عليه
أما بتلك السيارة التي تراقبه، توقفت بعد ركوب جاسر الاتوبيس وتحركه
-ايوا ياباشا، يحيى وصله زي ماطلبت ودلوقتي الاتوبيس اتحرك واحنا اتأكدنا أنه ركبه
-تمام ارجعوا انتوا.
بحي الألفي بغرفة جواد حازم، أنهى ارتداء ملابسه واتجه للأسفل مستعدا لعودته إلى عمله
-صباح الورد ياست الكل
ابتسمت له مليكة التي تعد الافطار على المائدة:
-صباح الورد ياعيون ست الكل، ايه نازل الشغل
اومأ لها وهو يرفع فنجان قهوته يرتشف منه بعض الرشفات:
-إن شاءالله ياماما، بقولك عايزك في موضوع مهم بس لما ارجع. أمسكت بعض شطائر الجبن تضعها بالخبز
-حبيبي كُل اي حاجة هتشرب قهوة على الريق.
استمع الى رنين هاتفه التقطه، تبسم مبتعدا عن والدته بعدما وجده جاسر
-اهلا بالمشاغب!
-جواد عامل ايه.
-كويس حبيبي الحمد لله انت عامل ايه!
اسمعني ياجواد وتصرف من غير ماتحسس بابا بحاجة
تحرك جواد للخارج بعدما شعر بالريبة بحديثه
-عزيز الحيوان بيراقب بابا وعز وأوس وراهم ناس.
يعني ايه!
-اسكت واسمعني للاخر، الصفقة اللي هما بيرسموا عليها شكلها قربت وهما شاكين او خايفين فبيعملوا احتياطتهم وأنهم يمسكوني بايدي اللي بتوجعني، طبعا مفيش غير دول بما أن بابا تقاعد ومبقاش زي الاول أو عز وأوس اكتر ناس بيخرجو. مش عارف هما عايزين يوصلوا لأيه. الجهاز يحيى هيحاول يزرعه في مكتب عزيز، انا مش هعرف اتعامل معاه، انت وصله باللاب أو كلم راكان يتصرف، لازم اعرف هما ليه بيراقبوا عز واوس، ممكن يكونوا خايفين من بابا بس عز وأوس ليه، دي حاجة الحاجة التانية فيه صفقة داخلة جروب الألفي للأدوية عايزك تدخل الشركة الايام الجاية بحجة انك ليك أسهم فيها وهبعتلك توقيع مني تنازل عن اسهمي كلها بتاريخ سنتين فاتوا علشان تدخل الإدارة وتمنع الصفقة بدون شك، ازاي معرفش المهم الصفقة دي شركتنا متدخلهاش لأنهم ناوين على حاجة وانا بحاول اوصلها.
-تمام ياجاسر، بس المراقبة دي مخوفاني
اجابه جاسر باختصار
-مش اكتر مني، ربطوني ولاد الكلب، كدا هما سابقيني بخطوة، لازم اعرف نيتهم ايه من المراقبة وخاصة عز وأوس.
فيه حاجة كمان عايزك تقول لبابا أنه يدخل بصوته معاك علشان يرفض الصفقة، صفقة الأدوية مغرية ومش عليها غبار، وطبعا ذكاء أوس هيوافق عليها بعد دراسته، بس أوس ميعرفش أنهم مساهمين مع صاحب الشركة دي من تحت لتحت، انا عايز الصفقة دي تترفض حتى لو هدخلنا ملايين سمعتني
-اعتبره حصل. قاطعه جاسر سريعا.
-لا الموضوع مش سهل، لاني متاكد من عز وأوس أن الصفقة هتعجبهم وخاصة أن الشركة لها فروع في كل الدول بس اللي داخل مصر من تحت التربيزة والنية ايه معرفش فبلاش نسيب حاجة للظروف، مش هتعرف توقف قدام عز واوس، دا شغلهم أقل كلمة هيقولوها انت مالكش في شغلنا، انت اتصرف وحاول تقنع باباك وبابا وياريت تدخل عمو صهيب كمان بس بطريقة تخرجنا من غير شك
-تمام هحاول اشوف ايه وهعمله
هقفل دلوقتي سلام
عند راكان.
-يعني ايه ياجمال، لا اتصرف وحاول مرة كمان، لازم يبان أنه سافر زي المرة اللي فاتت
-حاضر ياسيادة المستشار هحاول
-جمال. صاح بها راكان قائلًا: -مفيش حاجة اسمها هحاول. تقولي الموضوع منتهي، مش عايز غلطة، انت عارف غلطة دلوقتي ممكن نفقد حضرة الظابط. اعمل زي اللي قبلها
-هو سؤال واحد بس. تسائل بها جمال
-ليه مُصرين أنه هو اللي يسافر كل مرة وكمان عن طريق مستلم مابيقبلش حد.
-دا طُعم ممكن أو ممكن لو وقع مالهمش دخل، لسة بنحاول نعرف، المهم الموضوع سري جدا. تمام ربنا ييسر هكلمك واقولك عملت ايه
بعد عدة ساعات ترجلت جنى من الحافلة تتحرك وهي تتلفت حولها إلى أن توقفت سمر أمامها: -مدام جنى الألفي
-إنتِ سمر! أشارت سمر وهي تنظر بكافة الأرجاء تتحدث إلى يحيى
-ايه اتحرك. أجابها: -أيوة حبيبتي اتحركي مفيش حد وراكي. أشارت إلى جنى بالتحرك، فتسائلت جنى: -جاسر فين!
استقلت السيارة وقامت بتحريك المحرك قائلة: -حضرة الظابط في مشوار، أنا هوصلك الشالية وهو هيعرف يجيلك، معنديش اكتر من كدا أقوله
-يعني هو مش في الشاليه دلوقتي
هزت سمر رأسها بالنفي: -لا. هو خارج مرسى مطروح ساعتين ويكون عندك إن شاء الله
-ساعتين! قالتها بذهول، ثم استدارت تطالعها
-طيب ممكن توديني أي مول، مجبتش هدوم معايا.
اومأت لها دون حديث
بحي الألفي
بحثت بكافة الأرجاء تفرك جبينها.
-وبعدين راحت فين دي. وصل ياسين إليها
-ايه لسة مش باينة؟
هزت رأسها بالنفي قائلة: -دورت في كل مكان تليفونها مقفول. تحرك قائلًا: -كدا بابا لازم يعرف مينفعش كدا، دلف إلى والده الذي كان يتحدث بالهاتف
. انتظر إلى أن انتهى ثم اقترب قائلًا: -بابا. طالعه منتظر حديثه، فهتف ياسين
-جنى مش باينة من الصبح
ضيق عيناه منتظر بقية حديثه
أطلق ياسين تنهيدة قائلًا: -جنى مش موجودة في حي الألفي.
نهض جواد من مكانه يحاول استيعاب حديث ياسين
-يعني ايه جنى مش موجودة، اسأل الأمن عليها، عربيتها هنا
-اه عربيتها هنا، والأمن قال خرجت وقالت لهم هتتمشى تعمل رياضة وكانت خارجة بترنج عادي، ودا شوفته في الكاميرات
بدأ جواد يشعر بالتذبذب والخوف، ولكنه حاول ألا يقلق ابنه فتحدث: -يمكن بتعمل رياضة
-بابا بقولك من الصبح، دلوقتي احنا المغرب، جنى خرجت الساعة تسعة من الحي.
ارتعب داخله وبدأ الخوف يتسرب إليه. نهض متحركًا لشاشة المراقبة يتفحص خروجها، أشار إلى حقيبة بيديها
-ايه اللي بايدها دي!
-شنطتها يابابا. ظل يدقق بهيئتها
-هي جنى متعودة تخرج بشنطة وهي بتعمل رياضة
هز ياسين أكتافه بعدم معرفة، ظل يعيد المشاهد السابقة، إلى أن اعتدل
-جاسر!
-يعني ايه يابابا. قصدك راحت لجاسر.
مازالت عيناه على كاميرا المراقبة فهتف: -او ممكن يكون هنا، بس ازاي وانا جالي إشارة من ساعة أنه موجود هناك. تحرك جواد ذهابا وإيابا
-طيب البنت راحت فين. نظر إلى هاتفه فأشار إلى ياسين
-هات تليفوني اكلم راكان علشان لو فيه تواصل مع جاسر
بمكتب راكان استمع الى رنين هاتفه
-اهلا سيادة اللوا
-اهلا ياراكان. عامل ايه؟
-الحمد لله. صمت جواد للحظات متسائلًا: -راكان جاسر اتصل بيك قريب، أصله بقاله اسبوع مكلمنيش.
-أيوة اتصل بيا الصبح، هو كويس ممكن ظروفه، كلامه كله كان عن القضية
-تمام لو عرفت توصله خليه يتواصل معايا ضروري بأي طريقة
توقف راكان مستفهمًا: .
-فيه حاجة ولا إيه؟
-آه. مراته مش موجودة
-ايه. تمتم بها راكان بفزع.
سحب جواد نفسا محاولا السيطرة على انفاعله فهو عنده شكٍ بوجود جنى معه
-اتأكدلي أنه في مرسى مطروح ولا خرج، اكيد عندك عيون هناك
-تمام خمس دقايق وهرد على حضرتك.
عند جنى وصلت إلى الشالية، تحمل تلك الحقيبة التي بها ملابس قد ابتاعتها، تحركت سمر بجوارها ودلفوا إلى الداخل. تجولت بعيناها على ذاك الشالية وتخيلت مقابلته بابتسامة. ظلت عيناها تلمع بالسعادة تتحرك بكل مكان وكأنه بكل ركنا من رائحته التي اخترقت رئتيها. توقفت سمر تستند على الجدار تطالعها بصمت لفترة ثم حملت بعض المأكولات متجهة إلى المطبخ.
-جبت لكم شوية أكل، ممكن جاسر ينسى يجيب معاه، واه كمان فيه فواكه من اللي بتحبوها وحلويات كمان، انا عارفة هيكون صعب أنه يخرج خلال الأيام دي، فعملت حسابي في كل حاجة
فاقت جنى من تأملها على. حديث سمر فاستدارت ترمقها متمتمة باستهجان: -شكل العلاقة بينك وبين جاسر كويسة لدرجة تشيلي التكليف وتقولي جاسر
اقتربت سمر مبتسمة حتى وصلت إلى وقوفها تطالعها بعيونًا سعيدة.
-وشكل مدام جنى غيورة جدا لدرجة متكلمتش معايا طول الطريق، نظرات بس عايزة تولع فيا
اجابتها باقتضاب وفم مزمزم
-وبينا ايه علشان نتكلم، وبعدين انت مش شايفة أنه راجل ويستاهل اغير عليه
هزت سمر رأسها بالنفي
-لا مالكيش حق تغيري عليه، لانه مش محتاج
-نعم! قالتها غاضبة وتابعت مزمجرة
-انا معرفش طبيعة العلاقة بينك وبينه ايه، بس اللي متأكدة منه مفيش ست محترمة تصاحب راجل.
اقتربت سمر إلى أن وصلت إليها ولم يفصل بينهما شيئا فتحدثت بخفوت
-انا قصدي ميتغرش عليه لأنه مش شايف غيرك، يعني لو نزلت نجمة من السما عنده جنى دي اجمل نجمته، فبلاش تخافي من حد، وثقي في حبه لو اتعرضت عليه الستات اد حبات الرمل مش هيشوف غير اللي قلبه بيحبها
-رغم أن كلماتها راقت إلى جنى ولكنها استدارت ترمقها
-إنتِ عايزة ايه بالظبط، عمال تلفي وتدوري على ايه
ربتت سمر على كتفها.
-مش عايزة حاجة، عايزة اكدلك متخافيش مني، انا بعتبر جاسر اخ مش اكتر وانا بحب ابن عمي ياستي علشان قلبك يطمن
نكست رأسها أسفا وهتفت معتذرة
-آسفة ممكن مضايقة علشان توقعت أنه يكون موجود متزعليش
أشارت إليها بالجلوس
-طيب اقعدي هجبلك حاجة تاكليها لحد ماجوزك يجي
هزت جنى رأسها رافضة الطعام
-لا أنا هستناه، تحركت سمر وجلبت إليها بعض العصائر
-طيب اشربي العصير دا علشان تروقي
رفعت عيناها تنظر ملامحها فابتسمت لها.
-إنتِ جميلة قوي. ياسر
جلست سمر تشير إلى نفسها متصنعة الذهول
-أنا جميلة. ربنا يجبر بخاطرك، لما انا جميلة يبقى انت ايه، دا إنت احلى من الصور بكتير
-الصور! قالتها جنى. اومأت سمر وهي ترتشف العصير
-اه كان دايما حضرة الظابط يقعد يجيب صورك ويتفرج عليهم وفي مرة ورهملي
لمعت عيناها بعشق وارتفعت نبضات قلبها باسمه، وارتجفت شفتيها تهمس اسمه
- جاسر!
-أيوة ياختي جاسر هو دا.
نهضت قائلة أنا لازم ارجع وانت حاولي ترتاحي لحد مايرجع ماتخفيش الساحل دا خاص. وعليه رقابة مشددة ممنوع حد يدخل ولا يخرج منه بسهولة، ودا شوفتيه واحنا داخلين لولا كارنيه راكان باشا وحياتك ماكنا دخلنا
تسائلت جنى بعدما ذكرتها
-ليه راكان مش جاسر. جمعت اشيائها ثم نظرت إليها تجيبها: -علشان مينفعش جاسر يظهر بصورته الحقيقة، على فكرة الشاطئ دا تبع القوات الجوية يعني مش اي حد يدخله.
-سمر! استدارت منتظرة حديثها نهضت جنى من مكانها متسائلة: -هي سمارة حلوة زيك كدا
-الصراحة يااستاذة جنى هي احسن، بس الاحسن منها بكتير أنتِ والاجمل من الجمال العشق اللي بينكم، سمارة دي ولا تحطيها في بالك أبدًا، دا غريب مجننها كفاية بس تقريره الطبي اللي مخليها تلف على أطباء مصر كلهم
-تقرير ايه. فتحت باب الشالية وغمزت إليها
-دا حضرة الظابط يحكيهولك. سلام.
نهضت من مكانها وتحركت تتجول بالشاليه الذي كان يكون من مطبخ وحمام وغرفة وحيدة بالأسفل، وبالاعلى غرفة بحمامها بدرج بمنتصف الشالية، صعدت تحمل حقيبة ثيابها التي ابتاعتها وتركت تلك التي تحتوي على اشياءً أخرى. توقفت تنظر لذاك الفراش الدائري الموجود بمنتصف، الغرفة اقتربت منه تجذب كنزة زوجها وتستنشق رائحته بوله، وضعت حقيبتها وأخرجت هاتفها لتهاتف عمها
-ألو. هب جواد من مقعده
-إنتِ فين ياجنى.
ابتلعت ريقها بصعوبة وارتجفت شفتيها عندما ثقل لسانها بالحديث. لحظات صمت حتى شعر جواد بتوقف تنفسه، فحاول الهدوء متحدثًا
-حبيبتي أنتِ مع جاسر
-عمو جواد انا آسفة، هو قالي تعاليلي ولسة متقبلناش لحد دلوقتي، انا في شالية ملك لراكان البنداري متخافش عليا
-جنى لازم ترجعي فورا، حبيبتي غلط وجودك هناك كدا بتعرضي حياة جاسر للخطر
انسابت عبراتها وهمست بتقطع
-عمو جواد انا حامل وجاسر لازم يعرف.
-ايه. حامل. هزت رأسها وكثرت عبراتها، هوى جواد على مقعده، فهو لم يفكر بشيئا كهذا. ارجع خصلاته للخلف بعنف بحركة تنم عن مدى وصوله للعجز عن التفكير. حاول لمام نفسه ليخرجها من ذاك المأزق.
تحدث بهدوء
-من زمان ياعمو، بقالك قد ايه
-تلات شهور
أطبق على جفنيه وهنا فقد عقله الذي توقف عن الرد، فهتف: -طيب ياجنى هكلمك بعدين متقفليش تليفونك مهما حصل، وانا هتصرف وأشوف هعمل ايه!
جلس يحتوي رأسه بين راحتيه محاولا الوصول لشيئا، توقف بعدما وصل إلى سفر جنى بتلك المدة إلى الفيوم بعيدًا عن الأعين إلى أن ينتهي جاسر بما يفعله
عند جنى
تحركت للأسفل وابتسامة سعيدة بعدما أخبرت عمها بوجودها مع زوجها، اتجهت إلى تلك الحقيبة لتخرج الشموع والورود الحمراء، بدأت تجهز ماتريده قبل وصوله، انتهت بعد قليل، فتحركت إلى المطبخ تخرج الأطعمة التي احضرتها سمر، ضيقت عيناها توزع نظراتها عليها.
-سمك، واو جمبري، ايه دا. ياي استكوزة، جمعتهم واتجهت إلى الثلاجة تضعهم بها وهي تبتسم
- آسفة ياسمر، بس جاسر مالوش في الحاجات دي. أخرجت الجمبري وبعض السلطات إلى جانب انواع أخرى من الأسماك التي يميل إليها زوجها، افلتت ضحكة عندما تذكرت تناولها الفسيخ وهروبه من الغرفة. ظلت تضحك مع نفسها إلى أن انتهت من ترتيب المائدة
اتجهت تعد بعض سلطة الفواكه ببعض العصائر والحلويات كذلك.
مطت شفتيها تنظر لما فعلته بإعجاب ثم صعدت للأعلى سريعًا، خرجت بعض دقائق معدودة من الحمام، توقفت أمام المرآة لتنهي زينتها، بعدما ارتدت ذاك القميص الناعم الذي جعل من طلتها أميرة خلابة تجذب القلوب.
استمعت لصوت سيارة بالخارج، اتجهت تنظر من خلف ستارة النافذة، لمعت عيناها بالعشق بعدما وجدته يترجل من سيارة جيب، متجهًا إلى الشالية، سحبت نفسًا لتوقف دقات قلبها العنيفة، ثم تحركت للأسفل بخطواتها الهادئة، ورغم هدوء هبوطها إلى أن قلبها يعزف سيمفونية باسمه، دلف للداخل، توقف متسمرًا عندما قابلته رائحة البخور الممزوجة برائحة تلك الورود الفواحة، ناهيك عن رائحتها الأنثوية التي تسللت إلى رئتيه، رفع عيناه إلى الدرج، ليجد حوريته متجهة إليه بخطواتها الناعمة.
بحذائها العالي وفستانها القصير الذي يظهر معالم جمالها باناقة، تجولت عيناه على ملامحها كافة، وذاك الفستان مفتوح الصدر والظهر، ليظهر معالمها الأنثوية بسخاء
تحرك بعض الخطوات حتى اقترب منها. ارتفعت دقاتها بصخب كأنها تراه لأول مرة، هاج قلبه وارتفعت نبضاته
ليبسط كفيه إليها يرفع ذقنها ويرسمها برماديته.
أنا مش بحلم صح
لمعت عيناها بعشقه الدافئ، مقتربة منه تحاوط خصره
-وحشتني قوي اتأخرت ليه.
لف ذراعيه يرفعها لتصبح بمقابلته، يدفن رأسه بخصلاتها وآآه عميقة بعشق دفين كانت أبلغ عن أي شعور
-مفيش كلمة في قاموسي تعبر عن اشتياقي حبيبي
انزلها بهدوء ومازال ذراعيه يحاوط جسدها
-الجمال والدلال دا كتير على قلب حبيبك ياجنتي
طالعها بعيناه التي لم تغفو لحظة عن ملامحها الجميلة، واقترب من خاصتها ليعزف ثنايا عشقه عليها
تراجع يحتوي وجهها بعدما شعر باحتياجها للهواء قائلا
-مرسى مطروح نورت بوجودك حبيبي.
وضعت رأسها على صدره
-منورة بوجود حبيبي فيها. اتجه ببصره لتلك الطاولة الموضوعة بالمنتصف
-عملتي اكل كمان. هزت رأسها بالنفي وسحبت كفيه متجهة إليها
-لا دا سمر جبته، ثم أشارت إلى الطعام
-انا جهزته بس، الباقي انت مالكش فيه. خلل أنامله بأناملها وجذب مقعد يجلس فوق وأجلسها فوق ساقيه
-تعرفي أنا جعان جدا، يعتبر ماأكلتش من إمبارح
لمست وجنتيه
-ليه ياجاسر، ينفع كدا
قبل كفيها الذي تضعه على وجهه.
-لا استنيت تيجي علشان نفسي تبقى مفتوحة واكل كل الأكل معاكي
انحنت تضع رأسها بحنايا عنقه تهمس بأنفاسها الناعمة
-ربنا مايحرمني منك ودايما مفرحني بكلامك دا حتى لو كذب
أخرجها من أحضانها ينظر إليها: -بس دا حقيقي ياجنى، الأكل معاكي له لذة تاتية، رفع خصلاتها برقة يضعها خلف أذنيها وتابع مستأنفًا بابتسامته
-الحقيقة مش الأكل بس، كل حاجة ياروحي، ليها مذاق تاني.
انحنت تطبع قبلة على خاصته، ثم استدارت للطعام وبدأت تفصص له بعض أنواع الأسماك لتطعمه بيديها، بعد فترةأنهوا طعامهم، فتوقفت تجمع الطعام المتبقى وهو يساعدها إلى أن انتهوا، ليسحب كفيها الرقيق متحركًا اتجاه الحمام ويوقفها أمام حوض الغسيل يحاوطها بذراعيه ويقوم بغسل يديها وفمها، رفعت رأسها مستديرة تنظر لقربه بارتجافة شفتيها
-طفلة أنا علشان كدا. مرر أنامله على خاصتها وعيناه تعانق عيناها.
-إنتِ طفلة روحي وهتفضلي كدا طول عمرك. خانتها ساقيها من لمساته وهمسه، فتراجعت تستند عليه مغمضة العينين
-معقول ربنا بيحبني قوي كدا، علشان يرزقني بحبك دا، انحنى يغسل ويديه لتعتدل تساعده تفعل معه مثلما فعل. ازداد بريق العشق بعيناه، فتعلقت عيناه بشفتيها.
انحنى ليطبع قبلة على فتحة ظهرها العاري أمامه.
- أنا اللي ربنا بحبني كتير قوي جنجونة قلبي ملكي وجوا حضني وعندي قطعة من روحي منها مبقتش عايز حاجة، قالها وهو ينحني ليحملها متجهًا إلى الخارج يغمز بعينيه
- الليلة ملكي وممنوع اعتراض على حاجة. تنهدت بغرام أحيى قلبها بعد سنوات عجاف، لترفع أناملها تخللها بين خصلاتها تعبث بها قائلة
-أنا ملكك على طول ياجاسر مش الليلة بس
انزلها بهدوء وقام بتشغيل موسيقى رومانسية ثم بسط كفيه إليها.
-ملكة قلبي تسمح لجوزها بالرقص، وضعت كفيها لتحتضن حنان كفيه وتقترب منه بفستان القصير تومأ بعيونها اللامعة
-حبيبة جوزها تسمح لجوزها بالدلال كله. أطلق صفيرًا وهو يلفها لتدور بفستانها ترتفع ضحكاتها
-دوخت حرام عليك. قهقه عليها يجذبها لأحضانه
-ألف سلامة! ضيقت عيناها تعانق رقبته قائلة: -افهم من كدا انك بتتريق. أشار على نفسه بذهول أنا! ابدا.
حاوط خصرها وبدأ يتحرك معها على نغمات الموسيقى ومازالت ابتسامته اللاعوب عليها
تبسمت عيناها بمكر أنثوي ترفع نفسها تهمس بجوار شفتيه
-قولي ورا الضحكة دي ايه، وبلاش المكر دا
ارتفعت ضحكاته يرفعها من خصرها يضع جبينه فوق خاصتها: -طيب اصبري نفسي ازاي واسيطر على قلبي ازاي وانا عايز التهمك دلوقتي
لكمته بخفة تضحك
-والله كنت عارفة انك بتخطط لحاجة
رسم العبوس ينزلها متراجعًا: -دايمًا ظلماتي وواخدة فكرة مش كويسة عليا.
تحركت تضع كفيها على فمها تمنع صوت ضحكاتها وتهز رأسها
-أيوة فعلا حبيبي مظلوم علشان انت مؤدب وأنا المفترية.
رفع حاجبه يطالعها بسخرية: -بتغلطي على فكرة، والغلط مش في صالحك، قالها وهو يتحرك يجذب بعض الفواكه التي احضرتها واتجه إلى الأريكة يشير إليها، استدارت متجهة للأعلى لبعض اللحظات، ظلت نظراتها عليها مستغرب صعودها، هبطت تحمل بكفيها ذاك الحذاء الصغير، وجلست أمامه تستند على ركبتيها تشير إلى كفيه وهي تخبأ ذاك الحذاء خلف ظهرها، فتح كفيه قائلا بمزاح.
-ايه ناوية تديني فلوس ولا أيه. وضعت الحذاء ثم أطبقت على كفيه وابتسمت بخفوت وشفتيها نقشت حروف عشقه على خاصته مبتعدة بعض السينتات لتهمس بجوار أذنيه
ألف مبروك ياأحلى ابو كنان في الدنيا، هتبقى أب لولدين
اعتدل بجسده ينظر لذاك الحذاء بذهول ثم نزل ببصره لبطنها. ألجمته الصدمة مما فقد النطق. فرت دمعة من عينيها تسيل فوق خديها من صدمته ونظراته المذهولة. هزت رأسها لتؤكد له ما يشعر به.
-أيوة هيجلنا بابي كمان، فيه هنا حتة منك ممكن تكون بنت او ولد، كله اللي يجيبه ربنا راضية بيه، المهم تكون معانا ويكون بصحة جيدة
أغروقت عيناه بالدموع ليرتجف كفيه على بطنها عندما سحبها لأحضانه
-جنى أنتِ حامل، هزت رأسها تقبله
أيوة حبيبي هيبقى عندنا طفل كمان
عصرها بأحضانه وآآه جياشة من أعماق روحه
-ياالله. نهض يحملها ويدور بها وارتفعت ضحكاته حتى أدمعت عيونه يهتف من بين ضحكاته.
-هيكون عندنا ولد كمان، قالها وضحكات أنارت وجهه حتى نسي كل مايمر به. انزلها بعدما صاحت به
-جاسر كفاية دوخت!
انزلها يضمها ثم احتضن وجهها
-طيب هو فيه فرحة اكبر من كدا ياجنجون، قلبي بيرقص عايز اعمل كل حاجة. صمت وتوقفت نظراته عليها يضغط على خصرها
-يعني الاحتفال دا كله علشان البيبي مش علشان حبيبك
رفعت ذراعيها ترفع نفسها تدفن رأسها بعنقه تشتم رائحته تهمس بأنفاسها الناعمة لتزعزع ثباته قائلة.
-الاحتفال علشانكم انتو الاتنين، بس هو اكتر، لحسبة بسيطة ياحبيب جنى انك ابوه، دي بالنسبالي أعظم حاجة في الكون
لم تكمل حديثها عندما انحنى يضع ذراعيه تحت ساقيها ويرفعها لتصبح بأحضانه وتحاوط عنقه قائلا
-إنتِ احتفلتي على ذوقك وأنا كمان لازم احتفل وارحب بابني على ذوقي والله أو قالوا مصر بها حرب لازم احتفل وبعدها موافق يضربوني بصاروخ
ضحكت تضع رأسها بصدره خجلا من حديثه
-بس بقى، انت على طول كدا
غمز إليها قائلا.
-يابت افرحي علشان نبارك لبعض بالبيبي، مكسوفة طيب اومال فرحانة انك حامل ازاي
ظلت تلكمه بضحكاتها
-نزلني ياجاسر، هزعل منك. وضعها على الفراش يتجول بعيناها على الغرفة المزينة ثم اتجه لها
-ايه الجمال دا. دا كله علشان البيبي ياجنى
توقفت تهز رأسها بالرفض
-لأ. دي علشان جسور حبيب جنى، اللي تحت كان احتفال للنونو بس دي لجاسر بس لوحده.
هنا صمتت الألسنة وتوقفت عقارب الساعة ولم يستمع سوى سمفونية العذب الموسيقى بدرجات لهيب العشق
باليوم الثاني على متن اليخت بالبحر، كان يستلقى بظهره يحاوطها بذراعيه
-من وقت مارجعنا من رحلة اثينا وكان نفسي نطلع سياحة في البحر. كانت تستمع إليه تغمض عيناها وانامله تتحرك بعشوائية بخصلاتها: -ايه رأيك بعد ماتولدي إن شاءالله نسافر روسيا، بابا وماما بيشكروا فيها قوي
-جاسر انت قضيت شهر العسل مع فيروز فين.؟
هزة عنيفة أصابت قلبه بعدما ذكرته بأسوأ ذكرياته، فاعتدل يطالعها بصمت للحظات ثم رفع أنامله يزيح خصلاتها التي تتطاير بفعل الرياح واقترب يرتشف حزنها وهو ينثر عشقه على خاصتها. لحظات امتص بها حزن قلبها قبل عيناها ليحتضن وجهها:
-جنى ممكن تحرقي الفترة دي من حياتك، اعتبريها محصلتش، انا مهما أعمل هتفضل ملزماني العمر كله، طيب قوليلي حبيبتي أعمل ايه علشان مشفش الحزن اللي في عيونك دا.
وضعت رأسها على ساقيه متمددة ثم همست والغيرة تحرق قلبها: -متعملش حاجة ياجاسر، انا بس افتكرت كلامها لما ذكرت روسيا، رفعت رأسها ترمقه بنظرة: -أصلها قالتلي انكوا قضيتوا شهر عسلكم بروسيا، وانت بتقولي ماما وبابا، مفيش داعي تكذب عليا حبيبي لو سمحت، فيروز خلاص مبقتش موجودة. فبلاش تكذب عليا مهما حصل.
تسطح يجذبها لأحضانه قائلًا: -آسف. تمسحت بصدره قائلة: -مالوش داعي الأسف، المهم أنا فين دلوقتي. ارتفعت امواج البحر لتقذفهم بالمياه. اعتدلت تنظر إلى جمالها وتناست بما كانوا يتحدثون ثم تحدثت:
-تعالى ننزل البحر شوية. نهض ينظر حوله ثم بسط كفيه إليها
تعالي. قام بنزع كنزته ثم حملها متجها للبحر لبعض الوقت
عند راكان ظل يحاول الوصول إليه ولكنه لم يستطع إلى أن اتصل بمن عينه لمراقبته
-جاسر فين؟
-في الشالية يافندم ومعاه المدام
جز على أسنانه ثم اغلق الهاتف يسبه
-غبي ياحضرة الظابط ناوي تموت نفسك. ظل يدور بالغرفة كالمجنون يمسح على خصلاته بعنف، ظل على هذا الحال فترة ثم امسك هاتفه لمهاتفته. بعد خروجهم من البحر اتجهت إلى الفراش تلقي نفسها عليه.
- انا اخدت شاور بصعوبة وعايزة انام مش قادرة حاسة جسمي كله مكسر عومنا كتير، ورغم كدا فرحانة البحر هنا جنان عن اسكندرية. قبل جبينها ثم دثرها بذاك المفرش الخفيف قائلًا: - جميل علشان إنتِ فيه ياروحي هاخد شاور من مية البحر وجايلك. اومأت له دون حديث. بعد فترة فتح عيناه على رنين هاتفه. جذبه ليستمع إلى صرخات الآخر:
انت فين يابني انا قولت قت. لوك.
اعتدل يمسح على وجهه. ينظر لزوجته الغافية بجواره، فهتف بصوت متحشرج من النوم:
-يافتاح ياعليم، خير!
صمت راكان للحظة مستمع لصوت
امواج البحر
-إنت في البحر؟
-اه بصطاد سمك ابعت لك قرموط
اوعى تقولي فهمت صح
تهكم واجابه: -هو انت مصحيني من النوم علشان تسألني على ذكائك. عرفنا انك ذكي وفذة عصرك، ممكن تسبني انام
- الله يخربيت برودك يامتخلف، لازم تنزل مصر حالا حالا
غبييييي. صرخ بها راكان يغلق هاتفه ملقيه بالأرض بقوة.
اما الآخر تمدد على الفراش
-شوف مين هيسمع كلامك، دا كان المفروض يعينه على منصة الإعدام
-مين بيتصل حبيبي!
-واحد بارد سيبك منه، قالها يجذبها لأحضانه، استمع الى رنين هاتفه مرة أخرى. زفر بغضب معتدلًا: -راكان دا هموته علشان يبطل يطنطط عليا، رفع الهاتف وصرخ دون أن ينظر للمتصل.
-بقولك انا خلقي ضيق اه عايز تعرف ايه، مراتي معايا واحنا في البحر بعمل شهر عسل يارب تتهد وتبطل تزعجني، وخلي عندك دم ياخي انت عارف واحد ومراته مع بعض عايز منهم ايه
-جاسر. هب من مكانه معتدلا، ثم ابتلع ريقه يتمتم بتقطع
-بابا. تنهد جواد ثم تحدث بهدوء رغم غضبه من ابنه ولكنه تحدث: -هات جنى وتعالى مستنيكم. قالها وأغلق الهاتف ينظر إلى باسم الصامت
توقف باسم من مكانه.
-مكنش قدامنا حل غير كدا ياجواد، لازم جاسر يظهر مبقاش ينفع تخبي بعد حمل جنى وبعد مايجي هتعمل اجتماع عائلي وتفهمهم خطورة الوضع انا متأكد أنهم هيقفوا مع اخوهم
زفرة حارقة أخرجها على مراحل يهز رأسه: -عملت ايه في طقم الخدم اللي هنا
نهض من مكانه.
-غيرت الجميع وجبت دول من مدارس عسكرية متخفش مضمونين، وكمان عندك طقم حراسة على أعلى مستوى زي ماطلبت، أوس وعز تحت المراقبة ومن غير ماحد يشك، وكمان البوابة الإلكترونية اتجددت وجهزت بيت المزرعة اللي جنب بيت راكان وهيئته للطوارئ.
وضع أمامه اسطوانة قائلًا: -شوف دي جواد لسة جايباها فيها معلومات مهمة، عايز منك طلب حد يكون مع جاسر هناك غير يحيى، شوف ظابط متخرج وحاول تزرعه هناك ياباسم، انا مش هبعته بعد مالكل يعرف وفي الاخر يرجع مقتول واعيشهم الوجع مرتين، انا اتحملت ومستعد اتحمل تاني بس ولادي ومراتي مش هيتحملوا تاني. ربت باسم على كتفه: -وعد مني، وحياة أربعين سنة صداقة ياجواد لأعمل أقصى مابوسعي علشان احميه لو اضطريت ادافع عنه بروحي، متخفش انا المرة دي استعدت كويس، بدليل مراقب الكل اهو، انت اطمن وخلي بالك من صحتك، علشان توعدني بعد مانطمن على جاسر تعمل العملية.
ابتسامة حزينة ظهرت بتجاعيد وجهه
-لسة في العمر بقية ياباسم، ليه اوجع نفسي بدل ليا سنوات مقدرة عند ربنا اهم حاجة عندي دلوقتي اطمن على ابني دا اهم حاجة بفكر فيها
قطع حديثهم دخول صهيب
-عاملين ايه. استدار جواد وابتسامة واسعة ظهرت على وجهه ليقترب منه يضمه
-ياااه ياصهيب اخيرا. تراجع يدقق النظر إليه
-بقيت تمشي كويس اهو، اخيرا رجعت تدخل بيت اخوك تاني.
حزن باسم من حزن جواد الذي يداريه بفرحة رجوع صهيب، فاقترب منهما
-مبروك ياصهيب ويارب دايما ماتحرمنا من شقاوتك يانمس
بالخارج ترجلت هنا من سيارتها تضع سماعتها بأذنها وتتحرك إلى منزلها، توقف جواد أمامها ثم أشار بعينيه إلى السماعة، قامت بنزعها واقتربت مبتسمة: -عامل ايه، فينك مختفي بقالك يومين
قبض على ذراعها بقوة.
-اسمعي من الكلمتين دول علشان انا على اخري منك، امبارح شوفتك بحمام السباحة في بيت خالو صهيب، ودا ممنوع عندي، اشوفك بتكلمي فارس أو أي ولد تاني بقلة حياء هضربك ومش هرحمك، أشار إلى ثيابها
-لبسك دا يتغير، بلاش اللي فوق الركبة والبناطيل المتقطعة دي، امسك خصلاتها يلفها حول كفيه ويقربها يهمس إليها: -شعرك اللي فرحانة بيه دا يتغطى، بدل ماولعلك فيه، دا اخر كلام سمعتي ولا لا. وقبل ماتردي بلسانك الطويل دا.
علشان خايف عليكي يابنت خالي. مش علشان واقع في غرامك، ومتفكريش علشان الليلة إياها رفعت من روحك المعنوية يبقى بحبك. أنتِ بنت خالي وبس، لحد ما اشوفك تستاهلي جواد، غير كدا متلزمنيش
غضبت من أسلوبه المستفز، فاقتربت ترمقه بنظرات غاضبة:
-من إمتى ياحضرة الظابط
مط شفتيه ثم رمقها بنظرة لم تعلم مداها، وتحرك دون حديث.
هرولت خلفه تجذبه من ذراعه صرخت به: -بكلمك على الفكرة!
-وأنا سمعت على فكرة وماليش مزاج ارد.
طالعته بغضب متمتمة: -على فكرة انت مستفز
-شكرا. قالها متحركًا
ضربت أقدامها بالأرض وهدرت غاضبة
-وبارد وانا دلوقتي عرفت انت كدا ليه، اقتربت بعد توقفه معلنة الحرب
-علشان قلبك دا فريزر يابني، دا الفريزر بيحس عنه
كور قبضته مستديرا إليها
-خلصتي كلامك. انا مش هرد عليكي علشان انتِ عيلة هبلة. قطع مشادتهم فارس عندما توقف بسيارته ثم ترجل منها، يوزع نظراته بينهما.
-خير. دقق النظر قائلًا: -لا مش خير. حك ذقنه مقتربا من جواد: -والله يابني لو مكانك كنت طلقتها من قبل مااتجوزها، اقولك نصيحة ارمي عليها يمين الطلاق بتلاتة
ربت على كتفه يغمز إليه: -اكتب على جبينك انك راهب للحب، بلا جواز بلا نيلة. اقترب يهمس له
-هتشيلها في الاخر وضهرك يوجعك. واقولك حاجة سبني انا اشيلها علشان الغضروف بتاعك ميتأثرش
-ماتسكت ياحيوان. ايه اللي بتقوله دا.
رفع حاجبه ساخرا: -طيب اومال ليه عامل تقلان. قبض على كف هنا: -تعالي يابت وانا اكتب عليكي بعقد عرفي. لكمه جواد بقوة: -ماتحترم نفسك ياحيوان. وضع كفيه مكان لكمته ينظر إلى هنا
-دا بيحبك يابت اقسم بالله، بصي عايزك تمرمطيه، وانا اللي كنت زعلان عليه. متبقيش بنت سيف لو مش خلتيه يركع، دفع جواد واقترب من هنا.
-شوفتي مين يابت ياهنا من بنات الألفي مركعوش اجوازهم. ردي كرامتك ومتخافيش وعد من فارس الألفي الواد دا لو مش اتجوزك آخر السنة هتجوزك انا وياله امري لله هربيكي، تفحصها بنظراته قائلا
-هيجي منك ياهنون، سيبك منه. جذب عنقها يهمس إليها: -اوعي تصدقي كلامي في الجواز انا بس لازم اجب لك حقك.
ابتسمت هنا إليه. مما غلى الدم بعروق جواد يدفعه بقوة يسحب كفيها يجرها بعنف متجها إلى منزل سيف، ثم ألقاها بالداخل وصرخ بها: -انا لسة بقول ايه يابت، مش بقولك ابعدي عن فارس الزفت، ايه شوية وهتبوسو بعض. أشارت بسبباتها صارخة رغم فرحة قلبها بغيرته التي أحرقت قلبه لتخرج نيرانها من عينيه.
-إنت ملكش دعوة بيا تمام، مش انا بت منفلتة ومش متربية، ابعد عني، انا عرفت قيمة نفسي ومبقتش هجري وراك. اقترب منها وهي تتراجع إلى أن اصطدمت بالحائط خلفها ليهتز جسدها قائلة: -جواد ابعد عني، انت بتقرب ليه.
انحنى حتى اختلطت أنفاسهما يهمس بنيران الغيرة التي تأكل احشائه: -عايز ابوسك مش إنتِ بتحبيني، هزة أصابت جسدها من اقترابه وحديثه، لتهمس بتقطع: -جواد ابعد انت مجنون، ايه اللي بتقوله دا. لف ذراعيه يجذبها لأحضانه هامسًا بصوته الأجش الذي قضي على تماسكها لتنهار وتضعف وترتجف ساقيها فلم تشعر سوى بدموع عيناها على شخصًا عشقته وهو يلقيها دون رحمة. دنى اكتر من المسموح.
-بتحبيني ياهنا. قالها وهو يزيل عبراتها بأنامله، هنا شعور طغى عليه حتى تمنى تذوق ثغرها الذي يرتجف أمامه من بكائها. ظل يزيح عبراتها بأنامله. وهو يحتضن ملامحها بعينه وهمس بصوته الأجش:.
-بتحبيني.! اومأت برأسها بعدما سقطت بغمرة عشقه لتصيبها بارتجافة لم تستطع السيطرة عليها. ليقترب أكثر حتى تلامست شفتيه وجنتيها يهمس لها: - وأنا بحبك قوي ياروح جواد. قالها واستدار متحركا سريعا للخارج بعدما فقد سيطرته على مشاعره فلو ظل لدقائق أخرى لاقتنص كل مالها.
هوت على المقعد بعدما خارت قواها بالكامل ولم تستطع سيقانها على حملها، ودقات صاخبة كادت أن تصم اذنيها، تضع أناملها على وجنتيها التي ضخت بحمرة تغمض عيناها تهمس لنفسها: -قالي بيحبني. جواد بيحبني
صباح اليوم التالي بمنزل صهيب
دلفت جنى إلى والدها
- بابا استدار إليها يفحصها، وابتسم يشير إليها بعدما أغلق مصحفه:.
-حمد الله على سلامتك يابابا، عمو قالي كان عندك جلسة علاج. سحب كفيها إلى أن اقتربت منه ثم انحنى يطبع قبلة على جبينها
-حاسة بإيه دلوقتي. رفعت نفسها تطبع قبلة على وجنتيه
-انا أسعد واحدة في الدنيا دي كلها. دارت حول نفسها قائلة: -لو نفسك في حاجة دلوقتي هيكون ايه. جذبها وتحرك جالسًا بالشرفة: -نفسي حبيبة قلبي واميرتي ترجع تضحك تاني وتملا حياتي سعادة
-مش نفسك في حاجة تاني.
ترقرت عيناه بالدموع: -اللي نفسي فيه مينفعش يتحقق مهما تعملي. تحرك جاسر بخطوات متمهلة يقف خلفهما. وضعت رأسها على كتف والدها
-افهم من كلامك نفسك تشوف جاسر صح. نظر للخارج وعيناه تبتعد عن نظراتها حتى لا يضعف بالبكاء، أدارت وجهه إليها
-حبيبي نفسك تشوف جاسر
احتضن وجهها وقبل جبينها وتحكم بعبراته: -حبيبتي مش اتكلمنا في الموضوع دا، ليه راجعة تاني ياجنى بعد ماقولت الحمد لله
رفعت كفيه تقبله وكررت حديثها تاني.
-حبيبي قولي اه نفسك تشوفه صح
-جنى ممكن. قاطعه صوت جاسر خلفه: -وحشتني ياصهيوب، ووحشني نقارك ليا. صمت صهيب وكأن صوته يرواده من ذكراه، هز رأسه يستغفر ربه
قومي حبيبتي شوفي ماما. اقترب جاسر أكثر منهما فرفعت جنى رأسها إليه ليشير إليها بالخروج. اومأت متحركة للخارج ثم توقفت على باب الغرفة تنظر إلى والدها للحظات ثم تحركت بعدما أشار جاسر إليها، بينما اقترب يضع كفيه على كتف صهيب
-عمو صهيب،!
رجفة قوية أصابت جسده بالكامل حتى عجزت جميع أجهزة جسده لما يشعر به، بعدما تيقن وجوده، فاستدار جاسر إلى أن توقف أمامه يطالعه باشتياق وعيناه تتجول على ملامحه بالكامل
ابتلع ريقه ينظر إلى جاسر بأعين جمعت بها سحب الألم، رفع كفيه يمررها على وجهه ليتأكد من وجوده. حاول الحديث ولكنه شعر بثقل لسانه
رفع جاسر كفيه يقبله ثم رفع رأسه ينظر إليه!
-عمو. دقائق من الصمت وعقله يصفعه بقوة هل هذا عقله الباطني بتمنيه وجوده كما هتفت ابنته، ماذا يحدث امامه، تراجع بأحداث الأيام الأخيرة الى ابنته وصراخها باسمه ووجوده، همس لنفسه
-. تراجع بجسده وهتف بتقطع
-سلامًا قولا من رب رحيم. ايه اللي بيحصل دا. رغم شعور جاسر بالحزن من صمته إلى أنه ضحك بصوت عالي.
هنا تأكد من وجوده فكتم غيظه بداخله واردف: -انا معنديش جن في البيت وياله انصرف. هنا توقف جاسر وارتفعت ضحكاته يضرب كفيه مقتربا منه مرة أخرى
-ايه ياصهيب خايف من عفريتي.
رمقه صهيب بغيظ ثم هتف: - لو عفريتك ماانصرفش نشغله سورة البقرة، اكيد هيخزى على نفسه وينصرف، أما بقى لو غلس ولسانه طويل يبقى لازم اولع ورق كتير علشان اصرفه. هوى جاسر امامه عندما فقد السيطرة على ضحكاته، يضع رأسه فوق ساق صهيب: -اقسم بالله مكنش وحشني في البيت دا قدك، وكان نفسي اطلعلك عفريت فعلا علشان نضايق بعض.
صمت صهيب يرسمه بعيناه، هل هو موجود بالفعل. رفرف قلبه بالسعادة وهو يجده أمامه وتذكر ما فعله جواد منذ ثلاثون عامًا، فكأن التاريخ يعيد نفسه
وضع كفيه على خصلاته يسبح فوقها
-حبيبي انت فعلا عايش صح، يعني مكنتش بتوهم بوجودك. رفع رأسه يحتضن كف عمه وانسابت عبراته
-آسف ياعمو، عارف سببتلك أذى كتير لكن غصب عني وكنت. قاطعه حديثه عندما جذبه لأحضانه وارتفعت شهقاته.
-فداك عمك ياروح عمك انت، ياحبيب قلبي ربنا يخليك ويطول في عمرك ولا يحرمنا منك أبدًا
بكى الأثنين بأحضان بعضهما للحظات، حتى أخرجه صهيب يحتضن وجهه يتفحص كل انش بوجهه
-إنت كويس ياحبيبي، مفيش أذى. ظل يفتش بجسده كأم تتفحص جنينها
قبل جبينه يضم رأسه: -ااااااه. صاح بها صهيب ببكاؤه ثم هتف: -اللهم لك الحمد ولك الشكر يارب، احمدك واشكر فضلك يارب
ابتعد عنه يلوح بيديه.
-لا دي نسجد شكر لربنا على رجوعك بينا تاني. طالعه جاسر مذهولا وهو يراه يسجد شكرًا لله وارتفع صوت بكائه أكثر وأكتر حتى لم يستطع رفع رأسه من السجود وهو يردد
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك . ظل يكررها
جلس جاسر بجواره يضع كفيه على كتفه
-عمو. رفع جسده يحتضنه مرة أخرى
-حبيب عمك يابني. قالها وهو يمرر أنامله على وجهه. قبل جاسر كفيه مبتسمًا وشاكسه.
-مكنتش اعرف اني غالي عندك كدا ياصهيوب اومال ليه كنت عاملي فيها عفريت العلبة
ضمه من عنقه يضع جبينه فوق خاصته: -وحياة ربي لاخد حزن قلبي عليك يابن جواد
تراجع جاسر يقهقه ؛
-وبعدين بقى رجعنا بقى للنق. تذكر صهيب جواد وغزل فتسائل: -قابلت ابوك وامك. نهض من مكانه وأردف:
-قابلت بابا بس لسة ماما. سلام وراجعلك تاني. قالها غامزا وتحرك إلى أن توصل لبابا الغرفة
-صهيوب جهز عشا رومانسي علشاني انا ومراتي.
ابتسم له صهيب ومازال ينظر إليه ليتأكد أن مارآه حقيقة. تحرك جاسر وفتح الباب ولكنه اصطدم بعز، الذي تراجع للخلف يطالعه مذهولا: -يعني الصوت اللي سمعته مش تهيئات
لكزه جاسر ضاحكًا: -مالك ياله، ايه هتعمل زي ابوك وبيجاد وتقول عفريت ولا ايه
تراجع للخلف يهز رأسه، ينظر بصدمة
-إنت عايش، يعني اللي دفناه مش انت
اقترب منه ومازالت ابتسامته تتجلى بوجه
-مالك يالا، ماانا قدامك اهو وعايش، ايه اضربك علشان تفوق.
دفعه عز بغضب وهدر به: -ابعد عني اياك تقرب مني، انت ايه ياخي، انت ايه. قالها يصرخ به حتى خرج صهيب ينظر لابنه بصدمة من حديثه
-انا مش عايز اشوفك روح مثل انك ميت، امال بجسده مقتربا منه
-مثل واعمل انجازات على حساب وجع قلوبنا ياحضرة الظابط
-عز. أردف بها صهيب ينظر لابنه بتحذير
-سلم على ابن عمك وقوله حمدالله على السلامة.
استدار قائلًا: -ابن عمي مات ودفنته واخدت عزاه، أما اللي قدامك دا ماليش علاقة بيه. قالها وتحرك سريعا وكأن هناك شيطان يطارده
توقف جاسر ينظر لمغادرته بحزن أدمى قلبه. ربت صهيب على كتفه
- اعذره حبيبي، سيبه شوية مع نفسه، اكيد مش هقولك عز بيحبك ازاي، هو بس الصدمة مش عارف يتعامل ازاي
قبل كتف عمه وتحرك إلى منزل والده.
دفع الباب وتحرك إلى غرفة المعيشة وجد أوس يتناول إفطاره بجوار ياسين وعاليا. نظر ياسين إلى صحنه منتظر ردة فعل اوس من ظهور جاسر
نهضت عاليا هاتفه بصياح
-جاسر. رفعت ياسمينا تضيق عيناها متسائلة
-جاسر مين.؟ ألقى تحية الصباح وصلت جنى متوقفة بجواره وعانقت كفيه
-شوفوا مين اللي جه. تحرك ياسين إليه
-حبيبي حمدالله على سلامتك
ضم أخيه بحب اخوي واوما برأسه إلى عاليا
-عاملة ايه؟
هنا رفع أوس رأسه واستدار سريعا لصاحب الصوت. همس بتقطع
-جا. سر. قالها بصدمة يطالعه بها ومشاعر متضاربة تسيطر عليه، أخيه عايش وأمامه، هل حقا عايش. نظر إلى ياسين ليتحقق من وجوده، هتف ياسين
-وصلت إمتى؟
لسة من شوية عديت على عمك صهيب بس. هنا استدار أوس ينظر لصحنه ويتناول طعامه، بينما توقفت ياسمينا قائلة: -جاسر! معقولة انت عايش
كانت نظرات أوس تحاصر جنى التي توقفت مبتسمة واردفت: -طلعت مش مجنونة مش كدا.
وضع أوس الطعام بفمه وأجابها: -فعلا يابنت عمي إحنا اللي مجانين.
بس ياترى حضرة الظابط عرفك امتى انت وحضرة الظابط ياسين باشا
اقترب إلى أن توقف أمامه يطالعه بحزن
-لدرجة دي مش فارق وجودي ومش عايز تسلم عليا
وضع الطعام بفمه يمضغه بهدوء، ولم يكترث لحديثه، ثم دنى من ابنته يطعمها: -افطري حبيبة بابي، نظر لزوجته
-ياسمينا شربي البنت اللبن
جذب جاسر المقعد وجلس أمامه.
-طيب من الاحترام انا اخوك الكبير المفروض. استدار يرمقه ثم أشار بسبباته: -اسكت مش عايز اسمع صوتك، اخويا الكبير دفنته من سنة واكتر
اخويا الكبير ميعملش فينا كدا، انا معرفكش. ولو سمحت عايز افطر عندي اجتماع. روح كمل مسرحيتك مع اللي بدأت معهم إنما أنا الغيني كأني انا اللي مت ياأخي.
-اوووووس، صرخ بها صهيب، واقترب منه يدفع طعامه بقوة ليتساقط على الأرض
-قوم يالا قدامي وسمعني قولت ايه
دفع المقعد واستدار الى عمه. توقف جاسر أمام صهيب. يشير إليه فاستدار إلى أوس عندما هتف أوس: -ايه ياعمو، عمرك سمعت أن فيه ميت بيصحى، ولا ايه. اقترب يغرز عيناه بعين جاسر ولكزه بقوة
-بس فعلا الكابتن مكنش ميت، الكابتن كان بيمثل علينا وسايبنا هنا نتقهر من الحزن.
-عايز اصقف له واقوله برافو عليك، عرفت تلعب بينا. دفع جاسر بغضب عندما تذكر مأساته بتلك الأيام
-عايز اخدك في حضني واقولك حمدالله على السلامة. طيب مفكرتش مين خدني في حضنه وانا ببكي عليك الليالي دي كلها
دفعه بقوة حتى تراجع بجسده وانسابت عبراته وهو يرى تحول اوس
-ايه ياحضرة الظابط عايز تطلع على أكتاف وجع قلبي وانا حاسس اني بقيت يتيم من بعدك، جذبه من ياقته يدور به بغضب وكأن جاسر أخرج حزن تلك الأيام.
-عايز تعرف قد ايه انا بكيت عليك، عايز تعرف قد ايه كنت بروح على مقبرتك ونفسي اهدمها وادعي ربنا بسري واقوله يارب دقيقة واحدة اخده في حضني، دقيقة واحدة أودعه فيها
دار به كالمجنونة وارتفع بكاء أوس حتى ارتجف جسده.
-عايز تعرف كنت بهرب من ابنك ومبقدرش ابص في عيونه علشان ميسألنيش بابا هيجي امتى ياعمو. كنت بهرب من البيت علشان مشفش مراتك وهي كل اللي على لسانها انا جوزي عايش وممتش وانا من جوايا بنزف وبتمنى اموت ومتوجعش كدا.
دفعه بقوة ليصطدم جسده بالجدار قائلًا: -كنت مضطر اوافق على مهزلة جواز مراتك علشان ابنك لما يكبر يلاقي الحماية. اضطرت أعصر قلبي وادفن وجعي علشان اعرف ابان قدام امي وابويا اني قوي ومفيش حاجة تكسرني. بس أنا اتكسرت وتفتت لما مابقاش فيا حاجة حتى افرح بيها، كنت بهرب وبهرب علشان بس اعاقب نفسي نفسي ازاي سبت اخوك للموت، ادخل البيت دا وضحكاتك تصم وداني، اهرب من الغدا علشان متخيلش هزارك معانا. قبض على كتفه.
-من وقت مادفناك يامزيف ماحضنتش ابنك علشان ريحتك، علشان اهرب من ريحتك اللي في ابنك. اكتر من سنة وأنا ادمرت وجاي توقف قدامي وتقولي مش فرحان برجوعي. لا ياحضرة الظابط مش فرحان اصل قلبي بقى لوح تلج مبيحسش
-أوس اسمعني. استدار يجمع اشيائه
-انا مبقتش بسمع ولا ليا نفس اسمع حد. تحرك بعض الخطوات ثم توقف.
-هروح ابكي على مقبرة المزيف اللي حضرتك مفكرتش غير في انجازات جاسر الألفي. ماهو زمان جواد الألفي عملها مش بعيد على ابنه. استدار برأسه قائلاً: -ملعون ابو الشغل اللي يعجز امي وابويا ويقهر اخواتي. قالها واتجه إلى سيارته يقودها بسرعة جنونية، ربت صهيب على كتفه. يشير إلى ياسين
-إلحق اخوك، ثم استدار إلى جاسر.
-معلش ياحبيبي، أنا متأكد أن فيه حاجات اقوى منك اضطريت تعملها. قاطعهم وصول ربى تهرول بأقدامها الحافية وخصلاتها المبعثرة بعشوائية ناهيك عن منامتها الشفافة اقتربت توزع نظراتها على الجميع. تهتف ببكاء: -عز بيقول جاسر عايش، جاسر رجع، هو فين. ظلت تتجول بنظراتها إلى أن توقفت أمامه. رجفة أصابت جسدها للحظات ثم رفعت يديها تمررها على وجهه: -اه والله هو جاسر، هو جاسر. قالتها بقفزة تعانقه بقوة وصوت بكاؤها ارتفع بالمكان تصرخ وتبكي بآن واحد.
-اخويا طلع عايش. جسورة عايش
رفعها من خصرها ودار بها يضع رأسه بخصلاتها يستنشق رائحتها وانسابت عبراتها
انزلها بهدوء يحتضن وجهها ويزيل عبراتها
-روبي حبيبة قلبي. انحنى يطبع قبلة مطولة على جبينها
-جسور حبيبي وحشتني. قالتها وهي تلقي نفسها مرة أخرى بأحضانه. سحبها إلى الأريكة
جلست بأحضانه قائلة: -آسفة ياجنى. أنتِ بقالك كام يوم معاه، هو وحشني قوي. قبل رأسها.
تسائل صهيب: انت جيت ازاي لهنا جنى قالت لي انك كنت في مرسى مطروح طيب وصلت ازاي!
-راكان راح لي بطايرة خاصة، اومأ متفهما ثم هتف: -طيب اجهز لأهم مواجهة ياعم، واه غنى جت هي كمان، لو ابوك عارف برجعوك يبقى هو اللي أقنع بيجاد
اومأ يمسح على وجهه ثم أردف: -اعمل ايه في عز وأوس، دول
ربت صهيب على كتفه
-سبهم حبيبي شوية واعذرهم. اطلع لوالدتك قبل مااعمامك يوصلوا.
هبط جواد للأسفل وجده يجلس بحزن. سحب نفسًا عندما علم بنتيجة مواجهته مع أوس هو كان يعلم قسوة اوس، لذلك هرب من مواجهة الاثنين
-جاسر. رفع رأسه ونهض متجهًا لوالده
دققت ربى انظارها بردة فعل والدها
ضمتها جنى من أكتافها
-عمو جواد كان عارف بوجود جاسر، تحركت لوقوف والدها
-حضرتك كنت عارف أنه عايش. قبل جواد رأسها واردف
-روبي روحي غيري هدومك واطلعي لغنى لحد ما جاسر يشوف والدتك
بالاعلى بغرفة غزل:.
حبيب نانا هياكل الأكل دا كله علشان ينزل مع نانا تحت.
صفق الصغير بيديه، ضمته لأحضانها تستنشق رائحته مغمضة العينين، فانسابت دموعها رغمًا عنها. دلف جواد بخطوات ثقيلة وتوقف ينظر إلى مداعبتها لحفيدها فهمس: -غزل. رفعت عيناها إليه ثم اتجهت إلى كنان: -ايه حبيبي، هننزل اهو مش كدا حبيب نانا. الولاد فطروا ولا لا. اعمل ايه الكابتن كنان تعب نانا لحد مانام
-غزل فيه شخص عايز يشوفك
هزت رأسها بالرفض.
-مش هقابل حد ياجواد، ياله حبيب تيتا ألبس الكوتش علشان ننزل نلعب تحت. قالتها وهي تجمع ألعابه. ولكنها توقفت وهزة عنيفة أصابت جسدها حتى شعرت بدقات صاخبة تكاد تخرج من صدرها عندما استمعت إلى همسه
- ماما
سقطت الالعاب من يديها واستدارت بهدوء، كأن هيئ لها صوته، ظلت تستدير بهدوء واضعة كفيها على صدرها ولا تعلم لماذا تنساب دموعها. هرول الطفل يصفق ويهتف.
-بابا بابا. جحظت عيناها وهي ترى كنان يسرع إليه. انحنى يحمل كنان ثم طبع قبلة على جبينه ونظراته تحتضن والدته.
دقيقة اثنين ثلاثة حتى هوت على الأرض حينما تلاشت ساقيها ولم تقو على حملها، او لم تستطع قبول الصدمة. نظرات خلف نظرات وهي تحاول أن تستوعب الصدمة، هل هي جنت أم أنه بالفعل امامها، هل حقًا ابنها حي يرزق، كيف، وكيف وعشرات الأسئلة. كنان يحتضن والده، كنان يعرف والده، كيف وهو الذي تركه ولم يكمل سنته الاولى، كيف تذكره، كيف؟ ابني عايش وابنه يعلم بوجوده. لماذا فعل هذا بها؟
لماذا يحزن قلبها بتلك الطريقة؟ لا لا اكيد انا بتخيل. أيوة ابني مات واندفن وزرته كمان، لا لا اكيد مش هو
ضحكت من بين دموعها
-اتجننتي ياغزل خلاص. ولكنها توقفت عن الحديث و
شعرت بتصلب جسدها عندما اقترب منها وجلس بمقابتها يحتضن كفيها
-ماما وحشتيني!
حدجته بنظرات تقيمية، ثم رفعت كفيها المرتجف كحال جسدها، لتؤكد لنفسها أنه بالفعل هوى، همست بضياع وصوت متقطع: -جواد إنت شايف اللي أنا شيفاه، ولا أنا اتجننت.
تراجعت كالملسوعة عندما تيقنت من وجوده. لأول مرة تعاني هكذا
لأول مرة تشعر بكم الجراح الذي يئن بها داخلها. كيف ابنها حي يرزق
كيف بعد تلك المدة.
تعثرت نبضاتها حينما اقترب يضمها بقوة وارتفع صوت بكائه
-حبيبتي متعمليش كدا، انا ابنك حبيبك
--ابني حبيبي. رددتها كالمعتوهة، طالعته بنظرات خالية من أي مشاعر. ثم اردفت
-إنت ابني. أومأ يهز رأسه ببكاء عينيه. ظلت تردد كلماته
-ابني. توقفت متجهة إلى جواد تسحب كفيه.
-إنت سامع وشايف اللي انا شيفاها، قولي اه. قولي انك متتجنتيش ياغزل
-
نظرت إليه بصدمة وعيون جاحظة، حتى لم تشعر بنفسها لتهوى مرة أخرى على الأرض عندما وجدت صمته
ماما. استدارت تدفعه بقوة تصرخ
-ابعد عني ابني مات، انا معرفكش
رفعت عيناها لزوجها
-أنت ساكت ليه ايه، مبتتكلمش ليه.
-مين دا. قولي ياجواد مين دا
ابننا دفناه مش كدا
-ماما حبيبتي انا ابنك واللي اندفن مش انا.
نهضت تستند على المقعد تدور حول نفسها كالذي مسها جنًا
-قال ابني. ابني مين يابني، ابني اندفن من سنة، اه. اندفن من سنة ولو مش مصدق تعالى اوديك قبره.
كعاصفة تتعثر برياحها الهوجاء والحزن والألم يأكل احشائها غمغمت بحزن
--ابني مات استودعته عند ربنا، أيوة استودعته، هو راح لخاله، وانا قعدت هنا حزينة ابكي عليه واحتسبته عند ربنا، حبيبي راح عريس وانا هنا ضيعت دموعي عليه
-ماما حبيبتي. قالها وهو يحتضن كفيها.
لطمة قوية على وجهه بعدما سحبت كفيها بعنف ثم هدرت به: -اخرص. انا مش امك، ابعد عني شوف انت كنت فين
بمقلتين تنساب عبراتها كزخات المطر.
--ابني عمره مايفكر يقهر أمه كدا، سنة يبقى عايش وأمه مقهورة، لا لا مش جاسر، طيب لو ياسين ولا أوس هقول اه، دول قاسين إنما جاسر دا الحنان والحب كله، تحركت وجلست على الأريكة تنظر بشرود ومازالت تتحدث بتيه: -كنت عنده اهم حاجة، مستحيل يعدي يوم من غير ما يكلمني حتى لو في الشغل وبينا مسافات يتصل ويقولي تصبحي على خير ياست الكل. انت شكلك عبيط يابني علشان جاي توقف قدامي وتقولي انك جاسر. أمشي من هنا الله لايسيئك.
جلس أمامها يضع رأسه على ساقيها والحزن يفتت قلبه كطائر حزين ذبح عنقه، واه خفيضة أخرجها من ضلوعه ليشعر بتحطيم قفصه الصدري
غصب عني والله ياماما. والله غصب عني انا مكنتش عايش
هبت من مكانها تتراجع للخلف فزعة وكأن ظهوره صدمة إصابتها بالجنون
-جوااااد قول للواد دا يطلع برة، مش عايزة اشوفه
اقترب جواد بعدما وجد انهيارها الذي توقعه
-غزل حبيبتي ممكن تهدي وتسمعيني
رفعت عيناها تتفحصه بنظراتها الاختراقية.
-إنت كنت عارف أنه عايش صح
-لا ياماما محدش كان يعرف غير جنى
ظلت نظراتها على زوجها وابتسمت بسخرية
-كنت عارف صح ياجوادي، سبت مراتك تموت وانت عارف ان ابنك عايش وياترى ليه ياحضرة اللوا علشان يعيد حكاية أبوه زمان
جلس جواد بجوارها وجذبها من أكتافها لأحضانه. هبت من مكانها
-كنت عارف ياجواد بوجوده. ماما بقولك محدش يعرف
-اسكت يالا. محدش طلب رأيك، ايه اتعلمت الكذب كمان ياحضرة الظابط
اقترب منها ونظرات مترجية لها.
-ماما لو سمحتي اسمعيني
أشارت إليه
-خد ابوك واطلعوا برة مش عايزة اشوف حد فيكم
رفع جواد نظره بذهول قائلًا: -بتطرديني من اوضتي ياغزل
-برة ياجواد، خد ابنك واطلع برة مش عايزة اشوف حد فيكم انتو الاتنين زي بعض واللي عملته زمان ابنك كرره بس ببراعة ومساعدة أبوه. عرفوا يقهروني ويموتوني.
نهض جواد واستدار متجهًا للخارج
-هنتحاسب بس مش دلوقتي ياغزل
بغرفة غنى
استمع بيجاد الى طرقات على باب الغرفة، فهو يعلم بوجود جاسر، واول من قابله بالصباح الباكر عند دخوله الحي عندما كان يقوم بعمل تمريناته الرياضية
فلاش قبل ساعات
ترجل من سيارة راكان واحتضن كف جنى وتحرك للداخل. كان جواد ينتظرهم. ضم ابنه لأحضانه
-حمد الله على سلامتك حبيبي، بدل راكان اللي جابك الدنيا امان
اومأ له مردفًا.
-اه عربية مصفحة ودخلت البوابة وخرجت على طول. تحرك يشير إليه
-ادخل لعمك سلم عليه وانا هستناك في البيت وخلي بالك مش هيتقبلوا رجعوك بسهولة، وخاصة والدتك وأوس
اومأ له ثم تحرك خلف جنى إذ به ينصدم ببيجاد الذي يهرول برياضته توقف بيجاد لسبه، ولكنه تراجع مذهولا
-بسم الله سلام قولا من رب رحيم
انت مين. انت الشبح اللي بسمع عنه
أفلت جاسر ضحكة مقتربا منه وبيجاد يتراجع يشير بيديه.
-اقسم بالله لو قربت مني لاحرقك، انت عفريت صح
ارتفعت ضحكاته قائلا
-يخربيت فصلانك ياخي، هتفضحني
تسمر بوقوفه. واقترب يحسس على جسده قائلا
-دا جسم حقيقي اقسم بالله مش عفريت. انت مين يالي شبه المرحوم
انت اخوه اللي تحت الارض ولا اللي في السما ولا شبيه الأربعين
قهقه جاسر يحضتنه قائلا
-يابني افصل هتفضحني يخربيت شيطانك. ظل بيجاد بجسد مشدود وهو يقرأ قرآن.
-انا ياعم مش عايز اموت دلوقتي، انت جاي تاخدني. تعرف انا مبحبكش روح خد اللي بيحبوك
جذبه جاسر للداخل عندما فقد سيطرته وبيجاد يبتعد عنه
-لا مش عايز اجي معاك ياعم، انا راضي بحياتي وصلت إليهم جنى.
-جاسر اتأخرت ليه، قطعت حديثها عندما وجدت دموع جاسر من كثرة ضحكاته وانكماش بيجاد. تحرك بيجاد إليها يشير على. جاسر: -مين دا. جاسر مين هو أنتِ بتخاوي عفاريت. مرتحتيش غير لما جبتي عفريته الله يخربيتك. قولي له ينصرف يابت
ضحكت جنى مع ضحكات جاسر الذي امسك بطنه
-والله عايز اربيك بس الوقت مش مناسب ياحلوف
أشار عليه ينظر إلى جنى
-هما العفاريت بيشتموا زينا. دا بيقول حلوف.
حاولت جنى فصل ضحكاتها ولكنها لم تقو فحضنها جاسر
-الواد دا هيوقف قلبي يابنتي، تعالي نمشي.
ظل يطالعهم لبرهة ثم اقترب منه قائلا
-بت ياجنى مين دا يابت، دا عفريت جاسر ولا ايه يخربيتك دا لو حد شافه هيطب ساكت، وحياة ابوكي ياشيخة ابعديه عن هنا دا حمايا ممكن يموت، ولا حماتي، يالهوي على جنانك يابنت عمو صهيب. فصل جاسر ضحكاته
-بيجاد انا جاسر ياحلوف ممتش، عايش قدامك اهو
زوى حاجبيه
-ممتش. أشار بيديه.
-اومال مين اللي مات. هو انت الشيخ صابر بتاع أسطورة العودة. لا لا اكيد بتهزروا
ربت على كتفه فانتفض مبتعدا يشير إليه
-ابعد ماتلمسنيش يابني
سحب كف جنى ودلف للداخل وهو يضحك. ظل بيجاد متوقفا يتمتم
-معقول الواد دا عايش ولا البت جنى من جنانها خاوت عفريته. يالهوي انا العيلة دي جننتني. لا لازم ارجع بيتنا دلوقتي. تحرك سريعا الى منزل جواد دلف للداخل فاصطدم بجواد يصرخ
-بسم الله. نظر إليه بذهول.
-مالك يالا. أشار للخارج ثم توقف عندما لم ي
فقد النطق ولا يعلم ماذا يقول. اقترب جواد منه
-بيجاد إنت كويس. هز رأسه بالنفي
يشير للخارج
-شوفت عفريت جاسر مع جنى
ضحك جواد متحركا للأعلى قائلًا: -ربنا يصبرني عليك هي كانت نقصاك
هرول بيجاد خلفه يمسك ذراعه
-عمو جواد البت جنى دي احجزوها في مستشفى الامراض العقلية بقت خطر، راحت جابت عفريت جاسر
رمقه جواد بنظرة لم يفهمها فهتف بصوت مرتفع.
- اقسم بالله شوفت عفريت جاسر مع جنى المجنونة
توقف جواد أمام غرفته يشير إليه بالصعود: -اطلع خد لك شاور وهيأ مراتك لمقابلة اخوها وبطل رغي وهبل. وعامل سابع البرمبة
نظر إليه بذهول قائلا: -اخوها مين قصدك العفريت. لكزه جواد وافلت ضحكة على مظهره قائلاً: -جاسر ممتش. عايش يابيجاد واللي شوفته جاسر يامجنون مش عفريته
اطلع ياله
-اطلع فين. أشار للأعلى.
-لمراتك. أشار بيجاد إلى غرفة جواد قائلا: -مينفعش انام في حضنك دلوقتي، اعتبرني مدام غزل. انا خايف، العيلة دي مجنونة اقسم بالله. هو فيه حد بيرجع من الموت، بنت اخوك مخاوية العفاريت
دلف جواد مستغفر ربه واغلق الباب بوجهه، توقف متسمر يتمتم
-هو قفل الباب ولا عفريت جاسر. هرول للأعلى
-جايلك ياغنون. قالها بصوت ضعيف
خرج من شروده بعدما فتح جاسر الباب متسائلًا: -غنى صحيت. اومأ له وتوقف أمامه.
-الاول لازم تهدى انا مش عارف ردة فعلها هتكون ازاي، انا نفسي مقدرتش اتقبلها بسهولة
اومأ له فحديث والدته أدمى قلبه ولم يعد لديه القبول للحديث مع أحد آخر
تحرك بيجاد قائلاً:
غنى حبيبتي فيه ضيف عايز يشوفك. تحركت تجذب وشاحها بسرعة عندما أردف بيجاد
-اظهر وبان عليك الامان.
-بيجاد استنى انت مجنون، استنى ألبس حاجة. ولكنها توقفت عن الحديث تنظر بذهول للذي توقف أمامها يردد اسمها: -غنون. سقط الذي بيديها تتحرك بجسد مرتجف
-إنت مين!
رفعت عيناها إلى بيجاد
-حبيبي انت شايف وسامع زيي ولا أنا اللي مت ولا ايه
وضعت كفيها على وجهها تهز رأسها تتراجع بجسدها
-لا انا لسة عايشة، ثم أشارت عليه
-طيب دا ميت ازاي عايش. ارتفعت ضحكاتها تضرب كفيها ببعضهما.
-يالهوي عليك يابيجاد جننتني، قولي عامل مقلب فيا، اكيد دا مكياج لحد، . لوحت بكفيها
-لا لا استنى دا حد فكر يغير شكله وعجبه شكل اخويا. بس انا مش عايزة وش اخويا على حد
ارتعش جسد بيجاد من حالة زوجته وضحكاتها وهي تهز رأسها كالمجنونة، وفجأة ارتفعت شهقاتها قائلة: -والله حرام عليك يابيجاد انا مخصماك علشان بتوجع قلبي. ياله قولي مين دا وليه تلعب بقلبي كدا وعلى فكرة عمري ما انسى اللي عملته دا.
اقترب جاسر يطالعها بعينان تقطر حزن ثم همس اسمها
- غنى
وضعت كفيها على أذنها
-بااااااااااس. انت مين
جذبها بقوة يدفن رأسه بخصلاتها
-انا نصك التاني ياقلب اخوكي. انا قدامك اهو عايش والله عايش، خطفوني ياغنون، وكنت فاقد الذاكرة وأول مافوقت جت لكم اهو. عايزاني ارجع أنتِ كمان، لو عايزة ارجع وكأني ميت هرجع واعتبري انك حلمتي ولا كأني موجود بس بلاش تدبحيني بكلامك.
هوت من بين ذراعيه وشهقات مرتفعة حتى شعرت بتوقف قلبها تنظر إليه ببحور عيناها
-جاسر انت عايش. يعني اللي اندفن دا مش انت صح
طيب قولي اي حاجة، قولي حاجة ضم رأسها يضع جبينه فوق جبينها.
-واحدة مجنونة كان هتخلي اخوها يموتها وهي بتقوله انا بحب حضرة اللوا وهتجوزه، وأخوها الغبي ضربها بالقلم وشد شعرها ورفع سلاحه عليها وهو ميعرفش أن دي روحه اللي اتخطفت من حضنه ستاشر سنة لحد مافقد طعم الفرحة، وفجأة عيون الغزال ترجع توقف قدام الكل وتقول أنا بحب الراجل دا والراجل يطلع ابوها وبعد ماابوها فقد انها تكون بنته وياخدها في حضنه يكتشف أنها مريضة كانسر ويشاء القدر علشان لذلك علشان يجمعها بينا وتاخد الأنسجة من ابوها وتعيش وتبقى مامي زي القمر وتوقف قدام اخوها وتهرب مراته لحد مااخوها الغبي اتعصب عليها وطردها من بيت ابوها، أصله غبي ويستاهل الموت فعلا.
هزت راسها تضع كفيها على فمها وساحت عبراتها تلقي نفسها بأحضانها تعانقه بقوة كأنه سيختفي مرة أخرى
-اااااااه ياجاسر، اااااااااه. اخرجتها من اعماق حزنها
-بعد الشر عليك ياحبيب غنى أن شالله غنى وانت لا ياحبيب قلبي
دلف جواد على صوت بكاؤها، هنا ضعفت عيناها لتنفجر برك عيناه اخيرا بالدموع وهو يرى احتضان غنى إليه ووصول ربى تلقي نفسها بأحضانه هي كذلك. ليلف ذراعه حول إخوته ويبكي على بكاؤهما.
دفعت غزل الباب تصرخ بجواد
- جواد طلقني.
↚
بغرفة غزل قبل قليل. مكثت مكانها تكبح غلالة دموعها التي انفجرت كالبرك. أرجعت برأسها على الأريكة، لا تعلم أتسعد أم تحزن لما صار. ابتسامة من وسط أحزانها، تردد مع نفسها
-جاسر عايش، ياقلبي ابني عايش، يعني هقدر ألمسه واحضنه تأتي. ضحكة مرة مع شهقة مرة وهي تهز رأسها
-المهم ابني عايش، حبيبي، استمعت الى طرقات خفيفة على باب الغرفة، استدارت برأسها وجدتها جنى فتراجعت كما كانت. استمعت إلى همسها.
-ماما غزل ممكن ادخل!
لم تكترث لحديثها وظلت كما هي. دلفت جنى إلى أن جلست بجوارها تطالعها بصمت فهتفت غزل بتقطع: -من إمتى وانتوا بتدبحو فيا ياجنى، من امتى وابني وأبوه بيستغفلوني
-ماما غزل الموضوع مش زي ما حضرتك متخيلة. اعتدلت ترمقها وصاحت بغضب: -انا بسأل سؤال تردي عليا وبس، متلفيش وتدوري، ابني رجع امتى وانتو عارفين وبتلعبوا بمشاعري ومين غيرك إنتِ وجواد
-ماما غزل ممكن تسمعيني حضرتك مش مدياني فرصة اتكلم.
-عرفتي جاسر عايش امتى وجواد كان يعرف ولا لا، وصل كنان يمسك بيديه بعض الحلويات
-مامي خدي افتحي. مامي. مامي
طالعته غزل للحظات وتذكرت هرولته على والده فهتفت بقوة: -جنى هتقولي ولا تطلعي برة
-ماحضرتك لازم تسمعيني الاول. أشارت غزل على الباب بغضب
-اطلعي برة مبقتش عايزة اتكلم معاكي
-ماما غزل.
-قولت اطلعي برة!
نهضت تنظر اليها لبعض اللحظات بصمت ثم أشارت إلى كنان
-تعالى مامي. جذبت غزل كنان.
-سيبي الولد ماانتِ على طول سيباه ليه دلوقتي عايزة تهتمي بيه، ولا علشان جوزك رجع. دا ابني وانا اللي ربيته أنتِ مالكيش حق فيه
-حاضر ياماما. هو ابنك وخديه لو دا هيريح حضرتك ويخليكي متزعليش من جاسر، بس جاسر مظلوم
-برة يابت مش انتِ اللي تطلبي اعمل ايه مع ابني وان كان فضلك عليا وقالك أنه عايش قبلي فدا علشان هو اهبل وغبي. وحياته عندي لازم اربيه
تحركت جنى بعدما عجزت من الحديث إليها.
جذبت كنان وطبعت قبلة على وجنتيه مردفة: -حبيب نانا كينو. رفع الصغير رأسه من فوق ألعابه قائلًا: -نعم نانا. ملست على خصلاته واردفت بابتسامة: -كنان انت شوفت بابي فين؟
أشار بيديه الصغيرة وهتف بصوته الطفولي:
-بابا جه لعب مع كنان بعيد اوووي يانانا، ومامي كمان كانت إلعب معانا، صمت الطفل يضع أنامله الصغيرة على ذقنه ثم هتف: -وجدو جواد كمان
جزت على اسنانها تتمتم.
-وجدو جواد كمان. طيب ياجواد انا تلعب بيا، ظلت تدور حول نفسها بالغرفة تفرك جبينها
-دول اعمل فيهم ايه. صمتت تنظر الى كنان الذي يتناول الشيكولاتة فأردفت: -كينو حبيبي، بتحب نانا
اومأ برأسه ونظر إليها بعيونه البريئة. فأوقفته قائلة: -طيب اسمع يابطل نانا. هتروح تقول لتيتا نهى نانا بتقولك هاتي هدوم كنان علشان انام في حضن نانا تمام يابطل
اومأ برأسه وتحرك إلى الخارج.
-هقول لمامي الأول. أوقفته قائلة: -لا حبيبي روح وتعالى بسرعة علشان تخرج مشوار مع نانا بس سر لكنان محدش يعرف، وشوف طنط عاليا فين وقولها روحي لنانا
اومأ برأسه وهو لايعلم معنى حديثها وتحرك للخارج
توقفت تنظر إلى ذهابه وانسابت عبرة
-كدا ياجواد تضحك عليا، ابنك يكون عايش وانت بتلعب بيا
ظلت تدور في الغرفة كالمجنونة، دلفت عاليا تفرك كفيها وتنظر إلى غضبها متسائلة: -حضرتك عايزاني ياماما، اصل كنان.
اقتربت تدقق النظر بعيناها ثم تسائلت
-زعلانة منك قوي ياعاليا، انا اعتبرتك بنتي وأنتِ تضحكي عاليا.
فهمت عاليا عن ماذا تتحدث، ورغم كدا استدارت تهز رأسها متسائلة: -معرفش حضرتك تقصدي ايه ياماما
تحركت غزل إلى أن وصلت إليها وتوقفت أمامها: -ينفع تخبي عليا حمل جنى، كنتي مفكراني هزعل، ليه حرمتوني من الفرحة دي
تذكرت عاليا خروج جنى منذ فترة قليلة من غرفة غزل فظنت أنها أخبرتها بحملها فاجابتها بتقطع.
-حضرتك مكنش ينفع أقول لحد، علشان ياسين شدد عليا وقالي دا علشان حياة جاسر ممكن تكون في خطر، هو بس كان عايز اراقب جنى لتتهور وتعمل حاجة وتعرض جاسر للخطر
رسمت غزل ابتسامة رغم نيران قلبها المشتعلة، حاولت المضي قدما لتعلم ما نويت على معرفته فتسائلت بخفوت: -أيوة فعلا كان لازم إنتِ تعرفي ماهو إنتِ اقرب واحدة لجنى، وليكي الحق.
وكويس انك عرفتي تحافظي على السر. وبدليل حمل جنى اللي بقاله فترة ومحدش شك. اه هي بالشهر الكام دلوقتي
ابتسمت عاليا قائلة: -في التالت أو ممكن الرابع معرفش والله ياطنط، بس اللي اعرفه انهم عرفوا بوجوده من أربع شهور تقريبا.
قبضة قوية اعتصرت قلبها، لتشعر بغصة منعت تنفسها، مما جعلها تهوى على الأريكة تحاول ألا تنساب دموعها فأردفت بصوت كاد أن يسمع بسبب حالتها التي توصلت إليها مما عرفته: -مين غير جنى وأنتِ وياسين تعرفوا
جلست بجوارها تربت على كتفها
-الحمد لله أنه رجع بالسلامة أهم حاجة
استدارت تنظر إليها وتابعت سؤالها
-مين غيركوا يعرف
فركت كفيها واجابتها
-عمو باسم وحضرة المستشار راكان البنداري
-يعني صهيب وعز مايعرفوش.
هزت راسها بالنفي واكملت: -لا مفيش غير دول. واللي اعرفه ان راكان البنداري هو اللي عرفهم بوجود جاسر
-حماكي عرف امتى؟
هزت راسها قائلة: -معرفش كل اللي اعرفه انهم اتقابلوا في الفيوم اول مرة من أربع شهور تقريبا من خلال راكان البنداري
اومأت لها تشير إليها بالخروج. توقفت عاليا تطالعها فتحدثت: -حضرتك ليه مش فرحانة برجوع جاسر
ترقرق الدمع بعيناها، لترفعها تنظر إلى عاليا
-موتوا جوايا فرحة رجوعه، روحي شوفي بنتك.
تحركت للخارج، ولكنها توقفت عندما تسائلت غزل
-هو فين؟
قطبت جبينها متسائلة: -مين؟، نزلت برأسها للأسفل تمتم اسمه بخفوت
-جاسر! أجابتها عاليا قائلة: -عند غنى الكل هناك.
اومأت لها ثم تراجعت بجسدها للخلف مطبقة على جفنيها، وهناك حرب شعواء بداخلها، حرب بين فرحة رجوعه، وحزن قلبها على ما فعله زوجها. دقائق وهي مغمضة العينين وحياتها تمر أمامها كشريط سينمائي منذ زواجها إلى أن عاد ابنها، تذكرت جميع معاناتها فنهضت متجهة إلى جناح ابنتها لتفتحه بعنف تنظر إلى جاسر الذي يجلس بالأرض يحاوط إخوته ثم اتجهت بنظراتها إلى جواد وألقت قنبلتها
- جواد طلقني.
هب واقفًا من مكانه يطالعها بصدمة، لحظات وكأن أحدهم طعنه بخنجر بارد ليشعر ببرودة تجتاح جسده، بل تصلب بالكامل وكأن الله يزهق روحه، تعانق عيناه الجامدة بعينها المرتجفة، فهتف بحديثه البارد الذي أخرجه من قلب ادمته دون رحمة قائلًا: -الكل يطلع برة. نهض جاسر سريعا واتجه الى والدته
-ماما ايه اللي بتقوليه دا
-جاسر. خد اخواتك واطلع برة.
-الكل برة.
-ماما ايه اللي بتقوليه دا.
-انا قولت الكل برة. صاح بها جواد ورغم قوتها إلا أنها خرجت بنبرة باردة اخترقت روحها قبل صدرها
خرج الجميع فاقترب منها لبعض الخطوات قائلًا: -عايزة ايه يادكتورة، سمعيني قولتي ايه، أنتِ عارفة السن وتحكماته ياريت تعيدي اللحن الموسيقى بتاع غزل بنت 19 سنة
ارتجف جسدها. ورغم ذلك عقدت ذريعها على صدرها وهتفت بصوت مرتفع: -إنت سمعت ياسيادة اللوا
تحرك بخطوات سُلحفية وعيناه ترمقها بأسهم نارية يشير بيديه.
-لا عايز اسمع تاني. صمتت ولم تجيبه ولكنه صرخ بصوت افزعها حتى قفزت بمكانها
-سمعيني قولتي ايه؟
انسابت عبراتها وارتجف جسدها
-هسيب البيت ياجواد، هاخد كنان وارجع الفيوم، وانت خليك مع ابنك مثلوا براحتكم، بدل غزل هانت عليك يبقى مالوش لازمة الكلام
كور قبضته وشعر بدوران الأرض حوله، فنظر إليها بعتاب
-عايزة تسبيني ياغزل بعد العمر دا كله، دا معملتهاش وولادنا صغيرين هتعمليها بعد مابقوا ابهات.
بكت بصوت مرتفع وهتفت من بين بكائها
-أنا هونت عليك ياجواد، موت فرحتي برجوع ابني، دوست على قلبي ياجواد
سحب نفسًا وزفره يشير إليها:
اقعدي ياغزل لازم نتكلم وبعد كدا قرري اللي إنتِ عايزاه، اقترب وحاصرها بعيناه: -اعملي حسابك مش سهل انك تراضيني بعد كدا، مش هتنازل عن حقي مهما عملتي، اعرفي انك دبحتيني وهدمتي قلعة الامان اللي كنت بحاول احصنك بيها.
جلست وارتفعت شهقاتها كطفلة تبلغ من العمر عشر سنوات، وضعت كفيها على وجهها عندما ازادت شهقاتها، هي تعلم أنها اخطأت ولكن اين حقها فيما فعلوه
جلس بجوارها وحاوطها بذراعيه يجذبها لأحضانه، محاولا تهدئتها
-بطلي عياط، دي فرحة رجوع ابنك ياغزل. ابنك كان ميت ياغزل
رفعت رماديتها التي اختلطت بمياه دموعها الحارقة
-حقي فين ياجواد منك، بتقولي مش هتتنازل عن حقك طيب وأنا حقي فين.
حق الشهور اللي انت ارتحت فيها وانا قلبي بيتقطع على شاب دفنته عريس
حق وجع قلبي وانا كل ليلة احضن ابنه علشان يفكرني بيه ومنساش ملامح ابني، حقي فين وانا طول الليل اعيط وادعي ربنا احلم بيه علشان وحشني بس، حق قهرتي وانتوا عارفين ومخبين عليا.
احتضن رأسها وانحنى يلثم جبينها
-حقك في قلبي ياغزل، قالها وهو يزيل عبراتها بابهامه ثم تابع حديثه بقلبه المنفطر
-مين قالك أنا كنت مرتاح بعد ماعرفت أنه عايش، بالعكس
نهضت تهتف ببكاء تدور بالغرفة: -بالعكس! ازاي ياحضرة اللوا، ابنك اللي كلنا صدقنا موته وفجأة عرفت أنه عايش وقابلته كمان، دا مش طمنك وريح قلبك.
رغم مرارة الألم الذي يشعر بها، وحديثها اللاذع الذي نزف قلبه هتف: -اه مرتحتش ياغزل، نهض من مكانه وأجابها بنبرة تقطر وجعًا: -بتعاتبيني على ايه ياغزل. بتعاتبيني علشان خوفت عليكي. بتعاتبيني علشان استحملت الألم والخوف لوحدي، كنتِ منتظرة مني اشوفك بتموتي كل يوم وأنتِ شاكة أنه ممكن يروح وميرجعش، أه الحمد لله الواحد قلبه مليان بالإيمان، لكن احنا بشر مش أنبياء، ازاي كنتِ هتقدري تتحملي تعيشي هنا بهدوء واطمئنان وابنك هناك شايل كفنه وياعالم يرجع ولا ميرجعش.
ابتعد ببصره عنها وتابع حديثه الذي عصر قلبها: -مكنش في أيدي حاجة غير اني ادعي له في كل صلاة، وأقول يارب استودعتك اياه، متعيشنيش فقدانه تاني، يارب كفاية موت، الناس بتموت مرة وانا كل فترة بموت وبضغط على نفسي، لا انا عارف اقول لأولادي لا ولا قادر اتحمل غيابهم، المرة دي عرفت وحسيت بقد ايه ابويا وامي اتوجعوا.
تعالت أنفاسه ينظر بأرجاء الغرفة كالتائه الذي يبحث عن ضالته: -كل مااسمع صوت التليفون وانا أقول خلاص دا خبر ابني، خلاص بيبلغوني وفاته. كنت عايش ومش عايش، ضغط على نفسي، وانا بحاول اعيش الوجع و مقدرتش عليه فتخيلي إنتِ هتقدري تعيشيه
جلس أمامها على عقيبه وغرز عيناه برماديتها التي تنساب منها دموعها.
-اصعب احساس في الدنيا انك تكوني عايشة وحاسة أن فيه حته من روحك في خطر وأنتِ عاجزة ومش عارفة تعملي ايه، اه الاعمار مقدرة، لكن قلوبنا مسيرة، ماتقدريش تتحكمي وتقولي هقدر. دا ابنك ياغزل، ابنك اللي دفنتيه من اكتر من سنة، ابنك اللي زي ماقولتي أنه احنهم واكبرهم، كنتي هتقدري تتحملي تبعتيه هناك بعد مارجعلك
-انا مش فاهمة ياجواد ايه اللي بتقوله دا يروح فين ويرجع منين انا مش فاهمة حاجة.
صرخ بها وفقد سيطرته على أعصابه
-ماهو لو حضرتك مكسرتيش نفسه واديتي لنفسك لحظات واسمعتي هو حصله ايه، إنما ازاي جنون غزل رجع مش علشان ابنك خبى عليك انه رجع ابدا يادكتور، أنتِ اللي قهرك اني خبيت عليكي، انحنى وحاوط جسدها بذراعيه.
-ابنك كان ميت ورجع من الموت نحمد ربنا ونشكر فضله ولا نقعد نقطع فيه وهو ياحبيبي عنده اللي يكسره، دا واحد كان عايش بشخصية مش شخصيته، واحد فتح عيونه معرفش هو مين ولا حتى اسمه ايه، قعد سنة وهو عايش حياة مش حياته لولا أن ربنا رحيم بينا وربط على قلوبنا ووقفله ولاد الحلال اللي ساعدوه لحد ما وصل لعندي
اعتدل ناصب جسده ونظرته تحاصرها.
-راكان شك في الجثة اللي اندفنت وفضل يدور لحد ما أقنع ياسين أنهم يعمل تحليل نووي للجثة، وطبعا التحليل سلبي.
تحرك بعض الخطوات وتابع حديثه بصوت مرتفع وانفاسًا سريعة: -مسكتش وفضل يدور ورا الموضوع لحد مااكتشف من كاميرا مراقبة لصيدلية مقابلة للمشفى أنهم خطفوا جاسر بعد العملية في الوقت اللي خرجت من عنده بعد مااقنعوني أنه ابني وخلاص ودعته بدلوا الجثة وخرجو جاسر على أنه ميت في عربية تانية، وبعد كدا فضل شهور في غيبوبة ولما فاق كان فاقد الذاكرة، ماهو واقع من فوق الجبل على دماغه، يسكتوا على كدا، لا يادكتور كان بيحطوله مخدر يموت الأنسجة الدماغية علشان يفضل فاقد الذاكرة وكمان يكون تحت رحمتهم بسبب المخدرات.
شهقة خرجت من فمها وانسابت عبراتها كزخات المطر تهز رأسها بعنف
هبت واقفة متجهة إلى باب الغرفة
-استني عندك، انا لسة مكملتش كلامي
جاسر كان عايز يقابلك من يوم ماقابلته وانا اللي رفضت، والحمدلله اني رفضت، عارفة ليه يا دكتورة. قالها وهو يتحرك إليها حتى توقف أمامها ولم يفصلهما سوى أنفاسهما وأكمل.
-علشان خوفت على وجعك ياغزل اكتر ماخوفت على وجع قلبي، محبتش تعيشي معايا الالم والفزع اللي انا كنت عايشه، علشان متأكد انك مهما تكبري هتفضلي غزل العيلة اللي دايما جواد أمانها مهما كانت قوتها، ودا من واجبي مردتش اعرفك، ولولا حمل جنى مكنتش هرجع جاسر غير لما يخلص مهمته
جحظت عيناها بذعر: -ايه اللي بتقوله دا ياجواد، انا مستحيل اخليه يرجع سمعتني. استدار يواليها ظهره حتى لا يضعف أمامها.
-ليه مش طردتيه وقولتي له ارجع مكان ماكنت، مبقتش تفرق معاكي وجوده من عدمه
تحركت تتشبث بكتفه
-جواد متعملش كدا مستحيل تبعت ابنك هناك قولي مش هتعمل فيا كدا
-ابنك بيأدي واجبه ياغزل ومقدرش امنعه، ممكن امنعه ويموت قدامك من غير أي حاجة، عايزك تقوي وتستودعي ربنا فيه، وان شاءالله لو مكتوبله يرجع هيرجع. واياكِ اسمعك تقوفي قدامه
فتحت الباب وتحركت للخارج كالمجنونة: -مستحيل اوافق على كدا. اتجهت إلى غرفته.
قبل قليل بعد خروج الجميع من غرفة غنى، اتجه جاسر إلى غرفته والحزن والألم علامات قاسية على وجهه
ربت بيجاد على ظهره
-متخافش أنا متأكد عمو جواد هيعرف يسيطر على الوضع. رفع نظره الى غنى التي جلست على المقعد تحتضن رأسها، ربتت ربى على كتفها
-غنون حبيبتي متزعليش بابا وماما مهما اختلفوا عمر زعلهم مايوجعهم من بعض وأنا متأكدة من كدا
جلست جنى بجوار جاسر واحتضنت ذراعه عندما وجدت الحزن مخيم على الجميع.
-وأنا كمان بقول زي ما روبي قالت عمو جواد هيعرف يحتوي الموقف كويس، طنط غزل مصدومة مش اكتر، ولما عمو يفهمها اول حاجة هتجي لعندك وكمان هتتأسف لعمو
اتجه بيجاد الى غنى ورفعها من أكتافها يضمها لأحضانه: -ممكن تبطلي عياط، متبقيش هبلة دا جواد الألفي وغزالته، يعني مش كلمة ولا موقف اللي يموت الحب اللي بينهم
البسي حاجة وتعالي ننزل نتمشى تحت في الحديقة
رفعت عيناها التي تورمت من البكاء وتمتمت ببكاء.
-تفتكر بابا هيدي ماما!
احتضن وجهها بين راحتيه واقترب يلثم جبينها قائلًا: -دي مش عايزة سؤال، أنا متأكد من كدا، مامتك حست انها عايزة تطلع حزنها فقالت كدا وخلاص، لكن هي تموت لو بعدوا عن بعض، ايه ياغنى انا اللي هقولك، بسط كفيه وسحب يديها
-تعالي حبيبتي ياله هننزل نشم هوا، وهنرجع كله هيكون تمام.
التفت بنظره الى جاسر الذي يرجع بجسده ويغمض عيناه، فتحرك دون حديث بعدما أشار برأسه لجنى المتشبثة بذراعه عليه. تحركت غنى بجوار زوجها إلى أن وصلت إلى باب الغرفة، فاستدارت تنادي على ربى لتترك خصوصية لأخيها
-ربى تعالي حبيبتي اتمشي معانا شوية الهوا نضيف دلوقتي. اتجهت إلى جاسر وانحنت تقبل جبينه
حبيبي نورت بيتك من تاني
فتح عيناه ونزع ذراع جنى محتضنا كفيها يلثمه.
-حبيبة قلب اخوكي، روحي ارتاحي وخلي بالك من حبيب خالو، عايزك تاخدي بالك من نفسك. ابتسمت تضع كفيها على أحشائها
-إن شاءالله حبيبي. اتجهت بنظرها إلى جنى: -قومي خدي شاور وارتاحوا من المشوار، خلاص جوزك رجع ودا أهم حاجة دلوقتي، أما ماما وبابا متأكدة هيتصالحوا قبل مالليل يجي.
اومأ لها جاسر متوقفا
-عارف ومتأكد من دا، روحي علشان عز، وانا هرتاح ساعتين واكيد هقعد معاه.
ربتت على كتفه مردفة: -متزعلش منه حبيبي، هو مصدوم مش أكتر
خرج الجميع ولم يتبقى سوى جنى وجاسر بغرفتهم، تحركت إلى أن وصلت إلى وقوفه، حاوطت خصره تضع رأسها بصدره: -حبيبي متزعلش هما معزورين، اي حد مكانهم هيفكر كدا. ضمها لأحضانه يضع رأسه بخصلاتها بعدما أزاح وشاحها
-ماما صعبانة عليا قوي، عارف حقها تزعل، بس بابا ميستهلش ردة الفعل دا، خايف عليه ليزعلها، والاتنين عندهم حق.
رفعت رأسها من حضنه وتعمقت بالنظر إلى عينيه: -طنط غزل بتعشق عمو جواد، ومستعدة تدوس على الكل علشانه، حتى على ولادها نفسهم، ولو نسيت افتكر عملت ايه في بابا لما عمو وقع بعد سفري
حرك أنامله على شفتيها متذكرًا تلك الفترة
-بلاش نتكلم في ذكريات حزينة، عارف ومتأكد إن بابا هيعرف يحتوي ماما، زي ماانا بحتوي جنان مهلكتي
حاوطت عنقه ترفع نفسها تطبع قبلة على خاصته تهمس بنبرتها المثيرة التي خطفت قلبه.
بحبك. رفعها من خصرها واتجه إلى فراشهما ليستلقى عليه يضمها لأحضانه عله يستطع أن يخرج مما يشعر به
دفنت نفسها بأحضانه ومازال حديثها الذي جعل قلبه ترنيمة من ترانيم العزف الموسيقى. ظلت فترة تسقيه من حنان عشقها إلى أن أغمض عيناه وذهب بثبات عميق هروبا من أحزانه التي طغت على كيانه
استندت على مرفقيها تمسد على خصلاته مرة وعلى وجهه مرة إلى أن استمعت الى طرقات على باب الغرفة.
نظرت إلى نفسها، فنزلت بهدوء حتى لا تيقظه تجذب روبها وترتديه، متجهة إلى الباب. لتفتحه وقفت متصنمة
-طنط غزل!
-فين جاسر، هنا ولا تحت
التفتت برأسها تنظر إلى نومه، فأردفت بتقطع: -اصله. دفعتها بغضب ودلفت للداخل وجدته غارقًا بنومه، اتجهت إلى فراشهما وجلست بهدوء حتى لا تيقظه، رفعت كفيها المرتجف على خصلاته وانحنت تستنشق رائحته بإشتياق. انسابت عبراتها وفقدت سيطرتها عندما اخترقت رائحته رئتيها.
فتح عيناه على صوت بكائها همس بصوت متحشرج بنومه
-ماما! قالها واعتدل جالسًا ينظر إلى جنى بذهول، تراجعت متجهة إلى الحمام لتترك لهما مساحتهما الخاصة، مررت غزل كفيها على وجهه وهتفت معاتبة: -جالك قلب ياجاسر، جالك قلب متجيش تشوف مامتك، رفع كفيها وقبله بدموع عيناه على حالتها التي أدت إلى انهيارها
-آسف ياماما. عارف اني غلطت في حقك، سامحيني!
جذبته لأحضانه واجهشت بالبكاء
-حبيب وروح ماما انت ياقلبي.
بكى على بكاؤها ثم خرج من أحضانها يحتضن كفيها ويقبلهما مرة أخرى
-من حقك تزعلي مني، اسف بس والله ظروفي كانت أقوى مني
ظلت تتجول بعيناها على وجهه، مرة وعلى جسده مرة
-عملوا فيك ايه ياحبيبي، فيه حاجة وجعاك. وضعت كفيها على رأسه
-دماغك سليمة، بتحس بصداع
ابتسم من بين دموعه
-ماما أنا كويس اهو، ومفيش حاجة تعباني ولا حاجة. المهم انك تكوني راضية عني وتسامحيني.
جذبت رأسه وبدأت تلكمه على ظهره بخفة: -مقدرش ازعل منك يانور عيني، انا اتصدمت في الأول فيك انت وباباك، بس مش مهم المهم انك رجعتلي وانت كويس، انت اللي تسامحني ياحبيبي
لف ذراعيه حول جسدها واغمض عيناه، ماأجمل أن تجد حضن الأم الذي يربط على قلبك في أعظم أحزانك ياالله على هذا الشعور. ربي يرحم والدتي ويدخلها فسيح جناته
همس بضعف من قوة مشاعره: -ياااه ياماما كنت محتاج لحضنك قوي.
قوي. قالها بدموع قلبه قبل عيناه، ، ياالله على قلبي المتمزق ايها القلب التعيس كيف لك أن تنسى ان الأم أعظم شخص في هذا الكون
كيف لك ياانسان أن تتغاضى عن أعظم نعم الله وهي الحنان الأموي
فالأم هي عظام العمود الفقري، التي تجعلك مستقيما وصحيحًا، إنها دمك، ودقات قلبك.
هي الشمعة المقدسة تعمل من أجل إضاءة ليل الحياة الحالكة لنا بكل تواضع ورقة وفائدة، الأم التي لا تقارن بأغلى الأشياء، فإذا وضع العالم بالكامل في كفة، والأم في كفة، فبكل حب سوف أختار كفتك أنتِ فقط. ف صوتها هو أرق الألحان وأعذب الأنغام التي لا نستطيع نسيانها. هي أعظم كتاب تقرأه ويفيدك، اختااااه.
إن غاب كل أصدقاؤك وأخوتك فالأم لكِ العالم أجمع. إذا صغر العالم كلّه فالأم تبقى كبيرة. ، ليس هناك شيء في هذا العالم البارد الأجوف ولا ينبوع من الحب العميق القوي إلّا ذلك الينبوع في داخل قلب الأم.
وكيف تنسى ياصديقي عندما ذكرها نبي الأميين حيث جعل الأم أولى الناس بحُسن الصحبة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يَا رَسُول اللهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قال أُمُك ثم أبوك
فرضاها جنة وغضبها نار ألم يقل الله بكتابه العظيم.
و بالوالدين إحسانا
وليس مايتسع لي من الوقت سوى أن أقول من فقدها فقد فقد جنة الدنيا، فبعدها لا توجد سعادة حقيقة ولا دعوة من القلب نقية، رحم الله امهاتنا جميعا
ضمت وجهه وطبعت قبلة حانية على جبينه قائلة: -آسفة حبيبي صحيتك من النوم، كمل نومك ياله
هز رأسه بالرفض: -نوم ايه بس ياماما، كفاية حضنك عليا
قالها وهو يضع رأسه على كتفها وهي تحاوطه بذراعها
رفعت يديها تداعب خصلاته مبتسمة.
-إنت عارف لو بابا دخل علينا دلوقتي هيعمل فيا ايه، وانت قاعد معايا كدا.
نظر لنفسه وتذكر أنه كان نائمًا بصدره العاري
-آسف ياماما ماأخدتش بالي، لمست وجهه وابتسامة حنونة تحتضن به بأعين امانها قائلة:
-هتفضل طول العمر في نظري الطفل الصغير ابو خمس سنوات.
ابتسم مشاكسًا: -طيب والحج جواد أخباره ايه بعد قنبلتك دي
اعتدلت متوقفة، ثم تذكرت ماصار بينهما منذ قليل: -انزل تحت علشان نفطر كلنا مع بعض زي زمان حبيبي.
استدارت وخطت بعض الخطوات. ، بحث عن تي شيرتيه. ولكنه لم يجده بجواره، فنهض متحركًا إليها: -ماما! توقفت وهي تعلم عن ماذا سيحكي، . تحرك إلى أن توقف أمامها، هجيب حاجة ألبسها، استدار متسائلًا: -بابا فين؟
رسمت ابتسامة واجابته: -شوية وهينزل، بياخد شاور. قطع حديثه عندما دلف جواد، توقف يطالعهم للحظات، ثم اقترب من ابنه.
يلكمه بصدره: -ايه الجحود اللي فيك دا يابن جواد مفكر نفسك لسة طفل، ماتتلم يالا وتلبس حاجة دي امك ياروح خالتك
قهقه متراجع يجذب كنزته، فدفعه جواد بقوة
-ليه ياحبيبي خليك كدا، فرج عضلاتك لامك الفرحانة بيك وبشبابك
-مش شايفة بغل قاعد قدامك عريان، اضربيه بالقلم على وشه، الواد عياره فلت
غمز جاسر لوالده بعدما ارتدى كنزته: -دي غيرة ياحج ولا ايه، غيران على أمي مني
لكمة قوية بوجهه حتى صرخ جاسر يمسك وجهه.
-ايدك تقيلة. هرولت غزل تصرخ باسم ابنها
-جاسر! رفع رأسه يضحك
-لا باين الحب من الضربة، توجه لوالدته
-دا واحد تطلبي منه الطلاق، دا تطلبيه في بيت الطاعة
رغم ابتسامة جواد من مشاكسة ابنه إلا أنه دفعه وتحرك للخارج يسبه، خرجت غزل خلفه
-جواد. استدار سريعًا يرمقها بنظرات نارية يريد إحراقها بها
-ايه! عايزة ايه. ابتلعت ريقها بصعوبة من عصبيته وغضبه الذي تجلى بعيناه، خطت مقتربة منه
-انا آسفة!
-وأنا مش قابل اسفك ياغزل، سمعتي مش قابله، إنتِ مش لسة عيلة علشان تغضبي وتثوري عليا قدام ولادك الرجالة، اقترب منها يجز على أسنانه
-بعد خمسة وتلاتين سنة جاية توقفي قدامي وتقولي طلقني، ياريت بينا وبين بعض، لا يادكتورة، قدام ولادك
أطبقت على ذراعيه
-حبيبي متزعلش مني. نزع ذراعه وأردف بنبرة باردة: -إزاي قاعدة مع ابنك وهو من غير هدوم ايه مبقاش فيه حيا خالص، لا والحلوف عاجبه نفسه وبيضحك.
قالها وتحرك بخطوايه التي تأكل الأرض بسبب شدة غضبه
توقفت تنظر إلى تحركه بابتسامة هائمة لفتاه تبلغ من العمر عشرون عاما
تهمس لنفسها: -هتفضل رجُلي الأول مهما يمر من سنين ياجواد، اول راجل فتحت عيوني عليه واخر راجل، الغيرة بتنط من عينك حتى من ابنك
بالداخل عند جاسر بعد مغادرة جواد وغزل.
سحب نفسا وزفره بقوة بعدما شعر بالاطمئنان، أفلت ضحكة عندما تذكر نظرات والده وغيرته النارية على والدته، حدث حاله: -هل هو بالفعل يشبه اباه، هل هو كما وصفه عمه صهيب جواد الصغير، تنهيدة عميقة أخرجها بدقات قلبه.
حينما اقنع نفسه، أنه يفوق درجات العشق عن والده، ولا احد مثله مهما حدثوه واقنعوه، فهو جمع كل العشاق، بداية من العصر الجاهلي إلى أن وصل لعصره الحالي، فلقد فاق الجميع بحبه لمعشوقته، بحث بعينه عن مهلكته فاتجه إلى المرحاض، دفع الباب وولج بهدوء وجدها تجلس بالبانيو مغمضة العينين كأنها تستجم. اقترب ثم انحنى بجسده يهمس بجوار أذنها.
-ايه الخيانة دي. فتحت عيناها مبتسمة ثم تسائلت: -طنط غزل خرجت. استند على حافة البانيو وبسط كفيه على خصلاتها بالمياه قائلًا: -لا. برة قالتلي ادخل خد شاور مع مهلكتك وانا هستناكم برة
رفعت حاجبها تطالعه بسخرية
-لا والله. حضرتك بتتريق يعني ولا ايه
أفلت ضحكة غامزًا بطرف عينيه
-هو فيه احسن من التريقة ياروحي
أشارت على الباب وتحدثت
-طيب ياسيادة الظابط الموقر، ممكن تخرج عايزة اخد شاور.
أومأ برأسه متراجعًا للخلف. تنهدت بإرتياح بعدما وجدت ابتسامته مرة أخرى. فجأة شعرت بمن يطوقها من الخلف مما جعلها تصرخ وتضحك بنفس الوقت
بغرفة ياسين
ظلت تذهب إيابا وذهابًا تنتظره، فمنذ خروجه منذ الصباح لم يعد إلى الآن
قطع توترها عندما دلف للداخل. هرولت إليه: -فينك دا كله، ومبتردش عليا ليه
هوى على مقعده يطبق على جفنيه
-عاليا عايز اخد شاور وانام بس ممكن تسألي بعد مااقوم من النوم. جلست بجوار تطالعه باستفهام.
-مالك ياياسين، أوس مرجعش معاك
نهض ينزع كنزته واتجه إلى الحمام
- انا هاخد شاور وانام مش قادر اتكلم في حاجة
دلفت خلفه وامسكت روب حمامه الخاص به.
-تمام حبيبي، البورنس اهو هستناك برة. اومأ لها دون حديث ودلف تحت المياه لتنهمر على جسده وشعور بداخله يهز جبال وهو يتذكر حديث أوس
فلاش باك
استقل السيارة وتحرك خلفه، كان يقود سيارته. تحرك سريعًا يقطع طريقه، وترجل منها متوقفًا أمام أوس
-دوس عليا ياله مستني ايه.
ترجل أوس يدفع الباب بقوة حتى كاد أن يهشمه، واقترب ودون أي حديث لطم ياسين بقوة على وجهه، يمسكه من تلابيه.
-عايز ايه يالا، بتجري ورايا ليه. رغم ذهول ياسين من فعلته الا أنه اعذره قائلاً: -اسمعني ياياسين، الموضوع مش زي ماانت متخيل. ركل إطار السيارة بقوة وصاح غاضبا: -ارخص مش عايز اتكلم مع حد، ابعد عني ياياسين علشان مدهسش عليك بالعربية. اقترب ياسين وحاول الحديث إلا أنه كان كالمجنون لايمتلك عقلا ولا سيطرة على غضبه، فاستدار يستقل سيارته وتحرك حتى كاد أن يدعس اخيه، لولا تراجع ياسين بسرعته. ظلت نظراته على تحرك سيارته التي لم تظهر من كثرة غبارها بسبب سرعته المجنونة، اتجه وتحرك خلفه ليعلم إلى اين يذهب. ظل خلفه إلى أن وصل إلى دخول مدينة الاسكندرية، حينها علم أنه ذهب الى ريان المنشاوي.
امسك هاتفه وهاتف والده
-بابا أوس داخل على اسكندرية. اجابه جواد الذي كان حزينا بعد خروج غزل
-خلاص ارجع انت وانا هتصرف. حاول مهاتفته ولكنه لم يرد على والده.
خرج ياسين على صوت زوجته
-حبيبي ماما غزل برة وقالت لازم ننزل كلنا نفطر مع بعض
جذب البورنس وارتداه قائلا.
-مش قادر ياعاليا، قالها وتحرك للخارج وجد والدته تداعب ابنته، تحرك إلى غرفة ملابسه سريعا: -هلبس حاجة ياماما. اومأت له دون حديث، ونظراتها تحاصر عاليا، فتسائلت: -ياسين كان فين ياعاليا؟
رفعت كتفها بعدم معرفة: -معرفش والله ياماما، هو جه على الحمام. قاطعهم خروج ياسين، اقتربت غزل منه
-حبيبي كنت فين؟
حمحم وأجابها: -كنت بشوف اوس
-أوس! ليه هو أوس مش في اوضته؟
هز رأسه بالنفي وأجابها
-راح اسكندرية!
-اسكندرية ليه عنده شغل يعني، اتصل بيه وخليه يرجع حالا وقوله جاسر رجع هتلاقيه هنا خلال ساعة
جلس على المقعد يفرك جبينه ثم هز رأسه والحزن خيم على ملامحه
-عرف ياماما وغير متقبل رجوعه، وقال اخويا دفنته ومش متعرف على دا، حتى قالي مش هيرجع البيت طول ما جاسر فيه.
جحظت عيناه تصرخ به: -هات تليفونك. أعطتها عاليا هاتفه التي لم تقل صدمة عن غزل. ظلت تهاتفه ولكن دون رد. اتجهت إلى غرفتها وامسكت هاتفها وبعد لحظات أجابها: -أيوة ياماما!
-مسافة الطريق تكون قدامي هنا، ومش عايزة اسمع نفسك يابن غزل، سمعتني لو اتأخرت كتير يبقى اعرف ان مالكش ام. قالتها وأغلقت الهاتف دون حديث. هوت على الفراش وكلمات ياسين تحرق قلبها، إلى أين وصل اولادها، بدأت تعاتب وتلوم نفسها.
-منتظرة من أوس ايه وانت عملتي أكتر منه. استمعت الى طرقات على باب الغرفة
-الفطار جهز يادكتورة وفي الحديقة زي ما حضرتك طلبتي وبعتنا للباشمهندس سيف وصهيب، حازم
اومأت لها ثم أشارت بالخروج قائلة
-انزلي وانا هجهز وانزل
بعد فترة على مائدة الطعام جلس الجميع بعد تلقيهم خبر رجوع جاسر، وصدمات من بعضهم البعض إلى أن تقبل البعض بعدما قص جواد ماصار في الشهور الماضية المنصرمة
ربت حازم على كتفه.
-نورت بيتك حبيبي وحمد الله على سلامتك، ثم اتجه إلى جواد مردفًا
-مش لازم القادة تعرف ياجواد ولا ايه
كانت نظراته على غزل التي لم تنزل عيناها من فوق ابنها فاستدار الى حازم
-باسم أخبرهم ياحازم، يمكن من قبل ماانا اعرف، باسم وراكان ثم اتجه بنظره الى ياسين يشير إليه بعينيه
-وكمان حضرة الظابط.
اتجه عز يرمقه بنظرة صامتة، فهز رأسه موضحًا: -لا مش زي ما انتوا متخيلين، انا عرفت أنه مش هو اللي اندفن، بس عايش معرفتش غير قبل مابابا يعرف باسبوع، راكان كان حويط ومكنش عايز حد يعرف، ولسة لحد دلوقتي مُصر محدش يعرف، ياله كلها اسبوعين ونخلص من الكابوس دا
-وليه خليته يرجع ياجواد دلوقتي، كنت اصبر انت مش ضامن الناس دي بتخطط لأيه.
ارتشف عصيره واتجه إلى ابنه يشير إليهم: -علشان جنى حامل ومكنش ينفع احطها في محل شك قدام اي حد فيكم
ألقى عز العصير من فمه دفعة واحدة حتى وصل إلى وجه جاسر، يطالع أخته بذهول. بينما رمقها صهيب بنظرات لم تعلم مداها
-يعني ايه جنى حامل، ليه جاسر كان بيقابل جنى
ارتشف جواد عصيره بهدوء ينظر لابنه بابتسامة متشفية وحرب النظرات بينهما. جز جاسر يسب عز
-كدا يامتخلف رجعت عليا جتك القرف. قالها ونهض يسحب كف جنى.
-تعالي هاتيلي طقم غير اللي اخوكي المتخلف غرقني بيه
ابتسامة ساخرة على ملامح جواد
-اه ياحبيبي اجري لتاخد برد. اهرب يابن جواد
-جنى. صاح بها صهيب الذي توقف يوزع نظراته عليهما
-ايه اللي عمك قاله دا، انتِ كنتي على علاقة بجاسر
-ايه ياصهيب ماتوزن كلامك ياعم، ايه على علاقة دي، دي مراتي، هو حضرتك فقدت الذاكرة ولا ايه.
أفلت بيجاد ضحكة صاخبة جعلت الجميع يتوجه بالنظر إليه فأمسك كوبه قائلًا: -ايه مالكم يعني ضحكتي اذهلتكم والحامل من الميت مش اذهلكم.
ثم اتجه إلى صهيب
-ايه ياعمو صهيب لازم تفضح البنت قدام الكل، استر عليهم
خطى إليه جاسر وعيناه تطلق قذائف نارية لولا صيحات جواد
-جاسر اطلع غير هدومك، ثم اتجه إلى بيجاد وعز.
-مالك ياحلوف منك له، ماقولنا انا وياسين وجنى عرفنا من اربع شهور، هتزودوا كلام مالوش لازمة واستعباط هتطردكم من على السفرة
توقف عز وعيناه على أخته يرمقها بنظرات عتابية: -عندك حق ياعمو هنتكلم في ايه، احنا لزمتنا ايه في حياتهم اصلا، افطروا بسعادة. قالها واستدار ليتحرك إلا أن أوقفه جواد.
-اقعد افطر يالا، واعقل ياعز احنا الايام دي محتاجين نتماسك علشان نقوى مش شوية هبل، جاسر كان فاقد الذاكرة زي ماحكينا يبقى العتاب مش عليه. نظر إلى منزله الذي يحاوطه الأمن وتابع الحديث.
-لاحظوا بقينا عايشين في سكنة عسكرية لازم نخاف على بعض ازاي علشان نخرج من الكبوة واحنا في عز قوتنا مش شوية زعل غصب عننا نثور ونقطع الارحام. ونشتغل شغل اطفال، علشان محدش يقدر عليكم لازم تحموا ضهر بعض، القوة في الاتحاد يابني
بعد فترة عاد أوس الذي دلف إلى مكتب والده مطأطأ الرأس، أشار له بالجلوس، جلس كالتلميذ الذي ينتظر عقابه، وضع جواد بعض الأوراق أمامه.
-الصفقة دي متلزمناش، ارفضها، اتصل بالسكرتيرة وقولها تلغي اي اجتماعات للشركة دي
زوى مابين حاجبيه: -ليه الشركة كويسة جدا، ليه نرفض العرض دا
توقف جواد من مكانه واتجه يجلس بمقابله: -علشان اخوك اللي ثورت وغضبت عليه من غير ماحتى تعرف ظروفه
-ظروفه! ظروف ايه دي اللي توجع قلوبنا كدا
-إنت هنا مش علشان اقولك اسبابه، والله لو شايف نفسك ابن جواد وخايف على اخوك، روح له واسأله.
بما أنه اخوك الكبير اللي هياخد مكان ابوك وكلامه المفروض هيكون سيف على رقبتك ياباشمندس وملكش حتى تعاتبه وتقوله ليه بتعمل كدا
-بابا. أشار له بسبباته للتوقف
-انا مش عايز اسمع حاجة، انت مش زعلتني انا. انت زعلت اخوك الكلام يكون له مش ليا. اطلع راضيه، مالكمش غير بعض وهو هحكي لك ايه اللي حصل
بمنزل سيف
تقف أمام مرآتها تنهي زينتها، دلفت والدتها: -حبيبتي روحتي عند عمو جواد شوفتي جاسر.
استدارت لوالدتها مبتسمة: -طبعا، كلنا كنا هناك، وصحيت سنا من النوم وقولت لها كمان وهتيجي بعد شوية
استدارت تنظر لثيابها بتقيم ثم التفتت لوالدتها
-بس تعرفي ياماما جاسر اتغير قوي، هو اه حسيته خس شوية بس ملامحه اتغيرت
اقتربت ميرنا تداعب خصلاتها: -هو فعلا متغير شوية، مين فينا متغيرش الفترة دي، الحمد لله، المهم بلاش تتكلمي مع حد من صحباتك، علشان دا لسة عنده مهمة ولازم تكون سرية.
وضعت احمر شفاة على شفتيها، ثم استدارت تقبل والدتها
-متخافيش بنتك مش طفلة وعمو جواد قالي، نظرت إلى خد والدتها
-كنت خايفة الروج يكون مغشوش، اصلي لسة جيباه امبارح وأول مرة اجربه
أشارت ميرنا لنفسها: -تجربيه عليا يعني
غمزت بعيناها واردفت بمشاكسة: -لا اجربه على بابي، سلام بقى ياست الكل عندي سكشن عشرة ومبقاش غير نص ساعة وحضرتك عارفة زحمة القاهرة، معرفش ايه اللي رجعنا بس تركيا مكنتش احسن.
حملت حقيبتها وتناولت رسوماتها الهندسية
-دعواتك يامرنوش، . توقفت أمامها
-هتزلي من غير فطار ياهنا
لوحت بكفيها وهبطت للأسفل متجهة إلى سيارتها. قابلها فارس الذي يقوم بعمل تدريباته الرياضية
-رايحة فين يابت بشكلك دا، عندك حفلة رقص
توقفت ترمقه شرزا وهتفت بغضب: -انا طالعة من بيت ابويا كدا، على مااظن مالكش دعوة، لا إنت اخويا، ولا جوزي ولا حتى حبيبي.
ألقى مابيده واتجه إليها وعيناه تطلق نيران يريد احراقها، ثم جذبها من خصلاتها بقوة
-إنتِ مش محترمة عارفة ليه يابنت عمي، جذب رأسها يهمس لها بفحيح
-علشان انا ابن عمك في مقام اخوكي، وهتدخلي تغيري لبسك وتمسحي حلاوة المولد اللي انت عملاها في وشك دي يامحترمة
-فارس! صاح بها جواد بغضب مقتربا منهما عندما وجدها بأحضانه، وزع النظرات بينهما وصدره يحترق بنيران الغيرة، تراجعت مرتجفة تشير الى فارس.
-فارس كان بي. أشار بسبباته
-اخرصي يابت. جحظت عيناها تتمتم
-بت! اتجه الى فارس
-فيه ايه وبينك وبينها!
تحرك فارس يجذب جاكيت ترنجه الرياضي مردفًا: -مفيش حاجة، توقف واستدار برأسه
يطالعها بصمت يريد لطمها على وجهها من تلك الزينة المبالغ فيها ثم أستدار يشير لعامل الحديقة
-دخل الألعاب دي جوا ياعم حسين. قالها فارس وتحرك دون حديث. بينما جواد استدار إليها كالمجنون وجذبها من خصرها.
-ايه عجبك احضان الشباب ياباشمندسة، كل شوية ترتمي في حضن واحد شوية
انسابت عبراتها من طريقته، لم يرحم دموعها وبدأ يتجول بنظراته يقيم جسدها وثيابها الضيقة
-جسمك حلو بتعرضيه باللبس دا، عايزة تفهمي اللي حواليكي انك حلوة ومرغوب فيكي، وماله يابنت خالي، وانا عجبني ايه رأيك.
دفعته بقوة وصرخت بوجهه: -إنت مش محترم، وياريتني ماحبيتك، لانك متسهلش، واياك تقرب مني تاني. قالتها واستدارت إلى سيارتها بخطوات متعثرة تمسح دموعها بعنف، ثم فتحت باب سيارتها تلقي أشيائها بالخلف، جن جنونه من بكاؤها وحديثها، هرول إليها يجذبها بعنف ويلقيها بالسيارة، وهي تصرخ به ثم اتجه إلى القيادة ليخرج بها من الحي. بعد فترة توقف أمام النيل ينظر إليه، والى انكماشها ونفورها منه، أطبق على جفنيه وتحدث: -احنا بينا عشر سنين، عارف انك صغيرة عليا، علشان كدا كنت بحاول ابعد عنك، رفضت حبك اكتر من مرة، ودا مش علشان انت وحشة ولا أنا بارد، أنا كنت رافض علاقة العيلة، لكن قدرتي تكسري الحواجز وقلبي دق لك للاسف، وبقيت مش عايز غيرك، لكن أنتِ مش بتساعدي الحب دا علشان يكبر بينا ويتوج بالجواز.
التفت اليها وعانقها بنظراتها يخترق عينيها
-اسلوبك مش عاجبني، اي واحد مكاني النهاردة وهو شايفك في حضن فارس كان ضربك، بس أنا ماليش في كدا، مش انا اللي امد ايدي على بنت وخاصة بنت خالي
سحب نفسًا وطردته ثم اتجه بنظره للخارج: -عايز أقولك انك علمتي جوايا ومسحتي ذكريات حاولت امحيها ومقدرتش، ورغم كدا بقولك أنتِ متنفعنيش ياهنا، اسلوبك مش على حياة جواد، استمع الى شهقاتها ثم صوتها الباكي.
-انت اهنتني، خلاص مبقتش عايزاك
اقترب يشير بإصبعه
-بلاش كلام يزعل وانت غضبانة، سمعتي، صوتك مسمعوش
وانا مبقتش عايزاك، بدل كل شوية هتهني كدا
شعر برجفة بقلبه من فكرة ابتعادها عنه.
-هنا اسمعيني!
دفعته واستدارت للترجل من السيارة
ولكنه جذبها بقوة
-مبقاش ينفع يابنت خالي، الموضوع مش لعبة سمعتي، انتِ بقيتي هُنا
وضعت كفيها على وجهها مردفة:.
-إنت صعب ياجواد، انا تعبت منك ومن غرورك، حبيتك ووقفت قدامك وقولت بحبك، ورغم كدا دايما تهني وتقلل مني. أنا مبقتش عايزة الحب البارد دا
اتجه إليها سريعا يجذبها من عنقها
-حب ايه البارد دا، انا قولت لك بحبك، عارفة يعني ايه بحبك، يعني كسرتي كل الحواجز اللي كنت بحصنها، وجاية دلوقتي تقولي حبك بارد.
نظرت إلى قربهم وأنفاسه التي أحرقت وجنتيها مما توردت. صمت يرسمها بعيناه وقربهما الذي انهارت حصون كلا منهما. مرر أنامله على وجنتيها وعيناه تتجول على ملامحها القريبة حتى توقف على شفتيها المطلية بالأحمر وشعر بنيران تتسرب لجسده مما جعله يقترب من ثغرها متلاشيا كل القيود التي بينهما. ارتجف قلبها واردفت بصوت متقطع بسبب دقات قلبها العنيف.
-جواد ابعد مايصحش، هنا فاق من غمرة عشقه مستغفر ربه وقام بتشغيل محرك السيارة قائلًا: -فارس كان عايز ايه.
صمتت لبعض الدقائق فاستدار يصرخ بها بعدما شعر أنه لم يعد لديه القدرة عن الابتعاد عنها
-ردي كان عايز ايه وليه كان واخدك في حضنه
صرخت تهز رأسها قائلة: -مكنتش في حضنه، كان بيزعقلي على لبسي ومكياجي، وبيقول بحكم اخويا مش عاجبه.
توقف بالسيارة فجأة حتى ارتطدم إطارها بالأرضية، ليتجه إليها يرمقها بنظرات تحذيرية
-اخر كلام هيطلع مني، اقسم بالله بعد كدا مش هتلاقي مني كلام تاني، أشار إليها
-لبسك دا يتغير، ممنوع مكياج برة بيتك، شعرك دا هقطعه لو شفته
جذب رأسها يضع جبينه فوق خاصتها يهمس بنيران عشقه التي اشعلته تلك الصغيرة
-لو معملتيش كدا هندمك بطريقتي، الروج دا لو شفته هقطعلك شفايفك اللي فرحانة بيها، مش جواد اللي مراته تكون فرجة للناس.
-جواد ابعد انا مش مراتك. لف ذراعيه يضغط على خصرها
-بدل قولت بحبك ياهنون يبقى مراتي، مرر أنامله على شفتيها بغضب من هيئتها يجز على أسنانه وغرز عيناه بمقلتيها
-انا بحذر مرة واحدة المرة الجاية مش هرحمك، لبس تاني بالطريقة هقطعه عليكي حتى لو في الشارع
غرز اصبعه برأسها وتابع: -الدماغ دي لازم تفهم أنا مبقولش كلام وخلاص، انحنى وطبع قبلة على وجنتيها هامسا.
-ياهنا جواد حازم الألفي، جننتيني ياهنون بعد ماكنت واخد عهد على نفسي ابعد عنك مبقتش قادر حتى اتحمل حد يبصلك، لو بتحبي جواد زي ما بتقولي اعملي اللي بقولك عليه انا خايف عليكي
رفعت عيناها بخجل وتوردت وجنتيها
تهز رأسها بالموافقة. رفع ذقنها بابهامه
-طيب عايز اسمع بحبك ياجواد، وحشتني
نزلت بأبصارها الأرض ولم ترد عليه اقترب يهمس بجوار أذنها
-وحياة جواد عندك عايز اسمعها.
رفعت رأسها وتقابلت نظرات العشق بينهما مردفة بصوت اقرب للهمس
بحبك ياجواد
ارجع خصلاتها للخلف وعيناه تفترس ملامحها يهز رأسه ثم قام بتشغيل السيارة قائلاً: -لا دا الشيطان تالتنا وانا متهور، لازم امشي حالا. افلتت ضحكة أنثوية قائلة: -كدا اخرتني على السكشن
-سكشن مين ياما، دا انتي ولعتي قلبي ولازم تطفيه حالا
بعد فترة بمنزل حازم
-يعني عايز تخطب هنا بنت خالك سيف. اومأ برأسه بدخول والدته بالقهوة مبتسمة.
-أنا اتكلمت مع ميرنا وشكلها مرحبة قوي ياحازم، عايزة افرح بيه لو سمحت
مازالت نظراته على ابنه لفترة ثم تسائل: -ليه ياجواد هنا، توقف جواد متجهًا إلى نافذة الغرفة ينظر للخارج
-بابا أنا عندي دلوقتي 31 سنة خلاص مينفعش أجل كفاية لحد كدا
توقف حازم وتقدم منه حتى توقف يضع كفوفه بجيب بنطاله واعاد السؤال مرة أخرى وهو يغرز عيناه بأعين جواد
-هنا بنت كويسة، مشاعري اتحركت لها يابابا، وهي كمان بتحبني
-وفارس!
زوى مابين حاجبيه متسائلاً: -ماله فارس مش فاهم!
-إنت متعرفش أن فارس كلم خالك جواد عليها
اومأ برأسه واجابه: -اه هو فعلا كلم خالو عليها بس هو مكنش عايزها على حب وفهمني دا، وكمان هنا مابتحبوش
تحركت مليكة إلى وقوفهم تربت على كتف ابنها
-انا هكلم خالك ياحبيبي ونشوف اللي فيه الخير يقدمه ربنا
-مينفعش نتكلم في حاجة دلوقتي ياماما، لحد ما جاسر يرجع بالسلامة
-إن شاءالله حبيبي متشلش هم.
بمنزل صهيب توقفت أمام والدها تفرك كفيها وهو يحمل ذاك الاختبار
-يعني دا كان يخصك، ازاي مااخدتش بالي أن بتاع روبي ايه اللي يجيبه هنا، وليه مسألتش ربى
-بابا حاولت افهم حضرتك إن جاسر عايش لكن محدش ادالي فرصة
نهض صهيب من مكانه واتجه متوقفًا أمامها ؛
-إنتِ مقولتيش انك بتقابليه ياجنى
-بابا. أشار بسبباته بأن تصمت ثم ألقى الجهاز وتحرك للخارج دون حديث آخر.
جلست على فراشها تطالع ابنها الذي يتجول بالغرفة، ثم اقتربت منه
-تعالى هنا ياعفريت انت، ممكن تقولي بتلعب في حاجة مامي ليه، مش قولنا عيب
-مامي نانا غزل عايزة هدوم كنان
طبعت قبلة على وجنتيها تشير للخارج
-روح لناني عبير قولها تحضر شنطتك علشان نرجع بيت بابي
هرول الطفل للخارج بينما هي جلست على فراشها تجمع أشياء خاصة بها لتعود لمنزل زوجها
بعد فترة دلفت إلى جناحها بمنزل عمها وجدته جالسًا بالشرفة يتحدث مع يحيى.
-كويس قوي يايحيى، طيب عزيز اقتنع بنتيجة التحليل
قهقه يحيى وهو يجلس بجوار سمر
-دا فرحان ياعم، أصله بيحب سمارة، لكن سمارة اللي هتتجنن وكل شوية تقول أنا مش مصدقة غريب يعمل كدا
جلست جنى على ساقيه وحاوطها بذراعيه ثم أكمل حديثه: -اجهز يابطل لازم عزيز والجيار والنعماني يكونوا موجودين، لازم تقنع الراجل بتاعنا يقنع الممول شرط يكونوا موجودين في التسليم، يحيى دي فرصتنا الوحيدة علشان نخرج منها من غير خسائر.
-طيب سمارة ناوي تعمل فيها ايه. صمت ينظر لزوجته التي تمرر أنامله بصدره فأجابه بعد صمت للحظات: -البنت دي مالهاش علاقة بالقرف دا ولا مشاركة ابوها
نفث يحيى تبغه قائلاً: -الصراحة لا ياجاسر، هي ليها في المشي الشمال والرجالة الحلوة تنهب فلوسهم بس مخدرات وشغل أبوها لا
مرر أنامله بخصلات جنى يجمعها على جنب ثم هتف: -طيب ممكن البنت تنضف ونشوفلها شغل حلو، متنساش احنا مبنظلمش حد.
ضغطت جنى على صدره بعدما استمعت إلى حديثه، ثم انحنت ونيران الغيرة تحرق قلبها لتطبع قبلة تضغط بها على شفتيه بأسنانها تخرج غيرتها و حتى يفصل حديثه عن تلك الدخيلة التي تريد اختناقها بعدما حكت سمر عنها بعض الأقاويل
أنهى مكالمته. يطالعها بذهول لفعلتها، ثم مرر أنامله يشير إليها
-ايه دا يامجنونة...
مررت أناملها على خاصته
-ايه ياحبيبي، مش عايز تساعد الأمور ياأمور
قهقه عليها يضمها بين ذراعيه.
قوليلي اعمل فيكي ايه بس
داعبت شفتيه
-حبني قوي.
-بتغريني يعني ولا إيه!
هزت رأسها قائلة: -أنا بحبك كتير حبني قد مابحبك. آآه عاشقة خرجت بدقة عنيفة كادت تصيب قلبه
-وأنا بعشق حبيبي. وضعت كفيها على صدره تمرره
-إنت هترجع امتى!
-بكرة! قالها وهو يبعد بنظره بعيدًا
ارتجف جسدها بين ذراعيه لتدفن رأسها بصدره: -بسرعة كدا، وممكن ماترجعش دلوقتي
ضمها لأحضانه
-حبيبتي مش احنا اتكلمنا وانتِ سمعتي الكلام اهو.
لفت ذراعيه حول عنقه تمسح رأسها بحناياه
-جاسر مش قادر اسيبك تمشي وانا عارفة انك رايح على الموت، بلاش ياجاسر لو سمحت
حملها بين ذراعيه متجها إلى الأريكة يضعها بحنان عليها، يحاوطها بذراعيه، يبحر بعيناه على ملامحها البريئة كطفلة صغيرة. نعم فهي طفلته حبيبته. انحنى يضع جبينه فوق خاصتها بعدما وجد عبراتها
-طيب ليه الدموع دي، مش احنا مؤمنين بربنا وعارفين كله قدر ومكتوب
رفعت كفيها تحتضن وجهه.
-خايفة وقلبي وجعني قوي حبيبي، طمن قلبي ياجاسر، قوله هترجع لحبيبتك اللي هتموت لو حصلك حاجة
تمدد بجوارها يرفعها على صدره وحاوطها بذراعيه: -وحياة ربنا هعمل كل اللي اقدر عليه علشان ارجعلكم. مسد كفيه على بطنها
وعلشان ابني الجاي ميجيش من غير اب
عانقته بعيناه تهمس بشفتياها المرتجفة كحال قلبها.
-وعد! احتضن ثغرها يعصرها بأحضانه كأنه يوعد نفسه قبلها، ظل يغدقها بترانيم عشقه لبعض الوقت ثم اعتدل مبتسما يمرر ابهامه على خاصتها التي تورمت غامزًا
-مينفعش اخزن شوية، لأيامي الصعبة دفنت رأسها بأحضانه تبتعد عن نظراته وتخفي حزن عيناها، نعم فهو يعد لديها الهواء الذي يخترق رئتيها لتبقى على قيد الحياة.
مسد على خصلاتها بصمت، كيف يخفف عنها وهو لم يستطع التخفيف عن نفسه، دقائق من صمتت الألسنة ولكن هناك نبضات للقلوب بعشق كُتب عليه الألم والفراق. رفع رأسها ليحادثها ولكنه وجدها ذهبت بنومها
ابتسم على جمال طفلته، كأنها لم تستمتع بالنوم سوى بأحضانه، تذكر حديث عز ومهاجمته وهو يذكره بما عانته حتى اتجه الأطباء للحبوب المنومة لكي تغفو بسلام
استمع الى طرقات على باب الغرفة، ثم تلاها دخول كنان بخطواته الصغيرة.
-بابي العب مع كنان. اعدل من وضعية زوجته ثم سحب ابنه يشير إلى الباب
-حبيب بابي مينفعش تدخل غير لما اقولك أنا ومامي ادخل، عيب كدا
طالعه الطفل بنظرات لم يفهم بها حديث والده
لثم وجنتيه يشير إليه بالخروج
-اطلع برة وخبط على الباب وماتدخلش غير لما أقولك.
هرول للخارج مع نظرات جاسر المبتسمة، ثم طرق عدة طرقات ولم يرد عليه جاسر، إلى أن صرخ: -بابي ادخل ولا لا. قهقه عليه ثم تحرك إلى الباب يفتحه، وانحنى يحمله وهبط به للأسفل
رفعه فوق عنقه يجري به بالحديقة
-يعني إنت اللي فضحتنا ياشبر ونص
ارتفعت ضحكات الطفل وهو يتمتم
ماما وبابا. قالها وهو يصفق بيديه
كانت هناك عيون تلمع بالسعادة وهو يجد فرحة حفيده وصوت ضحكات ابنه. دعى ربه.
اللهم اني استودعتك اولادي واحفادي. توقف جاسر ثم انزل ابنه قائلا: -روح هات الكرة علشان ننلعب مع بعض ونعمل فريق ضد خالو ابو رجل مسلوخة
هرول كنان إلى عز قائلاً: -عز. عز، انحنى يرفعه ثم طبع قبلة على وجنتيه يشير إلى جاسر
-عارف عمو اللي هناك دا
نظر كنان إلى جاسر قائلاً: -اه دا بابا جاسر. لطمه عز بخفة.
-بيضحك عليك دا مش بابا انا اللي بابا. اقترب جاسر منهما متسائلًا: -بتقوله ايه يلا. انزل كنان وتوقف يضع كفيه بخصره قائلًا: -بقوله أنه ابني عندك مانع. جذبه من تلابيبه
-انا مكتوب عند الحكومة ميت يعني مش باقي على حاجة، فخف ياخفيف علشان مزعلكش
دفعه عز بقوة: -وأنا عايز ازعل، وريني هتزعلني ازاي ياحلوف، يالي كنت بتقابل اختي من غير حتى ماطمني عليك
استمعوا الى صوت صفير خلفهم.
فاستدار عز يسبه متمتم: -كان نقصني انت. جذبه بيجاد وتسطح على العشب قائلًا: -اقولك نكتة. مرة واحد دفنوه فكروه ميت بس بعد سنة لقيوه عايش، هههههه
اضحك يالا. دفعه عز يمنع ضحكاته ولكنه توقف عندما وجد نظرات جاسر النارية. فاستدار للآخر
-تصدق ياخي. طب خد النكتة دي كمان
مرة واحد ميت بعد سنة خرج من قبره يقول هيييه مراتي حامل وانا بس ظهرت علشان اقولكم اني عايش.
ارتفعت ضحكاتهما إلى أن ألقى جاسر نفسه بينهما قائلًا: -طيب سمعتوا النكتة دي. صمت الاثنين ولكن هب عز من مكانه
سريعا بعدما علم بما ينتويه يبتعد عنه قائلاً: -مرة واحد ضايق حضرة الظابط فقضى على حياته هههه
هرول خلف عز الذي ارتفعت ضحكاته وهو يلقي عليه كل مايقابله، بعد فترة تسطحوا على العشب
-وحشتني على فكرة
ابتسم له قائلًا: -وأنت كمان ياحلوف.
استند على مرفقيه يطالع عز قائلًا: -انا هسافر بكرة بالليل، خلي بالك من جنى وولادي ياعز، انا واثق ومتأكد انك هتراعيهم كأني موجود وأكتر. لكمه عز حتى سقط بظهره
-اخرص ياحلوف، فيه ايه، مش لما نتعاتب على القديم، قاطعهم صوت أوس
-عايز اتكلم معاك. ابتعد بنظره عن أوس فجذبه عز ليهوى فوقه.
بعد فترة من الحديث ومعرفة ماصار له
-يبقى بلاش ترجع. قالها أوس ونظرات الخوف تنبثق من عيناه، نظر بساعة يديه قائلًا: -مينفعش يااوس، دا شغلي وواجبي
هب من مكانه يتجه إليه يلكمه بقوة
-إنت ايه ياأخي، مش خايف على نفسك، طب خاف على مراتك وابنك، كفاية وجع بقى كفاية احنا كنا بنموت قالها أوس وهو يجذبه بقوة لأحضانه وارتفع بكاؤه. ربت جاسر على ظهره
-حبيبي اومال سبت ايه للبنات وجنى
بعد فترة اتجه إلى المطبخ.
-منيرة اعملي عشا خاص وطلعيه الجناح عندي
-حاضر ياباشا. تحرك للأعلى وهو يحمل كنان هتروح لناني تاخد شاور وبعد كدا تروح لنانا تحكي لك قصة
حلو كدا
-حلو يابابي. قالها وهو يهرول إلى مربيته
دلف الغرفة وجدها مظلمة وزوجته مازالت نائمة، خرج لغرفة المعيشة وقام بتجهيز طاولة دائرية مع دخول منيرة ببعض الأشياء التي طلبها، وبعد فترة صعدت بعشائهم
بالأسفل
جذب جواد مقعد وجلس بجوار أوس وعز وفارس مردفًا.
-عندكم وظيفة خالية في الشركة يابشوات الألفي
اتجه أوس متسائلًا:
-وظيفة ايه، عندي شوية تجديدات في الشركة
-بنت عم صديق ليا، البنت يتيمة ولسة متخرجة، تجارة انجلش، ممكن تعينها في المحاسبات أو أي حاجة
اتجه إلى عز قائلًا: -إنت مكنتش عايز مساعدة، خدها مساعدة ولو تعرف لغات عينها سكرتيرة
نهض عز من مكانه وأردف.
-فارس هيتولى الموضوع انا عندي اجتماع خارج الشركة بكرة، ثم اتجه إلى جواد قائلًا: -فارس هيختبرها لو البنت خبرتها قليلة هتترفض، الشغل مفهوش واسطة.
-شوفها انت ياأوس، عندي شغل كتير. قطع حديثهم عندما استمعوا إلى بيجاد: -يالة ياشباب العشا، عايز ارجع بيتنا بقى. خطى عز إليه وترك أوس وفارس وجواد.
-فارس عايز منك تراجع الملفات اللي بعتهالك، وشوف عرض كويس للصفقة الجديدة، وبالنسبة للمستشفى، اتصل بالصيدلة العامة وشوف ايه الأدوية اللي فيها عجز
اومأ له ثم نهض
-هنتعشى واشوفهم حاضر. رمق جواد الجالس
-ايه مش هتتعشى معانا
نصب عوده متوقفا بوصول هنا إليهم
-مساء الخير!
أطلق فارس صفيرا
-ايه يابت الحلى دا، تصدقي معرفتكيش، لا تربيتي نفعت يابت
رمقه جواد بنظرة حادة ثم ربت على كتفه بقوة.
-روح اتعشى يابغل. ابتسم أوس يبسط كفيه إلى هنا
-حلو قوي ياصغنن
-حبيبي ياآبية أوس
-حبك برص ياختي، ايه اجبلك شجرة وعصير
لكمه أوس وابتسم إليها: -بس يالا، هنا اختي الصغيرة، رفع ذقنها ينظر إلى عيناها
-مبروك ياهنون، وأهم من لبس الحجاب أننا نعمل بيه، فرحتلك يابنت عمي، ربنا يثبت عليه
-مرسي ياآبيه!
لف فارس ذراعه حول كتفها وهز رأسه يشير بسبباته قائلًا: -سؤال عميق ياهنون نفسي اعرف أجابته، طبعا احنا اتصالحنا مش صح، لسة زعلانة مش مهم المهم، ليه مفيش غير أوس وعز وجاسر اللي بيتقولهم أبيه، وانا والولد المتلقح جنبك دا. ايه ولاد البطة السودا
دفعه جواد بعيدًا عنها: -ماتتلم ياحلوف، مالك فيه ايه، انت ازاي تمسكها كدا، وبعدين في واحدة هتقول لجوزها آبيه، إنما انت معرفش يمكن شافتك عيل متستهلش.
قهقه فارس متراجعًا للخلف
-ماشي ياسي جوزها، الله يرحم لما كنت بتقولها امشي يابت من هنا
أطبق على رسغها وتحرك جهة سيارته يسب فارس، الذي تحرك خلفهم ومازال يضحك
-رايح فين يامعلم، اوعى ليكون عازم البت على العشاء علشان تنفرد بيها وهي هبلة مابتصدق
استدار جواد إليه
-فارس الموضوع مابقاش فيه هزار خلاص، هنا هتكون مراتي.
اقترب منه وابتسامة خلابة على وجهه
-مبروك ياجواد اكيد بهزر معاك، انا مقصدش حاجة.
ربت جواد على كتفه وأكد على حديثه: -الموضوع مبقاش ينفع للهزار. نظر إلى هنا التي ابتعدت إلى سيارة جواد وأردف: -البت دي بتحبك فعلًا، اتمنى تقدر حبها وربنا يسعدكم يارب
تحرك جواد مبتسما وهو يردف: -وأنا كمان حبيتها يافارس، وقعتني المجنونة
-آسف على اللي حصل الصبح، واكدتلي انك خايف عليها
ظل واقفًا ينظر لمغادرتهم وهو يضع كفوفه بجيب بنطاله إلى أن اختفو من أمامه، استدار إلى اوس وجده غادر المكان.
وصل إلى مائدة الطعام
-فين جاسر وجنى؟
جذب فارس مقعده وجلس بجوار أوس قائلًا: -مش عايزين يتعشوا معانا
زوى مابين حاجبيه متسائلاً: -يعني ايه؟
ابتسم بيجاد وهو ينظر لجواد
-عندهم درس أخلاقي ياحج صهيب. هي دي عايزة سؤال
قهقه فارس يرمق والده بغمزة
-درس القيم والأخلاق دا عايز مجهود جبار
ارتفعت ضحكات بيجاد: -انا شمتان ياجدع من اختراق قوانين حمايا. اقولك حاجة ياعمو صهيب
-قول يافالح. قالها صهيب متهكمًا.
ضغط على شفتيه متمتمًا
-شامم ريحة تريقة
ارتشف عز من كوبه واجابه
-هي التريقة بقت تتشم يابني
رفع حاجبه ساخرًا: -وهو الميت بيرجع تاني. دا احنا جيل الانفلات في كل حاجة حتى الموت. يالهوي مبقاش فيا عقل كله كوم وحماتي الجميلة كوم تاني
صمت بعدما وجد نظرات جواد فأردف
-بس مقولتش ياابو الجود اول درس في القيم والأخلاق بيدعو إلى ايه.
منع عز ضحكاته وهو ينظر لصحنه بينما أفلت فارس ضحكة قائلا: -إزاي تتعلم الانحراف على أصوله
ونقطة من اول السطر. يعني مثلا ازاي تسمع اغاني عبده موته
ولا مهرجانات محمد رمضان وانت منكشح ولا رقصات السيدة الفاضلة لويندا وصفينار. ولا
-اخرص ياله واطفح وانت ساكت
قالها جواد بغضب ثم ألقى محرمته ونهض من مكانه قائلاً: -على اخر الزمن اقعد اكل مع شوية منفلتين. تحرك يقطع بخطوايه الأرض. فاتجه صهيب متسائلًا: -عمك ماله؟
وضع بيجاد زيتونة بفمه وصاح على جواد: -حمايا انت محتاج محامي اسرة، ولا شكلك بايع وهتخلع وتريح نفسك
استدار إليه جواد ثم أشار إليه، حمحم بيجاد وتوقف يهز رأسه بابتسامة: -حضرتك عارف انا بهزر صح
جذبه من عنقه ودلف به لداخل المكتب
-اخرص ياحلوف شوية واسمعني، عند غزل مبحبش الهزار، واتنيل اقعد واسمعني كويس وبطل سخافة
-سيب غنى معانا الايام دي، هي مش هترتاح هناك ولا غزل كمان.
-انا مسافر ياعمو مينفعش اسيبها، توقف جواد وجلس بمقابلته: -اسمعني يابيجاد عمري ماوقفت في قرار، بالعكس كنت بدعمك، لكن المرة دي لازم تدعمني، كفاية عليا قلقي على جاسر، لازم كلهم يكونوا قدام عيوني
صمت لبعض الدقائق ثم اجابه
- حاضر ياعمو، بس خلي بالك من الولاد، انا بكون قلقان عليهم
ربت جواد على ساقيه قائلًا: -بتوصيني على بنتي واحفادي يابيجاد
هز رأسه بالنفي: -مش قصدي ياعمو قصدي بخاف عليهم وهم بعيد عني.
نصب عوده وتوقف متجهًا للخارج: -متخفش يابيجاد دول روحي
صعد إلى جناحه وجد غزل تخرج من الحمام متجهة لمرآة الزينة، تحرك دون حديث يجذب منامته واتجه لغرفة أخرى
ظلت تراقبه بعيناها الحزينة، لأول مرة منذ زواجهم يحدث خلاف بينهم. ظلت لبعض الوقت جالسة ظنا أنه سيخرج لينام على فراشه، توقفت بعد فترة طويلة وفتحت الباب تبحث عنه وجدته ينهي صلاة القيام، ظل لبعض الوقت على سجادته يقرأ قرآن.
تحركت إلى أن وصلت إليه ثم جلست بجواره تنظر إليه بصمت، توقف واتجه يضع مصحفه بمكانه، ثم اتجه لفراشه يجذب مفرشه ليتسطح عليه
ظلت لدقائق واقفة تنظر إليه بقلب يئن المًا، ثم تحركت إليه مسدت على خصلاته
-جواد انا آسفة!
-وأنا مش قابل اسفك. أنتِ مغلطيش في حاجة سهلة، قومي روحي اوضتك عايز انام، ولا روحي كملي قعدتك مع ابنك اللي مفكراه لسة طفل وقاعدة معاه عريان
ضحك قلبها من غيرة زوجها.
-غيران من ابنك ياجواد. نظر إليها يريد عقابها على كلماتها التي تؤلم قلبه. ولكنه سحب بصره بعيدا عنها، ظلت تنظر إليه بصمت ثم استدارت وتحركت دون حديث: اعتدل يجلس على الفراش يمسح وجهه بغضب، لأول مرة ينفصل فراشهما، غضب منها ومن نفسه ومن الظروف التي اوصلتهم لتلك الحالة.
دقائق مرت عليه وهو يشعر بالاختناق، يود لو يخرج يضمها لأحضانه ويعاقبها على ماتفوهت به. قطع حديثه صوت موسيقى بالخارج، نهض من مكانه وخرج وجدها تقف بالغرفة ترتدي تلك البدلة التي مرت عليها الكثير من السنوات دون أن ترتديها. نظر إليها بذهول وهو تتمايل بجسدها أمامه بإغراء وتردد خلف الأغنية. خطت باغراء إلى أن وصلت إليه تجذبه ثم عانقت رقبته وتوقفت على أصابع أقدامها تهمس بجوار أذنيه: -متفكرش كتير ياجود، انا مش هتنازل عن حضنك حتى لو اضطريت اعملك عجين الفلاحة ودلوقتي عايزاك تستمتع بغزالتك زي زمان وبس.
طبعت قبلة على وجنتيه ثم اقتربت لشفتيه هامسة
-تقعد وتتفرج وبس، وانسى انك تخرج من جنب السرير دا علشان عقابي وحش اوي ياحضرة اللوا. قالتها واستدارت ترفع صوت هاتفها وبدأت تتمايل برشاقة ورغم مرور السنوات إلا أنها ستظل غزالة الجواد. وبحركاتها وشقاوتها تعلم كيف اخراج حزنه منها
ظل متصنم بمكانه غير مستوعب ما تفعله مجنونته، وخاصة عندما سحبته ودفعته ليجلس فوق فراشه وتكمل وصلة رقصها.
جلس وعيناه تراقب حركاتها الأنثوية المجنونة، التي كادت أن تذهب عقله، بعد فترة قصيرة توقفت عن الرقص تضع كفيها على صدرها تشعر بالألم. انتفض من مكانه إليها
-غزل مالك!
تراجعت تسحب أنفاسها بصعوبة حتى شُحب لونها، اسرع إلى علاجها، واعطها دوائها. ضمها بقوة لأحضانه يفرك بكفيها مرة ويمسد على وجهها مرة لتعود إليها الدموية. ضمها بقوة لصدره: -ينفع كدا عايزة تموتي، اتجننتي اعمل فيكي ايه!
أغمضت عيناها بأرهاق وهمست بصوت مجهد: -عايزة اصالحك، انت زعلان مني. قالت كلماتها بصوت متقطع
تمدد يضمها لأحضانه يمسد على خصلاتها، وانسابت عبراته رغمًا عنه عندما شعر بفقدانها فأردف قائلًا: -نامي حبيبي بطلي كلام، بعدين نتكلم
ذهبت بالنوم بسب دوائها، ظل بجوارها يطالعها بقلب متلهف هامسًا لنفسه.
-مجنون ياجواد، هانت عليك علشان تزعلها كدا، كنت هتكون مبسوط لو حصلها حاجة. هنا فقد عقله وهو يشهق ببكاء يضمها بقوة وكأنها ستختفي من حياته، تمتمت اسمه بنومها، قبلها يهمس لها
-انا جنبك ياروحي، اوعدك حبيبة جود عمري ماازعلك تاني. أغمضت عيناها مبتسمة وكأنه يراودها أحلامها
بغرفة ياسين
كانت تعمل على حاسوبها، فاستدار يعانقها من الخلف
-لسة قدامك كتير، رفعت رأسها إليه وابتسمت.
-عشر دقايق، اسجل دول، علشان جنى عايزة تقفل الشهر القديم
جذب المقعد وجلس بجوارها: -لولو احكي لي عن شغلكم دا، عايز افهم موضعك مع جنى ازاي، يعني انت موظفة براتب عندها ولا ايه
ملس على شعرها ثم ضم وجهها واقترب يحتضن ثغرها
-عارف انشغلت عنك، بس انا محبتش ادخل في حياتك العملية، وقولت لو عايزة تحكي اكيد هتقولي، بس شايف شغلك بقى كتير وراسيل محتاجة وقت اكتر.
أغلقت الجهاز بعدما استمعت إلى صوته الحاني ثم توقفت وجلست على ساقيه تحاوط عنقه: -ياسين عايزة اعترفلك بحاجة. ابتسم من جرئتها ولملم شعرها على جنب يقبل عنقها لتسري بجسدها تيار كهربائي أفقدها اتزانها ناهيك عن وضعهما الذي تجرأت عليه ليضع رأسه بعنقه يتلاعب بجسدها الناعم فقدها السيطرة والانسياق خلف مشاعرها هامسًا بصوته الأجش: -سامعك ياروح ياسين!
أغمضت عيناها متأثرة بتلك المشاعر الجميلة التي يغدقها بها، رفع رأسه عندما وجد صمتها واحتضنها بعيناها مردفا بصوت مبحوح من كثرة مشاعره التي سيطرت عليه
-ساكتة ليه حبيبي
انحنت تضع جبينها على خاصته
-بحبك قوي ياياسين، فوق ماتتخيل وبتوحشني قوي وانت في الشغل
هنا صمتت الألسنة وارتفعت دقات القلوب ليقف يحملها بين ساعديه وهو ينثر ترانيمه فوق ثغرها ليفصلها قائلا.
-عايز أقولك قد ايه بحبك يالولو، واعرفك إن جوزك مغرم بيكِ فوق ماعقلك وقلبك يتخيل، بس دا مينفعش كلام حبيبتي
بمنزل صهيب
ساعدها بالجلوس وبدأ يطعمها
-انا حجزت من الاسبوع الجاي هنسافر، مش عايز اعتراض لو فعلا بتحبيني
بالأعلى اعتدلت بكسل وهو يحاوطها بذراعيه
-حبيبي قومي ياله. بدأ يطعمها ثم أعطاها دوائها، وضعت رأسها على كتفه تهمس له.
-صهيب ممكن تزهق مني صح. اعدل رأسها يطالعها بذهول: -ايه اللي بتقوليه دا يانهى، بعد السنين دي كلها جاية تسألي السؤال العبيط دا
ضم وجهها ثم طبع قبلة حانية على جبينها
-إنتِ حبيبة عمري وام اولادي، أنتِ الشمعة اللي نورت دنيتي بعد ماكانت سواد، بعشق كل حاجة فيكي، أخص عليكي جاية بعد السنين دي كلها تقولي ازهق منك.
اقترب يلثم خاصتها بكل عشق بقلبه يعاقبها على كلماتها، ويدفيها بحنان عشقه. بعد فترة جلس بجوارها يتعمق بالنظر إلى جسدها الذي ضعف وهزل. ضم كفيها يحتويها بحنان وانسابت عبراته يهمس لنفسه
-آسف ياروحي، ازاي مقدرتش اخد بالي منك ياحبيبة قلبي.
استمع الى طرقات على باب الغرفة، دثرها بالغطاء ثم اتجه يعدل ثيابه واتجه يفتح الباب وجد عز متوقف أمامه وعيناه متحجرة بالدموع
شهقة خرجت من فمه قائلًا: -ماما مريضة بكانسر يابابا. ماما بقالها سنة بتعاني لوحدها
خرج صهيب وأغلق الباب خلفه، يجذب ذراعه: -مالك يالا ماتثبت كدا، ايه اومال سبت لجنى ايه!
ألقى نفسه بأحضان والده
-ماما هتموت يابابا!
انسابت دموع صهيب، يربت على ظهره: -لا ياحبيبي، ماما هتبقى كويسة.
أخرجه من أحضانه يحتضن وجهه
-عز اجمد انا محتاج راجل جنبي، محتاج اللي يقويني مش راجل يقف ويعيط، اومال انا كنت بخلفكوا ليه
استمعوا الى صوت فارس وهو يصعد الدرج يدندن. توقف يوزع نظراته بينهما ثم هتف: -مالكم واقفين كدا ليه، زي اللي سارقين وخايفين حد يشوفكم
رمق صهيب عز بنظرة علم مضمونها
ثم هتف ؛
-ايه اللي بتقوله دا يامتخلف، سرقة ايه. اقترب من عز عندما لمح دموعه
-عز إنت كنت بتعيط!
هز عز رأسه بالنفي واتجه متحركًا لغرفته دون حديث، دلف غرفته نهضت ربى إليه: -عز والله كنت ناوية اقولك بس طنط نهى اللي منعتني، والله حاولت ياعز
جلس على الفراش بكتفين مهتدلين ونزل بنظراته للأسفل وحزن العالم بداخله كاد أن يدخله للجحيم
جلست بجواره ثم رفعت ذراعيها تجذبه لأحضانها
-حبيبي أنا آسفة، تمدد على فراشه جلست بجواره تمسد على خصلاته
-عز ماتخوفنيش عليك لو سمحت.
نزعت روبها وتمددت بجواره. ظلت لبعض الوقت صامت ثم اقتربت تهمس له: -زيزو وحشتني، انت ناسي أنا بتوحم ولا ايه
رفع عيناه و رسم ابتسامة يجذب رأسها على صدره: -حبيبي المؤدب اللي بيفكر يخرجني من حزني. رفعت رأسها واقتربت منه
-لا ياحبيبي اخرجك ايه. لمست خاصته تهمس له
-هو انا ماقولتلكش. ضغط على خصرها يغمز إليها
-لا مقولتيش ياروحي. طبعت قبلة سطحية على شفتيه وهمست له
-بتوحم عليك يازيزو، عايزة انام في حضنك بس.
قهقه عليها، ودفعها لتسقط على ظهرها يحاوطها بذراعيه: -وياترى الحضن دا برئ ولا لا
داعبت ذقنه بأناملها الرقيقة تهمس له
-اكيد بريئ ياروحي، ومحترم كمان ماانا عارفة زيزو حبيبى محترم، بدليل ابنك التالت اللي جاي في الطريق
قهقه عليها يضع رأسه بصدرها
-اعمل فيكي ايه يامجنونة
-بوسني. اعتدل ينظر إليها بذهول
-ايه الانفلات دا يابت ياروبي
جذبت عنقه واردفت بدلال أنثوي.
-ايه ياحبيبي هو لما احب جوزي يبقى انفلات، اومال لو طلبت حاجة تانية
ارتفعت ضحكاته يضرب كفيه ببعضهما
لا دا بقى انفلات رسمي ياحبيبي. قالها وهو يهجم على ثغرها ليذهب بها إلى جنة عشقه يغدقها بترانيم عشقه
صباح اليوم التالي.
فتح عيناه على ضوء الشمس الذي تسلل من النافذة، رفع كفيه يرفع خصلاتها التي أخفت وجهها، ورفعها من فوق صدره بهدوء، ثم جذب جهاز التحكم ليغلق ستائر الغرفة لتصبح مظلمة سوى من ذاك الخافت من آثار شموع الأمس
استدار يجذبها مرة أخرى لتغفو فوق صدره. تململت بنومها
-صباح الخير حبيبي. التقط كرزيتها
صباح الورد ياروح حبيبك. تمسحت بصدره العاري تستنشق رائحته بوله
-ربنا مايحرمني من الريحة دي ابدا ياجاسر.
رفعها من خصرها حتى أصبحت فوقه يحاوطه بذراعيه
-ولامنك يانبض جاسر، عاملة ايه دلوقتي ياقلبي لسة حاسة بتعب
دفنت رأسها بصدره تهرب من نظراته واجابته
-عادي حبيبي، متنساش الحمل لسة في أوله وكنت خايفة على البيبي، رفعت رأسها تمرر أناملها على وجنتيه
-مش زعلان مني صح
-زعلان! ايه اللي بتقوليه دا يامجنونة، انزلها بهدوء يضع كفيه على بطنها
-أنا كمان كنت خايف قوي على حبيبة بابا
رفعت حاجبها ساخرة.
-حبيبة بابا، لا والله، اومال انا ايه أن شاءالله، وبعدين انت خلاص خليتها حبيبة بابا. لكمته بصدره
-وسع كدا، قال حبيبة بابا، وكنان برضو حبيبي اكتر منك
لم تكمل حديثها إذ وجدت نفسها باسفله يحاصرها بذراعه
-كنان مين يابت اللي حبيبك احنا هنهبل بالكلام، أشارت بسبباتها محذرة إياه: -ابعد عني هضربك وسع كدا
ارتفعت ضحكاته: -غيرانة من بنتك يامجنونة.
-لا مش غيرانة مضايقة منك ومتسألش ليه. وبعدين ماانت غيران من كنان.
اعتدل جالسا يجذب كفيها: -بطلي جنان، انا برد على هبلك. صمتت ثم اتجهت إليه
-تفتكر ممكن اغير من بنتي بجد
جحظت عيناه ينظر إليها بذهول
-اكيد اتجننتي صح، فيه حد يغير من بنته
-بجد ياجاسر، يعني انا هكون ام كويسة، انا لسة متعملتش مع كنان، طنط غزل يعتبر هي اللي ربته
-احسن!
رمقته بنظرة نارية مردفة
-ليه أن شاءالله. رفعها على ساقيه
-علشان مش عايزك تتعلقي بحد غيري.
انا وبس، وماما كمان هتعرف تربيه أما أنتِ ياروحي ماشاء الله هطلعيه فاشل
حاوطت عنقه وافلتت ضحكات مرتفعة تهز رأسها.
-اه والله كنت هدلعه، دا انا كل مااشوفه لازم اكل خدوده، لدرجة عمو جواد اخده مني وبيقولي أنتِ بتشفطي الواد مفكراه شوربة
قهقه جاسر عليها حتى أدمعت عيناه
-بابا دا مالوش حل، وبعدين ياغبية براحة على الواد هتعلميه قلة الأدب
وانا بقول طول اليوم قاعد مع راسيل وكل شوية بابي رايح العب مع راسيل.
لكمته بصدره: -بس ياجاسر، عيب وبعدين راسيل اكبر منه هي ومسك، ماشفتش أيهم عامل حصار على راسيل وكل شوية يضرب كنان علشان راسيل بتبوسه
-ابن الصايع سايب البنات تبوسه
استمعوا الى طرقات على باب الغرفة
-بابي افتح باب انا كنان، افتح باب
نهض يجذب تي شيرته ثم اتجه بنظره إليها البسي الروب مينفعش تقعدي قدامه كدا، دا ممكن يفضحك. الواد دا بيجي على السيرة ولا ايه
ابتسمت تجذب روبها ترتديه، فتح الباب ودلف.
-يووووه دا كله افتح باب، تعالي ياراسيل اعرفك ببابي
دلفت راسيل تنظر لجاسر بصمت، جلس على عقبيه يشير إليها بالقرب
تحركت إلى أن أصبحت باحضانه، قبلها على وجنتيها. ثم رفع نظرة إلى مربيتهما روحي وانا ههتم بيهم
هزت رأسها وتحركت بينما هو نظر إلى راسيل
-إنتِ عرفاني ياراسو
اومأت له قائلة: -عمو جاسر، اخو دادي. طبع قبلة مرة أخرى
-ياقلبي انتِ على دادي. سحب كفيها واتجه للداخل وجد كنان يبحث بالثلاجة على الشيكولاته.
-بدور على ايه يانصة!
-بابي هنا كان فيه تشكوليت، عايزة اديها راسيل
غمز جاسر لجنى متذكر ليلة الأمس عندما كان يطعمها الشيكولاته فاقترب من ابنه
-القطة اكلتها، هجبلك غيرها
-خلاص بقى ياكينو انا قولت لك مابحبهاش. قالتها راسيل
هز رأسه ومط شفتيه بحزن
-لا سفيان يدي راسيل تشكوليت اكتر من كنان، قصي كمان.
امسك بنطال والده
-بابي بابي روح هات تشكوليت عايز ادي راسيل قبلهم كلهم.
تخصر جاسر قائلًا: -نعم يااخويا، اروح اجبلك تشكوليت لراسيل، مكنش نقصني غير حب الحفاضات كمان، دا كنت امبارح بغيرلك الحفاضة انت بتحب يابن جاسر على قفى ابوك
ارتفعت ضحكات جنى بينما كنان ينظر إلى والده بدون فهم فهز كتفه إلى راسيل
-بابي بيضحك ليه
هزت كتفها هي الأخرى
ارجع خصلاته للخلف فجلس أمام راسيل قائلاً: -هتخلي عيال العيلة يموتوا بعض عليكي ياأم عيون خضرا انت
حاوطت عنقه ثم طبعت قبلة على وجنتيه.
-عمو جاسر هيلعب معانا في الحديقة
لمس وجنتيها ينظر إلى جنى
-البت بتغريني علشان العب معاهم
نهضت جنى واتجهت إليها تقبل يديها
-روحو لناني ياقلبي هتلعب معاكم، عمو جاسر مسافر كمان شوية، ولما يرجع هيلعب كتير مع راسيل وكنان
-حاضر. ياله ياكينو
-بابي هي قطة تاكل تشكوليت
أشار عليه ينظر إلى جنى
-ابنك دا هيطلع حلوف. انحنى ينظر إليه.
-اه قطة بس ضخمة. امشي يانصة من قدامي. مط شفتيه يهز رأسه بالنفي. حزن داخله فجذبه من كفيه الصغير ينظر إليه كانه نسخة مصغرة منه فأردف
-لا امك كانت بتحبني بتحبني واهو باين عليك يابن جاسر. قبل وجنتيه مردفًا: -هجبلك تشكوليت كتييير قد البحر حبيبي ياله روح ألعب مع سفيان وأيهم وقصي حبيبي، وراسيل تلعب مع مسك وجنة ماينفعش تلعب مع البنات تمام يابطل
-اوكيه بابي. قالها وتحرك سريعًا.
بعد اسبوع يقف فوق الجبل يراقب بجهازه ويستمع لما يدور
امسك جهازه وهتف لأحد الضباط
بالمعلومات التي استمع اليها، استمع الى هاتفه
-جاسر ارجع البيت بسرعة، عزيز بعت ناس تشوفك في البيت ولا لا
جمع اشيائه وتحرك بالسيارة وعاد خلال دقائق. سحب نفسًا وأخرج بعض الصور التي التقطها يحملها على جهازه وارسلها إلى باسم ثم قام بحرقها
استمع الى طرقات على باب الغرفة، دخل أحدهم متسائلا
-عايز حاجة ياغريب
اجابه قائلا.
-لا شكرا. فين عزيز والحج تميمي
-منعرفش راحو فين
اومأ دون حديث، وصلت إليه سمارة بفنجان قهوته
-غريب عملت لك القهوة. رفع رأسه إلى سمر التي هزت راسها بالرفض
ابتسم لها وهو يجذب منها الفنجان بايد ويجذبها بكفه الآخر متحدثا
-زعلان منك ياسمورة، من وقت ماعرفتي التحليل وأنتِ بتبعدي عني ايه ماوحشتكيش
دنت تتلاعب بقميصه تنظر لرماديته.
-آسفة ياغريب عارفة انك هتزعل، بس لو بتحبني بجد لازم تروح للدكتور دا وانا حجزت لك عنده بس من غير ماتقول لحد
وضع القهوة على المنضدة وأمسك كفيها الذي تتلاعب بزر قميصه واجلسها على المقعد
-حاضر، هروح واعملك كل اللي انتِ عايزاه. امسك الفنجان
-خدي ياروحي اشربي شوية منه علشان اشرب مكانك نهضت منتفضة عندما سقط الفنجان على ساقيها نصرخ
-اه اتحرقت. ينفع كدا.
نظر إليها بتشفي ورسم الصدمة، ثم اقترب وهي ترفع فستانها لترى الحرق
استدار متحرك للخارج يسبها
-حقيرة. وصل إلى سمر
-القهوة كان فيها ايه. هزت رأسها وأجابته
-معرفش، شوفتها بتحط حاجة فيها قولت انبهك، تفتكر شكو انك مبتاخدش العلاج
خرجت سمارة تنظر إليهم ثم اردفت
-كدا رجلي اتحرقت
-ألف سلامة، شوفي تلج حطيه عليها
مرت عدة أيام أخرى إلى أن جاء اليوم الذي انتظره الجميع.
حاصرت قوات الشرطة تلك العملية التي كانت تقوم بتبديل السموم بالنقود
قامت الشرطة بالقبض على الجميع ولكن لم يكن بينهم عزيز
كان بمكتبه يهتف كالمجنون
-يعني ايه ابويا وخالي اتقبض عليهم انت اتجننت
-والله ياعزيز بيه فجأة لقينا الشرطة والضرب من كل حتة، انا هربت والبوليس بيجري ورايا. وغريب يابيه طلع معاهم
-غريب!
اه صرخ كالمجنون وهو يتذكر حديثه لوالده منذ عدة أيام
-أنا مش مرتاح لغريب يابابا، الواد بقت نظراته تخوف.
نفث الجيار سيجاره واردف: -خلي سمارة تزود جرعة الهيروين شوية، احنا خلاص بعد العملية لازم نبعته لابوه جثة قبل مانسافر
-وليه جثة ياهادي، بالعكس أنا عايز ابعته وهو مدمن وبيموت على شمة
-
قهقهو الاثنين غافلين عن أعين يحيى الذي كور قبضته من حديثهما، فأردف عزيز: -هي بتحطها في القهوة دلوقتي عايز بعد كدا يشمها باي طريقة الواد دا لازم اخلص منه
خرج من شروده على دفع جاسر الباب بقدمه.
-عزيز ياعزيز فينك ياراجل ازاي تسبهم كدا لوحدهم
-هشرب من دمك ياحقيير قالها وهو يرفع سلاحه الذي ركله جاسر بخفة بعيد عنه ثم رفعه من عنقه حتى كاد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة. ألقاه على الأرض يركله بكل اعضائه حتى انهك وهوى على المقعد
دلف يحيى إليه
-جاسر بلاش اللي ناوي تعمله. نزل بركبتيه يجذبه من خصلاته ويخرج ذاك الكيس من جيببه ثم انزل رأسه يفركها بتلك الورقه
-شم واشبع ياحيوان علشان تدوق من اللي بدوقه للناس.
-جاسر، أشار له بسبباته وصاح بغضب
-اخرص. جذبه من تلابيه واقفه يمسك تلك القداحة ينظر إليه بخبث
-أنا عايز احرقك صدقني، بس للأسف مينفعش، لانك حيوان حقير متستهلش اضيع نفسي علشان. رفع القداحة وقام بإشعال خصلاته
-صرخ عزيز، إلى أن وصل إليه يحيى بالمنشفة يطفأ رأسه
جلس جاسر يشعل سيجاره، يضع ساقا فوق الأخرى
- ثم ألقى إلى يحيى القيود الحديدية
-لبسه شبكته وخده من قدامي بدل ماأموته.
جاسر. التفت وجد سمارة تشير إليه بالسلاح
-هموتك لو مسبتش عزيز، سيبه. نظر يحيى بذهول إلى سلاحها الذي وجهته على جاسر
-سمارة ابعدي بالمسدس، مالكيش دعوة انتِ، أطلقت طلقة على ساق يحيى
-اه ياخاين لازم اموتكم. لحظات واستمع إلى طلقة إصابتها لتسقط قتيلة أمامهم التفت جاسر للذي اطلق رصاصته. وجدها سمر. صرخ عزيز مهرولا إليها
-سمارة. ظل يصرخ ويبكي بصوت مرتفع. أشار جاسر إلى يحيى الذي ضمته سمر عندما بكت.
-انت كويس، اومأ لها فنظرت إليها قتلتها. انا قتلتها
حاول تهدئتها. توقف عزيز وحاول الانقضاض عليها
-حقيرة، هقتلكم كلكم. هقتلكم
-بس يالا. مش عايز اسمع صوتك المزعج دا. قول كلام على قدك.
أشار للأمين الشرطة
-خده من قدامي بدل مااقوم اولع فيه الحقير
بشركة الألفي
دلفت تلك الجميلة
-حضرتك انا جوان يوسف العوضي
-اسمك جوان ودا من ايه
رفعت حاجبها مستغربة طريقته ثم هتفت: -حضرتك الباشمهندس عز هو اللي عيني بناء على شهادتي.
-طيب يااهداف هتقوليلي قصة حياتك
روحي هاتي الايميل من سمر
-تمام يامستر. قالتها وتحركت. نظر إلى تحركها يتمتم
-هي قالت لي مستر ولا أنا اللي اتخيلت، عادت بعد دقائق معدودة وقامت بطرق الباب ثم دلفت:
مستر فارس دا الايميل اللي وصل الصبح والباشمهندس عز طلب من حضرتك لازم تشوفه
حاول تمالك غضبه من تلك الغبية فأشار بيديه دون حديث: تحركت بخطواتها الهادئة، ووضعت تلك الورقة أمامه. لحظات ثم رفع عيناه عن الورقة.
-خديه ل أوس يراجعه وبعد كدا هاتيه
-تمام يامستر. ألقى القلم بغضب
-هو انتِ عندك كام سنة يااستاذة معرفش اسمك ايه
-جوان يامستر!
-يابنتي انا مش في حصة انجليزي اقسم بالله. روحي لمستر عز
جز على أسنانه يشير إليها بغضب
-اطلعي برة حفظتيني مستر
تحركت سريعا للخارج وتحجب دموعها ولم ترى أمامها وإذ بها تنصدم بأحد الموظفين بالشركة حتى كادت أن تسقط لولا أن امسكها بذراعيه.
أطلق فارس ضحكة ثم هتف: -إنت عمية وغبية كمان. استدارت ترمقه بنظرات لم يعلم مداها، لحظات من النظرات بينهما ثم سحبت بصرها وتحركت إلى مكتب أوس وبيديها ورقتين
-دا الايميل يافندم، ودي استقالتي
رفع نظره من فوق جهازه
-استقالة هو أنتِ لحقني ولا ايه
انسابت دموعها
-آسفة. توقف أوس ينظر إليها بتقييم
-اقعدي ياجوان، احكي لي ايه اللي حصل معاكي
قصت له ماصار. قام بتمزيق الورقة وأشار إليها
-روحي شوفي شغلك فارس بيحب يهزر.
بعد عدة أيام. قام جواد بإعداد حفلة للاعلان عن رجوع جاسر
دلف جواد إلى زوجته وجدها أنهت زينتها
-طول عمرك ملكة متوجة يازوزو
حاوطت عنقه مبتسمة
-طول عمرك حبيب قلبي المدلل ياجواد.
ضمها مقبلا جبينها ثم سحبها من كفيها
-ياله الناس بدأت تظهر، جهزتي شنطة السفر علشان هنسافر بعد الحفلة مع صهيب ونهى. اومأت له ثم اردفت: -ليه مش عايز حد يعرف غيرنا
-كفاية وجع للولاد ياغزل، احنا كبار ونتحمل، ومتنسيش جنى حامل لو عرفت ممكن تفقد جنينها
-حاضر ياجواد، وعد مش هعرف حد
يسلملي الفهمان. ابتسمت تحتضن ذراعيه قاىلة
-أنا أسعد واحدة في الكون دا كله النهاردة
-ربنا يديم السعادة في بيتنا حبيبي.
امنت على دعائه.
بغرفة جاسر، ساعدها بارتداء فستانها ثم أخرج من جيبه تلك العلبة يطبع قبلة سريعة على ثغرها
-الليلة دي خاصة لجاسر ياجنجون اكيد فاهمة كلامي. حاوطت جسده
-عمري كله خاص لجاسر مش الليلة بس
ابتسم برضا على حديثها ثم انحنى يهمس لها
-وجاسر وحياته كلها تحت رجل جنونته وبس، مفيش حد على الكون يقدر يبعدك عن حضني أدار جسدها.
ألبسها القلادة ثم طبع قبلة مطولة على جبينها. نظر إلى فستانها الفيروزي بتقييم وأطلق صفيرًا
-حبيبي قمر ولؤلؤة مصونة، لمعت عيناها بالسعادة ثم اقتربت إليه تطبع قبلة على وجنتيه: -شكرًا على الفستان
أشار لذراعيه لتعانقه قائلًا: -متشكرنيش دلوقتي ياحبي، أنتِ مفكرة برمي فلوس ببلاش، دا حاطط في أحجار كريمة وشوفي دي تمنها كام، كل حجر بطلب
-احجار في الفستان، هتستهبل
أشار إلى بعض الفصوص التي توضع على الصدر.
-اومال ايه دول.
لكزته ضاحكة، تهز رأسها قائلة: -هتفضل عمرك استغلالي. امال برأسه يهمس لها
-فاكرة القميص الاسود. قطبت جبينها تسأله
-أي قميص، رفع حاجبه ساخرا وأجابها غامزًا: -بتاع نفسي ارقص بس جسمي وجعني. وضعت كفيها على فمه تنظر حولها
-جاسر متهزرش، صوتك عالي. قالتها بعدما وجدت نفسهما بداخل الحفل
-وأنا سمعته أردف بها فارس الذي تألق بحُلته الكلاسيكية واقترب منهما.
-سمعت ايه يابغل. رفع جانب وجهه بشبه ابتسامة ساخرة
-مابلاش ياجوز الفنانة، ايه اسيح لك في الحفلة. طيب اسمعوا وعوا
ركله جاسر بقدمه
-امشي من هنا ياحلوف الهي توقع على جدور رقبتك، انا معرفش ساكتين عليك ليه، هشوفلك معزة واجوزهالك
رفع أكتافه بتفاخر
-بقى انا فارس صهيب الألفي اتجوز معزة، لو هتبقى شبه معزتك أنا موافق
تحرك جاسر يجذب جنى.
-تعالي يابنتي نمشي من وش الخروف دا، معرفش رمي ودنه معايا ليه. توقف متذكرًا شيئا ثم بحث بعينه عن صهيب
-هو ابوكي فين حاسس هو اللي بعتلي الحلوف اخوكي
دفنت وجهها بذراعيه تمنع ضحكاتها، عندما تذكرت ماصار بينهما. اومأ برأسه مردفًا بيقين
-أيوة دا شغل صهيب الألفي، فارس ميتجرأش غير لما يكون ابوكي وراه. اصبر عليا يا صهيب الحفلة تخلص بس
-خلاص بقى ياجاسر انسى
طالعها بصدمة.
-انسى دا نومني في الجنينة والله ابدا، كور قبضته ينظر الى فارس الذي توقف مع أحدهم
-نفسي اعرف الحلوف دا شربني ايه امبارح. رفعت أناملها تغلق زر قميصه الأبيض وجزت على اسنانها
-وأنا نفسي اعرف ليه ملبستش كرافت زيهم كلهم. ايه الحلو عجبه فتحة صدره. حاوطها بذراعيه يجذبها من خصرها بقوة يضغط عليه: -مش يمكن الاقي عروسة في الحفلة، داعبت أناملها زره وتحدثت بغنج أنثوي.
-وماله ياحبيبي من حقك طبعا أنا أقدر امنعك دا حقك، ثم رفعت ذراعيها تحاوط عنقه وتابعت حديثها بنبرة جعلته فقد سيطرته بعدما ارتفعت نبضات قلبه من حركاتها الجريئة أمام الجميع
-ومن حقي كمان ابعد عن حضنك، مش كدا ولا ايه يابن عمي، وانت اكيد عارف اني مجنونة واولع فيك وفيها. قالتها بعد دفعه واستدارت متحركة بعيد عنه تسبه.
-الراجل دا اعمل فيه دايما حارق دمي، ماشي. قالتها بغضب ولم ترى أمامها إذ بها تنصدم بليليان التي تسائلت
-عاملة ايه ياجنى
-كويسة حبيبتي. ابتسمت قائلة
-فرحت قوي علشان رجوع جاسر
-ميرسي يالي لي. إنما قوليلي هو انت ماتخطبيش.
هزت راسها تبحث عن ياسين بكل مكان، حاوطتها جنى بنظراتها فأردفت
-خسارة. احنا كلنا الحمد لله اتجوزنا حتى هنا هتتجوز جواد قريب مع تقى ومالك، وياسين. نظرت منتظرة حديثها بلهفة فتابعت.
-بيعشق مراته يالي لي عقبالك انت كمان اكيد فاهمة كلامي
عند فارس
امسك كوب عصيره وتحرك بالحفل يراقب الجميع بابتسامة بلهاء يهمس لنفسه
-دنيا كلها مظاهر، ممكن تلاقي الست وجوزها مدين بعض علقة وجاين هنا عاملين ولاد بشوات
-بتكلم نفسك اتجننت!
ارتشف من كوبه وأشار إلى بعض السيدات التي تتمايل مع أزواجهن برقاصتهن
-بستعجب في المظاهر الطبيعية دي ياجدع.
لكزه أوس ضاحكا ثم أردف: -مظاهر طبيعية ليه الحلو بيحلم أنه قدام شلال ولا ايه
ارتشف مرة أخرى وأجابه
-ياريت. طب والله الشلال احسن على أقل مش مضطر تضحك مغصوب
-اتغيرت كتير يافارس
استدار إليه يطالعه للحظات ثم.
هتف قائلاً: -قصدك اتعلمت كتير، نزل ببصره إلى كوبه ورفعه قائلاً: -شايف لون العصير دا، لونه احمر، لو دلقته وحطيت عصير مانجا الكوباية هيتغير لونها للاصفر، ومع تغير كل لون عصير، الكوباية بتتغير، بس لما تخلص جميع انواع العصير بألوانها هتغسل الكوباية وترجع للونها الطبيعي يابن عمي هي ثابته بس اللي بيتحط فيها زي ماهو.
زينا كدا، ياما حصل حوادث ومشاكل وكل مرة نرجع نوقف، ونوقع ونقوم ولسة فينا تربيتنا، انا شوفت من جميع الألوان واتعاملت معاهم ماهم عشر سنين مش شوية، وكنت بتعامل مع كل واحد بطريقته بس لما برجع مصر، وخاصة حضن بيتي هنا برمي كل ألوان العصير وادخل بكوبايتي النضيفة. آخرة الكلام يابن عمي.
الناس بتقول على الدنيا وحشة، ابدا الكون ثابت بس الناس اللي بتتغير وكل شوية بيفقدوا حاجة من اللي اتربوا عليها. قطع حديثهم صوت أحدهما: -مساء الخير باشمهندس
اهلا استاذ محي. اتجه بنظره إلى أخته: -اهلا جوان نورتي الحفلة.
أجابته بلباقة وصوتها الهادي
-اهلا باشهمندس أوس. ثم استدارت الى فارس
-اهلا مستر فارس، صاح فارس على العامل ثم وضع كوبه يشير إلى محي وجوان.
-هات للأستاذ وتلميذة الثانوية حاجة يشربوها ثم رمق أوس يجز على أسنانه
-قولها انا باشمهندس زيك، مش مدرس عندها في الحصة، يمكن بتفهم منك. قالها وتحرك بعدما رمقها بنظرة نارية
بغرفة ياسين أنهت زينتها كان يراقبها من خلال المرآة، ثم توقف إلى أن توقف خلفها يضمها من الخلف
-اتأخرنا حبيبي الكل نزل مبقاش غيرنا
أخرجت مجوهراتها واجابته
-انزل انت حبيبي، وانا شوية وهنزل، شوف راسيل في طريقك.
طبع قبلة على وجنتيها ثم تحرك للخارج
توقفت ترتدي مجواهراتها
خرجت بعد قليل تبحث عن ياسين، استمعت إلى صوت بداخل غرفة جاسر، وكان صوت ياسين فتحت الباب وإذ بها تنصدم عندما وجدت ليليان تقبله، تراجعت تهز رأسها بعنف متراجعة للخلف سريعا وهرولت إلى غرفتها عبراتها تسبقها
هرول ياسين خلفها. عاليا استني.
دفعته تشير إليه بغضب: -اياك تقرب مني ولا تلمسني. أطبق على رسغها يجرها إلى غرفتهم ثم دفعها: -لازم تسمعيني، اللي شوفتيه دا مش زي ماعقلك مصورلك
-دنت تغرز عيناها بمقلتيه بجبروت انثى
-اللي شوفته انك واحد خاين وبس. لم يتحمل المزيد من اتهامتها التي أصبحت كالطلقات النارية فأشار إلى الباب
-اطلعي برة. جحظت عيناها من أسلوبه الفظ فاقتربت منه ولم تكترث لحديثه
-ايه وجعتك بالكلام.
-لو مخرجتيش دلوقتي مترجعيش تعيطي. بررررررة صاح بها مما جعلها تفزع من حديثه، ورغم صراخه إلا أنها جلست على الأريكة تحتضن رأسها بين راحتيها
-اوعى تفكر لما تصرخ كدا هخاف منك. فقد سيطرته وحديثها ينخر عظامه كحيوان مفترس فلم يشعر بنفسه سوى وهو يجذبها
-أنا مقربتش منها
دموع فقط والمشهد يحرق قلبها
-طلقني ياياسين انا مستحيل افضل على ذمتك ولا لحظة. انت خونتني.
تراجع مصدوم ورجفة شلت اعضائه بالكامل حتى فقد الحركة، توقف يطالعها بصمت إلى أن استدارت
-اطلع برة، مش عايزة اشوف وشك
خرج مهرولا من الغرفة كالذي يطارده جن يصفع الباب خلفه بقوة كاد أن يصم أذنيه
هوت تبكي بصوت مرتفع تحتضن نفسها إلى أن استمعت الى رنين هاتفها برقم أخيها.
-اهلا يابنت عمي. فيه فيديو حلو عايزك تشوفيه
فتحت الفيديو تنظر إلى أخيها الغافي بجوار فتاه بدون ملابس، امسك خالد هاتفه قائلا: -عارفة الفيديو دا ممكن يعمل ايه في مستقبل حضرة الظابط، اكيد عارفة
-إنت حقير وزبالة!
-اسمعيني وبطلي رغي، هتجيبي كل الفلوس والمجوهرات اللي معاكي وتنازل بكل ماتملكي وتيجي العنوان اللي هقولك عليه، اقسم بالله لو لعبتي بديلك لاقتل اخوكي واعمله فيديو محترم أنه اتقتل لأن جوز البنت قفشه معاها على السرير وبعد كدا هتشوفي هيحصلك ايه.
لحظات وجسدها ينتفض بالخوف، ارتفع بكاء طفلتها، ورغم ذاك لم تكترث لبكاؤها، انسابت عبراتها تهز رأسها بعنف حتى شعرت بتوقف قلبها، هرولت للأسفل واتجهت لغرفة مكتب جواد تدعو الله أن تجده ولكن كيف سيكون بالغرفة وهناك حفل بها بعض القامة العسكرية والأمنية
دقائق أخرى ووحد فيديو اخر بوضع اخر. هوت على الأرضية تبكي تحتضن أحشائها ثم اتجهت إلى علبة مجوهراتها وجمعت كل ماتمتلك، وأشارت إلى مربية ابنتها.
-خلي بالك منها، قالتها وتحركت إلى سيارتها
كان جاسر يتجول بين الحفل مع والده يقوم بالترحيب. بعد مكافأته على تلك القضية التي أصبحت ضجة للأعلام بكل مكان. لمح ياسين متجها إليهم بنظرات حزينة يقف بجوار والده، ولكن لاحظ جاسر العبوس بوجهه
أشار جواد إلى ياسين وعز بالتحرك للتعرف على الجميع. استدار جاسر يبحث عن جنى ولكنه لمح خروج عاليا تهرول إلى چراچ السيارات.
استقلت سيارتها وخرجت سريعا. تحرك خلفها ولكن قاطعه راكان وهو يدلف الحفل بيد ليلى
-نورت حي الألفي ياقتيل.
↚
خرجت عاليا بخطوات اقرب إلى الركض إلى سيارتها، حاصرها جاسر بنظراته، ثم التفت الى ياسين الذي يتحدث مع أحد قادته. تحرك إليها مستغربا حالتها، ولكنه اصطدم بدخول راكان البنداري الذي توقف مبتسمًا
اهلا بيك يامقتول بحي الألفي
عانقه جاسر بمحبة قائلًا: دلوقتي اقدر اقولك مرحبا راكان في حي الألفي المتواضع
رحب به جاسر متحركًا بجواره بعدما القى تحيته على زوجته
حي الألفي نور مدام ليلى.
ميرسي ياحضرة الظابط. قالتها ليلى بهدوء. أمال راكان برأسه إليها
-حبيبتي هتروحي مع جاسر عند الدكتورة. خطى إلى أن وصل إلى وقوف والده مع بعض قادة الأمن. أشار إلى غنى يهمس إليها
حبيبتي خدي مدام ليلى عند ماما وجنى، وانا عشر دقايق وراجع
شعر بأحدهم يتشبث بذراعه
-جاسر تعالى اعرفك على حضرة القاضي بدر القاضي
التفت إلى باسم يبسط كفيه إلى الشخص
-اهلا يافندم!
ابتسم بدر قائلًا: -أفندم ايه بس، مش بنا كتير، سيادة العقيد كلمني عنك كتير
ابتسم جاسر إلى باسم
-سيادة العقيد بيعزني بس، علشان كدا شايفني احسن الناس
ربت باسم على كتفه ينظر إلى بدر قائلًا: -دا ابني يابدر، قبل مايبقى تلميذين
امال جاسر يهمس له
-مابلاش تلميذك دي انا مش فاشل قوي كدا يعني
لكزه باسم يقهقه، ثم أشار إليه
-الواد دا كنا عايزين نقدمله في فنون مسرحية
جحظت أعين جاسر متجهة إلى بدر ضاحكًا.
-حضرتك عمو بيحب يتريق مش اكتر
ظل الحديث قائم على الدعابة بينهما إلى أن توقف بدر بنظراته على راكان متسائلًا: -تعرفوه. اومأ جاسر ضاحكا
-دا راكان البنداري، اكيد حضرتك تعرفه
ابتسم بدر وتذكر بعض اللقاءات بينهما فأومأ له
-فعلا اتعرفنا على بعض قريب من خلال قضية هو كان بيترافع فيها
تحرك جاسر إلى وقوف راكان بجوار والده وهمس إليه ليتحرك معتذرا متجها إلى بدر القاضي.
-اوووه بدر باشا وأنا بقول الحفلة منورة ليه. نظر جاسر بساعته فانحنى راكان غامزا إليه
- ايه حضرة المجهول منتظر حد ولا ايه
-اه، عايز أخرج عشر دقايق وراجع، وزع نظراته على الجميع، دقايق وراجع قالها ثم تحرك معتذرًا للخارج. امسكه باسم
-رايح فين بسرعة كدا؟
راجع ياعمو غطي عليا سلام
أغطي عليك، ناوي تعمل ايه يابن جواد ربنا يستر بمصايبك، بحث عن جنى ظنا أنه هرب بها ولكنه وجدها تجلس بجوار غزل وليلى. ضيق عيناه.
-الواد دا رايح يهبب ايه. رفع هاتفه سريعا
-إنت فين يابني
-قدام البوابة ياباشا. تحرك باسم إلى مكانا هادئا واردف
-جاسر هيخرج دلوقتي عايزك تكون ظله اياك يفلت منك
-علم ياباشا، زفر ممتعضا على تحركاته الغير محسوبة، اتجه إلى جواد لعله يعلم شيئا
عند جاسر
تحرك إلى سيارته سريعا يتحدث بهاتفه
-مدام عاليا روحت بيت اهلها ولا فين؟
لا ياباشا داخلة على شقة في الهرم
-الهرم.! رددها جاسر بذهول فتسائل.
ابعتلي اللوكيشن بسرعة واطلع ورا مدام عاليا متخلهاش تحس بحاجة
-تمام ياباشا. ظل يتحرك بسيارته، وهو يهتف: -ياترى رايحة فين ياعاليا
عند عاليا. طرقت الباب وتوقفت بالخارج منتظرة أن يفتح إليها الباب، ظلت لبعض الدقائق، فُتح الباب متوقفًا أمامها بجسده العاري وبيده مشروب مما حرمه الله
ابتلعت ريقها تنظر بالداخل
-فين كريم ياخالد، جبت لك الفلوس، واتنازلت لك على كل ما املك، هات الفيديو
أشار لها بالدخول.
-طب ادخلي هنتكلم على الباب.
ادخل ازاي يابني ادم انت، أشارت إليه مشمئزة
-ايه القرف دا، استر نفسك ورغم ماظنش انك تعملها
تراجعت بعيدا تصيح بغضب بعدما توقف بتلك الهيئة ينظر إلى الدرج، ثم تحدث: -تمام هلبس، جذب كنزته وارتداها ثم أشار إليها بالدخول قائلًا: عارفة لو لقيتك بتلعبي معايا هقتلك واشرب من دمك
-لا متخافش، خد حاجتك اهي وهات الفيديو وعايزة اخويا ياخالد.
-طيب ادخلي صحي العريس، ماليش دخل انا. نظرت حولها بخوف ودلفت بساقين مرتعشة بعدما تناول منها النقود والمجوهرات. تنظر حولها برعب. دفع الباب بقدمه يغلقه، مما جعل جسدها يرتجف تسائلت بتقطع بعدما فشلت بإظهار قوتها
-هو فين، اوعى تكون عملت فيه حاجة
أشار بعينيه لتلك الغرفة، لكنها توقفت تشير إليه
-ادخل صحي اخويا ياخالد، وإياكي تكون بتلعب بيا مش هرحمك
اقترب منها وشبه ابتسامة ساخرة.
-هتعملي ايه، عايز اعرف ناوية على ايه
أشارت بسبباتها: متقربش مني علشان هموتك. دفع المقعد الذي بجوارها ليختل توازنها فتسقط على المقعد، كبلها بذراعيه وضحكة شيطانية تجلت بملامحه
-اخيرًا ياعاليا، أخيرا هتكوني ليا واستمتع بجمالك. دفعته بقوة وحاولت التملص من قبضته، فركلته بمنطقته المحظورة وصرخت محاولة الخروج. بالداخل تململ كريم بنومه وأصوات متداخلة ولكن حالته لم تسمح له بالتركيز.
دفع الرجل بالخارج الباب بعدما استمع إلى صرخات عاليا بالداخل، جن خالد وحاول الحصول عليها، فهجم عليها ينزع حجابها وبدأ يلطمها بكل جزء، هرولت إلى المطبخ تبحث عن شيئًا تدافع به عن نفسها، جذبها من خصلاتها يجرها لداخل الغرفة، لمحت سكين يوضع على رخامة المطبخ، ولكنه ركلها بقوة ببطنها لتصرخ وتشعر بكم الآلام التي اخترقت جسدها، انسابت عبراتها، تستند بقوة على الرخامة بعد خروج خالد ليرى من بالخارج. أمسكت السكين وتحركت للخارج تشير بوهن.
-لو قربت مني هموتك، جز على أسنانه واقترب كالمجنون وبدأ يضربها بأبشع الطرق بعدما علم بالرجل الذي أرسله جاسر خلفها
-هموتك ياحيوانة، بتضحكي عليا، طيب شوفي هعمل ايه، أشار إلى الكاميرا المعلقة بالحائط وقام بنزع ثيابه ونظرات حيوانية وهو يفترس جسدها، اعتدلت تجذب السكين الذي سقط من يديها.
-هموتك لو قربت، حالة من الهرج والمرج بالخارج ودفع جاسر للباب في الوقت الذي عاد وعي كريم يهب من مكانه وهو يرى نفسه عاريا بالكامل بجوار تلك الفتاة الغائبة عن الوعي ويبدو أن أحدهم انتهك عرضها.
استمع لصرخات أخته بالخارج، ارتدى ثيابه سريعا، ورغم شعوره بثقل جسده إلا أنه أنهاها وخرج، بدخول جاسر والرجل، هرول جاسر عندما وجد خالد يهجم على عاليا التي لم يرف لها جفن لتغرز السكين ببطنه. توقف كريم ينظر بصدمة وكأن جسده اصابه شلل ولم يقو على الحركة، نظرات مذهولة وهو يجد أخته تتراجع بجسدها وشهقاتها ترتفع، بجذب جاسر إليه يلقيه بقوة بالجدار، رغم نزيف بطنه.
لم يشعر جاسر بوقوف كريم المصدوم، هرول إلى عاليا عندما وجد ارتجاف جسدها وصرخاتها تضع كفيها الملوث بدماء خالد على وجهها
رفعها بين يديه يحاوطها بذراعيه
-عاليا اهدي خلاص. اهدي، ولكن ازدادت صرخاتها وهي ترى الدماء بيديها. همس كريم اسم أخته كالفاقد للوعي
-عاليا. ورغم صوته الخافت إلا أنه اخترق إذن جاسر الذي استدار يطالعه بصدمة ونظرات استفهامية عن وجودهما بتلك الشقة
-صاح جاسر به حتى يفيق من صدمته.
-كريم تعالى شيل اختك مش شايف حالتها، رفع نظراته الى جاسر وكأنه لم يستمع إليه، كل مايشعر به انسحاب أنفاسه وتذكره بما اوجده هنا، ولكن آفاقه عقله عندما لمح عاليا وهي تهوى بين ذراع جاسر فاقدة للوعي
بعد فترة جلس أمام غرفة الطبيب ينتظر خروجها، دقائق وخرجت الممرضة
-المريضة اتعرضت لصدمة عنيفة الدكتورة ركبت لها محلول شوية وتفوق، سلامتها.
جلس جاسر بجواره وكأن على رأسه الطير. ظل الصمت سيد الموقف لدقائق حتى تسائل جاسر
-ايه اللي حصل، وليه كنت انت وعاليا في الشقة.
مسح على وجهه بغضب حتى كاد أن يقلع جلده، مردفًا: -نزلت من عربيتي لقيت ست عجوزة قدامي بتستند على عكازها وبتقولي ممكن تساعدني يابني اعدي الطريق، مسكت أيدها ومشيت معاها اعديها الطريق علشان تركب تاكسي من الجهة المعاكسة تروح المستشفى، وصلتها للتاكسي وبفتح لها الباب اساعدها وقتها مسحتش بنفسي، غير لما قومت وانت عارف الباقي.
توقف جاسر عندما ارتفع رنين هاتفه الذي لم ينقطع منذ وصولهم للمشفى، تحرك يرد على والده
-أيوة يابابا!
-إنت فين ياجاسر، ينفع كدا، ايه اللي بتعمله دا
-بابا أنا في المستشفى، ابتعد جواد عن غزل وحاول الثبات أمام الجميع
-ايه اللي حصل انت تعبانة
قص له ماصار، ذهب جواد ببصره سريعا الى ياسين الذي يجاور أوس وعز وعلى وجهه علامات الحزن
سحب نفسًا عميقًا وزفره بهدوء
-الولد مات ولا لسة؟
لا لسة عايش في العمليات الضربة مش هتموته
-تمام هبعتلك ياسين وانت ارجع بعد مااخوك يوصل
-حاضر!
دقائق وخرجت عاليا إلى غرفة أخرى، ظل جالسًا بالخارج
عند جواد تحرك معتذرًا، واتجه إلى ياسين، قبض على ذراعه
-تعالى عايز اتكلم معاك، ثم أشار إلى عز.
-عز هات عربيتك علشان تروح مع ابن عمك المستشفى
زوى مابين حاجبيه متسائلاً: مستشفى! ليه مين تعبان!
ربت جواد على كتفه وتحدث بهدوء.
-اسمعني كويس وعايزك ابن جواد بحق، تهدى كدا وبلاش تتسرع وتتحكم بأعصابك، اسلوب الجحلفة مش عايزه، انت مش صغير سمعتني
التفت حوله يبحث عن زوجته فأدار والده وجهه
-مش هنا، مراتك في المستشفى
-ايه مستشفى ليه؟
روح وجاسر هيفهمك، وبلاش عضلاتك دي
-جاسر!، هو ايه اللي بيحصل بالظبط
استدار سريعا واطلق العنان لساقيه ليتحرك مهرولا وتمنى أن تكون له أجنحة ليصل إليها، وصل إلى سيارة عز يفتح رابطة عنقه بغضب.
-في ايه ياياسين ومين اللي تعبان؟
اتجه ببصره يطالعه بشرود، وكأنه لا يستمع الى حديثه، ربت عز على كتفه متسائلاً: -إنت كويس!
-بابا بيقول عاليا في المستشفى، وجاسر هناك، اكيد الموضوع كبير، تفتكر ايه اللي حصل.
تحرك بالسيارة وبدأ عقله يراوده وهو يراقب الطريق مرة ووجه ياسين الذي ارتسم على ملامحه الحزن والخوف بآن واحد، وصل بعد قليل وخطوايه توازي دقات قلبه، صعد إلى الطابق المنشود. زادت دقاته بصخب وهو يرى كريم بجوار جاسر أمام غرفتها، نهض جاسر من مكانه وتحرك إلى وقوفه. أطبق على ذراعه
-اسمعها الأول واياك تتغابى سمعتني
نظراته كانت على كريم الذي يحاوط رأسه بين راحتيه، وتسائل.
-ايه اللي حصل، ثم اتجه ببصره وتعمق بالنظر إلى أخيه
-إزاي انت هنا، وليه أنا معرفش!
قبض على ذراعه بقوة: -ياسين مش وقت اسئلتك دي، مراتك تفوق وبعد كدا يبقى اسألها، انا هنا ليه علشان دا واجبي متنساش انا أخوك الكبير يلا، مالكش تحاسبني انا هنا ليه
أشار إلى كريم قائلًا: -حالته مش متحملة أي كلمة، تقعد لحد مامراتك تفوق، وانا الحفلة تنتهي وهجيب جنى ونيجي دا لو لسة عاليا متحسنتش.
تجيب جنى هو ايه اللي بيحصل وعاليا مالها
ربت على كتفه وتحدث بأسى
-ربنا يعوض عليكم حبيبي!
-يعوض علينا في أيه بالظبط انا مش فاهم
صمت جاسر عن الحديث للحظات، يحدث حاله
-ياسين مكنش يعرف إن عاليا حامل، فاق من شروده على قبض ياسين بذراعه
-عاليا مالها ياجاسر
حمحم جاسر ليتجلى صوته فأردف: -كانت حامل ياياسين والحمل نزل!
امتقع وجهه يردد حديث جاسر
-حامل وسقطت، ازاي!
رفع عيناه إلى جاسر ونظرات الحزن ترتسم بعيونه وهناك سنيورهات رسمها لنفسه بسبب رؤيتها له مع ليليان فهمس بعيناه المترجية أن ما وصل إليه من فهم لم يكن صحيحا
-عاليا سقطت الولد؟
ذهل جاسر من حديثه، اتجه ياسين بنظراته إلى كريم.
-اتصلت باخوها وجت هنا تنزل الولد علشان شافتني مع ليليان لدرجة دي
بدأ يهذي بكلماته وصدمة جاسر التي اذهلتها مما جعله يقبض على ذراعيه يهزه بعنف.
-فوق وبطل هبل، عاليا ابن عمها هجم عليها وهي ضربته بالسكين ولولا وصولي كان زمانها موتته، أدار وجهه إلى كريم وهدر به
-شوف حالة اخوها ازاي، شكل الموضوع كبير يامتخلف مش الهبل اللي بتقوله دا
ابتلع جمراته الغاضبة وهزة عنيفة أصابت جسده، وبلسان ثقيل تسائل: -تقصد ايه ياجاسر، ايه اللي جاب ابن عمها عندها
-اقعد استناها وهي تحكي لك انا لازم ارجع الحفلة دلوقتي، هشوفك بعدين.
مقدرش اتكلم في حاجة أنا معرفهاش، ياله سلام. اتجه جاسر إلى عز الذي يتحدث بهاتفه
-جنى عمال تتصل بيك مبتردش ليه
-أنا راجع وانت خد بالك من ياسين، الحفلة تخلص وهاجي على طول.
-هو ايه اللي حصل؟
تسائل بها عز. أشار بعينيه إلى كريم
-معرفش عاليا تفوق ونعرف، ياله سلام
قالها وتحرك متجها للخارج، بينما اتجه عز الى ياسين الذي توقف أمام كريم
-ايه اللي حصل ياكريم؟
فرك وجهه بغضب يهز رأسه قائلا.
-معرفش، بس شكل فيه لعبة اتعملت على عاليا وانا المقصود
ضيق ياسين عيناه مستفهمًا؟
-يعني ايه وليه اختك راحت الشقة وليه انت كنت موجود هناك وليه ضربته ياكريم صرخ بها ياسين عندما فقد وعيه. توقف عز أمامه يجز على أسنانه
-صوتك ياحضرة الظابط احنا في مستشفى، ومتنساش دي مستشفى خاصة ومش تبعنا والكاميرات في كل حتة، مسمعش صوتك غير لما مراتك تفوق، ودا لو عاقل يعني؟
دار ذهابا وإيابا بالردهة كاد أن يصاب بالجنون، لكم الحائط بعنف مما نزف كفيه، واه حارقة خرجت من جوفه
وصل جاسر إلى منزله، قابلته جنى التي توقفت تنتظره بخارج الحفل وعلى وجهها علامات القلق. اتجهت إلى سيارته عندما دلف إلى الحي، ترجل متجهًا إليها
-حبيبي واقفة كدا ليه!
-عاليا مالها ياجاسر. تحرك بها للداخل
-بعدين حبيبي، عيب بقالي فترة خارج الحفل وأكيد مش حلو في حق بابا، طبع قبلة على جبينها.
-ادخلي عند ماما دلوقتي والحفل يخلص وهنروحلهم
اومأت متفهمة ودلفت للداخل ولكن هناك مايشغل بالها، ماذا حدث، توقف جاسر بجانب والده معتذرا على خروجه. ظل لبعض الوقت إلى أن انتهى الحفل
بعد فترة جلس بغرفة مكتب والده بصحبة أوس
-متعرفش ليه راحت هناك؟
اجاب والده: -أنا معرفش لولا شوفتها وهي خارجة كان الله اعلم ايه اللي هيحصل، اومأ مفتخرًا به
-برافو عليك ياحبيبي، عايزك دايمًا كدا، عيونك على الصغير قبل الكبير.
-بابا تفتكر هددها بحاجة!
تسائل بها أوس
تراجع جواد بجسده وأجابه
-دا أكيد، انا مش خايف غير من ياسين، وزع نظراته بينهما مردفا
-حد فيكم يروح يجيبهم من المستشفى، عز مش هيقدر عليه لوحده
توقف جاسر قائلاً: -هروح أنا، علشان اخد جنى، أكيد هنحتاج واحدة معانا علشان تساعدها
أشار جواد له بالتحرك
بالاعلى بغرفة غزل
-يعني ايه ياياسمينا، ازاي دا يحصل من غير ماحد يعرف
-حاولت ياسمين التحدث معها بهدوء.
-احنا منعرفش ايه اللي حصل ياطنط، المهم تكون كويسة
ظلت تتحرك وعلامات التوتر والقلق نصيبها. بدأت تتمتم مع نفسها
-ياترى هيكون ردة فعل ياسين ايه، ربنا يستر. أشارت إلى ياسمينا
-انزلي إنتِ علشان والدتك ماتشكش في حاجة، وأنا شوية وهنزل
-حاضر، بس لو سمحتي بلاش تتعصبي، العصبية مش حلوة ابدا علشان حضرتك
-انزلي يابنتي، هما ولادي خلوا فيا عقل.
بالأسفل بالحديقة كان الجميع يجلس على تلك الطاولة بعد انتهاء الحفل ولم يتبقى سوى الأقارب، ارتفعت ضحكات ريان على حديث صهيب وهو يتذكر ظهور جاسر امامه، وكذلك شاركه بيجاد الحديث
ظل الجميع يضحكون، سوى من تلك العيون التي تبحث عن ياسين وعاليا
جذبت ربى المقعد وجلست بجوارها
-نورتي ياليليان
-ميرسي ياروبي، عاملة ايه وولادك عاملين ايه!
رسمت ابتسامة وتحدثت: -الحمد لله. حمحمت متسائلة: -عايزة ايه من ياسين ياليليان، شوفتك وأنتِ معاه. رفعت نظرها إلى والدها الذي يتحدث مع ريان ثم اتجهت إلى رُبى
-مقدرتش اعيش من غيره ياروبي
اتكأت رُبى على الطاولة وغرزت عيناها بأعين ليليان قائلة: -بس هو عاش من غيرك يالي لي، وسعيد مع مراته وعنده بنت والتاني جاي في السكة، اتمنى تبعدي عنه، ياسين مستحيل يخون مراته
سحبت كفيها تضمها وانسابت عبراتها.
-ساعديني ياروبي، أنا راضية أكون زوجة تانية بس هو يحس بيا، مش هضايق مراته، انا عرفت كمان أنه اتجوزها غصب.
-بصي ياليليان معرفش وصلك ايه، بس اخويا بيعشق مراته، دنت تهمس إليها: -مفيش حد من ولاد الألفي بيتجوز غصب عنه، دي كان مجرد مصطلح استخدمه اللي وصلك الكلام، بلاش احلامك تكبر على الفاضي، ونصيحة مني ابعدي بكرامتك حتى لو ياسين مش متجوز مستحيل يرجع لك لو هيفضل العمر من غير جواز، دا توأمي وأنا اكتر الناس اعرفه من عيونه
قالتها ونهضت من مكانها ترمقه بنظرات عتابية ثم تحركت للداخل، قابلتها والدتها
-عز كلمك!
توقفت أمام والدتها متسائلة!
-هو فين عز، سألت عليه جاسر، قالي في مشوار
ربتت غزل على كتفها وأشارت إلى غرفة راسيل
-شوفي بنت اخوكي، كانت بتعيط والناني مش عارفة تسكتها
-بتعيط! قالتها روبى بتعجب متسائلة
-ليه عاليا مش فوق. استمعت إلى الخادمة
-دكتورة، سيادة اللوا بيسأل عن حضرتك، أشارت إلى أبنتها قائلة: -روحي شوفي راسيل، وانا هودع ريان وجاية
بالمشفى وصل جاسر وجنى الى جلوس عز بجوار كريم. توقف متسائلا.
-عاليا لسة مفقتش، نهض كريم مردفًا
-هشوفها كدا، ياسين جوا
بالداخل عند ياسين
جلس بجوار فراشها على المقعد، يطالعها بصمت، هناك حرب شعواء بين عقله وقلبه، يريد عقابها بأقصى العقوبة، ولكن كيف لقلبه التمادي على من عشقها
رفرفرت أهدابها لعدة مرات متأوهة، ظل يحدجها بصمت إلى أن فتحت عيناها بالكامل
اقترب من فراشها يفترسها بملامحه الغاضبة قائلا
-حمد الله على سلامتك يامدام. همست بصوت ضعيف بين حركة الوعي واللاوعي اسمه.
-ياسين! استمع الى طرقات على باب الغرفة، فسمح بالدخول، دلف كريم بخطوات متعثرة، وعيناه على أخته
حاولت الأعتدال ولكنها تأوهت متسائلة: -ايه اللي حصل؟
تذكرت ماصار إليها، فوضعت كفيها على أحشائها تنظر إلى ياسين بدموع عيناها الحارقة
-ابني. اعتدل بوقوفه، محاولا السيطرة على أعصابه
-كريم شوف الدكتورة تطمنا على المدام علشان نمشي
-ياسين ممكن تهدى، انت مش شايف حالتها. حدجه مستنكرًا حديثه.
-اهدى، أهدى لحد امتى ممكن تقولي، اتجه بنظراته إليها
-ايه المدام مالهاش راجل علشان ترجع له ولا مفكرة نفسها مش متجوزة راجل
-ياسين لو سمحت
-كريم شوف الدكتورة، عايز امشي من المخروبة دي
انسابت دموعها على وجنتيها، فانحنى بجسده يغرز عيناه بعيناها
-ممكن اعرف بتعيطي ليه، سيبي دموعك دي لسة هتحتاجيها يامدام
دلفت جنى بعدما استمعت لصراخه. وزعت نظراتها بينهما ثم هتفت
-ياسين جاسر وعز عايزينك برة.
التفت إلى جنى يشير إلى عاليا
-ساعديها ياجنى عايز امشي من هنا
بعد فترة وصلت إلى منزلها كان الجميع بإنتظارهم. قابلتها غزل
-ألف سلامة عليكي حبيبتى، ربنا يعوض عليكو
اومأت بحزن وتحركت بجوار جنى إلى أن وصلت غرفتها، بعد فترة جلس جواد بجوار غزل
-اطلعي لها اسأليها عن اللي حصل، لازم اعرف دا تخطيط منين بالظبط
-جواد البنت تعبانة بلاش دلوقتي
-غزل انا قولت ايه، عايز اعرف ازاي راحت هناك، اتجه ببصره إلى أوس.
-شوفي لي ياسين راح فين، الفجر هيدن خليه يجهز علشان نصلي كلنا مع بعض
جلست جنى بجوارها تمسد على خصلاتها، فقامت بقص ماصار لها بدخول غزل التي توقفت متصنمة لما استمعت إليه، فاتجهت إليها غاضبة
-وأنت مجنونة يابنتي، يعني الشخص دا عمل كتير قبل كدا وبرضو تروحي له
ظلت تجوب المكان بأعين مشتتة
-ياسين عرف، هزت رأسها بالنفي مع عبراتها المتساقطة.
حاولت غزل التفكير بشيئا حتى تقنعه، تعلم ابنها سيثور ولن يصمت حينما يعلم. هزت رأسها رافضة مافعلته، ثم اتجهت إلى الأسفل لتحكي لزوجها ليتعامل بتصرف عقلاني مع ابنه
مرت عدة ساعات وجنى بجوارها إلى أن غفت، ثم نهضت من جوارها بدخول ربى متسائلة عن ماحدث
سحبت كف ربى وتحركوا للخارج
-أنا هلكانة وعايزة انام، الصبح نتكلم، هما رجعوا من الصلاة
استدارت متحركة وهي تجيبها.
-قاعدين في الحديقة، هروح علشان أيهم وأدهم كانوا صاحين، تصبحي على خير
أشارت لها بكفيها وتحركت إلى غرفة ابنها وجدته غافيا مثل الملاك، انحنت تقبله، وقامت بخفض المكيف ثم اتجهت إلى غرفتها، ولجت إلى المرحاض لتخرج بعد دقائق تتجهز بثياب نومها بدخول زوجها. وصل إلى جلوسها أمام مرآة الزينة، لينحني ملثم جيدها
-نعيمّا حبيبي، ابتسامة رائعة تلمع بعيناها ثم توقفت تعانق رقبته بخصلاتها الندية.
-كنت فين دا كله، أدار جسدها ليجذب المجفف ويقوم بتجفيف خصلاتها الناعمة، ثم حاوط جسدها متجها إلى الفراش
-بابا كان قاعد مع ياسين بيحاول يمتص غضبه، لانه مش ناوي على خير
قامت بفك زرائر قميصه، متذكرة ماصار بينهما
-ممكن اعرف ليه مالبستش الكرافت ياجاسر، احنا اتكلمنا قبل ماننزل وحضرتك ضحكت عليا
قهقه عليها يضمها لأحضانه: -حبيبي غيران. رفعت رأسها وتعمقت برماديته.
-ليه حبيبي ميستهلش الغيرة، انحنى يحتضن كريزتها للحظات يضع جبينه فوق خاصتها.
-تؤ. متغيرش علشان حبيبك مش شايف غيرك اصلا، فاطمني ياروح حبيبك. أغمضت عيناها تستمتع بمذاق كلماته التي جعلت قلبها كمعزوفة سيمفونية بأعذب الالحان يتدفق منها الحب بكل معانيه، لمس وجنتيها عندما وجد عيناها منغلقة، رفعها من خصرها متراجعًا على فراشها ليدفنها بداخل أحضانه يود إذابة ضلوعها. ظلا فترة من الصمت المعزوف بنبض القلوب حتى قطعه هو ممسدًا على خصلاتها.
-عاليا حكت لك حاجة. هنا اعتدلت واستدارت تنظر إليه بحزن انبثق بتجمع الدموع متذكرة انهيار حالتها
-صعبانة عليا قوي ياجاسر انا حاسة بيها فقدان الولد صعب
وضع إبهامه على شفتيها ليقطع حديثها
-دا قدرها حبيبتي، الولد مالوش نصيب يجي، واللي عرفته أنه لسة في الأول بدليل أن ياسين معرفش بوجود.
تنهدت بمرارة متذكرة ماصار إليها فأردفت بنبرة تقطر وجعا: -مهما كان بس دا قطعة منها ومن حبيبها، دي كانت فرحانة وعمال تخطط ازاي تعمل حفلة خاصة علشان تقول لياسين، بس اهو زي ماانت قولت، نصيبهم أنه ميجيش
احتوى وجهها بين راحتيه
-جنى إنتِ لسة متذكرة الماضي، انا مش عايز أي ذكرى حزينة تكون في الذاكرة
اهدته ابتسامة من عيناها، ثم رفعت كفيها تتحسس وجنتيه.
-مفيش ذكرى ليك بتوجعني ياجاسر سواء حزينة أو سعيدة، كل ذكرياتنا بعشقها، حتى لو مؤلمة، مفيش غير ذكرى جوازك، دي بس اللي بيوجعني جدا. والله حبيبي بحاول انساها، بس عارف مراتك موسوسة
تمدد على الفراش يحذبها لأحضانه عندما انعقد لسانه وانحبس النفس بصدره ليشعر بلاختتاق متألما لما شعرت به بتلك الفترة.
حاوطت جسده تدفن رأسها بصدره تستنشق رائحته وكأنه جرعتها للبقاء على قيد الحياة، هامسة بصوتها الضعيف الذي كاد يسمع بسبب دفن رأسها بصدره
-بس عارف وقت مابنام في حضنك كدا مبفتكرش غير انا حبيبتك وبس وانك عايز تشتري لي العالم كله، وعايز تخطف لي نجمة من السما
رفعت رأسها تستند بذقنها على صدره
-أنا كمان نفسي تكون أسعد راجل في الدنيا، نفسي مالمحش اي حزن في عينيك، نفسي افضل في حضنك وبس
دي سعادتي الحقيقية.
لمعت عيناه ببريق عشقها، خلل أنامله بشعرها وأردف وهو يرسمها برماديته
-زمان لما كنتي بتقعدي جنبي انا وعز كنت اكلم نفسي ياترى لو حضنتها هيكون حرام، طيب هما قالو احنا اخوات يعني حضنها مش حرام، لحد مافي مرة كنت بتكلم مع بابا بهزار فقالي طبعا هي تجوزلك مينفعش تقرب منها.
بابا وقتها ابتسم وقالي انا زمان غلطت وربنا عاقبني علشان كنت عارف الغلط ورغم كدا كنت بعمله، امك كانت محرمة عليا ورغم كدا كنت بحضنها عادي، بعد مااتجوزتها وبقت ملكي حمدت ربنا ودعيت كتير يغفرلي على خطايا، انا يابني مكنش قصدي حاجة وحشة، بس مشاعري اتحركت غصب عني. علشان كدا بقولك لو عايز بنت عمك اخطبها وكله بالحلال، لو مش عايزها اياك تقرب منها، علشان كلمة اخوات، دي اخوة محسوسة ياحبيبي، قصدي تقوا بعض وتكون سندها في الدنيا، انما لو مشاعر متقربش علشان متاخدش ذنوب.
وقتها فضلت اضحك وارسم على بابا
حب ايه اللي حضرتك بتقوله انا كنت بس عايز اعرف حدود العلاقة بيني وبين بنات عمي اللي حضرتك قولت عليهم اخواتنا، ياريت يابابا بلاش المصطلح دا علشان بجد ساعات بيكون موجع
اقتربت من أنفاسه ووضعت رأسها فوق صدره تلمس وجنتيه وتستمع لحديثه، ابتسم ولمعت عيناه بطبقة كرستالية.
-تعرفي بابا سألني وقتها، قالي جاسر مين من بنات عمك اللي بتحبها، وقتها مكنش قدامي غير اللي طلع من لساني وانا بقوله دي واحدة تانية يابابا متعلق بيها بس كنت بسأل على معنى الإخوة لبنات عمي، وبما أن عمو صهيب بيقول امثل دور حبيب جنى فكنت عايز اعرف ايه اخرة حدودي معاها
رفع ذقنها ودنى يهمس لها.
-هو فيه حد يقدر يمثل أنه بيحب ياجنى، إلا الحب مينفعش التمثيل فيه ابدا، ممكن تخبي بس عيونك بتكون فضحاكي، كان لازم ادور على حاجة اقنع بيها الكل علشان محدش يلاحظ عيوني الملهوفة عليكي، دمعة غائرة انبثقت من جفنيه رغما عنه متذكرا ذاك اليوم.
-عارفة يوم ماغنى اتحجزت بالمشفى علشان العملية، رجعت لقيتك تعبانة وقاعدة في حضن عز، قعدت جنبك من الناحية التانية وقتها عز قام يرد على تليفونه، معرفش كان شغل وصفقة أو ايه مش فاكر، حطيتي راسك على كتفي ودي كانت أول مرة تكوني قريبة مني بالشكل دا، كنا بنقعد جنب بعض اها، بس عمري مالمست حاجة فيكي، حتى شعرك من وقت ماتحجبتي في اعدادي وانا مشفتوش
اختنق صوته عندما روادته تلك الليلة.
احساس صعب قوي ياجنى لما يكون حبيبك بين ايدك وانتِ ضعيفة وبتحاولي تمنعي نفسك علشان متغلطيش وتشيلي ذنوب، انا وقتها ضمتك لحضني قوي كأني كنت بستمد من الحضن دا قوة علشان اقدر اعيش بعيد عنك وقراري اللي اتخدته بعد ماشوفتك في حضن جواد، وبعد ماجواد اعترفلي بمشاعره، قبض على خصلاتها بعنف وقربها إليه يحتضن ثغرها بقوة كأنه يمحي ذاك المشهد ويزيل اثاره، ظل لفترة ليست بالقليلة حتى تذوق دموعها التي انسابت بصمت. ابتعد سريعا ثم نهض متجها إلى الحمام دون حديث ظنا تألمها من قبلته ولا يعلم أن دموعها دموع ندم على ماشعرت به بتلك الفترة، خرج بعد دقائق مرتديا ثيابا للنوم يهرب من نظراتها. قام بعدل وسادته ثم تمدد بجوارها مواليها ظهره دون حديث. نهضت تنزع روبها ثم دنت منه تهمس بجوار أذنه.
-من إمتى بتنام كدا جنب جنجونتك، أول مرة تديني ضهرك ياترى زهقت مني حالا كدا، استدار سريعا يجذبها حتى هوت فوق صدره لتقبل تفاحة آدم هامسة
-اسفة، آسفة على غبائي اللي وجعنا الوقت دا كله
مرر أنامله على شفتيها
-أنا اللي اسف وجعتك صح. انحنت تقبله ثم هزت رأسها بالنفي.
-وجعتني لما حرمتني من جنتي، انا كنت بعيط علشان أنا غبية وحرمت نفسي من حضنك الايام دي، ياريت الأيام ترجع كنت أنا اللي وقفت قدامك وقولت انا بموت فيك، مقدرش أعيش من غيرك. بعشقك بجنون وياريت تحس بيه، وقتها هتدفني جوا قلبك
-دافنك والله جوا قلبي وعيني ياحبيبة قلبي من زمان قوي، ومكنتش هخلي حد يقرب منك، والله ماكلام ياجنى، مكنتش هخلي حد يقرب منك حتى لو اتنازلت عن جاسر نفسه
طالعته بدموعها التي انسابت بغزارة.
-آسفة حبيبي، آسفة على أي زعل حصل بينا وبعدنا على بعض
ضمها تحت كنف ذراعه ثم التقط هاتفه يبحث فيه عن شيئا، إلى أن وصل إلى صورها الذي يضعها بمكانها السري
-نظرت بذهول واعتدلت تجلس على ركبتيها أمامه
-دي صور أعياد ميلادي كلها، مرر أنامله على الشاشة يقلب بها جميعها بكل الوضعيات
-كنت حافظهم عندي، بس كنت ناسيهم لسة مكتشفهم قريب، راكان بيسألني عن حاجة وبدور لقيتهم، ابتسمت على صورها.
-دول قدامى قوي. قبل جبينها وأغلق الهاتف
-قدامى بس أجمل صور لقلبي وروحي، ياله ننام علشان الشيطان بيوزني، قهقهت وأشارت إلى تيشرت
-طيب هتنام كدا جنبي، طيب اشم مين دلوقتي، نزع كنزته، وفرد ذراعيه لتقترب تدفن نفسها بداخله
قائلة: -مش عايزة حاجة من الدنيا غير حضنك دا حبيبي.
-ضمها وأغمض عيناه وذاكرته تصفع عقله. ، وتابع حديثه الذي قطعه منذ قليل عن جلوسها مع عز: -ضميتك وقتها معرفش فاكرة ولا لا. ضميتك قوي وتمنيت كل حاجة توقف على الحضن دا يومها حجابك وقع من على شعرك، لأول مرة أدفن راسي في شعرك وكأني بجمع ريحتك جوايا. الليلة دي مش هنساها أبدًا ياجنى لأنها كانت مختلفة بأحاسيس ومشاعر تانية، فتحتي عينك وابتسمي وقولتيلي فين عز. دنى من شفتيها يلامسها بخاصتها.
-كنت مغرية وجبارة يابنت عمي ووقفتي قلبي ودخلتيني في طريق سد فقد سيطرتي على نفسي فاكرة قولت لك ايه وقتها
رفعت كفيها على وجنتيه وأصبحت وجنتيها مختلطة بدموع عيناها
-كفاية ياجاسر متوجعش قلبي أكتر ماهو موجوع
سحب جسدها حتى أصبحت بمقابلته وملس على وجهها
-فداكِ قلبي وحياتي كلها ياجنجون، سلامة قلبك من كل وجع ياروحي.
رفعت نفسها وقبلته وتمنت أن يسحب روحها بتلك القبلة حتى تطفئ نيران أشعلها بغباء احساسها بتلك الفترة، شعر بها فهمس لها يربط على قلبها
-متعرفيش قد ايه عنيت وانتِ مش في حضني، مش معقول بعد ماامتلك دنيتي وحياتي ابص لغيرك، انا مكنتش عايز غيرك وبس، يعني مهما أقول او اعمل مستحيل عيوني تبص لحد أو تشوف حد غير ملكة ومهلكة قلبي.
يكفي ما تشعر به من دقات قلبها الصاخبة التي آلامت صدرها، ايعقل أن حبيبها يعشقها أضعاف مضاعفة من احساسها اتجاهه
ظلت تمرر أناملها الناعمة على وجهه تقص له إحدى معزوفات العشق لقلبها المتيم والموشوم بعشقه، دقائق ناعمة بينهما ولكنها بأعواما عديدة بالبعد عن احضان بعضهما البعض. اخذها لعالم لا يدون سوى اسمه فقط، ولا يسمع بها سوى نبض قلوبهما الصارخة.
بعد فترة كادت أن تسحب أنفاسهما ويكتب بدفتر اموات العاشقين، كانت تضع رأسها على صدره وترسمه بينيتها بنومه الهادئ التي شبهته بملاكها ونبض حياتها، ذهب بسباتا عميق بعد اجتيازه جميع الاختبارات ليتوج بملك الملوك، نعم فهو ملك قلبها وفارس احلامها، ابتسامة عاشقة أنارت وجهها لتجعلها وكأنه فتاة من فتيات الحور وهي تتذكر مدى عشقه إليها أقسمت بينها وبين نفسها انها لن تذوقه سوى السعادة والعشق فقط، ستوهبه حياة مليئة بالحب والألوان البهية مثل زهور الربيع الذي يعطينا الروائح العبقة.
دنت تقبله بلهفة تغمض عيناها مستمعة بطعم قبلاته حينها فتح عيناه وشعر بها، ابتسم مابين نومه ظنا أنها ترواده أحلامه، دفن رأسه بعنقها وحاصرها بجسده يهمس لها بصوته الأجش
-اهدئ صغيرتي فأنت بحصن أمانكِ. قبلة ناعمة بعنقه لتذهب بعدها بثباتا عميقا وكأنها امتلكت العالم بكلماته الدافئة.
صباح جميل محمل بصوت العصافير فوق الاشجار، ورائحة الزهور العبقة بفصل الربيع تملأ المكان، ناهيك عن ساكن ذاك الحي الذي يملأه البهجة وسرور. بعد ذاك الحفل المهيب.
غمرت الشمس الدنيا بنور ربها وهو يجلس يدخن بشراسة بالحديقة، ظل لفترة إلى انهك جسده، ثم صعد بخطوات متعثرة وخفقات مؤلمة بعدما شعر بانهيار حياته الوردية التي كان يرسمها للمستقبل بحضن حبيبته، فتح الباب وولج للداخل بهدوء لكي لا يوقظها، خطى بخطوات مهزوزة وكأنه يتحرك فوق بلور ليشحذ قدمه ويشعر بكم التأوه، وصل إليها، جلس بجوارها لفترة يراقب نومها ويحفر ملامحها العاشقة لقلبه، نهض ليبدل ثيابه ثم عاد مرة أخرى وتوقف بحيرة وحربه الداخلية تنهش بعقله كالشيطان يريد أن يصفعها ويبعدها عن حياته بعد ما فعلت به وبقلبه ذلك الفعل الشنيع، تمدد بجوارها بعد فترة بالصراع بين قلبه وعقله، تململت بنومها متأوهة تضع كفيها على بطنها، بسط كفيه المرتعش واحتجز الدمع بعيناه وهو يضع كفيه مكان تأوهها، يهمس ببعض الكلمات لتسكين بنومها، اقترب منها بعدما ضعف وجذابها لأمان احضانه، تغلب قلبه على عقله ليضعه في خانة اليك أغمض عيناه دافنا وجهه بعنقها.
بعد قليل تململت بنومها شعرت بجسد صلب تحت رأسها، فتحت عيناها وجدته يحاوطها بذراعيه يضع رأسها على صدره. رفعت رأسها تطالعه بحزن متذكرة ماصار، شعرت بقبضة معتصرة وعيناها تخترق شفتيه أطبقت على جفنيها وانسابت عبراتها رغمًا عنها، شهقة خرجت من جوفها على إثرها فتح عيناه، اعتدل سريعًا يمسح على وجهه بعنف، تراجع يستند على الفراش
-ايه موجوعة!
هبطت من فوق الفراش بساقين مرتعشتين متجهة للحمام دون أن تتفوه بحرف.
مسح على وجهه بغضب يستغفر ربه، محاولا السيطرة على غضبه. خرجت بعد فترة تلتف بالمنشفة متجهة إلى غرفة ثيابها خرجت تجلس على الأريكة تتراجع بجسدها للخلف مغمضة العينين، نهض من مكانه واتجه يجلس بجوارها
سامعك عايز اعرف ايه اللي حصل
فتحت عيناها تنظر إليه
-قولي الأول ايه اللي شوفته دا، ازاي تعمل فيا كدا
اتجه إليها يطالعها بذهول، انا اللي بسأل مترديش عليا سؤال بسؤال يامدام.
نهضت من مكانها تهتف بقلب ممزق: -ليه ياحضرة الظابط مش شايف من حقي اعرف ليه جوزي كان في حضن واحدة تانية
جن جنونه ونهض من مكانه يقبض على ذراعها بعنف: -أنا جيت لك هنا وصرختِ فيا وطلعتيني خاين حتى من غير ماتسمعيني، وياريت تسكتي على كدا، لا خرجتي من ورايا ورحتي شقة لراجل عازب وانت عارفة إن الراجل دا اكبر مصيبة
-إنت خونتي ياياسين، قربت منها وخليتها تلمسك، وحشتك مش كدا.
تجمد جسده حتى شعر ببرودة تجتاحه وعيناها كزخات المطر، تراجع مبتعدا عنها يطالعها بذهول، فتح فمه للحديث ولكنه شعر بثقل لسانه، وكأن حروف الكلمات هربت، اقتربت منه مع زيادة بكاؤها
-ليه تعمل فيا كدا، طيب لما بتحبها ومش قادر تنساها ليه قربت مني وخلتني أتعلق بيك، أشارت على نفسها وازدادت شهقاتها
-دا أنا حبيتك من كل قلبي، سلمتلك قلبي على طبق من دهب، نظرت حولها بضياع وتشتت وتابعت حديثها المؤلم.
-ليه توجعني، لسة عايز تنتقم مني، انا مجبرتكش على جوازك مني، كنت قولي انك اتجبرت وعايز تعيش مع اللي بتحبها بس متأذنيش كدا
ارتجافة أصابت قلبه من حالتها وهي تتحدث بدموعها التي أخفت ملامح وجهها، ابتعدت متجهة إلى غرفة الملابس وجلبت الحقيبة لتجمع ملابسها، كل هذا تحت نظراته الصامتة وجسده المتصنم، دقائق لم يتحرك انش واحد إلى أن أغلقت حقيبتها مع صوت بكاؤها الذي فطر قلبه وجعله يئن وينزف دون دماء.
خطى إلى أن توصل إلى وقوفها وهي ترتدي ثيابها، حاوط جسدها من الخلف يضمها إلى أحضانه
-مفيش حاجة من دي حصلت يامجنونة، انا اتفاجأت بيها وانا خارج بتشدني وفي لحظة مجنونة منها لقيتها بتبوسني، والله ماقربت منها ياعاليا، وضع رأسه بعنقها يستنشق رائحتها بوله وهمس بصوته الأجش.
-عاليا أنا بحبك إنتِ، ومستحيل افكر في واحد داست على قلبي حتى لو مش بحبك، أدارها بهدوء واحتضن وجهها يتعمق بسحر بحرها: -مجنونة ياعاليا، بعد الحب دا كله، افكر في كدا، انا مش بتكلم معاكي علشان ابرئ نفسي قدامك، انا بس عاذرك على اللي شوفتيه وعايز افهمك سوء التفاهم. دنى من شفتيها وهمس وعيناه تحاوط عيناها
-مش ياسين اللي يخون مراته حتى لو بيعشق واحدة تانية، تخيلي بقى لو بيموت في مراته اللي هي نور حياته.
ارتجفت بين ذراعيه وازدادت شهقاتها
فضمها بقوة يتراجع بها إلى المقعد، حاوطها بذراعيه، يديرها إليه
-عاليا أنا مش هحاسبك على اتهامك ليا بالخيانة دلوقتي، بس تأكدي عقابي هيكون موجع قوي أنا عاذرك مش أكتر، ودلوقتي احكي لي يااستاذة عاليا ايه اللي حصل معاكي، وليه معرفش بالحمل
-أنا لسة عارفة الحمل امبارح الصبح، لسة شهر، وكنت ناوية أقولك
-حتة ولو كان لازم اعرف، دلوقتي احكي لي ايه اللي حصل.
تراجعت تاركة أحضانه وجلست بمقابلته وقصت له ماصار
كور قبضته ونهض يثور عليها وكأن أحدهم يلف ثعبان حول عنقه عندما خيل له هجوم ذاك الحقير عليها ولمسه إليها
انحنى يرمقها بنظرات نارية يود أن يقبض على عنقها وهمس بهسيس
-خرجتي من غير اذني، وروحتي شقة لواحد حقير وكأنك مش متجوزة، قوليلي اعمل فيكي ايه ايه. صرخ بها حتى ارتعبت من صوته
نهضت من مكانها وهدرت بدموع.
-كنت منتظر مني ايه منتظر اشوف اخويا مستقبله بيضيع، وانا معرفش الحقير دا ناوي على ايه
ضغط على ذراعها بقوة آلامتها
-إنتِ عارفة لولا جاسر شافك كان ممكن يحصل لك ايه، مفكرتيش أنه ممكن يكون فخ، دا كان ناوي على اغتصابك يامدام. توسعت عيناه وتغير لونها حتى أصبح كقعر جهنم من شدة غضبه. دفعها بقوة وبدأ يحطم في كل ما يقابله. ابتعدت عنه عندما وجدت حالته. حاولت الحديث إلا أنه اخرصها بصياحه.
-عايزاني اعمل ايه، واحد كان هيغتصبك، واحد قرب ولمسك، غيى أنك موتي ابني يامدام، اقترب منها وازداد جنونه حينما لاح عقله بأنها المسؤولة عن فقد الجنين. أطبق على كتفها بعنف
-مش عايز اسمع صوتك، الباب دا لو خرجتي منه هدفنك مكانك سمعتي، وحياة ربي ياعاليا لاندمك علشان تعرفي تخرجي من ورايا حلو
دفعته وصاحت به.
-متقدرش تعمل فيا كدا انت مين إن شاءالله علشان تقولي اعمل ايه ومعملش ايه، ولو رجعت تاني هعمل كدا، ايه عايز تخبي فضحتيك فقولت تطلعتي غلطانة، انا أعمل اللي انا عايزاه، وانت روح عند الست اللي خليتها تبوسك، ايه مفكرني هبلة وهصدق كلامك العبيط دا، حضرة الظابط طفل علشان واحدة تقرب منه وتبوسه كمان. أشارت بسبباتها وهدرت بصوت مرتفع.
-روح شوف نفسك وتعالى حاسبني، انا كنت رايحة علشان انقذ اخويا مش قافلة على نفسي الباب وبحب في حد
ضغط على فكها بقوة حتى شعرت بتحطيمه
-طيب اطلع برة الباب دا وشوفي هعمل فيكي ايه. قالها ودفعها بغضب حتى كادت أن تسقط على الأرضية واستدار متحركًا للخارج كالذي يطارده عدوه
جلست تحتضن جسدها وانسابت عبراتها.
استمعت الى طرقات على باب الغرفة، بعدها دلفت ربى، بحثت عنها وجدتها جالسة بالأرضية وتبكي بشهقات. اتجهت إليها وأوقفتها ثم ساعدتها بالجلوس
-ياسين مقابلني ووشه بيطلع نار، ايه اللي حصل وليه عملتي كدا ياعاليا، كدا تخرجي من غير ما تعرفي حد، طيب عرفي بابا
اتجهت بنظرها إلى ربى.
-ياسين كان مع ليليان في اوضة واحدة ياربى، انا شوفتهم، كنتي منتظرة مني ايه والاستاذ شوفته في حضنها، دورت على باباكي بس كنت عارفة أنه مشغول مع ضيوفه، قوليلي ياربى لو عز مستقبله في خطر هتستني حد يقولك تعملي ايه، عارفة ان خالد حقير لكن دا اخويا مقدرتش اشوف مستقبله بيضيع
ضمت رأسها تربت على كتفها.
-اهدي حبيبتي، ربنا ينتقم منه الحيوان، المهم انت بطلي عياط وامسحي دموعك والدتك جت تحت، بلاش تفهم سوء التفاهم اللي بينكم
اتجهت إلى حقيبتها ووضعت بها أشيائها الخاصة
-لا أنا همشي مع ماما، مستحيل اقعد له تاني، خليه يروح للست ليليان بتاعته، وخليها تبوس فيه حلو
شهقت ربى تضع كفيها على شفتيها مذهولة: -عاليا ايه الجنان دا. مسحت دموعها بعنف.
-ايه مش مصدقة، روحي اسأليه، جاي يحاسبني بأي حق، مالوش يحاسبني وهو كان في حضن الهانم وسيباه تبوسه كمان
انا لازم امشي من البيت دا، وخليه يطلقني، انا عارفة جوازنا احنا الاتنين اتجبرنا بسبب ظروفنا، ودلوقتي انا مش عايزاه
جذبت ربى الحقيبة من يديها وأجلستها.
-طيب ممكن تسمعي مني، انزلي دلوقتي قابلي مامتك وباباكي، علشان يطمنوا عليكي، وبعد كدا وعد مني لأخليكي تاخدي حقك من ياسين، قومي حبيبتي اغسلي وشك كدا واعيدي قوتك، أنتِ مش ضعيفة علشان بنت زي ليليان تخطف جوزك، دا جوزك وأبو بنتك وقبل دا كله حبيبك ياعاليا متنكريش دا
ربتت على ظهرها.
-متخربيش بيتك ياعاليا، اما ليليان دي توقفيها عند حدها ياهبلة، مش تسيبي بيتك. قومي واقوفي كدا وخليكي جنب جوزك النهاردة تبيني انك الأقوى، بابا عازمهم على الغدا، تفكري ازاي توقفي وتاخدي حقك مش الهبل اللي بتقوله
خرجت ربى بعد إقناعها بنزولها لوالدتها، ثم اتجهت إلى غرفة والدتها
بغرفة غزل كانت تجلس تقرأ وردها اليومي بعد صلاة الضحى، استمعت الى طرقات على باب الغرفة، فسمحت بالدخول.
-ماما فاضية، اشارت لها بالدخول، همست بصوت خفيض
-بابي نايم ولا نزل. قالتها وهي تجلس بجوار والدتها
-لسة نايم محتاجه حاجة حبيبتي
سحبت نفسا وقصت لها مااستمعت إليه من عاليا. تنهدت غزل وحاولت أن تسيطر على غضبها فتحدثت بصوت خافت: -بلاش بابا يعرف، وانا لما تيجي الست ليليان هعرف اتصرف معاها ازاي.
هزت رأسها ونهضت قائلة: -انا خارجة الجامعة النهاردة كمان ساعتين كدا، يبقى شوفي طنط نهى، وابعتي هاتي ايهم هنا، مبحبش اسيبه مع الناني
ابتسمت لها واردفت: -حاضر ياقلبي ربنا يوفقك، خلي بالك من نفسك.
-طيب حبيبتي مش هتنزلي لأهل عاليا ولا ايه. نهضت غزل وأومأت إليها ونهضت تنظر بساعة يديها
-جاين بدري كدا ليه؟
-معرفش بس شكلهم مسافرين علشان سمعت كريم بيقولهم هتتأخروا على الطيارة واللي فهمته أنهم ميعرفوش حاجة.
أومأت غزل وتحدثت: -نسيت دول رايحين عمرة، طيب انزلي وأنا شوية هنزل، قبلت جبين والدتها وتحركت إلى الخارج
بغرفة أوس توقف أمام المرآة ينهي تجهيزه للنزول لعمله، فتحت ياسمينا عينيها بعدما تسللت رائحته إلى رئتيها
رفعت رأسها هامسة بصوت مبحوح من النوم
-صباح الخير حبيبي. استدار إليها ثم خطى إلى أن وصل إليها وانحنى يقبل جبينها
-صباح الرضا ياروح حبيبك. نظرت بساعتها متسائلة: -الساعة كام دلوقتي.
جلس بجوارها على الفراش يضم رأسها لأحضانه ثم انحنى يطبع قبلة على رأسها
-الساعة 11ياقلبي كملي نومك، انا عندي ميتينج 12 يادوب اتحرك
اعتدلت جالسة ترجع خصلاتها الشاردة للخلف واردفت: -لا هقوم كفاية نوم، عمو جواد عازم بابا وخالو يوسف على الغدا، انا مش هنزل شغل النهاردة.
نهض من مكانه واتجه إلى المرآة يعدل من رابطة عنقه قائلًا: -براحتك ياياسو، انا هحاول ارجع بدري، خلي بالك من مسك، عندها ليسون الساعة 4 عايزك تقابلي الميس وتشوفي قدرات البنت
نهضت من فوق الفراش تجذب روبها ثم تحركت إلى وقوفه. توقفت أمامه وساعدته بربط رابطة عنقه مبتسمة
-حاضر، هشوفها وهنظم الوقت علشان النادي. سمعت كمان ربى بتقول هتنزل ايهم وادهم النادي علشان يمارسوا لعبة لنشاطهم فايه رأيك ننزل مسك كمان.
قبل كفيها واتجه إلى حقيبة عمله
-حبيبي اللي في مصلحة البنت اعمليه، شوفي النوادي الكويسة وابعتي لي اختار نادي كويس وميكونش فيه تجاوزات
انحنى وطبع قبلة سريعة على شفتيها واتجه للأسفل
-اجهزي بدل صحيتي علشان نحضر الفطار كلنا مع بعض
اومأت إليه بالموافقة وتحركت إلى الحمام لتجهيز نفسها
بغرفة جاسر.
فتحت عيناها، بعدما داعبتها أشعة الشمس لتجد نفسها محاصرة بتلك الفولاذية وكأنها مسجونته. رفعت أناملها تمررها على وجهه تنحت ملامحه بعيونًا هائمة بعشقه. شعر بها ولكنه ظل كما هو و لم يرف جفنه، ولكن كيف يستطع السيطرة على دقات قلبه العنيفة عندما اقتربت تتنفس أنفاسه تهمس له.
مستعدة أتنازل عن كل حاجة لمجرد كل يوم الصبح افتح عيوني على أغلى راجل بحياتي. هنا صمتت الألسنة ولم يتبقى سوى دقات قلبه التي أعلنت الحرب عليه ليفتح رماديته، يجذبها بقوة حتى تلاشى المسافة ولم يتبقى سوى الأنفاس المرتفعة المختلطة بالعشق السامي هامسًا لها
وأنا مستعد أموت كل يوم علشان اشوف جنون حبك ليا. وضعت كفيها على فمه.
-اسكت مسمعش الكلمة دي ابدًا، مستعدة أعشقك اكتر واكتر بس بلاش تجيب السيرة دي، انت متعرفش انا عيشت ازاي ولا عانيت ايه
خلل أنامله بخصلاتها: -عايز اعرف واحس وأنتِ جوا حضني. تلألئت عيناها بنجومها
-حقيقي ياجاسر، لسة معرفتش ولا حسيت قد ايه انا عانيت
هز رأسه وابتسامة لاعوب وهو يمرر أنامله على عنقها
-ايه اللي يثبت، لو على المستشفى ممكن يكون علشان موضوع كنان
دفعته بقوة وهبت كالمجنونة.
-طيب يابن عمي. كان عندنا وخلص، ودلوقتي بح. ياله روح مكان ماجيت
كانت عيناه تخترق جسدها الذي ظهر أمامه دون أن تعي ما تفعله
ظلت تصرخ وتلكمه ثم توقفت عندما وجدت صمته ونظراته إليها
نظرت إلى ماينظر إليه
-اه قليل الادب يابو عيون زايغة
قالتها وهي تهجم عليه مما جعله يجذبها حتى سقطت فوقه وضحكاته ترتفع بالمكان من يسمعه لم يقل أنه لم يعاني طيلة حياته...
-يابت اتهدي أنتِ ليه بتنسي كدا، مش قولنا كلام حلو قبل النوم، أشار إلى صدره غامزًا: -حتى بليتي دا وغرقتيه مية ومليون آسفة، أكلتي كلامك دا كله
نظر للذي تنظر إليه فجذبه سريعًا
-تيشريتي ومستحيل تلبسيه عايزك كدا. ابتسامة لاعوب على شفتيها وهي تجذب المفرش تلتف به وتحركت بدلال أمامه
-اشبع بالتيشيرت، بس وحياتك بعد كدا لانام جنبك بالبيجامة ياابو كنان الحلو.
-بيجامة ايه يابت هو إنتِ عندك بيجامة اصلا، تحركت سريعا بعدما وجدت اقترابه ونظراته التي تعلمها جيدا إلى أن وصلت الحمام وأغلقت الباب، ولكنه كان الأسرع ليضع ساقيه يمنع غلقه واستند على الجدار
-مكنش في نيتي يابت ياجنجون لكن دلوقتي، وحياة عشر سنين حب لأطلعهم على جتك دلوقتي
تراجعت تشير إليه
-اعقل ياجاسر، متنساش انا حامل، والله من عمايلك دي شكلي مش هجيب عيال تاني. لم يكترث لحديثها وتحرك للداخل ينزع ثيابه.
-معرفش دايما نيتك شمال ليه، انا قصدي اخد شاور، لكن إنتِ دايما اللي عقلك واخدك سكة شمال، طول عمري محترم، يارب تقتنعي بكدا
توسعت عيناها تنظر إليه بذهول، منع ابتسامته من الظهور واستدار للجهة الأخرى من مظهرها المصدوم بحديثه
فتحدث مشاكسًا ليقضي على وقوفها
-لو عجبك شكلي كدا، ممكن تيجي ناخد شاور مع بعض، وهغمض عيني
استدار يغمز إليها وهتف: -امور صح. جزت على اسنانها تضرب قدمها بالأرض.
-وقح، دلف إلى كابينة الحمام وهو يدندن ثم التفت إليها
-وقح بس أمور وعندي جيش معجبين
استشاطت غضبا، لتهرول إليه تدفع الباب بعنف تلكمه بصدره
-جيش ايه ياوقح يابو عيون زايغة، وانا طول الليل بقول فيك شعر، متستهلش
لم تشعر بنفسها سوى وهو يحملها بعدما نزع المفرش عن جسدها
-اهدي بس ياأم العيال، ليه العصبية دي كلها، دا كله علشان قولت لك هناخد شاور مع بعض، سكنت بين ذراعيه واختتق صوتها.
-عندك جيش معجبين وعجبينك قوي ياجاسر
لم يدعها تكمل حديثها ليفتح المياه تنظر حولها بذهول
جاكوزي. وضع إبهامه على شفتيها
-استرخي استمتعي، وضع كفيه على بطنها التي بدأت بالظهور
-خلي حبيبة باباها تستمتع معانا.
بالحديقة تجري خلف ابنها المشاغب وهو يقود دراجته وبضحكاته وحركاته الطفولية يداعبها لتسرع خلفه خوفًا من سقوطه
-قصي والله هضربك. توقف بدراجته بالقرب من المسبح.
-امسكيني يامامي الأول وبعد كدا اضربيني. هرولت إليه بغضبها الأمومي. وهدرت به متصنعة عقابه
-طيب مفيش عَجل تاني. لم تكمل حديثها لتجد نفسها بالمسبح
شهقة خرجت منها تنظر لذاك الذي دفعها بقوة وهو يقفز الى المسبح
-نفسي اعوم دلوقتي، والنفسية محتاجة غنونة قلبي تعوم معايا، مش من الفجر بتصرخ بالواد الغلبان دا كله علشان محضرش درس الميوزك. سيبي الواد ياغنى خلي له شخصية.
اقتربت منه ونظرات نارية تريد إحراقه بالحال ثم تمتمت بصوتًا خرج عكس ملامح وجهها
-بتقول ايه ياحبيبي.
تراجع للخلف يسبح على ظهره قائلًا
-بقول أن قصي دا ابن كلب لازم تعاقبيه. توقفت تمنع ابتسامتها تضرب كفيها ببعضهما
-اذا كان رب البيت اهبل هيكون ولاده ايه. خرج من تحت المياه يرفعها قائلًا: -هيكونوا عاقلين لأمهم ياروحي
حملها واتجه بها للخارج، حاوطت عنقه.
-ينفع كدا، مفكر نفسك في بيتنا، متنساش بيت بابا دايما ولاد عمي هنا
-حبيبي أنتِ بلبسك وبحضني كمان يعني محدش يقدر يكلمك
علي مائدة الطعام كان جواد يتحدث مع صهيب في مختلف الأشياء إلى أن وصل بيجاد وهو يحمل غنى بملابسها المبللة. اتجه ببصره إليه: -بتعمل ايه يالا. تحرك قائل داا
-كنا بنصطاد سمك. اجابه متهكمًا
-ومسكت كام قرموط ياحيلتها.
توقف مستديرًا إليه عندما استمع الى تهكمه فأجابه: -هقولك بينا. اصل خايف من ردة الفعل.
جز جواد على أسنانه يسبه بعدما علم بمغذى حديثه
بعد قليل جلس عز بجوار ربى وبدأ يطعمها. ضيق عيناه
-عز أفطر ياله علشان متتأخرش على الاجتماع. اجابه ومازال يطعم زوجته قائلا
-أنا إجازة النهاردة، لو مش عاجب معاليك ممكن تحضر مكاني.
جحظت عيناه فاستند على الطاولة متسائلًا: -ليه الباشمندس عنده ساعة رضاعة. استدار يغمز لعمه قائلاً: -لا مراتي وحشاني وعايز انفرد بيها. قهقه صهيب يبتعد بنظرات عن نظرات جواد النارية التي ذهبت لتلك الجالسة فوق ساق زوجها
-بتعملي ايه ياجنى
اجاب جاسر: -بتقيس الضغط ياحج. هو حضرتك مش بتفطر ليه بدل مارمي عيونك علينا.
قوم يالا فز من هنا
نهض يتنفس بعمق قائلا
-ياااه اخيرا بقالي ساعة بحاول اسمعها.
جاسر صاح بها جواد بغضب فهبت جنى واقفة وجلست بجواره، عندما وجدت نظرات عمها الاستيائية، ضحك
صهيب
-براحة عليهم ياجواد اصل ابنك لسة كان فرحه امبارح
وضع جاسر الطعام بفمه وبدأ يلوكه بهدوء وتحدث: -مابلاش انت ياصهيوب. قطع حديثهم وصل عاليا ملقية تحية الصباح
رفعت غزل نظرها إليها ثم إلى ابنها الجالس بصمت فأشارت إليها بالجلوس
جلست بجوار جنى مبتعدة عن ياسين، حدجها جواد بنظرة هادئة ثم تسائل.
-إنتِ كويسة حبيبتي. اومأت برأسها بصمت. نظرت غزل إلى جنى
-جنجون حطي قدام عاليا البيض حبيبتي خليها تتغذى تعويض على اللي حصلها
هزت رأسها بالنفي، وأمسكت كوب العصير ترتشف منه قائلة: هشرب عصير بس ياطنط، ماليش نفس للأكل توقفت ربى تضع أمامها بعض الطعام وتغمز إليها.
-الجميل لازم ياكل ويهتم بصحته كويسة. ابتسمت بحنان تشكر ربى واخدث منها قطعة التوست بالمربى وبدأت تلوكها بهدوء، ونظراتها على ياسين الذي تظاهر بانشغاله بقراءة الأخبار. رفع رأسه عندما هتف جواد
-ريان ويوسف هيتغدوا معانا قبل مايرجعوا اسكندرية مش عايز حد يتأخر برة، اتجه إلى جاسر واردف: -إنت بالذات مينفعش تخرج دول ضيوفك، وطبعا ريان مواقفه الحلوة كتيرة
-بس أنا كنت ناوي اسافر النهاردة فعلا.
ارتشف جواد عصيره وتابع حديثه
-سافر بكرة، ومستعجل ليه يااخويا، دا انت بتقعد مع مراتك اكتر مابتروح شغلك، ثم اتجه بنظره الى جنى
-بطلي تنطيط يابت متنسيش انك حامل، دا اهبل
زم شفتيه فاتجه إلى عز الذي يشاكسه
-افطر ياعز عندك شغل. نهضت ربى واتجهت تجمع أشيائها
-حبيبي ياله هتأخر على أول محاضرة
توقف فأشار جواد إليه
-مفطرتش يابني. سحب الطبق الذي يوضع أمام جاسر وتحرك به اتجاه السيارة
-كل كويس ياجسور اوعى تزور يلا.
-حلوف. سبه بها جاسر وهو يتناول الطعام بغضب. وصل بيجاد بجوار غنى
-ايه دا انتوا فطرتوا من غيرنا، مش من الأدب تستنونا
-الحق علينا ياحبيبي، كان المفروض نستنى الزعيم المافيا، قومي ياغزل قابلي الحلوف جوز بنتك بالسفارة على السلم. قالها جواد متهكما
جذب المقعد وأجلس غنى عليه ثم استدار يجلس بجوار جواد وصهيب
-بتتريق ياحمايا، تنكر اني جو البهجة في العيلة دي
جلس فارس الذي وصل للتو بمقابلته وأجابه.
-اه يابني وناوين نعملك راتب شهري
حدجه مستهزئًا: -دا أنا اوزنك فلوس يلا. بس يلا انت وهو. قالها جواد ثم توقف يشير إلى ياسين: -بعد ماتخلص فطارك تعالي لي على المكتب، نهض يضع سلاحه بخصره قائلًا: -أنا اتأخرت يابابا، لما ارجع إن شاءالله بعد اذن حضرتك. أشار بعينيه إلى غزل التي توقفت تتحرك خلفه
-ياسين! توقف يواليها بظهر
ايه اللي حصل بينك وبين مراتك.
ذهب ببصره لعاليا التي تطعم ابنتها ثم إلى والدته، مفيش ياماما، سوء فهم بسيط. وسوء الفهم دا يخليها عايزة تسيب البيت
سحب نفسا ببطى عندما شعر بأختناقه كأن هناك صخرة فوق صدره واردف:
-ماما ممكن محدش يدخل بيني وبين مراتي ياماما، انا عارف بعمل ايه
بعد عدة ساعات بجروب الألفي
طرقت على بابا المكتب
-اتفضل حضرتك دي كل الايميلات اللي وصلت الصبح.
رفع عيناه من فوق جهازه يشير إليها بالجلوس قائلاً: -اقعدي فيه حاجة هنا عايزك تبعتيها لاستاذ مسعد علشان يقفلها مع الحسابات
جلست مرغمة تنتظره إلى أن ينتهي، ولجت السكرتيرة
- ابعت قهوتك ياباشمهندس.
-أيوة هاتيلي قهوتي وكلمي مسعد قوليله ميقفلش الحسابات غير لما. توقف يطالعها
-اسمك ايه!
زفرت متأففة ثم تحدثت بصوت خافت: -حضرتك بقالي شهرين في الشركة ولسة مش عارف اسمي
أشار للسكرتيرة بالخروج بعدما تحدث إليها.
-الاستاذة هتبعتله الحسابات كاملة، ثم اتجه بنظره إليها بعدما غادرت السكرتيرة: -آسف ياست العفوية اني مش عارف احفظ اسمك
ارتبكت من حديثه وابتلعت ريقها بصعوبة
-مش قصدي حضرتك، انا قصدي. توقف من مكانه يشير إليها بالصمت ثم أشار على الجهاز
-ادخلي ابعتي الحاجات دي لمستر مسعد
اومأت له دون حديث ونهضت من مكانها تجلس أمام شاشة الحاسوب
ظلت لدقائق تعمل بصمت بينما هو اتجه إلى الشرفة ينظر للخارج استدار بعدما تحدثت.
-فيه غلطة هنا في الأرقام دي، الارقام اللي في الورقة غير اللي على الجهاز، تحرك إليها، بدخول السكرتيرة تضع القهوة على مكتبه. ثم تحركت مغادرة وهي ترمق جوان الجالسة على جهاز حاسوبه، انحنى ينظر بجهازه، تراجعت برأسها بعدما وجدت تلاشي المسافة بينهما
جز على أسنانه وهتف بضجر.
-الغلطة عندك ياستاذة بدل ماتكتبي اتنين كتبتي سبعة، ايه الاستهتار دا. قالها بغضب وهو يحرك يديه لتنسكب القهوة على يديها، هبت من مكانها تنظر لكفيها الذي تلون جلده. اقترب يطالعها بأسى قائلًا: -مكنش قصدي. تراجعت تشير إلى الجهاز
-الارقام دي حضرتك اللي مسجلها مش انا ابدا. على العموم انا ظبطهم وبعتهم كدا خلاص. بعد اذنك قالتها واستدارت تتحرك للخارج. أوقفها صوته
-انزلي العيادة تحت خليهم يدوكي حاجة للحروق.
نظرت لكفيها ثم اتجهت بنظرها للقهوة
-مفيش حرق ولا حاجة، القهوة مكنتش سخنة قوي، بعد اذن حضرتك
بالجامعة عند هنا
خرجت من البوابة الرئيسية وجدته متكأ على سيارته يتحدث بهاتفه، اتجهت إليه بابتسامتها الرقيقة
-حضرة الظابط واقف من زمان. سحب كفيها يقربها إليه
-وحشتيني، نظرت إلى الأرض وتوردت وجنتيها. رفع حاجبه يطالعها بسخرية
-اللي يشوفك دلوقتي مايقولش دي هنا المجنونة
رفع عيناها لتتشابك النظرات قائلة.
-خلاص بقى الأول كنت عايزة البرود بتاع حضرتك يتفك، لكن دلوقتي، اقترب يجذبها إليه منتظر حديثها
-لكن ايه دلوقتي، انت عارفة عملتي فيا ايه
تشابكت عينهما ناهيك عن تشابك اناملهم ليقترب منها أكثر
-وقعت لحد مابقتش قادر على البعد ياهنون
التفتت حولها بعدما وجدت تقاربهما
-جواد احنا في الجامعة، ابعد شوية
تحمحم متراجعًا للخلف، ثم استدار يفتح الباب ويشير إليها بالركوب.
بعد قليل دلفت السيارة إلى حي الألفي، كان متوقفا بالحديقة فذهبت أبصاره لترجلهم من السيارة، أشار إلى صهيب بعينيه: -كلم حازم يروح يطلب البنت من سيف، مبقاش ينفع دخولهم وخروجهم كدا من غير رابط رسمي
-ابن عمتها برضو ياجواد
-صهيب، انا مابشككش في أخلاقهم بس دول شباب، وانا شايف الاتنين متعلقين ببعض، ليه نستنى، يبقى يخرج بيها وهي مراته حتى علشان الحرمانية ياأخي.
اومأ متفهما ثم تحرك إلى تلك المنازل التي أعدت حديثا، دلف إلى منزل أوس ببداية الأمر ينظر إلى التجهيزات التي أوشكت على الانتهاء
-حلوة الحاجات اللي الولاد عاملينها. اومأ جواد برأسه قائلاً: -عصر التكنولوجيا ياسيدي، تحرك بعض الامتار ليدلف لمنزل اخر ببوابة أخرى وحديقة أخرى
توقف جواد متخصرا
-أنا مقولتش مش عايز فواصل، ليه البوابة دي. وصل إليه عز يشير إلى بعض التصميمات.
-من الافضل ياعمو كل بيت يكون منفصل، والصراحة عجبني إصرار جاسر على كدا، متنساش فيه حمام سباحة مينفعش يكون مفتوح
اتجه إليه قائلًا: -مااحنا عاملين حمامات سباحة ومفيش فواصل
حك عز أنامله بعنقه وحمحم قائلاً
-لا الحاجات دي قدمت انك تعمل حمام سباحة مغلق وخلفي، خلي كل واحد يعمل في بيته اللي هو عايزه
وافقه صهيب الرأي قائلًا: -بدل في مكان واحد مفيش مشكلة ياجواد، وأنا شايف ان كدا احسن بدل المساحة تكفي.
حلوة الفكرة قول امين بقى وبارك علشان تكون بنفس راضية
-مين اللي عرض الفكرة دي ياعز، أكيد أوس مش كدا
غمز عز قاىلًا: -المنفلت ابنك الكبير. امتقع وجه جواد واردف مستوبخا؛
-اتفضل اللي بقول هيبقى كبير العيلة، دا كبير العيلة في الانفلات وقلة الادب
قهقه عز يتراجع بجسده يضع كفيه معتذرا
-والله ياعمو حضرتك اللي وصلته لكدا
تهكم جواد يرمقه باستخفاف
-لا والواد مفكر نفسه شيخ، دا انت اكبر منفلت فيهم، انت هتقولي على ادبك.
مساءًا بغرفة الاستقبال
جلس ريان بصحبة يوسف وبدأو يتحدثون عن اخر التطورات، بينما في الأعلى كانت تجلس بشرفتها، استمعت إلى ضحكاتها مع ياسمينا وهم يتجولون بالحديقة، هنا تذكرت ماصار بينها وبين ياسين، شعور قاس تغلغل بداخلها والغيرة تأكل صدرها كنبات شيطاني تفرعت جذوره ليتشعب بكل أعضائها لتحولها لكتلة نارية، ظلت تجوب بالمكان، استمعت الى طرقات على باب غرفتها فتحت الباب وجدتها جنى.
-عاملة ايه يالولو، بقولك جاسر عايز يتكلم معاكي شوية، قطبت جبينها مستفهمة: -يتكلم معايا في ايه، انا مش عايزة اتكلم مع حد دلوقتي والله ياجنى. اقتربت جنى تطالعها بعيون مستفهمة
-مالك ياعاليا. صاحت بجنون، استمع جاسر الذي يهبط الدرج إلى صياحها
-البت دي جاية هنا ليه ياجنى، جاية تكمل اللي عملته امبارح
اقتربت جنى منها متسائلة: -عاليا اهدي أنا مش فاهمة حاجة. ايه اللي البت عملته وبت مين!
ابتلعت غصتها وتلك الصورة ترواد مخيلتها لتتجمع الدموع بعينيها فتتحدث بألم فتت قلبها
-ليليان هانم اللي شوفتها امبارح وهي بتبوس جوزي
توقف جاسر على أعتاب الغرفة بعدما ألجمته الصدمة من حديثها، مما جعل قدميه تتسمر بالمكان وهو يستمع إلى باقي حديثها.
-شوفتهم امبارح في اوضة مكتب جاسر، الحقيرة بتقرب من جوزي وبتتحرش بيه، طرق جاسر الباب ودلف للداخل يوزع النظرات بينهما، اقتربت جنى ظنا أنه لم يستمع إلى حديثهما فرسمت ابتسامة
-حبيبي عاليا تعبانة ومش قادرة تتكلم
دلوقتي، ممكن بعدين، مسحت عاليا دموعها مبتعدة عنهما أوقفها جاسر
-ايه اللي سمعته دا، توقفت ثم استدارت إليه: -السؤال دا لحضرة الظابط المحترم، مش ليا ياحضرة الظابط.
ارتفعت ضحكات ليليان بالاسفل وهي تنادي على الأطفال
-مسك راسيل كفاية لعب بقى، ثم هتفت إلى ياسمينا
-أنا تعبت هدخل جوا، البنات دول ينسوا الواحد همومه والله
كورت قبضتها وهي تنظر إليها بنظرات نارية، اقترب جاسر يشير إلى جنى.
-ايه اللي حصل، كانت نظراته تراقب انفعالات عاليا من صوت ليليان بالأسفل، فاستدارت كالمجنونة قائلة: -أنا هعرفك حالا ايه حصل. توقف أمامها محاولا منعها من الخروج بسبب حالتها قائلًا: -عاليا ممكن نتكلم، اهدي علشان نعرف نتكلم
-خرجني ياحضرة الظابط، انا محدش هياخد حقي، دي واحدة حقيرة ولازم اوقفها عند حدها
- عاليا ممكن تهدي، متنسيش انك تعبانة. اتجه بأنظاره إلى جنى.
-هديها وانا هشوف ايه اللي حصل، دفعت جنى من أمامها وخرجت كالمجنونة، دفعت الباب أمام الجميع. نظر جواد إليها مستفهمًا: -فيه حاجة ياعاليا.!
اتجهت بأنظارها الى ريان ويوسف ثم اقتربت من ليليان
-اه فيه. ولج جاسر حتى يسيطر على الوضع ولكنها رفعت كفيها ونزلت فوق وجنة ليليان مما هب جواد من مكانه وصدمة أُذهلت الجميع.
أشارت بسبباتها: -أنا بقى مش هتخبى زيك، انسابت عبراتها رغمًا عنها بوصول ياسين الذي دلف للتو وجذبها من كفيها ولكنها دفعته وهدرت
-أنا آسفة ياعمو جواد بس الاستاذة المحترمة اللي مشفتش جزء من الاحترام بتتحرش بجوزي
جذبها ياسين بقوة وخرج بها من الغرفة وسط ذهول من الجميع
توقف يوسف يطالع ابنته مذهولا لما استمع إليه
-ايه اللي سمعته دا، تتشبث بريان وانسابت عبراتها.
كور قبضته وشعر بتوقف دمائه عندما أكدت له مااستمع إليه من عاليا
حمحم ريان وحاول الخروج من المأزق قائلاً: -اهدى يايوسف اكيد فيه سوء فهم بين مدام عاليا ولي لي
بينما جواد الذي توقف ينظر إلى جاسر بعيونا مستفهمة عما صار، أومأ له بعينيه أن مااستمع إليه صار
تحرك يوسف بعدما جمع أشيائه الخاصة معتذرًا
-آسف ياحضرة اللوا، فرصة تانية يكون الوضع افضل، واسف بناء على اللي عملته ليليان.
عجز جواد عن الرد، واتجه لريان ليحتوي الموقف، ولكن تأزم الوضع عندما هتفت ليليان
-أنا عارفة اني غلطت ياعمو، بس والله الموضوع جه عفوي، انا كنت بتأسف لياسين وبقوله راضية أكون زوجة تانية لاني بجد مش قادرة انساه
-ليليان صاح بها يوسف، يسحبها من كفيها وتحرك مغادرا لسيارته، بينما ربت ريان على كتف جواد متأسفا
-بعدين نتكلم، معلش لازم ألحقه
اومأ له جواد متفهما ليجلس على المقعد بعيون مشتتة وصلت إليه غزل.
-ايه اللي حصل ليه ريان اخد نغم ومشيوا، ايه قلة التقدير دي
مسح على وجهه بغضب ثم أشار إلى جاسر الصامت
-شوفلي ياسين فين وابعته
دفعها بقوة داخل الغرفة حتى سقطت على الأرضية والغضب المحموم يخرج من عينيه
-اي قلة الادب والاحترام دا، ازاي تصغري ابويا كدا اتجنني
لم ترد عليه وظلت كما هي بالأرضية، إلى أن انحنى يجذبها بعنف من منكبيها
-ايه اتخرستي، نزعت نفسها واستدارت مبتعدة عنه.
-طلقني ياحضرة الظابط، خايف على مشاعر الست الحبيبه طلقني وروحلها
قالتها بدموع كادت أن تحرق وجنتيها واستدارت إليه يعيونا ملامة عتابية: -طلقني ياياسين، وشكرا لوقوفك معانا
اقترب منها ببطى وهتف بصوت اجفلها من شدة غضبه
-أنا اللي بتأسف لنفسي علشان لتاني مرة بغلط نفس الغلطة وبختار غلط
تصارعت أنفاسها وكثرت دموعها بسبب حديثه المهلك لقلبها: -طلقني!
قاطعهم طرقات جاسر على الباب.
-ياسين. فتح الباب وتحرك للأسفل مهرولا كالذي فقد عقله. وصلت غزل تطالعها بأسى
-ليه يابنتي كدا، طول عمرك وأنتِ عاقلة وبتحاولي تستحملي غضبه.
أغلقت الباب بعد خروجهم وهوت على الأرضية تحتضن جسدها باكية
بعد عدة ساعات بمنزل سيف جلس الجميع في جو من البهجة، سوى من عاليا التي انكمشت بجلوسها، جلست جنى بجوارها بمنزل عمها
-عاملة ايه!
-كويسة ياجنى، انا مخنوقة وعايزة أخرج هما مش لبسوا الدبل تعالي نخرج.
اه لبسوا الدبل وقالوا كتب الكتاب يوم الجمعة، توقفت عاليا بعد استماعهم لأصوات الاغاني والزغاريط بمنزل
توقفت جنى قائلة: هروح ابارك لهنا لتفكر مرحتش علشان حاجة وراجعة لك تاني
صعدت غرفتها بعد خروج جنى وقامت بسحب حقيبتها لتغادر المنزل، توقفت توزع نظراتها على تلك الغرفة التي شهدت قصة حبهما.
انسابت عبراتها تجر حقيبتها تجمع بها ذكرياتها المأسوية والجميلة معه وتحركت متجهة للأسفل، قابلها أوس على باب المنزل، نظر للحقيبة ثم إلى دموعها
-عاليا رايحة فين؟
أزالت دموعها وأجابته
-راجعة بيت والدي، وصلت المربية براسيل
-راسيل يااستاذة عاليا. أشارت إلى السيارة واردفت
-وديها العربية. رفع أوس هاتفه يهاتف ياسين. بينما هي تحركت إلى السيارة، وجدت من يقبض على كفيها بعنف.
-يعني مش مكفيكي الفضيحة اللي عملتيها لا وكمان عايزة تسيبي البيت
-سيب ايدي ياياسين، احنا خلاص مينفعش نبقى مع بعض
وصلت إليهم جنى وهي تضع حقيبة صغيرة بالسيارة
-سبها ياياسين، هنروح على بيتنا كام يوم تهدى وبعدين نرجع تاني مش كدا ياعاليا
-لا مش كدا ياجنى، انا هرجع بيت ابويا وياريت حضرة الظابط يبعت لي ورقة الطلاق
قالتها ثم استقلت السيارة فاتجه يفتح باب السيارة بعنف يحمل ابنته.
-يبقى ارجعي لوحدك، بنتي مش هتبعد عني
وصل جواد على صوت الضجة
-في ايه؟
ترجلت من السيارة تشير الى ياسين
-هات البنت ياياسين، لو سمحت متخلنيش اندم على جوازنا
-أنا قولت بنتي مش هتبعد عني عايزة تمشي مع السلامة مش ماسك فيكي
-عاليا أنا بسأل فيه ايه
-آسفة ياعمو جواد، مش هقدر أكمل مع حضرة الظابط، قالتها واستقلت سيارتها وقامت باستخراج حقيبة جنى -مالوش لزوم تسيبي بيتك علشاني قالتها وتحركت بالسيارة للخارج.
حملت جنى راسيل التي ارتفع بكاؤها بعد خروج والدتها، بينما توقف ياسين مذهولا من فعلتها، اتجه إلى الأعلى، دلف إلى الغرفة وبدأ يثور ويحطم كل ما يقابله
-ايه اللي حصل دا ياغزل، كنتي فين
وضعت كفيها بخصرها تمسح على وجهها بحزن: -والله مااعرف العيال دول ايه اللي حصلهم، عاليا اتجننت خلاص.
-ايه يادكتورة ماتعقلي كلامك، واحدة شافت جوزها في حضن واحدة تانية منتظرة منها تاخده في حضنها، رغم تصرفها الغبي لكن عجبتني، اه هي قلت بينا بس البنت تستاهل، البنت دي اللي زمان دمرت ياسين ايه البجاحة دي راجعة وبتقول انا راضية أكون زوجة تانية، ترضيها لحد من بناتك
جلست غزل تضع رأسها بين راحتيها
-ياربي لو شوفته فوق بيعمل ايه، دا مسبش حتة سليمة في الاوضة
بالشركة الألفي.
اتفضل حضرتك دا البروجرام بتاع النهاردة، وكمان فيه جدولة لبعض المشاريع الباشمهندس أوس شيك عليها
كانت نظراته تحاصر كفيها، وضعت تلك الأوراق أمامه
-الورق دا ممكن حضرتك تمضي عليه علشان، بتر حديثها عندما لامس كفيها
-ايدك عاملة ايه دلوقتي...
سحبت كفيها سريعا، وابتعدت خطوة للخلف
-كويسة الحمد لله، متشكرة للأهتمامك
نصب عوده وتوقف: -آسف، ترقرقت عيناها بالدمع وابتعدت ببصرها عنه.
-على ايه يافندم، ياترى على اهانتك المتعمدة، ولا حرق ايدي، ولا غرورك اللي مفكر أن مفيش حد بيفهم سوى الباشا
دنى منها مذهولا من حديثها الذي امتزج بدموعها، حتى توقف أمامها مباشرة
-جوان مش قصدي
استدارت ترمقه بنظرة لم يعلم معناها ثم هتفت
-اكيد مش قصد حضرتك، بس ياريت تنزل من البرج العالي لواقع الأرض علشان تحس بغيرك
علي العموم انا ماليش أعاتب حضرتك.
-الورق عند حضرتك، ولما تخلصه ابعته مع ميس نادين. قالتها واستدارت للتحرك إلا أنه أطبق على كفيها، فصرخت بتأوه من آثار الحرق، تركها سريعا يرفع يديه
-آسف. اسف
طالعته بنظرة نارية وهتفت باستنكار من فعلته
-اتمنى تحافظ على الحدود. بينا
جذب ذراعها بعنف ودفعها لتجلس على المقعد عندنا رأى التهاب حرق يديها، ثم جذب من درج مكتبه ذاك الكريم الذي جلبته ربى بناء على طلبه.
-دا كريم ومرهم كويس للحروق، حطي منه علشان يرطب الحرق، ايدك التهبت
سحبت كفيها مبتعدة عنه واردفت شاكرة: -شكرا لحضرتك ياافندم، انا مش قاصر علشان معرفش اهتم بنفسي
-جوان. تمتم بها وهو يطحن ضروسه
-اسمعي الكلام مش عايز دوشة، سحب كفيها بقوة بعدما فتح أنبوب الكريم يضعه على كفيها الخارجي بهدوء، ثم دلكه بأنامله بحرص وهو ينظر إليه بأسى
-مش المفروض تلمسي اي حاجة سخنة، ولا تمسكي قلم
سحبت كفيها وأردفت شاكرة.
-شكرا لحضرتك مكنش فيه داعي لدا كله. نهضت هاتفة
-فيه اجتماع بعض عشر دقايق، اومأ إليها وتحركت ونظراته على مغادرتها
جلس ينظر إلى أنامله التي مازال بها أثار الكريم. ابتسامة لاحت على شفتيه ولا يعلم لماذا، هل من صوتها الهادئ اليوم أو من روددها المتسرعة
بعد قليل جلس الجميع بغرفة الأجتماع، جلست بجواره تضع بعض الأوراق
-دا اللي مفروض نقدمه للمناقصة، أستاذة نجوى قالت اسلمه لحضرتك.
أشار بعينيه لخصلة شعرها التي هوت من حجابها. هزت رأسها غير مستوعبة نظراته. رفع أنامله وضمها لداخل الحجاب. ألجمتها الصدمة من فعلته رغم شعور بفراشات تدغدغ معدتها، ارتجف جسدها وانحبست أنفاسها بداخلها. حتى شعرت بعدم قدرتها على التنفس. لم يرحم ضعفها وأمال إليها
-روحي الحمام، ظبطي حجابك، فيه خصلات باينة من شعرك.
طالعته بصدمة ولم تقو على الحديث أو الحركة، كانت هناك من العيون تراقب حديثهما. دلف الجميع لحجرة الاجتماع، بينما هو أشار بعينيه إلى الحمام الموجود بالغرفة الكبيرة
نهضت تستند عندما فشلت بالوقوف والابتعاد عنه. ابتسامة ظهرت على وجهه عندما توردت وجنتيها وأصبحت كالتفاح، ابتعد بنظره مبتعدا عنها، يستغفر ربه، ويحدث حاله.
-البت دي عملت فيك ايه يافارس اتجننت فوق. قابل عيناه عين عز الذي غمز إليه. ولكن قطع حرب النظرات عندما تحدث أوس مبتدأ الاجتماع، بوصولها تجذب المقعد وتجلس بجواره. تحدثت إحدى المندوبات
-احنا سعداء جدا بالعمل معاكم، وانا النهاردة جايبة عرض هنستفيد منه احنا الاتنين
أشار أوس إلى جوان
-جوان شغلي العرض، توقفت امام شاشة العرض وبدأت تشير إلى أرقام الميزانية التي وضعتها الشركة المنافسة بالتفصيل.
اومأ أوس يشير إليها بالجلوس، ثم اتجه إلى نادين العضو المنتدب للشركة الأخرى
-حضرتك سمعتي دلوقتي. عروضكم مش مستوفية شروطنا
رمقت جوان بنظرة ثم توقفت بدلال وأشارت إلى بعض الارقام وتقوم بعكسها ثم التفت إليهم
-ليه منعملش كدا، المكسب هيكون الضعف. انحنى فارس وابتسامة ساخرة هاتفا
-شوفتي الشطارة يااستاذة جوان، وحضرتك بتزعلي مني، عايزة تروحي الجامعة مرحلة تأهيل.
استندت على طاولة الاجتماعات متناسية حديث الجميع واردفت وعيناها تخترق أعين فارس متوقفة
-اه دا مكسب قريب بس فيه خسارة الضعف قدام، غير طبعا إنهاك العمال والمكن، مصانع الأدوية بتعتمد على الجودة قبل الكمية، مش علشان نكسب اسبوع كويس نخسر شهور قدام. ثم اتجهت بنظرها إلى نادين
-أنا بتكلم في مجالي وطبعا الرأي الاخير للمهندسين، وانا متأكدة سمعة الشركة في السوق مستحيل تغامر بكدا
صفق أوس يشير إليها بالجلوس.
-برافو ياجوان، دا اللي عايز افهمه للاستاذة نادين، عرضكم مرفوض. وافقت نادين على مضض على شروطهم وتم التوقيع بين الطرفين. انتهى الاجتماع وتحركت إلى مكتبها، تحرك خلفها أوس يشير إليها
-انقلي مكتبك عندي، هحتاجك في الأيام الجاية، فارس معاه نجوى، والصراحة مستخصرك في الميزانيات فارس
ابتسمت له بمجاملة بوصول فارس متسائلًا: -في ايه. أشار عليها
-عايزها عندي، شوف مسعد يجب لك غيرها.
-ليه هي عروسة حلاوة، دي وظيفة، روح دورلك على واحدة تانية، وأنتِ مكانك متسبهوش لأي سبب. قالها بغضب عارم واتجه إلى مكتبه لا يعلم مالذي بها ليجذبه بتلك الطريقة
مرت الأيام والشهور سريعا وعاليا التي اعتزلت بنفسها بمنزل والدها، حاولت غزل معها بعد الذهاب إليها ولكنها لم تعود
تغيرت حالة ياسين وأصبح أكثر غضبا
واعتزل الجميع سوى ابنته التي اقترب منها وجعل حياته كلها منصبة اتجاهها
استيقظ على صوتها.
-بابي. بابي، يالة حضرتك قولت هتوديني لمامي، انطي جنى تعبانة ومش قادرة تروح
فتح عيناه وحملها واجلسها فوق صدره
-عاملة دوشة ليه على الصبح
-عايزة اروح أشوف مامي النهاردة الجمعة وحضرتك وعدتني.
شعر بانشقاق قلبه لنصفين، لقد اشتاق اليها حد الجنون، مرت قرابة الثلاث أشهر على عقابه أشد العقاب، رغم تهديدها بأبنته إلا أنها ظلت تعاقبه، بوقوف والده بجواره، وجلوس راسيل معها ثلاث ايام بالاسبوع، حتى يضغط جواد على كلاهما ولكن كليهما تمسك برأيه
قبل رأس ابنته وأشار إليها بالخروج
-انزلي العبي مع ولاد عمك وانا هاخد شاور وانزل حبيبتي. قبلت وجنتيه تصفق بيديها وهبطت
مساء قبل حلول شهر رمضان.
أغلق ألبوم الصور. ثم انحنى يطبع قبلة مطولة على جبينها
-حبيبة بابي لازم تنام علشان عندها حضانة الصبح. رفعت رأسها تحاوط والدها.
-بابي احنا هنفضل عايشين بعيد عن مامي قد ايه، هي وحشتني قوي. لمعت عيناه بالعبرات فلقد شقت كلمات ابنته صدره، واشتعل من اشتياقه الكامن لها، فنهض من فوق فراشها مهرولا للخارج يحبس عبراته حتى لا يضعف أمامها، ولج لداخل غرفته واطبق على جفنيه بقوة يمنع عبراته من التمرد. قطع جحيم اشتياقه هاتفه. ابتلع غصة واجاب
-أيوة يابابا. على الجانب الآخر
انزل بالبنت كلنا تحت وسفيان هنا كمان بيسأل عليها.
حمحم حتى يجلي صوته قائلا
-عندها كويز بكرة ولازم تستعد. قاطعه على الجانب الآخر
-قولت نزل البنت، انا عارف انها صاحية. وبعدين احنا في رمضان يعني مفيش نوم قبل الفجر، مش هتكلم كتير
استمع لطرقات على باب غرفته. طلت برأسها
-بابي ممكن انزل شوية لجدو ونانا
أشار بيديه تقدمت منه
-جلس على عقبيه أمامها يمسد على خصلاتها
-إنتِ زعلانة من بابي علشان منعك تلعبي تحت
هزت رأسها بالنفي.
-لأ يابابي، انا كان عندي هوم ورك وكان لازم اخلصه مع الناني، حضرتك زعلان مني. ابتسم لها ثم رفع كفيها يقبله
-ابدا ياحبيبة بابي انزلي شوية لجدو وابعدي عن سفيان وآدم وقصي. أمسكت يديه
-طب ممكن اكلم كنان يابابي
-انزلي حبيبة بابي هغير رأيي
بعد فترة من مراقبة جواد لأحفاده، وصل حازم وجلس بجواره
-كل سنة وانت طيب ياجواد
ابتسم إليه: -وأنت طيب حبيبي، فين مليكة
-عند ميرنا بيشوفوا ايه اللي ناقص العروسة.
-خلاص جواد نوى يدخل بعد العيد
اجابه حازم
-إن شاءالله كانت هنا خلصت امتحاناتها، لو على جواد عايز يتجوز الصبح
ابتسم جواد بحزن ثم رفع رأسه الى حازم
-عندي مشوار مهم، شوية وراجع لك
-حضرتك طلبتني يابابا. قالها أوس
أشار إليه بالدخول
-جهز عربيتك يابابا هنروح لمرات اخوك
دلفت غزل تطالعه بصدمة
-جواد هتروح فين دلوقتي
تحرك قائلاً: -رايح اجيب ام البنت. صاح على جاسر الذي هبط من أعلى
-مفاتيح بيتك فين؟
ضيق عيناه مستفهما: -فيه حاجة يابابا!
جذب مفاتيحه وأردف:
هنفضل لحد امتى يعني واحنا ساكتين
وكل اللي بت
بيقوله محدش يدخل، والتانية راكبة دماغها، كويس إن باباها جه، اه. نعرف نتكلم معاه. خد مراتك على بيتك، وانا هقنع عاليا تيجي هناك علشان بنتها، حرام البنت مالهاش ذنب
اومأ جاسر متفهما ثم هتف
-أنا عندي شغل كام يوم في بور سعيد وجنى خلاص داخلة على الشهر السابع
مينفعش تقعد لوحدها فياريت حضرتك تقنعها بكدا فعلا.
تحرك قائلا: -هتيجي لما اقولها هتيجي. لما اشوف آخرة اخوك ايه
بالأعلى امسك هاتفه وقام بمهاتفتها، قامت بالرد عليه سريعا
-البنت حصل لها حاجة. تنهيدة موجعة ثم أردف: -أنا مسافر بكرة العريش، ومش عارف هرجع امتى خلي بالك من البنت كويس
هبت من مكانها واختتق حلقها بغصتها المؤلمة
-عريش تاني ليه؟
تراقص قلبه فرحا عندما شعر بخوفها عليها، فلعب على مشاعرها قائلا
-يمكن ترتاحي ويجي لك خبر وفاتي.
شهقة خرجت من فمها تضع كفيها على فمها تهمس بصوت خافت
-بعد الشر عنك
أطبق على جفنيه يهمس إليها
-وحشتيني يالولو، قلبك قاسي قوي على ياسين
ارتفع بكاؤها قائلة
-ياسين! نهض من مكانه هامسًا إليها
-حياته كلها ياهبلة، ازاي تفكري ممكن اخونك بس ياعاليا وانا روحي فيكي
-ياسين. قلبي وجعني ليه عملت فيا كدا. لو عايزني تعالى خدني
تحرك سريعا إلى غرفة ثيابه ليرتدي ثيابه سريعا متجها إلى خاطفة قلبه.
بالحديقة تجلس بأحضانه ويحاوطها بذراعيه، يشاهدون بعض غرف النوم واثاث منزلهم، توقفت عند إحدى الغرف تشير إليه
-دي حلوة حبيبي، ولونها حلو قوي
عاجبك حبيبي
رفعت رأسها إليه
-عجبتك انت، لملم خصلاتها وانحنى يطبع قبلة على وجنتيها
-المهم أنتِ اللي يعجبك يعجبني
-جواد بتحبني. جذبها بقوة لأحضانه
واطبق على جفنيه يستنشق رائحتها بوله
-جواد بيعشقك ياهنا، نسيتي انك بقيتي مراتي وباقي شهر وتكوني في حضني
دفنت رأسها بأحضانه.
-كنت خايفة انك تكون اتأثرت بكلامي
رفع رأسها واحتضن وجهها مقتربا لتختلط أنفاسهما ببعضهما
-جننتي جواد ياهنا، عايزة ايه اكتر مابقيت اعد الساعات علشان ارجع من شغلي واضمك لحضني
ابتسمت تلمس وجهه
-عايزك تحبني على طول لحد ماانعجز
قهقه عليها يجذبها للنهوض
-طيب نتجوز الأول وبعد كدا نشوف الموضوع دا
عند عاليا اصطدمت بحديث جواد وعجزت عن الرد، فأشار والدها.
-عمك جه هتكسفيه، قومي ارجعي بيت جوزك وهو قالك اهو أنتِ راجعة لبنتك وهو هيعرف يتصرف مع ابنه
نظرت بحزن للخارج تنتظر وصول ياسين ولكن خاب املها، فتحركت إلى غرفتها لتعود مع جواد على منزل جواد
عند ياسين قبل قليل، ارتدى ثيابه وهبط للأسفل قابلته والدته
-ياسين بابا راح يرجع عاليا واياك تعترض، هيرجعها علشان ابنتها، ابتسم لوالدته ولكنه بتر الابتسامة عندما أكملت والدته.
-هتروح على بيت جاسر ومالكش دعوة بيها. ودا شرطها
باليوم التالي بالشركة خرجت من الشركة فتوقف أمامها
-عايز اتكلم معاكي، نظرت إلى صديقتها ثم أشارت إليها
-هشوف الباشمهندس عايز ايه وهلحقك
أشار إلى سيارته قائلا
-روحي أنتِ يانجوى جوان هتروح معايا مشوار تبع الشغل
زوت مابين حاجبيها متسائلة
-شغل ايه. أشار إليها يفتح باب السيارة
-ادخلي ياجوان مش هاكلك. توقفت للحظات ثم استمعت إلى صوت عز بالخلف.
-روحي معاه ياجوان، متخافيش من فارس، هو هيتكلم معاكي على ضمانتي
صعد ياسين بغرفته يدور حول نفسه
-كانت بتضحك عاليا، عايزة تعرف حبي ليها، كور قبضته يزأر بصوت كالاسد، ثم تحرك إلى منزل جاسر
بعد قليل بمنزل جاسر، صعد إلى غرفته وترك جنى لاستقابلها، وصلت عاليا بعد قليل، هرولت ابنتها إليها
-مامي جت. انحنى جواد يقبل حفيدته يشير إلى جنى
-حبيبة عمو خلي بالك من نفسك، همس جواد إليها.
-ياسين عرف أن عاليا هنا، هتلاقيه شوية وجاي، سبيه ياخدها
ابتسمت إليه وعلمت بمخطط عمها، استدار جواد يشير إلى عاليا بالدخول
ثم تحرك إلى سيارته
وصل بعد قليل مترجلا من سيارته يبحث عنها، قابلته جنى التي تحمل كوب لبن لابنها، توقفت أمامه
-فيه حاجة...
أشار إليها غاضبا
-وسعي من قدامي علشان مزعلكيش
دفع باب غرفتها وأغلقه خلفه، كانت تقوم بتبديل ثيابها، بحث عنها، استمع الى صوت داخل غرفة الملابس.
دلف للداخل وجدها تحمل ثيابها وتلتف بالمنشفة.
تحرك إليها يطالعها بإشتياق كاد يحرق صدره، شعرت بأحدهم استدارت تنظر للذي دلف للداخل يغلق باب الغرفة بقدمه.
↚
�لف ودفع الباب بقدمه، اعتدلت تطالعه بصدمه تهمس اسمه بشفتين مرتجفتين، خطى إلى أن وصل أمامها
ظلت نظرات الاشتياق الممزوجة بالعتاب سيد الموقف.
رفع كفيه يمسد على خصلاتها وعيناه تبحر فوق وجهها يفترسها بإشتياق قلبه. ارتعاشة سرت بجسدها، حاولت التراجع ولكن خانها جسدها، ولم تجد سوى دموعها
امال بجسده يرتشف عبراتها بخاصته إلى أن شهقت بصوت مرتفع، ولكنه منع شهقاتها بطريقته الخاصة. دقائق كانت للقلوب حظها الأكبر من احتضان بعضهما البعض بلهفة الاشتياق والعشق بآن واحد
فصل قبلته التي كادت أن تسحب روحها لخالقها، يضع جبينه فوق جبينها يتنفس أنفاسها الناعمة. لحظات صمت من الألسنة ولكن هناك انفاسًا من اللهيب مشتعلة، رفع كفيه يحتضن وجهها واحتضن عيناها بسواديته
-كدا ياعاليا، ياسين هان عليكي الوقت دا كله
دفنت رأسها بعنقه وبكت بصوت مرتفع عاجزة عن الرد، ضمها لأحضانه بقوة، ثم رفعها بين ذراعيه ليتجه بها إلى فراشها، فيكفي ما صار من فراق بينهما
وضعها على الفراش بحنو، يداعب وجنتيها بأنامله وعيناه ترسمها باشتياقه الكامن بقلبه، انحنى ليبعثر لها عشقه المتمادي بينهما، لم يشعر بالوقت الذي مر بينهما. دقائق من النعيم وعزف القلوب انتهى بنومها بأحضانه تنعم بقربه ورائحته الرجوليه ودفئ انفاسه، ظل بجوارها بعض الوقت يرسمها كفنان مبتدع، ينعم بقبلاته تارة وبهمسها باسمه تارة إلى أن استمع الى آذان الفجر، ليتوقف بعدما دثرها جيدا، واتجه إلى المرحاض ليغتسل ويخرج بعد دقائق معدودة. قبلة مطولة حانية ونظرات مودعة ليستدير مغادرا، ورغم ماشعر من نشوته واشتياقه إلا أنه لام نفسه لضعفه بتلك الطريقة
تقابل مع أخيه على بوابة المنزل، رسم جاسر المفاجأة بوجوده
-إنت هنا من بدري. تحرك إلى سيارته قائلًا: -خلي بالك من راسيل لحد ما ارجع إن شاءالله
ضيق جاسر عيناه متسائلًا: -هترجع منين
استقل السيارة قائلًا: -مسافر العريش، شوية تنقلات سريعة ولازم نكون على الحدود كمان، يعني ممكن ابعد عن العريش
قبض على كتفه واردف بهدوء
-ياسين عاليا تعرف انك مسافر، قام بتشغيل المحرك وقاد سيارته وغادر المكان
بعد فترة عاد جاسر من الصلاة، وجد زوجته انتهت من صلاتها ونهضت تنزع رداء صلاتها بتألم، اتجه إليها يساعدها
جنى عاملة ايه حبيبتي. اومأت برأسها قائلة: -أنا كويسة حبيبي الحاجات دي كلها عادية. جلب إليها منامة مريحة، وساعدها بارتدائها ثم ساعدها بالتسطح يمسد على خصلاتها.
هجبلك حاجة تشربيها. أمسكت كفيه ونظرت إليه
-جاسر مش عايزة غير أنام في حضنك، مش عايزة اكل او اشرب
احتضن وجهها واردف بأسى على حالتها المتألمة
-حبيبتي انتِ مش شايفة نفسك، لازم تتغذي علشان تقدري توقفي، وضع كفيه على أحشائها
-وبنتنا تيجي بالسلامة
هزت راسها رافضة حديثه
-عايزة انام بس حبيبي لو سمحت، لو بتحبني صح بلاش اكل وشرب دلوقتي مش عايزة غير حضنك بس
استدار إلى الجانب الآخر من الفراش وقام بنزع كنزته ليتمدد بجوارها، ويقترب منها يضمها إلى صدره بحنان
دفنت نفسها بداخل أحضانه محاولة السيطرة على الا تبكي فاليوم شعورها بالألم زائد عن الأيام الأخيرة
ء-ياسين قابلني وانا رايح اصلي.
رفعت رأسها تنتظر باقي حديثه، فتابع
-شكله مسافر، بس اللي اتأكدت منه أنه لسة زعلانين من بعض
-إزاي، اومال الوقت دا كله بيعملوا ايه بدل لسة زعلانين
تنهيدة متألمة وهو يفرد جسده يضع رأسها فوق صدره
-معرفش ياجنى، معرفش ايه اللي حصل، انا خايف من حاجة تانية
ضيقت عيناها وهي تداعب صدره وكأنها ترسم دوائر فرفعت رأسها متسائلة: -خايف من ايه؟
مسح على شعره قائلاً: -إن جالها احتياج ياجنى، وقتها عاليا مستحيل تسامحه، معرفش عيونه كانت تايهة حسيته أنه مش عارف عايز ايه
-قصدك جه علشان. توقفت عن الحديث تهز رأسها رافضة حديثه
-لا. مظنش ياسين يكون كدا
-الحب يعمل اكتر من كدا حبيبي، هو بيحبها بس كرامته وجعها
اعتدلت تطالعه باستفهام
-يعني يوجع قلبها علشان كرامته ياجاسر
مرر أنامله على وجهها
-مش كله ياروح جاسر فيه اللي ميقدرش وبيسامح علشان حبيبه وفيه اللي كرامته اهم حاجة
صمتت للحظات ثم زحفت بثقل جسدها مقتربة من وجهه
-وياترى حبيبي انهي نوع. اللي بيخاف على كرامته ولا اللي بيعدي
لمس خاصتها مغمض العينين ثم همس بصوته الأجش
-حبيبك روح في جنته بس، مش عايز حاجة غيرها. فتح عيناه ليقابل بنيتها القريبة هامسًا: -عايز جنته تطمن، بيقولها مستعد اتنازل عن نفسي علشان اشوف ضحكتها
تحجرت عيناها بنجومها المتلألئة وهمست بتقطع: -حياتي كلها فداك ياروح جنتك
ضم رأسها لصدره يهمس بحنان
-يباركلي في جنتي وحياتها يارب. مررت أناملها على عنقه مرة تغازله بعيناها، ورغم شعورها بالامها إلا أنها أرادت اسعاده لتهمس بجوار أذنه باغراء
-وحشة جنتك قوي حبيبي
قبل رأسها يضمها إليه بصمت فيكفي مايشعر به، يريدها بقوة ولكن تعبها وآلامها قاده إلى أمانها اولا
تابع حركاتها بعيناه فانحنى لأذنها
-جنجون صدقيني أنا سعيد وانت في حضني، دا بالنسبالي أهم من أي حاجة، فمتحاوليش تتعبي نفسك علشان ترضيني، وتأكدي انا اسعد راجل في الدنيا
اغروقت عيناها بالدموع مما جعلها تدفن رأسها بأحضانه لترتفع شهقاتها
-إنت مضايق وزعلان مني وبتحاول ترضيني صح
وضع إبهامه على شفتيها
-اشش اهدي ياهبلة مين قالك كدا. لدرجة دي شيفاني شهواني حقير كدا. رفعت رأسها سريعا تهز رأسها بالنفي
-مش قصدي والله، بس انا بقالي اكتر من شهر تعبانة وانت يعني.
امال يحتضن كريزتها ثم تراجع ينظر لعيناها
-انا يعني ايه، أنا اسعد راجل، مرر إبهامه على كريزيتها يداعب أنفها
-هعوز أكتر من كدا ايه ومن غير حاجة
عارف ومتأكد لو بايدك حاجة كنتي زمانك دلوقتي بتتنططي
لمس أذنها بخاصتها وهمس
-أنا بعشق جنى بكل حالاتها، ومش عايز غير أنها تقولي بحبك ياجسورة
دي بتدخل قلبي بطفي ناره حبيبي
رفعت نظرها إليه تهمس بشفتيها وعيناها تخترق رماديته: -بعشقك يابن عمي، عشق الكون كله ربنا حطهولك في قلبي
كان هذا كفيل لمهاجمة كريزتها ليتذوق منها مااطيب من شهد عسلها
بعد فترة غفت بأحضانه وعيناه على بطنها المنتفخة وهي تتأوه بنومها
ظل يهمس لها ببعض آيات الذكر الحكيم لتهدأ بنومها. ولكن آلامها كانت تظهر على ملامح وجهها
وضع رأسها بهدوء على الوسادة وتسحب بهدوء يلتقط هاتفه ليهاتف والدته
نهضت غزل من نومها فزعة تلتقط. هاتفها حتى لا يوقظ زوجها
-جاسر فيه ايه ياحبيبي. توقف بالشرفة يرجع خصلاته بكفيه للخلف قائلاً: -ماما جنى بتتوجع قوي وهي نايمة، دي مابتنمش خالص وصعبانة عليا
تنهدت براحة وأجابته
-حبيبي هي كويسة، الحمل اللي بيكون كدا
خلل أنامله بخصلاته وهو يدور حول نفسه حينما عجز عن مساعدتها. استمع الى كلمات غزل
-ياسين عندك ياجاسر
أطلق تنهيدة عميقة وجلس على المقعد متذكر أخيه فأجابها: -مشي بعد الفجر قالي عنده شغل. اعتدلت على فراشها ونزلت بهدوء من فوق الفراش حتى لا تيوقظ زوجها ثم سحبت روبها وتحركت للخارج ومازالت تتحدث بالهاتف: -يعني ايه مشي هو مصلحش مراته
-معرفش. كانت إجابة بسيطة محبطة له ولوالدته التي سأمت من ابنها فهتفت: -تمام خلي بالك من مراتك، والتعب اللي هي فيه دا عادي. تذكر شيئا فتسائل بحيرة
-ماما مش المفروض طنط نهى وعمو صهيب يكونوا رجعوا معاكم ليه مرجعوش لحد دلوقتي
هبطت درجات السلم ومازالت تحادثه ولكنها توقفت عندما وجدت ياسين متمددًا على الأريكة بغرفة الاستقبال فأجابت جاسر
-عمك صهيب راح يعمل عمرة حبيبي، مردناش نتكلم قدام جنى، وزي ماانت عارف عز مش عايز جنى تعرف إن والدتها عملت العملية من غير ماتعرف، هتزعل قوي، واحنا كنا خايفين عليها علشان حملها، والصراحة كويس اللي عز وفارس عملوه أنهم اخفوا الموضوع، واهو ماكذبوش عليها وعمك راح فعلا يعمل عمرة
تراجع بجسده متذكر حديثها فأردف: -عمرة تلات شهور ياماما، كل شوية تقولي ليه بابا طول كدا المرة دي في السعودية انا بحاول أقنعها أنه عجبه القعدة هناك وخاصة مبقاش فيه مسؤوليات بعد استلام فارس
همست غزل إلى جاسر
-طيب حبيبي هقفل دلوقتي علشان اخوك نايم قدامي اهو، انت خلي بالك من مراتك لما اشوف ياسين هيعمل ايه
جلست بجواره تمسد على خصلاته، حرك اهدابه بعدما تململ بنومه، اعتدل سريعا يمسح على وجهه بعدما وجدها والدته
-ماما. ! حضرتك بتعملي ايه هنا
-أنا اللي المفروض اسأل ياحضرة الظابط انت نايم هنا ليه. انحنى يجذب ساعته ثم نهض من مكانه
-اتأخرت قوي عندي شغل، والمفروض اسافر العريش، قالها وتحرك ولكنه توقف عندما اردفت غزل: -ياسين كنت فين وليه نايم هنا.
استدار إليها وأجابها
-كنت عند جاسر واكيد هو اتصل بحضرتك وقالك. اقتربت بخطاها وناظرته بأسى ثم ربتت على كتفه
-يعني عجبك اللي انت بتعمله دا، طيب قولي ينفع دا، والله لولا سفري انا وباباك كنت مستحيل اسكت على اللي عملته دا، وحضرتك شوفت يادوب وصلنا من هنا وباباك اتجنن من عمايلك وراح جاب مراتك علشان حفيدته تتربى في بيت ابوها
-والله يعني حضرتك شايفة أن لما بابا ياخدها بيت اخويا ويلغيني يبقى كدا هتتربى في بيت ابوها، هو بابا ليه مااخدش باله أن راسيل كانت في بيت ابوها الفترة دي كلها
التوت زواية فمها بسخط من حديث ابنها وتحدثت متذمرة
-اسمعني كويس ياياسين، احنا مكناش في عمرة زي ماجاسر قالك، اقتربت منه وقبضت على كتفه تنظر لمقلتيه
-نهى كانت بتعمل عميلة استئصال، علشان مريضة كانسر
شهقة من فمه مع ذهول بعيناه متسائلا
-وليه خبيتوا علينا، هو احنا اطفال
-لا مش اطفال، بس مرات اخوك حامل وشايف تحذيرات الدكاترة بحالتها، البنت ضغطها من اول الحمل عالي غير السكر اللي رفع من يومين ودا بكلام ربى اختك نفسها انا بحاول اطمن جاسر وباباك شايل هم عمك ومراته، وفرح جواد اللي اتأجل تلات شهور، وعز اللي بقى مقسوم بين هنا علشان جنى متشكش وبين والدته، وحضرتك جاي تقول كلام فاضي. انا كنت واقفة معاك من الأول، اه منكرش غلط عاليا لكن إنت غلطك اكبر، مفيش حاجة بنت تقرب من راجل وتبوسه وهو يسكت، ايه ياحضرة الظابط
صعد للأعلى عندما عجز عن الرد لااحد يشعر ببركان غضبه من زوجته التي كانت على حافة التهلكة، الكل يضعونه في محل الاتهام ويدعونها بما فعلته، دلف إلى حمامه وانعش نفسه بحماما باردا، توقف أمام المرآة ينهي ارتداء ملابسه...
بمنزل صهيب
بغرفة الرياضة كان يقوم بعمل تدريباته الرياضية وباذنه يضع سماعته، دلف عز إليه، توقف للحظات وهو مكتف الذراعين، إلى أن ينتهي من رياضته
توقف ليرتشف المياه، لاحت ابتسامة على وجهه عندما وجد اخيه يطالعه بصمت، اغلق جهاز الحركة ونزل يجذب زجاجة المياة متجهًا إليه
-صباح الورد ياابو أيهم
-صباح الخير حبيبي، ايه يارياضة ياشغل، طيب اقعد شوية مع ابن اخوك ياأخي. ارتفعت ضحكاته وهو يتحرك بجواره للخارج بعدما جذب منشفته يجفف عرقه. هبط للاسفل حتى وصل لحديقة المنزل
توقف يغمز إلى عز قائلاً: -دقيقتين كمان، قالها وهو يقفز بالمسبح. جلس عز أمامه يردف:
-الاجتماع بتاع النهاردة تحضره مع أوس، انا مسافر كام يوم مع روبي، عايزة تغير جو، انت عارف بقالنا فترة مخرجناش من القاهرة، غير الحمل اللي تاعب نفسيتها
توقف عن السباحة يرجع خصلاته المبللة بالمياة ثم أجابه
-مينفعش تبعد الايام دي
قطب جبينه متسائلًا: -ليه مينفعش أخرج. أشار إليه بالانتظار، دقائق وهو يسبح ثم خرج وجلس بجوار أخيه
-جنى! . اعتدل عز ينتظر بقية حديثه فتابع: -جنى وانتوا مسافرين تعبت اوي واتحجزت يومين بالمستشفى، وربى عارفة الكلام دا
ظل مسلط بصره ينتظر بقية حديثه فتابع فارس قائلا: -الدكتورة قالت ضغطها بيعلى وسكرها ودا خطر عليها وعلى الحمل ولازم مراقبة على طول، علشان كدا بقولك مينفعش تبعد واختك تعبانة وكمان ماما مش موجودة
توقف عز متجها إلى منزل عمه، أما فارس اتجه إلى جناحه ليتجهز للنزول لعمله
بمنزل جواد
فتح عيناه بإرهاق، وضع كفيه على صدره عندما شعر بالالام صدره. اعتدل يفتح درج الكومودو يجذب علاجه قبل دخول زوجته، ازداد الألم حتى فقد التحكم في أعضائه. انزل بساقيه ببطئ محاولا الوصول لكوب المياه، رغم قربه إلا أنه شعر أنه يبعده بالأمتار، جذبه أخيرًا بعد محاولات عدة، ارتشف القليل من المياة بفم مرتجف، ثم بسط كفيه ليضع الكوب ولكنه سقط على الأرضية بدخول غزل. ارتضدم الكوب مصدرا صوتا لتفزع غزل، مهرولة إليه
-جواد فيه ايه!
تراجع بجسده يطبق على جفنيه محاولا السيطرة على ارتعاشة قلبه الذي بدأ يضعف نبضه. ظل لدقائق مطبق الجفنين، مما جعلها تطالعه بتخبط وتألم طالعته بذهول لما أصابه. جلست بجواره تجذب رأسه لأحضانها ظنا أن ماأصابه حزنه على صهيب. ملست على رأسه وتنهيدة عميقة خرجت من اعماق أحزانها
-جواد نهى بقت كويسة، وكلها اسبوع وترجع هي وصهيب، ونعمل فرح هنا وجواد، متشلش هم حبيبي كل حاجة هترجع زي الاول. وعايزة اطمنك على ياسين، راح بات مع مراته ولسة راجع من شوية، بس هو سافر العريش علشان فيه حركة تنقلات هناك
كان يستمع إليها ولكنه لم يقو على الحديث، أغمض عيناه بأحضانها وتمنى أن كل شيئا سيبصح بأفضل حال، لكن هناك قبضة اعتصرت فؤاده حينما تذكر أمر مرضه
ظلت لفترة تمسد على خصلاتها وتحاكيه بحنان عن ولادها، نظرت إلى وجهه عندما وجدت صمته، انحنت تقبل جبينه ثم اعدلت وضعيته لتقوم بدثره واتجهت إلى الحمام
بمنزل جواد حازم
تجهز متجهًا إلى عمله، قابلته والدته
-حبيبي انت خارج دلوقتي
اومأ إليها ثم انحنى يطبع قبلة على جبينها
-ماما عندي شغل مهم فيه حاجة. استندت على الجدار وهتفت بملامح عتابية
-مش ناوي تفرحنا وتحدد على فرحك يابني
استدار لوالدته يطالعها بصمت ثم هز رأسه قائلًا: -إن شاءالله ياماما، إن شاءالله، هرجع من الشغل ونتكلم في الموضوع دا
أطبقت على كتفه
-جواد انا هروح لخالك واتكلم معاه اعمل حسابك الفرح هيكون على اخر الشهر احنا مجهزين كل حاجة
-اعملي اللي تعمليه ياماما. أردف بها جواد وتحرك للخارج
اتجه لسيارته قابله فارس
-جواد!
توقف أمامه جواد متسائلًا بعينيه
-فيه حاجة، اقترب منه يضع كفوفه بجيب بنطاله
-عايز رقم ابن عم جوان!
زوى مابين حاحبيه واردف بتسائل
-عايزه ليه؟
-عجباني ياسيدي فيها حاجة
اقترفت شفتيه ابتسامة ساخرة فاقترب يضع كفيه على كتفه
-يعني السنارة غمزت ولا ايه ياسيد الناس
زم شفتيه ولاحت ابتسامة لاعوب قائلا
-ليه انت ولي أمرها وانا معرفش ولا ايه ياحضرة الظابط
ربت على كتفه وتحرك إلى سيارته
-هبعتلك رقمه يانمس، جود باي ناو
خرجت هنا مهرولة إليه
-جواد! . توقف مستديرًا إليها، كانت تتحرك بخطوات واسعة، فاتجه إليها سريعا قائلاً
-على مهلك هتوقعي، وصلت إليه بأنفاس مرتفعة. حاوط جسدها
-اهدي حبيبي فيه ايه. بسطت كفيها إليه بجهازها المحمول
-حبيبي آسفة ممكن تاخد الجهاز على العنوان دا في طريقك، مش فاضية أخرج عندي شغل كتير
ضم رأسها يطبع قبلة أعلى رأسها
-عيوني، المهم مشفراه كويس اومأت له مبتسمة
-مفهوش حاجة، المهم نقلته داتا والباقي مسحته كله، بابي مكلمه، جواد اللاب توب دا عزيز قوي عليا لو سمحت بلاش تعمل زي بابي وتقولي اغيره، لازم تشوف برمجته بس
داعب وجنتيها واومأ ينظر بعيناها
-عيوني لحبيب قلبي، خلصي اللي وراكي، علشان عندنا خروجة بالليل
عانقت ذراعه وتحركت بجواره إلى السيارة تهمس له
-جواد عايزة اسألك عن حاجة. توقف ونظراته تحاصرها منتظر حديثها
-عمو جواد مريض بايه؟
ابتعد ببصره عنها وسحب نفسًا ثم طرده بهدوء متجها إليها
-عرفتي منين الكلام دا؟
رغم اني مش منتظرة الإجابة دي بس هجاوبك. سمعتك بتتكلم مع بابي
نظر بساعة يديه ثم دنى يقبل جبينها
-عندي شغل وهتأخر حبيبي، نتكلم بعدين
توسلته بعينها ثم اقتربت تحتصن كفيه
-علشان خاطري جواد. فتح باب سيارته
اجهزي ياهنون، باي حبيبي. قالها جواد بذهول هنا وتحرك بسيارته
ضربت أقدامها بالأرض
-ماشي ياجواد؟
ببيت جاسر: تململت عاليا بنومها تتقلب بفراشها تبحث عن زوجها، فتحت عيناها تنظر يأرجاء الغرفة اعتدلت تجذب روبها، وارتدته متحركة تبحث عنه بباقي الغرفة، توقفت تطرق رأسها أرضا تهمس لنفسها
-معقول يكون نزل تحت لجاسر، أو يكون راح عند راسيل
فتحت الباب وخرجت متجهة إلى غرفة ابنتها وجدتها مازالت غافية، عادت إلى غرفتها متجهة إلى حمامها واغتسلت وخرجت تؤدي فرض ربها، ثم تحركت إلى الأسفل قابلتها منيرة تقوم بإعداد طعام الإفطار
-صباح الخير يامدام عاليا
اومأت برأسها ثم هتفت
-صباح الخير يا منيرة، هو ياسين في البيسين ولا ايه
وزعت الاطباق على الطاولة وتوقفت تجيبها: -حضرة الظابط مشي بعد الفجر على طول، كنت بعمل كوباية حليب لمدام جنى لقيته واقف مع حضرة الظابط جاسر ووقفوا شوية وبعدها سمعت صوت عربيته حتى كنت عاملاهم قهوة، لكن جاسر بيه قالي رجع حي الألفي
-ايه! . تمتمت بها عاليا بقلب منفطر. استدارت إلى غرفتها سريعًا غير مستوعبة مافعله لماذا أتى ولماذا رحل، هل فعل بي هذا. دلفت إلى الغرفة فهوت على الفراش تضع رأسها بالوسادة تكتم شهقاتها. لماذا فعل بها هذا، هل أتى لأغراضه. أطبقت على جفنيها وانسابت عبراتها بقوة تحتضن نفسها مع ذكريات ليلة الأمس التي ظنت أنها ليلة عمرها
بالأعلى بغرفة جاسر. لم يغلق له جفن بسبب ألالام زوجته ظل جالسًا بجوارها يقرأ بعض من آيات الذكر الحكيم، إلى أن ارهقه قلة النوم، فتمدد بجوارها، رفع كفه يضعه على احشائه يمرره بلطف حينما استمع إلى تأوهها. دنى من نومها يرفع رأسها على ذراعيه. دفنت رأسها تمتم بين النوم والايقاظ
-عايزة انام حبيبي. طبع قبلة على شفتيها
-نامي ياروح حبيبك. تنفس أنفاسها وغفى بالقرب منها يذهب باحلامه
. مرت عدة ساعات إلى أن فتحت عيناها على طرق الباب من قبل ابنها
-مامي. بابي افتحوا انا جيت. نهضت بجسدها الثقيل المرهق، تستند على الفراش إلى أن هبطت من فوق الفراش متجهة إلى الباب بجسد مترنح
فتحت الباب بهدوء، دلف من جوارها
-ايه مامي خبطت كتير. داعبت خصلاته تشير إليه بالدخول
-ادخل حبيبي وبطل تعمل دوشة بابي نايم.
-اووف انا عايز انزل الجاردن وألعب مع بابي، خلاص هروح لناني وراسيل
اومأت له عندما فقدت الوقوف تشير إليه بالخروج
-روح لناني وخلي بالك اوعى تلعب عند البيسين لوحدك
-حاضر. قالها وتحرك يهرول للأسفل، أغلقت الباب واستدارت للداخل، جلست بجواره على الفراش، ظلت تراقب نومه لبعض الوقت متذكرة جنونه بأيامهم القليلة التي اجتمعوا به
استندت على مرفقيها تخلل أناملها بخصلاته وترسمه بعيناها
-ابنك نسخة منك قوي، عقبال بنتك اللي متأكدة هتكون شقية زي باباها
ابتسم بنومه وتمتم
-وليه متطلعش لحبيبة ابوها، وضعت جبينها فوق جبينه
-علشان امها بتعشق ابوها قوي، وبتموت فيه، هنا فتح رماديته ورفع كفيه
-وابوها بيموت بأمها ومش عايز غير حضنها، مرر أنامله على وجنتيها ثم تذكر آلامها فاعتدل يحاوطها بنظراته
-عاملة ايه؟
ابتسمت تضع كفيها على احشائها
كويسة حبيبي، بنتك شقية غير كنان خالص
-آسف! رددها وهو يضم رأسها لأحضانه. اعتدلت محاولة التظاهر بالقوة أمامه وقالت بنبرة جعلتها متزنة: -آسف على ايه ياجاسر، اسف علشان هيبقى عندنا اولاد، تعرف دا أحسن حاجة حصلت لنا
نكس رأسه أسفا وأجابها بألم يعتصر روحه
-آسف علشان سبتك قبل كدا وكنتي بتتعبي وأنا مش جنبك، سواء في حملك الأول أو في حمل كنان، وبرضو في حملك دا سبتك اسبوع كامل أنتِ تعبانة
مررت أناملها على وجنتيه وهمهمت بنبرتها الرقيقة
-فيه حد بيتأسف علشان هيبقى عنده ولاد من حبيبه، على فكرة أنا مش تعبانة، ممكن بس علشان بطني كبيرة المرة دي غير المرة اللي فاتت.
كانت عيناه تتشرب ملامحها التي بهتت بحب وحنان ليقترب منها يحتضن ثغرها ينثر عشقه ليثبت لها انها القلب ونبضه لجسده لكي يبقى على قيد الحياة
بشركة الألفي
جلست أمام جهازها تنهي بعض أعمالها، اقترب منها وعيناه تلمعان بعشقها الذي حفر بقلبه
انحنى يجذب كوب قهوتها ويرتشف بعضه، رفعت عيناها بعدما شعرت بوجوده. استدارت بالمقعد تطالعه
-عايز قهوة، اطلب لك قهوة
هز رأسه وهو يرتشف بعض من الكوب قائلًا
-لا هشرب شوية من قهوتك ولا إنتِ رافضة
دارت بعيناها بالمكان ثم نهضت من مكانها
-بلاش لو سمحت مش عايزة حد يتكلم عليا كلام مش كويس
وضع الكوب بعصبية وأشار بسبباته
-محدش يقدر يتكلم ويقول كلمة واحدة عنك، علشان عارف ممكن ادفنه مكانه
-فارس لو سمحت احترم رغبتي علشان خاطري. قالتها بعيون قلقة عندما توقف ولم يبدي رده. استدار إلى مكتبه دون حديث
جلست ونظراتها الحزينة تتابع تحركه إلى مكتبه.
ارتسم الالم داخل مقلتيها حينما تركها وتجلت على ملامحه الغضب. شعرت بألم قلبها على عدم إدراكه لوضعها، تخشى الحديث المسئ إليها كما تخشى ابعاده، فيبدو أن عشقه تغلغل بالاوردة، ذهبت لذاك اليوم الذي جعلته يوم ميلادها
فلاش باك قبل ثلاث أشهر
فتح باب سيارته
-اركبي عندنا اجتماع خارج الشركة
توقفت متأسفة
-آسفة ياباشهمندس، مينفعش اركب مع حضرتك. اقترب عز منهما
-واقفين كدا ليه
تحرك فارس إلى جهة القيادة ولم يتحدث بينما هي اردفت
-آسفة ياباشمهندس. قاطعها عز
-روحي معاه ياجوان على ضمانتي متخافيش. وبعدين انتو رايحين ميتينج ودا شغل
ارتجفت عيناها ولم تعلم بما عليه فعله، فتح عز باب السيارة يشير إليها بالركوب قائلاً
-احنا عندنا اخوات ياجوان، ولو مش واثقة في حد فينا يبقى مالوش لازمة شغلك معانا.
تحركت سيارة فارس إلى أن وصلت ذاك الفندق الذي يتم به مقابلة العمل، ظل الاجتماع قرابة الساعتين، انتهى الاجتماع مع تنهيدة عميقة بأسى على صمتها طيلة الاجتماع
ظل جالسًا بمكانه بعدما تحرك الوفد بصحبة أوس إلى خارج الفندق، جلست بمقابلته قائلة: -على فكرة هيوافقو على العرض، هما بس بيحسسونا أنهم مطلوبين، بس عجبني إصرار الباشمهندس أوس قوي، لا والبنت الملزقة دي قال ايه من غير تفكير احنا مش موافقين
كان يتابعها بعيناه يحفظ كل انش من حركاتها الطفولية، نهضت تحمل حقيبتها تنظر بساعة يديها
-الساعة دلوقتي تسعة زمان ماما قلقانة لولا قولت لها هتأخر ساعتين كان زمانها مبلغة الشرطة علي
افترت شفتيها ابتسامة وهو يتكأ على المنضدة
-اقعدي نتغدى وهوصلك. هبت فزعة وهتفت مرتبكة
-لا غدا ايه، لا لا طبعا انا اتأخرت قوي
جوااااان. هتف بها من بين أسنانه يشير إليها بالجلوس
-قولت نص ساعة ونمشي واقع من الجوع بقالي يومين مااكلتش يرضيكِ أكون جعان وأمشي والأكل قدامي
وصل النادل يضع المنيو أمامهم
-تاكلي ايه؟
هزت رأسها بالرفض! .
-لا شكرًا مش عايزة
أعطى الرجل المنيو وأشار إليه بالتحرك
-خلاص يابني مش هناكل، هروح انام اصلا
فركت يديها بارتباك قائلة: -ليه مفيش حد يعملك اكل، حرام تفضل من غير اكل، شايفة انك رجل اعمال يعني تقدر تجيب طباخة تعملك
نهض قائلًا: -لا معندناش ياله علشان اروح انام. ذهبت ببصرها للنادل ثم إليه
-لا خلاص غيرت رأيي شكل اكلهم حلو، هنتغدى بس على حساب حضرتك
حاصرها بنظرة حانية ثم جلس ومازالت نظراته تحاصرها قائلا
-عندك كام سنة
زوت مابين حاجبيها: -ايه السؤال دا.
-ابدا بس حركاتك حركات طفلة
أجابته باقتضاب
-ليه عملت ايه علشان حضرتك تقول طفلة
-تاكلي ايه: هزت كتفها تنظر للمنيو ثم دفعته أمامه
-هاكل على ذوقك
اومأ لها وقام بطلب الطعام، نظرت للطعام مستفسرة عن أنواع
قهقه عليها حينما اردفت
-والله كلها اكل عادي معرفش ليه الاسماء دي
أشارت إلى الاطباق متسائلة
- ايه دا؟
"سباغيتي بولونيزي"
مكرونة بصلصلة الراجو
صلصة الراجو، رددتها مستنكرة اسمها
معلش انا متربية في الهرم يعني ايه البتاع اللي قولته دا
-دي تريقة. افلتت ضحكة ناعمة جعلته يطالعها بقلب كالفراشة، وخاصة عندما توردت وجنتيها من كثرة ضحكاتها بترت ضحكاتها متجهة إليه وهتفت: -ابدا مش تريقة مش يمكن لحم خنزير
امسك الشوكة والسكين وأومأ برأسه
-في ايطاليا اقولك اه بيعملوها بلحم خنزير، أما هنا لا دا
: لحم بقر ممزوجاً بالكرفس، والجزر، والبصل، وصلصة البندورة، والنبيذ الأحمر.
وعليها جبن بارميجيانو مبروش فوقها كدا علشان يكون لونها ابيض وكانك مغطياه بالثلوج.
كتفت ذراعيها تنظر للطعام
-لا ياعم بالهنا لحضرتك، أنا أخري في الاكل الايطالي بيتزا وتكون بالفراخ كمان مضمنهمش
أطلق ضحكاته يشير للطعام
-كلي ياجوان ربنا يهديك، اكيد مش موقفك على الناصية واضربلك اكل فاسد
دارت عيناها بالمكان ثم اتجهت إليه
-فعلا عندك حق، احنا مش على الناصية، بس ميغركش المناظر دي
-بدأ يقطع اللحم ويضعه أمامها
-طيب بلاش المكرونه والصوص، كلي من دا
هزت رأسها بالنفي: -قولت لحضرتك مش جعانة
-علشان خاطري كلي معايا افتحي نفسي. ارتبكت من عيناه التي تخترقها ناهيك عن صوته الحنون، نظرت للشوكة ثم تناولتها وبدأت تلتقط بعض حبات السلطة حتى ينتهي من طعامه
-كلمني عن نفسك؟
قالها فارس وهو يلوك طعامه بهدوء
ابتعدت بعيناها بعدما تركت الشوكة قائلة: -مفيش حاجة مهمة تفيد حضرتك، صمت للحظات، ثم تناول المحرمة وجفف فمه، يشير للنادل بدفع الحساب للمغادرة
استغربت طريقته ورغم ذلك توقفت وتحركت للخارج
وصلت بعد فترة مكانا شعبيا ثم ترجلت من السيارة
-كان نفسي أقول لحضرتك اتفضل لكن، قطع حديثهما جارتها وهي تردف
-جوان كنتي فين يابنتي دا كله بنتصل بيكي تليفونك مقفول
ابتلعت ريقها بصعوبة وتسائلت
-فيه حاجة؟
ربتت على كتفها تنظر الى فارس الذي ترجل من سيارته
-مفيش والدتك تعبت وحسام ابن عمك اخدها المستشفى ولسة راجعين
تحركت سريعا والخوف يلتهم احشائها دفعت باب منزلها ودلفت تصيح باسم والدتها. توقفت وهي تطالعها بدموعها حينما وجدت ابن عمها يحقنها من داء السكري. هرولت تجلس أمامها
-ماما ايه اللي حصل؟
توقف حسام يرمقها بالصمت لبعض اللحظات ثم أردف: -بعد اذنك ياطنط عايز اتكلم مع جوان شوية
بالأسفل توقف حائرا ماذا عليه أن يفعل، ايصعد خلفها، ام يغادر، فتح باب السيارة وتوقف ينظر للمنزل بعض الوقت، ثم اغلقها واتجه للأعلى
بالأعلى توقف حسام ينظر لجوان بسخط
-ينفع كدا، يعني لولا كنت جاي بالصدفة كان ايه اللي حصل
تراجعت تفرك وجهها بالحزن وتسائلت
-الدكتور قالك ايه وايه سبب غيبوبة السكر
تحرك للخارج وهو يحذرها
-أنا مش عايزك تشتغلي تاني وخلي بالك من والدتك، وزي ماقولت لك قبل كدا انتوا مسؤولين مني
قالها واستدار متحركًا إلى أن توقف عندما وصل إليهم فارس، وزع نظراته محمحمًا
-آسف. جوان نسيتي تليفونك وشنطتك
استدارت إليه متذكرة لهفتها فهمست باعتذار
-آسفة ياباشمهندس، حدجه حسام بنظرة مستفهمة. اقترب منه
-أنا فارس الألفي مدير جوان، اسف اني اخرتها كان فيه اجتماع وكان لازم من حضورها
اجابه متفهما
-اهلا بحضرتك يافندم، اتفضل. ابتسم بمجاملة قائلا
-لا متشكر بس ان شاء والدتك كويسة، دلفت للداخل بعدما أشار ابن عمها إليه قائلًا: -مينفعش حضرتك توصل لعندنا ومتخدش واجبك، احنا على قدنا بس نفهم في الأصول
دلف للداخل ينظر بأرجاء المنزل، منزل بسيط مكون من ثلاث غرف، ورغم بساطته إلا أنه يتميز برونقه الخاص بالدفئ. جلس فارس بغرفة الصالون بمقابلة ابن عمها لتخرج والدتها
-اهلا بحضرتك يابني. توقف ليحيها قائلا
-ألف سلامة على حضرتك ياست الكل
ابتسمت من كلماته القديرة، رغم نفوذه إلا أنه تحدث معها ببساطة، رمقه حسام متحيزا أسلوبه فتسائل: -جوان شغالة مع حضرتك ايه؟ .
رفع بصره إليها وشعر بارتجافة لا يعلم ماهيتها عندما اردفت بهدوء
-مستر فارس اخو الباشمهندس عز اللي حضرة الظابط كلم أبيه محمود
اومأ متفهما ثم أردف
-محمود بيكون اخويا الصغير، بس هو شغال محامي
أشارت لأبنتها
-هاتي ضيافة للبشمهندس يابنتي
نهض من مكانه معتذرًا: -لا شكرا لحضرتك، انا اطمنت على حضرتك لازم امشي علشان ترتاحي
توقف حسام لمقابلته
-ودي تيجي ياباشمهندس تدخل بيتنا من غير ضيافة
رفع نظره إلى جوان
-اعملي قهوة للباشمهندس ياجوان
-عندنا ايس كريم حلو، هيعجب حضرتك في الجو الحر دا. قالتها والدة جوان. نظر إليها مشدوها ثم أشار بيديه
-لا أيس كريم ايه، كفاية القهوة.
تحركت جوان للحظات بسيطة وخرجت إليهم بأكواب من الآيس كريم
-مقدرش ازعلك ياست الكل والباشمهندس هياكله
حمل حسام من يديها أكواب الايس كريم يشير إلى والدتها
-ماما ممنوع من أي حلو خالص. اومأت له ثم جلست بجوار والدتها تقبل يديها بمحبة
-كدا تخضيني. ملست والدتها على وجهها
-أنا كويسة حبيبتي، حسام بس هو اللي مكبر الموضوع
-شكرا ياابيه، طالعها بنظرة صامتة دون حديث
ظلوا لبعض الوقت إلى أن استأذن فارس بالمغادرة، بعد خروجه جلس حسام بمقابلتها
-مردتش اتكلم وازعلك ياجوان، انتِ اختي الصغيرة، بس توصيل الباشهمندس هنا مش حلو، الناس كلامها كتير يابنت عمي، وميت مرة اقولك أنا مستعد اتكفل بيكم والشغل مالوش لازمة
ربتت هدى والدتها على ساقيه
-ربنا يحميك ياحبيبي، عارفة انك قدها، بس جوان لازمها شغل حبيبي متنساش أنها على وش جواز ومعاش عمك مش هيكفي، والمبلغ بتاعها كمان قليل على جهازها.
-بس يامرات عمي. قاطعته بالحديث
-اسمعني حبيبي، انت لسة متجوز ومراتك على وش ولادة، وكمان اخوك عريس ونفسه يتجوز، ليه احملكم يابني فوق طاقتكم. وانت شوفت بنفس رئيسها في الشغل سواء دا ولا اللي بيقول عليه اخوك، شكلهم ولاد حلال
اتجهت إلى جوان وطالعتها بعتاب
-بس مهما كانت أخلاقهم مينفعش نركب معاهم ويوصلونا البيت مش كدا
نهضت من مكانها
-حاضر ياماما زي ماقولت لحضرتك، كنا في اجتماع وحب يوصلني
بعد يومين اتجهت إلى مكتبه كعادتها
-اتفضل حضرتك دي تايمز اليوم، وعندك عشا عمل الساعة تمانية
اومأ لها ثم رفع نظره
-والدتك عاملة ايه؟
-الحمد لله يافندم كويسة
نصب عوده متوقفا وخطى إليها
-مالك! تعبانة وليه مجتيش!
تراجعت للخلف قائلة: -ارهاق. بعد إذن حضرتك لو مش محتاج مني حاجة
اومأ لها وتحركت للخارج. ظل يطالعها إلى أن أغلقت الباب خلفها
أطلق تنهيدة عميقة مطبق الجفنين يحادث نفسه
-ايه اللي حصلك يافارس. استمع لطرقات على غرفة مكتبه
-الاستاذة نادين عايزة تقابل حضرتك يافندم
أشار بيديه متجها إلى مكتبه
-خليها تدخل واطلبي لي قهوتي
دلفت نادين بخطواتها الأنثوية مقتربة من جلوسه
-ازيك باشمهندس
اومأ يشير بيديه إليها بالجلوس
-تشربي ايه. قالها عندما توقفت جوان منتظرة حديثه، رمقت جوان بنظرة جانبية ثم هتفت
-نسكافية!
رفع نظره إليها
-قهوتي مع نسكافية، وخلي محمود اللي يجبهم وأنتِ خلصي مراجعة الحسابات
-تمام يافندم. قالتها واستدارت للخارج
بعد فترة شعرت بارهاقهاا ولم تقو على التركيز، اتجه أوس إلى مكتب فارس متسائلًا
-فيه حد عند فارس ياجوان
رفعت رأسها بدوار من جسدها تهتف بتقطع
-الاستاذة نادين. طيب هاتي ملف الصفقة الأخيرة علشان اراجعه
توقفت بارهاق تجمع الورق ونهضت مترنحة
-اتفضل حضرتك!
اقترب عندما شاهد وجد ترنحها
جوان إنتِ تعبانة. هزت رأسها بالنفي
ولم تكمل حديثها لتشعر بالدوار الشديد لتهوى على الأرضية ويصطدم رأسها بالارضية مما جعل أوس يصرخ بأسمها
بالداخل قبل قليل أشار على طاولة الاجتماعات وهتف
-ليه مراجعتيش مع أوس، هو المسؤل الاول عن المشروع
جلست تضع ساقًا فوق الأخرى وأشارت بابهامها لورق المشروع: -الصراحة المشروع عايز النقاش الهادي، والباشمهندس اوس خلقه ضيق، فقولت اكيد مفيش غيرك اعرف اتناقش معاه في بعض النقاط
رسم ابتسامة مجاملة مع دخول مشروباتهم. تناول قهوته يرتشف منها بهدوء
-ميغركيش الهدوء مش اي حاجة تعجبني. مطت شفتيها واقتربت بجسدها منه
-اقول دا غرور ياباشمهندس
نظر بكوبه ولاحت على وجهه ابتسامة ساخرة قائلًا: -ليه متقوليش ثقة
-واو وانا بحب الواثق من نفسه
أجابها بفم مزموم
-وأنا مبحبش تفاهة الحديث اللي مالوش لازمة، نبدا الشغل لو حضرتك خلصتي النسكافيه
-اه اكيد. وضع الورق أمامها
-ممكن اعرف ايه نقط الاختلاف. لم يكمل حديثه إذ هب من مكانه على صياح أوس باسم جوان. خطى سريعا للخارج. تسمر بمكانه عندما وجد جسدها مسجي على الأرض، اقترب بدقات قلبه العنيفة التي اعتصرت روحه حتى شعر بضيق المكان وهو يراها بين يدي أوس متجها بها إلى غرفة الاجتماعات التي تقابله
وضعها أوس على الأريكة الجلدية يشير إلى السكرتيرة
-سما اتصلي بالدكتور خليه يجي بسرعة. اقترب من تسطحها يتسائل
-اوس مالها جوان
كان أوس منشغلا بإفاقتها، فاتجه إليه بنظراته
-معرفش. توقف بعدما رفرفت بأهدابها. ظلت للحظات إلى أن فتحت عيناها متاوهة
دلف الطبيب فاعتدلت بجسد مرهق هامسة
-أنا كويسة، تم الكشف عليها بعدما أصر أوس بالكشف عليها
-ضغطها واطي. ممكن يكون سبب الاغماء
بعد فترة توقف أمامها
-قومي اوصلك للبيت لازم ترتاحي. رفعت رأسها بنظرات استفهامية
-أنا كويسة، خلاص ضغطي نزل شوية ودلوقتي كويسة
انحنى يقبض على رسغها عندما فقد السيطرة على هدوئه
-لما اقولك قومي تسمعي الكلام. سحبت كفيها سريعا تنظر حولها
-لو سمحت حضرتك مينفعش كدا
رفع كفيه معتذرا
-تمام أنا اسف، ريحيني وتعالي اوصلك للبيت
ثقلت أنفاسها من قربه وخفقة قوية تضرب جنبات صدرها عندما وجدت لهفته بعيناه. نزلت ببصرها على الأرض تهمس بصوت خافت
-أنا كويسة، مينفعش اسيب الشغل دلوقتي عندي حاجات مهمة الباشمهندس طالبها مني
انحنى متكأ على المكتب وعيناه تحاوط وجهها
-جوان بوصيلي. رفعت سواديتها تنظر بعمق عيناه لحظات كفيلة ليسبح كلاهما بعالم خاص، وصمت اللسان ولكن قوة لجذب القلوب تفوق قوة الجاذبية مما جعله يعتدل متمردا لأول مرة على عقله
-صحتك أهم من أي مشاريع
ارتجف جسدها وشعرت بفراشة تدغدغ معدتها، لا تعلم ماهذا الشعور الذي استحوز عليها، ابتلعت ريقها بصعوبة ونزلت بابصارها خجلة عندما شعرت بحرارة وجنتيها
-أنا كويسة شكرًا لاهتمام حضرتك
-مش بقول كدا علشان تشكريني، اجهزي علشان هتروحي حالا، ومش عايز اسمع كلام
-يافندم مينفعش! . استدار يرمقها بنظرة جعلها تبتلع باقي كلماتها، تهز رأسها بالموافقة
بعد قليل بسيارته والصمت سيد الموقف لمدة من الدقائق قطعه متسائلا
-والدك متوفي من زمان
اتجهت ببصرها غير مستوعبة سؤاله. أومأ برأسه
-محكتيش حاجة عنه، غير أن والدتك بتخاف عليكي وابن عمك متولي حياتكم فبسأل بس
-من خمس سنين، كنت في ثانوي، عمل حادثة وهو راجع من الشغل
-ربنا يرحمه. قالها بهدوء بعدما وجد تلك الطبقة الكرستالية التي أصبحت كالنجوم بعينها البريئة
تراجعت بجسدها تنظر للخارج وبدأت تقص عن حياتها دون أن يسألها لا تعلم لماذا بدأت تحكي عن طفولتها مع والدها. فجأة انبثقت دموعها متطلعة إليه
-الأب قوتك وسندك في الدنيا مفيش حاجة تعوضك، عمي حنين، لكن مفيش زي بابا مهما كان
أزالت عبراتها التي اشعرته وكأنها زجاج يشحذ قلبه. توقف على جانب الطريق مردفًا بصوته الأجش الهادي
-ممكن تبطلي عياط، شهقت بعدما لاحت ذكريات والدها الجميلة
-لما يموت الاب بتحس احساس وحش قوي، كانك غرقان في بحر ومفيش اللي ينقذك، ضاع حمايتك في العالم، بقيت عامل زي الطائر الجريح اللي جناحه اتقصف ومش قادر يطير
-جوان. بكت بصوت مرتفع وفقدت السيطرة على توقف دمعاتها
-آسفة، آسفة والله. قالتها وهبطت من السيارة، ترجل خلفها ممسكا ذراعها
-جوان استني. نزعت ذراعها بهدوء
-لو سمحت.
-آسف. أزالت عبراتها واعتذرت
-أنا هاخد تاكسي وارجع البيت، مكنش ينفع اركب مع حضرتك العربية
فتح باب السيارة يشير إليها
-اركبي مش عايز جنان
-أنا هاخد تاكسي. وانا قولت اركبي قالها بصوت مرتفع بعض الشى
بعد عدة دقائق توقفت السيارة أمام كافيه على النيل. نظرت حولها بتشتت متسائلة
-جينا هنا ليه. استدار إلى باب السيارة وفتحه يشير إليها بالهبوط
-انزلي ياجوان، مينفعش ترجعي البيت كدا، والدتك تعبانة، عايز اتكلم معاكي شوية
تحركت معه على استحياء إلى داخل ذاك المقهى المطل على الكورنيش تجلس بمقابلته
-تشربي ايه؟
-اي حاجة، أشار للنادل
-واحد ايس كريم نوتيلا الفسدق، وواحد اسبريسو
-بتشرب قهوة كتير
-اقدر اقول دي قوة ملاحظة ولا اهتمام، ابتعدت ببصرها عنه قائلة
-لا حكم شغلي، بطلب القهوة كتير
تعمق النظر بملامحها واستطرد
-يمكن علشان عشت كتير لوحدي، فمهتمتش بالاكل قد القهوة
التفت إليه بنظرات مستفهمة
-يعني ايه، وصل النادل بمطالبهم ثم وضعها
رفع كوب قهوته قائلا
-أنا عايش برة من ثانوي، اتخرجت من هناك مكملتش هنا. استمعت إليه باهتمام فتابع مسترسلا: كنت بنزل في المناسبات، والإجازات، في الاول انبهرت بالحياة هناك والنظام والدقة غير طبعا التقدم المهول، بعد كدا فهمت حاجة مهمة قوي
طالعته بتركيز ليرتشف من قهوته وعيناه تحتضن وجهها الندي قائلا
-القيم والأخلاق اهم من الديكورات اللي بنرسمها حولنا، التقدم بيضيعنا اكتر مابينفعنا، زي التكنولوجيا دلوقتي، بيقولوا علينا متخلفين بس ميعرفوش بتخلفنا دا خلينا ليهم قيمة
-ليه متجوزتش هناك واستقريت؟
سؤال رغم سرعته إلا أنها اعتذرت
-آسفة على تدخلي، مجرد سؤال على انبهارك في البداية
ابتسامة تجلت على ملامحه قائلا
-مين قال كدا. ضيقت عيناها متسائلة
-اتجوزت هناك!
أفلت ضحكة رجولية يشير على نفسه
-يابنتي انا لسة متخرج من سنة وسنة تأهيل يعني لسة يادوب قافل 25 استني كدا. لا لسة كام شهر
ابتسمت على كلماته، ورفعت كوب الايس كريم تنظر للخارج
-متجوزتش، ولا خطبت، ولا حتى قلبي دق قبل كدا
التفتت إليه سريعا، تنظر إليه بعيون مرتعشة، وارتجافة بقلبها لاتعلم ماهذا الشعور الذي سيطر عليها. حاولت سحب بصرها من محاصرته لعيناها ولكن لم تقو وكأنه مغناطيس يجذبها دون ارداتها. تحمحم يستند بوجنتيه على كفيه
- كلميني عن نفسك!
-مفيش حاجة غير اللي قولتها، ماليش غير ماما وعمي واولاد عمي، حضرتك اتعرفت على واحد في الحفلة والتاني لما وصلتني
-كنت مفكره اخوكي. ابتسمت وبدأت تتذوق الأيس كريم
-هو فعلا اخويا بيحبني قوي
-والله! . طب كويس ليه مبتتجوزوش
استنكرت دفعه بالرد وتحدثت
-علشان بحبه يبقى اتجوزه
-اومال اللي بيتجوزوا ازاي مش علشان بيحبوا بعض
تفاجات من حديثه المبطن بالاتهام ورغم ذلك ابتسمت
-أنا وحسام ومحمود اخوات، هم بيعتبروني اختهم وانا كمان
-مينفعش بدل يحللك تقولي اخوكِ
-لا ميحلليش لانه اخويا فعلا، اخويا في الرضاعة، كان عندي اخ قد أبيه حسام بس مات، ماما اللي رضعت أبيه حسام. يعني هو اخويا، وبما هو الكبير ومحمود صغير الاتنين محرمين عليا
-آسف!
-عادي ولا يهمك. شعر بحماقة حديثه معها فحاول تغيير الحديث
-ايه رأيك في المكان
احتضنت كاسة الايس كريم تنظر إلى النيل والسعادة تتجلى بملامحها ثم نظرت إليه وتحدثت: -كنت باجي هنا أنا وبابا وماما من زمان اوي، بس أكيد مش الكافيه دا. أشارت إلى الجانب الآخر
عارف هناك كدا، بابا كان ياخدنا ونقعد ناكل درة مشوي وفي الشتا يجبلنا حمص الشام، وكنت لازم اشتري الفريسكا
وضع وجنتيه فوق راحتيه يرسم فرحتها بعيناه وذبذبات بقلبه تعلن تمردها للعلن. رفعت الكاس الذي بيديها وبدأت تتذوق الأيس كريم فاتجهت بنظرها إليه
-طعمه مش بطال، بس مش زي اللي اكلتهولك قبل كدا تنكر
تراجع بجسده وابتسامة خلابة تجلت بوجهه: -مش يمكن علشان إنتِ اللي عملاه علشان كدا كان طعمه حلو
توردت وجنتيها بحمرة الخجل فسحبت بصرها عن مرمى عيناه التي تفترس ملامحها، استمع الى صوت الموسيقى فبسط كفيه إليها
-تيجي نرقص.
هزت رأسها رافضة
-آسفة ياباشمهندس مينفعش أرقص مع حضرتك
دقق النظر بملامحها الخجولة متسائلاً: -ليه، عادي هنرقص دي رقصة محترمة
-هو فيه رقصة محترمة ورقصة غير محترمة، على العموم مش الرقص موضوعنا، التقارب اللي هيكون بينا وحضرتك محرم مش كدا ولا ايه، مش دا كلام حضرتك من شوية، ولا علشان حضرتك غني مش فارق الحلال من الحرام
عقد ذراعه على صدره ورفرف قلبه مبتسمًا إليها، رمقته مستغربة ردة فعله
اقترب يتكأ على الطاولة وأردف: -مخيبتيش نظرتي فيكي ياجوان
زوت مابين حاحبيها غير مستوعبة حديثه فتسائلت: -مش فاهمة حضرتك تقصد ايه
-نهض من مكانه يغلق حلته وأشار إليها بالنهوض
-ياله علشان متتأخريش على والدتك، بعدين تفهمي معنى كلامي
-شكرا لحضرتك ياباشمهندس
توقف أمامها فجأة حتى اصطدمت بجسده، فرفعت كفيها تتشبث بذراعه حتى لا تسقط
ابتسم من فعلتها العفوية واردف بصوته الأجش: -مستر دمها خفيف عن باشمهندس، وياريت لو تشيلي الاتنين خالص
طالعته بجبين مقطب ولم تلاحظ لفه لجسدها بذراعه عندما لمح نظرات أحدهما إليها
-بقول بلاش باشمهندس دي ياجوان، انا فارس بس
تخدر جسدها بالكامل من احتضانه لجسدها الضعيف وهمسه الذي قضى على سيقانها فلم يعد لديها القدرة على التوقف همست بتقطع تتجول بعيناها بالمكان بعيدا عن مرمى بصره
-ابعد لو سمحت، مينفعش كدا. تراجع معتدلا ثم سحب كفيها وتحرك للخارج بعدما وجد نظرات البعض عليهم
توقفت وصاحت غاضبة
-ليك حق تعمل اكتر من كدا، ماهو أنا اللي وافقت انزل معاك. تحركت متجهة للطريق تنظر حولها لترى سيارة أجرة تنقلها من ذاك المكان
أطبق على ذراعها بقوة
-لما اكون واقف معاكي متسبنيش وتمشي كدا سمعتي، ايه ماخدتيش بالك من اللي جوا بيبصوا ازاي
نزعت نفسها بغضب
-لو سمحت مسحملكش تقرب مني كدا
انا اللي استاهل اصلا. قالتها وتحركت والدموع محتجزة داخل مقلتيها تضغط على شفتيها حتى لاتبكي تسب نفسها على ضعفها وعلى موافقتها
-فين اخلاقك يامحترمة وأنتِ نازلة معاه في مكان زي دا، ظلت تتمتم بحديث كالذي فقدت عقلها وانسابت عبراتها بعدما تخاذلت بنفسها وتربيتها
-جوان استني، صاح بها فارس الذي يراقبها منتظر وصول سيارته. تحرك خلفها سريعا بعدما وجدها متجهة لتلك السيارة لتستقلها. ولكن غادرت السيارة قبل وصوله. استقل سيارته وتحرك خلفها يسب نفسه
-غبية، وصل إلى السيارة وتحرك أمامها ليوقفها ثم ترجل معتذرا من الرجل
-آسف، سوء فهم بيني وبين خطيبتي قالها وهو يفتح الباب يجذبها بوسط صياحها وصوتها المرتفع مما توقف صاحب سيارة الأجرة
-الاستاذ بيضايقك يابنتي، لو بيضايقك
أشار لها فارس بالصمت وهدر بها غاضبا
-دي خطيبتي امشي ياله بدل مااغلط فيك. قالها بصوت حاد. طالعته بصدمه ولم تهتم لكفيها الذي احتضنه وسحبها بقوة يفتح باب السيارة ويدفعها بقوة مغلقا الباب خلفه، جلست بهدوء وكل مايهمها حديثه بأنها خطيبته. استقل بجوارها يتحرك بسيارته بعدما توقف الطريق بسببه
ظلت تنظر إليه بصمت وكأن عقلها لم يعد لديها، وقلبها فقط يحركها لتتحدث بصوت أشبه بالهمس
-ايه اللي قولته دا للراجل، يعني علشان وافقت اقعد معاك شوية يبقى تتحكم فيا وتقوله خطيبتك
-استدار بعدما صف السيارة على جانب الطريق
-انا مش هلف وادور عليكي، حاسس بمشاعر قوية ناحيتك، ومش هخبي واقولك انك شخص عادي، انا تقريبا منمتش امبارح أو بالأصح من وقت مارجعت من عندكم...
سحب نفسا قويا وزفره
-جوان أنا معجب بيكي، معرفش ممكن ميكونش اعجاب بس، كل اللي اقدر اقوله علشان حاسس بيه
-إنتِ بقيتي شخص مهم قوي في حياتي، شوفي بقالنا كام شهر. مع بعض حقيقي كل يوم بتجذبيني اكتر من اليوم اللي قابله، فأنا عايز منك تديني إشارة واحدة علشان اتصرف واعرف عايز ايه بالظبط.
تعمق بعيناها المشتتة واردف
-فيه مشاعر ليا عندك، لو حاسة بحاجة قوليلي انا بجد مبقتش قادر ابعد عنك
اختتم سؤاله وعيناه تترجاها بلهيب العشق الذي تسلل داخله ليقترب منها هامسا
-حبيت فيكي كل حاجة، حتى كلمة مستر دي بقيت انتظر اسمعها منك
تجول بنظراته على وجهها وتابع حديثه
-امبارح علشان مجتيش الشغل كنت هتجنن علشان اشوفك، انا اللي اتصلت بيكي امبارح بالليل معرفتش انام. وماصدقت نخرج علشان اقولك كل اللي بحس بيه. بسط كفيه إليها
-مش طالب منك اي كلام دلوقتي، لو موافقة أو فيه مشاعر حطي ايدك في أيدي وبس. قالها وعيناه تتألقان بالعشق وهو يتشرب ملامحها الجميلة لقلبه
قشعريرة تسربت لداخلها مع ارتجافة لجسدها مما جعلها عاجزة حائرة تناظره بضياع، هل دقة قلبها إليه حب ام ذاك الموقف بشعوره الجديدة هو الذي مدها بتلك الرجفة
انتظر يهز رأسه ودقاته على صفيح ساخن، خائفا، عاجزا عن ردها لو رفضت علاقتهما، رغم أنها دقيقة ولكنه شعر بأنها أعوام من الجفاف، ولم تزهر بساتينه إلا عندما وضعت كفيها المرتجف بكفيه الذي اشعرها بدفئ لم تشعر به قط
رفع كفيه الآخر يربت على كفها يضمها وكأنه يثبت لها انها بداخل أعماقه وليست براحتيه، ابتسامة لامعة مع نظرات عاشقة قائلا
-النهاردة هكتفي بايدك بس، بكرة عايز رد صريح علشان اعرف ارسم حياتي رايحة فين
سحبت كفيها واتجهت بأنظارها للأمام، وقلبها عبارة عن طبول حرب، عاجزة عن كل شيئا سوى نبض قلبها، قام بتشغيل المحرك عندما شعر بحالتها. ظل الصمت سيد الموقف إلى أن أوقفته قبل عدة شوارع عن منطقتها الشعبية
-كفاية هنا، علشان محدش يتكلم، شكرا لحضرتك. اغلق السيارة واستدار إليها بجدية يوقف تحركها
-جوان ايه حضرتك دي، انا لسة بقولك حبيتك وأنتِ بتقولي حضرتك
ارتجفت شفتيها وعيناها تتسائل عن مايعنيه. دنى برأسه هامسا
-حاليا فارس بس، كام يوم كدا والوضع يتغير تمام
كانت مشدوهة لما تسمعه ملجمة اللسان كأنها أصيبت بخلل في نطق الحروف وهو يردد أمامها
-فارس بس ياجوان، طول ما احنا مع بعض مش عايز باشمهندس وحضرتك دي، كام يوم والوضع دا لازم يتغير اظبط اموري مع عيلتي، بس الأهم من دا هستنى منك اعتراف صريح بكرة
فتحت باب السيارة عندما فقدت السيطرة على ارتعاشة جسدها.
-هستناكي بكرة على نار قلبي
أغمضت عيناها تسحب نفسا علها تستطع التنفس الذي شعرت بفقدان الهواء من حولها لتنزل بأقدامها المرتجفة وتهبط هاربة من محاصرته
ظل لدقائق بالسيارة وعيناه تراقبها حتى اختفت، تراجع بجسده مغمض العينين هامسا لنفسه
-طلعت بتحبها قوي يافارس، البنت تاخد العقل والقلب. بحبك يامجنونة
بعد مرور عدة أيام
منشغلة على جهازها، وصل إليها وجذب كوب قهوتها يرتشف منه بتلذذ، شعرت بوجوده فاستدارت مبتسمة
-حضرة المدير فاضي ولا ايه، ثم رفعت عيناها لكوب قهوتها فتوقفت
-اطلب لك قهوة؟
تشابكت عينهما يهز رأسه بالنفي
-لأ هشرب شوية من فنجانك، وانت تكمليه بعدي، عندك اعترض
توردت وجنتيها فابتعد عن مرمى بصره متجهة إلى جهازها مرة أخرى حينما شعرت حرارة وجنتيها، امال بجسده على المكتب يهمس بصوته الأجش
-شربت نصه تكمليه وبعد كدا تقرأي الفنجان وتقوليلي شوفتي ايه؟ .
استدارت مرة أخرى تطالع قربه بدقات عنيفه، فدارت بعيناها بالمكان
-فارس ابعد مش عايزة حد يتكلم عني لو سمحت
-خلي حد يتكلم كدا وشوفي هعمل فيه ايه. دنى أكثر هامسا لها بعض الكلمات مما شعرت أن قلبها كاد أن يتوقف من كثرة زيادة صخبه بالنبض
توقفت من مكانها
-لا لو سمحت احنا اتفقنا فياريت مترجعش في كلامك
تبسم قلبه بدقاته، هذه الفتاه ستصيبه بالجنون حتما.
-طيب عمك هيرجع امتى قولتي يومين عدى تلاتة
نزلت ببصرها للأرض
-هيرجع النهاردة إن شاءالله، اديني يوم أمهد لماما كمان
دنى منها وعيناه تفترسها
-كتير على قلبي على فكرة، فهميها انا داخل على جواز على طول، يعني خلال شهر تكوني حرم فارس الألفي
توردت وجنتيها متراجعة على مقعدها عندما وجدت دلوف نادين
-فارس استنيتك كتير في غرفة الاجتماعات، ايه نسيت الميتينج
غمز إلى جوان قائلا
-ينفع كدا تنسيني شغلي. نظرت إلى نادين التي تخترقهم
-مش مكتوب عندي على فكرة عندك ميتينج، المفروض الباشمهندس أوس اللي عنده
شعر بحزنها من خلال صوتها، هز رأسه
-مالك! قاطعتهم نادين
-مش هنبدأ ولا ايه.
-اشار إلى نادين
-اسبقيني وانا جاي، ثم استدار إليها
-فيه حاجة؟
سحبت نفسا ناعمًا وزفرته
-نظرات نادين دي مش مريحاني
تراقص قلبه من حديثها فتسائل
-دي غيرة بقى ولا ايه؟
فارس الموضوع مش موضوع غيرة، ليه رفضت التعامل مع الباشمهندس أوس، ممكن تقولي
-علشان اشوف نظرة الغيرة دي في عيون حبيبي
ازداد النبض بداخلها من حديثه لم يرحم قلبها الضعيف حينما اكمل
-أنا بحبك إنتِ، سيبك من أي حاجة تانية، مهما أي واحدة تقرب خليكي واثقة إن فارس بيحب جوان
تشابكت عيناهما ليزداد بريق العشق وارتفعت الأنفاس حتى لم يشعرا بما حولهم. تحمحم عز الذي دلف منذ لحظات، هبت من مكانها متراجعة
-أنا مروح يبقى كمل اللي بعتهولك. قالها وتحرك حتى لايخجل جوان التي جلست وكأن على رأسها الطير
انحنى بجسده
-هخلص الاجتماع ووصلك متمشيش
-لا مينفعش اتكلمنا كتير في الموضوع دا، كفاية احساسي بالذنب دلوقتي
-قولت هوصلك ياحرمي المستقبلي. وضعت كفيها على صدرها تمنع دقاته العنيفة، بعد فترة بعدما تأخرت جمعت أشيائها متحركة للخارج
توقفت تنتظر سيارة أجرة لتعود لمنزلها، نظرت بساعة يديها
-اتأخرت كتير، ياترى ماما عاملة ايه دلوقتي. خرج من الشركة يهرول العامل ليجلب سيارته، كانت نادين تتحرك بجواره وعيناه تبحث عنها بلهفة، يعلم أنه تأخر عنها ولكن تلك الأعمال التي تراكمت فوق دماغه
قطع شروده صوت نادين
-أنا مش عارفة اشكر حضرتك ازاي ياباشمندس، بجد أنا سعيدة جدا بالتعاون مابينا. ذهب ببصره لتلك التي تنتظر سيارة أجرة، لاحظت الأخرى نظراته فحاولت جذبه للحديث ولكنه أشار إليها
-نكمل كلامنا بكرة.
اومأت بعدما شعرت بالخجل، ولكنها حاولت تنفيذ مخططها
-معرفش ليه دايما بتوقف كدا، وشوية هتلاقي شوية شباب يجوا عليها كل يوم نفس الحوار
-هي مين!
أشارت للواقفة. لحظات وتقدم منها شابين وبدأو يقتربوا منها بطريقة مشمئزة. ظلت نظراته عليها يستمع للاخرى
-اهو كل يوم نفس الدرس، طبعا هتشتمهم علشان تعرف الكل أنها محترمة طيب ازاي وأنتِ يعني سوري
كور قبضته وتحرك إلى وقوفها استدارت سريعا إلى الشركة حتى تهرب من تلك الذئاب البشرية
اصطدمت به
-الحقني، توقف ينظر إلى الشباب المتقدمين الذي هتف أحدهم
-اومال ليه بتواعدينا هنا كل يوم، لما عايزة ترسمي نمرة على الباشا
تحدث الآخر
-شكلها عايز توقعه يابني ياله بينا
هزت رأسها بالنفي تطالعه بدموعها
استدار متجها إلى سيارته بعدما رمقها بإشمئزاز. هرولت خلفه تمسك ذراعيه
-فارس مفيش حاجة من دي
سحب كفيها وهدر بها
-نسيتي نفسك. اسمي الباشمهندس فارس
تراجعت تنظر إليه بذهول ولم تنتظر لحظة واستدارت متحركة سريعا تهرول بالشارع ودموعها تسبق خطواتها، بعد مسافة من الشركة وجدت من يتربص إليها
-ايه رأيك عرفنا نوقعك ياقطة ولا لا
تراجعت للخلف مع اقتراب أحدهما ليجذبها بقوة من حجابها حتى أصبح بيديه. بدأت تلكمه بقوة وتصرخ، ولكن هذا المكان يعد منقطعا لانه طريق للشركات الخاصة فقط، ولم يمر به الكثير
لطمها أحدهم بقوة لتسقط على الأرض غائبة عن الوعي، ليرفع الهاتف قائلاً: -كله تحت السيطرة ياهانم
قهقهت قائلة: -مبروك عليكم العروسة اتوصوا بيها وفلوسكم هتوصلكم بكرة. جلست مبتسمة قائلة
-أخيرا عرفت أتخلص منك، اسبوعين وأنا بخطط، لا والتقيل مش شايف غير ملاكه، بكرة بقى ادخل بتقلي
أما بسيارته استقل السيارة لبعض الأمتار ولكن قلبه ينهش به وصورة دموعها لم تفارق خياله، توقف فجأة يحدث نفسه
-اتجننت انت ازاي تصدق كدا، ايه اللي عملته دا، ازاي كنت بالغباء دا، استدار سريعا متجها إلى مكان مغادرتها، بدأ يبحث بعينيه عنها بلهفة، شاهد من بعيد بعض الأشخاص وهو يلطمها على وجهها لتسقط مغشيا عليها. ضغط على وقود سيارته وتحرك كالمجنون اليها، لم يعلم كيف وصل اليهم، هرول سريعا كالمجنون يصرخ بهم
-ياولاد الكلب، هرب الشابان عندما وجدوه بتلك الحالة الجنونية، تحجرت عيناه بالدموع وهو يراها ملقاه على الأرضية لا حول لها ولا قوة. هوى بركبتيه يرفعها بلهفة
-جوان افتحي عيونك جوان، بدأ يلطم على وجهها بهدوء، شعر بنصل بارد على عنقه عندما وجد اثار اصابع ذاك الحقير على وجهها
رفعها ليضمها لأحضانه متوقفا بها: -حبيبتي قومي، انا جيت أنا آسف. ظل يرددها إلى أن وصل لسيارته، وضعها بهدوء بالسيارة وجلب زجاجة عطره محاولا افاقتها، رفرفت متأوهة لحظات وشعرت بتخدر جسدها تفتح عيناها بألمًا يفتك بها، نظرت بعياها لقربه وهو يضم رأسها يطالعها بلهفة قلب متألم
-فارس. همست بها. هنا ضعف وانسابت عبراته لأول مرة يشعر بذاك الخوف، ضم رأسها بقوة لأحضانه
-قلب فارس من جوا. لحظات وهي تحاول أن تستوعب ماذا حدث، تذكرت ماصار لتبتعد عن أحضانه، تنظر لثيابها وتبكي بقوة
-عملوا فيا ايه، وضعت كفيها على خصلاتها وارتفعت شهقاتها
-فين حجابي يافارس. نظرت حولها كالمجنونة، ذهب ببصره على مكان سقوطها، ليهرول إليه سريعا يجذبه متراجعا إليها وهي تضم نفسها تبكي بصوت مرتفع كالذي افتقد اغلى ما لديه
وضع حجابها محاولا السيطرة على خوفها ورجفة جسدها
-جوان اهدي خلاص كله راح، رفعت عيناها الباكية
-إنت سبتني. اقترب يضم وجهها
-حبيبتي خلاص محدش عمل فيكي حاجة، انا قولت كدا علشان محدش يتكلم عليكي، وجيت وراكي اهو، مقدرش ابعد عنك.
وضعت رأسها على زجاج السيارة ومازالت على حالتها
-عايزة اروح، روحني
-حاضر. المهم تهدي
مرت عدة أيام والوضع كما هو عليه سوى بعض التغيرات عند جواد وهنا
بصباح يوم جديد استيقظ من نومه على صوت زوجته
-حبيبي حازم تحت هو وجواد ومصرين يشفوك، قوم ياله بقيت تنام كتير ليه الساعة 12
اعتدل مستغفر ربه، ثم اتجه لقضاء فريضة الضحى ينظر بساعة يديه، توقف ينظر لزوجته التي تقوم بإعادة ترتيب الفراش، استدار متجها إليها ثم جذبها لأحضانه
-فين صباح الخير يانانا غزل، دارت بوجهها إليه تلثم وجنتيه
-أحلى صباح لأحلى رجل في الدنيا دي كلها
ضمها لأحضانه لبعض اللحظات هامسا اليها
-عايز رحلة بعد فرح الولاد، لينا لوحدنا ياغزل، عايز اقعد معاكي أطول وقت من غير ماحد يشاركني فيكي
لفت ذراعها حول رقبته وشبت على أطراف أناملها
-وغزالتك عايزة تعوض الايام اللي فاتت في حضنك ياجود
رفعها بهدوء ثم طبع قبلة مطولة على جبينها
-طيب اجهزي ياروح جود، خلاص اطمنا على نهى، وجواد هيتجوز، وجنى وروبي اهو باقي حاجات بسيطة، نطمن على احفادنا وبعد كدا نسافر
تذكرت شيئا فأردفت
-جواد. انا عايزاك تكلم جاسر يرجع البيت، كدا كدا ياسين مش هنا، خايفة على جنى البنت المرة دي حملها مش طبيعي وربى خايفة من تسمم الحمل دا، هنا هتكون قدامنا
اومأ لها وتحرك للمغادرة
-أنا فعلا كلمت جاسر وقالي هيرجع النهاردة، وكمان هو عنده شغل كام يوم برة القاهرة، إنما ياسين دا يرجع وهعلمه الادب
وصل ياسين إلى منزل جاسر، قابلته ابنته
بابي وحشتني. حملها يقبلها فين مامي. أشارت للداخل، قابلته جنى التي تتحرك بآلامها، طالعته بحزن قائلة
-ينفع كدا، اسبوعين مفيش كلمة
-عاليا فوق. اومأت له برأسها، فصعد سريعا إلى غرفتها وجدها تجمع ثيابها، خطى إلى أن وصل إليها يجذبها من الخلف لأحضانه، ثم قبل وجنتيها، دفعته مبتعدة
-ابعد ياياسين، اياك تقرب مني. قطع حديثهم صرخات جاسر باسم جنى بالاسفل، هرول ياسين للأسفل، بينما هي جذبت اسدالها
بعد فترة بمكتبه
جاهد لاخفاء الامه فتحدث
-انا دلوقتي كويس ياحازم، اه قولت لجواد كدا، بس في الوقت دا كنت تعبان حاليا انا كويس
اقترب حازم من جلوسه
-إنت تخبي عليا مرضك ياصاحبي طيب ليه، انا مش صهيب علشان أضعف ياجواد، ولا سيف اللي بتهز انا حازم ايه لدرجادي مش فارق معاك
أشار له على المقعد
-اقعد ياحازم، ومتكبرش الموضوع، انا كويس ومرتاح، الحمد لله على كل حال، ايه هنخلل في الدنيا مهما نعمل مش هنعيش قد اللي راح ياصاحبي خلاص عجزنا، ايه انت مفكرنا شباب
-هو انت كبير ياجواد، فيه ناس عندها 100 وشباب يابني. قالها حازم بمزاح
ابتسم جواد عليه يهز رأسه
-ربنا يبارك ياسيدي، اتجه بنظره لجواد الصامت
-يعني حتة سر مقدرتش تحفظه. رفع عيناه التي تحجرت بالدموع
-علشان خاطري ياخالو اسمع كلام بابا، احنا خايفين عليك، لو مش علشنا، علشان طنط غزل وبناتك، دول لو عرفوا ممكن ينهاروا
توقف جواد واتجه إليه، جلس بجواره يربت على ساقيه
-أنا كويس حبيبي، يمكن كنت وقتها تعبان علشان جاسر، لكن دلوقتي انا حاسس اني كويس، وبعدين انسى الكلام دا وأجهز لفرحك عايز فرح يليق بحضرة المقدم جواد الألفي.
احتضن كفيه يقبله
-ربنا يخليك لينا ياحبيبي يارب، بس برضو لازم تشوف موضوع العملية
ضم جواد رأسه وطبع قبلة قائلا
-اوعدني ياجواد غزل متعرفش ولا حتى الولاد، رفع عيناه المغروقة بالدموع
-لما حضرتك كويس ليه تخبي عليهم ياخالو
أطلق تنهيدة عميقة قائلا
-جواد مش عايز غزل تعرف، مش هقدر اشوف حزنها كل ماتبصلي، اسال ابوك عن غزل تبقى لخالك ايه، بكرة تخلف ويبقى عندك ولاد وتفهم معنى كلامي
هز حازم رأسه رافضًا حديثه
-لا ياجواد، انت كدا غلط، لو ولادك محسوش بتعبك ووقفوا جنبك يبقى ايه لازمتهم. بتر حديثهم دخول غزل
-صباح الخير ياحازم، ثم اتجهت بنظرها إلى جواد
-صباح الخير ياعريس، خلاص ياسيدي خالك أمر الفرح يكون اخر الشهر
طالعه جواد بنظرة فهمها قائلا
-إن شاءالله ياطنط، عندي شغل بعد اذنكم. توقف يضع سلاحه بخصره وجذب مفاتيحه، أطبق جواد على كفيه
-أنا مربي راجل يعتمد عليه وعمره مايهز ثقة خاله مش كدا
انحنى وطبع قبلة على رأسه ثم تحرك للخارج قبل خيانة عينيه
اصطدم ببيجاد الذي دلف لمنزل جواد
-ايه يابني علشان عندك شوية صحة ماشي تدوس على خلق الله
-آسف يابيجاد. قالها بصوت متحشرج بالبكاء
امسكه صهيب
-جواد بتعيط ليه، خالك مزعلك ولا ايه
هز رأسه وتحرك مغادرا سريعا، توقف بيجاد يراقب تحركه بجبين مقتطب
-ايه اللي حصل
دلف بضحكاته
-حمايا حبيبي وحشتني، شوفت انا بقعد عندكم اكتر مابقعد في بيتنا
ابتسم جواد بمحبة إليه
-إنت ابني البكري ياغبي، تنكر ولا ايه
جلس قائلا
-اه انكر، من امتى فيه حد بيقولك ياابو بيجاد، الكل بيقولك ياابو جاسر بس، قطع حديثهم رنين هاتف غزل
-جاسر، جنى تعبت ياماما ونقلها المستشفى. نهضت من مكانها متسائلة
-يعني ايه تعبت، استدارت إلى جواد
-البنت نزفت ياجواد، ربنا يستر هي بقالها كام يوم تحت الملاحظة الطبية ربنا يستر وتقوم منها على خير
اعتصر قلبه ألمًا على ابنه قائلا
-خدي مليكة والبنات وروحي لها بسرعة وانا هستنى صهيب جاي في الطريق مينفعش لازم استناه
ربتت على كتفه تنظر إلى بيجاد
-خليك معاه وغنى معانا.
اومأ لها قائلا
-اوصلكم، تحركت سريعا قائلة
-لا عز وصل برة
بعد فترة بالمشفى
-جاسر هموت!
وضع جبينه فوق جبينها محاولا السيطرة على دموعه
-عايزة تموتيني بكلامك دا ياجنى، شوية ونخلص حبيبي، ياله ادعي ربنا يقومك بالسلامة أنتِ وبنتنا، ياله ياجنى قولي يارب حبيبي
جذبته غزل من ذراعه تشير لأبنتها بأعينها بأن تتحرك بها لغرفة العمليات
أما بالجانب الآخر
تجلس تبكي بأحضانه يمسد على ظهرها
-عاليا اهدي أنتِ شايفة الكل على أعصابه
رفرفرت بأهدابها المبتلة
-طمني ياياسين قولي انها كويسة وهتقوم بالسلامة. ضم رأسها يتمتم
-إن شاءالله حبيبتي، المهم ادعيلها، وان شاءالله هتقوم بالسلامة
علي جانب آخر يجلس محتضنا رأسه دون أن ينظر لأحد، وصلت إليه تربت على كتفه
-هدخل معاها وان شاءالله هنطلع انا وهي مع البيبي، انحنت تطبع قبلة على رأسه وتحركت بعدما تعقمت وخطت إلى أن وصلت إلى غرفة العمليات واتجهت بأنظارها للجميع. أطبقت غزل على كتفها تهمس لها
-مرات اخوكي كويسة ياربى، هتطلع من جوا كويسة، دا اللي عايزة اسمعه
-إن شاءالله ياماما، اتجهت بنظرها إلى أخيها الذي تحرك في اخر الردهة
-جاسر رايح فين
هزت رأسها نافية: -معرفش، ربنا يستر ويعدي اليوم دا على خير
بعد فترة وصل إلى ملجأ اطفال ترجل من سيارته يحمل الكثير من الأشياء التي جلبها بعدما ساعدها بواب الملجأ بحمل الأشياء. دلف للداخل ووضعها بحديقة الملجأ الذي بدأ يتداول عليه منذ فترة هو وزوجته بعد وداعه لسمر ويحيى الذي كان لهم الحظ الأوفر بمعرفته بالملجا الذي كان يحتاج إلى الكثير من الخدمات تذكر بعد عودته
فلاش
-شكرا يايحيى، ومبروك عودتك لوظيفتك تاني، اتمنى لك التوفيق والنجاح
-أنا بشكر الظروف اللي ساعدتني على معرفتك ياحضرة الظابط
ربت على كتفه قائلا
-اعتبرني من اليوم دا صديق وأخ ووقت ماتحتاج حاجة متترددتش
اتجه بنظره الى سمر
-وانتِ كمان عايز اقولك ربنا بيحبني لولا وجودك مكنتش رجعت لحياتي
-متقولش كدا ياحضرة الظابط، دا توفيق من ربنا لانك تستاهل ولو جيت تفكر صح هتقول كلها تدابير من عنده، انا عمري مارحت العريش، بس ربنا كان له حكمة أن عزيز يخدني غصب عني علشان اكون سبب في رجعوك، كلها اسباب مقدرة من المولى عز وجل، وعلشان إنت كويس وربنا رحيم بوالدك ومراتك سهلك الدنيا
اقترب يحيى مشاكسا
-فرحي يوم الخميس عايزك تشهد عليه بس بحضرة الظابط جاسر الألفي
ربت على كتفه
-إن شاءالله ربنا يسعدكم
جاسر فيه حاجة كنت عايز اقولك عليها. نظر إليه منتظر حديثه فتحدث قائلا
-فيه ملجأ في القاهرة في عنوان (. )
الملجأ دا يعتبر ميت، عايزك تساعد الأطفال اللي فيه، بابا الله يرحمه كان بيدعمه بس للاسف اخر مرة كنت في القاهرة زعلت جدا عليه
-حاضر اكيد اول حاجة هعملها لما ارجع هشوفه
تشكر يازمل.
رفع حاجبه ساخرا
-زمل ايه يابني أنت صدقت. قهقه الاثنين، خرج من شروده رفع عيناه إلى الملجأ في هرولة الاطفال إليه
-عمو جاسر جه. جلس بالحديقة حولهم محاولا ألا يضعف بالبكاء أمامهم، ووزع ألعابهم وحلوياتهم ثم تحدث
-عمو جاسر طالب طلب صغير من البراءة اللي فيكم دي. انتو اكيد مش فاهمين كلامي أو اغلبكم مش فاهم
عايزكم تدعو لطنط جنى، أن ربنا يقومها هي والبيبي بالسلامة
توقفت طفلة ذات السبع أعوام ترفع يديها
"يارب طنط جنى تقوم بالسلام هي والنونو يارب، رفع الاطفال يديهم مثلها، وبدأو يدعون بتلك الكلمات. نهض عندما انسابت دموعها واتجه إلى سيارته
وصلت مديرة الملجأ تنظر إلى تحركه مستغربة أنه لم يمر عليها، فتسائلت
-ليه حضرة الظابط مشي. تحركت الطفلة قائلة وهي تلتهم الحلوى
-طنط جنى بتجيب نونو
نظرت إلى تحركه بحزن تدعو له عندما شعرت أن هناك مايؤلم قلبه، تحرك بالسيارة إلى أن وصل إلى مسجد، صف سيارته ودلف للمسجد، متجها للحي القيوم الذي لا يغفو ولا ينام
سجد لربه يدعو بكل نبض قلب أحيته إلى اليوم ألا يضره بمحبوته وطفلتها
دعوات خلف دعوات إلى أن شعر القلب بالأطمئنان، فكيف ياانسان أن تحزن عندما ترمي حملك على الذي لا يغفل
بعد فترة فتحت عيناها تهمس اسمه
مسد جواد على خصلاتها بحنان ابوي
-كدا توقعي قلب عمو ياجنجون، قلب عمك مبقاش متحمل يابنت صهيب
رددت مرة أخرى اسم ملهم قلبها، ابتسم جواد يمسح دموعه عندما غلبه ضعفه، فتحت عيناه بعد دقائق ومازالت تهمس اسمه
-وعمك جواد مينفعش.
-جاسر فين! اقترب منها ثم طبع قبلة على جبينها
-تعرفي يابنت صهيب لو مكنتيش هلوستي باسمه كنت شكيت في حبك
بس كدا عديتي طنطك غزل ولازم لها وقفة
حاول التخفيف عن آلامها وهي تأن، ابتسمت من بين تألمها ثم تسائلت
-فين جاسر
-يعني العيلة كلها مفهاش غير ابني المنفلت، طيب اسالي على ابوكي المسكين ولا والدتك اللي شليتك في بطنها عشرين شهر
ضحكت حتى تألمت. ربت على رأسها
-خلاص خلاص اهدي، جوزك في مشوار وزمانه جاي، الكل برة قلقان عليكي، مامتك وباباكي لسة واصلين من شوية، وانا طردت الكل وحبيت اضايق ابني الحلوف شوية
أغمضت عيناها لتذهب بنومها مرة أخرى
توقف يحمد ربه على سلامتها، ثم رفع هاتفها يهاتف ابنه
-مراتك فاقت وبتسأل عليك
-أنا على السلم يابابا، هي كويسة
-أيوة كويسة، البيبي كويس كمان. لحظات واقتحم الغرفة متجها إليها
-براحة ايه داخل مصلحة سجون. طالعها بنظرات متلهفة
-فاقت يابابا، والله فاقت
توقف يربت على كتفه
-فاقت ياحبيب بابا ومبروك البيبي
احتضن والده يحمد ربه على سلامتها
خرج جواد ليطمئن من بالخارج
بعد قليل فتحت عيناها كان يحتضن كفيها
-جاسر فين بنتنا. انحنى يحتضن كريزتها ليسحب أنفاسها كما سحبت أنفاسه بتلك الساعات العصيبة ثم وضع جبينه فوق جبينها
-لازم اخد حق خوفي ورعب قلبي الفترة دي، صدقيني مش هرحمك فوفي بس.
-آسفة. رفع كفيها يطبع قبلة عليه
-اسفك مش مقبول مهما تتأسفي، انا موت، عارفة يعني ايه تموتيني، خدي قلبي معاكي ياجنى ليه كدا
رفعت كفيها المغروز بالإبر
-آسفة حبيبي، ولو عايز تاخد حقك خدوه، هاتلي لين بقى مش انت سميتها زي مااتفقنا
قبل كفيها الذي تضعه على وجنتيه
-لسة هشوفها كنت في الملجأ مقدرتش استنى برة وانا شايفك كدا، هشوفها واخليهم يجبوها
نصب عوده متوقفا، وعيناه تبحر فوق ملامحها التي بهتت بالكامل ثم انحنى يقبل جبينها
-ربنا مايحرمني منك ياروح جاسر
صباح جديد بشركة الألفي، بعد انقاطعها أكثر من أسبوعين عن العمل ورفضها الحديث إليه، عادت بعد إصرار أوس وعز اليها، ولكن أصبحت المسؤولة عن مكتب عز بعيدا عنه
تغيرت شخصيته وأصبح أكثر حدة وتعصبا، والجميع يشتكي من عصبيته الزائدة حتى تدخل عز
-لو هتفضل كدا يبقى خد إجازة ارتاح
جلس يفك رابطة عنقه، مع اول زر من قميصه
-اخوك يستاهل يفضل متألم كدا، انا حيوان واستاهل
زم عز شفتيه معترضا على حديثه
-ممكن تهدى وتفكر ازاي ترجعها تاني، على فكرة هي كانت مصرة تشتغل مع أوس، بس انا أدخلت
توقف متجها إليه
-عز علشان خاطري حاول توقف معايا، انا بحبها فعلا وكلمت بابا وعمو لكن هي مش مدياني فرصة
تنهد عز متحركا ثم توقف على باب الغرفة
-أنا هخليها تقابلك برة الشركة وانت وشطارتك بقى، متنساش فرح جواد بعد بكرة والشركة إجازة من بكرة اسبوع
↚
بعد فترة بمكتب عز
-جوان هتروحي على العنوان دا الساعة تمانية ومش هأكد عليكي هيكون ناس مهمة، حفلة بسيطة ولازم تيم المشروع يكون موجود هناك
أومأت متفهمة:
-تحت أمرك ياباشمهندس. اي أوامر تانية!
-لا شكرا، فيكي تمشي دلوقتي علشان تجهزي نفسك
استدارت الا أنه صوته أوقفها
-خدي الفاينل دا عديه على سكرتيرة فارس وأكدي عليها تسلمه له لازم يمضي عليه
-تمام حضرتك، قالتها وتحركت للخارج. تقابلت مع بيجاد بالخارج.
-ازيك ياجوان
-اهلا بحضرتك. أشار على مكتب عز متسائلًا
-عز جوا.!
اومأت له ثم أشارت إليه بالدخول
بالداخل رفع هاتفه
-كل حاجة زي ماطلبت، عارف لو متظبطش المرة دي والله هسيبك تشرب من البحر ياغبي. قاطعه دلوف بيجاد، اغلق الهاتف سريعا مرددا
-بيجاد خير!
هز رأسه بأسى متمتم
-مش خير ابدا ابدا، لازم نروح لجاسر دلوقتي
توقف متسائًلا: .
فيه ايه يابيجاد. جلس على المقعد وابتلع غصة مريرة بجوفه قائلا بحزن
-عمو جواد بيموت ياعز.
هب فزعًا من مكانه واطبق على تلابيبه
-إنت اتجننت يلا ولا ايه، عمو جواد لسة مكلمني وكان عند جاسر علشان ينقل فرشه الجديد
هز رأسه وكتم الدمع الذي انفرط رغما عنه
-دا اللي بيحاول يفهمه لنا، بس هو تعبان قوي، لسة عارف من جواد حازم
تراجع عز للخلف وكأنه أصيب بجلطة قلبية ينظر إليه بتألم
-يعني ايه؟
Atherosclerosis
-عمو جواد مريض شريان تاجي.
-مالوش علاج ولا ايه. مسح على وجهه بعنف.
-كان مخبي علينا، ضحك عليا بشوية تحاليل مزورة، وانا كنت مفكرة مريض قلب عادي زي أي حد.
-ايه اللي عرف جواد؟
عرف بعد موضوع موت جاسر
جمع عز اشيائه وتحرك
-لازم اعرف كل حاجة، احنا مبقناش صغيرين علشان يخبوا علينا
عند جوان
اتجهت إلى السكرتاريه
-الورق دا سلميه للباشمهندس، وخليه شيك عليه. خرج من مكتبه يتحدث بالهاتف
-خلاص تمام، هنأجله اسبوع علشان عندنا فرح بعد يومين، قالها وأغلق الهاتف متجها إلى السكرتيرة.
-بلغي التيم اجتماع الليل اتلغى، وابعتي الفاكس دا لشركة التانية
اتجه بانظارة المتوقفة بصمت
-عايزك في المكتب أستاذة جوان
دلفت خلفه وتوقفت تردد بعملية: سلمت الملف للأستاذة سما، وهي هتبعته لحضرتك، الباشمهندس عز. توقفت عن الحديث عندما اقترب منها
-واخرة عمايلك دي ايه
-مش فاهمة حضرتك يافندم
قبض على ذراعها بقوة آلامتها
-بلاش تستهبلي عليا، اسبوعين ومش عارف اوصلك، ورجعتي بشروطك. عايزة توصلي لأيه.
اوصل لايه! اردفت بها بتهكم وطالعته بجسد ينتفض كعصفور مبتل يرقص من شدة صعقه. وهدرت معنفة إياه
-أنا مش عايزة اوصل لحاجة، انا هنا علشان شغلي وبس، ولو حاولت تقرب مني هتشوف مني وش ميعجبش حضرة المهندس. قالتها واستدارت قبل ضعف عيناها أمامه
-استني عندك. هتف بها بقوة، اطبقت على جفنيها تضغط على فستانها على الأ تبكي أمامه. اقترب منها وغضب محمود ينبثق بعيناه
-لما اكلمك اوعي تسبيني وتمشي سمعتي.
استدارت تحدجه شزرا وهدرت بصوت مرتفع
-بس حضرتك سبتني قبل كدا ومشيت، سبتي لشوية حيوانات تنهش فيا. قبلها بساعات هنا في المكان دا حضرتك كنت بتفرش لي الأرض ورد، بس اكتشفت بعد كدا وردك كله صبار بشوك، وميشرفنيش اشتريه أو ادوس عليه حتى. دنت خطوة ونظرات كالطلقات النارية.
-متنساش نفسك ياباشمهندس واحفظ الألقاب كويس، انا هنا شغالة عند جناب حضرتك، دا اللي مخليني واقفة اتكلم مع حضرتك في مكتب ومقفول بابه علينا، معلش بقى مبقاش فيه ثقة تآمن لحد. رفعت رأسها مقتربة منه
-طلعت كلام بس يافارس باشا، طلعتني سابع سما ونزلتني سابع أرض
تراجعت بجسدها وتحدثت: -اتمنى تتعامل معايا في نطاق الشغل وبس، انا من يوميها رميتك ومبقتش تفرق معايا.
مازال متوقفا أمامها، ونظراته الغاضبة تخترقها، لقد نجحت في استفزازه، حتى برزت عضلاته يضغط بقوة على قبضة يديه، ليقترب منها يجذبها بعنف
-هنتحاسب على الكلام دا
دفعته بعيدا بحركة قاسية مليئة بالنفور متراجعة للخلف، وارتسم الألم بعيناها، التي يتطاير منها الشرر.
-بكرهك وبكره اليوم اللي ربطني بيك، انت مطلعتش راجل في نظري، رسمت دور الرجولة بحرافية، لحد ماالهبلة وقعت فيك، بس متخفش الهبلة مش ضعيفة ولا غبية علشان توقع في راجل لا يمس للرجولة بصفة
أحس بقبضة تعتصر فؤاده، ووقف مشدوها يتمزق بين قلة حيلته وثباته الذي وصل إلى شفا حفرة من الانهيار، مرددا بداخله.
ياالله ماهذا الذي أحرق روحه، لقد ألقته بسهم مسموم لينزف بقوة فتراجع بتخبط وعجز عن حديثها القاسي بعدما قللت من رجولته اين كرامته الان، اين قلبه الذي دعست عليه دون رحمة. تحرك متراجعًا إلى مكتبه واردف بأنين يعتصر ماتبقى من روحه المعذبة من كلماتها
-فيكي تمشي وتبعتيلي سما. قالها وهو يتجه لجهازه المحمول يفتحه دون النظر إليها.
ابتلعت ريقها بصعوبة، واختلج صدرها بمشاعر متناقضة، بين الحب والكرة، بين الغضب والحنية، بين الخوف منه والأمان بقربه. ظلت للحظات متوقفة وعيناها على جسده وهو جالسًا يتابع عمله وكأن شيئا لم يكن
استدارت تفتح الباب بعدما خانتها عبراتها وتحركت سريعًا للخارج، تؤنب نفسها على ماالقته عليه من التهم الشنعاء، هوت على مكتبها تبكي بشهقات مما جعلها تدفن وجهها بين راحتيها.
بمكتبه احتضنن رأسه يضغط عليها بعدما خرجت، لا يعلم كيف عليه الرد، هناك حرب داخلية طاحنة بين قلبه وعقله، ايهما يكسبه معركة العشق اللاذعة، ام عقله لدفاعه عن كرامته الرجولية. فتح الشاشة ليراقب وجودها بمكتبها، وجدها تبكي وتحتضن نفسها كأنها نادمة على ماتفوهت به. لقد آلامه قلبه على شهقاتها التي اخترقت روحه، ود لو وصل إليها وضمها لأحضانه ولكن كيف بعدما طعنته بأعز مالديه.
ظل لدقائق يتابعها بقلبه قبل عينيه حتى دلفت إليها سما السكرتيرة التي توضطدت علاقتهم كثيرا بالفترة الأخيرة. أسرعت إليها تضع الورق على المكتب
-جوان مالك فيه ايه بتعيطي كدا ليه
ارتفعت شهقاتها أكثر من اللازم، لتدفن نفسها بأحضان سما تتمتم بعيون حزينة وقلب مفتت: -زعلته قوي ياسما، دوست عليه، والله غصب عني قلبي محروق منه، وفي نفس الوقت مش قادرة ابعد عنه
بكت وبكت تهزي كالمعتوهة التي فقدت اتزان عقلها.
-ليه يعمل فيا كدا!
-حبيبتي قصدك على مين
هوت على المقعد تنظر حولها بضياع
-كان لازم افهم هو فين وأنا فين، أنا غبية أني صدقته
-قصدك مين ياجوان، قصدك مستر فارس. اومأت برأسها وانسابت عبراتها بغزارة
-أنا بحبه بس هو وجعني قوي، وجعني ومش قادرة اسامحه، طلع بيتسلى بيا
ربتت على ظهرها وناولتها كوب المياه.
-اهدي حبيبتي، وفهميني ايه اللي حصل، لو قصدك على مستر فارس هو محترم جدا ولسة عند كلامي، مش من النوع اللي ممكن يتسلى ابدا
احتضنت وجهها تزيل عبراتها
-بطلي عياط دلوقتي، نخلص شغلنا وبعد الشغل نخرج مع بعض وتحكيلي الحكاية من اولها، انا كنت شاكة أن فيه مشاعر بينكم، بس مش زعلانة منك ومقدرة دا.
ضغط على الكوب الذي بيديه حتى تهشم ولم يشعر بكم الزجاج الذي أصاب كفيه. لحظات كسنوات عجاف وهو يتابعها بعينين داميتين بقهر الألم الذي ينخر بداخله من حديثها
بمنزل جاسر جلس يحمل حفيدته
حبيبة جدو أكلك منين
حاولت غزل أخذها إلا أنه رفض، فهتفت بتذمر:
-براحة على البنت ياجواد. دقق النظر إليها: -عارفة ايه اللي يخليني احبك يابت ياجنى، حتى اكتر من ابني الحلوف.
-ايه ياحج جواد لاحظ أنا قاعد، ايه الكلام دا، بتعاكس في مراتي بوجودي. مرر أنامله الخشنة على وجهها الناعم وعيناه تحاوط الصغيرة
-بس يالا. اتجه بنظره الى جنى التي تجلس بأحضان جاسر وهتف: -ولادك نسخة تانية من غزل
-لا والله، أردف بها جاسر غامز إلى جنى، ثم أشار إلى نفسه: -لاحظ الولاد شبهي مش شبه مراتك، بترموا بلاويكو علينا
-اسمها مراتي ياحلوف. قالها وهو يلقيه بالتفاحة. قهقهت غزل وغنى عليهما.
رفع البنت وضمها إلى صدره ثم لاحت ابتسامة على وجهه
خسارة فيك ياحلوف. شكرا ياجنجون جبتيلي غزل تانية
-يادي النيلة مصر برضو على أنها شبه امي، والله البنت شبهي.
لكز جنى هاتفا
-ماتقولي يابت انك بتحبيني وجبتي العيال شبهي اقنعي الحج جواد.
ابتسمت جنى متجهة بأنظارها الى جواد
-كان نفسي حد من الولاد يكون شبه عمو جواد، بس متخفش اكيد حضرتك هتخليهم شبهك وشبه بابا في تربيتهم
جحظت عيناه.
-إنتِ بتقولي ايه يابت، فكرتك هتحبي فيا قدامهم، جاية تحبي في ابويا
شاكسته غنى
-شوفت ياجسورة، بتعمل علينا نمرة.
-نعم نمرة ايه دي إن شاءالله. توقف يجذب ابنته من والده
-هات بنتي ياحج، وخد مراتك وبناتك وروحوا. قهقه جواد يضم الطفلة
- بس يالا، هتسكت ولا احنا اللي ننطردك، استنشق رائحة الطفلة يضمها بقوة قائلاً
-كأن شبابي رجع تاني ببنتك ياجاسر، لو ليا عمر محدش هيربيها غيري. وانت مبروك عليك جنى بتاعتك.
قبل كتف والده مردفًا: -ربنا يديلك طولة العمر ياحج جواد. وتربيها وتجوزها كمان
رفع عيناه لزوجته ثم مسد بكفه على وجهه
-البنت نسخة تانية منك يازوزو، كأنها أنتِ اول ماشلتك
اقتربت تضع رأسها بأحضانه وهو تضم حفيدتها
-ربنا يخليك وتربيها ياجواد زي ماربيت جدتها وبناتها
-أنا غيرانة على فكرة. قالتها ربى التي توقفت تتحرك بألمًا
- ومن غيرتي حاسة هولد، ايه نسيتوا انا كمان هجيب بنت، ولا علشان جاسر يبقى ماليش دلع.
ضمتها غنى واردفت
-إنتِ بتقولي فيها، طيب ماتيا بنت، وكمان راسيل، ليه بقى ماسكين في بنت حضرة الظابط
-إنتِ هبلة يابت منك ليها، دي بنت جاسر وجنى، يعني مالهاش مثيل، روحي العبي ياماما بعيد عننا انت وبنتك، قال ايه بنتها زي بنت جاسر دول مجانين. نظر الى ابنته يشاكس والده
-دي برنسس عيلة الألفي ولا ليك اعتراض ياحج
نظر إلى غزل قائلا
-الواد دا عايز احرمه من بنته ومراته ايه رأيك، وعارفة لو اتكلمتي هقعدك معاه.
ضم جنى يقهقه على والده ثم هتف
-البنت خدها مش هقولك لا، لكن جنجون، الله في سماي مايحصل
ظلوا لبعض الوقت ومازالت ضحكاتهم ترنو بالمكان إلى أن توقفت جنى تحمل ابنتها
-يعني البنت كويسة دلوقتي ياطنط غزل. نهضت غزل تنظر إليها بأحضان والدتها.
-البنت زي الفل ياقلبي، المهم لازم تهتمي بصحتك متنسيش انك لسة تعبانة. والبنت عايزة رضاعة ياجنى، مش هوصيكي مهما تكوني تعبانة لازم ترضعيها طبيعي زيها زي كنان، اتجهت بنظرها إلى غنى واستطردت: -كفاية قصي ياحبيبي الواد دا اتظلم
-خلاص ياغزل مش كل شوية توجعي البنت، غنون كان غصب عنها
جلست بأحضان والدها
-حبيبي يابابي قول لماما كدا، معرفش بتحملني موضوع قصي
ضمت جنى ابنتها بلهفة
-متخافيش ياطنط مش هفارقها ابدًا.
قبلتها على جبينها وتابعت حديثها وهي تنظر إلى جواد: -كنت حاسة هموت لو حصلها حاجة، اسبوعين وهي بعيدة عن حضني
نهضت غنى تحملها عنها
-تعالي ياجنى ارتاحي، البنت كويسة، ياله حبيبتي.
اتجهت بنظرها إلى جاسر.
-خلينا نرجع معاهم حي الألفي بقى، كفاية عايزة ولادي يتربوا وسط العيلة، مش عايزة ابعدهم عن ولاد عمهم، نربيهم زي ماتربينا. انتظر جواد حديث ابنه، هو لم يضغط عليه وتركه ليعود بنفسه، رغم بنائه لمنازل أولاده الا أنه ترك لهم حرية الاختيار. نهض جاسر وضمها تحت ذراعيه:
-حبيبي بيفرشوا الاثاث، لسة البيت مكملش إن شاءالله يومين كدا ونروح.
هدأ قلب جواد وحمد ربه على نعمه ولمة أولاده وأحفاده بجواره. أغمض عيناه وتراجع بجسده مرددا بنفسه
-الحمد لله. الحمد لله. ظل يرددها بنفس راضية، وابتسامة من قلب الامه يحدث نفسه
-لو مُت دلوقتي هكون راضي على اللي عملته. فتح عيناه عندما ملست غزل على خصلاته الممزوجة باللون الأبيض
-جواد عايز تنام ولا إيه
رفع ذراعه وجذبها تحت حنان كنفه طابعًا قبلة أعلى رأسها يشير بعينيه لأولاده.
-شوفي فرحة الولاد ببعضهم ياغزل، اتأملي كدا البنات وحبهم لاخوهم، لسة اللوحة هتكمل لما أوس وياسين يرجعوا على هنا. أنا اصريت أننا كلنا نتجمع هنا النهاردة علشان من هنا هنودع كل الوجع اللي مرينا بيه، عايز ابنك يخرج من البيت دا وهو بيشمعه بالشمع الأحمر ويؤكد لنفسه أنه مالوش غير حضن اخواته وبيت ابوه، مهما يطير لازم يرجع لسربه ياغزل
احتضنت وجهه وطبعت قبلة على جبينه.
-جوادي وابويا واخويا وحبيب عمري ربنا يباركلي فيك ياحبيبي يارب
ابتسامة بعيون لامعة بعشق أيامه لطفلة قلبه الغالية
-إنتِ بنت قلبي ياغزل، بنتي اللي عرفت طعم السعادة على ايديها ومهما تديني الدنيا من كرم مش هيكون افضل من كرم ربنا بهديته بيكِ
أشار على ابنة جاسر الذي ضمها والدها لأحضانه
-ركزي مع لين كويس البنت نسخة مصغرة منك، والله كأنها غزل، كأن والدك كان هنا وحطتك بين ايدي. قالها وهو يبسط يديه.
-بأيدي شيلتك وبأيدي ضميتك لقلبي يابنت قلبي
حاوطت جسده ودفنت رأسها بأحضانه
-أنا بحبك قوي ياجواد، اوعى تفكر أن ولادك يعوضوني حنانك، يارب مايحرمني منك ياحبيب عمري
وصل إليهم جاسر قاطبا جبينه
-انتوا بتحبوا في بعض قدامنا، ايه ياحج جواد، مش كبرت على كدا
لكزته غزل ضاحكة
-بس يلا، مفكر نفسك انت بس اللي بتعرف تحب
رفع حاجبه ساخرا: -تنكري ياست الكل، ثم اتجه بنظره لوالده
-ماتقولها حاجة ياحج، عرفها اني استاذ ورئيس قسم.
تهكم جواد يشير إلى جنى المتوقفة بجوار غنى وربى على بعد مسافة
-عارف البنت دي خسارة فيك حبها، اه والله دي شافت منك الغلب يااستاذ ورئيس قسم
جنى. هتف بها جاسر فاستدارت مبتسمة، أشار إليها، خطت إليه وهي تضم ابنتها. نظر لوالده
-بابا بيقول انا مستهلش حبك، صحيح ياجنون. قاطعتهم غنى وهي تتناول البنت
-هاتيها ياجنجون وردي على أسئلة جوزك العبقرية
كانت تراقب ابنتها بلهفة فغمز جواد إلى غزل.
-حبيبتي البنت كويسة، سبيها مع عمتها شوية، متخافيش عليها
ادار جاسر وجهها إليه: -أنا بسالك في سؤال مهم وحضرتك هتموتي على بنتك
اتجهت بنظرها إلى عمها وحاولت تداري قلقها
-طبعا جاسر امير أساطيري ياعمو، حضرتك لسة بتسأل يستاهل ولا لا
جذبها من خصرها بقوة حتى تألمت تصرخ. ركله جواد بقدمه
-براحة ياحلوف البنت بطنها مفتوحة، عرفنا انك حلوف غباء في الحب
ضمها بحنان معتذرًا
-آسف حبيبي، بابا خرجني عن شعوري.
فين البنت قالتها تبحث بعينها عن غنى
أشارت لها غزل بالصعود
تحركت وصعدت إلى غرفتها بقلق بينما اتجه جاسر إلى والدته متسائلا
-ماما لين كويسة صح!
-والله ياحبيبي البنت كويسة، يعني هخرجها من الحضانة تعبانة، اطلع ورا مراتك خدها في حضنك وحسسها كل حاجة كويسة، البنت مش عجباني خالص.
-خلي منيرة تعملها أكل. تحركت غزل للمطبخ.
-أنا هجهز الغدا علشان كلنا هنتغدى هنا ونبات مش كدا ياجواد. أومأ دون حديث عندما شعر بوخزة بصدره
جلس جاسر بجواره
-بابا حضرتك مخبي عني حاجة، أشار إليه للجلوس بجواره. نهض وجلس بجوار والده
ظل جواد يطالعه لفترة دون حديث، حتى شعر جاسر بأنين يشق صدره فاقترب منه يرفع كفيه
-فيه ايه يابابا، ليه بتبصلي كدا
سحب بصره ينظر للبعيد.
-عايز منك وعد ياحبيبي. قطب جاسر جبينه وتلعثم بالحديث حتى شعر بغصة تمنع حديثه، فاقترب حتى التصق بجسد والده
-وع. د قالها بتلعثم، يضع كفيه على كتف والده حتى يستدير والده إليه
أدار وجهه وتعمق بعيناه: -أنا بعفي نفسي النهاردة من كل مسؤلياتي يابن جواد، عايز اشوف ابني البكري هيتعامل ازاي مع إخواته
ضيق عيناه يناظر والده: -تقصد ايه. استدار بكامل جسده.
-إنت الكبير ولازم تكون مع اخواتك سندهم، اللي عنده مشكلة تحلها، عارف انهم مش صغار، بس مهما يكون سنهم بيجي الوقت الواحد بيحتاج لسند يابني
طالعه بأعين تنبثق بالأسئلة
-ايه يلا، بتبصلي كدا ليه، ايه لما اطلب منك تكون كبير العيلة غريبة
مشاعر متقلبة يشعر بها، هل والده يعاني من شيئا، استعمل ذكائه واضعا رأسه على كتف والده
-ماليش أنا في كبير العيلة دا، ربنا مايحرمني منك وتقعد تدلع فيا، اه بحب دلعك ياابو الجود.
حاوط كتفه يربت على كتفه
-حبيبي مش هفضل عايش لكم طول العمر.
-لا بلاش ماليش دعوة، انا عايزك تفضل تدلعنا وندلع عليك. كبير ايه ياحج
ربت جواد على كتفه
-عايزك تقوى، وسيبك من الهزار، انا حافظك اكتر من نفسك يابن جواد، ولو عايز حنان تعالى بات في حضني ياحبيبي معنديش مشكلة
رفع رأسه وأطلق ضحكة صاخبة
-قفشتني. لكزه جواد مشاكسًا
-إنت ناسي مين اللي قاعد جنبك يابغل، انا جواد الألفي يلا، فوق كدا وانت بتكلمني.
حك رأسه متمتما
-يعني انا غبي صح. لطمه على وجهه بخفة.
-مقولتش كدا يابن غزل، انا قصدي انك تفوق شوية ومتحورش على ابوك، لو فيا حاجة كنت قولتلك
زم شفتيه يهز رأسه
-يعني مش هطلع بحاجة
-هو فيه حاجة علشان تطلع بيها. بتر حديثهم وصول أوس ملقيا السلام ثم هوى بجوار والده. اتجه بنظره إليه
-مالك حبيبي. رجع بجسده مطبق العينين
-ارهاق ياسيادة اللوا، بنحاول نقفل الشهر قبل إجازة فرح جواد
-ربنا يوفقك ويعينك، استدار إلى جاسر.
-شوف يوم وتابع الشغل مع اخوك، مينفعش الحمل كله عليه
اعتدل أوس يهز رأسه مستطردًا: -لا ياحبيبي انا كويس، كفاية شغله، وسفرياته، وطبعا اليوم اللي هيقعد فيه مينفعش اخده من بيته وعياله
أشار جواد إلى أوس
-شوف بيقول ايه مش زيك يابغل
قهقه جاسر يلطم كفيه ببعضهما
-هو انا اتكلمت، امال بجسده يهمس بصوت خافت
-قولي حضرتك غيران مني ولا ايه
ركله بقدمه، حتى رفع ساقه يصرخ
-ضيعت عليا الماتش ربنا يسامحك
شاكسه أوس.
-أيوة دي حجة بقى علشان تقول رجلي. فوق يابابا، فيه ماتش ولازم كلنا نشارك فيه
طالعهم جواد متسائلا
-ماتش ايه. توقف جاسر يشير إلى أوس
-دا الباشهمندس يحكيهالك ياحج، انا طالع ارتاح شوية منمتش امبارح
اومأ له متفهما. بينما اتجه جواد بنظره الى أوس
-قوم ارتاح شوية قبل الغدا، ثم تسائل
فين ياسين مرجعش من برة
نهض من مكانه قائلًا: -كلمني من ساعة كان عايز يغير عربيته، أومأ جواد متفهما ثم أشار إليه.
-طيب ارتاح شوية، خدلك شاور قبل ما تنام ماترحش ترمي نفسك على السرير بجذمتك كالعادة
-ليه ياسمينا مش فوق
توقف جواد لمقابلته
-خرجت مع عاليا، قالوا رايحين يشتروا شوية حاجات لبنت اخوك، هي كانت هتكلمك بس انا ادتلها الاذن ايه عندك اعتراض
انحنى يقبل كتفه ثم ربت عليه
-ابدا حبيبي انا استغربت بس، هطلع ارتاح. توقف متسائلا: - مسك معاها ولا ايه. تحرك جواد متجها للحديقة.
-مع الناني في الجاردن، ياله اطلع وأنا هشوفهم والعب معاهم شوية
بشركة الألفي
كانت منصبة على جهازها تدون بعض الأشياء المهمة، بعدما هدئت، وبدأت تستعيد حيويتها مرة اخرى. جذب المقعد وجلس بجوارها
-خدي الورق دا سجليه عندك، وابعتي منه نسخة للاستاذ معتز، واعملي جدولة.
اتجهت إليه تسحب الورق دون أن تنظر إليه قائلة: -أنا خلصت النسخة دي، وبعتها الايميل لحضرتك، وكمان بعت نسخة للاستاذة نادين بناء على طلب الباشمهندس عز
توقف يومئ برأسه ثم استدار ليتحرك ولكنها أوقفته
-باشمهندس. أطبق على جفنيه عندما تسلل صوتها الهادئ لاعماق قلبه استدار بهدوء وجدها تفتح درج مكتبها ثم أخرجت ذاك الصندوق.
-آسفة مبقاش له لازمة، اتفضل. اومأ دون حديث فجذبه منها بوصول نادين مبتسمة: -اتأخرت عليك. قالتها وهي تنظر إلى جوان التي رمقتها بهدوء ثم استدارت تتابع عملها
تحرك فارس بجوارها
-لا ابدا، توقفت تنظر إلى الصندوق.
-ايه دا. قلبه بيديه حتى سقط من بين كفيه. فانحنت: -تسمحلي قالتها بعدما سقط الصندوق ليتساقط من بين يديها لتنكسر تلك اللعبة التي عبارة عن عروسين يتراقصان بنغمات موسيقية، جلبها بناء على طلبها عندما كانوا يتجولون على كورنيش النيل
استدارت تطالعهما بعدما استمعت لسقوط الصندوق وحديث نادين. ظل للحظات يتابع الزجاج المتناثر من تلك الهدية بصمت. انحنت نادين تلملم بعض القطع الزجاجية الا أنه أوقفها.
-مفيش داعي. سبيها حد هيجي ينضفها، ياله علشان نتأخر
استدار برأسه إلى جوان
-كلمي عامل النظافة يجي يلم القزاز دا. امال على الصندوق وتناوله ثم فتح صندوق القمامة الذي يجاور مكتبها وألقاه بها وغادر دون حديث.
شعرت بانتهاك ملكيتها عندما تحرك مع نادين وضغط بحذائه على هديته لها، نهضت بقلب يقطر ألمًا على ما فعله بها، حاولت أن تتناسى مشاعرها فيكفي ماشعرت به من قربه وخذلانه لها كيف تنسى تلك الاتهامات الشنعاء، كيف تنسى نظراته المشمئزة لها، كيف تناسى حبها بعدما وهبته قلبًا طاهرًا نقيا، انحنت تجمع تلك القطع الزجاجية وانهمرت عبراتها على ذكريات انكسرت ولم يتبقى منها سوى ذكريات مؤلمة. شهقت عندما تسللت قطعة زجاج إلى أصبعها، اخرجتها ببكاء ومازالت تجمع قطع الزجاج المنكسرة كقلبها آلان.
شعرت بأحدهم يجلس بمقابلتها يحتضن كفيها ويضع محرمة ورقية عليه ثم ساعدها بالوقوف، ارتفع صوت بكاؤها ليضمها لأحضانه
-خلاص بطلي عياط، بكت بشهقات لا تريد الابتعاد عنه، أحبته بصدق ودعس على قلبها دون رحمة
-اهدي خلاص مفيش حاجة، قالها وهو يعطيها محرمة أخرى مبتعدا عنها
-حافظي على جرحك، واسف على انك قابلتي واحد معدوم الرجولة.
حركت رأسها مع انسياب عبراتها، لقد آلامها قلبها على نبرة الشجن بصوته، وكأن هناك من طعن صدرها بسكين بارد عندما أشار إلى العامل الذي وصل
-ارمي الحاجات دي في الزبالة، وابعتلي الاستاذ عمر خليه. قاطعهم وصول عمرو
-افندم حضرتك طلبتني
-انقل مكتب أستاذة جوان في الدور الخاص بأوس، وشوفلي حد مكانها لحد مانعمل اعلان. استدار يرمقها وتابع حديثه
-عايز شاب، مش عايز بنات هنا تاني، الدور دا مفهوش رجالة، فيه أشباه رجال.
طالعه بجبين مقتطب
-حضرتك عايز المسؤل مكان سما ولا جوان
-نزل الاتنين، مش عايز بنات خالص.
اومأ متفهما فتحدث
-حاضر يافندم، اديني ساعتين تلاتة أشوف حد جدير بالوظيفة
رفع عمرو نظره إلى جوان
-لمي حاجاتك ياجوان، وبعد الإجازة استلمي الشغل تحت
كانت نظراتها تحاوط وقوفه وهو يجيب على هاتفه الذي ارتفع بالأجواء
تحركت إلى وقوفه وانتظرت إنهاء مكالمته. استدار للمغادرة توقفت أمامه بدموعها.
-مش قادرة يافارس، مش قادرة انسى اللي عملته. أحس بالدوار يلف برأسه فاقترب منها
- عارف غلطت وأنا آسف ياجوان، آسف اني مكنتش راجل معاكي، ومصدقكيش. رفع ذقنها يتعمق بعيناها
-ميرضنيش انك ترتبطي بواحد مش راجل
-آسفة. مكنش قصدي، والله ماكان قصدي، قلبي موجوع منك
سحبها لحضنه بعدما فقد السيطرة على قلبه المتحكم
-بطلي عياط، قلبي بيوجعني، عارفة انك راجل، وراجل قوي كمان، واكتر حاجة عجبتني فيك رجولتك متزعلش مني.
أغمض عيناه وآهة طويلة كانت أبلغ رد في تلك اللحظة، ضغط من احتضانها متناسيا قربهما، كل مايشعر به أن روحه تعانق روحها فهمس ببحته الرجولية
-مش زعلان منك، زعلان من قلبي اللي غفرلك
. ارتجف جسدها
فتراجعت بعدما وجدت وضعهما الغير لائق. وظلت تطالعه لبعض الوقت
-عايز مني ايه؟
-عايز نكمل حياتنا مع بعض. احتضن وجهها وانحنى بجسده يتعمق بعينها
-عارف اني غلطت.
ابتعدت هاتفة: -برضو بتقرب مني، اومال لو متعرفش حدود ربنا. دنى منها أكثر: -شاوري بس وريحي قلبي وأنا احرق الحدود اللي بينا دي، طفي نار قلبي ياجوان
تراجعت على مكتبها قائلة
-سبني كام يوم لحد مااهدى وأنسى يافارس. اقترب منها حتى حجزها بالجدار خلفها.
-النهاردة بالليل هاجي أنا وعمي وبابا، نطلبك وبكرة مع حنة ابن عمتي هيكون كتب كتابنا، عرفي والدتك بكدا، ولو تقنعيها بالفرح يكون أحسن، فتحت فمها للأعتراض. وضع إبهامه على فمها
-لو سمعت اي اعتراض هتندمي ومش أي ندم، وانا مجنون وأعملها، روحي اسألي عن ولاد صهيب الألفي، شعارهم ايه في العيلة. دنى يهمس بجوار أذنها
-شعار جنون الحب، مجانين بالحب، وأنا دكتور ورئيس قسم والبركة فيكي، تراجع يشير إلى أناملها.
-متلعبيش في القزاز تاني، اتكسرت وأخدت الامنا معاها، علشان بعد كدا تحافظي على أي حاجة فارس يدهالك
تراجع مستديرا فوجد نادين تقف مكتفة ذراعيها مع بعض الموظفين
وزع نظراته بينهما يتسائل
-واقفين كدا ليه. اقتربت منه نادين
-حضرتك اتأخرت فجيت اسأل عليك لقيتك مشغول مع الأستاذة
جذب رسغ جوان حتى توقفت بجواره ثم اتجه بنظره للجميع وهو يحاوط خسرها
-جوان بتكون خطيبتي، وبكرة كتب كتابنا، اكيد جاين تباركو.
توسعت أعين نادين بالصدمة مرددة
-ايه خطيبتك! اقترب منها ومازال محاوط جسد جوان
-اه ايه متعرفيش ولا ايه، معلش معذورة، الحقيقة جوان كانت عايزة تعمل مفاجأة وحفلة بكرة بس بما انكم عرفتوا كدا المفاجأة ضاعت. نظر إليها بأعين تلقيها بأسهم العشق الندي
-بكرة معزومين على كتب كتابنا.
طالعته بعيون مترقرقة بالدمع وحدثته بعينها: -كيف أقتل مشاعري بداخلي اتجاهك، وانت تحاصر انفاسي بعشقك من كل جهة، لقد سحبت انفاسي بدقات قلبك التي أعلنت حرب الحب عليا، وتفوقت بكامل اسلحتك الفتاكة لتخطف قلبي وعقلي بل كل جوارحي
ابتسم لها بعدما شعر بمشاعرها من نظراتها التي اذابته عشقًا، فاحتضن كفيها أمام الواقفون.
بحبك. ارتجف جسدها وتلالأت عيناها تنظر بخجل للأسفل بعدما اخترقتها نظرات الجميع، لينسحبوا إلى مكاتبهم بجو من السرور مع دعواتهم بالسعادة
فارس ابعد لو سمحت عاجبك كدا
رفع ذقنها بأنامله
-أنا عملت حاجة، انا لسة هعمل، استني بس لما تكوني حلالي. حمحمت نادين تضرب قدمها بالأرض
-ايه امشي ونلغي الشغل
-اه انا النهاردة ماليش مزاج للشغل ممكن ترجعي ولما اشوف وقت مناسب، هكلمك.
طالعت جوان للحظات بصمت ثم تحركت للخارج دون حديث. حاولت التملص من بين ذراعيه وهتفت بغضب
-ايه اللي قولته دا، ازاي تقولهم أننا مخطوبين، ينفع كدا
لاحت ابتسامة لاعوب على وجهه، فاقترب يهمس
-هو انا قولت خطوبة، اناقولت هنتجوز، اتعاملي معايا على الأساس دا
جذبها من رسغها قائلا: -لسة هتكلم تعالي معايا.
-فارس سيب ايدي مينفعش كدا. أطبق بقوة أقوى وتحرك متجها للمصعد الخاص به. توقفت تجذب كفيها بعنف.
-هو ايه اللي بتعمله دا. توقف يطالعها بصمت للحظات ثم خطى إليها وهي تتراجع للخلف، أشار على المصعد ضاغطًا على أسنانه
-هتخرجي جنبي زي أي بنوتة حلوة بتحب خطيبها اللي بكرة فرحهم بدل مااشيلك زي الشوال، اختاري بسرعة هتمشي ولا أشيل
رفعت سبباتها محذرة إياه
-اياك تقرب مني هصوت وألم عليك الموظفين
يابت متخلنيش افقد اعصابي، صوتي كدا. نزل ببصره لشفتيها وغمز بعيناه
-هعرف اسكتك كويس.
توسعت عيناها بذهول مع ارتعاشة بساقيها تحاول أن تبتعد عن محاصرته
-فارس وسع عيب كدا
-مش هوسع. هتعملي ايه
تلألأت عيناها بالدموع: -ابعد لو سمحت. رفع ذقنها ينظر إلى عيناها بحزن
-لحد امتى هتخافي مني
أحست ببرودة تجتاح جسدها من نظراته الحزينة، فهمست بتقطع
-لحد ماتبقى جوزي، حرام يافارس القرب دا، خلي ربنا يبارك لنا في حياتنا مع بعض.
ابتسامة زينت وجهه ينظر إليها بحبور بعد كلماتها التي أحييت روحه. ظل يتأملها بحب وضرب المسافة التي بينهما
-قولتي ايه؟
وضعت كفيها أمامه
-بلاش نغضب ربنا، ايه مش خايف
همس بعيون والهة وقلبه الذي قرع كطبول الحرب قائلاً: -انا عايزة بركة في حياتنا، عايزك نور لحياتي، عايزك تشاركيني الحزن قبل السعادة
-إن شاءالله مفيش حزن. قالتها بشفتين مرتعشتين
تنهد بغرام يحيي القلوب ناظرًا بعمق عيناها هامسا ببحته الرجولية.
- جوان أنا بحبك. قالها عندما ازداد بريق العشق بعيناه
توردت وجنتيها لتصبح كبتلات الورد الجوري. وتحول قلبها لفراشات تدغدغ معدتها لتهمس بتقطع
-ممكن نمشي.
أشار إليها مبتعدا وعيناه تحاوطها بجنان عشقه قائلا
-هنمشي بس علشان مش ضامن نفسي
تحرك بها إلى سيارته متجها إلى وجهته وهي الذهاب لمنزلها
مساء بمنزل جاسر.
دلفت إلى غرفتها تحمل بيديها اغراضًا إليها وإلى ابنتها، . تسمرت بوقوفها عندما وجدته مستغرق بنومه على فراشها
فتح عيناه عندما شعر بدخولها. نهض يمسح على وجهه، خطت متجهة لغرفة الملابس ولم تعريه اهتمام تضع باقي الملابس بالحقيبة بعدما أمرهم جواد بالتحرك بالصباح الباكر لروجعهم لحي الألفي
نهض متجها إليها، توقف على باب الغرفة لفترة ثم تحرك إليها بعدما لم تكترث لوجوده.
انحنى بجسده يرفعها من خصرها، لكزته هادرة به
-اياك تلمسني تاني، معرفش ازاي جالك الجرأة انك تدخل الاوضة وتنام على سريري اصلًا
جذبها بقوة يدفن رأسه بخصلاتها
-مش تزعليني ياعاليا، أنا تعبان بلاش تعملي فيا كدا
تراجعت متهكمة تطالعه بنظر مزدرية قائلة: -اه تعبان، وياترى تعب من أي نوع ياحضرة الظابط، اقتربت تلكمه بصدره.
ايه جاي ترتاح معايا وبعد كدا ترميني زي بنات الليل، تمشي لشهور وترجعلي لما الشوق يغلبك، انا هنا علشان بنتي ياياسين مابقتش متحملة اللي بتعمله
عاليا . أشارت بسبباتها كالمجنونة
اخرص، بلا عاليا بلا زفت، ايه انا ايه في حياتك، قولي صرخت كالمجنونة وانسابت عبراتها
جذبها يضمها لصدره
-إنتِ القلب والحب كله ياروح ياسين، انا زعلان ومخنوق ومش عارف اسامح ولا عارف اعيش من غيرك.
كذااااب. قالتها بانهيار مع انسياب دموعها، ثم أشارت إلى نفسها
ولا عارفة أعيش ياياسين، قولي عرفت تعيش، حتى جيت يوم ولادة جنى ومهنش عليك تاخدني في حضنك وتتبطب عليا وتقولي متزعليش
لم يدعها تكمل حديثها فيكفي مايشعر به كلاهما. ظل لفترة يرتوي من لهيب عشقها، حاولت الابتعاد عنه في بادئ الأمر ولكن عشقه طغى على امتناعها
ليحي قلبه وقلبها من جديد. صرخت هادرة تلكمه بقوة تمسح ثغرها.
-مبقاش ينفع ياحضرة الظابط، اللي بتعمله دا بيكسرني قدام نفسي
ابتعدت تشير إليه
-أنا مش مسمحاك ياياسين، واسمعني انا مش هفضل ساكتة على كل مرة تزلني وتدوسي على كرامتي ودلوقتي اطلع برة، لما تحسسني اني استاهل انك تضحي علشاني يبقى تعالى، مش عايزة افضل في نظرك الجوازة السهلة
-ايه اللي بتقوليه دا يامجنونة
رمقته هادرة، وبصقت حديثها الذي أوقفه متسمرًا.
-أنا رافضة الجوازة دي، انت اتجوزتني غصب في ظروف مضطربة، ودلوقتي من حقي ارفض أو اقبل. شوف هتعمل ايه علشان ترضيني. لو عايزني حسسني بقيمتي. قالتها واستدارت تواليه ظهرها
توقف ينظر إليها لبعض الوقت، ثم تحرك خارجا. قابله جاسر خارجًا من غرفته. توقف أمامه يطالعه بتدقيق
-لسة زعلان مع عاليا. بقلب مهشم وينزف بصمت: -أنا عارف اني غلطت، بس انا معذور، مراتي لغتني وراحت شقة واحد كان هيغتصبها ياجاسر.
حاوط أكتافه وتحرك للأسفل تعالى ننزل نلعب شوية باسكت، نخرج الطاقة السلبية واحكي لي اللي حصل
بعد فترة من اللعب بينهما، اتجها إلى حمام السباحة ليسبحا بعض الوقت، استند على الجدار متسائلا
-مالكم بقى. قص له بعض الأشياء ثم ألقى بجسده بجوار المسبح
خرج جاسر من المسبح
-قوم خد لك شاور علشان نتغدى، وأكيد عاليا مش هطول في زعلها، سبها لما تهدي
وضع كفيه على عينيه قائلا.
-بتقولي من حقي أرفض أو اقبل علاقتنا. جوازي جه منها بالغصب
جذب المنشفة يجفف جسده ثم ألقاها بوجهه
-طيب ماهي سهلة ياغبي، قدملها طلب جواز، ودا من حقها بسبب ظروفكم، وبعد كدا سبها تختار
اعتدل جالسا
-إنت عبيط يابني، عايزني اروح اتجوز مراتي، ايه الغباء دا
ركله بقدميه
-تصدق تستاهل اللي بيتعمل فيك، خليك كدا لحد ماتخلعك.
-لا بجد انت مجنون، وياترى ياحضرة الظابط هروح اقدم طلب جوازها منين
تحرك جاسر بعدما سبه.
-من البوستة ومتنساش طوابع البريد، كتر منها، متخلف، روح اخطبها من عمو سامي البواب. ايه الغباء دا
تحرك للأعلى قابلته غزل
-حبيبي اخواتك فين علشان نتغدى مع بعض. أشار للخارج
-الحلوف ياسين رايح يشتري طوابع من البوستة، والعاقل نايم فوق، وانا قدامك، ايه عندك حد غيرنا بالسر
لكزته بصدره
-طيب روح البس هدومك قبل ماتبرد، توقفت تنظر إليه بجبين مقطب
-بوستة ايه اللي بتقول عليها. قهقه ثم تحرك صاعدا للدرج.
-ابنك عايز يتجوز، فكنت بقوله يشتري طوابع كتب الكتاب
امتقع وجهها متسائلة
-الواد دا اتجنن مين اللي عايز يتجوز، استمعت إلى صوت بيجاد وعز بالخارج مع ياسين، تحركت للخارج وجدتهم يتوقفون مع ياسين عند المسبح. تحركت إليهم
-حمدالله على سلامتكم. قبل جبينها عز
-غزولة وحشتيني كدا حي الألفي يضلم من غيركم، انا قولت مش هبات هناك وانتو هنا
ابتسمت تربت على كتفه.
-ربنا يسعدك حبيبي، مراتك فوق نامت الحمل تعبها فقالت هتريح شوية
تحرك متجها إليها
-طيب هطلع اشوفها، انا واقع من الجوع ياغزول، شوفيلي حاجة اكلها
-حبيبي غير هدومك هتلاقي رُبى اكيد عاملة حسابك. تحرك يلوح بكفيه. اتجهت وجلست بجوار بيجاد الذي جلس أمام المسبح شاردا بنظراته اتجاه ياسين الذي يسبح. ربتت على كتفه: -سرحان في ايه يا كابتن
التفت يناظرها ورسم ابتسامة على وجهه.
-عاملة ايه، ليه اصريتوا تباتوا هنا، أول مرة عمو جواد يبات برة حي الألفي، من بعد سفرياته خارج القاهرة
ابتعدت ببصرها عنه واجابته
-حاجات بيرتبها حبيبي، غير أن البيوت بتعتكم بتتفرش
-مكنش له لازمة البيت اللي عامله، انا مش ناقصني بيوت
استدارت تحتضن كفيه وتحدثت بهدوء: -بيجاد اسمعني كويس، مين من ولادي محتاج يابني، عمك عمل الصح، وبعدين انت مالك دا بيت لبنتي مش ليك
ابتسم يهمس لنفسه.
-بيوزع علشان عارف أنه خلاص قرب على النهاية. لكزته غزل متسائلة: -بيجاد مالك حبيبي، مش عوايدك وبعدين انت زعلت من كلامي انا بفهمك حاجة مهمة، غنى زيها زي اخواتها حتى لو معاك مال قارون، وطبعا جواد مش ناسي انك معاك اكتر وربنا يزيدك حبيبي، بس برضو البنت من حقها يكون ليها في مال ابوها
نهض من مكانه عندما فقد التحكم بنفسه.
-أنا مش واخد حاجة ياطنط، والبيت مش هنعيش فيه، وعرفي عمو كدا، انا مش قابل اللي بيعمله، ليه بيحسسني أنه بيوزع ورثهم
توقفت تنظر إليه بذهول
-بس دا مكنش كلامك والمهندسين بيصمموا، دا مكنش كلامك وانت بتختار مع اوس وعز أثاث بيتك
تراجع ينظر حوله بضياع، فكلما تذكر حديث جواد حازم عن مرض جواد يريد أن يهدم العالم بأكمله، هرب من نظراتها عندما اغروقت عيناه بالدموع وهتف بصوت يملؤه الألم.
-غيرت رأيي، انا مش محتاج، وحضرتك عارفة كويس بايدي اعيش بنتك في قصر من دهب، لو شاورت بس مستعد اعملها، لكن البيت دا مش هدخله ودا اخر كلام
خرج ياسين من المسبح بعدما ارتفع صوت بيجاد، جذب المنشفة يوزع نظراته بينهما
-مالك يابيجاد مزعل ماما ليه. سحب كف ياسين بقوة
-عايز اتكلم معاك، تعالى. قالها وهو يتحرك بعيدا عن غزل التي توقفت متصنمة تحاول أن تستوعب انقلاب بيجاد بتلك الطريقة
بالاعلى وخاصة بغرفة جاسر.
خرج من المرحاض، يلتف بمنشفة بجزئه السفلي، اتجه بنظره لزوجته التي غفت وهي تحمل ابنته بأحضانها. جذبها من بين يديها بهدوء ثم وضعها في مخدعها، توقف يطالعها بابتسامة ثم انحنى يطبع قبلة على جبينها
-والله القمر شبه بابي، صح يالولو. مرر أنامله على وجهها يرسمها بعيناه ثم جلس بجوارها ومازالت نظراته عليها.
-اممم، يعني عيون بابي بس ياليو، توقف على ثغرها عندما فتحته وهي تتثآب. ابتسم على جمال نعومتها، رفع نظره لزوجته ثم إليها
-أميرة بابي واخدة ملامح مامي بس بابي اكتر صح. تململت جنى فهبت من مكانها تهمس باسم ابنتها، توقف متجهًا إليها
-اهدي حبيبي البنت نايمة. ألقت الغطاء وهرولت إليها
-البنت كويسة ياجاسر ولا فيها حاجة.
جذبها بقوة لصدره: -البنت كويسة ياجنى بس أبو البنت اللي مش كويس. تجمدت عن الحركة بعدما استمعت لحديثه، وطالعته بأنظارها
-إنت تعبان!
اه تعبان. قالها بصياح عندما فقد سيطرته وشعر بألم روحه من حالتها منذ خروجها من المشفى. أشار عليها وهتف مستطردا
-اعمل فيكي ايه، بقيتي مجنونة كل ماللبنت تبعد عن حضنك تتجنني، ايه ياجنى البنت كويسة، اهدي علشان ربنا مايعقبناش ويباركلنا فيها.
شهقت ببكاء وارتجافة بجسدها. سحبها لأحضانه يمسد على خصلاتها
-وبعد هالك حبيبتي، بقالنا شهر على الحال دا، . انا تعبت مبقتش قادر اركز في شغلي من عمايلك دي
-البنت هتموت ياجاسر صح، قولي انها هتعيش والله هتعيش، ريح قلبي ياجاسر
انحنى وحملها بين ذراعيه واتجه إلى فراشهم. وضعها بهدوء وحاوطها بذراعيه
-أنا اللي هموت منك ياجنى.
وضعت كفيها على فمه
وعانقت رقبته تبكي بصوت مرتفع.
-بعد الشر عنك ياحبيب جنى. رفعها بذراعيه يجذبها لتصبح بأحضانه
-قوليلي اعمل فيكي ايه، مش كلمتين اتقالوا وقت الولادة يبقى خلاص البنت هتموت. رفع ذقنها يحتوي وجهها بين راحتيه
-البنت اخدتها لكام دكتور، غير ماما عرضتها على اكبر اطباء في مصر، البنت حلوة، والحمد لله كل حاجة طبيعية والثقب اللي الدكتور قال عليها هيقغل مع الوقت
-يعني مفيش دم فاسد، والجهاز التنفسي كويس صح. سحبها من كفيها واتجه الى ابنته.
-قوليلي كدا، دي لو عندها دم فاسد هتبقى نايمة كدا، اومال كانت بتعمل ايه طول فترة الحضانة دي كلها، حبيبتي إنتِ والدة بقالك شهر يعني لا قدر الله لو فيه مضاعفات للولادة كانت ظهرت، دمها اتغير كلها، اومال جوزك كان بيعمل ايه كل يوم عندها، والرئة كملت والله، وجهازها التنفسي فل
-وثقب القلب ياجاسر، البنت هتكون مريضة قلب
-مش ملاحظة انك نسيتي جاسر ياجنى، فين أنا من حياتك من وقت الولادة، أنا مبقتش موجود.
احتضنت وجهه واقتربت تقبله تهرب من خوفها الذي يكبر يوما بعد يوما على ابنتها. ضمها لأحضانه دافنا رأسه بعنقها يستنشقه بوله عاشق
-وحشتيني ياقلب جاسر، دفنت نفسها بأحضانه كأنها تهرب من وسوسات الشيطان
-وحشتني قوي حبيبي. تنهيدة عميقة يسحبها للفراش يدثرها بالغطاء
-نامي حبيبي، هروح البس. احتضنت كفيه
-زعلان مني. انحنى يطبع قبلة على جبينها
-مقدرش ازعل من روحي.
بعد قليل هبط الجميع لتناول وجبة الغداء. ترأس جواد المائدة يوزع نظراته بين أولاده ثم هتف
-مجبتش بابا معاك ليه ياعز؟
نظر إليه بصمت ثم أردف
-بابا ميعرفش اني هنا، ومكنش متوقع من حضرتك تبات برة حي الألفي
اومأ برأسه ينظر إلى جاسر الذي يطعم زوجته وأردف: -مكنش في بالي أبات هنا، بس جنى اللي أصرت على كدا، مش كدا ياجنجون
ابتسمت لعمها وهزت رأسها
-شكرا ياعمو، زيارتكم فرحتني وخرجتني شوية من الحزن
مسد عز على رأسها.
-ليه حبيبتي حزينة، بنتك رجعت لحضنك وكويسة، وجوزك جنبك
رفعت نظرها لأخيها وترقرت عيناها بالدموع
-هتبقى كويسة ياعز مش كدا. توقف جاسر عن مايفعله، وزفر بغضب ثم تحدث بصوت مرتفع بعض الشئ
-طمن اختك ياعز، بدل انا كلامي مابقاش يتصدق، يمكن تصدقك إنت
-جاسر اتجننت. اردفت بها غزل تشير بعيناها إلى جنى
-حبيبتي البنت كويسة، والله مافيها حاجة اهدي إنت، متنسيش عندنا فرح بعد يومين، لازم تجهزي، بشرتك تعبانة.
-حاضر. قالتها وهي تنظر لزوجها بحزن ينبثق من عيناها، امسك السكين ولم ينظر إليها وبدأ يقطع اللحم ويتناوله بهدوء، حاوطت ذراعه وهمست له باعتذار
-جاسر متزعلش مني. لم يلتفت إليها وبدأ يتناول طعامه بهدوء، رغم شعور بعلقمه. رفع عيناه إلى ياسين عندما تحدث جواد
-ياسين الصبح تروح مع مراتك تشوفوا فيه حاجة محتاجينها في البيت ولا لا
-بابا ممكن نتكلم بعد الغدا. اومأ جواد دون حديث.
-مالك يابيجاد؟ مش عوايدك تسكت كدا، ايه غنى مزعلاك
-ابدا يابابا، من وقت مارجع وهو كدا
هز جواد رأسه ثم غمز إليه وهو يضع قطعة اللحم بفمه
-مش هتقول لابوك يالا مالك، ايه نسيت ولا ايه
ظلت نظرات بيجاد عليه لفترة حتى استغرب جواد صمته، فضحك قائلا
-لا دا الموضوع كبير، وشكلك عامل مصيبة يابن ريان. قاطعته غزل.
-بيجاد مش عايز البيت ياجواد، بيقول انا مش فقير علشان تبنوا لي بيت. ضغط عز على ذراع بيجاد عندما وجد نظراته المصوبة لجواد، وانحنى يهمس له
-بيجاد اوعى تتهور، طنط غزل قاعدة، اياك تتهور هزعل منك، طنط غزل ممكن تموت فيها
لم يلتفت إلى عز وانما رفع شوكته ينظر لقطعة اللحم ثم الى جواد
-كنت مع جواد حازم النهاردة، واتكلمنا شوية، لقيته زعلان، تخيل زعلان من ايه ياعمو.
صمت جواد وارتفعت دقات قلبه يوزع نظراته على ابنائه، ثم اتجه ينظر إلى بيجاد الذي تابع حديثه
-جواد بيقولي له صديق مريض ومخبي على أهله، وممكن صمت ولمعت عيناه بالدموع حتى هب جواد من مكانه
-أنا شبعت كملوا اكلكم، ثم اتجه بنظره إلى بيجاد وعز
-خلصو اكل وتعالولي المكتب، قالها وتحرك ولكنه توقف عندما تسائلت غزل
-حبيبي مقولتش صديق جواد مريض بايه لو بايدي حاجة اساعده.
كانت نظراته كالسهام على بيجاد يحاوره بعيناه الا ينطق ولكنه استدار إلى غزل وهتف
-إنتِ الوحيدة اللي بأيدك تساعديه
بيجاد صاح بها بغضب واقترب يجذبه من تلابيه
-تعالى عايزك يالا. انزل كف جواد بهدوء يطالع غزل وتابع حديثه
-قولتي ايه ياطنط غزل، هنا هب عز من مكانه
-قوم يالا وطنط غزل هتشوف الموضوع دا بعدين، رفعه من ذراعه يلكزه بغضب يجز على أسنانه
-تعالى نغلس شوية على عمو جواد ياظريف.
وزع أوس وجاسر نظراته بينهما بذهول، فنهض جاسر يسأل
-شامم فيه حاجة مش مظبوطة، ايه اللي بتحاولوا تخبوه عننا
دفع عز بيجاد للمكتب قائلا
-بيجاد عايز ياخد غنى ويسافر، فبيستفز عمو جواد
أطبق جاسر على ذراعه
-مخبي ايه ياعز، وليه بتهرب من نظرات ابويا، وليه وقفت بيجاد عن الكلام، بيجاد مش سكران علشان تعامله كدا
حدجه عز بنظرات ثابتة لبعض الوقت، ثم اتجه بنظراته إلى غزل التي تتحدث بسعادة مع بناتها وهتف.
-بيجاد عنده مشاكل ياجاسر مفيش غير كدا. ضغط جاسر على كتفه بقوة الامته
-هعمل مصدق، بس متأكد فيه حاجة بتحاولوا تخبوها
دلف للداخل وجد جواد ينهر بيجاد بغضب حتى تغيرت ملامح وجهه. اقترب منه وتوقف أمامه
-هو انا مش ابنك، مش حضرتك قولت انا ابنك ومفيش فرق بينا كلنا، ليا تعمل كدا وتخبي علينا، ليه حضرتك مصر تتوجع لوحدك
احتضن وجه عز يضغط عليه بقوة
-أنا كويس ياعبيط، انا كنت بقول كدا لجواد علشان يتجوز جنى بس.
-لا ياعمو، احنا رحنا للدكتور بتاع حضرتك وعرفنا كل حاجة
-عز اسمعني ياحبيبي
حضرتك اللي لازم تسمعنا ياعمو، حضرتك هتسافر وتعمل العملية، ودا اخر كلام
-موافق قالها جواد مبتعدا بنظره عنهما ثم أردف
-بس بشرط. وزع نظراته بينهما قائلا
-احس انكم رجالة بجد، وتوعدوني محدش يعرف حتى جاسر نفسه، وبعد ولادة ربى هسافر
-اوعدنا الاول. أردف بها بيجاد
حاوط أكتافه يربت على ظهره
-وعد يابن ريان. قبل بيجاد كتفه.
-ربنا مايحرمنا منك يارب
-يابني كلنا هنموت، البقاء لله وحده
ونعم بالله ممكن ماتتكلمش كدا. رفع جلس جواد يشير إلى كوب المياه بعدما شعر بوخزته المستمرة
استمعوا لطرقات على باب المكتب بعدها دلوف ياسين الذي توقف قائلا
بابا عايز اروح أخطب
ابتلع مشروبه بصعوبة كاد أن يختنق ينظر لأبنه بذهول
-إنت اتجننت يلا محدش مالي عينك خلاص، عايز تتجوز على مراتك
هز رأسه بالنفي يشير لوالده
-لا حضرتك فهمتني غلط.
توقف والده يحدجه بنظرات نارية يريد إحراقه بها قائلا بتوبيخ:
-لا ياراجل طب فهمني الصح، دي ممكن تمو. تك يخربيتك.
توقف عندما فقد الحديث مع والده قائلاً: -ماهو حضرتك مش مديني فرصة اتكلم
لكمه بصدره يريد اختنا قه
-إنت عايز تموت ابوك يالا. ودي عايزة فهم، حضرتك جاي تقولي عايز اروح أخطب وانت متجوز
ايه بقى اللي مفهمتوش
-ماهو انا عايز أخطب مراتي.
توسعت أعين والده قائلاً: -لا حول ولا قوة إلا بالله. انت بتقول إيه يابني
قهقه بيجاد وعز
-بيقول أنه اتجنن رسمي. جذبه عز
-مالك ياياسين انت سخن ولا اتجننت
ممكن تسبوني مع بابا شوية
جلس بمقابلة والده بعد خروج بيجاد وعز وقص له ماصار بزواجه ثم رفع نظره
-من حق مراتي تختار يابابا
-فهمتك حبيبي، طيب لو رفضت
هز رأسه بابتسامة وأجاب والده
-مش هتقدر، ضحك جواد يشير إليه ليجلس بجواره، ثم ضمه لأحضانه.
-عارف اني ظلمتك في حاجات كتيرة وخاصة جوازك مهتمتش بيه.
حاضر تاخد مراتك ترجعها بيت اهلها ونشوف نروح امتى
توقف سريعا
-لا مش هتروح لوحدها احنا هنروح وهي معانا وترجع وهي معانا
أطلق جواد ضحكات صاحبة حتى تناسى الامه يهز رأسه على جنان ولاده
قاطعهم دلوف فارس. توقف جواد عن الضحك متسائلا
-ابوك كويس يالا. تحرك إليه يسحبه من كفيه
-ابويا كويس بس أنا مش كويس، ودلوقتي لازم تيجي معايا عند ابويا وتقنعه أصله مش مقتنع.
خرج جواد وهو ينظر إليه بذهول
-يابني اوقف وقولي اقنع ابوك بايه
لحظات كان عز بجوار أخيه قائلا
-بيحب واحدة وعايز يخطبها
-نعم ياروح خالتك، ودي نروح نخطبها من غير مانشوف عيلتها
سحبه فارس قائلا
-هقولك في الطريق. دفعه جواد غاضبا
-إنت مجنون يالا. قولي اسمها وبعد الفرح نشوف موضعها
استدار فارس إلى عز قائلا
-عز الحقني بيقول بعد الفرح، فهمه قوله الفرح هيكون بتاعي
توقف جواد مزمجرًا به.
-اوقف كدا وقولي ايه الحكاية. حاوط أكتاف عمه
-عمو فيه بنت بقالي فترة متابعها وعجبتني، وسألت عليها، كويسة والله ياعمو
سحبه جواد من ذراعه
-اقعد يافارس واسمعني.
جلس بمقابلة بعدما ارتفعت حرارته حينما رفض عمه ذهابه إلى معشوقته
-هعملك اللي انت عايزه اكيد، بس اسمعني دا جواز ياحبيبي مش متوقف عليك وعليها، دول عيلتين لازم نشوفهم هيناسبونا ولا لاء، ومقصدش هنا الماديات ابدا، انا قصدي الأخلاق والقيم.
-والله ياعمو ناس كويسين ومحترمين
تنهد ساحبا نفسا عميقًا ينظر إلى عز
-مش تفهم اخوك أن الموضوع مش سلق بيض يابني، دا نسب ولازم التأني
-عمو جواد املي فيك كان كبير قوي، وحضرتك دلوقتي صدمتني زي بابا بالظبط
ربت على كتفه واجابه
-قولي اسمها وبكرة نسأل ونشوف الوقت المناسب اللي نزروهم
-امتى؟ تسائل بها فارس سريعا
ابتسم جواد مشاكسًا
-شكلك مستعجل قوي ياباشمهندس، على كدا جواد نعمله تمثال
ابتسم وابتعد عن نظرات عمه قائلا.
-حبيتها بجد ياعمو، وبجد عايز الموضوع يتم بسرعة
-إن شاءالله حبيبي، نخلص من فرح جواد وبعد كدا عيوني ليك، دا انت الختام ياابو الفوارس
نهض يقبل رأس عمه قائلا
-ربنا يخليك لينا ياحبيبي. أشار إليهم بالخروج
-اطلعوا برة يالا تعبتوا اعصابي وابعتولي ياسين وجاسر
تحرك عز وفارس وتبقى بيجاد متوقفا بمكانه، فأردف جواد.
-إنت طول عمرك راجل وكنت بعتمد عليك اتمنى متخيبش ظني فيك، ولسة عند كلامي يابيجاد انت ابني اللي مخلفتوش، زيك زي ولاد الالفي، عمري ماعاملتك على انك ابن المنشاوي او جوز بنتي
خطى وجلس على عقبيه أمامه
-وأنا كنت بعتبرك صديقي قبل ماتكون اب ليا أو عم أو صديق بابا، عوضتني عن حاجات كتير وعلمتني اكتر
انحنى جواد يضم وجهه ضاحكا.
-ودلوقتي مش هقولك صديقك محتاجك أو عمك، هقولك ابوك محتاجك، ومش عايز اكسر فرحة اخواتك حبييي
وفين فرحة حضرتك، فين حقك من الإحساس بيك، فين حقك علينا
-بكرة لما ولادك يكبروا هتبقى مش عايز تلمح نظرة حزن بعيونهم، انت تستحمل أضعاف مضاعفة ولأنك تتحمل نظرة وجع، حبيبي مش المريض بس اللي بيتألم اللي بيحبوه كمان
انبثقت دمعة عبر وجنتيه
-علشان خاطري فكر في صحتك وبس، فكر في جواد الألفي مرة واحدة
ابتسم له قائلا.
-حياة جواد الألفي من غير عيلته مالهاش لازمة، بكرة هتعرف معنى كلامي. قطع حديثهم دلوف ياسين ينظر إلى جلوس بيجاد بتساؤل
-أنا عديت مشهد الغدا عادي، بس دلوقتي عايز اعرف حضرتك مخبي علينا ايه، وياريت تحترم عقولنا ياسيادة اللوا
توقف جواد يشير إليه
-اجهز ياله، هنروح نخطب مراتك يامتخلف. اقترب من والده ونظراته على بيجاد
-بابا مخبي ايه يابيجاد، واللي تقصده من صديق جواد حازم بابا مش كدا.
تلجلج بيجاد بالحديث إلا أن جواد قاطعه
-إنت اهبل يالا، روح ياله علشان تتلم انت ومراتك
أطبق على ذراع بيجاد الذي ابتعد ببصره عن نظرات ياسين
-ابويا اللي تعبان صح يابيجاد. ثم اتجه بنظره الى والده
-حضرتك ليه مصر تأكدلنا أننا اغبية ومبنحسش بحاجة
ازال بيجاد دموعه مردفا
-لا ياياسين مش باباك، وياله خلقي بقى ضيق من العيلة
بعد فترة في منزل عاليا جلس جواد بمقابلة والد عاليا.
-اهو جنان الولاد يااستاذ نادر، ولازم ارضي حضرة الظابط مع بنتك
قهقه نادر ينظر إلى ياسين
-يابني مش محتاج انك تيجي وتاخد رأيي، انت عارف رأيي في الموضوع دا
بعد اذن حضرتك طبعا ياعمو نادر بس ياسين عايز يتأكد من حياته هو ومراته. أردف بها عز
اومأ جواد موافقا عز بحديثه، بينما قهقه بيجاد
-ياسيدي اعتبرهم لسة اول جوازة وريح دماغهم
ظل لفترة لبعض الوقت يتحدثون الى أن تحدث نادر قائلا:.
-انا لو كنت شكيت فيك يابني كنت مستحيل اوافق عليك يابني
-يعني ياعمو هنجوز المتجوزين ولا نطلقهم ونرتاح منهم. قالها بيجاد يغمز إلى ياسين الذي لكزه
-لسانك ياحبيبي، طلاق ايه، ثم استدار إلى نادر
-ايه ياعمو، كان لازم نيجي لحضرتك، بنتك مصرة أننا متجوزين غصب
التقط بيجاد حبة من الموز وبدأ يلتهمها
-ياحرام مغصوبين وجايبين عيال، اومال لو مش مغصوبين كنتوا عملتوا ايه
أفلت كريم ضحكة قائلا.
-شوف انت بقى، مراتك بتتدلع عليك ياياسين، حبيبي احنا مش مستين جيتك انت وسيادة اللوا لحاجة زي كدا، طبعا مش محتاجين اجاتنا
-ولو برضو يابني، البنت من حقها زيها زي أي بنت
-عمرك سمعت ياعز أن في عروسة بيخطبوها من ابوها وهي متجوزة وفي بيت جوزها، طيب ياجماعة عندي اقتراح احنا نجيب العروسة تقعد كام شهر وبعد كدا نيجي نطلبها
-بيجاد اسكت. أردف بها جواد، فأشار إلى نادر.
-كلم بنتك وشوف طلبتها، لولا عندنا فرح كان الموضوع اكيد مش هيكون كدا، وعاليا زيها زي بناتي، واللي تؤمر بيه، احنا بس مضطرين تفضل في بيتنا علشان الفرح مينفعش تكون مش موجودة
اومأ نادر متفهما.
-البنت بنتك ياسيادة اللوا، وهي في بيتكم ومستحيل اخدها ولا أوافق على طلبتها، ولو على سوء الفهم بينها وبين ياسين، انا متأكد مع الايام هيزول، ولما تعرف بوجودكم هنا مش هيكون فيه حاجة بينهم. عاليا عنيدة بس بتحب ياسين واكيد انت مش عايز حد يقولك مراتك بتحبك قد ايه يابني
بعد فترة من انتهاء الزيارة، رجع جواد الذي ألقى نفسه على الفراش بعدما شعر بآلام تشق جسده بالكامل. دلفت غزل إليه.
-جواد هتنام دلوقتي. اومأ لها محاولا السيطرة على الامه قائلا
-عايز انام شوية علشان اقوم اصلي القيام يازوزو. قبل جبينه
-ارتاح ياحبيبي انا هقعد مع الولاد تحت شوية قالتها وخرجت
وضع كفيه على صدره بعدما شعر بانسحاب أنفاسه ليعتدل يجذب هاتفه ويهاتف طبيبه الخاص.
بعد وصول ياسين بفترة، صعد إليها وفتح الباب بهدوء بعدما استمع الى الموسيقى بالداخل، وجدها تجلس تمشط خصلاتها وتدندن مع الموسيقى. خطى إلى أن وصل خلفها وحاوط جسدها يهمس بجوار أذنها
-حبيبي يقبل يكمل حياته معايا، روحت مع بابا وطلبتك من عمو نادر.
عاليا اللي عايزاه انا تحت أمرك، اللي إنت عايزاه هنفذهولك، إلا ببعدك عني
من اللحظة دي مستحيل ابعدك عن حضني فاختاري بسرعة تعيشي في حضني علشان معندكيش اختيار تاني.
قبلة على وجنتيه ثم تابع بهمسه
-بحبك وبحبك وبحبك يااجمل حاجة حصلتلي
جملة أحيت روحها مرة أخرى بعد فقدت الحياة ببعده، رفعت كفيها وتأملته بعشق تمرر أناملها على وجهه، حاوطها بذراعيه يضمها بقوة لتتلاشى المسافة بينهما، وهو يرفعها يضمها بقوة بأحضانه، وآه عاشقة خرجت من جوفه بأنفاسه الحارقة لتضرب وجهها
-وحشتيني قوي قوي
ضم وجهها وتجول بنظراته على وجهها بالكامل.
-قوليلي اعمل فيكي ايه، مش قادر اعاقبك على عملتيه فيا الفترة اللي عدت. اقتربت أكثر تدفن رأسها بعنقه وأخرجت نفسًا ناعمًا تستنشق رائحته بوله
-عاقبني زي ماانت عايز بس في حضنك
أطبق على جفنيه يعصرها بأحضانه لفترة لم يشعر بكم الوقت الذي مر عليهما إلى أن سحب كفيها وتحرك بها قائلًا
-النهاردة لازم اتجنن شوية
توقفت متسائلة: -بلاش نبعد، مينفعش، العيلة كلها هنا. وضع أنامله على شفتيها.
-أنا هنا بس اللي اقرر، وانت تقولي حاضر وبس.
ابتسمت بعيونا لامعة وردت قائلة: -اهو بس مستغلش اشتياقي وتفرد عضلاتك
جذب رأسها ووضع كفيه يضع حجابها على خصلاتها يقربها إليه
-لا هفرد وأفرد لما أبقى طاوووس مغرور كمان
-يادي النيلة رجعت ريمة لعادتها القديمة
جذبها وتحرك للخارج سريعا. قابله جاسر الذي يحمل ابنه متجها به لغرفته فغمز له
-مبروك للعروسين. جذب عاليا وتحرك قائلا
-خلي بالك من راسيل ياعمو.
توقف جاسر ينظر لتحركهم السريع قائلا
-خلي بالك من راسيل. ليه انا ناني ياحبيبي.
وصل إلى سيارته يشير إليها بالركوب
-الليلة هنبات برة
-برة فين. اقترب يجذب رأسها
-في حضني. طالعته بعيونا هائمة
-وأنا موافقة
ابتلع ريقه بصعوبة يلتفت حوله
-احنا في الشارع، وماسك نفسي بالعافية، فيالة بينا بدل مايمسكوني بالجرم.
بعد فترة بأحد الفنادق المشهورة بالقاهرة جلست بأحضانه تدفن نفسها متشابكي الأنامل، مسد على خصلاتها يضم رأسها لأحضانه
- ياااااه اخيرا، انا كنت يأست
-لدرجة دي. قالتها وهي تمرر أناملها على صدره، ثم تابعت
-وجعتني كتير ياياسين، كتير قوي
-وعلى قد زعلي منك على قد مابقدرش ابعد عنك.
رفعت كفيها تمررها على وجهه
-زعلانة منك ومن قلبي اللي بيحبك وبيغفرلك. ضمها بقوة لأحضانه يريد ادخالها لصدره.
-اعتبريني ابنك واغفريلي ياعاليا، انا معرفتش طعم السعادة الا بوجودك، تأكدي حبك متغلغل جوايا ومفيش حاجة تهزه، ضم وجهها ملتقطًا ثغرها بقبلة جامحة يذيب بها آلامها لحظات بل دقائق مبتعدا بخاصته عنها، ولكن أنفاسه الحارة تضرب وجنتيها هامسا لها
-بحبك يابلقيس، بحبك قوي قوي
ابتسمت من بين دموعها لما لا وهو يعد إليها النفس للبقاء على الحياة، رفعت كفيه على أحشائها
-لتاني مرة يابابي يجيلك بيبي بالغلط.
نظر إلى بطنها ثم رفع نظره لعيناها مذهولا. يومأ برأسه
-عاليا إنتِ حامل. هزت رأسها بدموعها قائلة: -شوفت عمايلك، مفيش مرة افرح بحمل، كل مرة. بتر حديثها يضع كفيه على شفتيها
-كل مرة فيهم كنت مجنون بيكي، كل مرة مكنتش عايز ابعد عن حضنك، كل مرة احبك أكتر وأكتر، دا اللي المفروض تسمعيه مني، ضمها يتراجع بجسدها على الفراش يحمد ربه على ماوصل إليه.
-ربنا يكملك على خير ويرزقنا الذرية الصالحة، ادعي بكدا، ماتقوليش أنهم جم غلطة أو غصب
خلل أنامله بخصلاتها وتابع حديثه بعدما وضع رأسها على نبض قلبه
-عمري مازعلت أو حزنت من قربك، عايزك تتأكدي انك جنتي في الدنيا ياعاليا، يعني بتقي ربنا في كل حاجة
قبل مايجمعنا الحب، جمعنا الألفة وقرب القلوب حبيبي
حاوطت جسده تغمض عيناها مستسلمة لنومها الثقيل
-بحبك ياياسين قالتها لتذهب بنومها
امال يطبع قبلة على جبينها.
-وياسين بيعشق عليته. غفى بجوارها يجذبها لأحضانه ليذهب بسباتا عميق
بعد يومين وهو اليوم المقرر لحفل زفاف أكبر احفاد الألفي
زينت الحديقة بالانوار المزينة الساطعة وصدحت الأغاني
جلست أمام مرآة الزينة تنهي زينتها، دلف والدها
-هنونة قلبي خلاص هتسيب حضن باباها. نهضت من مكانها تحتضن والدها
-بابا حبيبي. ضمها بقوة لأحضانه يطبع قبلة على جبينها
-ألف مبروك ياروح بابي. وصلت نهى بجوار غزل وميرنا.
-عروستنا الحلوة خلصت ولا لسة، ياله يابابا خليها تظبط طرحتها الناس تحت
فركت كفيها وتحجرت دموعها قائلة
-هو لازم الفرح النهاردة. اقتربت ميرنا تضمها بضحكاتها
-مجنونة بنتي الصغيرة، ياله حبيبتي وبطلي دلع، اتجهت بنظرها إلى غزل
-ايه ياطنط غزل، مش هنلبس العروسة الطرحة...
قبلتها غزل تضع طرحة زفافها
-ياله حبيبتي، عمو جواد برة عايز هو اللي ينزل بيكي، بيقول ختامها مسك وهو اللي هيسلمك لجواد
-أنا خايفة.
قهقه الجميع عليها. ضمت نهى وجهها
-حبيبتي خايفة من ايه، افتكري حاجة واحدة بس إن الليلة اجمل ليالي عمرك، لكزتها تغمز لها وهمست
-وهتنامي في حضن حبيبك
انسابت دموعها تهز رأسها بالنفي
-لا مش عايزة خلاص. قهقه الجميع عليها بدلوف جواد
-كله يوسع لأميرة العيلة ياله، قالها جواد وهو يقترب من وجودهم
تشبست بذراع والدها
-بابا مش عايزة اتجوز. ارجوك
امسكها جواد يضمها لأحضانه
-الصغنون خايف. الله يكسفك ياجواد.
قهقه سيف ينظر لزوجته
-شوفتي المجنونة، هتفضحنا
-افضحكم ليه يابابي. قبل جواد رأسها
-يالة حبيبة بابي علشان الناس تحت
بغرفة جواد
توقف أمام مرآة الزينة
بقولك يافارس هو الواحد بيكون متوتر كدا يوم فرحه، انا مش على بعضي ياجدع
زم الآخر شفتيه يشير لنفسه
-جاي تسألني يابغل على أساس أنا جربت. ذهب ببصره إلى بيجاد وجاسر فنكز جواد
-روح لمعلمين الخبرة وأسألهم، وتعالى قولي.
علي موسيقى طلي بالأبيض كانت تهبط درجات السلم بجوار عمها. وفي أسفل الدرج يتوقف بحلته البيضاء الكلاسيكية ينتظرها بلهفة عاشق. احتضنها بنظراته وابتسامة خلابة على وجهه. وصل إليه جواد ثم احتضنه
-ألف مبروك ياحبيبي بالرفاء والبنين
طبعا انا مش هوصيك عليها لاني لو وصيتك يبقى متستهلهاش
ابتسم ينظر إليها قائلا
-في قلبي قبل عيوني ياخالو. اقترب منها يطبع قبلة مطولة أعلى جبينها.
-مبروك عليا اجمل بنت في الدنيا. ارتجف جسدها تومأ بلسان ثقيل
-الله يبارك فيك. خرج العروسين مع ارتفاع الأغنية، وصفقات الجميع
عانقت ذراعيه وتحركت وانتفاضة بجسدها تنظر بتشتت لكم المدعوين، همست لنفسها
-الناس دي كلها عارفة ايه اللي هيحصل بينا، لا انا مش عايزة. انحنى جواد يهمس لها بعدما لاحظ خوفها وهمسها لنفسها
-هنون النهاردة أسعد يوم في حياتي حبيبي، وعلى فكرة مش هتنازل عن الحنة بتاعة امبارح.
-هو انت هتعمل ايه. قالتها والخوف ينبثق من عيناها، قهقه عليها متجها إلى ساحة الرقص ليفتتح الحفل برقصتهما، لف ذراعيه يجذبها بقوة لأحضانه ينظر لعيناها
-لا حبيبي، دا مايتقلش، همس بجوار أذنها
-دا يتحس بس. رفعت عيناها المرتجفة إليه
-هو ينفع نأجل. ضمها بقوة يدور بها على نغمات الموسيقى وارتفعت ضحكاتها، ظنا أنها تمزح إليه.
في الركن البعيد الهادئ. بعد انتهاء رقصة العروسين، والتعرف على الموجودين اتجه إليها يسحب كفيها ويخطفها من جلوسها بجوار والدته والدتها.
توقفت أمامه
-جاسر ايه اللي بتعمله دا، الناس بتبص علينا. جذبها من خصرها وتحرك بها إلى هذا المكان الذي يبعد عن الزحمة ورغم ابتعاده إلا أنه يكشف الحفل كشاشة عرض، قام بتجهيزه خصيصا إليهما. أجلسها بأحضانه على أرجوحة دائرية وحاوطها بذراعيه.
-عايزك في حضني ايه مش حقي، مش عايز حد يشوفك الليلة غيري
استدارت تنظر إلى وجهه القريب، تهمس مقتربة من خاصته
-مش الليلة بس ياروح جنى، لياليا كلها ملك لحبيب قلبي. امال يرفعها بقوة يعصرها بأحضانه
-مش قادر اعبرلك عن مدى اشتياقي، حاسس بقالي سنين مااخدتكيش كدا في حضني
تراجعت بظهرها عليه تضم ذراعيه على جسدها
-عارفة استحملتني كتير الفترة اللي فاتت، غصب عني حبيبي، وعد مش هبعد عن حضنك تاني ابدا.
رفع أنامله ترسم ملامح وجهها الذي يعشقها بحنو، ثم احتضن ثغرها
-متخافيش عليا هعرف اخد حقي منك على كل ليلة بعدتيها عني
أغمضت عيناها تنعم بهمساته ولمساته، أشار إليها على حفل الزفاف
-بيجاد وغنى بيرقصوا لو عايزة نرقص
هزت رأسها بالنفي وهي تحرك رأسها بأحضانه كقطة أليفة
-لا مش عايزة، عايزة اكون بعيدة عن الكل، مش عايزة غيرك زي ماقولت انت هتبحني اكتر ماانا بحبك ولا ايه.
-طبعا انت مجنونة، لسة بتسألي، بحبك اكتر بكتير. بعد فترة من الوقت وصل إليهم عز
-جاسر ياله سيبك من جنى شوية، ابوك بيسأل عليك، مااحتفلناش لجواد
نهض من مكانه يسحب كفيها ينظر لفستانها، ثم استدار إلى عز
-اسبقني. تحرك عز بينما استدار يقوم باعتدال ثيابها وحجابها
-خايف عليكي الليلة خدي بالك من نفسك الشوية دول.
عانقت ذراعه وتحركت بجواره إلى أن وصلوا الحفل، تركها بجوار غنى وتحرك إلى وقوف إخوته وولا عمه ليتم رقصتم على الأغنية المشهورة
بحبك ياصاحبي
بداو يلتفون حول العروسين وارتفعت صفقات الجميع مع رقاصتهم المنتظمة، توقف عز بمقابلة جاسر وبدأ يتحركون في بادئ الأمر ثم انضم إليهم الجميع، دقائق كفيلة لانتشار السعادة في قلوب الجميع.
كانت تراقب تحركات زوجها بعيونها العاشقة تمنت لو تراقصت أمامه بتلك الحركات، تذكرت أن عيد ميلاده قريبا اوعدت نفسها سيكون عيدا مختلفا عن اعياده كافة
انتهت رقصة الأخوين مع الرقصات الهادئه للازواج. جلست بجوار والدتها
-ماما جواد وهنا مش هيسافروا ليه بعد الفرح
-عمك سيف رفض. البنت خايفة
ابتسمت بخفة وذهبت بعينها لزوجها هامسة.
-غبية ياهنا هو أحسن من احساس الليلة دي، كان نفسي اعيشها، بس عيشت حلاوتها اكتر بكتير بعدها
بتكلمي نفسك حبيبتي
توقف واتجهت إلى وقوفه بجوار عز وبيجاد. توقفت بجواره وبسطت كفيها تخلل أناملها بأنامله. ضمها وآمال متسائلا
-فيه ايه حبيبي.
-عايزة ارقص معاك ممكن!
امسك كفيها وتحرك إلى مكان الرقص بجوار ياسين وعاليا، ثم بدأ يتحرك على نغمات الموسيقى الهادئة، رفعت ذراعيها تحاوط عنقه.
-بتحبني قد ايه ياجاسر. نظر حوله وابتسامة لاعوب على ملامحه
-بلاش ياجنجون تخبريني اقسم بالله مايهمني حد، ابتسمت بحب واقتربت تضع رأسها على صدره
-اياك تعمل حاجة، الكاميرات كلها حوالينا. ضغط بكفيه على خصرها وتسائل
-ايه لازمة السؤال وايه لازمة الرقصة
-عارفة أننا عملنا فرح، بس كنت عايزة احس اني عروسة معرفش ليه
توقف عن الرقص ثم طبع قبلة على جبينها.
-روحي عند ماما ياله، لما أشوف صحابي هيمشوا، قالها وتحرك سريعا من أمامها. أدركت أنه فهم ماتشعر به
عند جواد وهنا
تناست ماتشعر به بعدما ضمها بحنان وتفاهم وضعها، كانت تتراقص بأحضانه تستمع إلى دقات قلبه العنيفة تحت رأسها، رفعت رأسها إليه
-جواد بتحبني!
ابتسم يضع جبينه فوق جبينها وبأنفاسًا مرتفعة
-بعشقك ياهنون، رفعت كفيها على وجنتيها
-أنا خايفة. ضمها بأحضانه يهمس إليها بصوته الأجش.
-فيه حد يخاف وهو بحضن حبييه، طول ماانتِ بحضني ماتخافيش ياهنون
ظل الزفاف لساعات الصباح الاولى، توقف متجها إلى منزله بعدما شعر بآلام صدره. تابعه عز بعيناه، فتحرك خلفه بعدما اتجه بانظاره إلى أولاده
احتضن ذراعيه وتحرك بجواره
-طبعا لما اساعدك مفيهاش حاجة صح ولا ايه
ابتسم له وتحرك بعدما فقد الحديث من شدة آلامه. شاهدهما صهيب الذي توقف وتحرك خلفهما
بعد قليل.
انتهى حفل الزفاف رفعت فستانها وتحركت إلى منزلها الجديد بجوار زوجها. فتح الباب بهدوء وأشار إليها بالتوقف
-هنون استني لحظة. توقفت على باب المنزل وجسدها يرتجف، تهمس لنفسها.
-اهدي ياهنا اتجننتي، مش دا جواد حبيبك. أضاء الشموع ذات الروائح العبقة وقام بتشغيل الموسيقى الهادئة ثم اتجه إليها وانحنى يحملها ودلف ضاحكًا ادخل برجلي اليمين وأنا شايلك ياروحي. حاوطت عنقه تدفن نفسها بصدره، تهرب من نظراته. صعد بها إلى غرفتهما، يغمز لها
-طبعا هتتفرجي بكرة على البيت، أنا مخلتش حد يدخله قبلك. انزلها بهدوء يحاوط خصرها. يشير إلى الغرفة قائلا: -أيه رأيك حبيبتي؟
دارت بعيناها على الغرفة بأكملها. فتحركت مبتسمة على تجهيزاته الرائعة للغرفة، وضعت كفيها على فمها وضحكت بنعومة
-ياالله ياجواد تجنن، ملست باناملها على حروف اسمها الذي يضعه ببعض الأركان بأشكالا مختلفة ثم استدارت إليه: -دا علشاني، خطى إلى أن توصل إليها وحاوط خصرها من الخلف يضمها إلى صدره: -طبعا علشانك، هو إنتِ قليلة ولا ايه. أدار وجهها يلمس وجنتيها بأنامله، واحتضن عيناها.
-شاوري بس وهتلاقي الدنيا كلها تحت رجليك. انحنى يلمس ثغرها بخاصته فارتعش جسدها متراجعه للخلف
-إنت هتعمل ايه؟
توقف مصدوما من ابتعادها، فاقترب منها
-بت اتجننتي أنتِ ناسية أن فرحنا النهاردة
وصل إلى وقوفها وجسدها الذي يرتعش. دفعته بعيدا
-ابعد ياجواد اياك تقرب مني، اقترب منها يشير بيديه
-حبيبتي اهدي، فيه حد يخاف من حبيبه
بكت بصوت مرتفع
-لو سمحت ياجواد سبني براحتي انا خايفة ومش مستعدة.
رغم صدمته العنيفة بها إلا أنه أشار إليها
-حاضر ياهنون، تعالي نصلي ووعد مش هقرب منك طول ماانتِ مش مستعدة
بعد فترة انتها من صلاتهما، استدار إليها مبتسما
-حاسة بايه دلوقتي. وضعت رأسها بأحضانه
-آسفة ياجواد، بس حقيقي انا مش مستعدة
طبع قبلة حنون على جبينها، شعرت بسخونة شفتيها فهبت واقفة
-أنا هروح انام، امسك كفيها
-طيب ايه رأيك اخدك في حضني بس، مش هعمل حاجة غير اني اخدك في حضني
هزت رأسها وابتعدت سريعا عنه.
-آسفة ياجواد مش متعودة انام في حضن حد
توسعت عيناه مذهولا ورغم ذلك سحب نفسا وحاول السيطرة حتى لا يفقد أعصابه. جذب كفيها يضمها لأحضانه
-يرضيكي تسيبي حبيبك في ليلة زي دي ياهنون
ارتفعت شهقاتها وتحدثت معتذرة
-سامحني عارفة اني هبلة وغبية بس والله مش مستعدة ابدا
ربت على ظهرها وأومأ متفهما يشير إليها بالتحرك، هرولت سريعا الى غرفتها تغلق الباب خلفها
تخصر جسده يتمتم بغضب.
-وكفاية عليا عريس، الله يخربيتك ياجاسر نقيت فيها انت وبيجاد الكلب
ركل المنضدة ليتساقط الورد متحدث بسخرية
-لا وانا اللي بقالي اسبوع برسم للست هنا. وادي آخرة اللي يتجوز عيلة ينام برة، قالها وهو يجذب الوسادة ويضع رأسه بعنف فوقها. ظل يتقلب طيلة الليل، ثم نهض متجها للمرحاض، وعله يطفئ نيران لهيب فتنتها الطاغية فكلما تذكرها حينما ساعدها بالتحرر من فستانها يريد أن يحطم ذاك الباب الذي منعها عنه.
بالداخل جلست على الفراش تنظر إلى تلك الورود المتناثرة عليه. انسابت عبراتها فأمسكت هاتفها تهاتف اختها
قصت ماصار لها، نهضت من مكانها
-مجنونة يابت فيه واحدة عاقلة تعمل كدا يامتخلفة، قومي فورا اطلعي لجوزك خليه يتمم جوازه منك، متنسيش انكم مسافرين بكرة وماما لازم تطمن عليكي، ياله حبيبتي
خايفة ياسنا، حاولت تهدئتها فهتفت قائلة
-هنون اقولك حاجة فاكرة لما كنا بنضايق نعمل ايه
-بنرقص.
باااس، عايزة منك كدا، البسي بدلة الرقص وارقصي وبس، بس مش في الاوضة لوحدك، واعملي نفسك كأن مفيش حد معاكي
أغلقت الهاتف وظلت بمكانها لعدة ساعات، فتحت الباب بهدوء وخرجت على أطراف أناملها وجدته مستغرق بنومه. توقفت تطالع نومه بنظرات عاشقة، همست لنفسها.
-غبية، دا يتخاف منه، اقتربت منه كان ينام عاري الصدري ولم يرتدي سوى سروال. ابتسمت مقتربة ثم جلست بجواره على الأرضية، بسطت كفيها على صدره بهدوء، لا تعلم لماذا تمنت أن تضع رأسها بأحضانه
أغمضت عيناها واقتربت منه تستنشق رائحته. دنت حتى لم تشعر بنفسها سوى وهي تقبل وجنتيه. فتح عيناه فنهض سريعا ظنا أن بها شيئا
-حبيبتي فيكي حاجة. نهضت سريعا تهز رأسها واتجهت إلى غرفتها.
أغلقت الباب وابتسامة تجلت بملامحها عندما تذكرت عضلات جسده، توردت وجنتيها وهي ترسم أحلاما وردية بنومها فوق صدره، اتجهت سريعا الى خزانتها وبحثت بأشيائها إلى أن أخرجت تلك البدلة
توقفت أمام المرآة
-لازم صباحيتنا تكون غير ياجوادي، لازم ارسخها في ذاكرتك، غبية ياهنا، غبية بوظتي ليلتك.
جلست امام المرآة تتزين حتى أصبحت فتنة متفجرة أمامه. بالخارج اعتدل يمسح على وجهه بعنف بعدما تركته سريعا ودلفت للداخل. نهض متجها إلى المرحاض
خرج من الحمام يلتف بالمنشفة، توقف ينظر بذهول لتلك الجنية التي اذهبت عقله، نظر بأرجاء الغرفة المزينة، بحث بعينيه عنها لحظات ووجدها تخرج وهي ترتدي بدلة رقص باللون الاحمر الناري. وتمسك بكفيها تلك العصا.
ابتلع ريقه على خطواتها وحركاتها المغرية. فحص تلك البدلة التي لأول مرة يرى انثى بتلك الطلة
اقتربت منه ثم رفعت العصا تجذبه برأسه مع نغمات الموسيقى
علي أغنية شعبية
يابنت السلطان حني على الغلبان.
ظلت تدور بحركاتها تتلاعب بتلك العصا. توقف كالصنم لم يعلم ماذا عليه فعله. اقتربت وهي تتمايل بحركاتها الأنثوية إلى أن اختلطت انفاسهما وهمست بتلك الشفاة المطلية باللون النبيذي، مما جعلها شعلة لقلبه وهي تتمتم مع الأغنية ولكن قلبتها
يابن السلطان حن على الغلبانة، قالتها تتحرك بتمايل عليه وهي تشير على نفسها إليه.
لحظات كانت كفيلة إلى أن يسحبها لجنة لأول مرة يشعر بها وتشعر به، ظل يحلقان بسماء العشق إلى أن انهك الجسد وغفى بأحضان بعضهما بسلام
باليوم التالي على مائدة الطعام جلس ينتظر الجميع ولكن لم يجد أحد. وصلت غزل إليه بكوب عصيره، بوصول صهيب.
صباح الخير ياابو جاسر
-صباح الخير ياحبيبي. اتجه بنظره الى غزل متسائلًا
-فين الولاد، هما لسة نايمين ولا ايه
-لا ياحبيبي، مش هنا، التقط المربى يفردها بخبزها متسائلا.
-اومال فين. حتى جاسر منزلش
-راح شهر العسل
-أنا بسال عن جاسر وياسين واوس ياغزل
-ماانا يجاوب ياجواد
قهقه صهيب يتناول منه الخبز
-كل ياجدو، ومبروك هيرجعولك بنسوانهم حوامل، انت هتقولي على ابنك الحلوف
-جاسر وياسين واوس، التلاتة. قهقهت نهى قاىلة
-والعرسان الحقيقين هنا تخيل
نعم دا هزار ولا ايه على الصبح، وصل عز وهو يحاوط جسد ربى ثم ساعدها بالجلوس، رفع جواد نظره إلى عز.
-وأنت مرحتش ليه، ايكونش نسيوك ياحبيبي. امال بجسده يسحب الطعام من أمام جواد قاىلا
-لا ياعمو ياحبيبي، مراتي تعبانة، وخوفت تولد مني هناك، اه هي لسة قدمها بدري، بس انا مش ضامن نفسي
-حلوف وقليل ادب
قهقه عز يلوك الطعام وتحدث
-الله اللي يقول الحق يزعل، حد قالكوا هاتونا بنات حلوة كدا تجننا، لكمته ربى
-عز احترم نفسك. امال يغمز لها
-لو مسكتيش هقول لابوكي كنتي بتعملي ايه طول الليل.
ضغطت على قدمه حينما رفع جواد نظره إليها متهكما
-إنت حامل ياحبيبة ابوكي، لاحظي انك لسة في السادس، اتلمي انتي والحلوف دا والبغل التاني ساب بنته وهرب
وصلت غزل بها تحتضنها، رفع كفيها يجذبها منها ثم ضمها إلى صدره.
↚
تململ بنومه، بسبب تسلل أشعة الشمس الى الغرفة، فتح عيناه يمسح على وجهه، يستغفر ربه ليزول شيطانه. التفت الى جميلته التي تغفو كالملاك، اتكأ مستندًا على ذراعيه، يتفحص ملامح وجهها الخلاب ابتسامة تجلت بكلامه، وتضخم قلبه كلما تذكر ليلة أمس. رفع خصلاتها من فوق وجهها، ليتشرب ملامحها الندية لقلبه المشتعل بالغرام
مرر انامله يداعب وجنتيها ثم انحنى يطبع قبلة مطولة على وجنتيها.
فتحت الجميلة عيناها تغمغم بصوتها النائم.
-ماما سبيني أنام كمان شوية
همس بجوار أذنها
-صباح الخير ياروحي، فتحت عيناها تقفز من فوق فراشها
-ياااه إنت جيت هنا ازاي. نهض يجذبها يضع كفيه على فمها.
-بس يامجنونة، إيه نسيتي امبارح كان فرحنا. نزلت ببصرها إلى كفيه الموضوع على فمه واقترابه منها بذاك الشكل، خاصة حينما وجدت نفسها شبه عارية، جحظت عيناها، تميل بجسدها تجذب ذاك المفرش لتستر به نفسها عندما وجدت نظراته على جسدها، لف ذراعيه حول جسدها يضمها لأحضانه واردف بصوته الأجش وهو يغرز رأسه بخصلاتها.
بدّاري ايه ياحبيبة جواد، تفتكري بعد اللي حصل بينا حد يقدر يبعدك عن حضني. ارتجف جسدها تهمس بتقطع حينما لفحت أنفاسه الحارة عنقها
-جواد إبعد بقى. تمدد يجذبها لأحضانه يطوق ذراعيه حولها.
روح جواد ياهنايا، رفع ذقنها بأنامله ليقابل عيناها السوداوية.
-صباحية مباركة ياهنايا، مش المفروض دا يتقال.
دفنت رأسها بصدره هاربة من نظراته، ملس على خصلاتها بحنان قائلًا: تعرفي ياهنا، أول مرة احس بطعم الحياة، أول مرة أحس إن الحياة حلوة.
اعتدلت تنظر لمقلتيه بتفحص متسائلة: -حقيقي ياجواد، يعني انت سعيد بجوازنا ولا ندمان.
انكمشت ملامحه باعتراض تجلى بعيناه ليردف، إيه اللي بتقوليه دا، معقولة ياهنا. دا إحساسك بعد الليلة الحلوة اللي قضناها مع بعض.
خايفة. قالتها مرتجفة، ليعتدل بفراشه والصدمة قفزت من عيناه.
-إنتِ ندمانة على جوازنا ياهنا؟
هزت رأسها بعنف، وحاوطت عنقه تبكي قائلة: أنا بحبك قوي بس كنت خايفة إنك تندم علشان ضغطت عليك بمشاعري، أخرجها من أحضانه ومازالت الصدمة تتجلى على أعضاء جسده! ليه عيل ومش عارف مشاعري كويس، هنا إنتِ عارفة بينا قد إيه، بينا اكتر من عشر سنين، يعني أعرف أتحكم في مشاعري، مش مجرد إنك تقولي كلمتين أتجوزك، دنى من وجهها وغرز عيناه بعيناها.
-أنا بحبك ياهنا، ومش بحبك بس لا بعشقك، وبعشق كل حاجة فيكي
ابتسمت ترفع يديها لتحضن وجهه قائلة
-أنا كمان بحبك قوي ياجواد، كنت عايزة أطمن قلبي إنك بتحبني.
دنى إلى أن اختلطت أنفاسهما يهمس بأنفاسه الحارة
بعشقك يابنت عمي. هنا صمتت الألسنة عن أي حديث ولم يتبقَّسوى لغة العاشقين، لغة لن يفهمها سوى المغرومين.
بمنزل صهيب.
يتوقف أمام مرآة الزينة ينثر عطره الرجولي الجذاب، انتهى مما يفعله ثم ارتدى ساعته وتحرك للخارج. قابلته نهى التي دلفت للتو من منزل جواد
-صباح الخير حبيبي.
-صباح الخير ياست الكل
تمعنت النظر إليه مبتسمة، ثم اقتربت تحتضن ذراعه متجهة إلى غرفة المعيشة
-ياترى الشياكة دي كلها لمين.
توقف ينظر لوالدته بابتسامة عريضة
-أنا طول الوقت شيك، حضرتك مش واخدة بالك.
خطت إلى الأريكة تجذبه من ذراعيه ثم هتفت على الخادمة: جهزي فطار الباشمهندس يابنتي
-حاضر ياهانم قالتها تلك الفتاة وتحركت بعدما رمقت فارس بنظرة اعجاب. حاوطت نهى ذراعيه
-قولي بقى حبيبي، البنت الحلوة اللي كانت واقفة مع جنى دي، هي نفسها اللي كلمت باباك عليها.
التمعت عيناه بالسعادة يهز رأسه
-ايه رأيك فيها. ملست على وجهه بحنان أموي: إبني الغالي كبرت إمتى حبيبي وبقيت راجل بتحب.
قهقه بصوته الرجولي، يحتضن كف والدته يقبلها. كبرت امبارح ياماما، حضرتك ادتيني دوا الصبح، بالليل لقيت نفسي شاب يافع الطول.
لكمته بصدره بخفة تضحك على كلماته
-بتتريق على أمك يافارس.
هز رأسه ومازالت ابتسامته تزين وجهه
-ماهو حضرتك اللي نستيني في وسط الزحمة، علشان كدا مفكرة إني لسه صغير.
ربتت على ظهره وأردفت بإبتسامتها
-باباك وافق حبيبي نروح نخطبهالك بعد عمك مايسأل عنها، وهو فعلا بيدور عليها.
قاطعهم دلوف صهيب يدقق النظر بينهما. ياترى الأم بتعمل إيه مع مدللها. احتضنت كف فارس وهمهمت بنبرة حانية.
كنا بنتكلم على العروسة، إيه رأيك نروح نخطبها بكرة.
استدار صهيب بنظراته متسائلًا: -هي مش الشركة إجازة، متشيك وعلى فين العزم.
نهض متجهاً إلى مائدة الطعام
-رايح مع عز اسكندرية، فيه مهندس ديكور عندنا ميعاد علشان بيتي ياحج.
رفع صهيب حاحبه ساخرًا: بيتك! والله كبرت يابن صهيب وبقالك بيت، على العموم مااتصلتش بيه يجي ليه، علشان يعاين البيت.
جلس يتناول طعامه بهدوء، ثم أردف
-لا دا مش للبيت هنا، اشتريت شاليه صغير في الساحل وعايزه يستلمه، وبما إنه داخلين على الشتا، هيكون كويس يظبطه قبل الصيف، علشان يشتغل براحته، عايزه يعمله من أول وجديد، كأنه لسة مستلمه.
أومأ له صهيب متفهماً، ثم نهض قائلا.
-كلم جوان وخليها تاخدلنا ميعاد مع عمها، عمك سأل عن الناس ولاقاهم كويسين.
-حبيبي يابابا متحرمش منك، بس خلّيالموضوع لما جنى وجاسر يرجعوا من السفر، جاسر كان قايل تلات ايام ويرجع
أومأ له وتحرك للأعلى.
-نهى هنام ساعتين مالحقتش أنام.
-شوية وهلحقك أنا كمان، أنا قومت علشان أشوف كنان ولين.
توقف على الدرج مستديراً إليها
-جنى اتصلت ولا لأ، اتصلت من ساعتين وطمنتها
-تمام حبيبتي، هطلع متتأخريش
استدارت بجسدها الى فارس.
-ليه شاليه الساحل حبيبي؟
نصب عوده وتوقف يرتشف قهوته
-عادي ياماما، عز اقترح وأنا وافقت
جمع أشيائه وتحرك للخارج.
بمنتصف البحر وخاصةً بذاك اليخت فتحت الجميلة عيناها، ترفع ذراع زوجها بهدوء للتحرر من قبضته. تراجعت على الفراش تنظر بساعة هاتفها، مررت أناملها على وجهه ثم انحنت تطبع قبلة على وجنتيه. فتح عيناه هاتفاً بصوته المحبوح: صباح الخير حبيبتي. وضعت رأسها على كتفه صباح الحب حبيبي، ياله قوم ياكسلان الساعة اتنين
جذبها لأحضانه.
إيه يعني إنشالله يكون خمسة حتى!
ردت بامتعاض تلكمه بصدره.
أوس إحنا هنفضل نايمين، قوم ياله عايزة أنزل البحر، إنت مش وعدتني هننزل البحر في الإجازة دي.
داعب أنفها بإبهامه مبتسماً: حاضر ننزل البحر، وكمان نعدي على البوص الكبير حمايا العزيز ونبات هناك الليلة.
قفزت تصفق بيديها ثم انحنت تقبله.
جذب رأسها يثبتها بكفيه يلتقط ثغرها في قبلة جامحة، ثم رفعها بين ذراعيه متحركا للأعلى ليتجول بها برحلة بحرية.
مساءً بقصر المنشاوي.
جلس الجميع بجوٍ من المرح يمزحون على أفعال بيجاد، قاطعهم ريان متسائلًا: مسفرتش ليه؟ مكنتش بتقول هتسافر مع العروسة.
ارتشف عصيره يطالع والده
بكرة إن شاءالله، اتجه بنظره لغنى وأردف: غنى طلبت نبات هنا ونسافر الصبح من هنا. ضمها ريان يطبع قبلة أعلى رأسها
حبيبة عمها غنى دي.
-ميرسي ياعمو، أنا كمان بحب حضرتك جدا وبعتبرك بمقام بابا، ومن حقك علينا يكون فيه أيام لأحفادك هنا.
حمحم بيجاد يشير بعينيه إلى والده: ريان باشا حضرتك حاضن مراتي، مش واخد بالك.
رمقه ريان بنظرةٍ مردفًا باستهحان
-مراتك إيه يالا، ناسي انها بنتي قبل ماتكون مراتك. توقف معترضاً يجذب كفيها، قومي يابنتي مش لاقية غير ريان المنشاوي وتقعدي جنبه.
توقفت ياسمينا متجهة إلى والدها
-حبيبي أنا اللي هقعد في حضنك، سيبك منه.
ضمها والدها إلى صدره ثم أردف معاتباً أوس: ينفع كدا شهرين متجوش.
حقك تزعل والله ياعمو، أعذرني كان عندي ضغط شغل، غير الفرح وحضرتك عارف.
ربت على كتفه قائلاً: عارف يابني ربنا يوفقك. نصب ريان عوده يبسط كفيه لابنته
هتمشَّى شوية مع ياسمينا، ملحقناش نقعد مع بعض في الفرح.
توقفت نغم خلف بيجاد الذي نهض قائلا: إحنا هنطلع نرتاح شوية علشان عندنا سفر الصبح.
بعد يومين.
بإحدى الجزر المشهور لقضاء شهر العسل، كان يتوسد ساقيها بصدره العاري على إحدى الشواطى يحتضن كفيها ؛ إيه رأيك حبيبي في المكان. انحنت تضع جبينها فوق جبينه.
جواد أنا مبسوطة أوي، إيه السعادة اللي أنا عايشاها دي؟
رفع عيناه ولف ذراعيه حول رأسها.
هنا، أنا كمان سعيد ومبسوط بحياتنا، بتمنى نفضل كدا طول العمر.
لثمت ثغره وابتسمت تهمس له: بحبك قوي ياجواد قوي. اعتدل يجلس بمقابلتها، ثم جذب رأسها يضمها لأحضانه ؛ جواد مدقش السعادة إلا على إيدك ياهنون، بعشقك بجنون. تمسحت بصدره تهمس بشغفها لعاشق روحها: عايزاك تحبني كتير قوي قوي، نصب عوده وانحنى يحملها بين ساعديه
. لازم أختم اعترافي بروحي وتتأكدي قد إيه إن جواد معشقش بجد غير هنا
دفنت رأسها تضحك بخجل من كلماته التي تعرف مدى معناها.
بمدينة العشاق باريس هنا الحال يختلف على أبطالنا، تتحرك تلك الجميلة تحتضن ذراع زوجها يتجولون بالأماكن المشهور بهذه البلدة، بحالةٍ من الهيام والعشق، وصلوا إلى إحدى النوادي الليلة التي تقام بها أشهر الحفلات بنجومها المشهورين. دلف للداخل وهو يطوق خصرها ليصل إلى مكانهم الذي حجزه
جلست ببداية الأمر بمقابلته، ولكنه رفع كفيه ليحركها لتجلس بأحضانه.
ضمها بقوة لأحضانه.
أول مرة آجي فرنسا على فكرة، مبحبهاش. لفت برأسها لتنظر لعيناه القريبة التي تخلب عقلها: بس أنا بحبها جداً ومن وقت ماحسيت بحبي ليك ماتمنتش غير إنه أقعد هنا زي دلوقتي كدا.
تجول بنظراته بالمكان، كان المكان هادئ ومنظم يطلُّ على البحر، دفن رأسه بحجابها يهمس بأنفاسه الحارة
حبيتها ياروحي علشان انتِ بتحبيها، أي حاجة بتتعلق بيكي لازم أحبها.
أغمضت عيناها منتشية بهمساته كفتاة تتعرف على حبيبها لأول مرة ؛ تقاذفت دقات قلبها بصخب حينما تابع حديثه: جنى بحبك أكتر من اليوم اللي قبله، بحس إني ماسك السما بإيدي لما تكوني في حضني، ولما أسمع من شفايفك اللي هي بالنسبالي إكسير الحياة، إسمي وانتِ بتقوليلي بحبك ياجاسر. جنى هو أنا هموت علشان كدا حاسس بكل لحظة بحضنك؟
دفعته تنهض من مكانها وارتجف جسدها مع انسياب عبراتها التي فشلت بالسيطرة على توقفها ؛ عايزة أروح ياله. قالتها واستدارت متحركة مع عبراتها التي تسبق خطواتها وهي تأن بأنينٍ كالنيران كلما تذكرت كلماتهِ التي كالسيف على العنق.
جذبها بقوةٍ لأحضانه، حاوطت خصره وارتفعت شهقاتها تردف بصوتٍ متقطع
: يارب أموت قبلك ياجاسر، يارب أموت علشان ماتوجعش بفراقك يابن عمي، عندي الموت أهون من بعدك عني.
عصرها بأحضانه حتى شعرت بتدخل عظامها ببعضهما ؛ بعد الشر عنك ياروح جاسر، أخرجها من أحضانه، يزيل عبراتها بإبهامه بحنان، ثم انحنى ليحتحز شفتيها التي ترتجف من بكاؤها حتى سلب أنفاسها. ثم تراجع يجذب كفيها متجهين إلى ذاك المنزل الصغير الذي يستقرون به بفترة إجازاتهم.
بأحدى الشاليهات تجلس أمام المدفأة بأحضانه وهو يمرر كفيه على احشائها.
لولو لسة زعلانة مني، أمسكت كوبه الذي يحتضنه ثم ارتشفت منه ؛.
لو زعلانة مش هكون في حضنك دلوقتي ياياسين، رفعت رأسها ونظرت لعيناه
ليه خلتها تقرب منك ياياسين، ازاي وافقت على كدا ؛
جذبها لأحضانه متذكراً ذاك اليوم ثم أردف: عاليا معرفش الموضوع جه ازاي صدقيني، انا كنت خارج من مكتب جاسر لقيتها دخلت بسرعة وبتقولي لازم نتكلم. قربت منها وبسألها
انتي عايزة مني ايه، لقيتها قربت وزي ماشوفتي كدا، والله دي لحظة من الصدمة معرفتش أعمل إيه، صدمتي شلتني.
يعني متأثرتش ياياسين؟
اتأثر! قالها بامتعاض ثم احتضن كفيها يرفعهما ويلثمهما قائلا: عاليا من قبلماأقابلك ولا احبك موضوع ليليان دا اتحرق، وسواء اتجوزتك ولا لأ مستحيل يجمعنا طريق واحد، أنا دلوقتي بحبك إنتِ، بعشق عاليا لعاليا، يارب تكوني مقتنعة بكدا.
توقف يسحب كفيها، تعالي نخرج نتعشى برة. أومأت له وهي تتجه لغرفتها لتبديل ثيابها.
مرت الأيام سريعاً إلى أن جاء اليوم الموعود، المقرر به عقد قران فارس على معشوقته ؛.
أمام منزلها كانت تقام حفلة تضم المقربون من الأهل والاحباب، جلست النساء تنتظر صوت الشيخ بالمسجد وهو يعلنهما زوجاً وزوجة. أطلقت أصوات الزغاريط، وقامت البنات بالرقص لتهنئ العروس على طريقتها الخاصة. استمرت الحفلة لوقت ٍليس بالقليل والجميع بحالةٍ من السعادة.
نهض جواد من مكانه يشير إلى عز حينما فقد تنفسه. هرول عز إلى
عمه، مالك وشك مخطوف. سحبه إلى السيارة يهمس بتقطع: روحني حبيبي قبل ماحد ياخد باله.
استند عليه يتحرك بصعوبة وألما حاد يفتك بصدره.
علي إحدى الطاولات كان يجلس يحمل ابنته ويداعبها، اقتربت نهى منهما
هاتها حبيبي وقوم مع مراتك علشان تباركوا لفارس. طبع قبلة على وجنتيها ثم توقف يضعها بأحضان نهى، تلفت حوله يبحث عن والده بعيناه، وجد والدته تجلس بجوار والدة جوان، تجول ببصره سريعا، لمحه من مسافةٍ بعيدة وهو يتحرك بجوار عز بصعوبة، ابتسمت جنى تحتضن ذراعيه.
جاسر: اعمل حسابك لازم نعمل حفلة عيد ميلادك يوم الخميس الجاي ومش هتنازل مهما تعترض. ترك ذراعها وتحرك مهرولا، حينما دار جسده ليسنده عز وهو ينزل بجسده بترنح جسد عمه، ضمه عز إلى صدره ليهرول جاسر إليه ودقات عنيفة تصخب بضلوعه.
-با. با. أردف بها جاسر بتقطع وهو ينزل بجسده إلى مستوى والده. حاول جواد يحرك كفيه على كف ابنه الذي وجد الرعب بملامحه ؛.
بابا جذبه بقوة من بين ذراع عز. حبيبي إيه اللي حصل، رفع نظره إلى عز الذي انسابت عبراته يهرب من نظرات جاسر. وصلت جنى إليهما بعدما وجدت هرولة زوجها للخارج ؛
جذب جاسر عز بقوة يصرخ به
ابويا ماله ياعز؟
توقف عز متجها إلى السيارة ليحضرها هروبا من جاسر، رفع رأس والده الذي شعر بفقده وعيه. ملس على وجهه وصرخ باسم والدته التي تجلس بالحديقة. كان ياسين يقف بجوار فارس وأوسويمزحون، بينما جواد حازم يقف بجوار زوجته يحمل بيديه كوباً من القهوة يمازحها
بشرب قهوة أهو، ولما أروح كمان هشربلك قهوة، علشان أسهر للصبح ؛
ركلته بهدوء ليجذبها من خصرها يقهقه بصوت مرتفع، مما جعل الجميع يطالعونهم بابتسامة.
نظر إليهم معتذراً، ثم نزل برأسه بمستواها: معذورين حبيبتي ميعرفوش شقاوة الصغنن، بسط كفيه ليجذبها ولكنه توقف حينما استمع الى صرخات جاسر. هوى الكوب من يديه يتمتم باسم خاله وهرول للخارج مع هرولة الجميع إلى الخارج.
توقفت غزل تنظر لتحرك أبنائها بسرعة باتجاه جاسر، رجفة أصابت جسدها وهي تتطلع إلى زحمة الناس التي يلتفون حول شخصٍ ما. أنزلت كنان بهدوءٍ تتحرك بأنفاسٍ متقطعة، وصلت إليها نهى.
غزل إيه اللي بيحصل، وليه جاسر بيصرخ كدا. بعيون زائغة مشتتة تتطلع إلى نهى وكأنها لم تستمع إلى حديثها. وصلت إلى تجمع أولادها، دفعتهم بكفيها المرتجفة، ولسانٍ منعقد تريد الصراخ قبل الحديث، هوى قلبها وهي ترى جاسر يحتضن والده يضمه إلى صدره بوصول عز يصرخ بهم: جاسر لازم نوديه المستشفى، قوم ياله مش وقت بكى.
تائهة تنظر لهم بعجز من عيناها عن ماذا يتحدثون، وعن أي شيٍ يهتفون، لقد أصيبت أذنيَّ بالصمم، أم أن عشقي لزوجي جعلني لم أعد أستمع سوى اسمه؟
انحنى أوس بجوار ياسين ليرفع والده بمساعدة جاسر وعز. توقفت كالمشلولة والرؤية تتلاشى أمامها مع ضعف جسدها، وصل صهيب إليها يحاوط جسدها، حينما رأى ترنح جسدها
غزل فوقي. عيناها تحاصر أبنائها وهم يحملون زوجها، ماذا حدث ولماذا؟ هل زوجها بخيرٍ أم أصابه شيئاً؟
رفعت عيناها المشتتة تهمس بتقطع
إيه اللي بي. حصل يا صه. يب؟
تحرك وقلبه يتزايد نبضه وهو يرى أخيه ؛ولكنه عاجز لم تعد لديه القدرة على التماسك، شعر بوجود خطبٍ ما حينما شاهد صراخ عز، كان يشك أن هناك مايخفيه عن والده، ولكنه لم يكن يعتقد أن مايخفيه هو مايصيب أخيه.
وصل حازم إلى غزل بعدما تحركت سيارة عز بالمغادرة متجهة إلى المشفى.
حاوط جسدها المترنح من أحضان صهيب، كانت تتحرك كالذي فقد الحياة وكل ما يتجلى على ملامحها نظراتها التي توحي بأنها لا تشعر بشيء.
غزل حبيبتي سمعاني. فتح باب السيارة يساعدها بالصعود، يهتف بصوت كالرعد على مليكة.
مش عايز صوت، اركبي جنبها، اللي أسمع صوتها هضربها
قالها حازم الذي على دراية بما يصير.
تلفت حوله يبحث عن ربى فأشار إلى فارس ؛
بنت عمك فين؟ دورلي عليها، وهاتها والحقنا.
عند ربى كانت تجلس بالأعلى تحتسي مشروباً من النعناع يهدئ من آلام جسدها ؛ويشعرها بالاسترخاء
ربتت والدة جوان على كتفها
بقيتي كويسة حبيبتي؟ هزت رأسها تحاول تنظيم أنفاسها: الحمد لله، آسفة ياطنط تعبتك معايا، قلبي بس مخطوف شوية، معرفش ممكن يكون من الحمل!
تبسمت المرأة الحنون: ربنا يكملك على خير يابنتي.
متشكرة. قطع حديثهم دلوف جوان وعلى ملامحها الذعر، تطالع ربى بنظراتٍ حزينة.
أشارت والدتها: حبيبتي تعالي جنبها، وأنا هنزل للناس زمانهم قلقوا. فركت كفيها ونظراتها على ربى التي قامت بنزع حجابها ؛
معرفش حاسة إني بختنق، لا أنا هنزل تحت يمكن أشم شوية هوا، أو أتمشى شوية.
قاطعهم دلوف فارس
ربى. قالها فارس بلهفة وهو يدلف للداخل ؛
ياله حبيبتي لازم نمشي.
اتجهت بنظرها إلى جوان تتطلع بتساؤل يقفز من عينيها، ظناً أنهما اختلفا فأردفت: لا يافارس، أنا هنزل لعز وانت خليك مع خطيبتك، قالتها وهي تضع حجابها فوق رأسها بعشوائية، تجذب هاتفها.
أشار فارس لجوان بمساعدتها، فاقتربت منها ؛
تعالي أساعدك في لف الحجاب.
هزت راسها بالرفض ؛
لا ياقلبي أنا هنزل كدا، كدا كدا هنزل على العربية على طول، كل اللي تحت أخواتي مفيش حد غريب، عمك وابن عمك عند الرجالة كمان.
حاوط فارس أكتافها وتحرك بها للخارج، تعالي حبيبتي لازم نروح مشوار مع بعض. الكل مشي مبقاش غيرنا أنا وإنتِ توقفت مذهولة تطالعه بأعين متسعة؛
عز مشي إزاي وسابني. تسائلت والدة
جوان: ليه مشيوا هما زعلوا ولا إيه. قالتها واستدارت إلى ابنتها بتساؤل.
تحركت ربى دون حديث بعدما تسلل الرعب إلى قلبها عن ماحدث.
بعد قليل ترجلت من السيارة، تهرول للداخل بجسدها الثقيل، تبكي تبحث عن أي أحد من إخوانها، هرول فارس يشير إلى جوان: إقفلي العربية والحقينا، خايف عليها. أومأت تساعد والدتها بالترجل.
وصل إليها فارس يضمها من أكتافها مع ارتفاع شهقاتها
-بابا. أنا عايزة بابا يافارس.
روبي حبيبتي ممكن تهدي، متنسيش إنك حامل. بكت بشهقات
عمك كويس يافارس صح؟ قولي حصل له إيه؟
ابتلع ريقه بصعوبة وهو عاجز عن الرد.
من أمام غرفة الفحص، توقف الجميع على أعصاب كالصفيح الساخن، وكأن بداخل كلاً منهما بركان من نيران.
وصلت ربى تبحث بالوجوه عن والدتها أو أحد من إخوانها.
تحركت كالطفلة التي تتعلم السير، تنظر بوجوه الجميع بضياع كطفلةٍ يتيمة تبحث عن والديها.
اتجه إليها حازم الذي توقف على باب الغرفة ينتظر أحدهم بالخروج للأطمئنان ؛ حبيبتي ارتاحي، رفعت عيناها المرتجفة، عمو حازم فين اخواتي وماما. بابا فين؟ ضمها وتحرك إلى المقعد يجذبها ويساعدها بالجلوس، يشير إلى جنى وتقى: خليكم مع بنت عمكم، خطت بسرعة تدفع الباب وتهرول للداخل بعدما عجز الجميع عن منعها ؛.
دلفت بساقين مرتعشة وجدت والدتها تجلس بجوار والدها، تحتضن كفيه وتضع رأسها بجانب رأسه، وهناك من الأطباء من يفحصه وآخر ينظر بإحدى الصور التي تم تصويرها وأمامه أبنائه
ياسين، أوس، جاسر. أشار الطبيب معتذراً.
للأسف الحالة صعبة وكان من الأفضل إجراء عملية من فترة طويلة ؛القلب حالياً ضعيف ومش هيتحمل منقدرش
نجازف. تحركت كالمجنونة، تجذب الإشاعات وتصرخ بالطبيب.
اسكت. تعرف تسكت، لكمة جاسر بقوة: اتصل بدكتور بابا بسرعة، إنت إزايتسلم حالة بابا لدكتور جاهل!
ضمها ياسين للسيطرة على نوبتها الجنونية ولكنه لم يستطع، نهض عز من جوار غزل واتجه إليها.
حاوط جسدها يخرج بها من الغرفة، وهي تصرخ بأصواتٍ توجع القلوب.
إبعد ياعز، الدكتور دا غبي مش فاهم حاجة أنا أبويا هيعيش، ضمها بقوة محاولاً السيطرة عليها ورغم حملها وإرهاقها إلا أنه فقد السيطرة عليها بسبب حالتها. دفعته بقوة تبكي متجهة إلى إخوتها إلى أن تدخل فارس يجذبها بمساعدته. صاحت باسم جاسر
جاسر: أبوك لو حصله حاجة إنت المسؤول قدامي، اتصل بدكتوره، الدكتور دا غبي. جاااااسر
وقعت عيناها على جسد والدها، لتصيح باسمه: بابا. بااااااباااا. قالتها مع إغلاق الباب.
وصلت جنى إليها بالطبيبة. حقنتها الطبيبة بمهدئ خاص بحالتها ومازالت على حالتها من البكاء الهستيري.
خلال ساعات قليلة تجمع الجميع بالمشفى التي يوجد بها جواد، وشاع خبراً بوقوعه بإحدى الحفلات بسبب وعكةٍ صحية، وصل بيجاد إلى القاهرة بصحبة زوجته بعد اتصال والده الذي أصبح ملازماً للجميع كأنه أخ. قام ريان المنشاوي بعمل اتصالاته لأكبر أساتذة جراحة القلب بالعالم. إلى أن توصل لأحدهم وإرسال طائرة ابنه الخاصة لاحضاره خلال ساعات، مع تجهيز كافة الاشاعات والتحاليل المرتبطة بحالة جواد الذي ذهب بغيبوبة، ضاع بسببها الكثير من أحبائه ولم يعد لأحد التماسك، سواءً كبيراً كان أو صغير، ارتسم الحزن على الجميع، وساد الصمت المريب مع الظلام الحالك لحيالألفي، بعد الضحكات التي كانت تصدح بذاك المكان، أصبحت المشفى تجمع مهول من الجميع، لما لا وذاك الرجل الخلوق لديه الكثير من الأعمال الخيرية. امتلأت المشفى من رجال الشرطة التي حاصرت المكان، فأسد الداخلية ذات يومٍ، الآن مسجى على فراشه كالذي ينتظر لفظ أنفاسه الأخيرة.
هنا صيحات وهناك شهقات لم تخلُ وأعصابٍأوشكت على الانفجار.
دلف الطبيب الألماني وتم الفحص الكامل، وإعادة الكثير من الصور لحالة القلب بجميع حالته. خرج يتحدث
إلى ريان مع توقف الجميع. أشار صهيب بيديه لتوقف الجميع: مفيش حد يتحرك من مكانه. خطى جاسر إلى الطبيب منتظراً حديثه بقلب ينتفض بالرعب مع وقوف عز بجواره.
كنت أريد إخباركم بالأخبار الحسنة، ولكن متأسف، فحالة المريض تبدو سيئة للغاية. هزة عنيفة أصابت الجميع، حينما ظنوا بطاقة أمل مع ذاك الطبيب. تابع الطبيب حديثه بلكنته الألمانية: هناك الكثير من تلك العمليات نسبة النجاح بها ضئيلة حسب تحمل المريض، وهناك. أوقفه ياسين: لا أريد المزيد، أريد أن أعرف هل سيشفى أبي؟
هز رأسه بأسى: أتمنى ذلك. ولكن النسبة ضئيلة، أود أن تطمئن قلوبكم ولكن لن أبالغ بذلك.
أومأ ريان متفهماً ينظر إلى صهيب: لو العميلة نسبة النجاح أكتر من 20 اعملها يادكتور، مش كدا ياصهيب.
تطلع صهيب بعجزٍ إلى جاسر الذي هوى على مقعده، وهو يشعر بنيرانٍ جحيمية تلهب صدره، عجز عن التفكير؛ عجز عن اتخاذ أي قرار. تذكر حديث والده، ألهذا كان يوصيه على إخوته. وزع نظراته على أوس وياسين بعجز. جلس أوس بجانبه.
جاسر بابا دخل غيبوبة، ولابد من العملية، كدا كدا هو تعبان، لازم نرمي حمولنا على ربنا، واللي بأيدنا نعمله
تراجع بجسده مطبق الجفنين، كيف له أن يختار شهادة وفاة والده، هو الآن يخير بين حياة والده والنتيجة واحدة أمام عيناه، مسح على وجهه بعنف كاد أن يقتلع جلده. ربت سيف على كتفه
جاسر ياله مفيش وقت للتفكير، باباك لازم يعمل العميلة، وبما إنك الكبير لازم تقوى وتحضره للعملية.
وزع نظراته بين ياسين وأوس بعقل عاجز. نهض ياسين حينما فقد السيطرة واتجه للأسفل. بينما أوس ربت على ظهره: أبوك جابنا للدنيا علشان اللحظة دي ياجاسر، ياسين خايف عليه هو مصدوم ولما يقعد ويفكر هيقول يعمل العملية.
ماما!
أكيد بتهزر! أردف بها عز بصياح
مامتك مش حاسة بحاجة، ومهما تتكلم معاها مش هتفيدك، قوم وأقوى كدا، جه الوقت اللي تظهر فيه إنك ابن جواد، جاسر بص على إخواتك البنات اللي منهارين ومحدش قادر عليهم.
مرت ساعات وخضع جواد للعملية، أما غزل فقدت وعيها ولم يعد لديها قدرة على المقاومة، حينما استمعت إلى حديث الطبيب.
ساعات خلف ساعات والقلوب بهلع، هناك من توجه للواحد القهار بالصلاة والدعاء، وهناك من أمسك آيات الذكر الحكيم يتلوها ليشعر قلبه بالاطمئنان.
وهناك من جلس يبكي على ذكريات تحملها الآلاف من المعاني، جلست جنى بجوار جاسر، جذبت كفيه
جاسر! رفع عيناه إليها.
عندي يقين بالله إن عمو هيفوق، عارفة إن ربنا دايماً رحيم بينا، وإن شاءالله هيقوم بالسلامة.
أومأ لها دون حديث، وتراجع بجسده وأغمض عيناه وحديث والده يخرق سمعه.
عند ياسين بتلك الغرفة يضع رأسه على ساق زوجته مع دموع عيناه.
مسدت على رأسه مع بكاءها، كيف لها أن تهون عليه وهي التي ضاق قلبها حزناً على ذاك الرجل الذي اعتبرته يوماً من الأيام أباً روحياً لها.
بجوار تلك الغرفة تحتضن ركبتيها تنظر في اللاشئ، دموع فقط تنساب بقوة، هل سيعاقبها ربها ويحرمها من والدها للمرة الثانية، شهقة خلف شهقة تدعو بسريرتها.
ربي إنه أغلى خلقك فلا تحرمني من حنانه.
ربي إن والدي يتألم فلا أحد سواك منقذه، اللهم اسكب في جسد أبي نهراً من الراحة يسري في أوردته، ربي أرح ثم هوّن ثم اشفِ كل نفسٍ لا يعلم بوجعها إلا أنت يا أرحم الراحمين. اللهم أنت الشافي المعافي، أسالك أن تزيل عن جسد أبي المرض والألم، اللهم اجعله صابرا على البلاء.
دلف للداخل وكأنه يخطو على بلور متناثر، جلس بجوارها وحاوطها بذراعيه
غنى حبيبتي، بابا هيقوم بالسلامة، مش عايز يأسك دا.
رفعت عيناها وابتسمت من خلال دموعها. بيجاد بابا هيعيش، عارف ليه، علشان أنا بحبه قوي قوي، وربنا بيحبني كمان علشان كدا مش هيحرمني منه، أصل اتحرمت منه كتير، وعارفة ومتأكدة إن ربنا رحيم بعباده، طيب لما هو رحيم مستحيل يوجعني كدا. صح يابيجاد؟ ربنا بيحبني علشان كدا هيرجع بابا، ماهو اللي تتجوز واحد زيك واللي يكون عندها عيلة زيي يبقى ربنا بيحبها.
ضمها بقوة لصدره وانسابت عبراته: أيوه حبيبتي ربنا بيحبك ومتأكد أنه هيكون رحيم بينا ياغنى.
بالجانب الآخر فتحت عيناها تتأمل تلك الغرفة المطلية باللون الابيض، نظرت للذي يحتضن كفيها ويبكي بصمت. هبت من نومها تهمس باسم والدها. بابا، عايزة اروح لبابا. أوقفها عز بعدما وجدها تسحب الكونالا من كفيها
ضمها بين ذراعيه يهمس لها: بابا في العناية حبيبتي، عمل العملية ولسة منتظرين أنه يفوق.
رفعت نظرها إليه: هيفوق يابن عمي صح؟ مش عمك هيفوق ياعز
قبل رأسها وأجهش ببكائه، هيفوق ياروحي إن شاءالله يفوق.
مرت ساعات أخرى والحال كما هو عليه. دلف لوالدته التي تجلس تنظر من الشرفة دون حديث، دلف خلفه صهيب وجلس بمقابلته. ماما هتفضلي كدا، قومي ارتاحي حبيبتي، ليه مش عايزة تاخدي مهدئ.
-تحدثت وهي تنظر للخارج: أبوك بيتوجع بقاله شهور ياجاسر وانا محستش بيه، عرف يخبي عليا، أنا إزاي محستش بجوزي، إزاي كنت بنام جنبه وهو بيتوجع. استدارت برأسها تنظر إلى ابنها. في عز وجعه قسيت عليه ولومته أنه خبى عليا إنك عايش! ابتسمت مع لآلئ عيناها التي انفرطت كالنجوم.
طول عمره أهم حاجة عنده غزل، غزل وبس، أهم حاجة غزل ماتتوجعش، أهم حاجة غزل تنام وتبقى كويسة، أهم حاجة غزل تكون سعيدةوتضحك. اقتربت من ابنها وغرزت عيناها بأعين ابنها.
أنا مستهلش أبوك ياجاسر، النهاردة بس عرفت إني مستهلوش، كان يستاهل واحدة أحسن مني، الست اللي متحسش بجوزها في وجعه متسهلهوش.
رفع كفيها يقبلها: حبيبتي ياماما متقوليش كدا، انتِ كمان بتحبيه. ابتسامة ساخرة تنظر إلى صهيب: قول لابن اخوك مين جواد الألفي ياصهيب. نهضت من مكانها قائلة
بس لازم أعاتبه وأعاتبه قوي كمان، عارفة أنه هيفوق، ولما يفوق هيشوف غزل تانية خالص.
ربت صهيب على ذراعها: غزل ماتزعليش منه، ادعيله ولما يفوق عاتبيه براحتك. تحركت للخارج ورغم ثباتها إلا أنها هشة، ستسقط إذا أصابتها بعض الرياح.
خرجت وجدت هناك حالة من الهرج، وبكاء مليكة بأحضان حازم، ذهبت ببصرها الى تلك الغرفة التي يوجد بها الأطباء يحاولون إنعاش قلبه. هرولت للداخل وكأن مشهد الثلاثون عاما يتكرر أمام عيناها، صاحت تصرخ بالأطباء وأمسكت جهاز ضربات القلب لانعاشه بعدما توقف، مرة بعد مرة الى ان انتعش قلبه ليرجع نبضه مرة أخرى. دقائق عصيبة على الجميع مع الانهيار الحاد، ابتسمت بعيونها ثم انحنت تضع جبينها على خاصته.
غزل مالهاش غير جواد اللي هو اخوها وأبوها و ابنها وكل حاجة في الدنيا، سمعني ياجواد. من غيرك يتيمة حبيبي، أنا فعلاً يتيمة، ياله ارجع لطفلتك ياحبيب غزل. رفعت ماسك تنفسه ولم تكترث للأطباء الذين بالغرفة وقبلته قبلة مطولة كأنها قبلة الحياة تهمس له: أنا ادتلك نبض قلبك وأنتِ اديني حياة غزل ياكل غزل. همست بها بإذنه، لتتحرك للخارج منه إلى المسجد تركع لربها وتتضرع، تبكي بدماء قلبها، لقد أطبقت الدنيا عليها حتى منعت تنفسها. مرت أيام و أسابيع والحال كما هو عليه. إلى أن فقد الأطباء الأمل في إيقاظه، فتوجه أحدهم إلى جاسر.
أنا آسف ياجاسر، بس الحالة زي ماهي يابني وأبوك شكله كدا ودَّعنا، الأحسن نشيل الأجهزة من عليه.
نظر للطبيب بصدمة، ثم اتجه بنظره الى ياسين الذي هب فزعا يهز رأسه كالمجنون: لا لا. صرخ بها يهرول إلى غرفة أبيه دفع الباب بقوة كطفلٍ يدخل إلى غسل والده، وصل إلى فراشه يجثو أمامه: بابا سامعني، أنا متاكد إنك سامعني صح يابابا؟ أنا عيل آه عيل ومحتاج لحنانك، أنا لسة مشبعتش منك يابابا ؛.
ينفع تسيب ابنك العيل، طيب خدني في حضنك لحد مااشبع.
دلف راكان إليه بعد علمه بما صرح إليه الطبيب معارضا حديثه: طول مافي نفس ممنوع أي جهاز يتشال يادكتور، قالها وتحرك خلف ياسين.
رفعه من جوار والده وأخرجه يهزه بعنف
فوق يالا، أومال سبت للبنات إيه. خرج كالمجنون متجهاً لسيارته لحقته عاليا التي تتألم على وضعه، فمنذ مرض والده ولم يخرج من تلك المشفى.
تحرك جاسر إلى الغرفة، ونيران تحرق أحشائه، يشعر وكأن أحدهم يطوقه بنيران من حديد، دلف للداخل ينظر إلى جسد والده، كاتماً تلك الصرخة التي توغلت صدره حتى يشعر بكم الآلام التي تصيب صدره، تمنى أن ينتزع ربه روحه، ولم يشعر بكم الآهات من بعد والده.
جلس بجواره على الأرضية يحتضن كفيه وانسابت عبراته.
وصيتني وارتحت ياحج جواد، هنت عليك ترميني بالنار كدا، طيب استنى شوية ؛تعلمني إزاي أكونزي جواد الألفي ولا مستخسر فيا شوية التعليم.
وضع رأسه على ذراعه
بابا ربى وغنى هيموتوا عليك، بلاش أقولك ماما عاملة إيه، لأنك أكيد حاسس بيها، اعتدل ينظر إلى والده.
طلعت غالي قوي قوي ياجواد ياألفي، من غيرك بقيت زي الطفل اليتيم اللي من غير هدوم، اتعريت يابابا، ماهو حضرتك مالبستنيش كويس، وحضنتي وقولتلي فوق ياجاسر أبوك بكرى مش موجود، لااا ؛ كل اللي قولته خلي بالك من إخواتك، اقترب يهمس لوالده
-طيب وصيت مين عاليا ياحج جواد
أزال عبراته بدخول عز إليه، أوجعه قلبه على حالته، فانحنى يجذبه.
. توقف ينظر إلى جسد والده المسجى، الذي لا حول له ولا قوة، خطى بخطوات ثقيلة، وأحس بضلوعه وكأنها تنكسر ضلعاً ضلعاً لتصدر صوت أنين دون رحمة. هوى أمام فراشه يحتوي كف والده المغروز بالإبر وتساقطت عبراته كزخات المطر.
شهقة خرجت من أعماق قلبه المتألم ليهتف ببكاء: بابا حبيبي، إبنك بيضيع يابابا، أنا ضعيف من غيرك، يرضيك تسيبني كدا، وضع رأسه بجواره وبكاه كأنه لم يبكي من قبل.
بقيت زي الطير اللي جنحاته اتكسرت، اتكسرت يابابا، كلنا بنموت من غيرك، علشان خاطر ربنا افتح عيونك، الحياة من غيرك وحشة قوي قوي. دلف عز إليه يرفعه من جوار والده: حبيبي قوم ياله، مينفعش كدا، أومال البنات تعمل إيه.
بوجه مرسوم بالألم وقلبٍ مثقوب بعلامات الموت، وروحٍ تأن بأنين محترق كوتر آلةٍ عتيقة أشار إلى عز، ووجه غارقاً بدموع الحزن: أبويا ياعز، دا أبويا وروحي وكل حياتي، دا جواد الألفي، عارف يعني إيه جواد الألفي. ضمه عز الذي انسابت عبراته، ورفعه من فوق الأرضية بدلوف ريان المنشاوي إليهم.
رفعه ريان من فوق الأرضية: إيه ياولاد جواد، مالكم بالضعف دا، اجمد ياجاسر، علشان أخواتك وأمك.
خرج جاسر بمساندة عز وريان. توقفت غزل تنظر إلى صهيب الذي جلس بعيداً عن الجميع، يبكي بصمت، فكلما تذكر حديث الطبيب يعض على يديه ألماً. نهض من مكانه ورسم ابتسامةٍ حزينةٍ: مفيش ياغزل، توجه الطبيب إلى صهيب: لسة عند رأيي ياباشهمندس.
-رأي إيه؟
أجابها صهيب مفيش، توجه الطبيب للحديث ولكن قاطعه صهيب
-بعدين يادكتور، واعمل زي ماراكان البنداري قالك.
صهيب إيه اللي بيحصل بالظبط محدش بيرد علينا ليه؟
ربت على كتفها، محاولا تهدئتها ولكن كيف له ذلك، وقلبه عبارة عن جمرةٍ نارية. صمت يضمها من أكتافها: غزل مش عايز انهيارك دلوقتي لو سمحتي، فين غزل الألفي، أنا النهاردة عايزك غزل اللي رباها جواد مش اللي حبت جواد. لمح خروج بيجاد يجذب جاسر من غرفة العناية. شعربانسحاب الأرض تحت اقدامه، بينما توقفت غزل تنظر إلى ابنها بجمود ثم اتجهت تنظر حولها كاليتيمة التي تبحث عن والديها، هزت رأسها بعنف وتحركت إلى أن وصلت إلى وقوف جاسر وبيجاد.
-ايه اللي بيحصل. رفعت عيناها إلى ابنها الذي هرب من نظرات والدته يضغط على كف بيجاد حتى لا ينفجر بالبكاء أمامها، اليوم لابد له من القوة. اليوم سيثبت للجميع أنه ابن جواد الألفي كما رباه والده
-لازم نشيل الأجهزة، شهرين ومفيش استجابة.
لحظات كفيلة إلى انهيار غزل وهي تهجم على ابنها بصرخاتٍ كالرعد، وهو يضمها لأحضانه: الدكتور دا بيقول ايه، إنت مش عايز تتكلم ليه؟ دفعته بقوة وتحركت إلى داخل الغرفة. وصلت إليه جسدٍ بلا روح، جلست بجواره ومررت أناملها على وجهه بالكامل. ابتسامة عذبة تنزل برأسها تقبل جبينه ثم احتضنت كفيه تقبله: إنت وعدتني ياجواد، فين وعدك لغزالتك. ياله حبيبي افتح عيونك
هموت من غيرك.
وضعت جبينها فوق خاصته وانسابت عبراتها لتنساب فوق وجهه تهمس بأنين خافت: هستناك هنا حتى لو مية سنة ياأبو جاسر، . ظلت لبعض الوقت ثم خرجت إلى الطبيب: مش عايزة حد يدخل لجوزي، أنا هستلم حالته، بما إن حضرتك معملتش العملية يبقى مالكش دخل بيه.
استمرت عدة أيام إلى أن جاء اليوم لتضع ربى مولودتها الجديدة. بكت بأحضان زوجها بعدما استمعت إلى صوت صهيب وهو يؤذن لطفلتها، تذكرت والدها الحنون. ربت عز على ظهرها: ربى وبعدين حبيبتي مش قولنا كله لربنا. بلاش تعملي كدا علشان بنتك ياحبيبتي.
أيام تلو أيام والحال كما هو عليه، خرجت غزل متجهة إلى المجمع الخيري، دلفت للداخل متجهة إلى غرفتها التي أغلقت منذ سنوات. وقامت بمهاتفة المسؤول عن توزيع العمليات: عايزة النهاردة كل الحجز بتاع العمليات يكون قدامي
ارتبك الرجل قائلاً: للأسف يادكتورة عندنا عجز في الأجهزة الطبيبة، ومقدرناش نطلب من الباشمهندس عز بعد اللي حصل
أي حاجة محتاجها هات أمضي عليها، عايزة اجتماع لكل الأطباء بالمشفى.
بعد عدة ساعات توقفت بجوار صديقتها التي حاولت منعها: غزل ممكن تتعبي بالعملية
اتجهت بنظرها إليها: يبقى قدرها، بس مش هسيب الطفلة دي تتعذب علشان دكتور أهم حاجة عنده إجازاته، الدكتور دا ممنوع يدخل المستشفى بعد كدا. أشارت إليها بالتقدم
-بعدين إنتِ معايا وواثقة فيكي، إنشاءالله العملية هتنجح والبنت ترجع لأهلها.
بعد عدة ساعات انتهت العملية التي تم بها استئصال جزء من الكبد، جلست بغرفتها تحمد الله على ما فعلته اليوم.
بالمشفى عند جواد.
رفرف أهدابه على عدة مرات يهمس اسمها، ابتسمت الممرضة تدعو الطبيب إلى التوجه لغرفته، بعد عدة ساعات انتهى من فحصه الشامل مع فرحة سعيدة على وجوه الجميع.
غفى مرة أخرى بعد سؤاله عن محبوبة دربه. أجابه صهيب: شوية وتيجي، قالت وراها مشوار مهم.
خرج البعض.
مرت أكثر من ست ساعات وهي بعيدة عن المشفى، عادت بقلبها الذي شعرت بآلامه دعت ربها أن يصيبها الله بذبحة صدرية حتى تتخلص من جميع ما تشعر به، فلم يعد لديها رغبة في الحياة دون حبيب دربها.
دلفت كالعادة، ولكنها لم تجد أحدًا أمام الغرفة كعادتهم، تذكرت خروج عز وربى بالصباح الباكر بسبب مولودتها.
خرجت جنى من الغرفة صدفة مع فتح غزل لباب الغرفة، توقفت تنظر إليها.
جنى، فين الباقي؟ صهيب وبيجاد فين؟ قبلتها جنى تضمها وضحكاتها تعلو بالمكان.
-عمو جواد فاق ياست الكل، عمو جواد فاق وجاسر حاول يتصل بيكي، بس فونك مقفول.
دفعت الباب سريعاً ودلفت للداخل. توقف تنظر إلى فراشه تهمس بكلمات الحمد لله.
كحبات اللؤلؤ تختفي عبراتها خلف أهدابها، طالعته بعينيها الساحرة التي لمعت بتلك اللآلئ. خطت إليه وعيناها تعانق عيناه، وابتسامة من عينيها قبل شفتيها، ناهيك عن تحولها إلى فتاة تبلغ من العمر عشرون ربيعاً.
خرج الجميع عند دلوفها ولم يتبق سواها بتلك الغرفة، ومعشوق دربها.
أفلتت ضحكة مع لألئ عيناها، تريد أن تصرخ وتضحك وتتراقص بنفس الوقت، لقد عجز العقل بما تشعر به، رغم قرب المسافة بينهما إلا أنها شعرت بأنها أميال من الكيلومترات. تضحك مرة وتبكي مرة حتى ارتفعت شهقاتها بالبكاء.
ود لو استطاع لينهض من فوق فراشه، ليضمها لصدره حتى تذوب ضلوعها بين ذراعيه. ارتجفت ساقيها ولم تعد على حملها، توقفت تهمس اسمه مع انسياب عبراتها التي انسابت بغزارة، كزخات المطر تخفي وجهها. ياالله ماهذا الشعور الذي يتملكني! هل يشعر بما أشعر به
أشار بكفيه إليها، ولكنها توقفت تعانقه بنظراتها، تريد أن تشبع من النظر إليه كطفل غاب عن والديه لأعوام.
همس اسمها مع التعمق برماديتها لتهرول إليه مع بكاءها الذي اوجع قلبه، ورغم تعبه الا أنه ضمها إلى صدره ؛مغمض العينين كأن روحه عادت إليه الآن ولا يختلف الأمر لديها، دفنت رأسها بعنقه تسحب رائحته كأنها تستمد أنفاسها التي منعت عنها، مسد بذراعه الحر على ظهرها بصوته المرهق، هنا فاقت من لحظة اشتياقها تبتعد عنه متألمة عند انقطاع أنفاسها مرة أخرى.
أشار إليها لتضع رأسها على ساقيه.
لا تريد شيئًا سوى التنعم بأحضانه
دنت تهمس إليه: استعد يابن الألفي لأني مش هتنازل عن قتلك فيا الشهور دي، هعرف اخد حقي منك كويس.
ابتسم يهز رأسه وأغمض عيناه هامسًا لها: من إمتى وأنتِ بتتنازلي عن حقك فيا. لمست خاصته تلمس وجنتيه.
حسابك عسير أوي معايا ياجواد، ومش هزار ابداً، هعرفك إزاي تبقى مريض وتخبي على غزالتك، بس الحق مش عليك بس، الحق على قلبي اللي محسش بيك، من إمتى وقلبي بقى قاسي كدا ياجواد، لازم أعالجه. شكله عايز علاج ياأبو جاسر
أغمض عيناه وهمس مابين النوم واليقظة: سلامة قلبك ياقلب جواد.
قالها وذهب بنومه مرة أخرى لتحتضن كفيه تقبله تحمد الله، على كرمه.
مرت الأيام وحالة جواد بالتحسن ولا تغيب مشاكسة بيجاد وعز إليه أثناء مرضه ومكثوه بالمشفى.
مكث جواد مايقارب الشهرين بالمشفى، وذلك بناء عن تعليمات غزل.
ذات صباح فتح عيناه وجدها تغفو بجوار على المقعد، اعتدل يهز كتفها بهدوء، غزل. فتحت رماديتها لتهب فزعة
-حبيبي فيه حاجة، مالك فيه حاجة بتوجعك،!
أشار بكفيه مع ابتسامة بعينيه التي ذبلت كثير بسبب مرضه.
نهضت مقتربة منه، أشار إليها بالصعود على الفراش. رفضت في بادئ الأمر إلا أنه أصر قائلا: -تعالي في حضني شوية وحشتيني. صعت لتجلس بجواره. حاوطه بذراعيه كالطائر الذي يحاوط وليده بأجنحته
ضم رأسها لأحضانه واطبق مغمض العينين
-كنت خايف مقومش ياغزل علشانك، رفعت رأسها تضع ابهامها على شفتيه.
-اسكت ياجواد، بلاش توجع قلبي أكتر ماهو موجوع. انا عايزة أفقد الذاكرة علشان مافتكرش مريت بأيه. انت مش جوزي بس، انت الحياة لغزل
فرد جسده مع ذراعه يشير إليها بعينيه
-نامي في حضني أنا بقيت كويس، عايز ارجع بيتنا ياغزل، بلاش القعدة دي
وضعت رأسها على ذراعه تهمهم بإرهاق
-بكرة حبيبي، لازم اعملك شيك كامل علشان قلبي يرتاح.
بعد فترة ولجت ربى وهي تحمل ابنتها، طرقت الباب وفتحته تنظر إلى والدتها التي تغفو بأحضان والدها، تراجعت متجهة للخارج ولكنها توقفت على صوت جواد
-تعالي حبيبة بابي، تحركت وابتسامة عذبة مع عيونا لامعة، إلى أن وصلت إليه، انحنت تقبل جبينه
-عامل ايه النهاردة ياحبيبي
رفع كفها يقبله
-أنا كويس ياحبيبتي، أشار الى ابنتها
نزلي رنيم هنا عايز ابوسها
-هتتعبك ياحبيبي.
نزلي البنت ياروبي. وضعت على ذراعه الاخر، ليرفعها إلى وجهه يقبلها
-الله اكبر ربنا يباركلك فيها ياحبيبتي
دلف ياسين مبتسما
-ياصباح الانوار على جواد باشا الألفي
-صباح الخير حبيبي. جذب المقعد ينظر إلى والدته الغافية
-جاسر هيجي كمان شوية علشان ياخد ماما، لازم تبات في البيت، الإرهاق دا غلط عليها، وانا هبات مع حضرتك، حاول تقنعها
-هقنعها بحاجة احسن، المهم مراتك هتولد امتى
-بعد اسبوعين إن شاءالله.
-لو جابت ولد سميه ادهم ياياسين، شوفت، جالى رؤية بكدا ياحبيبي
ابتسم قائلا
-طيب لو بنت
اتجه بنظره الى والدته قائلا: -كنت ناوي أسمي جواد يابابا، لكن بدل حضرتك عايز ادهم على خير الله، بس لو جابت بنت هسميها غزل ومش عايز اعتراض
مسدت ربى على خصلات ابنتها
-تقوم بالسلامة ياحبيبي وعلى العموم الطفل بيكون مقدرله كل حاجة
بعد عدة ساعات.
عاد جواد إلى حي الألفي الذي فاحت به رائحة الورود وانطلقت به الضحكات مرة أخرى، دلف إلى منزله يطبق على عينيه يستنشق رائحة المنزل بعدما شعر بأنه فقد روحه
تجمعات كثيرة وتهنئات سعيدة لعودة ذاك الرجل الخلوق.
أيام خلف أيام وشهور خلف شهور إلى أن أستعاد جواد عافيته الكاملة، ووضعت عاليا ابنها ادهم...
ذات مساء بحديقة منزله بفصل الخريف. جلس فارس بجواره يضع ديثار ثقيل على أكتافه، ثم جلس بجواره.
-حضرتك عامل ايه النهاردة!
ضم رأسه يشاكسه
-حضرتي عايز افرح، والفرح يدخل الحي من تاني، كلم عم مراتك وحدد الفرح على اول الشهر إن شاءالله
التمعت عيناه بالسعادة، ثم قبل كتف عمه
-ربنا يبارك لنا في حضرتك. ربت جواد على ساقيه
-آسف حبيبي أجلت فرحك بسببي
هز رأسه رافضا حديثه
-ابدا ياعمو، متقلش كدا ياحبيبي، المهم تكون وسطنا وصحتك كويسة
مرت الايام سريعا الى أن.
جاء اليوم الذي سيتوج به فارس بعروسه المنتظر، ومالك المنشاوي بتقى الألفي، يوم انتشرت السعادة بذاك الحي والجميع يعمل على ساقًا، فاليوم مختلف يوم يجمع اكبر عروسين، وهو مالك ريان المنشاوي ابن اكبر رجل اعمال بمصر والشرق الاوسط، على ابنة جواد حازم التي لا تختلف قيمة ومكانة عن زوجها، التي تم خطبتها منذ اكثر سنتين، ولكن تم تأجيل حفل الزفاف إلى أن تنتهي من دراسة السياسة والاقتصاد، ولا ننسى فارس عائلة الألفي واخر ابنائها، يوما جميلا محمل بالمباركات السعيدة، لما رأته من تلك الاسرة، . أنارت الحديقة بألوانها الملونة وصدحت الاغاني لزفا نجل لأكبر عائلتين. ، وعلقت تلك اللافتات التي يدون عليها.
قبل يوما من الحفل الاسطوري
. نهض بكسلٍ من فوق فراشه يبحث عن معشوقته ولكن تذكر ما فعله به صهيب حينما وضع إليه حبة منوم، عندما اعترض على مبيت زوجته بمنزل والدها، بسبب خناقه مع عز. تذكر دلوفه لمنزله الجديد ليتفحصه بعدما فرش أثاثه، دلف للحمام، ولكنه خرج سريعاً وقامت مناوشات بسبب تغيير عز لديكور حمامه الذي اختاره ولم يتركه سوى ما وصل إليه قائلا: -علشان يبقى تمشي بكيفك ياحلوف
قهقه عز يشير إلى بيجاد وصهيب.
-والله عم اللي رشحوا البانيو دا، قولت لهم جاسر هيرفض ابو حوضين أصله قرموط وبيحب يعوم براحته.
لكم عز بقوة عندما فقد اعصابه، ثم اتجه إلى صهيب الذي يجلس يحمل ابنته يداعبها: وبعدهالك ياعمو، ماتبعد عن حياتي انت وابنك والحلوف بيجاد
خير ياشملول. قالها صهيب بشماتة لأنه على دراية بما فعله عز وبيجاد.
انحنى يجذب ابنته يجز على أسنانه.
ابنك الحلوف لو مرجعش الحمام زي ماطلبت ؛ وحياة أبويا اللي لسة راجع من الموت لأخدها ونعيش في الوادي الجديد، أقسم برب العزة أعملها، ومحدش يقدر يوقفني، فزي الشاطرين كدا ترجعوا كل حاجة، واياك حد يقرب مني بعد كدا.
انحنى يهمس لعمه: بنتك هتفضل في حضني حتى لو بنيت خرسانة مش بانيو تافه بحوضين، وانسى إنها تبعد ساعة مش يوم. حمل ابنته وتحرك يغمز إليه بعدما وجد الصدمة على وجهه صهيب قاىلاً: -هبعتهالك بكرة ياصهيوب علشان ناوي أعسل في حضن بنتك، ماهو لازم كل فرح أعمل شهر عسل تعويض على السنين اللي بعدناها عن بعض، وآه ياصهيوب عينك المدورة دي أبعدها عني، أنا مبهمنيش غير إن مراتي تبقى في حضني. قالها وتحرك وهو يطلق صفيراً.
أتى المساء وجلس الشباب لتوديع فارس بحفلة مخصصة.
مع مزحاتهم ورقاصتهم التي ظلت لقرب الفجر، مع تجمع السيدات بمنزل جواد لأحتفال كذلك، مرت الليلة سعيدة على الجميع، ولكن هناك من يفكر لمقلب لزوج ابنته المغرور.
وهنا كان لعبته ليضع إليه تلك الحبة ليغفو بجوار عز بحديقة المنزل للصباح الباكر، فتح عيناه بتثاقل ثم نهض فزعاً عندما وجد عز بجواره، استمع الى صوت صهيب المتجه إلى منزل جواد: اعمل حسابك ياعمو، جنى هتفضل في حضني مستحيل تبعد ساعة مش يوم. غمز إليه قائلا: جنى نايمة في حضن أبوها طول الليل اشرب ياحضرة الظابط واعرف بتلعب مع مين يالا.
فاق من شروده على صوت كنان باسمها بالاسفل: -مامي أنا هلبس وأروح عند أيهم ورنيم، قبلته تشير إلى مربيته: -خلي بالك منه، وجهزيه لبسه فوق، ومتنسيش لين. أومأت لها وتحركت. استدارت للمغادرة وجدت من يحاوط جسدها. رفرفرت بأهدابها تبتعد عن نظراته قائلة: جاسر وسع كدا.
انحنى يشير إلى شيئٍ ما
-نفذي الاول. تلفتت حولها وغمغمت باعتراض: إنت مجنون عايز تفضحنا
احتجزها بذراعيه بينه وبين الجدار.
مش هتتحركي ياجنى لما تنفذي. داعب وجهها بأنفه يهمس لها: وحشتيني على فكرة، وأبوكي دا ظالم. رفعت كفيها على وجهه
وأنت كمان وحشتني قوي، دنى أكثر ليحتضن ثغرها، حاوطت عنقه بعدما نجح في ماوصل إليه.
إنت يامتخلف. تراجعت فزعة للخلف وهي تنظر للأسفل بخجل
اقترب جواد منهما: هو انتِ يابنتي هبلة! ماهو دا مش حب دي طفاسة، يعني البيت مليان ناس، وانتوا خلاص مبقاش عندكم شوية من الاحمر؟
ولا أخضر وحياتك ياحمايا، صدقتني لما قولت لك ابنك هتمسكه بفعل فاضح، جبت حاجة من عندي، شوية وتلاقي المواقع الإخبارية وخلف الأسوار وعناوين للقنوات الفضائية.
الشاب الذي مُسكَ بفعلٍ فاضح في منتصف منزل والده وهو يقبل زوجته وهي تختفي خلفه.
ركله جاسر يجز على أسنانه: افصل يامتخلف، اقترب جواد يجذب جنى من أحضانه: اطلعي ياشملولة اجهزي، الفرح هيبدأ والله اللي بيعمله صهيب تستهالوه انتوا الاتنين، رمق بيجاد: وانت ياخويا روح اجهز متحسسنيش إنك شيخ جامع
قهقه بيجاد يحتضن ذراعه: استاذي وافتخر والله ياحمايا، هو فيه سؤال تاريخي وبما إنك الخبرة هتقولي إجابته، اتجه بنظره لجاسر وأردف.
الواد المنفلت دا، جايب قلة الأدب دي كلها منين، عندكو حد في العيلة الكريمة كان منفلت كدا؟
استدار إليه جواد، ورمقه بنظرة صامتة فابتعد بيجاد يقهقه يضرب كفوفه ببعضهما: -والله سؤال برئ، مش محتاج نظراتك دي، ماهو بيقولوا الإنفلات أصله منفلت صغنون، كبر وتشعب ليصبح عنده كذا منفلت نجمعهم على بعض يصبح منفلتون، أمسكه جاسر من ياقة قميصه: ويضرب برضو يابو لسان طويل.
قهقه وهو يضمه ثم همس إليه: -يابني بحب انرفز ابوك، متبقاش غبي.
مساء تجهز الجميع لحضور الحفل الأسطوري، تم إعداد حفل اسطوري كما يقال، ليجمع نخبة من اشهر المطربين العرب، ليصدح صوتهم بحي الألفي بعد رفض جواد أن يتم الزفاف خارج الحي، وكذلك شاركه ريان حتى يرجع الفرحة بقلوبهم بعدما انا تناست مايقارب عاما.
تراقصت الفتيات أمام العروس بالمكان المخصص لهما، لفترة من الوقت إلى أن جاء موعد تسليمها لزوجها فيما جلب فارس جميلته، ليذهب كلا منهما إلى مكانه المخصص، بدأت فقرات الحفل برقصة العروسين لفترة، ثم بدأ الأقارب يشاركونهم رقصتهم
بسط عز كفيه إلى زوجته
-ام أيهم تسمحلي بالرقصة دي. ضحكت بجمال روحها وتوقفت بردائها الأبيض الذي جعلها كالفراشة الحرة. تقدم بها إلى مكان العروسين ليشاركهم فرحتهما.
لف ذراعيه حول خصرها يجذبها لأحضانه، دافنا وجهه بحجابها
-روبي خاطفت انفاس عز، انا سعيد يمكن اكتر من سعادة فارس نفسه
أغمضت عيناها عندما علمت مايشير إليه
-أنا وعدتك ياعز زمان، مفيش راجل هسمحله يقتحم قلب ربى غير عزها وفارس أحلامها
دنى من شفتيها لتختلط أنفاسهما هامسًا
- بحبك ابتسمت تنظر لعيناه وترد عليه قائلة
-وأنا بعشقك ياابو أيهم، على الجانب الآخر.
-طيب قوليلي هعمل ايه بعد مالجمال دا كله هيكون في حضني الليلة
-فارس، بس بقى هزعل وربنا، انا اصلا مش قادر اقف، فعلشان كدا ضمني كويس
ألصق جسدها بجسده يهمس ببحته الرجولية
-دا المطلوب يروحي، تبقي جوا حضني
-فارس بس بقى، قلب المسؤول عن فقرات الحفل اغاني رقص شرقي لتقترب فتيات الألفي هروبا من ازواجهم، يلتفون حول العروسين، تقى وجوان وبدأ يتراقصون على الأغاني الشعبية.
توقفت غنى بالمنتصف وبدأت تتمايل بجسدها لتشجع الباقي على الرقص والصرخات العالية، مما جعل هناك أعين نارية بعدما توقفت جنى بردائها الاسود الحريري بمقابلة تقى وبدأت تتمايل على نغمات الموسيقى، دارت الفتيات بحلقة عليها لتظر للجميع على رقصاتهما. اقترب مقتحم المكان، يجذبها من رسغها بقوة، وهو ينظر للجميع بابتسامة تكاد تظهر، ثم تحرك بها بعيدا عن الجمع.
بينما أكملت غنى وتقى رقاصتهما وهي تغمز لبيجاد الذي رمقها بنظرة تفهم معناها، ولكنها لم تكترث وظلت الفتيات يحتفلون بالعروسين إلى أنهكت
قبل قليل بعدما جذبها جاسر وخرج بها إلى الجانب الهادي، دفعها على الجدار، حتى كادت أن تسقط. ثم فجأة جذبها بقوة لتصطدم بصدره متأوة
-جاسر فيه ايه
مش عارفة فيه ايه يامحترمة، ضغط على خصرها بقوة لتدفن رأسها بصدره تصرخ من قوة ضغطه.
-فيه انك مالقتيش راحل يحاسبك وانت قاعدة تتمايل بجسمك اللي عايز اولع فيه. اشار إلى فستانها الذي أظهر مفاتنها بسخاء
-كنت رافض الفستان دا من الاول، معرفش ايه اللي خلاني اتزفت اوافق عليه. تلألأت الدموع بعيونها
-على فكرة الكل بيرقص، حتى اخواتك بيرقصوا كمان. جز على أسنانه
-اخواتي ليهم رجالة تحاسبهم، أنا ماليش دعوة، أنتِ ملكي انا مش هما، بدل اتجوز ماليش احاسبهم في وجود اجوازهم.
دفنت رأسها بصدره وانسابت عبراتها وهو مازال يعاقبها بالضغط على خصرها. سحب كفيها وخرج من الحفل، وقاد بها السيارة حتى لا يفقد أعصابه عليها، عقابها أشد عقاب بمنع اكتمال فقرات الحفل، ذهب إلى النيل وتوقف أمامه بالسيارة والصمت سيد الموقف. تراجعت بجسدها تنظر لمياه النيل بصمت، استدار إليها
-عارف قسيت عليكي بس دا الصح، من امتى وانتي بترقصي كدا قدام الكل. دنى يجذب رأسها يلمس ثغرها بخاصته.
-عايزة ترقصي، يبقى ترقصيلي انا أن شالله من غير هدوم، وعد من بكرة هجبلك بدلة رقص علشان استمتع بمراتي، مش قادر اتحمل فكرة إن حد يشوفك كدا. قبلة مجنونة يهمس بانفاسه المتسارعة
-إنت ملك لجاسر وبس، موتي على الجملة دي، قالها واستدار عائد للحفل
انتهى الحفل مع خروج العروسين لوجهتهم.
صباح اليوم التالي
بأحدى الجزر الروسية.
تقلبت بالفراش لتفتح رماديتها ثم تجذب ساعة يديها تنظر بها. أعادت رأسها مرة أخرى على صدره، ظلت لفترة تفتح وتغلق عيناها من أثر نعاسها، وشعور بالنوم. تنهيدة خرجت من أعماقها حينما استعادت وعيها وإيقاظها وهي تجد زوجها الحنون مستغرقا بنومه، اعتدلت تضع رأسها بجوار رأسه، تسترق النظر لملامح وجهه التي تعشقها، مررت أنامله تحفر ملامح وجهه البهية ليفتح عيناه مبتسمًا: صباح الورد حبيبتي، ابتسمت بحالمية: صباح الحب حبيبي. بسط كفيه ليجذبها لأحضانه ثم طبع قبلة مطولة أعلى رأسها.
صاحية من زمان؟ هزت رأسها بالنفي وردت: -دقايق بس.! استدار لينظر بساعة هاتفه: طيب ياله نقوم ولا لسة عايزة تنامي.
حاوطت جسده تدفن رأسها بصدره: الجو برد سبنا ننام شوية.
بمكانٍ آخر بالقرب منهم، وخاصة بذاك المنزل الذي يحاط به كانت تغفو بأحضانه، فتحت عيناها بإرهاق، وجدت نفسها مكبلة بين جسده، تزحزت بهدوء، إلى أن خرجت من بين أحضانه، تسحب روبها وهبطت من فوق الفراش بساقيها العارية، اتجهت ببصرها لزوجها المتنعم بنومه، خطت بهدوء حتى لا تفيقه من نومه، تحركت إلى الغرفة المجاورة بعدما سحبت هاتفها.
وقامت بمهاتفة والدتها: صباح الخير ياماما.
ابتسمت نهى توزع نظراتها بينهما ثم أجابتها: صباح الخير حبيبتي. جلست متنهدة ثم تسائلت: لين عاملة ايه عيطت بالليل.
استمعت إلى صوت جواد: -لا يابابا نامت كويس، متقلقيش عليها، ناولته نهى الهاتف ليلتقطه مشاكسًا لجنى: إنتِ خليكي ورا ابني الحلوف وسيبي البنت ياجنى، مش اتبسطوا خلاص
لكزته غزل تجذب الهاتف: حبيبتي لين كويسة، فتحت الكاميرا قائلة
افتحي كاميرا فونك علشان تصبحي على حبيبة نانا.
فتحت الكاميرا تنظر الى ابنتها بإشتياق قائلة: ماما غزل متخلهاش تعيط، وخلي الناني تغيرلها على طول علشان ريحتها، اوعي تقعديها وتنسيها لتوقع. أبحرت بعيناها على ابنتها: ياحبيبة قلب مامي وحشتني
تهكم جواد يطالع صهيب: متشوفيش وحش يختي انتِ والحلوف اللي مصدق يهرب مني امبارح.
قهقه عليه صهيب قائلاً: -خليه يفرح له يومين هو مش هيرجع، توردت جنى من حديث عمها ووالدها قطعت حديثهم نهى: جنى الجو حبيبتي بارد، البسي تقيل، وخلي جاسر كمان يتقل، روسيا الشتا فيها وحشة.
حاضر ياماما، خلو بالكم من لين، فين كنان لسة نايم؟
أه حبيبتي لسة نايم، متخافيش عليهم دول أغلى منكم. ابتسمت لوالدتها ثم ألقتها بقبلة لتغلق الهاتف بعدها. ظلت لدقائق معدودة جالسة بمحلها، تجولت بعيناها على الغرفة ثم نهضت من مكانها تفتح الشرفة تنظر للثلوج المتساقطة، ابتسامة رائعة تجلت بعيناها تضع أناملها على شفتيها عندما شاهدت ثغرها بالمرآة، تذكرت عاصفة عشقهم بليلة الأمس، ارتجف قلبها كلما تذكرت همسات زوجها ولمساته المجنونة لها.
استدارت متحركة للخارج، وجدته مازال غافياً، جلست بجواره ثم انحنت بجسدها تمرر أناملها الرقيقة على وجهه بالكامل، ثم انحنت تتنفس أنفاسه المختلطة برائحة تبغه، أغمضت عيناها تستمتع بتلك اللحظات التي تعادل عمراً كاملًا، داعبت وجهه بأنفها تهمس له بنبرتها المثيرة العاشقة: طيب إزاي استمتع بجمال يومي وحبيبي قافل عيونه؟ محدش قاله أنه شمسي وقمري؟
رفرف بأهدابه يجذبها بقوة لأحضانه يحتجزها بين جسده ؛وأردف بصوت خافت ببحته الرجولية الخافتة: وانا مبحسبش الحياة وإنتِ بعيدة عن حضني.
-سحب نفساً بعبير أنفاسها يضع رأسه بحناياها متسائلًا: . سبتيني وقومتي ليه؟
-سبتك، هو إنت كنت صاحي ولا إيه؟
حرك كفيه على الفراش وأكمل: لأ مكانك بارد، سبتي حضني وقومتي، إيه حضني مش مدفيكي، علشان تقومي تلبسي. شهقة خفيضة محملة بأنفاسهما الممزوجة، تعانقه بعيناها كعناق النبض للقلب، تهمس بنبرتها العاشقة: مش حضنك بس مجرد نفسك بيدفيني وبيحسسني بالأمان. ابتلع باقي حديثها ليتذوق عسل شهدها المذاب كأنه لأول مرة يغترف منه. ظل لفترة يقتطف من لذة مذاقه ؛ حتى فقدت تنفسها ليبتعد إنش واحد سامحاً لبعض الهواء المختلط بأنفاسه التسلل لرئتيها. أغمضت عيناها تستمتع بتلك اللحظات التي تعادل أعواماً عجاف دون أحضانه.
طوقت عنقه تنظر لمقلتيه القريبة: -أقدر أقول دا شهر عسلنا الكام. داعب أنفها بإبهامه: أيامنا كلها عسل ياروحي، قالها وهو يمرر أنامله على ثغرها.
عسل. عسل ايه بس ياجسوري!
دنى يجذب رأسها يضع جبينه فوق جبينها ويده تمارس عبثها فوق جسدها قائلا: كل مايرتبط بيكي عسل يروحي، تعثرت الكلمات مرتجفة الشفتين.
-جاسر ابعد. جذبها بقوة لترتطم بصدره وبدأ يمارس طوفان عشقه لها مرة بالهمس وأخرى باللمس إلى أن تحول لطوفان عاصف لم يتوقف ؛ بعدما شعر باكتمال روحه بقربها، نعم فهي لذة الحياة واكتمالها، هي النبض لشريانه هي الروح والجسد. ظل فترة ليست بالقليلةوهو يغرق بفنون عشقه.
ليعبث بها وتعبث به ليذهبا إلى عالم يقتصر على قلوبهما التي تتقاذف داخل صدرهما كطبول حرب. نعم ياسادة فهذا العشق الضاري الذي يثقل بنبض القلوب. لم يستطع التحكم بنفسه الابتعاد عنها فصار وقتا لا يعلم كم مر بهما لينهل من رحيق زهور الجنة المنعمة بروحيهما.
غفت بأحضانه ولكنه ظل مستيقظا، يداعب خصلاتها المفرودة على صدره، وشريط حياته أمام عيناه منذ طفولتها وعشقها يتضخم داخل صدره إلى أن وصل للانفجار، عيناه تفترس ملامحها يحدث حاله عن هذا العشق الجارف، يعلم بغرامها له، وجنون عشقه بها. ابتسم لذكرياتهما وجنون كلاهما ولكنه بتر ابتسامته حينما تذكر لامتلاكه لأخرى قبلها. كور قبضته وأطبق على جفنيه متذكراً حياتهما سوياً. فتح عيناه سريعاً كأنه يهرب.
مرت الايام والشهور
ذات ليلة عاد من عمله الذي تغيَّب به لأسبوع. دلف للداخل وجدها تغفو وهي جالسة تحتضن ابنتها. نظر بساعة يديه، ثم جذب ابنته بهدوء يضعها بفراشها، واتجه إلى زوجته يعدل من وضعية نومها
فتحت عيناها تنظر إليه، ثم اعتدلت تنهض من فوق الفراش لتتوجه إلى أحضانه. ضمها بقوة يستنشق عبيرها الذي حُرم منه لفترة، همس لها بإشتياق قلبه النابض. لحظات وماهي سوى لحظات ليترجم لها ملاحم عشقه.
بعد فترة استمع الى صوت ابنته التي تهمهم باسم والدتها. نهض من مكانه متجهاً إليها يحملها، ثم تحرك للخارج
وبعدين معاكي ياقردة ياصغننة، داعبت وجه والدها تهمهم: -با، با. ضمها لصدره.
روح بابا وعقله ياصغنونة انتِ. جلس بها بالشرفة يداعبها.
قردة بابي الصغننة عايزة إيه مش مبطلة واء واء، إيه يابت حد موصيكي عليا؟ ابتسمت الطفلة لوالدها كأنه تفهم مايقوله.
داعبت وجهه بكفيها الصغيرتين وضحكت بصوتها الطفولي بعدما دفن وجهه بحضنها لترتفع قهقهاتها.
أشار بسبباته إليها بالصمت: بس هنصحي مامي ياليدي بابي. مازالت تضحك، نهضت من فوق فراشها بعدما استمعت إلى ضحكات ابنتها، تحركت إليهما بساقيها العارية وقميصها الأسود القصير.
-صباح الخير حبيبي قالتها وهي تنحني تقبله
صحتك القردة. قبلتها على وجنتيها.
حبيبة مامي. بكت الطفلة لكي تحملها والدتها. جذبت المقعد لتجلس عليه ولكنه سحب كفيها يجذبها ويجلسها فوق ساقيه ويداعب خصلاتها بيد ويحمل ابنته بذراعه الآخر
هاتها حبيبي مش هتسكت
سيبك منها مش معقول كل ماتعيط تشيلها ؛شايفة وشك شاحب إزاي، البت لازم تكون مع الناني مينفعش كدا.
انحنت وحملتها بعدما ارتفع بكاؤها
مبتسكتش خالص معرفش مالها؟ على طول عياط، والناني مبقتش قادرة عليها وكمان متنساش بنت أخوك معاها.
نهض يجذبها من أحضان والدتها
البنت دي مش هتفضل كدا، والناني لازم تتعامل معها أومال بتاخد مرتب على إيه؟ أنا لو كنت هنا مكنتش هسمح بكدا أبداً.
نهضت تلاحق خطواته ولكنه توقف يرمقها بالتوقف: هتطلعي برة بقميص النوم.
اقتربت منه وتحدثت بحزن
هات البنت.
وانا قولت ادخلي جوا، البنت هتتربى زيها زي أخوها. قالها وتحرك للخارج.
جلست حزينة بعدما استمعت لبكاء ابنتها بالخارج وهو يتحدث مع مربيتها قائلا: - دا شغلك لو مش قادرة عليه اشوفلها واحدة تانية، إزاي تسكتيها وتعوديها عليكي دا مش شغلي، البنت هتبات في أوضتها بعد كدا ممنوع تدخل عند مامتها ودا تحذير وانا بحذر مرة واحدة، ودلوقتي أدخلي سكتيها مش عايز دلع. قاعدة طول اليوم تلعبي مع الولاد
وصل ابنه إليه: بابي بابي. شوفت رسمت إيه.
جلس على عقبيه ينظر برسمة ابنه.
الله الله على بطلي الوحش، برافو حبيبي، المرة الجاية عايز الألوان متخرجش برة الرسم تمام حبيبي.
أوكيه بابي.
رفع عيناه للمربية: وكمان الولد بيلون غلط. قالها بغضب واستدار لغرفته. توقفت عندما دلف للداخل: البنت بتعيط حبيبي مش هتسكت.
انحنى يحملها دون حديث واتجه بها إلى الحمام: أنا عايز آخد شاور دافي مع مراتي حبيبتي، اللي نسيت جوزها ومبقتش تفكر غير في بنتها.
حاوطت عنقه تنظر إليه بحزن: آسفة. أنزلها بهدوء وقام بنزع ثيابها ثم تحدث: عارفة الحمام دا مجهزه من إمتى
من ساعتين، وعمالأبني أحلام وحضرتك قايمة من النوم ولا كأني موجود ؛ولا كنت مسافر ولا بقيت أفرق معاكي خلاص.
استدارت تنظر إلى الحمام المجهز بطريقته الخاصة. رفعت نظرها إليه وانسابت عبراتها: مضايق مني علشان قصرت معاك ومابقتش بتحبني صح؟
هقولك دلوقتي مضايق منك قد إيه.
بعد عدة شهور.
مساء الخير الخير بتعملوا إيه؟ قالتها
ضيق صهيب عيناه ينظر إلى جواد
مراتك بتقولي الصبح مساء الخير هي عيانة ولا إيه؟
رفع نظره من جهازه يدقق النظر إليها وجدها تفرك كفيها فأشار إليها: تعالي لسة زي مانتِ طفلة بعد مابقيتي جدة.
يعني إيه قالتها بغضب. ارتفعت ضحكات صهيب قائلاً: يعني عاملة مصيبة يانانا.
أوووف أخرجتها بقوة ثم وزعت نظراتها بينهما: أعملكمقهوة؟ هنا لم يصمت صهيب عن ضحكاته حتى أدمعت عيناه، توقف جواد متجهاً إليها، جذبها من كفيها وأجلسها: غزل انتِ مالك عيانة؟ قهوة إيه واحنا بقالنا سنة تقريباً ممنوعين عنها!
مسحت على وجهها مردفة سريعاً: أوف ياجواد عايزة أعملحفلة عيد ميلاد لجاسر و إياك تعترض وقبل ماتقول لأ. جنى هي اللي بعتتني وبتقولي اقنعي عمو، وانا الصراحة مبعرفش ألف وأدور عايزين حفلة ومن غيرماالشحط إبنك يعرف.
فتح فمه للحديث وضعت كفيها على فمه: وحياة غزل عندك ماانت قايل حاجة. قول موافق.
اتكأ صهيب على مرفقيه وأجابها بسخرية
-طيب هيجاوب إزاي وانتِ قافلة بوقه ياتيتا غزل؟
ضمها لأحضانه يربت على ظهرها: تحت أمر جاسر وأم جاسر. دفنت رأسها بأحضانه مبتسمة وكم تمنت أن يتوقف العالم هنا. غادر صهيب الغرفة بهدوء، رفعت رأسها من أحضانه: جنى مصرة تعمل لجوزها حفلة وهو رافض، إنتَ عارف جاسر من صغره مبرداش يحتفل بعيد ميلاده.
ملس على وجهها يهز رأسه: لو دا هيسعدكوا اعملوه، خلي الولاد يفرحوا، بس هتكون على قدنا بس يازوزو.
لمعت عيناها بالسعادة: يااااه ياجواد من زمان قوي مقولتش زوزو، قولي أعاقبك ازاي؟ وكل ماقول هبعد عنك علشان أعرفك إزايتوجعني مقدرش. وضع جبينه فوق خاصتها
جواد تحت أمرك يازوزو اعملي فيه اللي إنتِ عايزاه.
مش هعمل حاجة ياجواد، علشان انتَ بالنسبالي الحياة كلها. دنت تطبع قبلة بجانب شفتيه ثم همست له: مرات فارس هتجبلنا توأم ياجدو، الحي كبر، وعايز تشتري كل الأراضي اللي جنبك.
يالله، الحمد لله على نعمه، البنت دي طيبة قوي، وتستاهل، متنسهاش وخلي بالك منها كفاية على نهى رنيم وأيهم، من وقت مابنتك نزلت المستشفى نسيت ولادها.
معلش ياحبيبي، لسة بتعمل اسم لنفسها.
هز رأسه رافضا حديثها: لما تيجي من الشغل خليها تجيلي ياغزل، مش علشان عز بيحبها مستحملها يبقى تزيد فيها، انتِ كنتِ دكتورة زيها بس عمرك ماقصرتي، نهى كانت بتشتغل لحد ما جنى دخلت ثانوي، ليه بنتك مش عايزة توفق بين شغلها وحياتها
عز اشتكى لك ياجواد؟
أبداً حبيبتي، بس انا مش هستنى لما يشتكي.
بعد اسبوع مساءً يوم الجمعة تجمعت العائلة بمنزل جواد، للاحتفال الاول بعيد ميلاد إبنه البكري. دلف لغرفته وجد جميلته تخرج من غرفة الملابس
توقف يطالعها بدقاته العنيفة، فلما لا وهي نبض قلبه. دنى منها يجذبها لأحضانه ثم انحنى يطبع قبلة بعنقها
أغمضت عيناها مستمتعةً بتلك اللحظة
كل سنة وانت في حضني حبيبي.
رفع رأسها إليها يطبع قبلة حنونة فوق جبينها: كل سنة وانتِ نبض قلبي ياجنى، أنا عيد ميلادي الحقيقي لما بقيتي ملكي، وجوا حضني، حاوطت رقبته ورفعت نفسها تقبله بلهيب عشقها إلى أن وصلت رحلة عشقهما لأبعد حدود العشق، درجة تسمو بأجمل معانيها
بالغرفة المجاورة جلست تداعب طفلها، خرج من الحمام.
-لولو حبيبي، ياله اجهزي. توقفت تحمل ابنها متحركة إليه: خد أدهم لناني، وانا هجهز حبيبي. حمل طفله يداعبه، ارتفعت ضحكاته يقهقه لوالده. خرجت بعد قليل بفستانها الأسود الذي افتتن بجمالها. خطى إليها يطلق صفيرا: حبيبي خطف قلبي من شوية!
قالها وهو يضمها لأحضانه. حاوطت خصره تنعم بدفئ أحضانه: ربنا يخليك ليا حبيبي
بعد فترة.
علي الموسيقى الهادئة
نصب عوده يغلق حلته الكلاسيكية.
يبسط كفيه إليها: مهلكتي تسمح لي بالرقصة دي
ابتسامة عاشقة زينت وجهها تنظر لأخيها الذي أومأ لها. فنهضت تضع كفيها بداخل حنان كفيه، وتحركت ترفع ردائها الذهبي الناعم متجهة لمكان الرقص. توقف يبحر بملامح من غزت قلبه ثم تربعت على عرشه، هامساً بنبرته الرخيمة الحانية: النهاردة أنا أعمى عن الجميع سوى عيون مهلكة روحي.
قالها وهو يدنو ليحاصر خصرها بحنان ذراعيه واقترب بدفئ انفاسه، يرفع كفيها حول عنقه، لتحتضن رماديته بعسلها الصافي ليشعر بروحه تعانق روحها ؛تتحرك بهدوء بين أحضانه على العزف الموسيقي الهادئ، عكس هدوء نبضهما. وضعت رأسها بصدره لتستمع لأجمل معزوفة خاصة لديها هامسة اسمه: جاسر قولي هنفضل عايشين كدا دايماً، أكدلي إن مفيش فراق ووجع تاني.
هنا شعر بقلبه ينشق لنصفين عندما شعر بنبرة الألم بصوتها، فضمها بقوة يطبق على جفنيه: هقولك حاجة بس ياجنى. اعرفي طول ماقلبك بينبض علشاني فأنا كدا سعيد. رفعت رأسها وتوقفت الكلمات على أعتاب شفتيها التي ارتجفت خوفاً من مجهول تشعر به.
فرفعت كفيها تمرر أناملهاعلى وجنتيه ودمعة غادرة انبثقت من بين جفنيها هامسة بصوتها الذي جعله كروان عشقه: -وحياتي وقلبي كلها لك سواء بعدت أو قربت. اعرف ان مهما يحصل بينا هتفضل انتَ حبيبي وحياتي وكل دنيتي.
ابتسم برضا مقترباً برأسه يهمس بجوار أذنها: -حتى بعد موتي ياجنى، مالكيش غير ذكرى ملهمك وبس. عيشي على أجمل أيام قضينها مع بعض.
هنا انهارت قواها تهز رأسها بدموع تلكمه بصدره: اسكت يانكدي باشا، دا عيد ميلاد ولا وجع قلب. زعلانة منك على فكرة، ومفيش هدية. اتجه بنظره الى ياسين وأوس ثم غمز لها: -كدا ينفع تخلي العيال يبصوا علينا وشوية يشمتوا، أنا اللي زعلان علشان نكدتي عليا يوم عيد ميلادي اللي أول مرة احتفل بيه علشانك، رغم الكل حاول معايا، بس اتنازلت علشانك. وكمان هاخد الهدية غصب عنك وهتيجي تصالحيني من غير مجهود مني وتقولي.
جسور حبيبي ؛أرجوك بلاش تزعل مني وخدني في حضنك مبعرفش اناموانت بعيد عني.
لكزته مبتسمة: لا والله مغرور ياحضرة الظابط
امال برأسه مقترباً من ثغرها
مغرور وأمور وعايز أعمل حاجات أستغفر الله العظيم هتخلي أبويا يجري ورايا قدام الكل.
قطبت جبينها غير مستوعبة حديثه: تقصد إيه؟ لم يدعها تكمل حديثها فاحتضن ثغرها أمام الجميع. ارتفعت ضحكات عز وهو يغمز لجواد: لم كتاكيتك ياحج جواد ولا عيونك مابتشوفش غير عز بس؟
لكمته ربى حتى يصمت ولكن ارتفعت ضحكات الجميع. نظر جواد حوله غير مستوعب ضحكاتهم سوى من صوت صهيب الذي كان كالرعد
-جاسر. انت ياحيوان. استدار جواد بجسده ينظر خلفه فنهض من مكانه متجهاً إليهم ونظراته سهام نارية تريد الفتك بهم.
بعد فترة خرجت مرتدية تلك البدلة التي ابتعاها كما وعدها، وقامت بتشغيل تلك الموسيقى مع خروجه من غرفة الملابس، ليرى حفلتها الخاصة على الشموع ذات الروائح العبقة، اطفأت جميع انوار المكان ولم يتبقى سوى شموع قليلة، بدأت تتمايل بجسدها بإغراءالى أن انهكت، ليجذبها تجلس على ساقيه، يطبع قبلة على عنقها، جعلت جسدها كماس كهربي
-أنا ميهمنيش الحاجات دي ابدا، كل اللي يهمني انك تبقي جوا حضني
-جاسر عايزة اسألك سؤال.
-اول مرة بوستني فيها حسيت بايه
قطب جبينه متسائلًا
-قصدك شعوري وقتها ايه. طيب دا ميتقلش ياروحي دا يتحس
بعد فترة بأحضانه جذب علبة مذهبة بمياة الذهب، وضعها على ساقيها يضمها لأحضانه بقوة
-افتحيها. فتحت إذ تخرج منها مفتاح سيارة، رفعته بين يديها
-ايه دا حبيبي. انحنى يهمس لها
-دي عربية اخر موديل، واللون اللي بتحبيه، نظرت المفتاح الذي يكتب عليه أسمها بماء الذهب، استدارت لتصبح بمقابلته.
-ليا انا، العربية دي. أومأ مبتسما
-دي هدية عيد جوازنا اللي جه وبابا في المستشفى، مقدرتش يعدي السنة دي من غير احتفال
نهضت من فوق الفراش متجهة تفتح أحد الأدراج لتخرج له تلك الميدالية الفضية التي حفرت عليها اسمها بقلوب. ثم اقتربت تطبع قبلة على وجنتيه
-هدية عيد ميلادك على قدي
قهقه عليها يغمز بعينيه إلى تلك اللوحة
-يعني مش اللوحة بس. رجعت تجلس بأحضانه
-شوفتها،؟ ؛.
وعجبتني جدا ياجنجون، كل سنة وانتي معايا ياروحي
باليوم التالي بمنزل بيجاد المنشاوي
ولجت لغرفة مكتبه تحمل قهوته كان يتحدث بهاتفه ينهي بعض أعماله. أشار بيديه للدخول. وضعت القهوة واقتربت منه. أنهى مكالمته سريعاً ونهض من مكانه يحمل حوريته يضعها على المكتب أمامه: ليه حبيبي اللي جايب القهوة. حاوطت عنقه تهز ساقيها: إيه يعني لما أعمل لحبيبي فنجان قهوة.
برقت عيناه ينظر للقهوة: وانتِ اللي عملاها كمان. لا دا الموضوع كبير وقلبي ضعيف.
مررت أناملها على عنقه ثم اردفت بغنج ؛
عايزة رحلة للبحر أسبوع بعيد عن الدوشة، بقالنا كتير ماخرجناش من القصر، وانت عارف ماتعودتش على كدا.
انحنى يحتضن كرزيتها، ثم حاوط جسدها مقترباً من وجهها وعيناه تحاصر عيناها: تؤمري ياروحي، عندي اجتماع يوم الخميس هخلصه ونجهز وناخد الولاد معانا.
هزت رأسها بالرفض تضع رأسها بعنقه تبتعد عن نظراته: لا عايزة إحنا الاتنين بس، الإجازة دي لجوزي حبيبي بس.
أخرج رأسها وتعمق النظر بعيناها التي خطفت لبه من أول مرة: معقول هتعملي كدا علشاني. قبلت كفيه الذي يضم بها وجهها: أنا عارفة قصرت معاك الفترة اللي فاتت وانشغلت بالولاد وبأخواتي ؛ بس المرة دي عايزة إجازة لجوزي وبس. عايزة أعوضك.
حبيبي وجودك جنبي أهم حاجة والمهم تكوني سعيدة وأشوف السعادة دي اللي بتخليني اسعد راجل في الدنيا.
بغرفة عز.
ارتفعت ضحكاته على جنيته وهي تهرول خلفه: أنا قولت كدا، وبقول مبقاش بيزعل ليه، أتاري أبو عين زايغة عاجبه الست المايصة اللي بتنسى هدومها في بيتهم.
توقف بعدما ارهقته من الجري: يابت اتهدي يخربيتك بتلعبي ملاكمة من ورايا. دفعته بقوة حتى سقط على الأريكة يضع كفيه على صدره.
والله تعبت. جذبها حتى أصبحت فوقه يشير بيديه: خلاص هسمع كلامك والله، البت دي لازم تمشي مش عجباني.
ليه بس حبيبتي البت شاطرة حرام. رمقته بنظرة نارية ثم هدرت به
عجبك شعرها الاصفر اللي هي ملونها أصلاً! مايغركش لونه، أنا لو اهتميت هكون احسن منها على فكرة.
لف ذراعيه يقربها إلى وجهه: مجنونة إنتِ، إنتِ أحسن واحدة في الدنيا دي كلها.
بكاش، ومش هتعرف تضحك عليا.
البنت من بكرة مش عايزة اشوفها سمعتني ولا لأ.
جذب رأسها بقوة يخرصها بطريقته الخاصة.
بمنزل جاسر غافيا بعدما قضى اجمل لياليه بأحضان زوجته يهز رأسه من ذاك الحلم
جحظت عيناه ثم هبَّ من مجلسه يهرول للداخل يصرخ على ابنه: -جاااااسر. فتح رماديته على صوت والده. تسلل من جوارها بهدوء بعدما طبع قبلة على جبينها: -هشوف بابا وراجع، إياكِ تقومي من مكانك. تمتمت بين النوم واليقظة.
عايزة أنام طفي الأبجورة دي وبطل رخامة. ارتفع صوت ضحكاته وهو يجذب شيئاً من فوق الأرضية: طيب دا ايه ظروفها ياحبي. لكزته.
امشي بقيت قليل الأدب، انحنى يهمس أمام شفتيها: -عارفة لو مش جواد بيصرخ تحت كنت عرفت أرد عليكي. دنى حتى اختلطت أنفاسهما. تحبي تشوفي ياقلبي. بتر حديثهم صوت طلقة نارية مع صراخ جواد باسم كنان. هب فزعا متجهاً للأسفل، وجد والده يحمل ابنه الغارق بدمائه وسفيان منكمش بركنِ وهو يحمل سلاحه وجسده يرتجف. دقائق ووصلت خلفه جنى تنظر لابنها الغارق بدمائه بأحضان عمه.
هبَّ من نومه فزعاً، ثم نهض يبحث عن زوجته، وجدها تجلس تقرأ بمصحفها، مسح على وجهه يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم من ذاك الحلم كلما تذكر وقوف سفيان وضربه لابنه بالنار
بعد عدة سنوات
نسمات عليلة تلفح صفحة وجهها وهي تجلس فوق أرجوحتها رغم مرور الزمن. وصل إليها يحاوطها من الخلف
غزالتي سرحانة في إيه؟
نظرت إلى عينيه القريبة منها مردفة: بفكر في جواد الألفي، تفتكر مسموحلي أفكر في حد غيره؟ وضع ذقنه على كتفها: لأ ياعمري مش مسموح لك حتى تفكري في غزل نفسها. استدار بعدما استمع لصوت أحفاده. فطبع قبلة على رأسها وتحرك إليهم، ظلت كما هي تغوص بذكرياتها بعد فترة. استمعت لضحكات جواد، نهضت متجهة إليهم وجدته جالسًا بين أحفاده، يقهقه بصوتٍ مرتفع ؛ جدو ممكن تلعب معايا سلة، قاطعته رنيم: لأ جدو هيكمل معايا الرسم أناهرسم وهو هيلون مش كدا ياجدو؟ قالتها راسيل.
جذبت لين نظارته: بس ياماما منك له، جدو حبيبي هيجي يحكي لي قصة حضرة الظابط الفاشل. قفز قصي يجلس بالمنتصف: جدو حبيبي عارف إننا هنا ايام بس، فهو بيحب قصي أكتر واحد فيكم.
استند على ساعديه وارتفعت ضحكاته بعدما جذبت لحيته تلك الشقية: دود حبيبي انا هييعب معايا ثح يادود.
طبع قبلة على وجنتيها: صح ياروح ددو. جذبتها لين تبعدها عن جواد: روحي عند جدك، دا جدو أنا. رمقها قصي بنظرة مطولة مردفاً
لأ جدها كمان.
-متزعليش. البت لين دي هخلي سفيان يضربها.
هنا اعتدل جواد يبحث عنه
فين سفيان مش باين ليه. اقتربت رنيم منه تهمس بجانب أذنه: طلع أوضة خالو، علشان عايز يسرق المسدس، عايز يقتل الولد اللي بيعاكس لين، قهقه جواد وهو يرى سفيان الذي تحرك غاضباً: جدو فين المسدس، علشان أحمي بيه الكل.
ضمه جواد يشير إلى أحفاده جميعاً.
الحماية ياحبيبي عمرها ماكانت بالضرب، الحماية بالحب وأنكم دايماً تقربوا من بعض، وماتخلوش حد يقرب منكم ولا يفرق بينكم، احتضن وجه سفيان قائلاً: إنت أخوهم الكبير عايزك تاخدهم تحت جناحك بحماية قلب سفيان القوي، فهمتني حبيبي؟
-فهمتك ياجدو.
طيب واحنا ياجدو، هنحمي بعض ازاي؟
قبل جبينه يشير إلى أيهم وسفيان وقصي وأدهم ويوسف وآسر ؛.
لما تحبوا بعض قوي ياكنان، القوة ياحبيبي بالاتحاد مش بالضعف، ودايماً تكونو سند لبعض، أوعو في يوم من الأيام توقفوا ضد بعض، بالعكس انتوا تقفوا ضد الظلم، وتأكدوا حبايب جدو
عمر الظلم مابيدوم مهما يطول، والحق لابد يظهر والباطل لابد أن يزول.
أمسك مصحفه بيد، وأمسك مسبحته باليد الأخرى.
علشان تنجح وتكون شخص وقور، والناس تحبك لازم تحسن الظن بربنا الاول، وتعرف إن رضى ربنا من رضا الناس من رضا ربنا عليك، مش رضا ربنا من رضا الناس ياحبايبي
قرآني سلاحي، والسنة طريقي، ورسولي قدوتي، والأذكار نور دربي وهديتي، بها تبعد المحظورات وتجف المعاصي. كل ماتقرب لربنا كل ماربنا رحمته بيك توسع.
قطع حديثهم فارس ملقياً السلام: جدو جواد بيعلم الولاد إيه النهاردة؟ نهض آسر ابنه: بابي جدو يقول احفظ قرأن، عايز احفظ قرآن.
قهقه جواد يداعب خصلاته، بينما انحنى فارس يقبله، ثم تسائل عن البقية
أشار إلى مكانهم الرياضي
-بيلعبوا باسكت جوا. تحرك إليهم بعدما أردف لآسر: -خلص مع جدو، وارجع لمامي، يبقى خده معاك يايوسف وانت مروح
حاضر ياعمو. نهض يوسف يبحث عن والدته
-جدو فين مامي؟
أشار جواد إلى هنا التي تجلس بجوار عاليا. تحرك يوسف إليهما، ثم نهض أدهم الى عاليا: -جدو بكرا نكمل عايز أشوف مامي عملت تشكوليت بتاع ادهم ولا لأ.
جلست غزل بجواره تحتضن ذراعيه: عامل إيه دلوقتي حبيب غزل.
لف ذراعيه حول جسدها: هعمل إيه ياتيتا، أسعد واحد في الدنيا، عندي احفاد نعمة من نعم ربنا، وولاد زي الأسود، اتربوا زي مااتمنيت.
قبلت كتفيه: ربنا مايحرمني منك أبداً. طبع قبلة على رأسها ؛.
مش هنخلل في الدنيا ياغزل، كل واحد له عمر، البقاء لله وحده، ساعات ومتقدرة، لو ناويها ياجواد يبقى خدني في حضنك.
قطع حديثهم سؤال قصي: جدو هو ينفع أتجوز لين لما أكبر؟
قهقهت غزل تضرب كفيها ببعضهما، وذهبت ببصرها إلى سفيان الذي يجلس بجوارها ينظر لرسوماتها
فأجابته: والله انتَ ونصيبك ياأستاذ قصي.
جدو أنا عايز أتجوز رنيم أو لين لما أكبر. ظلت نظرات جواد على ذاك الصبي ثم أشار إليه: تعالى حبيبي.
مرت عدة سنوات إلى أن صخب حي الألفي، وكبرت الاطفال لتصبح يافعة الشباب
بمنزل جاسر وخاصة بغرفة رسمها
جذبت دفترها تدون به بعض الكلمات
ان سألوك عن الحب، قل: هو، سلطان بلا جيوش
يغزو القلب فترتجف النفوس
من هول سطوته. ننسى كل الدروس
و نغدو تلاميذا للحب نرتاد الصفوف
ثم التفتت إلى لوحتها لتنهينها، ظلت لفترة منشغلة بها.
انتهت منها بكل دقة وبراعة، فنهضت من مكانها تطالع بتدقيق، فهي ليست لوحة عادية كسابقتها ولكنها لوحة لحياتها منذ أن أعلن القلب حروبه إلى تلك اللحظة التي تقف أمامها، دنت منها وانحنت تمرر أناملها الرقيقة على كل ماخطته، لا تعلم إذ كانت تمرر أناملها أم تعبر بنبضها على كل ما تحويه لوحتها. وضعت فراشاة التلوين ثم جذبت قلمها من خصلاتها تضعه أمام اللوحة بجوار تلك الألوان لتذهب إلى لتلك البطاقة وتدون فوقها.
سلامًا على قلوبنا بالحب تنعمُ
ظلت تطالع الرسمة لعدة دقائق إلى أن استمعت إلى صوت ابنتها
-مامي حبيبتي، ياله اتأخرنا وحضرتك مجهزتيش
استدارت بجسدها تطالع ابنتها بابتسامة ثم أشارت إليها: -ايه الجمال دا لينو. دارت الطفلة بفستانها
حلو يامامي. انحنت تقبلها
اميرة يامامي. انزلي لناني خليها تظبط شعر الأميرة.
قبلت وجنة والدتها وهرولت للخارج. بينما تحركت جنى إلى جناحها، دلفت للداخل وجدت معشوقها مازال نائمًا، خطت إلى أن وصلت إلى فراشهما، انحنت تطبع قبلة على وجنتيه
-حبيبي ياله أصحى المغرب إذن. فتح عيناه متأثرا بنومه يهمس بصوته المحبوح بالنوم.
-أنا نمت دا كله. استدارت متجهة لغرفة ثيابها قائلة: -خد شاور لما احضرلك هدومك، اعتدل ينظر بساعته، ثم نهض من فوق فراشه متجها إليها، دلف إلى غرفة الملابس وجدها تبحث عن شيئا بالخزانة، احتضنها من الخلف، ثم ضمها إلى صدره يدفن رأسه بخصلاتها
-لسة متحسبناش على امبارح، أغمضت عيناها بدقاتها العنيفة كأنها فتاة العشرون عامًا، تراجع جالسًا على المقعد يجلسها بأحضانه.
-أنا ديمقراطي وهخيرك بين عقابك. لم تقو على الحديث وكأنها لم تعرف الحروف عندما همس إليها بعض الكلمات ثم أدار وجهها إليه منتظر اختيارها لعقابها
ظلت النظرات بنبض القلوب الهائمة سيد الموقف. إلى أن قطعتها لين وهي تطرق على باب غرفتهما
-مامي ياله اتأخرنا، صحي بابي بقى. هبت من أحضانه وتحركت للخارج سريعا فتحت الباب وتوقفت أمام ابنتها المتذمرة بضجيج الغضب.
-اوف مامي، لسة مالبستيش، خالتو هتزعل مننا، انا احسن حاجة اروح مع عمو عز وتعالي أنتِ مع بابي. قالتها الطفلة بتذمرها الطفولي وتحركت
ظلت تنظر بشرود لتحرك ابنتها وكأنها لم تستمع إلى ماقالته، وكل ما تفكر به عقاب زوجها
بالأسفل
خرج من المسبح يجذب منشفته، اقترب منه أيهم يلوح بيديه
-كنان اجهز علشان هنتحرك بعض نص ساعة
اومأ مبتسما ثم أردف.
-تمام، نص ساعة وانزل. جذب روبه وارتداه متحركًا لداخل المنزل، ذهبت ابصاره لوقوف ابنة عمه مع صديقتها التي ترافق أخيها. ظل للحظات يطالعها بنظرات صامتة، إلى أن قطع مراقبته بها صوت أخته
-كنان انت لسة مالبستش، لا كدا كتير، والله هروح مع عمو عز بجد، ايه العيلة دي
دقق النظر إلى غضبها ثم تسائل
-مالك يالين، زعلانة ليه، لسة بدري، وبعدين بابا رجع متأخر عادي لما نتأخر شوية، اقترب بخطواته يتفحص ردائها.
-حبيبتي الفستان ضيق شوية ليه كدا. دارت حول نفسها
-حلو والله ياكنان، ومامي قالتلي حلو، وبعدين أنا لسة صغيرة لما اكبر هلبس زي مامي
ياله باي هروح عند خالتو لحد مااتخلص.
-لين. توقفت مستديرة فأشار إلى ابنة عمه
-مين البنت اللي واقفة مع بنت عمك دي
استدارت تنظر إليها ثم اتجهت إلى كنان دي صديقتها
-الواد صديقها برضو.
هزت راسها
-لا دا أخوها. استدار يسبها بسره
-بجحة واقفة تضحك معاه، والله لادبك
بالأسكندرية.
توقف أمام المرآة يهندم من ثيابه، دلف والده
-ممكن ادخل ولا أرجع. اتجه بنظره الى والده واقترب منه
-حضرتك بتستأذن ياداد. أكيد طبعا
قبل جبينه واحتضن وجهه
-كل سنة وانت طيب حبيبي، عقبال لما توصل 100سنة.
ضيق عيناه، ثم تراجع إلى المرآة
-حسبتها ازاي ياحضرة الكابتن، لسة كتير، نقدر نقول خمسة وثمانين سنة.
قهقه والده عليه، وتوقف يطالعه بابتسامة قائلا
-تعرف فيك كتير مني
أنهى تمشيط خصلاته واقترب من والده.
-مااظنش يابص، لسبب بسيط
انا مستحيل احب زيك. انا أخري اركب اليخت واهرب منك في البحر
قهقه بيجاد يضم رأسه بمشاكسة
-والله بشوف فيك نفسي يابن بيجاد
استمع الى صوت خلفه
-ياله حالا بالا غنوا ابو الفصاد
أشار إليه بيجاد
-تعالى يانمس كنت بدور عليك
-وتدور عليا ليه هو أنا ضايع ولا حضرتك ليك فلوس عندي
مش مديون والله. لكمه بخفة
-صاحبينك من لسانك يالا
أشار لنفسه مذهولا
-بقى الطول دا كله ويتقاله يالا.
واحد في اعدادي يتقله يالا. واحنا في القرن الخمسين
قطع وصلة مزاحهم دخول غنى
-حبيبي اخواتي جم تحت. نهض يشير إلى أولاده
-ياله، علشان نقابل خالو وخالتو
توقف سفيان يشير لوالده
-انزلوا وانا شوية ونازل. تحرك بيجاد يجذب كف غنى. التي توقفت تشير إلى بيجاد
-هقول حاجة لسفيان لحظة
وصلت إليه تهمس بأذنه.
-اتلم يابن بيجاد بدل مااقلب عليك، ماتسوقش فيها، ماشي ياحلو. قالتها واستدارت تغمز إليه متجهة إلى زوجها الذي يطالعهم بشك
-فيه ايه بينك وبين الواد دا
عانقت ذراعيها ورفعت فستانها وتحركت قائلة
-مفيش غير أن ابن المنشاوي عامل ملك العيلة
توقف ينظر إليها
-يعني ايه. أشارت إلى الدرج قائلة
-ننزل ياحبيبي وابنك لما يشرف هتعرف لوحدك، مرت السنوات ومازال العشق ينبض بالقلوب.
باليوم التالي بحي الألفي.
خرجت من معرضها بعدما انتهت من لوحتها متجهة إلى منزلها، وجدت السماء ملبدة بالغيوم السوداء، تحركت إلى مشتل زهورها لتغلق عليه تلك الصوب الزجاجية، تعشق ورودها لا تريد اذيتها، قابلتها عالية وهي تدلف بجوار ابنها ادهم الذي وصل من النادي للتو
-بتعملي ايه يابنتي في البرد دا. تحرك إليها ادهم
-خالتو جنى عايز اشوف الورد كبر ولا لسة. حاوطت كتفه متحركة
-لا ياحبيبي لسة هيزهر في الربيع، رفعت نظرها إلى عاليا.
-كنت برسم، الولاد ناموا، وجاسر كان في الشغل ولسة راجع، قولت اكمل لوحة المعرض. انتوا ايه اللي أخركم في النادى
سحبت كف ابنها وتحركت
-عديت على مرات كريم ولدت وزعلانة علشان مزرهاش، شوفتها وراسيل عند عز، قالت هتلعب مع رنيم وكان هناك لارا بنت جواد. اومأت متفهمة ثم دلفت للداخل. دلفت وجدت زوجها يخرج من الحمام، جذبت المنشفة
-ينفع كدا، الجو برد. جلس على الفراش
-كنان ولين نايمين بدري ليه.
جلست بأحضانه تلف ذراعيه حول جسدها
-كنان عنده بكرة قال هنام واصحى بدري، ولين معرفش كانت عند عز وكالعادة متخانقة هي وأيهم، الواد ابن عز دا مجنون
تمدد على الفراش يسحبها لأحضانه
-بس عجبني، بيخاف عليها، ولين الصراحة مستفزة، بتفكرني بامها، رفعت رأسها تنظر إليه بعتاب
-أنا كنت مستفزة ياجاسر
اووووه اومال ايه ياماما، نسيتي عمايلك فيا، بيت أبويا لسة موجود ويشهد على عمايلك. دفعته ونهضت من أحضانه.
-أنا عرفت الولاد طالعين لمين لابوهم، يغلط ويحمل الغلط لغيره
-والله.
-والله. قالتها ونزعت روبها الشتوي الثقيل متجهة إلى الحمام، خرجت بعد فترة وجدته يعد قهوته، استنشقت رائحة المطر، هرولت الشرفة تستمع برائحته. ظلت لدقائق ثم هبطت للحديقة تدور حول نفسها بقيمصها الابيض تفرد ذراعيها تنظر للسماء، كأنها تحتضن سعادتها. فتحت هاتفها واتجهت تنظر إلى زخات المطر مع نغمات فيروز فدارت تتراقص بردائها الشفاف كفتاة تبلغ من العمر عشر سنوات، خرج جاسر يبحث عنها، استمع الى صوت فيروز بالشرفة فتحرك للخارج.
توقف يرتشف من قهوته وعيناه تخترق حركاتها الجنونية
انسابت خصلاتها تتمادى لعنقها ملتصقة به بقطرات المطر الندية
هزت رأسها وعلو ضحكاتها، مما افقد سيطرته ليترك كوبه، بشرفته وهبط إليها. توقف خلفها وهي تدور حول نفسها بردائها الأبيض تستمتع بأجواء الشتاء الرائعة
بزغ نور من السماء مع صوت الرعد فجأة لتخرج شهقة مرتعبة تتراجع للخلف حتى أصبحت بأحضانه
قهقه عليها يغمز بعينيه على جنونها
-طفلة. متجوز طفلة.
لفت ذراعيها حول عنقه وجذبته تحت مياه الأمطار ليتراقص على نغمات فيروز التي تصدح من هاتفها. ارتفعت ضحكاته على جنونها، فرفعها يدور بها بعدما اشتدت غزارة الأمطار. سكن الليل ولم يخلو من ضحكات القلوب الممزوجة بالنبضات الصاخبة بالعشق اللاذع الذي سطر بدموع العاشقين على مامر بهم من سنوات. ولكن هنا كانت لسنواتهم الضائعة ماهي سوى لحظات للافتراق بعدما ذاق نكهة عشقهم.
عذرا ياسااااادة فأيام العشق ماهي سوى لحظات للنبض تعبر إلى أن يمتزج القلب بالقلب والروح بالروح
فكما قال المتنبي العاشقة
لا السيفُ يفعلُ بي ما أنتِ فاعلةٌ
ولا لقاءُ عدوَّي مثلَ لُقياك
لو باتَ سهمٌ من الأعداءِ في كَبدي
ما نالَ مِنَّيَ ما نالتْهُ عيناكِ
إلى هنا انتهت ملحمة عشقنا اللاذع.
↚
بداخل حيِّ الألفي، الحيِّ الذي يضجُّ بالسعادةِ والبَهجةِ مع قُربِ حلولِ الشهرِ الكريم، كانَ الشبابُ منهمكينَ في تزيينِ الحيِّ بالأفرعِ المُلوَّنةِ التي تُميِّزُ هذا الوقتَ من العام، وفي تعليقِ الفوانيسِ التي تحملُ عَبَقَ الذكرياتِ وروحَ الأصالةِ الموروثةِ منذَ العصرِ الفاطمي.
تصاعدت الضحكاتُ حينما التفتَ فارسُ نحوَ جوادٍ مازحًا:.
أنا عايز أعلِّق جواد بدلَ الفانوس، يمكنْ نستفيدْ منه شوية، بدلْ ما هو قاعدْ يعدِّلْ علينا!
رفعَ جوادُ أحدَ الأفرعِ وألقاه عليه، قائلاً بلهجةٍ ساخرة:
اسكتْ يا فارس، ولا أرفعْك من فوقِ السُلَّم وأسيبْك معلَّق من رجليك! خلِّصْ شغلكْ وانتَ ساكت.
أسندَ فارسُ ظهرهُ على السُلَّم وابتسمَ بمكرٍ، متوقفًا عن العملِ وهو يردُّ بتحدٍّ خفيف:.
طيب، عايزْ أشوفْ هتعملْ إيه يا حضرةِ الظابط! يابني، أخرِجْ صفَّارةْ وامشي زي أيامِ الدَرَك، وقُلْ: مين هناك؟ .
قبلَ أن يردَّ جوادُ، وصلَ ياسينُ بخطواتٍ واثقة، عاقدًا حاجبيهِ وهو ينقلُ نظرَه بينهما:
بتعملوا إيه؟ لسه مخلصتوش؟
بخِفَّةٍ قفزَ فارسُ من فوقِ السُلَّم، وألقى ما بيده قائلاً بابتسامةٍ واسعة:
ياسو! طولْ عمري بحبَّك. أنتَ العاقلُ الرزينُ بتاعْ العيلة. اتفضلْ حبيبي، كملْ مع ابنْ عمتك. أنا تعبت!
قالها بسرعةٍ وتحركَ مبتعدًا، تاركًا جوادَ يحدقُ فيه بغرابة:
الواد ده ماله؟
صعدَ جوادُ السُلَّم ليواصلَ تعليقَ الزينة، وهو يهزُّ رأسَه قائلاً لياسين:
سيبْك منه، ده مجنون. ناولني الحاجاتْ دي علشانْ نخلصْ قبل ما أوس ييجي. خلقي بقى في مناخيري.
ضحكَ ياسينُ بخِفَّةٍ، وانحنى يساعدهُ في توزيعِ الأفرع، بينما راحت الألوانُ المُبهجةُ تضفي لمسةً ساحرةً على الحيِّ، كأنها تنبضُ بروحِ رمضان.
---.
داخلَ فيلا جواد، حيثُ الأجواءُ مفعمةٌ بالدفءِ العائلي، كان الجدُّ يجلسُ على الأرضِ وسطَ أحفادِهِ: لين، كنان، راسيل، وأدهم. بعنايةٍ أدارَ لعبةَ القطارِ الكهربائي، ثم أشارَ لكنانَ بابتسامةٍ مشجعة:
يلا يا حبيبي، الفطارْ بقى جاهز. خُذْ ابن عمكْ والعبوا برة لحدَّ ما أخلصْ شغلي، وأنزلْ ألعبْ معاكم.
نهضتْ راسيل، وهي تنظرُ لجواد بابتسامةٍ طفولية، ورفعت يديها إليه:
جدو، قربْ علشانْ أبوسك! أنتَ طويلْ أوي.
ضحكَ جوادُ بحنانٍ، وأمسكَ بيدها الصغيرةِ ليطبعَ قبلةً دافئةً عليها:
حبيبةُ قلبِ جدو إنتِ. ممكنْ تاخدي إخواتكْ وتلعبوا برة شوية؟
عبستِ الطفلةُ بحركةٍ عفوية:
أوووف يا جدو! تاني نلعبْ برة؟
ابتسمَ جوادٌ بحنانٍ وهو ينهضُ من مكانِه، ثمَّ انحنى ليكونَ في مستوى الأطفال، يطبعُ قبلةً دافئةً على رأسِ أحدِهم، مشيرًا بيدهِ نحوَ مكتبِه بابتسامةٍ لطيفةٍ تفيضُ دفئًا وأمانًا.
آسف يا جدو، عندي شوية شغل صغنّنين. إيه رأيكم تلعبوا شوية لحد ما جدو يخلّص وييجي يلعب معاكم؟
تعالت ضحكاتُ الأطفالِ وصفّقوا بحماسٍ، وكأنَّ كلماتهِ كانت المفتاحَ لإسعادِهم. سحبَ كنانُ يدَ لينَ برفقٍ واتّجه بها نحوَ الخارجِ بخطواتٍ طفوليّةٍ مفعمةٍ بالحياةِ، بينما توقّفت راسيلُ للحظاتٍ عندَ الباب. ظلّت تتأمّل إيهمَ، تنتظرُ منهُ ولو كلمةً تُشعرُها بوجودِه بجانبِها، لكنْ خابَ ظنُّها. زفرتْ بخفوتٍ، ثمَّ جذبتْ أدهمَ، شقيقَها الأصغرَ، واتّجهتْ معهُ بخطواتٍ بطيئةٍ نحوَ الخارجِ، تُلقي نظراتِها الأخيرةَ على إيهمَ بخيبةِ أملٍ لا تخفى.
مرّت دقائقُ، وكانت الغرفةُ تعجُّ بصمتٍ مليءٍ بالحياةِ غيرِ المرئيةِ، حينَ دلفتْ غزلُ إلى الغرفةِ وهي تحملُ كوبًا من العصيرِ. تقدّمتْ نحوهُ بخطواتٍ هادئةٍ وابتسامةٍ صغيرةٍ ترتسمُ على وجهِها.
جدو جواد، نانا عملت عصير علشان تفصل
تعالي هنا يا زوزو، في الآخر مالناش غير بعض. مش ولادك الحلاليف، كل واحد منهم نسي أبوه.
ارتسمت على وجهها ابتسامة خفيفة، وعيناها تلمعان بمزيج من الحنان والحزن، ثم قبضت على يده برفق كأنها تستمد منه الأمان، وقالت بمحبة:
ماحدش بينسى أبوه يا جود. يمكن مشاغل الدنيا تاخدهم بعيد، لكن الحب والوفا دايمًا موجودين. وأنا معاك، وعمري ما هسيبك.
كانت كلماتها كنسيم دافئ، تخفف من ثقل الوحدة الذي حمله قلبه، وتجعل كل شيء يبدو أخف وأقرب إلى الأمان.
ابتسمَ جوادٌ بخفّةٍ وهو يضعُ يدَهُ على يدِ غزلَ بحنانٍ، ثمَّ رفعَها ليطبعَ قبلةً دافئةً على ظهرِها، وكأنَّه يريدُ أن ينقلَ إليها شيئًا من دفءِ قلبِه. كانت عيناها تحملانِ مزيجًا من الحنانِ والقلقِ، قبل أن يقولَ بصوتٍ هادئٍ: رَبِّنا يخلِّيكِ لِيّا يا بِنْتَ قَلْبِي الغالية.
صمت قليلاً ثم تنهد بتردد، بنبرة تجمع بين الجدية والدعابة: – الحلوف ابنك لسه نايم؟
أفلتت ضحكة ناعمة وهي تلاعبه بلَكْزة خفيفة على ذراعه، قائلة برقة: – ما تسيبوش يا جواد، الولد بيغيب أيامًا.
رفع حاجبه ساخرًا، وبنبرة تهكم واضحة في صوته: – أيام؟ ده بيمشي الصبح ويرجع تاني يوم بالليل! خليتيهم أيام؟ ولا هو اللي منفلت؟ والبت الغبية اللي بيضحك عليها ببوسة دي؟
قهقهت غزل وهي تهز رأسها في استسلام، ثم أردفت بحنان: – كفاية ياسين، وعامله يا جواد.
خايف عليهم يا زوزو، كبروا وبقوا في سن لازم يشيلوا فيه همَّ حياتهم ويتحملوا مسؤوليتهم، لكن القلق ما بيسيبنيش. جاسر وياسين، رغم إنهم إخوات، إلا إنهم مختلفين تماماً، وكأنهم من عالمين مختلفين، وده دايماً مخليني محتار أتعامل مع كل واحد فيهم إزاي.
مفيش غير أوس اللي مريحني شوية، يمكن عشان أهدى وأعقل منهم بس حتى ده مش مخلّيني مطمِّن. أمَّا التاني، فمتهوِّر وما بيفكَّرش قبل ما يتحرَّك. شوفي! سايب عياله من امبارح ونايم فوق وكأن الدنيا ماشية زي ما هو عايز! وحابس الهبلة معاه.
نظرتْ إليهِ غزلُ بعينَيها اللتينِ امتلأتا بالحبِّ والحنانِ، وكأنَّها تقرأُ روحَهُ من الداخلِ. اقتربتْ منه أكثر، وكأنَّها تريدُ أن تطمئنَّه بنبضِ قلبِها قبل كلماتِها. جاء صوتُها ناعمًا ودافئًا، محمّلًا بالسكينةِ:
إنتْ طول عمرك سندهم يا جوادي، ومش ممكن يضيعوا وإنتْ معاهم.
تنهدَ جوادٌ تنهيدةً طويلةً، وكأنَّ الحديثَ أزاحَ عن صدرِه عبئًا كان يخنقُه. أمالَ رأسَهُ على كتفِها، يبحثُ عن السكينةِ التي لا يجدُها إلا معها. أغمضَ عينيه للحظةٍ، وكأنَّه يريدُ أن يحتفظَ بلحظةِ السلامِ هذه للأبدِ، قبل أن يجيبَها بابتسامةٍ صغيرةٍ:.
وأنتِ يا زوزو، إنتِ مش بس سندي، إنتِ روحي وضهري ونبضي اللي بيخلّيني أقوى. طول ما إنتِ جنبي، أنا قادر أشيل الدنيا على كتفي. ربنا يخليكي ليا ويبارك في عيالنا، وأهم حاجة إنهم يفضلوا على الطريق الصح.
رفعتْ غزلُ يدَها بحنانٍ ولمستْ شعرَه، الذي اختلطه الشيب، وكأنَّها تحاولُ أن تمسحَ عنه كلَّ أثقالِه. ابتسمتْ ابتسامةً دافئةً ملؤها الطمأنينةُ، وهمستْ بصوتِها العذبِ الذي يفيضُ حبًّا:.
جوادي، إحنا لبعضْ في كل حاجة، في الحلو والمرّ. طول ما إحنا مع بعض، الدنيا مهما ضاقت علينا، عمرها ما هتزعلنا. إحنا أقوى مع بعض، وقلبنا دايمًا واحد.
دفنتْ رأسَها في صدرِه، وكأنَّها تريدُ أن تخبرَه أنَّ حضنَه هو دائمًا ملاذُها، بينما شدَّ عليها بذراعَيه وكأنَّها أثمنُ ما يملكُ.
بالأعلى، في غرفةِ جاسر، فتحتْ عينيها بعدَ نومٍ عميقٍ دامَ لستِّ ساعاتٍ متواصلة. نهضتْ بهدوءٍ واعتدلتْ جالسةً على الفراشِ، تُرسلُ بنظراتِها في أنحاءِ الغرفةِ، تبحثُ عن مُتيمِ قلبِها. تسلَّلتْ إلى مسامِعها خفّةُ صوتِ المياهِ المتدفقة، فعلمتْ بوجودِه داخلَ الحمامِ.
انحنتْ تُمسكُ بروبِها، وارتدته سريعًا قبلَ خروجِه. توقفتْ للحظةٍ تعقدُ رباطَه بحذرٍ، وفي تلكَ اللحظةِ، خرجَ جاسرُ. توقفتْ عيناُه عندَها، وكأنَّما الزمنُ تجمَّدَ لثوانٍ، يرسمُ على محياهُ ابتسامةَ سعادةٍ عفويّة، تفيضُ بحبٍّ صادقٍ. بخطواتٍ هادئةٍ كخطواتِ السلحفاةِ، اقتربَ منها، يُطالعُ تفاصيلَ وجهِها كمن يعاينُ أعزَّ كنوزه.
شعرتْ بحضورِه، فاستدارتْ فجأةً لتجدَ نفسها بينَ ذراعَيه. احتواها بحنانٍ جعلَها تُسندُ رأسَها على صدرِه، وبدأتْ تهمسُ بخفقاتِ قلبِها المرتبكةِ، تتحدثُ بصوتٍ متقطّعٍ: إيه دا يا جاسر؟ كدهْ تخضّني؟
ابتسمَ بانتصارٍ وانحنى ليطبعَ قبلةً رقيقةً على جيدِها، وهمسَ بحنوٍّ: ألف سلامة عليكي من الخضةِ يا جنجون، إنتِ اللي عرشِك خفيف يا روحي.
لكمَتْه بخفةٍ على صدرِه، محاولةً إخفاءَ خجلِها، ثمَّ هتفتْ بتوبيخٍ لطيفٍ: لا والله! هو فيه حد يتسحَّب زي الحرامي كده؟
ألقى المنشفةَ من يدَيهِ وضحكَ بصوتٍ خافتٍ قبلَ أنْ يُحكمَ ذراعَيه حولَ جسدِها، يُحرِّكُها برشاقةٍ وجرأةٍ عهدَتها منه، وقالَ بنبرةٍ واثقةٍ: أعمل إيه؟ مراتي حلوة ومفترية، بتعدّ أنفاسي، وأنا بسرقُ لحظاتي منها!
تورَّدتْ وجنتاها بحمرةِ الخجلِ، تُخفي وجهَها في صدرِه، بينما يزدادُ وقعُ كلماتِه عمقًا في قلبِها، لتصبحَ اللحظةُ شاهدةً على حبٍّ أبديٍّ لا تُقدّرُ الكلماتُ على وصفِه.
بعد أن أنهى ياسِينُ تعليقَ الزِّينةِ، توجَّهَ إلى غُرفةِ الرياضةِ ليُفرِّغَ طاقتَهُ في التمارِينِ المُكثَّفةِ. قضى وقتًا طويلًا يتصبَّبُ عرقًا، ثمَّ نهضَ أخيرًا، جذبَ المنشفةَ ومسحَ وجهَهُ بعنايةٍ قبلَ أن يتحرَّكَ نحوَ الحمَّامِ.
في تلك اللحظةِ، خرجتْ عاليَا منَ الحمَّامِ بخطواتٍ ثقيلةٍ، وشعرُها المُبتلُّ ينسابُ على كتفَيْها كالشَّلَّالِ، دونَ أن تُلقيَ له نظرةً. توقَّفَ ياسِينُ بجانبِها، مدَّ يدَهُ ليعبثَ بخصلاتِها المُبلَّلةِ، وهمسَ بصوتٍ خافتٍ يحملُ في طيَّاتِهِ استجداءً: بَلْقِيسُ لِسَّه زَعْلَانَة؟ أنا عايزُ أَصَالْحَهَا.
دفعتْ يدَهُ بعيدًا عنها بحركةٍ سريعةٍ، وقالتْ بنبرةٍ مُتعبةٍ مثقلةٍ بالانكسارِ: ياسِينُ، مُمْكنْ تِبْعِدْ شْوَيَّة؟ أنا تَعْبَانَة، وزَعْلَانَة مِنَّكْ كَمَان.
لم يتراجعْ ياسِينُ، بل جذبَها بقوَّةٍ، لتصطدمَ بصدرِهِ العَارِي المُتبلِّلِ بعرقِهِ، كأنَّما يُحاولُ إجبارَها على التوقُّفِ والإنصاتِ. همسَ بصوتٍ مُتكسِّرٍ يشوبهُ الرجاءُ: لِسَّه زَعْلَانَة؟ أنا ما قَصْدِتش أزعَلِكْ، واللهِ. كُلُّ الحِكَاية إني ما حَبِّيتْش نِتْكَلِّمْ قُدَّامْ رَاسِيلْ، البِنْتْ كِبِرِتْ، ومِينْفَعْشْ نِحْكِي عَنْ بَدَاياتْ حَياتْنَا قُدَّامْهَا.
أغمضتْ عاليَا عينيْها بقوَّةٍ، وكأنها
تَزاحَمَتِ الذِّكْرَياتُ داخِلَها، تُثْقِلُ صَدْرَها بِأَنِينٍ مَكْتُومٍ، ثُمَّ رَفَعَتْ عَيْنَيْها إِلَيْهِ، وَقَدْ بَدَا فِي نَظَراتِها خَلِيطٌ مِنَ الحُزْنِ وَالرَّجَاءِ:
أَتَمَنَّى ما نِفْتَحْشِ المَوْضوعَ ده تاني يا ياسين، لو سَمَحْتَ.
لَمْ يَتَرَدَّدْ، حاوَطَها بِذِراعَيْهِ بِرِفْقٍ حَتّى اسْتَقَرَّتْ بَيْنَ أَحْضانِهِ، ثُمَّ طَبَعَ قُبْلَةً حانِيَةً عَلَى جَبِينِها وَهَمَسَ مُعْتَذِرًا:
آسِفْ يا رُوحِي.
ابْتَسَمَتْ بِتَرَدُّدٍ وَهِيَ تَتَراجَعُ قَلِيلًا، تُشِيرُ نَحْوَ الحَمّامِ لِتُغَيِّرَ الحَديثَ:
طَيِّبْ، يَلّا خُدْ شاوَرْ، عَرَقَكْ نَشِفْ.
وَلَكِنَّهُ، بِطَريقَتِهِ الَّتِي تُذِيبُ حَواجِزَها دائِمًا، جَذَبَها مِنْ خَصْرِها بِقُوَّةٍ، لِتَجِدَ نَفْسَها بَيْنَ أَحْضانِهِ مِنْ جَديدٍ. هَمَسَ بِخُفُوتٍ، بِنَبْرَةٍ تَحْمِلُ مَزِيجًا مِنَ الدِّفْءِ وَالمُزاحِ:
طيِّبْ مَا تِيجِي تلفِّينِي، اعتبريني زَيّ جُوزِكْ.
دَفَعَتْ صَدْرَهُ بِيَدَيْها بِخِفَّةٍ وَهِيَ تَضْحَكُ بِصَوْتِها النّاعِمِ الَّذِي كانَ دائِمًا مُوسِيقَى لِقَلْبِهِ:.
يَلّا يا حضرة الظّابطْ! مشْ عايزةِ انْفلاتْ، أُوضْتي شريفةْ.
تَوَسَّعَتْ عَيْناهُ بِدَهْشَةٍ مُفْتَعَلَةٍ، يُشِيرُ إِلَى نَفْسِهِ وَكَأَنَّهُ يَتَسَاءَلُ:
وَأَنا مش شريفْ يا عاليا؟ طيّبْ! نظيرْ لكلامك ده، وَاللَّه لَأْ تلفِّيني، قالَها وَهُوَ يَجُرُّها لِلدّاخِلِ، ضاحِكًا بَيْنَما كانَتْ تُقاوِمُهُ بِخَجَلٍ مَصْحُوبٍ بِابْتِسامَةٍ دافِئَةٍ.
في غرفةِ أوسَ، كانت تتابعُ عملَها بتركيزٍ، حتى سمعتْ طرقاتٍ خفيفةً على بابِ الغرفةِ. رفعتْ رأسَها وأذِنتْ بالدخولِ. دخلتْ ابنتُها مَسْكُ، التي تبلُغُ من العمرِ ثلاث عَشَرَ عامًا، مترددةً وخجولةً، وقالتْ بصوتٍ خافتٍ:
مامي، فاضية؟ عايزة أتكلمْ مع حضرتِك شوية.
ابتسمتْ ياسمينَا بحنانٍ وردَّتْ:
تعالي يا مَسْك، حتى لو مشغولة، قلبُ مامي ليكي دايمًا.
اقتربتْ مَسْكُ وجلستْ بجوارِ والدتِها، تفركُ كفيْها بتوترٍ. ترددتْ للحظاتٍ قبلَ أنْ تقولَ بصوتٍ متلعثمٍ:
مامي، يعني إيه مراهَقة؟
أغلقتْ ياسمينَا جهازَها ونهضتْ لتجلسَ بجانبِ ابنتِها على الأريكةِ. أشارتْ لها بالجلوسِ ووضعتْ يدَها على كتفِها، ثم قالتْ بابتسامةٍ هادئةٍ:
حبيبةُ مامي كبرتْ وبقيتْ تسألي عن حاجاتٍ جديدةٍ، مش كده؟
هزَّتْ مَسْكُ رأسَها نفيًا بخجلٍ وقالتْ:.
لأ يا مامي، مش كده. بس كنتُ بسمعْ صحباتي بيقولوا إنهم في فترةِ مراهَقة، فقلتْ أسأل حضرتِك. حضرتِك دايمًا بتقوليلي لو عايزة أعرفْ حاجة، أجي لحضرتِك لأنك أوثقْ حدٍّ ممكنْ يجاوبْني صح.
ابتسمتْ ياسمينَا بفخرٍ وهي تحتضنُ ابنتَها قليلاً، ثم قالتْ:.
برافو عليكي يا مَسْك إنك جيتي تسألي مامي. المراهَقة دي يا حبيبتي مرحلةٌ طبيعيةٌ في حياتِك، بتحصلُ لما جسمِك وعقلِك يبدأوا يتغيروا عشان تكبري وتتحولي من طفلةٍ لبنتٍ شابةٍ.
نظرتْ مَسْكُ إلى والدتِها وقالتْ بفضولٍ:
يعني إيه اللي بيتغيرْ يا مامي؟
ضحكتْ ياسمينَا بخفةٍ وأجابتْ:.
حاجاتْ كتيرْ يا قلبي. جسمِك هيبدأ يتغيرْ، زي شكلِك وطولِك، وكمانْ مشاعرك وأفكارِك هتكونْ مختلفة شوية. ساعاتْ هتحسي إنك فرحانةْ جدًا وساعاتْ تانية هتبقي متضايقةْ من غيرْ سبب. وده كله بسببِ الهرمونات اللي جسمِك بيشتغل عليها عشان يجهزِك للمرحلة دي.
فكرتْ مَسْكُ قليلًا، ثم سألتْ:
يعني هي فترة صعبة يا مامي؟
هزتْ ياسمينَا رأسَها بابتسامةٍ مطمئنةٍ وقالتْ:.
مش صعبة يا حبيبتي، بس محتاجة شوية فهمٍ وصبرٍ. وأهم حاجة إنك دايمًا تيجي تتكلمي معايا ومع بابا لو في حاجة مش مفهومة أو مضايقاكي. إحنا هنا عشان نساعدِك.
ابتسمتْ مَسْكُ واحتضنتْ والدتَها قائلةً:
شكرًا يا مامي، كنت عارفة إن حضرتِك هتفهميني وتريحيني.
ردَّتْ ياسمينَا وهي تضمُّها بقوةٍ:
دايمًا يا قلبَ مامي، أنا هنا ليكي في أي وقتٍ.
كان صُهَيْبٌ جالسًا في الحديقةِ يتأمَّلُ الأرجاءَ بصمتٍ. اقتربت نُهى وجلست بجواره قائلةً:
سَرَحان في إيه؟ بقالي فترة بكلمك.
نظر إليها، ثم لفَّ ذراعه حولها وقال:
براجع الذكريات، سنينَ بحلوِها ومرِّها، وأيامٍ عَدَّت بصعوبة.
وضعت رأسَها على كتفه وقالت بابتسامةٍ دافئة:
ربنا يخليك لينا، كبرنا يا صُهَيْب.
تراجع بجسده قليلًا وقال مازحًا:.
أنا كبرت؟ لا، قولي على نفسك يا ست نهى، أنا لسه شباب وممكن أتجوز تاني كمان.
نظرت إليه بغضبٍ طفيفٍ ودفعت صدره قائلةً:
إنت بتقول إيه؟ تهون عليك تقول كده بعد العمر ده كله؟
أمسك بخصرها ونظر في عينيها قائلًا:
وأنا أقدر أفكر في حد غيرك؟ إنتِ روحي.
اقترب مستندًا بجبينه على جبينها وهمس:
مقدرش أزعل نَهانيهو قلبي.
تراجعت بخجلٍ بعدما استمعت إلى صوت جاسر
مش عيب كده في الجنينة؟ طيب، اتكسف.
أهو الحلوف وصل! كنتوا مرتاحين مني، أهو جيت.
نظر إليه صُهَيْب مبتسمًا وقال:
وصلت إمتى؟ وبعدين ريحتك سبقتك!
جلس جاسر أمامهما وقال مازحًا:
بتوحشني يا صُهَيْب، وحياة طنط نُهى بتوحشني.
ضحكت نُهى وقالت:
أجيب لك حاجة تشربها؟
رد جاسر بابتسامةٍ عريضة:
لا، عايز أتغدى. أبويا طردني وماليش غيركم!
ضحك صهيب متمتمًا
-وش كسوف يالا
اقترب ينظر بمقلتيه
-مين اللي مربيني ياصهيوب
-بارد يابن جواد...
غادرت نهى، فالتفت جاسر متسائلًا:.
عز فين؟
أشار صهيب نحو الطابق العلوي قائلاً:
فوق، لسه جاي من شوية. أيهم وآدهم عندكم.
أومأ جاسر بإيجاز وتمتم:
شوفتهم بيلعبوا مع الولاد. المهم، كنت عايز أتكلم مع حضرتك شوية.
ابتعد بأنظاره عن صهيب، محاولًا كبح اضطرابه، ثم أردف بصوت منخفض:
بيجاد كلمني امبارح. هم في الطريق، هيقضوا أول يومين رمضان معانا، وبعدين هيرجع يكمل الأسبوع مع والده. بيقول إنه قرر يستقر في روسيا خلاص، مبقاش عارف يستقر هنا.
صمت صهيب قليلاً، مستوعبًا الكلمات، ثم تساءل بقلق:
وطبعًا والدتك هترفض الاقتراح ده زي قبل كده، صح؟
حاول جاسر جاهدًا إخفاء حزنه، لكنه لم يستطع منع نبرته من الانكسار وهو يجيب:
أنا مش عايز ماما تزعل يا عمو، وفي نفس الوقت مش عايز نقف قدام حياة بيجاد. من حقه يبني مستقبله. الصراحة، بيجاد طول عمره راجل وجدع، مع بابا ومعانا كلنا.
نظر إليه صهيب بتفهم وأردف بنبرة متزنة ومحاولة تهدئة:.
أنا هتكلم مع والدتك. من حق بيجاد يشوف حياته، وهي أكيد هتتفاهم.
توقف جاسر للحظة، وكأن كلام صهيب كان بمثابة طوق نجاة. اقترب منه، ثم انحنى وطبع قبلة فوق رأسه:
حبيب قلبي، كنت متأكد إنك هتعرف تلمّ الدنيا. أنا هطلع لعز، ومتنساش، بلاش بابا يعرف بالموضوع لما تتكلم مع ماما. حضرتك عارف جواد، ممكن يطلقها منه علشان ما تزعلش ماما.
راقبه صهيب وهو يصعد السلم بخطواته السريعة، ثم نهض من مكانه متجهًا إلى منزل جواد.
بالأعلى، أنهى عز تبديل ملابسه، ثم تحرَّك نحو الخارج، حيث وقعت عيناه على زوجته، التي كانت منهمكة في تفريغ محتويات الحقيبة. اقترب منها بخطوات هادئة، وقال بابتسامة دافئة:
روبي، هنزل أشوف عمو. كنتِ خلَّصتي؟ خلّصي بسرعة يا روحي، والحقيني علشان زمان غنَى على وصول.
رفعت رأسها نحوه، ثم اقتربت وتوقّفت أمامه، وكأنّ ثقلًا جثم على صدرها، فخرجت تنهيدة عميقة من أعماقها. لم يتردد عز في احتوائها بين ذراعيه، محاولًا طمأنتها:
حبيبتي، ارمي حمولك على ربنا. وإن شاء الله عمو جواد هيلاقي حلّ وسط. أنا متأكد إنه مش هيوافق على سفر غنَى.
همهمت بصوت مكسوّ بالألم، ثم همست بخفوت:
أنا ماليش غيرها يا عز، إزاي عايزة تبعد عنّا؟ بتوحشني وهي هنا، تِخَيَّل لما تبعد،.
ربت عز على ظهرها بحنان وقال:
يا حبيبتي، ما تفكّريش كتير. أكيد ربنا شايل لنا الأحسن.
قطع حديثهما صوت جاسر القادم من الطابق السفلي، يتساءل:
عز فوق، يا طنط منى؟
أومأت منى وهي تبتسم:
آه يا حبيبي، لسه راجع.
هرولت إليه روبي مسرعة نحو السُّلم:
ده جاسر! وحشني أوي، قالتها وهي تركض بخفّة، لتلمحه واقفًا مع الخادمة.
جاسر!
رفع جاسر عينيه نحوها، ثم صعد السُّلم بخطوات أسرع، ليلتقيها وهي تركض نحوه كطفلة تلهف للقائه. حين وصلت إليه، رفعها من خصرها ودارت ضحكاتهما في أرجاء المنزل:
حبيبة أخوها مهما عدّت السنين.
عانقته بشوق كبير، بينما كان عز ينزل الدرج ويعلّق ساخرًا:
ابعدي يا بِنْت عن الحلوف ده! إيه يا أختي، ما لكيش راجل؟
دفنت روبي رأسها في صدر جاسر وهي تردّ بضحكة طفولية:
بس يا عز، جاسور وحشني!
اقترب عز وأطلق ضحكة رجولية، ثم مدّ يده ليصافح جاسر بحب:
وحشتك يالا مش كده؟
ضمه بحنان أخوي وقال:
حمد الله على السلامة يا حلوف. كنت واحشني بجد. إيه أخبار الإمارات من غيري؟
لكمه عز بخفة وهو يضحك:
مرتاحين منك يا بغل! إنت إيه أخبار المساجين اللي معاك؟
ضحك جاسر بصوت عالٍ وتحركا معًا نحو الخارج، بينما كانت روبي تتبع خطواتهما بعيون مليئة بالدفء.
التفت عز حوله وأخذ شهيقًا عميقًا، قبل أن يعلّق بشغف:.
أوووه! إيه الجمال ده؟ فعلاً رمضان له روايح، ومش تلاقي الروايح دي غير في مصر!
ابتسم جاسر وهو ينظر إليه:
قصدك حي الألفي!
أتى المساء سريعًا، والجميعُ تجمع كعادتهم في حديقةِ جواد. التفَّ الأحفاد حوله، ومنهم من جلس على قدمه ليستمع إلى قصصِه التي دائمًا ما تحمل الفائدةَ والحكمة. في ركنٍ بعيدٍ هادئ، كانت غنى تجلس في حضن أختها، محاولةً الهروب من صخب المشاعر.
بابا عرف يا غَنون إنك هتسافري ولا لِسَّه؟
تسارعت المشاعر داخلها كأمواجٍ عاتية، وامتلأت عيناها بسحبٍ من الدموعِ التي لم تستطع منعَها من الانحدار. أجابت بصوتٍ مثقلٍ بالألم:
أنا مش عارفة أعمل إيه يا روبي، بجد، بابي ومامي زعلانين علشانهم، بس دي حياتي، ولازم أقرر أنا.
قريبًا منهما، جلس بيجاد بجوار غزل وصهيب. قطع صهيب الصمتَ بحمحمته وهو يلتفت نحو بيجاد:
بيجاد، طنط غزل عايزة تتكلم معاك، يا حبيبي.
رفعت غزل عينيها الممتلئتين بالدموع نحوه وقالت بنبرةٍ حزينة:
عايزاك تيجي في إجازةِ نص السنة يا بيجاد، متخليش غنى تبعد عن حنان إخواتها.
اقترب بيجاد منها وجلس على ركبتيه، ثم أمسك بكفيها وقبَّل يديها بحنو:.
حبيبتي، أول ما تطلبي مني أنزل، هنزل على طول. صدقيني حاولت أتأقلم هنا، بس معرفتش. سفيان كبر، وعايزه يتعلم برَّه. وحضرتك أكتر واحدة عارفة إن الحياة هناك هتفرق معاه. أنا مش عايز ولادي يكونوا متسيبين. لازم كل حاجة تكون بإتقان، وشغلي هناك بياخد كل وقتي، مش هقدر أفضل مشتت بين هنا وهناك.
ربَّتت غزل على يده بحنان، ثم وجَّهت نظرها إلى صهيب:
يا حبيبي، دي حياتك، ومن حقك تعيشها بطريقتك.
حاولت أن تحبس دموعها، لكن دمعةً خائنةً انسابت عبر وجنتيها. هزت رأسها نافيةً وقالت بصوتٍ متحشرج:
لا، يا حبيبي، متقولش كده. أهم حاجة عندي سعادتكم.
اقترب أوس من الجلسة، ثم توقف أمام بيجاد، وقال بنبرةٍ جادة:
يعني هتسافر وتستقر هناك ومش هترجع تاني؟
أومأ بيجاد برأسه، قائلاً بنبرةٍ هادئة:
لازم أروح أتكلم مع عمو جواد. لازم يفهم وجهة نظري.
ابتعد بيجاد بضع خطوات، تاركًا غزل التي لم تستطع كبح دموعها. استند صهيب على الطاولة وهو ينظر إليها محاولًا تخفيف وطأة الألم:
غزل، محدش بيفضل قاعد بأهله طول عمره. كل واحد من حقه يعيش حياته بالطريقة اللي شايفها صح، حتى لو إحنا معترضين.
أجهشت غزل ببكاءٍ حاد وقالت:
هي هتوحشني يا صهيب، طيب هنا كنت لما توحشني بروح لها. هناك، في آخر بلاد العالم، هشوفها إزاي؟
ربَّت صهيب على ظهرها بحنان الأخ الأكبر:.
يا زوزو، العالم كله بقى أوضة وصالة. لما توحشك، هروح معاكي نزورها.
رفع عينيه نحو أوس الذي كان ينظر بغضب لبكاء والدته، ثم أردف بابتسامة محاولًا تلطيف الجو:
بس جواد يوافق، خايف يقتلني!
ابتسمت غزل وسط دموعها وقالت بصوتٍ مكسور:
لا، طبعًا، أنا أروح مع جوزي، أروح معاك ليه؟
ضحكت قليلاً، لكنها سرعان ما عادت إلى صمتها الحزين، تستجمع ما تبقى من قوتها لتقبل الواقع الذي بدا قاسيًا عليها.
بعد فترة، تحرَّك الأطفال يلهون بفوانيس رمضان، ويدندنون بأغانيه الشهيرة. رفع جوادُ نظره إلى بيجادَ بعدما انتهى من الحديث معه عمَّا يشغل باله.
قال جواد بابتسامةٍ هادئة: حبيبي، دي حياتك، وأنا مقدرش أعترض عليها. اللي شايفه مناسب ليك اعمله، بس المهم تحسب خطواتك صح.
قبل أن يرد بيجاد، اقترب الأطفال من جواد، وقطع كنانُ الصغير حوارهما بسؤال بريء: جدو جدو، هو إحنا ليه بنصوم رمضان؟
قاطعه سفيانُ، الذي كان يجلس بجوار والده، قائلاً بثقة: علشان ده ركنٌ من أركان الإسلام يا كينو!
رمقه كنانُ بنظرةٍ غاضبة تُعبّر عن استيائه من إجابته السريعة، ثم التفت إلى جواد وقال: طيب، هسأل سؤال صعب، علشان متعملش كبير عليا. ليه ما بنحتفلش بعيد رأس السنة، مع إن معظم المسلمين بيحتفلوا بيه؟
داعب جوادُ خصلاتِ شعر كنان بحنانٍ، ثم ضمَّه إليه وطبع قبلةً على رأسه. قال بابتسامةٍ أبويةٍ دافئة: علشان يا حبيبي ده مش عيدنا. ده تقليدٌ للغرب، وإحنا كمسلمين عندنا عيدان فقط: عيد الفطر وعيد الأضحى.
وضع الطفلُ إبهامَه على ذقنه الصغيرة في محاولةٍ لفهم ما قاله جده، ثم تساءل ببراءة: طيب، ليه فيه مسلمين بيحتفلوا؟ هم مش عارفين إنه حرام؟
قاطعه أيهمُ، الذي كان يجلس بجوار جواد، قائلاً بحزم: زي ما فيه كذابٌ يا كينو، وعارف إن الكذب حرام، لكنه بيكذب رغم إنه مسلم.
نظر أيهمُ إلى جواد بعيونٍ تحمل تساؤلاتٍ أكبر من عمره وقال: عارف يا جدو؟ عندي أصحابٌ بيفطروا في رمضان، ويقولوا إنهم صغيرين. طيب، يا جدو، لازم كلنا نصوم رمضان؟
ابتسم جوادُ بحنانٍ وشرح قائلاً: أيوة يا حبيبي، الصيام واجبٌ على المسلم البالغ العاقل، غير المريض. لكن فيه حالاتٌ ربنا سمح فيها بالإفطار.
رفع كنانُ حاجبيه بفضولٍ وقال: زي إيه يا جدو؟
رد جواد: زي المريض يا حبيبي، والمسافر.
ابتسم كنان وقال بمكرٍ طفولي: يعني أنا لو سافرت إسكندرية عند أنطي غنى، أقدر أفطر في رمضان؟
ضحك الجميع بصوتٍ عالٍ على تعليق الصغير، بينما وقعت عينا جواد على زوجته التي كانت تبدو شاردةً وحزينة. نهض من مكانه، مشيراً إلى الأطفال قائلاً: يلا ليلة سعيدة آل الألفي. قالها وتحرك إلى أن أوقفه عز
- رايح فين ياجواد وسايب عيالك
رمقه بنظرة اخرسته
طوقت ذراعه وتحركت بجواره بالحي، ليخرجون لقضاء صلاة القيام، حتى حدة حزنها.
كانت الأجواء مفعمة بمزيج من البهجةو. زينة رمضان المتلألئة تعانق نسمات الليل، فيما تردد تواشيح النقشبندي بين الأرواح، فتنساب الطمأنينة في القلوب. جلس الشباب على العشب يتسامرون ويتبادلون ذكريات رمضان الذي جمعهم. وفجأة، قطع بيجاد الحديث مستأذنًا:
بعد إذنكم يا شباب، هطلع أستريح شوية، سهرة سعيدة ونتقابل على السحور إن شاء الله.
قالها بابتسامة وهو ينحني ليمسك كف غنى برفق. التفت نحو سفيان، وصوته يفيض بالمسؤولية:
خلي بالك من إخواتك، يا حبيبي.
رد سفيان بحسم:
حاضر، . هلف مع لين شوية بالبيسكليت وبعدين أنام.
رمق بيجاد غنى بنظرة تحمل شجنًا عميقًا، وكأنها نافذة لمشاعر لم يُفصح عنها. احتواها بحنان، ثم توجه بها إلى الداخل.
توقف فجأة، وقبضة من الألم اعتصرت قلبه وهو يرى الدموع تلمع في عينيها. سألها بصوت خافت:
طيب ليه الدموع دي، يا غنى؟
حاوطت خصره بحنان، وقالت بصوت مختنق:
زعلانة علشان مامي وروبي، يا بيجاد. أنا عارفة إنها حزينة من وقت ما عرفت إننا مسافرين. علشان كده بابا خدها وخرجوا.
مرر أنامله بحنان على وجنتيها، وكأنه يمسح همومها:
حبيبتي، وعد، كل حاجة هتكون كويسة. هننزل كل فترة. لكن مش هنقدر نقعد هنا أكتر. بابا مبقاش قادر على الشغل، وطنط عارفه، هم مش بيخلفونا علشان وقت ما يحتاجونا ما نكونش موجودين.
احتوى وجهها بين يديه وطبع قبلة دافئة على جبينها، قبل أن يهمس:
هنكون كويسين، وعد مني، يا غنى.
---
في الخارج، كان سفيان يقود دراجته بينما تجلس لين خلفه، يتجولان في الحديقة. توقّف بهدوء، وأمسك كفيها برفق:
انزلي براحة. تعالي، هنروح عربية بابي، جبتلك فانوس وبيقول ميوزيك باسمك.
صفقت لين ببراءة، عيناها تشعّان فرحًا:
أحلى سيفو في الدنيا!
فتح سفيان السيارة وأخرج علبة صغيرة، ثم جذب يد لين واتجه إلى مكان هادئ في الحديقة. جلس بجانبها، وفتح العلبة بحماس ليُخرج مصحفًا صغيرًا مزينًا، وفانوسًا يضيء برسالة تقول: كل سنة وأنتِ طيبة يا لينو.
ابتسمت لين بسعادة بريئة، واحتضنت المصحف وقبّلته قائلة:
بشوف بابي ومامي بيعملوا كده.
ثم اقتربت وطبعت قبلة على وجنتيه
شكرًا سيفو
احتضنها سفيان بحنان، وقال بصوت يملؤه الاطمئنان:.
لينو، هنروح روسيا، وهنقعد هناك، بس بابي وعد إننا هننزل في الأعياد.
ثم تذكّر شيئًا، فركض إلى السيارة وأخرج جهازًا محمولًا صغيرًا، وناوله لها بابتسامة:
دي هدية عيد ميلادك، علشان مش هحضره بعد شهرين. هكلمك عليه كل يوم، ولو حد زعلك، عرفيني!
اقتربت راسيل بخطوات سريعة وقالت بنبرة عاتبة:
كنت عارفة إنكم هنا، بدور عليكم من زمان!
ابتسم سفيان ومدّ يده ليأخذها برفق:.
تعالي يا راسو، بما إنك الكبيرة، فأنا هوصّيكي على لينو.
تذمرت راسيل بطفولية:
أنا مش بحب عمو بيجاد، سيفو! هروح أقول له كده!
-يعني ايه مسافرين بعيد ياسفيان، مش زي اسكندرية يعني
ابتسم وهو ينظر إلى راسيل
-لا بابي عايز اكمل تعليمي برة، الثانوية هناك، انت لسة صغيرة، لما تكبري هتفهمي
-بس انت هتسبنا كدا، وكمان قصي وتيا، لا انا زعلانة
قالتها لين بتذمر، لتجيب راسيل
-وأنا كمان زعلانة اوي سيفو، اووف، توقفت لين قائلة.
-هروح اقول لعمو بيجاد انا مش بحبه
ركضت سريعًا تصيح باسمه، مما أثار فضول جاسر الذي توقف ينظر إليها بلهفة:
لينو، فيه إيه؟
وصلت لين إلى الداخل وهي تنادي بيجاد بأعلى صوتها. خرج بيجاد على صوتها، وحين رأى وجهها البريء الحزين، انحنى ليكون بمستواها وسألها بلطف:
مالك يا لين الجميلة؟ ليه زعلانة؟
هزت رأسها بتردد، قبل أن تنطق بصوت مكسور:
ما تسافروش يا عمو. ليه هتسافروا؟ سيفو وقصي وتيا مش هيجو عندنا!
ابتسم بيجاد بحنان وقبّل جبينها:
طيب، إيه رأيك، وقت ما تحسي إنك عايزة تشوفيهم، هييجوا فورًا؟
اجتمع الأطفال حول بيجاد، يراقبونه بتساؤل، فأشار إلى أيهم وقال بابتسامة:
أيهم، خد بنت عمتك، وصلها لباباها.
اقتربَ جاسرُ من ابنتِه وهو يداعبُ شعرَها بحنانٍ، وقالَ بصوتٍ مليءٍ بالمودَّة:.
حبيبتِي، عمو رايح شُغلُه وهيرجع بعد كام شهر. عندِك إيهم وأدهم ويوسف، وكمان كينو وراسيل ورنيم. كلهم حواليكِ، ليه ماسكة في مقصوفِ الرقبة ده؟
عقدتِ الصغيرةُ ذراعيها بتذمُّر، وقالت ببراءةٍ واضحةٍ:
أنا بحبهم كلهم يا بابي، بس سيفو غير. علشان قالي لما نكبر هنتجوز!
ضحكَ بيجادُ وضربَ كفَّيهِ ببعضِهما، وقال بمزاحٍ ظاهرٍ:
البنت طلعتْ لأبوها! رَبِّي بنتك يا أخويا. وبيقولوا ابني مش متربي.
دخلَ عز بجوارِ سفيان مبتسمًا، وقال ممازحًا:
بتضحكوا من غيرنا؟
اقتربَ بيجادُ من عزِّ ووضعَ يدَه على كتفِه، وقالَ بفخرٍ مشوبٍ بالدعابة:
شوف يا سيدي، إحنا ناس محترمين ومتربيين، وولادنا بيتشَقّطوا!
ردَّ جاسر بابتسامةٍ هادئةٍ:
سخيف يا ابنَ المنشاوي! دا كلام يتقال قدام العيال؟
أشارَ جاسرُ بيدِه إلى الأطفالِ، وقال برفقٍ:
يلا يا حبايب خالو، كملوا لعب بره. عمو بيجاد بيحب يهزر.
اقتربَ سفيانُ من والدِه بخطواتٍ واثقةٍ، وهو ينظرُ إلى لين التي اختبأتْ في أحضانِ والدِها، وقالَ بهدوءٍ:
بابا، حضرتك زعلت لين ليه؟ هي صغيرة ومش فاهمة حاجة.
انحنى بيجاد منها وجلسَ على ركبتَيْه ليكون بمستوى نظرِها، وقال بابتسامةٍ مليئةٍ بالحبِّ:
بتكرهيني يا بنت جاسر؟ وجاية تخطبي ابني؟
رفعَ رأسَه إلى جاسر وضحكَ قائلاً:
ابني غالي يا ابن حمايا. والله لو دفعت حي الألفي كله مش موافق!
ظهرتِ الصدمةُ على وجهِ جاسر واقتربَ من بيجاد قائلاً بابتسامةٍ مستفزةٍ:
وانت لو جيتْ من إسكندرية حافي علشان أوافق على ابنك اللي شبهك، والله ما يحصل.
قاطعهُ عزُّ ضاحكًا:
بس يا بابا! مين اللي حافي يا ابن جواد؟
أطلقَ عزُّ صفيرًا وقالَ بصوتٍ مرتفعٍ:
جواد! تعالى بيتك، فيه حريقة بسبب مفاعيض العيلة!
دخلَ ياسينُ متسائلًا:
مالكم؟ بتتخانقوا ولا إيه؟
ردَّ بيجادُ وهو يمسحُ أنفَه بغمزةٍ واضحةٍ:.
أنا أوافق على الناس المحترمة زي ياسين، إنما المنفلتين أصحاب الزراير؟ لا.
نظرَ جاسرُ إلى بيجاد بغضبٍ وجذبه من تلابيبِه قائلاً:
وحياة جواد الألفي لو بوست إيدي، ما أنا مجوزهم لبعض!
قاطعهُ سفيانُ بهدوءٍ وثقةٍ:
خلصتوا خناقة؟ محدش يقدر يقرر مصيري، لا حضرتك يا بابا ولا خالو. ولينو عروستي زي ما جدو قال.
ابتسمَ جوادُ الذي دخلَ مع غزل، وقال بمرحٍ واضحٍ: -برافو عليك حبيب جدو، ثم التفت إليهم.
بتتخانقوا على العيال؟ وأنا فكرت هرجع ألاقيكم بتصلوا القيام! يا عيني عليك يا جواد، معرفتش تربي!
ردَّ بيجاد ضاحكًا:
أنا متربي يا حمايا، بس ابنك اللي عايز يتربى!
دخلَ صهيبُ قائلاً بابتسامةٍ عريضةٍ:
مين اللي عايز يتربى وأنا أربيه من أول وجديد؟
ضحكَ بيجاد بصوتٍ عالٍ واقتربَ منه قائلاً:
كنت فين يا رجل يا كُبرة؟ جوز بنتك مش متربي وعايز يتربى!
غمزَ صهيب وقالَ بمرحٍ:.
يتربى يا بيجو. عز، أختك وحشاك يا زيزو، خدها في حضنك الليلة يا حبيبي!
ردَّ عزُّ بابتسامةٍ واسعةٍ:
حضرتك تؤمر يا بابا.
أمسكَ عزُّ برُسغِ جنى وقالَ بلطفٍ:
تعالي، خليهم يلعبوا شوية علشان طنط غزل.
اومأتْ جنى بابتسامةٍ رقيقةٍ وتحركت. أوقفها جاسرُ وقالَ بصوتٍ حنونٍ:
بت يا جنى، رايحة فين؟
نظرتْ جنى إلى صهيب، ثم إلى عز، وهتفت بتردد:
رايحة أسحر مع بابا. هي مش غنى وربي هيسحروا معاكم؟ أنا هسحر مع بابا!
خرجتْ بجوارِ عزِّ، واقتربَ جاسرُ من صهيب وقال
-كنت عارف ياصهيب ا:
فرحان؟ طيب، اشربها أنت وبنتك!
قبَّلَ بيجادُ وجنتَيْ صهيب بحبٍّ، وقالَ:
ربي يخليك يا صهيوب، يا رب!
صعد للأعلى يسبها
-ماشي يابنت صهيب، ناسية بكرة رمضان. وصل إلى الغرفة وبدأ يدور بها
ثم تذكر شيئا
-لو مش خليتك تيجي يابنت صهيب.
في اليوم التالي، اجتمع الجميعُ حول مائدةِ الإفطارِ التي جمعت أفرادَ العائلةِ كأنها قطعةٌ من الجنةِ وسطَ أجواءِ رمضانَ الساحرة. جلس جوادٌ على رأسِ المائدةِ، يحيط به دفءُ العائلةِ، بينما يقابله صهيبٌ بابتسامةٍ تحمل معنى الاحترامِ وروحِ الأخوةِ.
انطلق صوتُ مدفعِ الإفطارِ، فتوقفت الحركةُ للحظةٍ، وكأنَّ الوقتَ تراجعَ احترامًا لتلكَ اللحظةِ الروحانية. أغمض الجميعُ أعينَهم بخشوعٍ، يرددون دعاءَ الإفطارِ بصوتٍ واحدٍ يشعُّ بالإيمانِ واليقينِ. كانت رائحةُ الطعامِ الزكيةُ تمتزجُ مع عطرِ الإيمانِ، لتضفي على المكانِ أجواءً رمضانيةً لا تُنسى.
بدأوا بتناولِ التمرِ وشربِ الماءِ، كما أوصى رسولُ اللهِ، في لحظةٍ جمعت بين البساطةِ والقدسيةِ. ارتفعت أصواتُ الضحكاتِ والتعليقاتِ اللطيفةِ، وكأن السعادةَ قررت أن تكونَ ضيفًا دائمًا على مائدتهم. بعدها نهضوا للصلاةِ، صفًّا واحدًا، وكأنهم يعيدون تأكيدَ وحدتِهم تحت مظلةِ الإيمانِ.
عندما عادوا إلى المائدةِ، كانت الأجواءُ تفيضُ بالبهجةِ. أصواتُ الأحاديثِ الوديةِ امتزجت مع ضحكاتِ الأطفالِ التي أضفت لمسةً بريئةً
وصوت الألعاب النارية، طافت أعين جواد على الجميع يدعو ربه بسريرته
أن يجمعهم دائما على المحبة والألفة، شعر بيد صغير على كتفه، رفع عيناه للذي اقترب منه
جدو جواد حضرتك وصيتني عليهم كلهم، وقولت اخواتك، بس برضو حضرتك قولت لي عروستك لينو، خليك قد كلمتك، علشان خالو رافض.
ابتسم جواد بحنان، ثم أشار بالجلوس بجواره وتمتم بهدوء: -حبيبي لما تكبر وجيت قولت لي كدا لو لسة في العمر بقية، وهي عايزاك وعد يابن بيجاد هتكون من نصيبك، بس انت لسة صغير اوي حبيبي، خلص دراستك ولو لينا عمر هنتكلم
-أنا مش صغير وعارف بقول ايه، وبابا اتجوز ماما وكان بينهم عمر كبير، قاطعهم وصول بيجاد الذي جذب مقعد وجلس بجوار جواد متسائلا
-فيه ايه؟
-فيه أمانة مني ليك يابن ريان المنشاوي، انت هتاخد احفادي، بس لو الوجوه متقلبتش تاني وصيتي لو ابنك لسة باقي على بنت خالو تجمعهم
هزة عنيفة أصابت جسد بيجاد حتى نهض من مكانه وتجمعت عبراته قائلا
-وأنا خلاص لغيت السفر ياعمو جواد، خلاص هبعت اصفي كل شغلي هناك، بس بلاش تقول كدا، ربنا يبارك لنا في عمرك، ليه تزعلني منك كدا
صمت بالمكان على صوت بيجاد لينهض جواد يضمه بمحبة
-الموت علينا حق يابن ريان.
شهقة بصوت مرتفع اخرجتها غزل بعد سماع حديثه، لتقترب منه
-ليه دايمًا بتحسسني انك ممكن تتخطف من بينا ياجواد، ليه حرام عليك، قلبي مبقاش متحمل
-وحدوووه
قالها فارس الذي يتناول الكنافة، ثم أشار إلى جواد
-الراجل زي البومب اهو انت اللي عيلة نكدية، ألقى الطبق فوق الطاولة
-سديتوا نفسي، الهي يسد نفس جواد حازم
ارتفعت ضحكاتهم مرة أخرى. بينما نهض صهيب من مكانه متسحبًا بهدوء.
يخطو بالحي بخطوات ثقيلة، هو يعلم أن الموت علينا حق، ولكن هل سيتحمل القلب لحظة الفراق
توقف على إطلاق الألعاب النارية التي بدأ الشباب بإطلاقها. دقائق سكينة ليرتفع اذان العشاء ليتوجهون إلى إقامة صلاة العشاء والقيام.
تمت بحمدلله